البيان في تفسير القرآن

البيان في تفسير القرآن11%

البيان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 526

  • البداية
  • السابق
  • 526 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 36235 / تحميل: 8331
الحجم الحجم الحجم
البيان في تفسير القرآن

البيان في تفسير القرآن

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

الأُولى ، على أنّها تضمّنت ما يخالِف ضرورة الإسلام ، فإنّه لا يشكّ أحدٌ مِن المسلمين في استحباب التسمِيَة ، قبْل الحَمْد والسورة ، ولو بقصْدِ التيَمُّن والتبرُّك ، لا لأنّ البَسْملة جزءٌ ، فكيف ينهى ابن مغفل عنها بدعوى أنّها حدَثٌ في الإسلام ؟ !

٣ - سيرة المسلمين :

لقد استقرّت سيرة المسلمين على قراءة البَسْملة في أوائل السِوَر غير سورة بَراءة ، وثبَت بالتواتر أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كان يقرأها ، ولو لم تكن مِن القرآن للَزِم على الرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أنْ يُصرِّح بذلك ، فإنّ قراءته - وهو في مقام البيان - ظاهرة في أنّ جميع ما يُقرأ قرآن ، ولو لم يكن بعض ما يُقرأ قرآن ثمّ لم يصرِّح بذلك ، لكان ذلك منه إغراءً منه بالجَهْل وهو قبيح ، وفي ما يُرجَع إلى الوحي الإلهيّ أشدّ قُبحاً ، ولو صرّح الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بذلك ، لنُقِل إلينا بالتواتر ، مع أنّه لم يُنقل حتّى بالآحاد .

٤ - مصاحف التابعين والصحابة :

ممّا لا رَيب فيه أنّ مصاحف التابعين والصحابة - قبْل جَمْع عثمان وبعده - كانت مشتملة على البَسْملة ، ولو لم تكن مِن القرآن لَما أثبتوها في مصاحفهم ، فإنّ الصحابة مَنعت أنْ يُدرَج في المُصحف ما ليس مِن القرآن ، حتّى أنّ بعض المتقدّمين منعوا عن تنقيط المُصحف وتشكيله فإثبات البَسْملة في مصاحفهم شهادةٌ منهم بأنّها مِن القرآن ، كسائر الآيات المتكرّرة فيه .

وما ذكرناه يُبطل احتمال أنّ إثباتهم إيّاها كان للفَصْل بين السِوَر ويُبطل هذه الدعوى أيضاً إثبات البَسْملة في سـورة الفاتحة ، وعدم إثباتها في أوّل سورة براءة ولو كانت للفَصل بين السِوَر ، لأُثْبِتت في الثانية ، ولم تثبُتْ في الأُولى وذلك يدلّنا قطعاً على أنّ البَسْملة آيةٌ مُنزَلةٌ في الفاتحة دون سورة براءة

أدلّة نُفاة جُزئيّة البَسْملة :

واستدلّ القائلون بأنّ البَسْملة ليست جزءً مِن السورة بوجوه :

٤٤١

الوَجه الأوّل :

إنّ طريق ثبوت القرآن ينحصر بالتواتر ، فكلّ ما وقَع النزاع في ثبوته ، فهو ليس مِن القرآن ، والبَسْملة ممّا وقَع النزاع فيه .

والجواب ، أوّلاً :

أنّ كَون البَسْملة مِن القرآن ممّا تواتر عن أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ولا فَرْق في التواتر بين أنْ يكون عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وبين أنْ يكون عن أهل بيته الطاهرين ، بعد أنْ ثبَتَ وجوب اتّباعهم .

وثانياً : أنّ ذهاب شِرذمةٍ إلى عدم كَون البَسْملة مِن القرآن لشُبهةٍ لا يضرّ بالتواتر ، مع شهادة جمْعٍ كثيرٍ مِن الصحابة بكَونها مِن القرآن ، ودلالة الروايات المتواترة عليه معنىً .

وثالثاً : أنّه قد تواتر أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يقرأ البَسْملة ، حينما يقرأ سورةً مِن القرآن ، وهو في مقام البيان ، ولم يبيِّن أنّها ليست منه ، وهذا يدلّ دلالة قطعيّة على أنّ البَسْملة مِن القرآن .

نعم لا يثبت بهذا أنّها جزءٌ مِن السورة ويكفي لإثباته ما تقدّم مِن الروايات ، فضلاً عمّا سواها مِن الأخبار الكثيرة المروِيّة مِن الطريقَين والجُزئية تثبُت بخبر الواحد الصحيح ، ولا دليل على لزوم التواتر فيها أيضاً .

