الأقسام في القرآن الكريم

الأقسام في القرآن الكريم 0%

الأقسام في القرآن الكريم مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 173

الأقسام في القرآن الكريم

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف: الصفحات: 173
المشاهدات: 47469
تحميل: 6806

توضيحات:

الأقسام في القرآن الكريم
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 173 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 47469 / تحميل: 6806
الحجم الحجم الحجم
الأقسام في القرآن الكريم

الأقسام في القرآن الكريم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وقال :( أَلا إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلكِنّ أَكْثَرهُمْ لا يََعْلَمُون ) (١)

وقال تعالى :( وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ ) (٢)

إلى غير ذلك من الآيات الّتي سَمَّى اللّه سبحانه فيها ذلك اليوم بوَعد اللّه

وشاهِد ومَشهود : اللفظان معطوفان على السماء ، والجميع قَسَم بعد قَسَم ، وأمّا ما هو المقصود ؟

فالظاهر أنّ الشاهد هو مَن عاين الأشياء وحضرها ، وأوضحه مِصداقاً هو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنّه سبحانه وصفه بكونه شاهداً ، قال :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَداعِياً إِلى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنيراً ) (٣)

نعم ، تفسيره بالنبي الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من باب الجَري والتطبيق على أفضل المصاديق ، وإلاّ فله معنى أوسع ، يقول سبحانه :( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٤) ، فقد عدّ المؤمنين شهوداً على الأعمال ، فإنّ الغاية من الرؤية هي الشهود

وتدلّ الآيات على أنّ نبي كلّ أُمّة شاهد على أُمّته ، قال سبحانه :( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ) (٥)

وأمّا المشهود ، فالمراد منه يوم القيامة ؛ لأنّه من صفات يومها ، قال سبحانه :

ــــــــــــــــ

(١) يونس : ٥٥

(٢) الكهف : ٢١

(٣) الأحزاب : ٤٥

(٤) التوبة : ١٠٥

(٥) النساء : ١٥٩

١٤١

( ذلِكَ يَومٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَذلِكَ يَومٌ مَشْهُود ) (١) ، والمراد به :( ذلك يومٌ مجموعٌ له الناسُ ) أي : يُجمَع فيه الناس كلّهم ، الأولون والآخرون منهم ، للجزاء والحساب ، والهاء في ( له ) راجعة إلى اليوم( وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُود ) ، أي : يَشهده الخلائق كلّهم ، من الجنِّ والإنس ، وأهل السماء وأهل الأرض ، أي يحضره

ولا يوصف بهذه الصفة يوم سواه ، وفي هذا دلالة على إثبات المعاد وحشر الخلق(٢)

هذا كلّه حول المُقسَم به ، وأمّا المُقسَم عليه ، فيحتمل أن يكون أحد أمرين :

أ ـ ( قُتِلَ أَصحابُ الأُخْدُود ) ، وفسَّره بقوله :( النّارِ ذات الوقُود ) ، أي : أصحاب الأُخدُود هم أصحاب النّار الّتي لها من الحَطَب الكثير ما يشتدّ به لهيبُها ، ويكون حريقها عظيماً ، ولهيبها متطايراً

ثُمّ أشار إلى وصف آخر لهم( إِذْ هُمْ عَلَيها قُعُود ) ، أي : أحرقوا المؤمنين بالنار وهم قاعدون حولها يُشرفون عليهم ، وهم يُعذّبون بها ، ويوضّحه قوله في الآية اللاحقة :( وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤمِنينَ شُهُود ) ، أي : أُولئك الجبابرة الّذين أحرقوا المؤمنين ، كانوا حضوراً عند تعذيبهم ، يشاهدون ما يُفعَل بهم ، وفي هذا إيماء إلى قَسوَة قلوبهم ، كما فيه إيماء إلى قوَّة اصطبار المؤمنين وشدَّة جَلدهم ورَباطة جَأشِهم

وأمّا الصِلة بين ما حلف به من ( السماء ذات البروج ، واليوم الموعود ، وشاهد ومشهود ) ، وجواب القَسَم فهي : أنّه سبحانه حلف بالسماء ذات البروج ، والبروج آية الدفاع ، حيث كان أهل البلد يدافعون من البروج المبنيَّة على سور البلد عن بلدهم ، قال سبحانه :( وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنّاها لِلنّاظرين * وَحَفِظْناها مِنْ كُلّ

ــــــــــــــــ

(١) هود : ١٠٣

(٢) مجمع البيان : ٥/١٩١

١٤٢

شَيطانٍ رَجِيم ) (١)

فحلف سبحانه بالسماء ذات البروج في المقام ، مبيِّناً بأنّ اللّه الّذي كما يدفع بالبروج عن السماء كيد الشياطين ، كذلك يدفع عن إيمان المؤمنين كيد الشياطين وأوليائهم من الكافرين

