الأمثال في القرآن الكريم

الأمثال في القرآن الكريم 0%

الأمثال في القرآن الكريم مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-6243-73-8
الصفحات: 291

الأمثال في القرآن الكريم

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

ISBN: 964-6243-73-8
الصفحات: 291
المشاهدات: 91097
تحميل: 7338

توضيحات:

الأمثال في القرآن الكريم
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 291 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 91097 / تحميل: 7338
الحجم الحجم الحجم
الأمثال في القرآن الكريم

الأمثال في القرآن الكريم

مؤلف:
ISBN: 964-6243-73-8
العربية

، بل كانت حِكماً وإنّما جاءت مثلاً حسب مرّ الزمان.

وأخيراً نزيد أنّ هناك آيات أخرى غير ما تقدَّم أكثر تداولاً على الألسن في أكثر البلاد الإسلامية نشير إلى قسم منها ، وربما يوجد بعض منها فيما ذكره مؤلف الآداب ، وهذه الآيات هي :

١.( كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا ) .(١)

٢.( هذا فراقٌ بَيْنِي وَبَيْنِك ) .(٢)

٣.( نُورٌ عَلى نُور ) .(٣)

٤.( وَ ما عَلى الرَّسُولِ إلاّ البَلاغ ) .(٤)

٥.( يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيّتِ وَيُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ ) .(٥)

٦.( هَلْ يَسْتَوي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لا يَعْلَمُون ) .(٦)

٧.( يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيدِيهِمْ ) .(٧)

٨.( هَلْ جَزاء الإحْسانِ إلاّ الإحسانُ ) .(٨)

٩.( لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُون ) .(٩)

١٠.( لَكُمْ دِينُـكُمْ وََلِي دِين ) .(١٠)

هذه آيات عشر صارت مثلاً سائراً بين أكثر المسلمين.

__________________

١ ـ الأعراف : ٣١.

٢ ـ الكهف : ٧٨.

٣ ـ النور : ٣٥.

٤ ـ النور : ٥٤.

٥ ـ الروم : ١٩.

٦ ـ الزمر : ٩.

٧ ـ الفتح : ١٠.

٨ ـ الرحمن : ٦٠.

٩ ـ الصف : ٢.

١٠ ـ الكافرون : ٦.

٦١

ثم إنّ المحقّق بهاء الدين العاملي ( ٩٥٣ ـ ١٠٣٠ هـ ) عقد فصلاً تحت عنوان « فيما ورد من كتاب الله تعالى مناسباً لكلام العرب » ويريد بذلك انّ هناك معادلات في كلام العرب لما جاء في القرآن من الحكم ، وذكر الآيات والأمثال التالية :

أ : العرب تقول في وضوح الأمر : « قد وضح الصبح لذي عينين ».

وقال الله تعالى :( الآن حَصْحَصَ الحَقّ ) .(١)

ب : وتقول العرب في فوات الأمر : « سبق السيف العذل ».

قال الله تعالى :( قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِيهِ تَسْتَفْتيان ) .(٢)

ج : وتقول في تلافي الإساءة « عاد غيث على ما أفسد ».

قال الله تعالى :( مكانَ السَّيئةِ الحَسنة ) .(٣)

د : وتقول في الإساءة لمن لا يقبل الاِحسان : « اعط أخاك ثمرة فإن أبي فجمرة ».

وقال تعالى :( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِين ) .(٤)

هـ : وتقول في فائدة المجازاة : « القتل أنفى للقتل ».

وقال تعالى :( وَلَكُمْ فِي القِصاصِ حَياةٌ يا أُولي الألْباب ) .(٥)

__________________

١ ـ يوسف : ٥١.

٢ ـ يوسف : ٤١.

٣ ـ الأعراف : ٩٥.

٤ ـ الزخرف : ٣٦.

٥ ـ البقرة : ١٧٩.

٦٢

و : وتقول في اختصاص الصلح : « لكّل مقام مقال ».