الوَجه الثاني ، ما أخرجَه مسلم مِن حديث أبي هريرة قال :

( سمعتُ رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) يقول : قال الله تعالى : قسّمتُ الصلاة بيني وبين عَبْدي نِصفَين ، ولعَبْدي ما سأل : فإذا قال العَبْد : الحمْدُ لله ربِّ العالَمين ، قال الله تعالى : حمَدَني عَبْدي ، وإذا قال : الرحمن الرحيم ، قال : أَثْنى عليَّ عَبْدي ، وإذا قال : مالِكِ يوم الدِين ، قال الله تعالى : مجَّدَني عَبْدي ، وإذا قال العَبْد : إيّاك نعبُدُ وإيّاك نستعين ، قال الله تعالى : هذا بيني وبين عَبْدي ، ولِعبْدي

٤٤٢

ما سأل ، فإذا قال : اهدنا الصِراط المستقيم صِراط الذين أنعمْتَ عليهم ، غير المغضوب عليهم ، ولا الضـالِّين قال : هذا لعَبْدي ، ولِعبْدي ما سأل )(١) .

وتقريب الاستدلال في هذه الرواية ، أنّها تدلّ - بظاهرها - على أنّ ما بعد آية إيّاك نعْبدُ وإيّاك نستعين يساوي ما قبْلَها في العدَد ، ولو كانت البَسْملة جزءً مِن الفاتحة لمْ يستقِم معنى الرواية ؛ وذلك : لأنّ سورة الفاتحة - كما عرفتَ - سَبْع آيات ، فإنْ كانت البَسْملة جزءً كان ما بعد آية : إيّاك نعبُدُ وإيّاك نستعين آيتَين ، ومعنى ذلك : أنّ ما قبل هذه الآية ضعَّف ما بعدها ، فالفاتحة لا تنقسم إلى نِصفَين في العَدَد .

والجواب عنه ، أوّلاً :

أنّ الرواية مَروِيّة عن العلاء ، وقد اختُلِف فيه بالتوثيق والتضعيف .

وثانياً : أنّه لو تمَّت دلالتها ، فهي معارَضة بالروايات الصحيحة المتقدّمة الدالّة على أنّ الفاتحة سَبْع آيات ، مع البَسْملة لا بدونها .

وثالثاً : أنّه لا دلالة في الرواية على أنّ التقسيم بحسَب الألفاظ ، بل الظاهر أنّه بحسَب المعنى ، فالمراد أنّ أجزاء الصلاة بين ما يرجع إلى الربِّ ، وما يرجع إلى العَبْد بحسَب المدلول .

ورابعاً : أنّه لو سلّمنا أنّ التقسيم إنّما هو بحسَب الألفاظ ، فأيّ دليل على أنّه بحسَب عدد الآيات ، فلعلّه باعتبار الكلمات ، فإنّ الكلمات المتقدّمة على آية( إيّاك نعبُدُ وإيّاك نستعين ) والمتأخّرة عنها ، مع احتساب البَسْملة وحَذْف المكرَّرات ، عَشرُ كلمات .

الوجه الثالث : ما رواه أبو هريرة :

_______________________

(١) صحيح مسلم باب قراءة الفاتحة في كلِّ رَكعة ج ٢ ص ٦ ، وسُنن أبي داود - باب مَن ترَك القراءة في صلاته ج ١ ص ١٣٠ ، وسُنن النسائي باب ترْك قراءة البَسْملة في فاتحة الكتاب ج ١ ص ١٤٤

٤٤٣

( مِن أنّ سورة الكَوثر ثلاث آيات(١) ، وأنّ سورة المُلك ثلاثون آية )(٢) ، فلو كانت البَسْملة جزءً منها ، لزاد عددهما على ذلك .

والجواب :

إنّ رواية أبي هريرة في سورة الكَوثر ، على فَرْض صحّة سنَدِها معارَضة برواية أنَس ، وقد تقدّمت(٣) ، وهي رواية مقبولة روَتْها جميعُ الصِحاح غير مُوَطّأ مالِك(٤) ، فرواية أبي هريرة مطروحة ، أو مؤوّلة بإرادة الآيات المختصّة ، فإنّ البَسْملة مشترَكة بين جميع السِوَر ، وهذا هو جواب روايته في سورة المُلك .

_______________________

(١) لم أعثَرْ على هذه الرواية في كُتُب الروايات .

(٢) مستدرَك الحاكم ج ١ ص ٥٦٥ ، وصحيح الترمذي باب ما جاء في فضْل سورة المُلك ج ١١ ص ٣٠ ، وكنز العمّال فضائل السِوَر والآيات ج ١ ص ٥١٦ ، ٥٢٥ .

