المناهج التفسيرية في علوم القرآن

المناهج التفسيرية في علوم القرآن 0%

المناهج التفسيرية في علوم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: علوم القرآن
ISBN: 964-357-012-6
الصفحات: 260

المناهج التفسيرية في علوم القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: ISBN: 964-357-012-6
الصفحات: 260
المشاهدات: 104799
تحميل: 11053

توضيحات:

المناهج التفسيرية في علوم القرآن
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 260 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 104799 / تحميل: 11053
الحجم الحجم الحجم
المناهج التفسيرية في علوم القرآن

المناهج التفسيرية في علوم القرآن

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: 964-357-012-6
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢. يقول سبحانه :( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا في دِينكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمّةَ الكُفرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ) .(١)

فهذه الآية تعطي ضابطة كلية في حقّ الناكثين للعهد الشرعي ، قد احتجّ بها أمير المؤمنينعليه‌السلام في يوم الجمل ، روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : « دخل عليّ أُناس من أهل البصرة ، فسألوني عن طلحة والزبير ، فقلت لهم : كانا من أئمّة الكفر ، انّ عليّاً يوم البصرة لمّا صفَّ الخيول ، قال لأصحابه : لا تعجلوا على القوم حتى أُعذِّر فيما بيني و بين اللّه عزّ وجلّ وبينهم ، فقام إليهم فقال :

« يا أهل البصرة هل تجدون عليّ جوراً في حكم اللّه؟ »

قالوا : لا.

قال : « فحيفاً في قسم ( جمع القسمة )؟! ».

قالوا : لا.

قال : « فرغبت في دنيا أخذتها لي ولأهل بيتي دونكم ، فنقمتم عليّ فنكثتم بيعتي؟! ».

قالوا : لا.

قال : « فأقمت فيكم الحدود وعطّلتها عن غيركم؟! ».

قالوا : لا.

قال : « فما بال بيعتي تُنكث ، وبيعة غيري لا تُنكث؟! إنّي ضربت الأمر أنفَه وعينَه فلم أجد إلاّ الكفر أو السيف » ، ثمّ ثنى إلى أصحابه ، فقال :

إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول في كتابه :( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ

__________________

١ ـ التوبة : ١٢.

١٨١

وَطَعَنُوا في دِينكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمّةَ الكُفرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ) .

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « والذي فلق الحبة وبرئ النسمة واصطفى محمداً بالنبوة انّهم لأصحاب هذه الآية وما قوتلوا منذ نزلت ».(١)

ثمّ إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي سمّى هذا النوع من القتال ـ حسب ما ورد في الرواية ـ تأويلاً في مقابل التنزيل ، فقال مخاطباً لعلىّ : « تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت معي على تنزيله ، ثمّ تقتل شهيداً تخضب لحيتك من دم رأسك ».(٢)

روى ابن شهر آشوب عن زيد بن أرقم ، قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا أُقاتل على التنزيل ، وعليّ يقاتل على التأويل ».(٣)

فهذا هو عمار قاتل في صفين مرتجزاً بقوله :

نحـن ضربنـاكم على تنزيلـه

فاليوم نضربكم على تأويله(٤)

فوصف جهاده في صفين مع القاسطين تأويلاً للقرآن الكريم.

__________________

١ ـ نور الثقلين : ٢ / ١٨٩ ؛ البرهان في تفسير القرآن : ٢ / ١٠٦.

٢ ـ بحار الأنوار : ٤٠ / ١ ، الباب ٩١.

٣ ـ المناقب : ٣ / ٢١٨.

٤ ـ الاستيعاب : ٢ / ٤٧٢ ، المطبوع في حاشية الإصابة.

١٨٢

٣

القُرّاء السبعة و القراءات السبع

اشتهر بين المفسرين القرّاء السبعة والقراءات السبع.

أمّا القُرّاء السبعة ، فهم :

١.عبداللّه بن عامر الدمشقي ، ولد عام ٨ من الهجرة ، وتوفّي سنة ١١٨.(١) وتنتهي قراءته إلى عثمان بن(٢) عفان. وله راويان وهما : هشام و ابن ذكوان.

٢.ابن كثير المكي : هو عبد اللّه بن كثير بن عمرو المكي الداري ، فارسي الأصل ، ولد عام ١٩٥ هـ ، توفـّي عام ٢٩١ هـ.(٣) تنتهي قراءته إلى أُبيّ.(٤) وله راويان هما : النبريّ وقُنبل.

٣.عاصم بن بهدلة الكوفي : ابن أبي النجود أبو بكر الأسدي ، مولاهم ، الكوفي ، توفّي عام ١٢٨ هـ أو ١٢٧ هـ.(٥) تنتهي قراءته إلى عليّ.(٦) وله راويان هما : حفص و أبوبكر.