ثُمّ أقسمَ باليوم الموعود ، الّذي يجزي فيها الناس بأعمالهم ، فهو يجزي أصحاب الأُخدُود بأعمالهم

وأقسمَ بالشاهِد الّذي يُشاهِد أعمال الآخرين ، وأقسمَ بمشهود ، أي كلّ ما يَشهده الشاهِد ، وهو أنّه سبحانه تبارك وتعالى يُعاين أعمالهم ويشاهدها

ويمكن أن يكون جواب القَسَم قوله سبحانه :( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤمِنينَ وَالْمُؤمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَريق * إِنَّ الَّذينَ آمنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهارُ ذلِكَ الْفَوزُ الكَبير ) (٢)

فاللّه سبحانه يوعد الكفّار ويعد المؤمنين

وأمّا وجه الصِلة فواضح أيضاً بالنسبة إلى ما ذكرنا في الوجه الأوّل ، ويُحتمل أن يكون الجواب قوله :( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشدِيد * إِنَّهُ هُُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيد ) (٣)

والمناسبة تلك المناسبة ، فلا نُطيل

ويحتمل أن يكون الجواب محذوفاً ، تدلّ عليه الآيات المُتقدِّمة ، والمحذوف كالتالي :

إيعاد الفاتنين ووعد المؤمنين ، وهكذا

ــــــــــــــــ

(١) الحجر : ١٦ـ ١٧

(٢) البروج : ١٠ـ ١١

(٣) البروج : ١٢ـ ١٣

١٤٣

الفصل الثالث عشر : القَسَم في سورة الطارِق

حلف سبحانه بأمرين : بـ( السماء والطارق ) ، ثُمّ فسَّر الطارق بالنجم الثاقب

حلف بهما بُغية دعوة الناس إلى الإذعان بأنّ لكلّ نفس حافظ

قال سبحانه :( وَالسَّماءِ وَالطّارِقِ * وَما أَدْراكَ مَا الطّارِقُ * النَّجْمُ الثاقِبُ * إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظ ) (١)

أمّا السماء : فقد مرّ البحث فيها

والطارق : من الطَرق ، ويُسمَّى السبيل طريقاً ، لأنّه يُطرَق بالأرجل ، أي يُضرَب ، لكن خُصّ ـ في العُرف ـ بالآتي ليلاً ، فقيل : إنّه طرقَ أهله طروقاً ، وعبّر عن النجم بالطارق ؛ لاختصاص ظهوره بالليل

النجم الثاقب : والثاقب الشيء الّذي يَثقب بنوره وإصابته ما يقع عليه ، قال سبحانه :( فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ) (٢)

( إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظ ) : فلفظة ( لمّا ) بمعنى إلاّ ، نظير قوله سبحانه :( وإنَّ كُلاً لَمّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعمالَهُم ) (٣) ، ونظيره قولك : ( سألتُك باللّه لمّا فَعَلْت )

ــــــــــــــــ

(١) الطارق : ١ـ ٤

(٢) الصافّات : ١٠

(٣) هود : ١١١

١٤٤

والمراد من حافظ : هم الموكلون على كتابة أعمال الإنسان ، حسنها وسيِّئها ، يُحاسَب عليها يوم القيامة ويُجزَى بها

فالحافظ هو المَلَك ، والمحفوظ هو العَمَل ، قال تعالى :( وإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظينَ * كِراماً كاتِبين * يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُون ) (١) ، ويحتمل أن يُراد من حافظ هو : القوّة الحافظة للإنسان من الموت وفساد البدن ، ولعلّه إليه يُرشِد قوله سبحانه :( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً ) (٢)

والقوى الظاهريّة والمادّية والمعنويّة الّتي هي من جنود ربّنا ، والّتي وُكِّلت لحفظ الإنسان من الشرِّ إلى أن ينقضي عُمُره ، هم الحَفَظَة ، ولكنّ المعنى الأوّل هو الأنسَب

بقي هنا أمران :

الأوّل : إنّ المراد من النجم الثاقب هو كوكب زُحَل ؛ فإنّه من أبعد النجوم في مجموعتنا الشمسيّة الّتي يمكن رؤيتها بالعين المجرَّدة ، وقيل لزُحَل عشرة أقمار ، يمكن رؤية ثمانية منها بالناظور العادي

ولا يمكن رؤية الآخرين إلاّ بالنواظير الكبيرة

والظاهر أنّ المراد مُطلَق النجم الّذي يثقب ضوءه ، وإن كان زُحَل من أظهرِ مصاديقه

وأمّا المُقسَم عليه ، فهو قوله :( إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظ )

وأمّا الصِلة بينهما فبالنحو التالي :

