البيان في تفسير القرآن

البيان في تفسير القرآن0%

البيان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 526

البيان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي
تصنيف: الصفحات: 526
المشاهدات: 34692
تحميل: 7585

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 526 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34692 / تحميل: 7585
الحجم الحجم الحجم
البيان في تفسير القرآن

البيان في تفسير القرآن

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الله :

عَلَم للذات المقدّسة ، وقد عَرِفها العرَب به حتّى في الجاهلية ، قال لبيد :

ألا كلّ شيءٍ ما خَلا الله باطل * وكلّ نعيمٍ لا محالةَ زائل

وقال سبحانه :

( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) ٣١ : ٢٥ .

ومَن توهَّم أنّه اسم جِنس فقد أخطأ ، ودليلُنا على ذلك أمور :

الأوّل : التبادر ، فإنّ لفظ الجلالة ينصرِف بلا قرينة إلى الذات المقدّسة ، ولا يشكّ في ذلك أحَد ، وبأصالة عدم النقْل يثبُت أنّه كذلك في اللُغة ، وقد حُقِّقت حُجّيتها في علم الأصول .

الثاني : إنّ لفظ الجلالة - بما له مِن المعنى - لا يُستعمَل وَصفاً ، فلا يقال : العالِم الله ، الخالِق الله ، على أنْ يراد بذلك توصيف العالِم والخالق بصفةٍ هي كَونه الله ، وهذه آيةُ كَون لفظ الجلالة جامداً ، وإذا كان جامداً كان عَلَماً لا محالة ، فإنّ الذاهب إلى أنّه اسمُ جِنْس فسَّره بالمعنى الاشتقاقيّ .

الثالث : إنّ لفظ الجلالة لو لم يكن عَلَماً لَما كانت كلمة ( لا إله إلاّ الله ) كلمة توحيد ، فإنّها لا تدلّ على التوحيد بنفْسِها حينئذٍ ، كما لا يدلّ عليه قول : لا إله إلاّ الرازق ، أو الخالق ، أو غيرهما مِن الألفاظ التي تُطلَق على الله سبحانه ؛ ولذلك لا يُقبَل إسلام مَن قال إحدى هذه الكلمات .

الرابع : إنّ حِكْمة الوَضْع تقتضي وَضْع لفظٍ للذات المقدّسة ، كما تقتضي الوضْع بإزاء سائِر المفاهيم ، وليس في لُغة العرب لفظٌ موضوع لها غير لفظ الجلالة ، فيتعيَّن أنْ يكون هو اللفظ الموضوع لها .

٤٢١

إنْ قلتَ :

إنّ وضْعَ لفظٍ لمعنىً يتوقّف على تصوّر كلٍّ منهما ، وذات الله سبحانه يستحيل تصوّرها ؛ لاستحالة إحاطة المُمكن بالواجـب ، فيمتنع وضْع لفظٍ لها ، ولو قُلنا بأنّ الواضع هو الله - وأنّه لا يستحيل عليه أنْ يضَع اسماً لذاته ؛ لأنّه محيط بها - لَما كانت لهذا الوضْع فائدة ؛ لاستحالة أنْ يستعمله المخلوق في معناه ، فإنّ الاستعمال أيضـاً يتوقّف على تصوّر المعنى كالوضع ، على أنّ هذا القول باطل في نفْسِه .

قلتُ :

وضْع اللفظ بإزاء المعنى يتوقّف على تصوّره في الجُملة ، ولو بالإشارة إليه ، وهذا أمْرٌ مُمكن في الواجب وغيره ، والمستحيل هو تصوّر الواجب بكُنْهِه وحقيقته ، وهذا لا يُعتبر في الوضْع ، ولا في الاستعمال ، ولو اُعتُبِر ذلك لامْتنع الوضْع والاستعمال في المَوجودات المُمكنة ، التي لا تمكن الإحاطة بكُنْهِها : كالروح والمَلَك والجِنّ .

وممّا لا يَرتاب فيه أحدٌ ، أنّه يصحّ استعمال اسم الإشارة أو الضمير ويُقصَد به الذات المقدّسة ، فكذلك يُمكِن قصدُها مِن اللفظ الموضوع لها ، وبما أنّ الذات المقدّسة مُستجمِعة لجميع صفات الكمال ، ولم يُلحَظْ فيها - في مرحلة الوضْع - جهة مِن كمالاتها دون جهة ؛ صحّ أنْ يقال : لفْظ الجلالة موضوع للذات المستجمعة لجميع صفات الكمال .

إنْ قلتَ :

إنّ كلمة( الله ) لو كانت عَلَماً شخصيّاً ، لم يستقِم معنى قوله عزّ اسمُه :

( وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ ) ٦ : ٣ .

وذلك لأنّها لو كانت عَلَماً ؛ لكانت الآية قد أثبتَتْ له المكان وهو مُحال ، فلا مَناص مِن أنْ يكون معناه المعبود ، فيكون معنى الآية : وهو المعبود في السماوات والأرَضين .