(٣) في الصفحة ٤٤١ مِن هذا الكتاب .

(٤) تيسير الوصول ج ١ ص ١٩٩

٤٤٤

(٢)

تحليل آية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣)

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)

***

القراءة

المشهور على ضمِّ الدال مِن كلمة ( الحمْدُ ) ، وكَسْر اللام مِن كلمة ( لله ) ، وقرأ بعضُهم بكَسْرِ الدال اتّباعاً له لِما بَعده ، وقَرأ بعضهم بضمِّ اللام اتّباعاً له لِما قبْله ، وكِلتا القراءتَين شاذّة لا يُعتنى بها .

واختلفَتْ القراءات في كلمة مالِك ، والمعروف منها اثنتان : إحداهما على زِنة ( فاعِل ) ، وثانيتهما على زِنة ( كَتِف ) وقَرأ بعضهم على زِنة ( فَلْس ) ، وقرأ بعضهم على زِنة ( فعيل ) وقَرأ أبو حنيفة بصيغة الماضي وغيرُ الأوَّليَّين مِن القراءات شاذٌّ لا اعتبار به .

(البيان - ٢٩)

٤٤٥

وُجوه ترجيح القراءتَين :

وقد ذَكروا لترجيح كلِّ واحدةٍ مِن القراءتَين الأوّليّين ( زِنة فاعِل وفَعِل ) على الأخرى وجوهاً ، منها :

١ - أنّ مفهوم مالِكِ أَوسع وأشمَل ، فإذا قيل : مالِكِ القَوم ، استُفيد منه كَونه مَلِكاً لهم وإذا قيل : مَلِكُ القَوم لَم يُستفَد منه كَونه مالِكَهم ، فقراءة مالِك أرجَح مِن قراءة ملِك .

٢ - أنّ الزمان لا تُضاف إليه كلمة مالِكِ غالباً ، وإنّما تُضاف إليه كلمة مَلِك ، فيُقال : مَلِك العَصْر ، وملوك الأعصار المتقدّمة ، فقراءة مَلِك أرجَح مِن قراءة مالِك

عدم جدوى الترجيح :

والصحيح أنّ الترجيح في القراءات المعروفة لا مُحصِّل له ، فإنّ القراءات إنْ ثبَتَ تواترها عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فلا معنى للترجيح ما بينها ، وإنْ لم يثبُت كما هو الحقّ(١) ، فإنْ أَوجَب الترجيح الجَزْم ببُطلان القراءة المرجوحة فهو ، ودون إثباته خَرطُ القَتاد وإنْ لَم يوجِب ذلك - كما هو الغالِب - فلا فائدة في الترجيح ، بَعد أنْ ثبَت جواز القراءة بكلِّ واحدةٍ منها(٢) .

والترجيح في المقام باطل على الخصوص ، فإنّ اختلاف معنى مالِكِ ومعنى مَلِك ، إنّما يكون إذا كان المِلْك - السلْطَنة والجِدَة - أمْراً اعتبارياً ، فإنّه يختلف حينئذٍ باختلاف مَوارِده ، وهذا الاختلاف يكون في غير الله تعالى ، وأمّا مِلْك الله سبحانه فإنّه حقيقيٌّ ناشئٌ عن إحاطته القيّوميّة بجميع الموجودات ، فهذه الإحاطة بذاتها منشأ صِدْق مالِك ومَلِك عليه تعالى ، ومِن ذلك يتّضح أنّ نِسبة

_______________________

(١) تقدّمت أدلّة ذلك في الصفحة ١٥١ مِن هذا الكتاب .

(٢) تقدّم بيان ذلك في الصفحة ١٦٧ مِن هذا الكتاب

٤٤٦

مالِك إلى الزمان إذا لَم تصحّ في غير الله ، فلا يلزَمُها عدم صحّتها فيه سبحانه ، فهو مالِك للزمان كما هو مالِكٌ لغَيره .

وقد يُقال :

إضافة مالِك إلى يوم الدِين إضافةً لفظيّة لا تُفيد التعريف ، فلا يصحّ أنْ تقَع الجُملة وَصْفاً للمعرفة ، فالمتعيِّن قراءة مَلِك ، فإنّ المراد به السلطان وهو في حُكم الجامد ، وإضافتُه إضافةً معنويّة .

وأُجيب عنه :

في الكشّاف وغَيره : بأنّ إضافة اسم الفاعل ونحْوِه تكون لفظيّة إذا كان بمعنى الحال والاستقبال ، ومعنويّة إذا كان بمعنى الماضي أو أُريد به الدوام .