__________________

١ ـ طبقات القراء : ١ / ٤٠٤.

٢ ـ البرهان في علوم القرآن : ١ / ٣٣٨.

٣ ـ طبقات القراء : ٢ / ٢٠٥.

٤ ـ البرهان في علوم القرآن : ١ / ٣٣٨.

٥ ـ تهذيب التهذيب : ٥ / ٣٩.

٦ ـ البرهان في علوم القرآن : ١ / ٣٣٨.

١٨٣

٤.أبو عمرو البصري : هو زبان بن العلاء بن عمار المازني البصري ، ولد عام ٦٨ هـ ، وتوفّي ١٥٤.(١) تنتهي قراءته إلى أُبي.(٢) وله راويان هما : الدوري والسوسي.

٥.حمزة الكوفي : ابن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الكوفي التميمي ، ولد عام ٨ هـ ، توفّـي عام ٥٦ هـ(٣) ، وتنتهي قراءته إلى علي وابن مسعود.(٤) وله راويان هما : خلف بن هشام و خلاد بن خالد.

٦.نافع المدني : هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم ، قال ابن الجزري : أحد القُرّاء السبعة والأعلام ، ثقة صالح ، أصله من إصفهان ، توفّي عام ١٦٩.(٥) تنتهي قراءته إلى أُبي.(٦) وله راويان هما : قالون وورش.

٧.الكسائي الكوفي : علي بن حمزة بن عبد اللّه الأسدي ، مولاهم ، من أولاد الفرس.

قال ابن الجزري : الإمام الذي انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد حمزة الزيّات. توفّي سنة ١٨٩ هـ(٧) ، تنتهي قراءته إلى علي و ابن مسعود.(٨) وله راويان هما : الليث بن خالد و حفص بن عمرو.

هؤلاء هم القرّاء السبعة ، ويليهم ثلاثة غير معروفين وهم :

٨.خلف بن هشام البزار : هو خلف بن هشام البزار ، وهو أبو محمد الأسدي البغدادي أحد القُرّاء العشرة ، كان يأخذ بمذهب حمزة إلاّ أنّه خالفه في مائة وعشرين حرفاً ، ولد سنة ١٥٠ هـ ، وتوفّي عام ٢٢٩ هـ.(٩) وله راويان هما :

__________________

١ ـ طبقات القرّاء : ١ / ٢٨٨.

٢ ـ البرهان في علوم القرآن : ١ / ٣٣٨.

٣ ـ طبقات القرّاء : ١ / ٢٦١.

٤ ـ البرهان في علوم القرآن : ١ / ٢٣٨.

٥ ـ طبقات القرّاء : ٢ / ٣٣٠.

٦ ـ البرهان في علوم القرآن : ١ / ٣٣٨.

٧ ـ طبقات القرّاء : ١ / ٥٣٥.

٨ ـ البرهان في علوم القرآن : ١ / ٣٣٨.

٩ ـ طبقات القرّاء : ١ / ٢٧٢.

١٨٤

إسحاق وإدريس.

٩.يعقوب بن إسحاق : هو يعقوب بن إسحاق بن زيد الحضرمي ، مولاهم ، البصري.

قال ابن الجزري : أحد القرّاء العشرة ، مات في ذي الحجة سنة ٢٠٥ هـ وله ثمان وثمانون سنة.(١) وليعقوب راويان هما : رويس و روح.

١٠.يزيد بن القعقاع : أبو جعفر المخزومي المدني ، قال ابن الجزري : أحد القرّاء العشرة ، مات بالمدينة عام ١٣٠ هـ.(٢) وله راويان هما : عيسى و ابن جماز.

هؤلاء هم القرّاء العشرة ، ذكرنا أسماءهم ومواليدهم ووفياتهم وأسماء الراوين عنهم على وجه موجز ، و من أراد التفصيل فليرجع إلى طبقات القرّاء.

وأمّا الكلام في تواتر قراءتهم ، فإجمال الكلام فيه :

إنّه ادّعى جمع من علماء السنّة تواترها عن النبي ، وانّ هذه القراءات الكثيرة كلّها ممّا صدرت عن النبي وقرأ بها.

ونقل الزرقاني في كتاب « مناهل العرفان » عن السبكي تواتر القراءات العشر ، وأضاف : إنّه أفرط بعضهم فزعم انّ من قال : إنّ القراءات السبع لا يلزم فيها التواتر فقوله : كفر ، ونسب هذا الرأي إلى مفتي البلاد الأندلسية أبي سعيد فرج بن لب.(٣)

أمّا إثبات تواترها عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فدون إثباته خرط القتاد ، فإنّ من طالع حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الفترة المكية يقف على أنّ الظروف الحرجة في مكة لم تكن تسمح

__________________

١ ـ طبقات القرّاء : ٢ / ٣٨.