٤٢٢

قلتُ :

المراد بالآية المبارَكة أنّه تعالى لا يخلو منه مكان ، وأنّه محيطٌ بما في السماوات وما في الأرض ، ولا تخفى عليه منها خافية ، ويشهد لهذا قوله تعالى في آخِر الآية الكريمة :

( يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ) ٦ : ٣ .

وقد روى أبو جعفر ، وهو محمّد بن نعمان - في ظنّ الصدوق - قال : ( سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن قول الله عزّ وجلّ :

( وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ ) ٦ : ٣ .

قال ( عليه السلام ) : ( كذلك هو في كلّ مكان ، قلتُ : بذاته ؟ قال : ويْحك إنّ الأماكن أقدار ، فإذا قلتَ في مكان بذاته لَزِمَك أنْ تقول في أقدار وغير ذلك ، ولكن هو بائنٌ مِن خلْقِه محيطٌ بما خَلَق : عِلماً وقُدرةً وإحاطةً وسُلطاناً . )(١) .

والألف واللام : مِن كلمة الجلالة ، وإنْ كانت جزءٌ منها على العَلَمية ، إلاّ أنّ الهَمْزة فيها هَمْزة وصْل تَسقُط في الدَرْج ، إلاّ إذا وقعَت بعد حرف النداء ، فتقول يا الله بإثبات الهَمْزة ، وهذا ممّا اختصّ به لفْظ الجلالة ، ولم يوجدْ نظيرُه في كلام العرب قـطّ .

ولا مُضايقة في كَون كلمة الجلالة مِن المنقول ، وعليه فالأظهر أنّه مأخوذٌ مِن كلمة ( لاه ) بمعنى الاحتجاب والارتفاع ، فهو مصدر مبنيّ للفاعل ؛ لأنّه سبحانه هو المرتفِع حقيقةَ الارتفاع ، التي لا يشوبُها انخفاض ، وهو - في غاية ظهوره بآثاره وآياته - مُحتجِب عن خلْقِه بذاته ، فلا تُدرِكُه الأبصار ، ولا تصِل إلى كُنهِه الأفكار :

_______________________

(١) تفسير البرهان ج ١ ص ٣١٥

٤٢٣

فـيك يـا أُعجوبة الكَو

ن غَـدا الـفِكرُ كـليلا

أنــت حـيَّرتَ ذوي

الـلُبِّ وبَـلْبَلْتَ العقولا

كـلّـما أقـدَم فِـكري

فـيك شِـبْراً فـرَّ مِيلا

ناكِصاً يخبُطُ في عشواء

لا يـهـدي الـسـبيلا

ولا موجِب للقول باشتقاقه مِن ( ألَه ) بمعنى عَبَد ، أو ( ألِه ) بمعنى تحيّر ؛ ليكون الإله مصدراً بمعنى المفعول - ككِتاب - فإنّه التزامٌ بما لا يُلزِم .

الرحمن :

مأخوذٌ مِن الرحمة ، ومعناها معروف ، وهي ضدّ القَسوة والشدّة ، قال الله تعالى :

( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ٤٨ : ٢٩. اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٥ : ٩٨) .

وهي مِن الصفات الفعلية ، وليست رقّة القَلْب مأخوذة في مفهومها ، بل هي مِن لوازِمِها في البشَر فالرحمة - دون تجرُّدٍ عن معناها الحقيقيّ - مِن صفات الله الفعلية كالخَلْق والرِزق ، يوجِدُها حيث يشاء قال عزّ وجلّ :

( رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ) ١٧ : ٥٤. يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ٢٩ : ٢١) .

حسب ما تقتضيه حِكمتُه البالِغة وقد وَرَد في الآيات طلَب الرحمة مِن الله سبحانه :

( وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ) ٢٣ : ١١٨ .

٤٢٤

وقال غير واحد مِن المفسّرين وبعض اللُغَويّين : إنّ صيغة الرحمن مبالَغةٌ في الرحمة ، وهو كذلك في خصوص هذه الكلمـة ، سواء أكانت هيئة فعلان مستعمَلة في المبالَغة أمْ لم تكن ، فإنّ كلمة ( الرحمن ) في جميع مَوارد استعمالها محذوفةِ المتعلّق ، فيُستفاد منها العموم ، وأنّ رحمتَه وسِعَت كلّ شيء وممّا يدلّنا على ذلك أنّه لا يقال : إنّ الله بالناس أو بالمؤمنين لرحمن ، كما يقال : إنّ الله بالناس أو بالمؤمنين لرحيم .

وكلمة ( الرحمن ) بمنزلة اللقَب مِن الله سبحانه ، فلا تُطلَق على غيره تعالى ، ومِن أجْل ذلك استُعمِلت في كثير مِن الآيات الكريمة مِن دون لحاظ مادّته ، قال سبحانه :

( قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ ٣٦ : ١٥. إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ ٣٦ : ٢٣. هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ٣٦ : ٥٢. مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ٦٧ : ٣) .