ومِن الأوّل قوله تعالى :

( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً ) ٣٥ : ١ .

ومِن الثاني قوله تعالى :

( تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ٤٠ : ٢. غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ٤٠ : ٣)

والمقام مِن قبيل الثاني ، فإنّ مالِكيّته تعالى ليوم الدِين صِفةٌ ثابتةٌ له ، لا تختصّ بزمانٍ دون زمان ، فيصحّ كَون الجُملة صِفةً للمعرفة .

والتحقيق : أنّ الإضافة مُطلقاً لا تُفيد تعريفاً ، وإنّما تُفيد التخصيص والتضييق والتعريف إنّما يُستفاد مِن عهدٍ خارجيّ ودليل ذلك :

٤٤٧

أنّه لا فَرْق بالضرورة بين قَولنا : غُلامٌ لزيد ، وقولِنا غلامُ زيدٍ ، فكما أنّ القول الأوّل لا يُفيد إلاّ التخصيص كذلك القول الثاني ، والتخصيص يتحقّق في موارد الإضافة اللفظيّة ، كما يتحقّق في موارد الإضافة المعنوِيّة

والفارِق : أنّ التخصيص في الأُولى لَم ينشأْ مِن الإضافة ، بل هو حاصلٌ بدونها ، وأنّ الإضافة لم تُفِد إلاّ التخفيف ، إلاّ أنّ هذا لا يوجِب أنْ لا يقَع المُضاف فيها صِفةً للمعرفة ، فإنّ المُصحِّح لذلك إنْ كان هو التخصيص ، فهو موجود في مواردها وإنْ كان هو التعريف الحاصل مِن العَهد الخارجيّ ، فهو مشترَك بين الإضافتَين معاً ، فلا فَرْق في مقام الثبوت ، بلحاظ ذات المعنى بين موارد الإضافتَين .

وجميع ما ذَكروه لا يرجع إلى مُحصِّل : نعَم يبقى الكلام في مقام الإثبات ، وقد ادُّعيَ الاتّفاق على أنّ المُضاف بالإضافة اللفظيّة ، لا يقَع صِفةً لمعرفةٍ إذا كان المُضاف مِن الصِفات المشبَّهة ، وأمّا غيرها فقد نقَل سيبوَيه عن يونس والخليل : وقوعه صِفة للمعرفة في كلام العرب كثيراً(١) ، وعليه يُحمَل ما ورَد في القرآن مِن ذلك ، كما في المقام .

وأمّا قول الكشّاف : إنّ اسم الفاعل هنا بمعنى الاستمرار ، فهو واضح البطلان ، فإنّ إحاطة الله تعالى بالموجودات ، ومالكيّته لها ، وإنْ كانت استمرارية ، إلاّ أنّ كلمة مالِك في الآية المبارَكة قد أُضيفت إلى يوم الدِين ، وهو متأخِّر في الوجود ، فلا بدّ مِن أنْ يكون اسم الفاعل المضاف إليه بمعنى الاستقبال .

وأمّا التفْرِقة التي ذكَرها بعضهم في اسم الفاعل المضاف ، بين ما إذا كان بمعنى الماضي ، فيصحّ وقوعُه صِفةً للمعرفة ، وبين غيره فلا يصحّ ؛ لأنّ حدوث الشيء يوجِب تعيّنه ، فهي بيِّنة الفساد ، فإنّ حدوث الشيء لا يستلـزم - في الغالب - العِلم به ، وإذا كانت العِبرة بالعِلم الشخصيّ ، فلا فَرْق بين تعلُّقه بالماضي وتعلُّقه بغَيره .

_______________________

(١) تفسير أبي حيّان ج ١ ص ٢١

٤٤٨

والحاصل أنّ المتَّبَع في الكلام العربيّ : هو القواعد المتَّخَذة مِن استعمالات العرَب الفُصحى ، ولا اعتماد على الوجوه الاستحسانية الواهية التي يذكرها النحوِيّون .

اللُغة

الحَمْد :

ضدّ اللَوم ، وهو لا يكون إلاّ على الفِعل الاختياري الحَسَن ، سواء أكان إحساناً للحامِد أمْ لم يكن ، والشُكر مقابل الكُفران ، وهو لا يكون إلاّ للإنعام والإحسان ، والمدْح يقابل الذمّ ، ولا يُعتبَر أنْ يكون على الفِعل الاختياري فضلاً عن كَونه إحساناً ، والألف واللام في كلمة الحمْد للجِنْس إذ لا عَهْد ، وتقدّم معنى كلمات : ( الله الرحمن الرحيم ) .