وقال تعالى :( لِكُلّ نَبأٍ مُسْتَقر ) (١) (٢)

ثمّ إنّ بهاء الدين العاملى عاد إلى الموضوع في كتابه « المخلاة » ونقل شيئاً من أمثال العرب التي استفادها العرب من القرآن الكريم ، فأوضح أنّ القرآن هو المنبع المهم لهذه الأمثال ، قال :

أ : قولهم : ما تزرع تحصد :( مَنْ يَعْمَل سُوءاً يُجْزَ بِهِ ) .(٣)

ب : قولهم : للحيطان آذان :( وَفيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ ) .(٤)

ج : قولهم : احذر شرَّ من أحسنت إليه :( وَما نَقَمُوا إلاّ أنْ أغناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ) .(٥)

د : وقولهم : لا تلد الحيّة إلاّ حيّة :( وَلا يَلِدُوا إلاّ فاجِراً كفّاراً ) (٦) (٧)

وما ذكره شيخنا العاملى هو الذي سبق ذكره في كلام الآخرين تحت عنوان « الأمثال الكامنة ».

ولعلّ ما ذكره ابن شمس الخلافة والسيوطى والبهائى ليس إلاّ جزءاً يسيراً من الحكم التي سارت بين الناس ، أو صارت نموذجاً لصبّ بقية الأمثال في قالبها ، وهذا من القرآن ليس ببعيد.

كيف وقد وصفه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تُحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه ».(٨)

__________________

١ ـ الأنعام : ٦٧.

٢ ـ أسرار البلاغة : ٦١٦ ـ ٦١٧.

٣ ـ النساء : ١٢٣.

٤ ـ التوبة : ٤٧.

٥ ـ التوبة : ٧٤.

٦ ـ نوح : ٢٧.

٧ ـ المخلاة : ٣٠٧.

٨ ـ الكافي : ٢٥٩٩ ، كتاب فضل القرآن ، الحديث ٢.

٦٣

الرابع عشر : الأمثال النبوية

إذا كان المثل إبراز المعنى المقصود في معرض الأمر المشهود ، وتحلية المعقول بحلية المحسوس ، واستنزال الحقائق المستعصية ، فهو من أدوات التبليغ والتعليم ، ولذلك ذاع التمثيل في القرآن الكريم والكلمات النبوية ، وكلمات أئمّة أهل البيتعليهما‌السلام ، إلى عبارات البلغاء وإشارات الحكماء.

وقد قام غير واحد من المحدثين بجمع الأمثال النبوية.

وقد ذكر المحقّق المعاصر الشيخ محمد الغروي ـ حفظه الله ـ في مقدمة كتابه « الأمثال النبوية » حوالي عشرة كتب حول الأمثال النبويّة ، وهو بكتابه هذا أوصل العدد إلى أحد عشر كتاباً ، وقد نقل عن عبد المجيد محمود مؤلف كتاب « أمثال الحديث » العبارة التالية : أمّا أمثال الحديث فلم تحظ بالعناية التي نالتها أمثال القرآن أو الأمثال العربية العامة ، ولم أر أحداً من أصحاب الكتب الستة أفردها بالتأليف أو أفرد لها باباً في كتابه ، سوى الإمام الترمذي الذي خصص لأمثال الحديث مكاناً في جامعه تحت عنوان : « أبواب الأمثال عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لكنّه لم يذكر تحت هذا العنوان غير أربعة عشر حديثاً ، ولهذا يقول ابن العربي : ولم أر أحداً من أهل الحديث صنف فأفرد لها باباً غير أبي عيسى ـ يعني الترمذي ـ ولله درّه لقد فتح باباً أو بنى قصراً أو داراً ، ولكن اختط خطاً صغيراً ، فنحن نقتنع به ونشكره عليه.(١)

ثمّ إنّ شيخنا الغروي قام بجمع شوارد الأمثال النبوية في جزءين كبيرين مع تفسيرها ، مرتباً إياها وفق حروف التهجّي ، وأسمى كتابه « الأمثال النبويّة » ،

__________________

١ ـ أمثال الحديث : ٨٨ ، ولكلامه صلة.

٦٤

وطبع في بيروت.

وها نحن نذكر نماذج من الأمثال النبوية التي جمعها السيوطي في « الجامع الصغير » لتكون زينة للكتاب.

١. « مثل الإيمان مثل القميص تقمَّصه مرّة ، وتنزعه أخرى ».

٢. « مثل البخيل والمتصدّق كمثل رجلين عليهما جبّتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما ، فأمّا المنفق فلا ينفق إلاّ سبغت على جلده ، حتى تخفي بنانه ، وتعفو أثره ، وأمّا البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلاّ لزقت كل حلقة مكانها ، فهو يوسّعها فلا تتسع ».

٣. « مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه ، مثل الحيّ والميّت ».