وممّا يقرُب اختصاص هذا اللفظ به قوله تعالى :

( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ) ١٩ : ٦٥ .

فإنّ الملحوظ : أنّ الله تعالى قد اعتنى بكلمة ( الرحمن ) في هذه السورة - مريم - حتّى كرّرها فيها سِتّ عَشرة مرّة وهذا يُقَرِّب أنّ المراد بالآية الكريمة ، أنّه ليس لله سمِيٌّ بتلك الكلمة .

الرحيم :

صِفة مشَبَّهة ، أو صيغة مبالَغة ومِن خصائص هذه الصيغة : أنّها تُستعمَل

٤٢٥

غالباً في الغرائز واللوازم غير المُنفكّة عن الذات : كالعليم والقدير والشريف ، والوضيع والسخيّ والبخيل والعلِيّ والدنيّ .

فالفارِق بين الصفتَين : أنّ الرحيم يدلّ على لزوم الرحمة للذات ، وعدم انفكاكها عنها ، والرحمن يدلّ على ثبوت الرحمة فقط وممّا يدلّ على أنّ الرحمة في كلمة ( رحيم ) غريزة وسجيّة : أنّ هذه الكلمة لم ترِد في القرآن عند ذِكر متعلّقها ، إلاّ مُتعدّية بالباء ، فقد قال تعالى :

( إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ٢ : ١٤٣. وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ٣٣ : ٤٣) .

فكأنّها عند ذِكر متعلّقها انسلخَتْ عن التعدِيَة إلى اللزوم وذهبَ الآلوسي إلى أنّ الكلمتَين ليسَتا مِن الصفات المشَبّهة ، بقرينة إضافتهما إلى المفعول في جُملة : ( رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ) والصِفة المشَبّهة لا بـدّ مِن أنْ تؤخَذ مِـن اللازم(١) .

وهذا الاستدلال غريب ؛ لأنّ الإضافة في الجملة المذكورة ليست مِن الإضافة إلى المفعول ، بل هي مِن الإضافة إلى المكان أو الزمان ولا يَفرُق فيها بين اللازم والمتعدّي .

ثمّ إنّه قد ورَد في بعض الروايات : أنّ ( الرحمن ) اسم خاصّ ومعناه عامّ ، وأمّا لفْظ ( الرحيم ) فهو اسمٌ عامّ ، ومعناه خاص ، ومختصّ بالآخرة أو بالمؤمنين(٢) ، إلاّ أنّه لا مَناص مِن تأويل هذه الروايات أو طَرحِها ، لمخالفتها الكتاب العزيز ، فانّه قد استُعمِل فيه لفْظ ( الرحيم ) مِن غير اختصاص بالمؤمنين ، أو بالآخرة ، ففي الكتاب العزيز :

_______________________

(١) تفسير الآلوسي ج ١ ص ٥٩ .

(٢) تفسير الطبري ج ١ ص ٤٣ ، وتفسير البرهان ج ١ ص ٢٨

٤٢٦

( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ١٤ : ٣٦. نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ١٥ : ٤٩. إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ٢٢ : ٦٥. رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ١٧ : ٦٦. وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً ٣٣ : ٢٤) .

إلى غير ذلك مِن الآيات الكريمة ، وفي بعض الأدعية والروايات : رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما(١) .

ويُمكن أنْ يوجّه هذا الاختصاص : بأنّ الرحمة الإلهية إذا لم تنتَهِ إلى الرحمة في الآخرة ، فكأنّها لم تكن رحمة(٢) وما جدوى رحمة تكون عاقبتها العذاب والخُسران ؟ فإنّ الرحمة الزائلة تندَكّ أمام العذاب الدائم لا محالة ، وبلحاظ ذلك صحّ أنْ يقال : الرحمة مختصّة بالمؤمنين أو بالآخرة .

الإعراب

ذهبَ بعضهم إلى أنّ متعلّق الجار والمجرور هو أقرأ ، أو اقرأ ، أو أقول ، أو قُل ، وقال بعض : متعلّقه أستعين ، أو استعِن ، وذهب آخرون إلى تعلّقه بأبتدئ ، والوجهان الأوّلان باطلان :

_______________________

(١) الصحيفة السجّادية في دعائه ( ع ) في استكشاف الهموم ، ومستدرك الحاكم ج ١ ص ١٥٥ .

(٢) أُشير إلى ذلك في بعض الأدعية المأثورة

٤٢٧

أمّا الوجه الأوّل : فلأنّ مفعول القراءة أو القول - هنا - يجب أنْ يكون هي الجُملة بما لها مِن المعنى ، فلا مَناص مِن تقدير كلمةٍ أخرى ؛ لتكون الجُملة بما لها مِن المتعلّق مقولاً للقول .