٢ ـ طبقات القرّاء : ٢ / ٣٨٢.

٣ ـ مناهل العرفان : ٤٢٨ ـ ٤٣٣.

١٨٥

له بتلاوة القرآن ونشره بين المسلمين ، فضلاًعن تعليم القراءات السبع لأخص أصحابه.

وأمّا الفترة المدنية ، فقد انشغل فيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالأُمور المهمة للغاية من غزواته وحروبه ، إلى بعث سرايا ، إلى عقد العهود والمواثيق مع رؤساء القبائل ، إلى تعليم الأحكام وتلاوة القرآن ، ومحاجّة أهل الكتاب والمنافقين وردّ كيدهم إلى نحورهم ، إلى العديد من الأُمور المهمّة التي تعوق النبي عن التفرّغ إلى بيان القراءات السبع أو العشر التي لو جمعت لعادت بكتاب ضخم.

وأمّا تواترها عن نفس القرّاء ، فقد مرّ انّ كلّ قارئ له راويان ، فكيف تكون قراءاتهم بالنسبة إلينا متواترة؟!

والحقّ أن يقال : إنّ القرآن متواتر بهذه القراءة المعروفة الموجودة بين أيدينا التي يمارسها المسلمون عبر القرون ، وأمّا القراءات العشر أو السبع فليست بمتواترة لا عن النبي ولا عن القرّاء.

وأظهر دليل على عدم تواترها عن النبي هو انّ أصحاب القراءات السبع أو العشر يحتجون على قراءاتهم بوجوه أدبية ، فلو كانت القراءة متصلة بالنبي فما معنى إقامة الدليل على صحّة القراءة؟ فلاحظ أنت كتب التفسير وأخص بالذكر « مجمع البيان » فقد ذكر لاختلاف القراءات حججها عنهم أو عن غيرهم ، وهذا يدل على أنّ القراءات كانت اجتهادات من جانب هؤلاء.

وقد ألّف غير واحد في توجيه القراءات وذكر عللها وحججها كتباً ، منها : « الحجة » لأبي علي الفارسي ، و « المحتسب » لابن جنّي ، و « إملاء ما منّ به الرحمن » لأبي البقاء ، و « الكشف عن وجوه القراءات السبع » لمكي بن طالب.

١٨٦

نظرية أئمة أهل البيتعليهم‌السلام في القراءات السبع

وفي الختام نذكر ما رواه الفضيل بن يسار ، عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام حيث سأله عن اختلاف القراءات؟ وقال : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف.

فقال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : « كذبوا ـ أعداء اللّه ـ ولكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد ».

وروى عن(١) زرارة بسند صحيح عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال : « إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكنّ الاختلاف يجيء من قبل الرواة ».(٢)

وما ذكره الإمامعليه‌السلام من أنّ الاختلاف جاء من قِبَلِ الرواة ، يعلم من دراسة أسباب نشوء اختلاف القراءات عبر السنين ، وهذا ما نذكره تالياً.

عوامل نشوء الاختلاف في القراءات(٣)

عمد جماعة من كبار الصحابة بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى جمع القرآن في مصاحفهم الخاصة ، كعبد اللّه بن مسعود ، وأُبيّ بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، والمقداد بن أسود وأضرابهم ، وهؤلاء قد اختلفوا في ثبت النص أو في كيفية قراءته ، ومن ثمّ اختلفت مصاحف الصحابة الأُولى ، وكان كلّ قطر من أقطار البلاد الإسلامية يقرأ حسب المصحف الذي جمعه الصحابي النازل عندهم.

كان أهل الكوفة يقرأون على قراءة ابن مسعود ، وأهل البصرة على قراءة أبي

__________________

١ ـ الكافي : ٢ ، كتاب نقل القرآن ، باب النوادر ، الحديث ١٣ و ١٢.

٢ ـ الكافي : ٢ ، كتاب نقل القرآن ، باب النوادر ، الحديث ١٣ و ١٢.

٣ ـ صدرنا في هذا البحث عن كتاب « التمهيد في علوم القرآن » تأليف العلاّمة المحقّق محمد هادي معرفة ، و قد أغرق نزعاً في التحقيق ، فلم يبق في القوس منزعاً ( حيّاه اللّه وبيّاه ).

١٨٧

موسى الأشعري ، وأهل الشام على قراءة أُبي بن كعب ، وهكذا.

واستمر الحال إلى عهد عثمان حتى تفاقم أمر الاختلاف ، ففزع لذلك ثلّة من نُبهاء الأُمّة ـ أمثال الحذيفة بن اليمان ـ وأشاروا إلى عثمان أن يقوم بتوحيد المصاحف قبل أن يذهب كتاب اللّه عرضة الاختلاف.

