البحث في رسالات عشر

البحث في رسالات عشر0%

البحث في رسالات عشر مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 367

  • البداية
  • السابق
  • 367 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32913 / تحميل: 5607
الحجم الحجم الحجم
البحث في رسالات عشر

البحث في رسالات عشر

مؤلف:
العربية

(الأول) ان اطلاقات مشروعية مثل لا دين لمن لا تقية له(١) او التقية في كل شيء(٢) او التقية في دار التقية واجبة(٣) ، او غير ذلك كلها مسوقة لبيان شرعها من دون نظر الى عموم من يتقى منه او خصوصه، فلا يمكن الأخذ بها لا لاثبات العموم ولا لاثبات الخصوص، الا ان الحكم على خلاف القاعدة يقتصر على المتيقن من ثبوته وهو كون من يتقى منه مخالفا فقط.

(الثاني) الانصراف، بدعوى ان اخبار التقية كلها صدرت في زمان شوكة المخالفين فهي منصرفة الى مشروعية التقية منهم.

(الثالث) الصرف، بدعوى ان الوارد في بعض اخبار التقية هو الأمر بالخلطة والمعاشرة معهم والضمير راجع الى المخالفين وقد صرح في بعضها، فبهذه القرائن يستفاد مصب اطلاقات التقية، وانها واردة في خصوص التقية من المخالفين. الا ان شيئا من ذلك لا يصلح لاثبات الاختصاص.

(اما الأول) فلأخذ عنوان التقية في موضوع الاطلاقات والحكم يدور مدار موضوعه، فمع عموم الموضوع كيف يختص الحكم ببعض افراده؟ وبعبارة اخرى: ان الروايات مسوقة لبيان المشروعية لما صدق عليه عنوان التقية ومعه لامجال للأخذ بالقدر المتيقن.

(وأما الثاني) فلعدم صلاحية ما ذكر لكونه منشأ للانصراف.

(واما الثالث) فلعدم ثبوت عقد سلبي لما ورد في خصوص التقوى من المخالفين ومعه لاوجه لتقييد مطلقات التقية، هذا مع ان في بعض الروايات مايدل على العموم كما ورد في تفسير ذلك مثل ان يكون قوم سوء ظاهر حكمهم

____________________

(١) الوسائل: ج١١ باب ٢٤ من ابواب الامر والنهي ومايناسبهما حديث٢٢.

(٢) الوسائل: ج١١ باب ٢٥ من ابواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث٢٢.

(٣) الوسائل: ج١١ باب ٢٤ من ابواب الامر والنهي وما يناسبهما حديث٢١.

١٦١

وفعلهم على غير حكم الحق وفعله(١) وما اشتمل على قصة ابراهيمعليه‌السلام وانه اتقى في قوله: اني سقيم. أو قصة يوسف وانه اتقى في قوله: أيها العير انكم لسارقون(٢) ، فتأمل.

الرابع: انه هل تختص مشروعية التقية بمورد جهل المتقى منه بمذهب المتقي او تعم مورد العلم أيضا؟ ظهر مما ذكرناه العموم، فانه اخذت عنوان التقية موضوعا لأدلة مشروعيتها فتدور المشروعية مدار ثبوت هذا العنوان، والتقية بمعنى التحفظ عن الضرر فتعم صورة العلم والجهل كليهما، الا انه قد يدعى الاختصاص ويستدل على ذلك بامور:

١ - ظاهر خبر ابن أبي يعفور: اتقوا في دينكم واحجبوه(٣) . ان التقية مختصة بمورد حجب الدين والا فلا يكون معنى للأمر بالحجب.

٢ - ظاهر جعل المقابلة بين التقية والاذاعة في المستفيضة الدالة على ان الحسنة التقية، والسيئة الاذاعة(٤) . ان التقية مختصة بمورد عدم الاذاعة والا فلا وجه للمقابلة.

٣ - ظاهر ما عبر فيها عن التقية بالخباء(٥) اختصاص التقية بمورد الخباء، الا ان شيئا من ذلك لا يصلح لتقييد المطلقات السابقة.

(اولا) لعدم وجود عقد سلبي في هذه الروايات يدل على انه لا تقية في غير مورد الحجب او الاذاعة او الخباء، وذكر التقية في مورد الحجب وعدم الاذاعة والخباء في الروايات من باب التطبيق على المصداق الغالب لا من باب الاختصاص بذلك المصداق.

____________________

(١) الوسائل: ج١١ باب ٢٥ من ابواب الامر والنهي ومايناسبهما حديث٦

(٢) الوسائل: ج١١ باب٢٥ من ابواب الامر والنهي ومايناسبهما حديث٤.

(٣) الوسائل: ج١١ باب ٢٤ من اباب الامر والنهي ومايناسبهما حديث٧.