الرَبّ :

مأخوذ مِن ربَبَ ، وهو المالِك المُصلِح والمرَبّي ، ومنه الربيبة ، وهو لا يُطلَق على غيره تعالى إلاّ مضافاً إلى شيء ، فيقال : ربُّ السفينة ، ربُّ الدار .

العالَم :

جمْعٌ لا مفْرَدَ له كرهْط وقَوم ، وهو قد يُطلَق على مجموعة مِن الخَلْق متماثِلة ، كما يقال : عالَم الجماد ، عالَم النبات ، عالَم الحيوان وقد يُطلَق على مجموعة يؤلِّف بين أجزائها اجتماعُها في زمانٍ أو مكان ، فيقال : عالَم الصِبا ، عالَم الذرّ ، عالَم الدنيا، عالَم الآخرة وقد يُطلَق ويراد به الخَلْق كلّه على اختلاف حقائق وحداته ، ويُجمَع بالواو والنون ، فيقال : عالَمون ، ويُجْمَع على فواعل ، فيقال : عوالِم ، ولم يوجد في لُغة العرب ما هو على زِنة فاعل ، ويُجمَع بالواو والنون غير هذه الكلمة .

المِلك :

الإحاطة والسُلطة ، وهذه قد تكون خارجية حقيقية ، كما في إحاطته تعالى بالموجودات ، فإنّ كلّ موجود إنّما يتقوّم في ذاته بخالِقه ومُوجِده ، وليس له

٤٤٩

واقع مستقلّ سوى التدَلّي والارتباط بعِلَّته الموجِدة ، والمُمكن فقير محتاج إلى المؤثّر في حدوثه وفي بقائه ، فهو لا ينفَكّ عن الحاجة أبداً :

( وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ) ٤٧ : ٣٨ .

وقد تكون اعتبارية ، كما في مِلكيّة الناس للأشياء ، فإنّ مِلكيّة زيدٍ لِما بيَده مثلاً ليست إلاّ اعتبار كَونه مالِكاً لذلك الشيء ، وإنّ زِمام أمْرِه بيَده ، وذلك عند حدوث سببٍ يقتضيه مِن عقْدٍ أو إيقاعٍ أو حيازةٍ أو إرثٍ أو غير ذلك ، حسَب ما توجِبُه المصلحة في نظَر الشارع أو العقلاء .

والمِلكيّة عند الفلاسفة هيئة حاصلة مِن إحاطة شيءٍ بشيء ، وهي أحد الأعراض التِسعة ، ويُعبَّر عنها بمقولة الجِدَة ، كالهيئة الحاصلة مِن إحاطة العمامة بالرأس أو الخاتَم بالإصبع .

الدِين :

بمعنى الجَزاء والحِساب ، وكِلاهما مناسِب للمقام ، فإنّ الحساب مقدّمة للجزاء ، ويوم الحساب هو يوم الجزاء بعَينه .

التفسير

بيَّن سبحانه أنّ طبيعة الحَمْد وجِنْسه تختصّ به تعالى ، وذلك لأمور :

الأمْر الأوّل :

إنّ حُسن الفِعل وكماله ينشأ مِن حُسن الفاعل وكماله ، والله سبحانه هو الكامل المطلَق ، الذي لا نقْصَ فيه مِن جهةٍ أبداً ، ففِعله هو الفِعل الكامل الذي لا نقْصَ فيه أبداً :

( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ) ١٧ : ٨٤ .

٤٥٠

وأمّا غيره فلا يخلو عن نقيصة ذاتية ، بل نقائص ، فأفعاله لا محالة تكون كذلك والفِعل الحَسَن المَحْض يختصّ به سبحانـه ، ويمتنع صدوره مِن سواه ، فهو المختصّ بالحَمْد ، ويمتنع أنْ يستحقّه أحدٌ سواه وقد أُشير إلى هذا بقوله : ( الحمد لله ) ، فقد عرفتَ أنّ كلمة ( الله ) عَلَمٌ للذات المقدّسة المستجمعة لجميع صفات الكمال .

وقد ورَد عن الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : ( فُقِد لأبي بَغْلة ، فقال : لئِن ردّها الله عليَّ لأحمدنَّه بمحامِدٍ يرضاها ، فما لَبِث أنْ جيءَ بها بسرْجِها ولجامها ، ولمّا استوى وضمَّ إليه ثيابه رفَع رأسه إلى السماء ، فقال : الحمدُ لله ، ولمْ يزِد ، ثمّ قال : ما تركتُ ولا أبقيتُ شيئاً ، جعلتُ جميع أنواع المحامد لله عزّ وجلّ ، فما مِن حمْدٍ إلاّ وهو داخل فيما قلتُ )(١) وعنه ( سلام الله عليه ) : ( ما أنْعَم الله على عبْدٍ بنعمةٍ صَغُرَت أو كَبُرَت ، فقال : الحمدُ لله ، إلاّ أدّى شُكرها )(٢) .