وأمّا الوجه الثاني : فلأنّ الاستعانة تستحيل أنْ تكون مِن الله تعالى ، لغِناه عن الاستعانة حتّى بأسمائه الكريمة ، والاستعانة مِن الخَلْق إنّما تكون بالله لا بأسمائه ، وقد نصّ تعالى على ذلك بقوله :( وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) .

فتعيَّن أنْ يكون متعلّق الجار والمجرور هو أبتدئ ، وإضافة الاسم إلى الله ليست بيانيّة ؛ ليكون المراد مِن قوله :( اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) ألفاظها ، فإنّه بعيدٌ جدّاً ، ويُضاف إلى ذلك : أنّه لو كان المراد نفْس هذه الألفاظ ، فإنْ أُريد مجموعها ، فهو ليس مِن الأسماء الإلهية ، وإنْ أُريد كلٌّ على انفراده ، اُحتِيج إلى العاطِف ، فتكون الجملة هكذا : ( بسم الله والرحمـن والرحيـم ) ، إذن فالإضافة معنويّة لا محالة ، وكلمة( الله ) مستعمَلة في معناها .

التفسير

لمّا كانت سِوَر القرآن قد أُنزِلتْ لسَوق البَشَر إلى كمالِه المُمكن ، وإخراجِه مِن ظُلُمات الشِرك والجهالة إلى نور المعرفة والتوحيد ، ناسَب أنْ يبدأ في كلِّ سورة باسمِه الكريم ، فإنّه الكاشف عن ذاته المقدّسة ، والقرآن إنّما أُنزل ؛ ليُعرَف به الله سبحانه ، واستُثنيَت مِن ذلك سورة براءة ، فإنّها بدأت بالبراءة مِن المشركين ؛ ولهذا الغرَض أُنزلت ، فلا يناسِبُها ذِكر اسم الله ، ولا سيّما مع توصيفه بالرحمن الرحيم(١) .

_______________________

(١) رَوى ابن عبّاس ، قال سألت عليَّ بن أبي طالب ( ع ) لِمَ لمْ تُكتَب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم ؟ قال : لأنّها أمـانٌ ، وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان المستدرك ج ٢ ص ٣٣

٤٢٨

وعلى الجُملة : ابتدأ الله كتابه التدوينيّ بذِكر اسمِه ، كما ابتدأ في كتابه التكوينيّ باسمه الأتمّ ، فخَلَقَ الحقيقة المحمّديّة ونور النبيّ الأكرم قبل سائر المخلوقين ، وإيضاح هذا المعنى :

أنّ الاسم هو ما دلَّ على الذات ، وبهذا الاعتبار تنقسم الأسماء الإلهية إلى قِسمَين : تكوينيّة ، وجَعْلية فالأسماء الجَعْلية : هي الألفاظ التي وُضِعت للدلالة على الذات المقدّسة ، أو على صِفة مِن صفاتها الجمالية والجلالية والأسماء التكوينيّة : هي المُمكنات الدالّة بوجودها على وجود خالِقها وعلى توحيده :

( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ٥٢ : ٣٥. لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا ٢١ : ٢٢) .

ففي كلّ شيءٍ دلالة على وجود خالقِه وتَوحيده ، وكما تختلف الأسماء الإلهية اللفظية مِن حيث دلالتها ، فيدلّ بعضها على نفْس الذات بما لها مِن صفات الكمال ، ويدلّ بعضها على جهةٍ خاصّة مِن كمالاتها على اختلافٍ في العَظَمة والرِفعة ، فكذلك تختلف الأسماء التكوينيّة مِن هذه الجهة ، وإنْ اشترك جميعُها في الكَشْف عن الوجود والتوحيد ، وعن العِلْم والقُدرة وعن سائر الصفات الكمالية .

ومنشأ اختلافها : أنّ الموجود إذا كان أتمّ ، كانت دلالته أقوى ، ومِن هنا صحّ إطلاق الأسماء الحُسنى على الأئمّة الهداة ، كما في بعض الروايات(١) فالواجب جلّ وعلا قد ابتدأ في أكمَل كتاب مِن كتُبِه التدوينيّة بأشرف الألفاظ ، وأقرَبها إلى اسمه الأعظم مِن ناظِر العَين إلى بياضها(٢) ، كما بدأ في كتابه التكوينيّ باسمه

_______________________

(١) الكافي باب النوادر مِن أبواب التوحيد ص ٧٠ ، والوافي ج ١ ص ١٠٩ ، وتفسير البرهان ج ١ ص ٣٧٧ .

(٢) الوافي باب قراءة البسملة والجَهْر بها ج ٥ ص ٩٩ ، والتهذيب ج ١ ص ٢١٨ باب =

(البيان - ٢٨)

٤٢٩

الأعظم في عالَم الوجود العينيّ(١) ، وفي ذلك تعليم البَشَر بأنْ يبتدئوا في أقوالهم وأفعالهم باسمه تعالى .