(٤ و٥) الوسائل: ج١١ باب ٢٤ من ابواب الامر والنهي ومايناسبهما حديث١و١٤.

١٦٢

(وثانيا) لاستفادة العموم من بعض الروايات ايضا كأخبار البراءة الواردة في شرح قضية عمار بن ياسر وتفسير الاية المباركة النازلة فيها «الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان»(١) . فان المورد مورد العلم كما يشهد له الامر بالبراءة منه وقتل أبوي عمار لعدم البراءة.

ولكن يمكن الجاوب عن ذلك بأن أخبار البراءة واردة مورد قلب الايمان الى الكفر بحسب الظاهر فلا يمكن الاستدلال بها للتقية في مقام العمل، وفي ما ذكرناه غنى وكفاية، ومع ذلك لا بأس بالاحتياط لدعوى التسالم على الاختصاص لدى قاطبة الفقهاء - رضي‌الله‌عنهم -.

الخامس: انه هل تكون مشروعية التقية حينية او دائمية؟ بمعنى انه هل يختص ترتيب اثار العمل المتقى به عليه بزمان ثبوت العنوان أو ترتب عليه بعد زوال العنوان أيضا؟ مثاله هل يكون الوضوء الناقص الواقع تقية مطهرا مادام بقاء التقية فقط او يكون مطهرا مطلقا بحيث تبقى الطهارة بعد ارتفاع التقية أيضا؟.

فنقول: ان الأثر المنظور فيه اما ان يكون عقليا كالاجزاء بالنسبة الى العمل العبادي الواقع حال التقية او يكون شرعيا كالطهارة والحدث على القول بكونهما اثرا شرعيا.

فعلى (الأول) لا معنى للمشروعية الحينية ابدا، فان المأتي به اما ان يكون فردا واقعيا للمكلف به - على القول بان عنوان التقية حيثية عقليلية للحكم - او يكون فردا تنزيليا له - على القول بأنها حيثية تقييدية لذلك -. وفي كلا الفرضين الانطباق قهري والاجزاء عقلي، فلا معنى للاجزاء حين التقية أصلا.

وعلى (الثاني) فاما ان يكون اثر العمل المترتب مناقضا او مضادا للأثر

____________________

(١) الوسائل: ج١١ باب ٢: من ابواب الامر والنهي ومايناسبهما حديث٢و٣.

١٦٣

الثابت قبل العمل كالطهارة المترتبة على الوضوء المناقضة لعدم الطهارة او المضادة للحدث الثابتين قبل الوضوء بسبب النوم ونحوه او يكون مخالفا له كالاباحة المترتبة على الوضوء الناقص تقية على القول بها والحدث.

اما على (الاول) فلا تتصور المشروعية الحينية ايضا، فان المأتي به بنظر الشارع موضوع للأثر الورافع للاثر السابق، وعود الأثر السابق بعد ارتفاع العذر يحتاج الى موضوع جديد.

نعم، تتصور المشروعية الحينية على الثاني، فان الأثرين مجتمعان حال التقية، ويمكن بقاء الاثر الأول بعد ارتفاع التقية مع زوال الأثر الثاني بارتفاعها.

ولا بأس بتتميم الكلام في الوضوء الناقص حال التقية. فنقول: لو بنينا في باب الطهارة على ان الطهارة والنجاسة والطهارة والحدث من الامور الواقعية وكشف عنها الشارع كما بنى عليه الشيخ الاعظم -قدس‌سره - يدخل المقام في الصورة الاولى التي فرض فيها كون الأثر عقليا وقلنا ان الحينية لا معنى لها حينئذ. ولو فرضنا انها ليست من الامور الواقعية بل انما هي اعتباريةمحضة فمع ذلك لا يتصور فيها الحينية، لدخول المقام حينئذ في الصورة الثانية التي فرضها فيها كون الأثر الشرعي مناقضا او مضادا للأثير السابق على العمل. وما قد يقال من ان الوضوء الواقع تقية ليست بطهارة واقعا بل انما هو مبيح فقط لا يرجع الى محصل، فان عروض عنوان التقية على الوضوء يوجب فردية الوضوء المأتي به للمكلف به موافقا للقاعدة، فان فردية الميسور بعد ثبوت العسر بالنسبة الى المعسور للواقع موافق لها سواء كان منشأ رفع الحكم عن المعسور عموم الاضطرار او خصوص التقية، مضافا الى ان الالتزام بالاباحة موجب للتقييد في اشتراط الصلاة بالطهارة ولا وجه له، فالصحيح بقاء اثر الوضوء الناقص الواقع حال التقية بعد ارتفاعها وعدم وجوب اعادته بزوالها، فافهم.