٤. « مثل الجليس الصالح والجليس السوء ، كمثل صاحب المسك وكير الحدّاد ، لا يعدمك من صاحب المسك ، إمّا أن تشتريه أو تجد ريحه ، وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك ، أو تجد منه ريحاً خبيثة ».

٥. « مثل الجليس الصالح مثل العطّار ، إن لم يعطك من عطره أصابك من ريحه ».

٦. « مثل الرّافلة في الزينة في غير أهلها ، كمثل ظلمة يوم القيامة لا نور لها ».

٧. « مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جارٍ عذب على باب أحدكم ، يغتسل فيه كلّ يوم خمس مرّات ، فما يبقي ذلك من الدَّنس ».

٨. « مثل العالم الذي يعلّم الناس الخير وينسى نفسه ، كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه ».

٦٥

٩. « مثل القلب مثل الريشة تقلّبها الرياح بفلاة ».

١٠. « مثل الذي يعتق عند الموت ، كمثل الذي يهدي إذا شبع ».

١١. « مثل الذي يتعلّم العلم ، ثمّ لا يحدّث به ، كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه ».

١٢. « مثل الذي يتعلّم العلم في صغره كالنقش على الحجر ، ومثل الذي يتعلّم العلم في كبره ، كالذي يكتب على الماء ».

١٣. « مثل الذي يجلس يسمع الحكمة ولا يحدّث عن صاحبه إلاّ بشرّ ما يسمع ، كمثل رجل أتى راعياً ، فقال : يا راعي اجزرني شاة من غنمك ، قال : اذهب فخذ بأُذنِ خيرها شاةً ، فذهب فأخذ بأُذنِ كلب الغنم ».

١٤. « مثل الذي يتكلّم يوم الجمعة والاِمام يخطب ، مثل الحمار يحمل أسفاراً ، والذي يقول له : « انصت » لا جمعة له ».

١٥. « مثل الذي يعلّم الناس الخير وينسى نفسه ، مثل الفتيلة ، تضيء للناس وتحرق نفسها ».

١٦. « مثل الذي يعين قومه على غير الحقّ ، مثل بعير تردّى وهو يجرّ بذنبه ».

١٧. « مثل الذين يغزون من أُمّتي ويأخذون الجعل يتقوّون به على عدوهم ، مثل أُمّ موسى ، ترضع ولدها وتأخذ أجرها ».

١٨. « مثل المؤمن كمثل العطار ، إن جالسته نفعك ، وإن ماشيته نفعك ، وإن شاركته نفعك ».

١٩. « مثل المؤمن مثل النخلة ما أخذت منها من شيء نفعك ».

٢٠. « مثل المؤمن إذا لقي المؤمن فسلّم عليه ، كمثل البنيان يشدّ بعضه

٦٦

بعضاً ».

٢١. « مثل المؤمن مثل النحلة ، لا تأكل إلاّ طيباً ، ولا تضع إلاّ طيباً ».

٢٢. « مثل المؤمن مثل السنبلة ، تميل أحياناً ، وتقوم أحياناً ».

٢٣. « مثل المؤمن مثل السنبلة ، تستقيم مرّة ، وتخرّ مرّة ، ومثل الكافر مثل الأرزّة ، لا تزال مستقيمة حتى تخرّ ولا تشعر ».

٢٤. « مثل المؤمن مثل الخامة ، تحمرُّ مرّة ، وتصفرُّ أخرى ، والكافر كاللأرزّة ».

٢٥. « مثل المؤمن كمثل خامة الزرع من حيث أتتها الريح كفتها ، فإذا سكنت اعتدلت ، وكذلك المؤمن ، يكفّأ بالبلاء ، ومثل الفاجر كاللأرزّة صمّاء معتدلة ، حتى يقصمها الله تعالى إذا شاء ».

٢٦. « مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الاُترجُّة ريحها طيّب وطعمها طيّب.ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها ، وطعمها حلوٌ. ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ، ريحها طيب ، وطعمها مرّ ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر ».

٢٧. « مثل المؤمن مثل النحلة إن أكلت أكلت طيّباً ، وإن وضعت وضعت طيّباً ، وإن وقعت على عود نخر لم تكسره ، ومثل المؤمن مثل سبيكة الذهب إن نفخت عليها احمرّت ، وإن وزنت لم تنقص ».

٢٨. « مثل المؤمن كالبيت الخرب في الظاهر ، فإذا دخلته وجدته مونفاً ، ومثل الفاجر كمثل القبر المشرف المجصّص ، يعجب من رآه وجوفه ممتلىَُ نتناً.