هو أنّ السماء العالية ، والنجوم الّتي تتحرَّك في مدارات مُنظَّمَة ، دليلُ النظم والحساب الدقيق ، فليَعلم الإنسان بأنّ أعماله أيضاً تخضع للحساب الدقيق ، فانّ هناك مَن يحفظ أعماله ويُسجّلها إن خيراً فخير ، وإن شرّاً فشَر ، وأنّها لمسؤوليّة عظيمة يحملها الإنسان ، إذ ما من أحد إلاّ وهو مراقَب ، تُكتَب عليه كلّ أعماله من المهد إلى اللحد ، فليس من شيء يضيع في هذه الدنيا أبداً

ــــــــــــــــ

(١) الانفطار : ١٠ ـ ١٢

(٢) الأنعام : ٦١

١٤٥

هذا إذا قلنا بأنّ المراد من ( حافظ ) هو حافظ الأعمال ، وأمّا إذا فسّرت مَن يحفظ الإنسان من الحوادث والمهالك ، فالصلة بالنحو التالي :

وهو أن للنفوس رقيباً يحفظها ويدبِّر شؤونها في جميع أطوار وجودها حتى ينتهي أجَلُها ، كما أنّ للسماء مدبِّراً لشؤونها بما تحتويه من أنظمة رائعة ومعقَّدة ، فالفضاء الكوني فسيح جدّاً ، تتحرّك فيه كواكب لا حصر لها بسرعة خارقة ، بعضها يواصل رحلته وحده ، ومنها أزواج تسير مثنى مثنى ، ومنها ما يتحرّك في شكل مجموعات ، والكواكب على كثرتها يواصل كلّ واحد منها سفره على بُعدٍ عظيم يفصله عن الكواكب الأُخرى

إنّ هذا الكون يتألّف من مجموعات كثيرة من الكواكب والنجوم تسمّى مجاميع النجوم ، وكلّها تتحرّك دائماً وتدور في نظام رائع

ومع هذا الدوران تجري حركة أُخرى ، وهي أنّ هذا الكون يتّسع من كلّ جوانبه ، كالبالون المُتَّخذ من المطّاط وجميع النجوم تبتعد في كلّ ثانية بسرعة فائقة عن مكانها ، هذه الحركة المُدهشة تَحدث طِبقاً لنظام وقواعد محكمة ، بحيث لا يصطدم بعضها ببعض ، ولا يحدث اختلاف في سرعتها(١)

ــــــــــــــــ

(١) الإسلام يتحدّى : ٥٨

١٤٦

الفصل الرابع عشر : القَسَم في سورة الفجر

حلف سبحانه في سورة الفجر بأُمورٍ خمسة :

١ ـ الفجر ، ٢ ـ ليالٍ عشر ، ٣ ـ الشَفْع ، ٤ ـ الوَتر ، ٥ ـ الليل إذا يَسر

وقال :( وَالْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفعِ وَالْوَتْرِ * واللَّيلِ إِذا يَسْرِ * هَلْ في ذلِكَ قَسَمٌ لِذي حِجْر ) (١)

تفسير الآيات :

اختلف المفسّرون في تفسير هذه الأقسام إلى أقوال كثيرة ، غير أنّ تفسير القرآن بالقرآن يدفعنا إلى أن نُفسِّره بما ورد في سائر الآيات

أمّا الفَجْر : فهو في اللغة ، كما قال الراغب : شَقّ الشيء شقّاً ، قال سبحانه :( وَفَجَّرنا الأرضَ عُيُوناً ) ، وقال :( وَفجّرنا خلالها نَهْراً ) ، ومنه قيل للصبح الفجر ؛ لكونه يُفجِّر الليل ، وقد استعمل الفجر بصورة المصدر في فجر الليل ، قال :( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْس إِلى غَسَقِ اللَّيل وَقُرآنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) (٢) ، وقال سبحانه :( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ

ــــــــــــــــ

(١) الفجر : ١ـ ٥

(٢) الإسراء : ٧٨

١٤٧

ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (١) ، وقال سبحانه : ( سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْر ) (٢)

وعلى ضوء هذا ، فلو كانت اللام للجنس ، فهو محمول على مطلَق الفجر ، أعني : انفجار الصُبح الصادق ، وإن كانت تشير إلى فجر ليل خاصّ ، فهو يتّبع القرينة ، ولعلّ المراد فجر الليلة العاشرة من ذي الحجّة الحرام

( وليالٍ عَشر ) : فقد اختلف المفسّرون في تفسير الليالي العشر ، فذكروا احتمالات ليس لها دليل

أ ـ الليالي العشر من أوّل ذي الحجّة إلى عاشرها ، والتنكير للتفخيم

ب ـ الليالي العشر من أوّل شهر محرم الحرام

ج ـ العَشر الأواخر من شهر رمضان ، وكلّ محتمَل ، ولعلّ الأوّل أرجَح

وأمّا الشَفْع : فهو لغة ضمّ الشيء إلى مثله ، فلو قيل للزوج شفع ، لأجل أنّه يضمّ إليه مثله