ومن ثمّ أمر عثمان جماعة بنسخ مصاحف موحّدة ، وإرسالها إلى الأمصار وإلجاء المسلمين على قراءتها ونبذ ما سواها من مصاحف وقراءات أُخرى.

وقد بعث عثمان مع كلّ مصحف من يقرِّئ الناس على الثبت الموحد في تلك المصاحف ، فبعث مع مصحف المكي عبد اللّه بن سائب ، ومع الشامي المغيرة بن شهاب ، ومع الكوفي أبو عبد الرحمن السلمي ، ومع البصري عامر بن قيس ، وهكذا.(١)

وكان هؤلاء المبعوثون يُقرّئون الناس في كلّ قطر على حسب المصحف المرسل إليهم ، ولكن لم تحسن الغاية المتوخاة من إرسال تلك المصاحف ، لوجود اختلاف في ثبت تلكم المصاحف ، مضافاً إلى عوامل أُخرى ساعدت على هذا الاختلاف ، فكان أهل كلّ قطر يلتزمون بما في مصحفهم من ثبت ، ومن هنا نشأ اختلاف قراءة الأمصار ، مضافاً إلى اختلاف القرّاء الذي كان قبل ذاك ، فصار هناك عاملان لنشوء اختلاف القراءات :

١. اختلاف القُرّاء ( الذين كانوا في الأمصار قبل وصول المصاحف ).

٢. وجود الاختلاف في نفس تلك المصاحف الموحّدة حسب الظاهر.

فكان الاختلاف ينسب تارة إلى اختلاف القرّاء ، وأُخرى إلى اختلاف الأمصار التي بعث إليها المصاحف.

__________________

١ ـ تهذيب الأسماء للنووي : ١ / ٢٥٧.

١٨٨

قال ابن أبي هاشم : إنّ السبب في اختلاف القراءات السبع وغيرها انّ الجهات التي وُجِّهتْ إليها المصاحف كان بها من الصحابة من حمل عنه أهل تلك الجهة ، وكانت المصاحف خالية من النقط والشكل ، فثبّت أهل كلّ ناحية على ما كانوا تلقّوه سماعاً عن الصحابة بشرط موافقة الخط ، وتركوا ما يخالف الخط ، فمن ثمّ نشأ الاختلاف بين قرّاء الأمصار.(١)

كلّ ذلك صار سبب لاختلاف القراءات التي ليس لها منشأ سوى نفس القرّاء أو المصاحف الموحدة.

مضافاً إلى عوامل أُخرى ساعدت على هذا الاختلاف ، نذكر منها ما يلي :

١. بداءة الخط

كان الخط عند العرب آنذاك في مرحلة بدائية ، ومن ثمّ لم تستحكم أُصوله ، ولم تتعرف العرب على فنونه والإتقان من رسمه وكتابته الصحيحة ، وكثيراً ما كانت الكلمة تكتب على غير قياس النطق بها ، ولا زال بقي شيء من ذلك في رسم الخط الراهن.

كانوا يكتبون الكلمة ، وفيها تشابه واحتمال وجوه ، فالنون الأخيرة كانت تكتب بشكل لا تفترق عن الراء ، وكذا الواو عن الياء ، وربما كتبوا الميم الأخيرة على شكل الواو ، والعين الوسط كالهاء ، كما ربما يفكّكون بين حروف كلمة واحدة فيكتبون الياء منفصلة عنها ، كما في « يستحي ي » و « نحي ي » و « أُحي ي » أو يحذفونها رأساً كما في « إيلافهم » كتبوها « إلافهم » بلا ياء ، ولذلك قرأ أبو جعفر وفق الرسم بلا ياء ، وربما رسموا التنوين نوناً في الكلمة ، كما في كلمة « كأيّن » في

__________________

١ ـ البيان في تفسير القرآن : ١٦٥ ، نقلاً عن التبيان للجزائري : ٨٦.

١٨٩

قوله سبحانه :( فَكَأَيِّن مِنْ قَرْيَة أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَة ) (١) ، كما كتب النون ألفاً في كثير من المواضع منها( لَنَسْفَعاً بِالنّاصِيَة ) (٢) ،( ولَيَكُوناً مِنَ الصاغِرِين ) (٣) وهاتان النونان نون تأكيد خفيفة كتبوها بألف التنوين ، وقوله :( وَإِذاً لآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنّا أَجْراً عَظِيماً ) (٤) كتبوا « إذاً » بدل « إذن » تشبيهاً بالتنوين المنصوب.

كما رسموا ألفاً بعد كثير من واوات زعموا واو الجمع ، وعلى العكس حذفوا كثيراً من ألفات واو الجمع.