رُويَ عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أنّه قال : كلّ كلامٍ أو أمْرٍ ذي بال لم يُفتَح بذِكر الله عزّ وجلّ ، فهو أبْتَر ، أو قاطِع أقطَع(٢) ، وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عن الله عزّ وجلّ : كلُّ أمْرٍ ذي بال ، لم يُذكَر فيه بسم الله ، فهو أبْتَر(٣) .

_______________________

= كيفيّة الصلاة وصِفَتِها ورواه عثمان عن النبيّ ( ص ) باختلافٍ يسير في ألفاظه ، المستدرَك للحاكِم ج ١ ص ٥٥٢ ، وكنز العمّال ج ٢ ص ١٩٠ انظُر التعليقة رقم (١٢) لمعرفة أهمّية البَسملة - في قِسم التعليقات .

(١) انظُر التعليقة رقم (١٢) لمعرفة كتابِه التكوينيّ بماذا بدأَه به - في قِسم التعليقات .

(٢) مسند أحمد ج ٢ ص ٣٥٩ .

(٣) البحار ج ١٦ باب ٥٨ الافتتاح بالتسمية ، و ج ١٩ ص ٦٠

٤٣٠

البحث الأوّل

حَول آية البَسْمَلَة

٤٣١

ذِكْر الرحمة بَدْء القرآن ذِكْر الرحيم بعد الرحمن هل البَسْملة مِن القرآن ؟

٤٣٢

ذِكر الرحمة بَدْء القرآن :

قد وصَف الله تعالى نفْسه بالرحمة في ابتداء كلامه ، دون سائر صفاته الكمالية ؛ لأنّ القرآن إنّما نزَل رحمةً مِـن الله لعباده ومِن المناسب أنْ يبتدئ بهذه الصِفة ، التي اقتضتْ إرسال الرسول وإنزال الكتاب وقد وصَف الله كتابه ونبيَّه بالرحمة في آياتٍ عديدة ، فقد قال تعالى :

( هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ٧ : ٢٠٣. وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ١٠ : ٥٧. وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ١٦ : ٨٩. وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ١٧ : ٨٢. وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ٢١ : ١٠٧. وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ٢٧ : ٧٧) .

ذِكْر الرحيم بعد الرحمن :

قد عرفتَ أنّ هيئة فعيل تدلّ على أنّ المبدأ فيها مِن الغرائز والسجايا غير

٤٣٣

المُنفكّة عن الذات(١) ؛ وبذلك تظهر نكتة تأخير كلمة ( الرحيم ) عن كلمة ( الرحمن ) ، فإنّ هيئة ( الرحمن ) تدلّ على عموم الرحمة وسِعَتِها ، ولا دلالة لها على أنّها لازِمة للذات ، فأتتْ كلمة ( الرحيم ) بعدها للدلالة على هذا المعنى .

وقد اقتضتْ بلاغة القرآن أنْ تُشير إلى كِلا الهدَفَين في هذه الآية المبارَكة ، فالله رحمنٌ قد وسِعَت رحمتُه كلَّ شيء ، وهو رحيمٌ لا تنفكّ عنه الرحمة .

وقد خَفِيَ الأمْر على جُملة مِن المفسّرين ، فتخيّلوا أنّ كلمة ( الرحمن ) أَوسَع معنىً مِن كلمة ( الرحيم ) بتوَهّم أنّ زيادة المَباني تدلّ على زيادة المعاني وهذا التعليل ينبغي أنْ يُعَدّ مِن المُضحِكات ، فإنّ دلالة الألفاظ تتّبع كيفية وضْعِها ، ولا صِلة لها بكَثرة الحروف وقلَّتِها ورُبَّ لفظٍ قليل الحروف كثير المعنى ، وبخلافه لفظٌ آخَر ، فكلمة حَذِر تدلّ على المبالَغة دون كلمـة حاذِر ، وإنّ كثير ما يكون الفِعل المجرّد والمزيد فيه بمعنىً واحد ، كضرَّ وأضرَّ .

هذا إذا فرضنا أنْ يكون استعمال كلمة ( الرحمن ) استعمالاً اشتقاقيّاً ، وأمّا بناءً على كَونها مِن أسماء الله تعالى ، وبمنزلة اللقَب له نقلاً عن معناها اللُغَوي - وقد تقدّم إثبات ذلك - فإنّ في تعقيبها بكلمة ( الرحيم ) زيادةً على ما ذُكِر ، إشارةً إلى سبب النقْل ، وهو اتّصافه تعالى بالرحمة الواسعة .