والمراد منه هو الزوج ، بقرينة قوله ( والوتر ) ، وقد اختلفت كلمتهم فيما هو المراد من الشفع والوتر

١ ـ الشَفع هو يوم النَفْرِ ، والوَتر يوم عرفة ، وإنّما أقسَمَ اللّه بهما لشرفهما

٢ ـ الشَفع يومان بعد النحر ، والوتر هو اليوم الثالث

٣ ـ الوتر ما كان وِتراً من الصلوات كالمغرب ، والشفع ما كان شفعاً منها

إلى غير ذلك من الأقوال الّتي أنهاها الرازي إلى عشرين وجهاً ، ويحتمل أن يكون المراد من الوتر هو اللّه سبحانه ، والشفع سائر الموجودات

ــــــــــــــــ

(١) البقرة : ١٨٧

(٣) القدر : ٥

١٤٨

  ( وَاللّيل إذا يَسر ) : أمّا الليل فمعلوم ، وأمّا قوله ( يَسْر ) ، فهو من سَرَى يسري ، فحذف الياء لأجل توحيد فواصل الآيات ، ويستعمل الفعل في السير في الليل ، كما في قوله سبحانه : ( سُبْحانَ الّذي أَسرى بِعَبْدِهِ لَيلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الحَرامِ إِلى الْمَسْجِدِ الأقصى ) (١) ، فالليل ظرف والساري غيره ، ولكن الآية نسبت الفعل إلى نفس الليل ، فكأنّ الليل موجود حقيقي له سير نحو الأمام ، فهو يسير إلى جانب النور ، فاللّه سبحانه حلف بالظلام المُتحرّك الّذي سينجلي إلى نور النهار

مضافاً إلى ما في الليل من عظائم البركات الّتي لا تقوم الحياة إلاّ بها

هذا ما يرجع إلى مجموع الآية ، ونعود إلى الآيات بشكل آخر ، فنقول : أمّا الفجر ، فقد حلف به سبحانه بصورةٍ أُخرى أيضاً ، وقال :( وَالصُّبح إِذا أَسْفَرَ ) .(٢)

وقال تبارك وتعالى :( وَالصُّبح إِذا تَنَفَّس ) ، والمراد من الجميع واحد ، فإنّ إسفار الصبح في الآية الأُولى هو طلوع الفجر الصادق ، فكأنّ الصبح كان مستوراً بظلام الليل ، فهو رفعَ الستارَ وأظهرَ وجهه ؛ ولذلك استخدم كلمة ( أسفر ) ، يقال : أسفرت المرأة : إذا رُفع حجابها

ويعود سَبَب تعاقب الليل والنهار إلى دوران الأرض حول الشمس ، فبِسبب كرويّتها لا تضيء الشمس سائر جهاتها في آن واحد ، بل تضيء نصفها فقط ، ويبقى النصف الآخر مُظلماً حتّى يحاذي الشمس بدوران الأرض ، فيأخذ حظّه من الاستنارة ، وتتمّ الأرض هذه الدورة في أربعة وعشرين ساعة

كما أنّ المراد من الآية الثانية أعني : ( والصبح إِذا تَنَفَّس ) هو انتشار نوره ، فعبَّر عنه بالتنفّس ، فكأنّه موجود حيّ يبثّ ما في نفسه إلى الخارج ، أمّا عَظَمَة الفجر فواضحة ؛ لأنّ الحياة رهن النور ، وطلوع الفجر يثير بارقة الأمل في القلوب ، حيث تقوم كافّة الكائنات الحيّة إلى العمل وطلب الرزق

ــــــــــــــــ

(١) الإسراء : ١

(٢) المدّثِّر : ٣٤

(٣) التكوير : ١٨

١٤٩

وأمّا الليالي العشر ، فهي عبارة عن الليالي الّتي تنزل فيها بركاته سبحانه إلى العباد ، سواء فُسّرت بالليالي العشر الأُولى من ذي الحجّة ، أم الليالي العشر من آخر شهر رمضان

فالليل من نعمه سبحانه حيث جعله سكناً ولباساً للإنسان وقال :( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً ) (١) ، كما جعله سكناً للكائنات الحيَّة ، حيث ينفضون عن أنفسهم التعب والوَصب ، قال سبحانه :( فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا ) (٢)

وأمّا الشفع والوَتر ، فقد جاء مُبهَماً وليس في القرآن ما يُفسَّر به ، فينطبق على كلِّ شفع ووتر ، وبمعنى آخر ، يمكن أن يراد منه صحيفة الوجود من وتره ، كاللّه سبحانه وشفعه كسائر الموجودات

