أمَّا عن النقطة الثانية المتمثِّلة بعدم وجود حسن وقبح وراء بناء العقلاء، فإنَّ أغلب السادة الأعلام لا يرتضون ذلك، بل هم يذهبون إلى وجود واقعية للحسن والقبح يُدركها العقل. من جهة أخرى، يمكن لبناء العقلاء أن يقع تحت تأثير عوامل مختلفة غير الحسن والقبح؛ بمعنى أنَّ الحسن والقبح شيء، والمصالح والمفاسد شيء آخر. إذ يمكن أحياناً أن يقع بناء العقلاء تحت تأثير المصالح والمفاسد، لا تحت تأثير الحسن والقبح، بل يمكن أن يكون لهذه البناءات جذر في مكان آخر، فقد تكون هناك - مثلاً - مجموعة من الآداب والرسوم المحلِّية، فغفل العقلاء وأسبغوا عليها طابعاً كلِّياً عامَّاً.
على ضوء هذا المبنى، يتَّضح جواب السؤال الثاني؛ حيث لا مجال لبناء العقلاء في االتعبُّديات المحضة غالباً. فلا علاقة للشريعة بالعقلاء في مجال االتعبُّديات المحضة، بل تمتدُّ مساحة بناء العقلاء في مجال المعاملات أكثر، أو في الموارد المشابهة التي لا تَعبُّد فيها.
* إنَّ ما يقصده المحقِّق الأصفهاني هو العقلاء بما هُم عقلاء، وليس البناءات التي لها جذور ومناشئ وأصول في الآداب والتقاليد والعادات حتّى يمكن نقضها.
السيد الحائري:
ما تفضَّلتم بذكره يختلف على نحو صريح مع ما يذكره المحقِّق. صحيح أنَّه يقال: العقلاء بما هم عقلاء، بَيْدَ أنَّكم تخلطون بين العقلاء بما هم عقلاء وبين إدراك العقل.
* ما نقصده هو العقل العملي، وليس العقل النظري.
السيد الحائري:
إنَّ المسلك المذكور لا يعترف بوجود واقع وراء أحكام العقل العملي.
* إذا ما كان الأمر يدور في نطاق العقلاء بما هم عقلاء، لا في نطاق الآداب والأعراف الخاصّة، فعندئذ لا يرد هذا الإشكال؛ وذلك أنَّ ما يقوله أولئك من أنَّ (العدل حسن) و(الظلم قبيح) هما من القضايا المشهورة التي اتّفق العقلاء عليها.
السيد الحائري:
أجل، أعرف أنَّ العقلاء بما هم عقلاء، لكن هؤلاء العقلاء بما هُم عقلاء لا يكشفون عن واقعية ما، بمعنى أنَّ أولئك لا يعدُّون الحسن والقبح تعبيراً عن حقيقة موجودة اكتشفها عقلنا على مستوى مقولة (العدل حسن) و(الظلم قبيح)، بل يذهبون إلى أنَّ العقلاء أشادوا بناءً يفيد بأنَّ العدل حسن والظلم قبيح.