هل البَسْمَلة مِن القرآن ؟

اتّفقت الشيعة الإمامية على أنّ البَسْملة آية مِن كلّ سورة بُدِئت بها ، وذهبَ إليه ابن عبّاس ، وابن المبارك ، وأهل مكّة كابن كثير ، وأهل الكوفة كعاصم ، والكسائي ، وغيرهما ما سِوى حمزة وذهبَ إليه أيضاً غالبُ أصحاب الشافعيّ(٢) ، وجَزَم به قُرّاء مكّة والكوفة(٣) ، وحُكيَ هذا القول عن ابن عُمَر ، وابن الزبير

_______________________

(١) مَرّ ذلك في الصفحة ٤٢٢ مِن هذا الكتاب .

(٢) تفسير الآلوسي ج ١ ص ٣٩ .

(٣) تفسير الشوكاني ج ١ ص ٧

٤٣٤

وأبي هريرة ، وعطاء ، وطاوس ، وسعيد بن جبير ، ومكحول ، والزهريّ ، وأحمد بن حنبل في رواية عنه ، وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم بن سلام(١) .

وعن البيهقي نقل هذا القول عن الثوريّ ومحمّد بن كعب(٢) ، واختاره الرازي في تفسيره ، ونَسَبه إلى قُرّاء مكّة والكوفة وأكثر فقهاء الحجاز ، وإلى ابن المبارك والثوريّ ، واختاره أيضاً جلال الدين السيوطي مُدّعياً تواتر الروايات الدالّة عليه معنىً(٣) .

وقال بعض الشافعيّة وحمزة : ( إنّها آية مِن فاتحة الكتاب خاصّة دون غيرها ) ، ونُسِب ذلك إلى أحمد بن حنبل ، كما نُسِب إليه القول الأوّل(٤) .

وذهبَ جماعة : منهم مالك ، وأبو عمرو ، ويعقوب : إلى أنّها آية فَذّة ، وليسَت جزء مِن فاتحة الكتاب ولا مِن غيرها ، وقد أُنزِلت لبيان رؤوس السِوَر تَيمّناً ، وللفصل بين السورتَين ، وهو مشهور بين الحَنَفيّة(٥) .

غير أنّ أكثر الحنَفِيّة ذهبوا إلى وجوب قراءتها في الصلاة قبل الفاتحة ، وذَكر الزاهدي عن المجتبى : أنّ وجوب القراءة في كلّ رَكعة ، هي الرواية الصحيحة عن أبي حنيفة(٦) .

وأمّا مالِك فقد ذهب إلى كراهة قراءتها في نفْسِها ، واستحبابها لأجْل الخروج مِن الخلاف(٧) .

_______________________

(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ١٦ .

(٢) تفسير الخازن ج ١ ص ١٣ .

(٣) الإتقان النوع ٢٢ - ٢٧ ج ١ ص ١٣٥ ، ١٣٦ .

(٤) تفسير الآلوسي ج ١ ص ٣٩ .

(٥) نفس المصدر

(٦) نفس المصدر .

(٧) الفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ٢٥٧ .

٤٣٥

أدلّة جُزئية البَسْملة للقرآن :

وفي هذه المسألة أقوال أُخَر شاذّة لا فائدة في التعرّض لها ، ولكنّ المُهِم بيانُ الدليل على المذهب الحقّ ، ويقع ذلك في عِدّة أمور :

١ - أحاديث أهل البيت :

وهي الروايات الصحيحة المأثورة عن أهل البيت ( عليهم السلام ) الصريحة في ذلك(١) ، وبها الكفاية عن تجَشّم أيّ دليل آخَر ، بعد أنْ جَعَلهم النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عِدْلاً للقرآن ، في وجوب التمسّك بهم والرجوع إليهم(٢) .

١ - عن معاوية بن عمّار قال :

( قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : إذا قُمتُ للصلاة أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة القرآن ؟ قال : نعَم قلتُ : فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة ، قال : نعم )(٣) .

٢ - عن يحيى بن أبي عمران الهمداني قال :

( كتبتُ إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) : جُعِلتُ فِداك ما تقول في رجُلٍ ابتدأ : ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أُمِّ الكتاب ، فلمّا صار إلى غير أُمّ الكتاب مِن السورة تَرَكها ؟ فقال العباسيّ : ليس بذلك بَأْس ، فكتَب بخَطِّه : يُعيدُها - مرّتين - على رغْم أنْفِه ، يعني العباسيّ )(٤)

_______________________

(١) وللاطّلاع على الروايات المذكورة ، يُراجَع فروع الكافي باب قراءة القرآن ص ٨٦ ، والاستبصار باب الجَهْر بالبَسْملة ج ١ ص ٣١١ ، والتهذيب - باب كيفيّة الصلاة وصِفتها ج ١ ص ١٥٣ ، ٢١٨ ، ووسائل الشيعة باب أنّ البَسْملة آية مِن الفاتحة ج ١ ص ٣٥٢ .

(٢) تقدّم بعض مصادر هذا الحديث في الصفحة ( ١٨ ، ٣٩٨ ) مِن هذا الكتاب .