وأمّا قوله :( واللَّيل إِذا يسر ) ، أقسمَ بالليل إذا يمضي ظلامه ، فلو دام الليل دون أن ينجلي لزالت الحياة ، يقول سبحانه :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إن جَعَلَ اللّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْل سَرْمداً إِلى يَومِ القِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ بِضياءٍ أَفَلا تسْمَعُون ) (٣)

فتبيَّن ممّا سبق منزلة المُقسَم به في هذه الآيات ، وأنّها تتمتّع بالكرامة والعظمة

وأمّا المُقسَم عليه ، فيحتمل وجهين :

أحدهما : أنّه عبارة عن قوله سبحانه :( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) (٤)

ــــــــــــــــ

(١) النبأ : ١٠

(٢) الأنعام : ٩٦

(٣) القصص : ٧١

(٤) الفجر : ١٤

١٥٠

ثانيهما : إنّ المُقسَم عليه محذوف ، يُعلَم من الآيات الّتي أعقبت هذه الأقسام ، قال سبحانه :( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ * إِرَمَ ذاتِ الْعِماد * التّي لَمْ يُخْلَق مِثْلُها فِي البِلاد * وَثَمُودَ الّذِينَ جابُوا الصَّخرَ بِالواد * وَفرْعَونَ ذِي الأَوْتاد * الَّذينَ طَغَوْا فِي البِلاد * فَأَكْثَروا فِيهَا الفَسادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبّكَ سَوطَ عَذابٍ * إِنَّ رَبّكَ لَبِالْمِرصاد ) (١)

فالمفهوم من هذه الآيات أنّه سبحانه حلف بهذه الأقسام بغيَة الإيعاد بأنّه يعذِّب الكافرين والطاغين والعُصاة ، كما عذّب قوم عاد وثمود ، فالإنسان العاقل يعتبر بما جرى على الأُمم الغابرة من إهلاك وتدمير

أمّا وجه الصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه فهو : أنّ مَن كان ذا لُبٍّ ، علم أنّ ما أقسم اللّه به من هذه الأشياء فيه دلائل على قدرته وحكمته ، فهو قادر على أن يكون بالمرصاد لأعمال عباده ، فلا يعزب عنه أحد ولا يفوته شيء من أعمالهم ؛ لأنّه يسمع ويرى جميع أقوالهم وأفعالهم ، خصوصاً بالنظر إلى ما أدَّبَ به قوم عاد وثمود ، مع ما كان لهم من القوّة والمِنعَة

ــــــــــــــــ

(١) الفجر : ٦ـ ١٤ .

١٥١

الفصل السابع عشر : القَسَم في سورةِ اللَيل

حلف سبحانه في سورة الليل بأُمور ثلاثة :( اللَّيل إِذا يَغْشى ) ،( النَّهار إِذا تَجَلّى ) ،( مَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى )

وقال سبحانه :( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ) (١)

تفسير الآيات :

١ ـ( وَاللَّيل إِذا يَغْشى ) : أقسَمَ بالليل إذا يغشى النهار ، أو يغشى الأرض ، ويدلّ على الأوّل ، قوله :( يُغشِي اللَّيلَ النَّهارَ ) (٢) ، بمعنى يأتي بأحدهما بعد الآخر ، فيجعل ظلمة الليل بمنزلة الغشاوة للنهار

ويحتمل المعنى الثاني ، كما في قوله في سورة الشمس :( وَاللَّيل إِذا يَغْشاها )

٢ ـ( وَالنَّهار إِذا تَجَلّى ) : عطف على الليل ، والتَجلّـي ظهور الشيء بعد خفائه ، وقد جاء الفعل في الآية الأُولى بصيغة المضارع ، وفي الآية الثانية بصورة الماضي ، وفقاً لسورة الشمس كما مَرّ

٣ ـ ( وَما خَلَقَ الذَّكَر والأُنثى ) : و ( ما ) موصولة ، كناية عن الخالق البارئ للذَكَرِ والأُنثى ، سواء أكان من جنس الإنسان أم من جنس الحيوان وتطبيقه في بعض التفاسير على أبينا آدم وزوجه حوّاء ، من باب التمثيل لا التخصيص

ــــــــــــــــ

(١) الليل : ١ـ ٤

(٢) الأعراف : ٥٤

١٥٢

وأمّا جواب القَسَم : هو قوله :( إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى ) ، وشَتّى جمع شَتِيت ، كمَرضى جمع مَريض ، و المراد تَشتُّت السَعْي ، فإنّ سعي الإنسان لمختلف ، وليس منصبَّاً على اتّجاه واحد ، فمن ساعٍ للدنيا ومن ساعٍ للعقبى ، ومن ساع للصلاحٍ والفلاح ومن ساعٍ للهلاك والفساد

ثُمّ إنّه سبحانه صنّف المساعي إلى قِسمين ، وقال في الآيات التالية بأنّ الناس على صنفين : فصِنْف يصبُّ سعيه في طريق العطاء والتُقى والتصديق بالحسنى ، فيُيَسّـر لليسرى ، وصِنف آخر يصبُّ سعيه ضدّ ما ذُكر ، فيبخل ويستغني بما لديه ، ويكذِّب بالحسنى ، فيُيسّر للعسرى

قال :( فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسرى * وَأَمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى ) (١)

والصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه واضحة ، وهي : أنّه سبحانه أقسَمَ بالمُتفرّقات خلقاً وأثراً ، على المساعي المُتفرّقة في أنفسها وآثارها ، فأين التقوى والتصديق من البُخل والتكذيب ؟!