٢٩. مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمى ».

٦٧

٣٠. مثل المجاهد في سبيل الله ، كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صيام ولا صدقة ، حتى يرجع ، وتوكّل الله تعالى للمجاهد في سبيله إن توفّاه أن يدخله الجنّة أو يرجعه سالماً مع أجرٍ أو غنيمة ».

٣١. « مثل المرأة الصالحة في النساء ، كمثل الغراب الأعصم الذي إحدى رجليه بيضاء ».

٣٢. « مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين ، تعير إلى هذه مرّة ، وإلى هذه مرّة ، لا تدري أيّهما تتبع ».

٣٣. « مثل ابن آدم وإلى جنبه تسعة وتسعون منيّة ، إن أخطأته المنايا وقع في الهرم حتى يموت ».

٣٤. « مثل أصحابي مثل الملح في الطعام ، لا يصلح الطعام إلاّ بالملح ».

٣٥. « مثل أُمّتي مثل المطر ، لا يُدرى أوّله خير ، أم آخره ».

٣٦. « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ».

٣٧. « مثل بلال كمثل نحلة ، غدت تأكل من الحلو والمرّ ثم يمسي حلواً كلّه ».

٣٨. « مثل بلعم بن باعوراء في بني إسرائيل ، كمثل أُمية بن أبي الصلت في هذه الاَُمّة ».

٣٩. « مثل منىً كالرحم في ضيقه ، فإذا حملت وسعها الله ».

٤٠. مثل هذه الدنيا مثل ثوب شُقَّ من أوّله إلى آخره ، فبقي متعلّقاً بخيط في آخره ، فيوشك ذلك الخيط أن ينقطع ».

٦٨

٤١. « مثلي ومثل الساعة كفرسي رهان ، مثلي ومثل الساعة كمثل رجل بعثه قوم طليعة ، فلمّـا خشي أن يسبق ألاح بثويبه : أُتيتم أُتيتُم ، أنا ذاك ، أنا ذاك ».

٤٢. « مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً ، فجعل الفراش والجنادب يقعن فيها وهو يذُبّـهنّ عنها ، وأنا آخذ بحجزكم عن النار ، وأنتم تفلتون من يدي ».(١)

الخامس عشر : الأمثال العلوية

كان أمير المؤمنينعليه‌السلام مشرّع الفصاحة وموردها ، ومنشأ البلاغة ومولّدها ، ومنهعليه‌السلام ظهر مكنونها ، وعنه أخذت قوانينها ، وعلى أمثلته حذا كلّ قائل خطيب ، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ ، وعلى كلامه مسحة من العلم الإلهي ، وفيه عبقة من الكلام النبوي.

فقد قام غير واحد من روّاد الفصاحة والبلاغة بجمع شوارد كلامه ، وكلمه القصار والطوال ، فنافت على اثنتي عشرة ألف كلمة ، وفيما جمعه عبد الواحد الآمدي ( المتوفّى حدود ٥٥٠ هـ ) في كتابه « غرر الحكم ودرر الكلم » غنىً وكفاية لطلاّب الحق ولذلك نطوي عنها كشحا.

وأمّا التمثيل في كلمات سائر الأئمة الاثني عشر فحدّث عنه ولا حرج ، وقد شمّر المحقّق الغرويّ عن ساعد الجدّ فألّف موسوعات في هذا المضمار ، شكر الله مساعيه الجميلة.

__________________

١ ـ الجامع الصغير : ٢ / ٥٢٧ ـ ٥٣٤.

٦٩

السادس عشر : أمثال لقمان الحكيم

اختلفت الأقوال في شخصية لقمان الحكيم ، روى ابن عمر ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « لم يكن لقمان نبيّاً ، ولكن كان عبداً كثير التفكّر حسن اليقين ، أحبّ الله فأحبّه ومنّ عليه بالحكمة ».(١)

وقد بلغ سموُّ كلامه إلى حدّ نقل سبحانه وتعالى شيئاً من حكمه في القرآن الكريم ، وأنزل سورة باسمه ، كما قام غير واحد من العلماء بجمع حكمه المبثوثة في الكتب.