الأمر الثاني :

إنّ الكمال الأوّل لكلِّ مُمكن مِن العقول والنفوس والأرواح والأشباح إنّما هو وجوده ، ولا رَيب في أنّه فِعل الله سبحانه ، وهو مُبدِعُه وموجِدُه .

وأمّا الكمال الثاني : وهى الأمور التي توجِب الفضْل والمَيز :

فما كان منه خارجاً عن اختيار المخلوق ، فهو أيضاً مِن أفعال الله تعالى بلا رَيب وذلك كما في نُموّ النبات وإدراك الحيوان منافعه ومضارّه ، وقُدرة الإنسان على بيان مقاصده .

وما كان منه صادراً عن المخلوقين باختيارهم ، فهي وإنْ كانت اختيارية إلاّ أنّها مُنتهية إلى الله سبحانه ، فإنّه الموَفِّق للصواب ، والهادي إلى الرشاد وقد ورَد : ( إنّ الله أَولى بحسنات العبْد منه )(٣) وقد أُشير إلى ذلك بجملة ( ربِّ العالَمين ) .

الأمر الثالث :

إنّ الفِعل الحَسَن الصادر مِن الله تعالى لا يرجع نفْعُه إليه ؛ لأنّه الكامل المُطلَق

_______________________

(١) تفسير البرهان ج ١ ص ٢٩ وقريب منه في أصول الكافي باب الشُكر ص ٣٥٦ .

(٢) أصول الكافي باب الشُكر ص ٣٥٦ .

(٣) الوافي باب الخير والقدر ج ١ ص ١١٩

٤٥١

الذي يستحيل عليه الاستكمال وفِعله إنّما هو إحسان مَحْض ، يرجع نفعُه إلى المخلوقين .

وأمّا الفِعل الحَسَن الصادر مِن غيره ، فهو وإنْ كان إحساناً إلى أحدٍ في بعض الأحيان ، إلاّ أنّه إحسانٌ إلى نفْسه أوّلاً وبالذات ، وبه يُدرَك كمالُه :

( إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ ) ١٧ : ٧ .

فالإحسان المَحْض إنّما هو فِعلُ الله تعالى لا غير ، فهو المستحقّ للحَمْد دون غيره ، وإلى ذلك أُشير بجملة : ( الرحمن الرحيم ) .

ثمّ إنّ الثناء على الفِعل الجميل ، قد يكون ناشئاً عن إدراك الحامِد حُسْنَ ذات الفاعل وصفاته مِن دون نظَر إلى إنعامه ، أو الرغبة فيه ، أو الرهبة منه وقد يكون ناشئاً عن النظَر إلى أحد هذه الأمور الثلاثة ، فقد أُشير إلى المنشأ الأوّل بجملة : ( الحمد لله ) ، فالحامد يحمده تعالى بما أنّه مستحقّ للحَمْد في ذاته وبما أنّه مستجمعٌ لجميع صفات الكمال ، منزَّهٌ عن جميع جهات النقْص .

وأُشير إلى المنشأ الثاني بجملة : (ربِّ العالَمين) ، فإنّه المُنعِم على عباده بالخلْق والإيجاد ، ثمّ بالتربية والتكميل .

وأُشير إلى المنشأ الثالث بجملة : ( الرحمن الرحيم ) ، فإنّ صِفة الرحمة تستدعي الرغبة في نعمائه تعالى ، وطلَب الخير منه .

وأُشير إلى المنشأ الرابع بقوله : ( مالِك يوم الدِين ) ، فإنّ مَن تنتهي إليه الأمور ، ويكون إليه المُنقلَب جديرٌ بأنْ تُرهَب سطْوته ، وتُحذَر مخالفته .

وقد يكون الوَجه هو بيان أنّ يوم الدِين هو يوم ظهور العَدْل والفضْل الإلهيّين ، وكِلاهما جميل لا بدّ مِن حَمْده تعالى لأجْله ، فكما أنّ أفعالَه في الدنيا مِن الخَلْق والتربية والإحسان ، كلّها أفعال جميلة يستحقّ عليها الحَمْد ، فكذلك أفعاله في الآخرة مِن العفْوِ والغفران وإثابة المُطيعين وعقاب العاصين ، كلّها أفعال جميلة يستوجِب الحَمْد بها .