أقول: اما على ما بنى عليه الشيخ الأعظم -قدس‌سره - من كون الطهارة والنجاسة والطهارة والحدث من الامور الواقعية، فقد بنى الفقهاء في باب الطهارة على خلافه وكونها اعتبارية محضة، واما توهم الاباحة التي يلزم من الالتزام بها التقييد في ادلة اعتبار الطهارة في الصلاة فلم يعهد من ذهب اليها بهذا المعنى، بل ما يظهر من الكلمات ان مراد من قابل بالاباحة هو الطهارة الحينية، فالنزاع في ان الوضوء العذري او التيمم رافع او مبيح هو النزاع في ان ذلك طهارة حينية او دائمية، واما ما ذكر في وجه عدم تصور الحينية في الصورة الثانية التي فرض فيها كون الاثر الشرعي المترتب

١٦٤

علي العمل مناقضا او مضادا للأثر السابق على العمل من ارتفاع الأثر السابق باللاحق، وعوده يحتاج الى موضوع فلا يمكن المساعدة عليه، فان الباب باب الاعتبار وهو سهل المؤونة فيمكن اعتبار الموضوع السابق لأثره مطلقا، ومع تخلل الموضوع الثاني في الاثناء يعتبر ثبوت الأثر الثاني مادام بقاء موضوعه، ويلزمه انقطاع الاثر الأول في البين فقط، فالأثر الثابت بعد ارتفاع الأثر الثاني بالتراع موضوعه مستند الى الموضوع السابق، ومن هذا القبيل اجارة المستأجر العين المستأجرة بعض مدة اجارته في وسط تلك المدة افنه بعد انقضاء هذا البعض من المدة تعود ملكية المنفعة للمستأجر الأول لا بسبب جديد بل بسبب سابق وهي الاجارة الاولى، ويمكن ان يعتبر الشارع كون النوم مثلا موضوعا للحدث مطلقا، ويعتبر ايضا رفع ذلك الحدث بالطهارة العذرية مادام العذر فقط مع ارتفاع الطهارة بزوال العذر بحيث يكون الحدث اللاحق مستندا الى النوم السابق، ولا محذور يتصور في ذلك بوجه. فللنزاع في ان الطهارة العذرية هل هي طهارة مادامية او دائمية مجال.

وبعد الفراغ عن امكان اعتبار كلتا الصورتين ثبوتا لابد من ملاحظة دليل الاثبات على كيفية الاعتبار، ومع عدم تقييد الدليل بشيء منهما يكون اطلاق

دليل الحاكم حاكما على دليل المحكوم، فالنتيجة بقاء الطهارة بعد ارتفاع التقية، ولذا افتوا في الوضوء على الجبيرة او الغسل عليها ايضا على بقاء الطهارة مع برء المحل. نعم، ترتفع الطهارة في التيمم بوجدان الماء بالدليل.

ونختم الرسالة ببعض ما افاده استاذنا المحقق مد ظله في رسالته.

ختامها مسك:

١ - قسم التقية باعتبارالتقية خوفا والتقية مداراة وقال: المراد بالتقية مداراة ان يكون المطلوب فيها نفس شمل الكلمة ووحدتها بتحبيب المخالفين وجر مودتهم من غير خوف ضرر كما في التقية خوفا. ويمكننا ارجاع هذا القسم الى القسم الأول وهو التقية خوفا، فان مطلوبية تحبيبهم ووحدة الكلمة بيننا وبينهم انما هو لترتب الضرر بواسطة التفرق والعداوة بين فرق المسلمين على نفس المتقي او اخوانه المؤمنين بل يمكن ترتب ذلك على حوزة الاسلام، والا فنفس وحدة الكلمة من دون ترتب أي ضرر بواسطة التفرق لا تكون مطلوبة، فالتقسيم بهذا الاعتبار من تقسيم التقية خوفا الى قسمين، والمداراة انما يكون محبوبا اذا كان في تركها خوف تفرق المسلمين وتسلط الكفار عليهم كأمثال زماننا.

١٦٥

وعلى هذا: الدليل على مشروعية القسمين واجزاء العمل المتقى به عن الواقع دليل واحد ولانحتاج الى تجزئتهما وجعل عنوان لكل منهما واقامة دليل مستقل لكل منهما كما فعله - مد ظله - فلاحظ كلامه الشريف وتدبر فيه جيدا، فانه نافع جدا واستفاد الاجزاء من ادلة التقية، والحق معه وهو مع الحق.