(٣) الكافي ج ٣ ص ٣١٢ ط دار الكُتُب الإسلامية .

(٤) نفس المصدر ص ٣١٣

٤٣٦

٣ - وفي صحيحة ابن أبي أُذَينة :

( . فلمّا فَرِغ مِن التكبير والافتتاح أوحى الله إليه سَمِّ باسمي ، فمِن أجْل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أوّل السورة ، ثمّ أوحى الله إليه أنْ احمدْني ، فلما قال : الحمْدُ لله ربَّ العالَمين ، قال النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في نفْسه شُكراً ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه قطَعْت حمْدي فسَمِّ باسمي ، فمِن أجل ذلك جعل في الحمْد : الرحمن الرحيم مرّتَين ، فلما بلَغ ولا الضالِّين قال النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) الحمد لله ربِّ العالمين شكراً ، فأوحى الله إليه قطعْتَ ذِكري ، فسمِّ باسمي ، فمِن أجْل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أوّل السورة ، ثمّ أوحى الله عزّ وجلّ إليه : اقرأ يا محمّد نِسبة ربِّك تبارَك وتعالى : قُلْ هو الله أحَد الله الصَمَد لم يلِدْ ولم يولَدْ ، ولم يكن له كفُواً أحد )(١) .

٢ - أحاديث أهل السُنّة :

وقد دلّت على ذلك أيضاً روايات كثيرة مِن طُرُق أهل السُنّة ، نذكر جملةً منها :

١ - ما رَواه أنَس قال :

( بَينا رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) ذات يوم بين أظْهُرِنا ، إذْ أغْفى إغفاءةً ، ثمّ رفَع رأسه متَبسِّماً ، فقُلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال: أُنزِلت عليَّ آنفاً سورةٌ ، فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم إنّا أعطيناك الكوثر . ) (٢) .

٢ - ما أخرجه الدارقطني بسنَدٍ صحيح عن عليٍّ ( عليه السلام ) :

( أنّه سُئل عن السَبْع المثاني ، فقال : الحمدُ لله ربِّ العالَمين ، فقيل له : إنّما هي سِتُّ آيات ، فقال : بسم الله الرحمن الرحيم آية )(٣) .

_______________________

(١) الكافي ج ٣ .

(٢) صحيح مسلم باب حُجّة مَن قال البَسْملة آية ج ٢ ص ١٢ ، وسُنن النسائي باب قراءة البَسْملة ج ١ ص ١٤٣ ، وسُنن أبي داود باب الجَهْر بالبَسْملة ج ١ ص ١٢٥ .

(٣) الإتقان النوع ٢٢ - ٢٧ ج ١ ص ١٣٦ ، ورواهما البيهقي في سُننه باب الدليل على أنّ البَسْملة آية تامّة ج ٢ ص ٤٥

٤٣٧

٣ - ما أخرجه الدارقطني أيضاً بسنَدٍ صحيح عن أبي هريرة قال :

( قال رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) : إذا قرأتُم الحَمْد فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم ، فإنّها أُمّ القرآن ، وأُمّ الكتاب ، والسَبْع المَثاني وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها )(١) .

٤ - ما أخرجه ابن خزيمة والبيهقي بسنَدٍ صحيح عن ابن عبّاس قال :

( السَبْع المَثاني فاتحة الكتاب قيل : فأين السابعة ؟ قال : بسم الله الرحمن الرحيم )(٢) .

٥ - ما أخرجه ابن خزيمة والبيهقي في المَعرِفة بسنَدٍ صحيح ، مِن طريق سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال :

( استرق الشيطان مِن الناس أعْظَم آية مِن القرآن : بسم الله الرحمن الرحيم )(٣) .

٦ - ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال :

( كان المسلمون لا يعلَمون انقضاء السورة ، حتّى تنزِل بسم الله الرحمن الرحيم ، فإذا نزلَتْ بسم الله الرحمن الرحيم عَلِموا أنّ السورة قد انقضتْ )(٤) .

٧ - ما رواه سعيد عن ابن عبّاس :

( أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) كان إذا جاءه جبرئيل ، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم عَلِم أنّ ذلك سورة )(٥) .

_______________________

(١) نفس المصدر السابق .

(٢) نفس المصدر ، ورواه الحاكم في المستدرَك ج ١ ص ٥٥١ .

(٣) نفس المصدر ص ١٣٥ ، ورواه البيهقي في سُننه باب افتتاح القراءة في الصلاة ج ٢ ص ٥٠ .

(٤) مستدرَك الحاكم ج ١ ص ٢٣٢ قال الحاكم : هذا صحيح على شرط الشيخَين .