وممّا بيَّنّاه يتّضح أنّ جملة : ( الرحمن الرحيم ) ليس تكراراً أُتيَ به للتأكيد - كما زعمه بعض المفسّرين - بل هي لبيان منشأ اختصاص الحَمْد به تعالى ، فلا يُغني عنه ذكرها أوّلاً في مقام التيمُّن والتبرّك ، وهو ظاهر .

٤٥٢

(٣)

تحليل آية

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) .

***

اللُغة

العبادة :

في اللُغة تأتي لأحد معانٍ ثلاثة :

الأوّل : الطاعة ، ومنه قوله تعالى :

( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) ٣٦ : ٦٠ .

فإنّ عبادة الشيطان المنهيّ عنها في الآية المبارَكة إطاعته .

الثاني : الخضوع والتذلّل ، ومنه قوله تعالى :

( فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ) ٢٣ : ٤٧

٤٥٣

أي خاضعون متذلّلون ، ومنه أيضاً إطلاق ( المُعَبَّد ) على الطريق الذي يَكثُر المرور عليه .

الثالث : التألّه ، ومنه قوله تعالى :

( قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ ) ١٣ : ٣٦ .

وإلى المعنى الأخير ينصرف هذا اللفظ في العُرف العامّ ، إذا أُطلق دون قرينة .

والعَبْد : الإنسان وإنْ كان حُرّاً ؛ لأنّه مربوبٌ لبارئه ، وخاضعٌ له في وجوده وجميع شؤونه ، وإنْ تمرَّد عن أَوامره ونواهيه .

والعَبْد : الرقيق ؛ لأنّه مملوك وسلطانه بيَد مالِكه ، وقد يتوسَّع في لفْظ العَبْد ، فيُطلَق على مَن يكثُر اهتمامه بشيءٍ حتّى لا ينظر إلاّ إليه ، ومنه قول أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) : ( الناس عبيد الدنيا ، والدِين لَعِقٌ على ألسنتهم يحوطونه ما درَّت معايشُهم ، وإذا مُحّصوا بالبلاء قَلَّ الديّانون )(١)

وقد يُطلق العَبْد على المُطيع الخاضع ، كما في قوله تعالى :

( أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) ٢٦ : ٢٢ .

أي جعلتهم خاضعين لا يتجاوزون عن أمْرِك ونهيِك .

الاستعانة :

طلَب المعونة ، تتعدّى بنفسها وبالباء ، يقال استعنْتُه واستعنَتُ به ، أي طلبتُ منه أنْ يكون عَوناً وظهيراً لي في أمْري .

_______________________

(١) البحار باب ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية ج ١٠ ص ١٨٩

٤٥٤

الإعراب

( إيّاك ) : في كِلا المَوردَين مفعول قُدِّم على الفِعل لإفادة الحَصْر ، وفي الآية التفات مِن الغَيبة إلى الخِطاب والسِرّ في ذلك أحد أمْرَين :

الأوّل : إنّ سابق هذه الآية الكريمة قد دلّ على أنّ الله سبحانه هو المالِك لجميع الموجودات ، والمُربّي لها والقائم بشؤونها ، وهذا يقتضي أنْ تكون الأشياء كلّها حاضرة لدَيه تعالى ، وأن يكون - سبحانه - محيطاً بالعِباد وبأعمالهم ؛ ليُجازيهم يوم الدِين بالطاعة أو بالمعصية ، واقتضى ذلك أنْ يُظهِر العَبْد حضوره بين يدَي ربِّه ويُخاطبه .

الثاني : إنّ حقيقة العبادة خضوعُ العَبْد لربِّه بما أنّه ربُّه والقائمُ بأمْره ، والربوبيّة تقتضي حضور الربّ لتربية مَربوبه ، وتدبير شؤونه وكذلك الحال في الاستعانة ، فإنّ حاجة الإنسان إلى إعانة ربِّه وعدم استقلاله عنه في عبادته ، تقتضي حضور المعبود لتتحقّق منه الإعانة .

فلهذَين الأمرَين عَدَل السِياق مِن الغَيبة إلى الخطاب ، فالعَبْد حاضر بين يدّي ربِّه غير غائبٍ عنه .