ــــــــــــــــ

(١) الليل : ٥ ـ ١٠

١٥٣

الفصل الثامن عشر : القسم في سورة الضحى

حلف سبحانه في تلك السورة بأمرين ، أحدهما الضحى ، والآخر :( اللَّيل إِذا سَجى ) ، وقال :( وَالضُّحى * وَاللَّيلِ إِذا سَجى * ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى * وللآخِرةُ خَيرٌ لَكَ مِنَ الأُولى * وَلَسوفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرضى ) (١)

تفسير الآيات :

المراد من الضحى وقت الضحى ، وهو صَدر النهار حتى ترتفع الشمس وتُلقي شعاعها ، قال سبحانه :( وَأَنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحى ) (٢)

وقوله :( وَالليلِ إذا سَجى ) ، أي : والليل إذا سَكَن ، يقال : سَجى البحر سجوّا ، أي سَكَنَت أمواجه ، ومنه استعير تَسْجِية الميِّت ، أي تغطيته بالثوب والمراد إذا غطّى الليلُ وجه الأرض ، وعمَّت ظلمتُه جميع أنحاء البسيطة ، هذا هو المُقسَم به

وأمّا المُقسَم عليه ، فهو ما جاء عَقبه ، أي : ما تركَك يا محمد ربّك ، وما أبغضَك منذ اصطفاك

( وللآخِرةُ خَيرٌ لَكَ من الأُولى ) ، أي ثواب الآخرة والنعيم الدائم فيها خير لك من الدنيا الفانية ( ولَسَوفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرضى ) ، أي سوف يعطيك ربّك في الآخرة ما يرضيك من الشفاعة والحوض وسائر أنواع الكرامة

ــــــــــــــــ

(١) الضحى : ١ ـ ٥

(٢) طه : ٥٩

١٥٤

وروي أنّ محمد بن علي بن الحنفيّة قال : يا أهل العراق ، تزعمون أنّ أرجَى آية في كتاب اللّه عزّ وجلّ هو قوله تعالى :( قُلْ يا عِبادِيَ الّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّه ) (١) ، وإنّا أهل البيت نقول : أرجى آية في كتاب اللّه ، هو قوله :( وَلَسَوفَ يُعطيكَ رَبُّكَ فَتَرضى ) ، وهي واللّه الشفاعة ، ليعطينّها في أهل لا إله إلاّ اللّه حتى يقول : ربّي رضيت(٢)

وقد ذكر المفسّرون في شأن نزول الآية : أنّه احتبس الوحي عنه خمسة عشر يوماً ، فقال المشركون : إنّ محمّداً قد ودّعه ربّه وقَلاه ، ولو كان أمره من اللّه تعالى ، لتَتَابَع عليه ، فنزلت هذه السورة

هذا ما يذكره المفسّرون ، ولكن الحقّ أنّه لم يكن هناك أيُّ احتباس وتأخير في نزول الوحي ؛ وذلك لأنّه جرت سُّنّة اللّه تعالى على نزول الوحي تدريجاً ، لغايات معنوية واجتماعية ، وقد أشار الذكر الحكيم إلى حكمة نزوله نُجوماً في غير واحدة من الآيات ، قال سبحانه :( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَولا نُزّلَ عَلَيْهِ الْقُرآن ُجُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ) .(٣)

فالآية تعكس فكرة المشركين حول نزول القرآن ، وكانوا يتصوّرون أنّ القرآن كالتوراة ، يجب أن ينزل جملة واحدة لا نجوماً ، وعلى سبيل التدريج ، فأجاب عنه الوحي ، بأنّ في نزوله التدريجي تثبيتاً لفؤاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لتداوم الصلة بين المُوحي والموحَى إليه بين الحين والحين

ــــــــــــــــ

(١) الزمر : ٥٣

(٢) مجمع البيان : ٥/٥٠٥

(٣) الفرقان : ٣٢

١٥٥

وهذا بخلاف ما لو نزل جملة واحدة ، وأُوصد فيها باب الوحي وانقطعت صِلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسماء

ففي صورة استدامة الوحي والصلة بينه وبين اللّه سبحانه ، يعيش النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت ظلّ إمدادات غيبية ، تعقبه إزالة الصدأ العالق على قلبه من خلال مجابَهة المشركين والكافرين ، بخلاف الثاني ، ففيه إيماء إلى انقطاع الصلة ، حينها يجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه وحيداً ، دون مَن يعضده ويُسلّيه ويذهب عنه همَّ القلب

ففي الحقيقة ، لم تكن هناك طارئة باسم احتباس الوحي أو تأخيره ، وإن زَعم المشركون نزول الوحي نجوماً ، احتباساً وتأخيراً له

وأمّا الصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه ، فلا تخلو من وضوح :

١ ـ لأنّ نزول الوحي يناسب الضحى ، كما أنّ انقطاعه يناسب الليل

٢ ـ لأنّ عماد الحياة هو مجيء الليل عقب النهار ، لا استدامة النهار ولا استدامة الليل ، فهكذا الحال في عماد الحياة النبويّة الّذي هو نزول الوحي نجوماً ، تثبيتاً لقلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٣ ـ ولأنّ الضحى والليل نعمة من نعم اللّه سبحانه ، مَنَّ بها على عباده لِما لهما من تأثير مباشر في استقرار الحياة ، وهكذا الحال في نزول الوحي نجوماً

١٥٦

الفصل التاسع عشر : القَسَم في سورة التِين

حلف سبحانه في سورة التين بأُمور أربعة : ( التين ، الزيتون ، طور سينين ، البلد الأمين ) ، قال سبحانه : ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينينَ * وَهذَا الْبَلَدِ الأمين * لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسانَ في أَحْسَنِ تَقْويمٍ * ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلينَ * إِلاّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحات فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) (١)

تفسير الآيات :

( التين والزَّيتُون ) : فاكِهتان معروفتان ، حلف بهما سبحانه لما فيهما من فوائد جمّة وخواصّ نافعة ، فالتِين فاكهة خالصة من شائب التَنغيص ، وفيه أعظم عبرة ؛ لأنّه عزّ اسمه جعلها على مقدار اللقمة ، وهيّأها على تلك الصورة إنعاماً على عِباده بها

وقد روى أبو ذر الغفاري عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :( لو قلتُ : إنّ فاكهة نزلتْ من الجَنّة ، لقلتُ : هذه هي ؛ لأنّ فاكهة الجَنّة بلا عَجَمْ (٢) ، فإنّها تقطع البواسير ، وتنفع من النقرص ) (٣)

وأمّا الزيتون ، فإنّه يُعتصَر منه الزيت الّذي يدور في أكثر الأطعمة ، وهو إدام ، والتين فاكهة فيها منافع جمّة

ــــــــــــــــ

(١) التين : ١ ـ ٦

(٢) ٢ ـ العَجَمْ : نوى التَمْر ، أو كلّ ما كان في جوف مأكول كالزبيب

(٣) مجمع البيان : ٥/٥١٠

١٥٧

ذكر علماء الأغذية أنّه يمكن الاستفادة من التين كسُكّر طبيعي للأطفال ، ويمكن للرياضيّين ولمَن يعانون ضعف كبر السنّ أن ينتفعوا منه للتغذية ، حتى ذكروا أنّ الشخص إن أراد توفير الصحّة والسلامة لنفسه ، فلابُدّ له أن يتناول هذه الفاكهة ، كما أنّ زيت الزيتون هو الآخر له تأثير بالغ في معالجة عوارض الكُلَـى ، حتى وصفها سبحانه بأنّه مأخوذ من شجرة مباركة ، ولا نطيل الكلام في سرد فوائدهما(١)

هذا وربّما يُفسَّر التين بالجبل الّذي عليه دمشق ، والزيتون بالجبل الّذي عليه بيت المَقدِس

وهذا التفسير وإن كان بعيداً عن ظاهر الآيات ، ولكنّ الّذي يدعمه هو القَسَم الثالث والرابع ـ أعني : الحلف بـ( طور سينين * والبلد الأمين ) ـ ، إذ على ذلك يكون بين الأمور الأربعة السالفة الذكر صلة واضحة ، ولعلّ إطلاق اسم الفاكهتين على الجبلين لكونهما مَنبتيهما ، والإقسام بهما لأنّهما مَبعثي جَمّ غفير من الأنبياء

ثُمّ إنّ المراد من طور سينين ، هو الجبل الّذي كلّم اللّه فيه موسىعليه‌السلام ، وقال :( إِنَّي أَنَا رَبّكَ فَاخْلََعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالوادِ المُقدَّسِ طُوى ) (٢) ، وقال :( إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ المُقَدَّسِ طُوى ) (٣) ، وقال سبحانه مخاطباً موسىعليه‌السلام :( وَلكِنِ انْظُر إِلى الْجَبَل فَإِن اسْتَقَرَ مَكانَهُ فَسَوفَ تَراني فَلَمّا تَجلّـى رَبّه لِلجَبَل جَعَلهُ دَكّاً وخَرّ مُوسى صَعِقاً ) (٤)