وقد قام أمين الإسلام الطبرسي بنقل شيء من حكمه في تفسيره ، وقد وصفه الإمام الصادقعليه‌السلام بقوله : « والله ما أوتي لقمان الحكمة لحسب ولا مال ولا بسط في جسم ولا جمال ، ولكنّه كان رجلاً قويّاً في أمر الله ، متورّعاً في الله ساكتاً سكيناً ، عميق النظر ، طويل التفكّر ، حديد البصر ، لم ينم نهاراً قطّ ، ولم يتكىَ في مجلس قوم قطّ ، ولم يتفل في مجلس قوم قطّ ، ولم يعبث بشيء قطّ ، ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط قطّ ، ولا على اغتسال لشدّة تستره وتحفّظه في أمره ، ولم يضحك من شيء قطّ ، ولم يغضب قطّ مخافة الإثم في دينه ، ولم يمازح إنساناً قطّ ، ولم يفرح بما أوتيه من الدنيا ، ولا حزن منها على شيء قطّ ، ولم يمرّ بين رجلين يقتتلان أو يختصمان إلاّ أصلح بينهما ، ولم يمض عنهما حتى تحاجزا ، ولم يسمع قولاً استحسنه من أحد قطّ ، إلاّ سأله عن تفسيره وعمّن أخذه ، وكان يكثر مجالسة الفقهاء والعلماء ، وكان يغشى القضاة والملوك والسلاطين ، فيرثي للقضاة بما ابتلوا به ، ويرحم الملوك والسلاطين لعزتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك ، ويتعلّم ما يغلب به

__________________

١ ـ مجمع البيان : ٤ / ٣١٥.

٧٠

نفسه ويجاهد به هواه ، ويحترز من السلطان ، وكان يداوي نفسه بالتفكّر والعبر ، وكان لا يظعن إلا فيما ينفعه ، ولا ينظر إلا فيما يعينه ، فبذلك أوتي الحكمة ومنح القضية ».(١)

__________________

١ ـ مجمع البيان : ٤ / ٣١٧ ـ ٣١٨.

٧١

سورة البقرة

١

التمثيل الأوّل

قال سبحانه :( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنّا وَإِذَا خَلَوْا إِلى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُون * اللهُ يَسْتَهْزِىَُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُون * أُولئِكَ الَّذينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدَى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدين * مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوقَدَ نَاراً فَلَمّا أَضَاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ في ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمّ بُكمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُون ) .(١)

تفسير الآيات

الوقود ـ بفتح الواو ـ الحطب ، استوقد ناراً ، أو أوقد ناراً ، كما يقال : استجاب بمعنى أجاب.

افتتح كلامه سبحانه في سورة البقرة بشرح حال طوائف ثلاث :

الاَُولى : المؤمنون ، واقتصر فيهم على آيتين.

الثانية : الكافرون ، واقتصر فيهم على آية واحدة.

الثالثة : المنافقون ، وذكر أحوالهم وسماتهم ضمن اثنتى عشرة آية.

__________________

١ ـ البقرة : ١٤ ـ ١٨.

٧٢

وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على أنّ النفاق بؤرة الخطر ، وانّهم يشكلون خطورة جسيمة على المجتمع الاِسلامى. وقد مثل بمثلين يوقفنا على طبيعة نواياهم الخبيثة وما يبطنون من الكفر.

بدأ كلامه سبحانه في حقهم بأنّ المنافقين هم الذين يبطنون الكفر ويتظاهرون بالإيمان( وَإذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَإذا خَلَوا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِئُون ) .

ثمّ إنّه سبحانه يردّ عليهم ، بقوله :( اللهُ يَسْتَهْزِىَُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُون ) والمراد أنّه سبحانه يجازيهم على استهزائهم.

ثمّ وصفهم بقوله :( أُولئِكَ الَّذينَ اشْتَرَوا الضَّلالَةَ بِالهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدين ) ، أي أخذوا الضلالة وتركوا الهدى ، واستبدلوا الكفر بالإيمان ، فلم يكونوا رابحين في هذه التجارة والاستبدال ، ثمّ وصفهم بالتمثيل الآتي :

نفترض أنّ أحداً ، ضلّ في البيداء وسط ظلام دامس وأراد أن يقطع طريقه دون أن يتخبّط فيه ، ولا يمكن أن يهتدي ـ والحال هذه ـ إلاّ بإيقاد النار ليمشي على ضوئها ونورها ويتجنب المزالق الخطيرة ، وما أن أوقد النار حتى باغتته ريح عاصفة أطفأت ما أوقده ، فعاد إلى حيرته الا َُولى.

فحال المنافقين كحال هذا الرجل حيث إنّهم آمنوا بادىَ الأمر واستناروا بنور الإيمان ومشوا في ضوئه ، لكنّهم استبدلوا الإيمان بالكفر فعمَّهم ظلام الكفر لا يهتدون سبيلاً.