التفسير

بعد أنْ مجَّد الله نفْسه بالآيات المتقدِّمة ، لقَّن عباده أنْ يتْلوا هذه الآية الكريمة ، وأنْ يعترفوا بمدلولها وبمغزاها ، فهُم لا يعبدون إلاّ الله ، ولا يستعينون إلاّ به ، فإنّ ما سوى الله مِن الموجودات فقيرٌ في ذاته ، عاجزٌ في نفْسه ، بل هو لا شيء بحت ، إلاّ أنْ تشمِلُه العناية الإلهية ، ومَن هذا شأنه لا يستحقّ أنْ يُعبَد أو يُستعان ، والمُمكنات كلّها - وإنْ اختلفتْ مراتِبُها بالكمال والنقْص - تشترك في صِفةِ العجْز اللازمة للإمكان ، وفي أنّ جميعها تحت حُكم الله وإرادته :

٤٥٥

( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ٧ : ٥٤. وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ٢٤ : ٤٢) .

مَن ذا الذي يعارِضُه في سُلطانه وينازعه في أمْرِه وحُكمِه ؟ وهو القابض والباسط ، يفعل ما يشاء ويُحكم ما يريد ، فالمؤمن لا يعبُد غير الله ، ولا يستعين إلاّ به ، فإنّ غير الله - أيّاً كان - محتاج إلى الله في جميع شؤونه وأطواره ، والمعبود لا بدّ وأنْ يكون غنيّاً ، وكيف يَعبُد الفقير فقيراً مِثْلَه ؟ ! .

وعلى الجُملة : الإيمان بالله يقتضي أنْ لا يَعبُد الإنسان أحداً سواه ، ولا يسأل حاجتَه إلاّ منه ، ولا يتَّكِل إلاّ عليه ، ولا يستعين إلاّ به ، وإلاّ فقدْ أشرَك بالله ، وحَكَّم في سلطانه غيرَه :

( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ ) ١٧ : ٢٣ .

٤٥٦

البحث الثاني

حَول آية الحَمْد

٤٥٧

العبادة والتألـُّه العبادة والطاعة العبادة والخضوع السجود لغير الله دَواعي العبادة حَصْر الاستعانة بالله الشفاعة

٤٥٨

العبادة والتألُّه :

ممّا لا يرتاب فيه مسلم : أنّ العبادة بمعنى التألّه تختصّ بالله سبحانه وَحْده ، وقد قُلنا : إنّ هذا المعنى هو الذي ينصرف إليه لفظ العبادة عند الإطلاق ، وهذا هو التوحيد الذي أُرسِلت به الرُسُل ، وأُنزلت لأجْله الكُتُب :

( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ) ٣ : ٦٤ .

فالإيمان بالله تعالى لا يجتمع مع عبادة غيره ، سواء أَنَشأتْ هذه العبادة عن اعتقاد التعدّد في الخالِق ، وإنكار التوحيد في الذات ، أمْ نشأتْ عن الاعتقاد بأنّ الخَلْق معزولون عن الله ، فلا يصِل إليه دعاؤهم ، وهم محتاجون إلى إلهٍ أو آلهةٍ أخرى ، تكون وسائط بينهم وبين الله يقرِّبونهم إليه ، وشأنه في ذلك شأن المُلوك وحفَدَتِهم ، فإنّ المَلِك لمّا كان بعيداً عن الرعيّة ، احتاجتْ إلى وسائط يقضون حوائجهم ، ويُجيبون دَعَواتهم .

وقد أبطل الله سبحانه كِلا الاعتقادَين في كتابه العزيز ، فقال تعالى في إبطال الاعتقاد بتعدّد الآلهة :

٤٥٩

( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا ٢١ : ٢٢. وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ٢٣ : ٩١) .

وأمّا الاعتقاد الثاني - وهو إنّما ينشأ عن مقايَسَته بالمُلوك والزعماء مِن البَشَر - فقد أبطَله الله بوجوهٍ مِن البيان :

فتارة يطلُب البرهان على هذه الدعوى ، وأنّها ممّا لم يدلّ عليه دليل ، فقال :

( ءَإلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٢٧ : ٦٤. قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ٢٦ : ٧١. قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ٢٦ : ٧٢. أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ٢٦ : ٧٣. قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٢٦ : ٧٤) .

وأخرى بإرشادهم إلى ما يُدركونه بحواسِّهم مِن أنّ ما يعبُدونه لا يَملك لهم ضرّاً ولا نفْعاً ، والذي لا يَملِك شيئاً مِن النفْع والضرّ ، والقبْض والبَسْط ، والإماتة والإحياء ، لا يكون إلاّ مخلوقاً ضعيفاً ، ولا ينبغي أنْ يُتَّخذ إلهاً معبوداً :

( قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ ٢١ : ٦٦. أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ٢١ : ٦٧. أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً ٥ : ٧٦. أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ ٧ : ١٤٨) .

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526