فمن الأوّل قوله :( إنّما أَشكوا بَثّي ) و( فلا يربوا ) و( نبلوا أخباركم ) و( ما تتلوا الشياطين ) .

ومن الثاني قوله :( فاءو ) و( جاءو ) و( فباؤ ) و( تبوّءو الدار ) و( سعو ) و( عتو ) و غير ذلك كثير.

٢. الخلو من النقط

كان الحرف المعجم يكتب كالحرف المهمل بلا نقط مائزة بين الإعجام والإهمال ، فلا يفرّق بين السين والشين في الكتابة ، ولا بين العين والغين ، أو الراء والزاي ، والباء والتاء والثاء والياء ، أو الفاء عن القاف ، أو الجيم والحاء والخاء ، والدال عن الذال ، أو الصاد عن الضاد ، أو الطاء عن الظاء ، فكان على القارئ نفسه أن يميّز بحسب القرائن الموجودة أنّها باء أو ياء ، جيم أو حاء ، و هكذا.

من ذلك قراءة الكسائي : « إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبأ فتثبتوا » وقرأ الباقون : «فتبيّنواد ؟ ».(٥)

__________________

١ ـ الحج : ٤٥.

٢ ـ العلق : ١٥.

٣ ـ يوسف : ٣٢.

٤ ـ النساء : ٦٧.

٥ ـ الحجرات : ٦.

١٩٠

وقرأ ابن عامر والكوفيون « ننشزها » وقرأ الباقون « ننشرها ».(١)

وقرأ ابن عامر وحفص : « ويكفِّر عنكم » و قرأ الباقون : « نكفِّر ».(٢)

وقرأ ابن السميفع : « فاليوم ننحيك ببدنك » والباقون « ننجّيك ».(٣)

وقرأ الكوفيون غيرعاصم : « لنثوينهم من الجنّة غُرفاً » و الباقون « لنبوِّئنّهم » ، وأمثلة هذا النوع كثيرة جداً.(٤)

٣. إسقاط الألفات

كان الخط العربي الكوفي منحدراًعن خط السريان ، وكانوا لا يكتبون الالفات الممدودة في ثنايا الكلم ، وقد كتبوا القرآن بالخط الكوفي على نفس المنهج ، فصار ذلك سبباً لاختلاف القراءات.

١. قرأ الكوفيون « أَلم نجعل الأَرض مهداً » بدل مهاداً ، لأنّها كتبت في المصحف بلا ألف.

٢. قرأ حمزة والكسائي وشعبة « وحرم » بكسر الحاء وسكون الراء بدل « وحرام على قرية »(٥) لأنّها كتبت في المصحف بلا ألف.

٣. قرأ أبو جعفر و البصريون « وَإِذْ وعدنا موسى أربعين ليلة »(٦) بدل « واعدنا » ، لأنّها كتبت هكذا في القرآن ، وهكذا سائر الموارد التي نجم الاختلاف فيها من إسقاط الألف في الكتابة وقراءته في اللفظ.

__________________

١ ـ البقرة : ٢٥٩.

٢ ـ البقرة : ٢٧١.

٣ ـ يونس : ٩٢.

٤ ـ مجمع البيان : ٨ / ٢٩٠.

٥ ـ الأنبياء : ٥٩.

٦ ـ البقرة : ٥١.

١٩١

٤.تأثير اللهجة

لا شكّ انّ كلّ أُمّة وإن كانت ذات لغة واحدة لكن لهجاتها تختلف حسب تعدّد القبائل والأفخاذ المنشعبة منها ، فهكذا كانت القبائل العربية تختلف بعضها في اللهجة وفي التعبير والأداء ، وقد سبّب ذلك اختلافاً في القراءة.

١. اختلافهم في الحركات : مثل « نستعين » بفتح النون وهي لغة قيس وأسد ، وكسر النون لغة غيرهم ؛ ومثل « معكم » بفتح العين وكسره.

٢. اختلافهم في الهمزة والتليين : نحو « مستهزؤن » و « مستهزون ».

٣. اختلافهم في التقديم والتأخير : تقول العرب صاعقة وصواعق وبه نزل القرآن ، وبنو تميم يقولوا : « صاقعة » و « صواقع ».

٤. اختلافهم في الإثبات والحذف نحو « استحيت » و « استحييت ».

٥. اختلافهم في النبر بالياء والواو أي تبدلهما همزة ، يقولون يا « نبئ اللّه » مكان « يا نبي اللّه » ، وكانت هذيل تقلب الواو المكسورة همزة ، فتقول : « إعاء » بدل « وعاء ».

قال سيبويه : بلغنا انّ قوماً من الحجاز من أهل التحقيق يهمزون « نبي » و « بريئة » مكان نبي و بريّة.