(٥) مستدرَك الحاكم ج ١ ص ٢٣١

٤٣٨

٨ - ما رواه ابن جريج قال :

( أخبرني أبي أنّ سعيد بن جبير أخبره ، قال : ولقد آتيناك سبْعاً مِن المَثاني قال : هي أُمّ القرآن ، قال أبي : وقرأ عليَّ سعيد بن جبير بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة قال سعيد بن جبير : وقرأها عليَّ ابن عبّاس ، كما قرأتُها عليك ، ثمّ قال : بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة قال ابن عبّاس : فأخرجها الله لكم ، وما أخرجَها لأحدٍ قبلَكم )(١) .

إلى غير ذلك مِن الروايات ومَن أراد الاطّلاع عليها ، فليُراجع مظانّها .

الروايات المعارِضة :

وليس بإزاء هذه الروايات إلاّ روايتان ، دلَّتا على عدم جُزئية البَسْملة للسورة :

١ - إحداهما : رواية قتادة عن أنس بن مالك ، قال : صلّيتُ مع رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) ، وأبي بكرٍ وعمَر وعثمان ، فلم أسمع أحَداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم(٢) .

٢ - ثانيتهما : ما رواه ابن عبد الله بن مغفل يزيد بن عبد الله ، قال : ( سمِعَني أبي وأنا أقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال : أَي بُنَي ! إيّاك ، قال : ولم أرَ أحَداً مِن أصحاب رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) كان أبغَض إليه حَدَثاً في الإسلام منه ، فإنّي قد صلّيتُ مع رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) ، ومع أبي بكرٍ وعمَر ، ومع عثمان ، فلم أسمع أحَداً منهم يقولُها ، فلا تقُلْها ، إذا أنت قرأت فقل : الحمدُ لله ربِّ العالَمين )(٣) .

_______________________

(١) نفْس المصدر السابق كتاب فضائل القرآن ص ٥٥٠ .

(٢) مُسند أحمد ج ٣ ص ١٧٧ ، ٢٧٣ ، ٢٧٨ وصحيح مسلم باب حُجّة مَن لا يجْهَر بالبَسْملة ج ٢ ص ١٢ وسُنن النسائي باب تَرْك الجَهْر بالبَسْملة ج ١ ص ١٤٤ وروى قريباً منه عن عبد الله بن مغفل .

(٣) مُسند أحمد ج ٤ ص ٨٥ ، ورواه الترمذي باختلافٍ يسير باب ما جاء في تَرْك الجَهْر بالبَسْملة ج ٢ ص ٤٣

٤٣٩

والجواب عن الرواية الأُولى :

- مُضافاً إلى مخالفتها للروايات المأثورة عن أهل البيت ( عليهم السلام ) - أنّه لا يمكن الاعتماد عليها مِن وجوه :

الوَجه الأوّل : معارضتها بالروايات المتواترة معنىً ، المنقولة عن طُرُق أهل السُنّة ، ولا سيّما أنّ جُملة منها صِحاح الأسانيد ، فكيف يُمكن تصديق هذه الرواية ؟ مع شهادة ابن عبّاس ، وأبي هريرة ، وأُمّ سَلَمة : على أنّ رسول الله كان يقرأ البَسْملة ويَعدّها آية مِن الفاتحة ، وأنّ ابن عمَر كان يقول : ( لِمَ كُتِبت إنْ لَم تُقرأ ! ) ، وأنّ عليّاً ( عليه السلام ) كان يقول : ( مَن ترَك قراءتها فقد نقُص ) ، وكان يقول : ( هي تمام السَبْع المثاني )(١) .

الوَجه الثاني : مخالفتها لِما اشتُهر بين المسلمين مِن قراءتها في الصلاة ، حتّى أنّ معاوية ترَكَها في صلاته في يومٍ مِن أيّام خلافته ، فقال له المسلمون : ( أسرقْتَ أمْ نسِيت ؟ )(٢) .

ومع هذا كيف يمكن التصديق بأنّ رسول الله ( ص ) ، ومَن بعده لم يقرأوها !

الوَجه الثالث : مخالفتها لِما استفاض نقلُه عن أنَس نفْسه (٣) فالرواية موضوعةٌ ، ما في ذلك مِن شكّ .

والجواب عن الرواية الثانية :

- وهي رواية ابن عبد الله بن مغفل - يظهر ممّا تقدّم في الجواب عن الرواية

_______________________

(١) انظُر التعليقة رقم (١٤) لمعرفة أنّ البَسْملة جزءٌ مِن القرآن بشهادة جُملةٍ مِن الأحاديث - في قِسم التعليقات .

(٢) انظُر التعليقة رقم (١٥) قُصّة نسيان معاوية لقراءة البَسْملة ، واعتراض المسلمين عليه - في قِسم التعليقات .

(٣) انظُر التعليقة رقم (١٦) للوقوف على أنّ النبيّ ( ص ) كان يقرأ البَسْملة في كلّ صلاة ، ثمّ توجيه رواية أنَس - في قِسم التعليقات

٤٤٠