هذا على القول بأنّ المنافقين كانوا مؤمنين ثمّ عدلوا إلى الكفر ، وأمّا على

٧٣

القول بعدم إيمانهم منذ البداية ، فالنار التي استوقدوها ترجع إلى نور الفطرة الذي كان يهديهم إلى طريق الحق ، ولكنّهم أخمدوا نورها بكفرهم بآيات الله تبارك وتعالى.

والحاصل : أنّ حال هؤلاء المنافقين لمّا أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر كحال من ضلَّ في طريقه وسط الظلام في مكان حافل بالأخطار فأوقد ناراً لاِنارة طريقه فإذا بريح عاصفة أطفأت النار وتركته في ظلمات لا يهتدي إلى سبيل.

وهذا التمثيل الذي برع القرآن الكريم في تصويره يعكس حال المنافقين في عصر الرسالة ، ومقتضى التمثيل أن يهتدي المنافقون بنور الهداية فترة من الزمن ثمّ ينطفئ نورها بإذن الله سبحانه ، وبالتالي يكونوا صمّاً بكماً عمياً لا يهتدون ، فالنار التي اهتدى بها المنافقون عبارة عن نور القرآن ، وسنّة الرسول ، حيث كانوا يتشرّفون بحضرة الرسول ويستمعون إلى كلامه وحججه في بيانه ودلائله في إرشاده وتلاوته لكتاب الله ، فهم بذلك كمن استوقد ناراً للهداية ، فلمّـا أضاءت لهم مناهج الرشد ومعالم الحقّ تمرّدوا على الله بنفاقهم ، فخرجوا عن كونهم أهلاً للتوفيق والتسديد ، فأوكلهم الله سبحانه إلى أنفسهم الأمّارة وأهوائهم الخبيثة ، وعمّتهم ظلمات الضلال بسوء اختيارهم.

وعلى هذا ابتدأ سبحانه بذكر المثل بقوله :( مَثَلُهمْ كَمَثلِ الَّذى استوقَد ناراً فلَمّا أضاءَت ما حوله ) وتمّ المثل إلى هنا.

ثمّ ابتدأ بذكر الممثل بقوله :( ذَهَبَ الله بِنُورهِمْ وَتَرَكَهُمْ في ظُلماتٍ لا يُبصرون ) .

فإن قلت : فعلى هذا فما هو جواب « لمّا » في قوله( فلمّا أضاءَت ) ؟

٧٤

قلت : الجواب محذوف ، لأجل الوجازة ، وهو قوله « خمدت ».

فإن قلت : فعلى هذا فبم يتعلّق قوله :( ذهب الله بنورهم ) ؟

قلت : هو كلام مستأنف راجع إلى بيان حال الممثل ، وتقدير الكلام هكذا : فلَمّا أضاءَت ما حوله خمدت فبقوا خابطين في ظلام متحيرين متحسّرين على فوات الضوء ، خائبين بعد الكدح من إيقاد النار.

فحال المنافقين كحال هؤلاء ، أشعلوا ناراً ليستضيئوا بنورها لكن( ذَهَب الله بنورهم وتَرَكَهُمْ في ظُلمات لا يُبصرون ) .

وبكلمة موجزة : ما ذكرنا من الجمل هو المفهوم من الآية ، والاِيجاز بلا تعقيد من شؤون البلاغة.(١)

فقوله سبحانه :( ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِم ْ) بمعنى أنّ ذلك كان نتيجة نفاقهم وتمرّدهم وبالتالي تبدّد قابليتهم للاهتداء بنور الحقّ( فَتَرَكَهُمْ في ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُون ) أي في أهوائهم وسوء اختيارهم يتخبّطون في ظلمات الضلال ، لا يبصرون طريق الحقّ والرشاد.

ترى أنّ التمثيل يحتوي على معاني عالية وكثيرة بعبارات موجزة ، ولو حاول القرآن أن يبيّن تلك المعاني عن غير طريق التمثيل يلزم عليه بسط الكلام كما بسطناه ، وهذا من فوائد المثل ، حيث يؤدي معاني كثيرة بعبارات موجزة.

ثمّ إنّه سبحانه يصفهم بأنّهم لما عطّلوا آذانهم فهم صمّ ، وعطّلوا ألسنتهم فهم بكم ، وعطّلوا عيونهم فهم عمي ، قال :( صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُون ) .