ولماحجّ المهدي قدم المدينة ، فقدم الكسائي ليصلّي بالناس فهمز ، فأنكر عليه أهل المدينة وقالوا : إنّه ينبر في مسجد رسول اللّه بالقرآن.

إلى غير ذلك من موارد اختلاف اللهجة التي سبّبت اختلافاً في القراءة.

وهذا الاختلاف بين القبائل كان قد يعظم ويشتدّ ، كالخلاف بين القبائل

١٩٢

العدنانية في الحجاز ، والقبائل القحطانية في اليمن ، سواء في المفردات والتراكيب أم في اللهجات ، حتى قال أبو عمرو بن العلاء : ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا ، ولا عربيّتهم بعربيّتنا.

١٩٣

٤

صيانة القرآن من التحريف

القرآن هو المصدر الرئيسي والمنبع الأوّل للتشريع وعنه صدر المسلمون منذ نزوله إلى يومنا هذا ، وهو القول الفصل في الخلاف والجدال ، إلاّ أنّ هنا نكتة جديرة بالاهتمام ، و هي انّ استنباط المعارف والأحكام من الذكر الحكيم فرع عدم طروء التحريف إلى آياته بالزيادة والنقص. وصيانته عنهما وإن كان أمراً مفروغاً منه عند جلّ طوائف المسلمين ، ولكن لأجل دحض بعض الشبه التي تثار في هذا الصدد ، نتناول موضوع صيانة القرآن بالبحث والدراسة على وجه الإيجاز ، فنقول :

التحريف لغة واصطلاحاً

التحريف لغة : تفسير الكلام على غير وجهه ، يقال : حرّف الشيء عن وجهه : حرّفه وأماله ، وبه يفسر قوله تعالى :( يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَواضِعِه ) .(١)

قال الطبرسي في تفسير الآية : يفسّرونها على غير ما أُنزلت ، والمراد من المواضع هي المعاني و المقاصد.

وأمّا اصطلاحاً ، فيطلق ويراد منه وجوه مختلفة :

١. تحريف مدلول الكلام ، أي تفسيره على وجه يوافق رأي المفسِّر ، سواء

__________________

١ ـ النساء : ٤٦.

١٩٤

أوافق الواقع أم لا ، والتفسير بهذا المعنى واقع في القرآن الكريم ، ولا يمسُّ بكرامته أبداً ، فإنّ الفرق الإسلامية ـ جمع اللّه شملهم ـ عامة يصدرون عن القرآن ويستندون إليه ، فكلّ صاحب هوى ، يتظاهر بالأخذ بالقرآن لكن بتفسير يُدْعِمُ عقيدته ، فهو يأخذ بعنان الآية ، ويميل بها إلى جانب هواه ، ومن أوضح مصاديق هذا النوع من التفسير ، تفاسير الباطنية حيث وضعوا من عند أنفسهم لكلّ ظاهر ، باطناً ، نسبته إلى الثاني ، كنسبة القشر إلى اللبّ وأنّ باطنه يؤدّي إلى ترك العمل بظاهره ، فقد فسّروا الاحتلام بإفشاء سرّ من أسرارهم ، والغسلَ بتجديد العهد لمن أفشاه من غير قصد ، والزكاة بتزكية النفس ، والصلاة بالرسول الناطق لقوله سبحانه :( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَر ) (١) (٢) .

٢. النقص والزيادة في الحركة والحرف مع حفظ القرآن وصيانته ، مثاله قراءة « يطهرن » حيث قُرِئ بالتخفيف والتشديد ؛ فلو صحّ تواتر القراءات عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ و لن يصحَّ أبداً ـ وانّ النبي هو الذي قرأ القـرآن بها ، فيكون الجميع قرآناً بلا تحريف ، وإن قلنا : إنّه نزل برواية واحد ، فهي القرآن وغيرها كلّها تحريف اخترعتها عقول القرّاء وزيّنوا قرآنهم بالحجج التي ذكروها بعد كلّ قراءة ، وعلى هذا ينحصر القرآن بواحدة منها وغيرها لا صلة لها بالقرآن ، والدليل الواضح على أنّهما من اختراعات القرّاء إقامتهم الحجّة على قراءتهم ولو كان الجميع من صميم القرآن لما احتاجوا إلى إقامة الحجّة ، ويكفيهم ذكر سند القراءة إلى النبي.

ومع ذلك فالقرآن مصون عن هذا النوع من التحريف ، لأنّ القراءة المتواترة ، هي القراءة المتداولة في كلّ عصر ، أعني : قراءة عاصم برواية حفص ، القراءة الموصولة إلى عليعليه‌السلام وغيرها اجتهادات مبتدعة ، لم يكن منها أثر في عصر

____________

١ ـ العنكبوت : ٤٥.