ــــــــــــــــ

(١) فمَن أراد التفصيل ، فليرجع إلى كتب علماء الأغذية وما أُلّف في هذا المضمار

(٢) طه : ١٢

(٣) النازعات : ١٦

(٤) الأعراف : ١٤٣

١٥٨

  ( البلد الأمين ) : وقد ذكر لفظ البلد في دعاء إبراهيم حيث قال :( وَإِذْ قالَ إِبْراهيم رَبِّ اجْعَل هذا بَلَداً آمِناً وَارزُق أَهْلهُ مِنَ الثَّمراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخر ) (١) ، وقال أيضاً :( رَبِّ اجْعَل هذا البلد آمناً وَاجْنُبْني وَبَنيّ أن نَعْبُد الأصنام ) (٢)

وقد أمر سبحانه نبيّه الخاتم ، أن يقول :( إِنَّما أُمرت أن أَعبُدَ ربَّ هذه البَلْدة الّذي حرّمها ولَهُ كُلّ شيء وَأُمرت أن أكون من المُسلمين ) (٣)

وقد جاء ذكر البلد في بعض الآيات كناية ، قال سبحانه :( إنّ الّذي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرآن لَرادّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَم مَنْ جاءَ بِالهُدى وَمَنْ هُوَ في ضَلالٍ مُبين ) (٤)

والمراد من قوله( إلى معاد ) هو : موطنه الّذي نشأ فيه

وقد روى المفسّرون في تفسير الآية : أنّه لمّا نزل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجُحفَة ـ في مسيره إلى المدينة لمّا هاجر إليها ـ اشتاق إلى مكّة ، فأتاه جبرائيلعليه‌السلام فقال : أتشتاق إلى بلدك ومولدك ؟ فقال :نعم . قال جبرائيل : فإنّ اللّه يقول :( إنَّ الّذي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرآن لَرادّكَ إِلى مَعاد ) يعني مكّة ظاهراً عليها ، فنزلت الآية بالجُحفَة ، وليست بمكّيّة ولا مَدنيّة ، وسُمّيت مكّة معاداً لعَودَه إليها ( عن ابن عّّباس )(٥)

ــــــــــــــــ

(١) البقرة : ١٢٦

(٢) إبراهيم : ٣٥

(٣) النمل : ٩١

(٤) القصص : ٨٥

(٥) مجمع البيان : ٧/٢٦٨

١٥٩

كما ذكر أيضاً في آية أُخرى بوصفه وقال :( أَوَ لَمْ يَرَوا أنّا جَعَلْنا حَرماً آمِناً وَيُتَخَطَّف النّاسُ منْ حَولهِم أَفَبالباطِل يُؤمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللّه يكْفُرون ) (١)

وقد وصف سبحانه البلد بالآمن ، وأصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف ، وقد جعله وصفاً في بعض الآيات للحَرَمِ ، قال سبحانه :( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (٢)

وفي آية أُخرى يقول :( أَوَ لَمْ يَرَوا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمناً وَيُتَخَطَّف النّاسُ من حَولهِمْ أَفَبالباطل يؤمنون وبنعمة اللّه يكفرون ) (٣)

والمراد من هذا الأمن هو الأمن التشريعي ، بمعنى أنّه سبحانه حرَّم فيه القتل والحرب ، حتى قطع الأشجار والنباتات ، إلاّ بعض الأنواع ممّا تحتاج إليه الناس

والّذي يوضح أنّ المراد من الأمن هو الأمن التشريعي لا التكويني قوله سبحانه :( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكّة مُباركاً وَهُدىً لِلْعالَمين * فِيه آياتٌ بَيِّنات مَقامُ إِبراهيم وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَللّه عَلى النّاسِ حِجُّ الْبَيْت مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبيلاً وَمَنْ كَفَرَ فإِنَّ اللّه غَنِيٌّ عَن الْعالَمين ) (٤)

فالآية الأُولى تحكي عن تشريع خاصّ ، وهو أنّ الكعبة أوّل بيت وضعت لعبادة الناس ، ويدلّ على ذلك أنّ فيه مقام إبراهيم ، كما أنّ الآية الثانية تُبيّن تشريعاً آخر ، وهو وجوب حجّ البيت لمَن استطاع إليه ، وبين هذين التشريعين جاء قوله :( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) ، وهذا دليل على أنّ المراد من الأمن هو الأمن التشريعي لا التكويني ، ولذلك كان الطغاة يسلبون الأمن عن هذا البلد بين آونة وأُخرى

ــــــــــــــــ

(١) العنكبوت : ٦٧

(٢) القصص : ٥٧

(٣) العنكبوت : ٦٧

(٤) آل عمران : ٩٦ـ ٩٧

١٦٠