والمراد من التعطيل أنّهم لم يكونوا ينتفعون بهذه الأدوات التي بها تعرف

__________________

١ ـ لاحظ الكشاف : ١ / ١٥٣.

٧٥

الحقائق ، فما كانوا يسمعون آيات الله بجدٍّ ، ولا ينظرون إلى الدلائل الساطعة للنبوة إلاّ من خلال الشك.(١)

إلى هنا تمّ استعراض حال المنافقين بحال من أوقد ناراً للاستضاءة ، ولكن باءت مساعيه بالفشل.

وممّا يدل على أنّ المنافقين آمنوا بالله ورسوله في بدء الأمر ثمّ طغى عليهم وصف النفاق ، قوله سبحانه :( ذلِكَ بأَنّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِـعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُون ) .(٢)

وممّا يدل على أنّ الإسلام نور ينوّر القلوب والأنفس قوله سبحانه :( أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلاِسْلام فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ في ضَلالٍ مُبِينٍ ) .(٣)

وأمّا الظلمة التي تحيط بهم بعد النفاق وتجعلهم صمـّاً بكماً عمياً ، فالمراد ظلمات الضلال التي لا يبصرون فيها طريق الهدى والرشاد ، يقول سبحانه :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلياوَُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصحَابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُون ) .(٤)

وبذلك ظهر أنّ تفسير الظلمة التي يستعقبها إطفاء النور بظلمة القبر وحياة البرزخ ومابعدها من مواقف الحساب والجزاء غير سديد ، وإن كان هناك ظلمة للمنافق لكنّها من نتائج الظلمة الدنيوية.

__________________

١ ـ انظر مجمع البيان : ١ / ٥٤ ؛ آلاء الرحمن : ١ / ٧٣.

٢ ـ المنافقون : ٣.

٣ ـ الزمر : ٢٢.

٤ ـ البقرة : ٢٥٧.

٧٦

فاستشهاد صاحب المنار على كون المراد هو ظلمة القبر والبرزخ بقوله سبحانه :( يَوْمَ يَقُولُ المُنافِقُونَ وَالمُنافِقاتُ لِلَّذينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِس مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالتَمِسُوا نُوراً ...) (١) ليس بأمر صحيح ، والآية ناظرة إلى حياتهم الدنيوية التي يكتنفها الإيمان والنور ، ثمّ تحيط بهم الظلمة والضلالة ، ولا نظر للآية لما بعد الموت.

سؤال وإجابة

إنّ مقتضى البلاغة هو الاِتيان بصيغة الجمع حفظاً للتطابق بين المشبّه والمشبّه به ، مع أنّه سبحانه أفرد المشبّه به( كالذي استوقد ناراً ) وجمع المشبّه أعني قوله :( مثلهم ) ( ذهب الله بنورهم ) ، فما هو الوجه ؟

أجاب عنه صاحب المنار بقوله : إنّ العرب تستعمل لفظ « الذي » في الجمع كلفظي « ما » و « مَن » ومنه قوله تعالى :( وَخُضْتُمْ كَالّذِي خَاضُوا ) (٢) وإن شاع في « الذي » الافراد ، لأنّ له جمعاً ، وقد روعي في قوله( استوقد ) لفظه ، وفي قوله( ذهب الله بنورهم ) معناه. والفصيح فيه مراعاة التلفظ أوّلاً ، ومراعاة المعنى آخراً ، والتفنّن في إرجاع الضمائر ضرب من استعمال البلغاء.(٣)

ولنا مع هذا الكلام وقفة ، وهي أنّ ما ذكره مبني على أنّ قوله سبحانه :( ذَهَبَ الله بنورهِمْ وَتَرَكهم في ظُلماتٍ لا يُبصرون ) في تتمة المثل ، وأجزاء المشبه به ، ولكنّك قد عرفت خلافه ، وانّ المثل تمّ في قوله :( فلمّا أضاءت

__________________

١ ـ الحديد : ١٣.

٢ ـ التوبة : ٦٩.

٣ ـ تفسير المنار : ١ / ١٦٩.

٧٧

ما حوله ) ، وذلك بحذف جواب « لمّـا » ، لكونه معلوماً في الجملة التالية ، وهو عبارة عن إخماد ناره فبقى في الظلام خائفاً متحيّراً.