٢ ـ المواقف : ٨ / ٣٩٠. وقد مرّ تفصيلاً ص : ١١٧ ـ ١٢٤.

١٩٥

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و لذاك صارت متروكة لا وجود لها إلاّ في بطون كتب القراءات ، وأحياناً في ألسن بعض القرّاء ، لغاية إظهار التبحّر فيها.

روى الكليني عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « إنّ القرآن واحد ، نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة »(١) ولذلك لا نجيز القراءة غير المعروفة منها في الصلاة.

٣. تبديل كلمة مكان كلمة مرادفة ، كوضع « اسرعوا » مكان (امضوا ) في قوله سبحانه :( وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ ) .(٢)

وقد نسب ذلك إلى عبد اللّه بن مسعود وكان يقول : ليس الخطأ أن يقرأ مكان « العليم » ، « الحكيم ».

لكن أُجلّ ذلك الصحابي الجليل عن هذه التهمة ، وأي غاية عقلائية يترتب على ذاك التبديل؟!

٤. التحريف في لهجة التعبير ، انّ لهجات القبائل كانت تختلف عند النطق بالحرف أو الكلمة من حيث الحركات والأداء ، كما هو كذلك في سائر اللغات ، فإنّ « قاف » العربية ، يتلفّظ بها في إيران الإسلامية العزيزة على أربعة أوجه ، فكيف المفردات من حيث الحركات والحروف؟! قال سبحانه :( وَمَنْ أَرادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً ) .(٣)

فكان بعض القرّاء تبعاً لبعض اللهجات يقرأ( وسعي ) بالياء مكان الألف.

وهذا النوع من التحريف لم يتطرّق إلى القرآن ، لأنّ المسلمين في عهد الخليفة

__________________

١ ـ الكافي : ٢ / ٦٣٠ ، الحديث ١٢.

٢ ـ الحجر : ٦٥.

٣ ـ الإسراء : ١٩.

١٩٦

الثالث لمّا رأوا اختلاف المسلمين في التلفّظ ببعض الكلمات ، مثل ما ذكرناه ( أو تغيير بعضه ببعض مع عدم التغيّر في المعنى ، مثل امض ، عجل ، اسرع على فرض الصحة ) قاموا بتوحيد المصاحف وغسل غير ما جمعوه ، فارتفع بذلك التحريف بالمعنى المذكور فاتفقوا على لهجة قريش.

٥. التحريف بالزيادة لكنّه مجمع على خلافه ، نعم نسب إلى ابن مسعود أنّه قال : إنّ المعوذتين ليستا من القرآن ، انّـهما تعويذان ، و انّـهما ليستا من القرآن.(١) كما نسب إلى العجاردة من الخوارج أنّهم أنكروا أن تكون سورة يوسف من القرآن ، وكانوا يرون أنّها قصة عشق لا يجوز أن يكون من الوحي.(٢) ولكن النسبتين غير ثابتتين ، ولو صحّ ما ذكره ابن مسعود لبطل تحدّي القرآن بالسورة ، حيث أتى الإنسان غير الموحى إليه بسورتين مثل سور القرآن القصار.

٦. التحريف بالنقص والإسقاط عن عمد أو نسيان ، سواء كان الساقط حرفاً ، أو كلمة ، أو جملة ، أو آية ، أو سورة ، وهذا هو الذي دعانا إلى استعراض ذلك البحث فنقول : إنّ ادّعاء النقص في القرآن الكريم بالوجوه التي مرّ ذكرها أمر يكذبه العقل والنقل ، وإليك بيانهما :

١. امتناع تطرّق التحريف إلى القرآن

إنّ القرآن الكريم كان موضع عناية المسلمين من أوّل يوم آمنوا به ، فقد كان المرجعَ الأوّل لهم ، فيهتمون به قراءة وحفظاً ، كتابة وضبطاً ، فتطرّق التحريف إلى مثل هذا الكتاب لا يمكن إلاّبقدرة قاهرة حتى تتلاعب بالقرآن بالنقص ، ولم يكن

__________________

١ ـ فتح الباري بشرح البخاري : ٨ / ٥٧١.

٢ ـ الملل والنحل للشهرستاني : ١ / ١٢٨.

١٩٧

للأُمويّين ولا للعباسيين تلك القدرة القاهرة ، لأنّ انتشار القرآن بين القرّاء والحفّاظ ، وانتشار نسخه على صعيد هائل قد جعل هذه الأُمنية الخبيثة في عداد المحال.

إنّ للسيد الشريف المرتضى بياناً في المقام نأتي بنصِّه ، يقول : إنّ العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار ، والوقائع العظام ، والكتب المشهورة ، وأشعار العرب المسطورة ، فإنّ العناية اشتدت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حدّ لم يبلغه ( غيره ) فيما ذكرناه ، لأنّ القرآن معجزة النبوّة ، ومأخذ العلوم الشرعية ، والأحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية ، حتى عرفُوا كلّ شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيّـراً ومنقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد؟!

قال : والعلم بتفسير القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته ، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمُزَني ، فإنّ أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلهما ما يعلمونه من جملتهما ، ومعلوم أنّ العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء.(١)

وهناك نكتة أُخرى جديرة بالإشارة ، وهي إنّ تطرّق التحريف إلى المصحف الشريف يعدُّ من أفظع الجرائم التي لا يصحّ السكوت عنها ، فكيف سكت الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وخاصّته نظير سلمان و المقداد وأبي ذر وغيرهم مع انّا نرى أنّ الإمام وريحانة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قد اعترضا على غصب فدك مع أنّه لا يبلغ عُشْرَ ما

__________________

١ ـ مجمع البيان : ١ / ١٥ ، قسم الفن الخامس ، طبعة صيدا.

١٩٨

للقرآن من العظمة والأهمية؟!

ويرشدك إلى صدق المقال أنّه قد اختلف أُبيّ بن كعب والخليفة الثالث في قراءة قوله سبحانه :( والّذينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ) (١) فأصرّ أُبيّ انّه سمع عن النبي ( بالواو ) وكان نظر الخليفة إلى انّه خال منها ، فتشاجرا عند كتابة المصحف الواحد وإرساله إلى العواصم ، فهدّده أُبيّ وقال : لابد وأن تكتب الآية بالواو وإلاّ لأضع سيفي على عاتقي فألحقوها.(٢)

كما نجد أنّ الإمامعليه‌السلام أمر بردّ قطائع عثمان إلى بيت المال ، وقال : « واللّه لو وجدته قد تُزوِّج به النساء ، ومُلِكَ به الإماء ، لرددته ، فإنّ في العدل سعة ، و من ضاق عليه العدل ، فالجور عليه أضيق ».(٣)

فلو كان هناك تحريف كان ردّ الآيات المزعوم حذفها من القرآن إلى محالِّها أوجب وألزم.

نرى أنّ علياًعليه‌السلام بعدما تقلّد الخلافة الظاهرية اعترض على إقامة صلاة التراويح جماعة كما اعترض على قراءة البسملة سرّاً في الصلوات الجهرية إلى غير ذلك من البدع المحدثة ، فعارضها الإمام وشدّد النكير عليها بحماس ، فلو صدر أيّام الخلفاء شيء من هذا القبيل حول القرآن لقام الإمام بمواجهته ، وردّ ما حذف بلا واهمة.

والحاصل : من قرأ سيرة المسلمين في الصدر الأوّل يقف على أنّ نظرية التحريف بصورة النقص كان أمراً ممتنعاً عادة.

__________________

١ ـ التوبة : ٣٤.

٢ ـ الدر المنثور : ٤ / ١٧٩.

٣ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١٥ ، تحقيق صبحي الصالح.

١٩٩

٢. شهادة القرآن على عدم تحريفه :

آية الحفظ

إنّ القرآن هو الكتاب النازل من عند اللّه سبحانه ، وهو سبحانه تكفّل صيانة القرآن وحفظه عن أيِّ تلاعب ، قال سبحانه :( وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَوما تَأْتِينا بِالمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقينَ * ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاّ بِالحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ * إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظُونَ ) .(١)

إنّ المراد من الذكر في كلا الموردين هو القرآن الكريم بقرينة( نُزِّلَ ) و( نَزَّلْنا ) والضمير في( لَهُ ) يرجع إلى القرآن ، وقد أورد المشركون اعتراضات ثلاثة على النبي ، أشار إليها القرآن مع نقدها ، وهي :

١. أنّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله يتلقّى القرآن من لدن شخص مجهول ، ويشير إلى هذا الاعتراض قولهم :( يا أَيُّهَا الّذي نزّلَ عَلَيْهِ الذِكْر ) بصيغة المجهول.

٢. انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله مختل الحواس لا اعتبار بما يتلقّاه من القرآن وينقله ، فلا نُؤمن من تصرّف مخيّلته وعقليّته في القرآن.

٣. لو صحّ قوله : بأنّه ينزل عليه الملك ويأتي بالوحي ف‍ :( لَوما تَأْتِينا بِالمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقين ) .

فقد أجاب الوحي عن الاعتراضات الثلاثة ، ونقدّم الجواب عن الثاني والثالث بوجه موجز ، ثمّ نعطف النظر إلى الاعتراض الأوّل لأهميته.

__________________

١ ـ الحجر : ٦ ـ ٩.

٢٠٠