وإلاّ فلو كان قوله( ذهب الله بنورهم ) من أجزاء المشبّه به ، وراجعاً إلى مَن استوقد ناراً ، يلزم أن تكون الجملة التالية أعني قوله :( صمّ بكمٌ عُمىٌ ) كذلك ، أي من أوصاف المستوقد ، مع أنّها من أوصاف المنافق دون أدنى ريب ، ولو أردنا أن نصيغ المشبه والمشبه به بعبارة مفصّلة ، فنقول :

المشبه به : الذي استوقد ناراً فلمّا أضاءت ما حوله أطفأت ناره.

والمشبه : المنافقون الذين استضاءوا بنور الإسلام فترة ثمّ ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ، صمّ بكم عمي فهم لا يرجعون.

وأمّا وجه الافراد ، فهو أنّه إذا كان التشبيه بين الأعيان فيلزم المطابقة ، لأنّ عين كلّ واحد منهم غير أعيان الآخر. ولذلك إنّما يكون التشبيه بين الأعيان إذا روعي التطابق في الجمع والإفراد ، يقول سبحانه :( كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ) (١) ، وقوله :( كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ ) .(٢)

وأمّا إذا كان التشبيه بين الأفعال فلا يشترطون التطابق لوحدة الفعل من حيث الماهية والخصوصيات ، يقال في المثل : ما أفعالكم كفعل الكلب. أي ما أفعالكم إلاّ كفعل الكلب.

وربما يقال : إنّ الموصول « الذي » بمعنى الجمع ، قال سبحانه :( وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (٣) (٤)

__________________

١ ـ المنافقون : ٤.

٢ ـ الحاقة : ٧.

٣ ـ الزمر : ٣٣.

٤ ـ انظر التبيان في تفسير القرآن : ١ / ٨٦.

٧٨

سورة البقرة

٢

التمثيل الثاني

قال سبحانه :( أَوْ كَصَيّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِير ) .(١)

تفسير الآيات

الصيّب : المطر ، وكلّ نازل من علوّ إلى أسفل ، يقال فيه : صاب يصوب ، وهو عطف على قوله( كَمَثَلِ الّذي استوقَدَ ناراً ) ، ولما كان المثل الثاني أيضاً مثلاً للمنافقين ، فمقتضى القاعدة أن يقول « وكصيّب » مكان( أو كصيّب ) ولكن ربّما يستعمل « أو » بمعنى « و » قال الشاعر :

نال الخلافة أو كانت له قدرا

كما أتى ربّه موسى على قدر

ويحتمل أن يكون « أو » للتخيير ، بأن مَثل المنافقين بموقد النار ، أو بمن وقع في المطر.

__________________

١ ـ البقرة : ١٩ ـ ٢٠.

٧٩

والرعد : هو الصوت الذي يُسمَع في السحاب أحياناً عند تجمعه.

والبرق : هو الضوء الذي يلمع في السحاب غالباً ، وربما لمع في الاَُفق حيث لا سحاب ، وأسباب هذه الظواهر اتحاد شحنات السحاب الموجبة بالسالبة كما تقرر ذلك في علم الطبيعيات.

والصاعقة : نار عظيمة تنزل أحياناً أثناء المطر والبرق ، وسببها تفريغ الشحنات التي في السحاب بجاذب يجذبها إلى الأرض.

والإحاطة بالشيء : الاِحداق به من جميع الجهات.

والخطف : السلب والأخذ بسرعة ، ومنه نهي عن الخطفة بمعنى النهبة.

قوله :( وَإذا أَظلَم ) بمعنى إذا خفت ضوء البرق.

إلى هنا تمّ تفسير مفردات الآيات ، فلنرجع إلى بيان حقيقة التمثيل الوارد في الآية ، ليتضح من خلالها حال المنافقين ، فانّ حال المشبه يعرف من حال المشبه به ، فالمهم هو التعرّف على المشبه به.

والإمعان في الآيات يثبت بأنّ التمثيل يبتدأ من قوله( أو كصيّبٍ من السَّماء ) وينتهي بقوله :( وَإذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا ) .

وأمّا قوله :( وَاللهُ محيطٌ بِالكافرين ) جملة معترضة جيء بها في أثناء التمثيل ، وقوله بعد انتهاء التمثيل :( وَلَو شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ ) يرجع إلى المشبه.

هذا ما يرجع إلى مفردات الآيات وكيفية انسجامها ، والمهمّ هو ترسيم ذلك المشهد الرهيب.

فلنفترض أنّ قوماً كانوا يسيرون في الفلوات وسط أجواء سادها الظلام

٨٠