٢ - قال في بعض كلماته: وليعلم ان المستفاد من تلك الروايات صحة العمل الذي يؤتى به تقية سواء كانت التقية لاختلاف بيننا وبينهم فلي الحكم كما في المسح على الخفين والافطار لدى السقوط او في ثبوت الموضوع الخارجي كالوقوف بعرفات اليوم الثامن لاجل ثبوت الهلال عندهم، والظاهر عدم

الفرق بين العلم بالخلاف والشك، ومما يشهد لترتب اثر التقية في الموضوعات وان الوقوفين في غير وقتهما مجزيان انه من بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الى زمان خلافةأمير المؤمنين ومن بعده الى زمان الغيبة كان الائمة وشيعتهم مبتلين بالتقية اكثر من مائتي سنة، وكانوا يحجون مع امراء الحاج من قبل خلفاء الجور او معهم، وكان امر الحج وقوفا وافاضة بأيديهم لكونه من شؤون السلطنة والامارة، ولا ريب في كثرة تحقق يوم الشك في تلك السنين المتمادية، ولم يرو من الائمةعليهم‌السلام مايدل على جواز التخلف عنهم او لزوم اعادة الحج في سنة يكون هلال شهر ذي الحجةثابتا لدى الشيعة مع كثرة ابتلائهم، ولامجال لتوهم عدم الخلاف في اول الشهر في نحو مائتي واربعين سنة، ولا في بنائهم على ادراك الوقوف خفاء كما يصنع جهال الشيعة في هذه الازمنة، ضرورة انه لو وقع ذلك منهم ولو مرة او امروا به ولو دفعة لكان منقولا الينا لتوفر الدواعي به، فعدم امرهم به ومتابعتهم لهم اول دليل على اجزاء العمل تقية ولو في الخلاف الموضوعي، وهذا مما لا اشكال فيه ظاهرا.

انما الاشكال في انه هل تثبت الموضوعات الخارجية بحكم حاكمهم مع الشك في الثبوت فيكون حكمهم كحكم حكام العدل؟ او يجب ترتب اثارها عليها ولو مع العلم بالخلاف؟ او لا ترتب ولا تثبت مطلقا؟ الظاهر هو الأخير لان عمومات التقية واطلاقاتها لاتفي بذلك، لان مثل قوله: التقية في كل شيء يضطر اليه ابن ادم. أو قوله: التقية في كل شيء الا المسح على الخفين. ظاهر في اجزاء العمل على وجه التقية لا لثبت الموضوع تعبدا او لزوم ترتب اثار الواقع مطلقا على ما ثبت عندهم، وهذا واضح.

١٦٦

نعم، روى الشيخ باسناده عن ابي الجارود زياد بن منذر قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام انا شككنا سنة في عام من تلك الأعوام في الاضحى، فلما دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام وكان بعض اصحابنا يضحي فقال:

الفطر يوم يفطرالناس، والاضحى يوم يضحي الناس، والصوم يوم يوصم الناس. والظاهر منه ان يوم يضحي الناس يكون اضحى ويترتب عليه اثار الموضوع واقعا وبالقاء الخصوصية عرفا يفهم الحكم في سائر الموضوعات التي تترتب عليها الاثار الشرعية.

فحنئذ ان قلنا بان التعبد لايناسب ولايكون مع العلم بالخلاف يختص بمورد الشك فيكون حكم حكامهم كحكم الحاكم العدل، وان قلنا بانه - بملاحظة وروده في باب التقية - يترتب الأثر حتى مع العلم بالخلاف، فحينئذ يقيد اطلاقه بالروايات الواردة في قضية افطار ابي عبد اللهعليه‌السلام تقية عن ابي العباس في يوم يعلم انه من شهر رمضان قائلا: ان افطاري يوما وقضاءه أيسر علي من ان يضرب عنقي ولايعبد الله. لكن اثبات الحكم بمثل رواية ابي الجارود الضعيف غير ممكن فترك الصوم يوم الشك تقية لا يوجب سقوط القضاء على الظاهر، وهذا بخلاف اتيان اعمال الحج وفق التقية، فان مقتضى اطلاق ادلة التقية جزاؤه حتى مع العلم بالخلاف كما يصح الوضوء والصلاة مع العلم بكونهما خلاف الواقع الأولي.

اقول: كم فرق بين من عبر عن هذه الرواية بالصحيحة كالاستاذ في ما تقدم وسيدنا الاستاذ المحقق في هذا الكلام بقوله بمثل رواية ابي الجارود الضعيف. والحق ان الراوية معتبرة، فان ابا الجارود كان ذا حالتين حالة استقامة وحالة قلب كما يظهر من مراجعة حاله والرواية الواردة فيه وغيرها. والظاهر صدور هذه الرواية عنه حال استقامته لدلالة نفس الموضوع على ذلك اولا.

وثانيا الراوي عنه صفوان بن يحيى، ومن المطمأن به انه لا يروي عنه حاله قلبه، بل نفس وجود صفوان في السند كاف لاعتبار السند، بناء على كون اصحاب الاجماع في السند كافيا لاعتباره بالنسبة الى من بعدهم، وكيف

كان الاطمئنان حاصل بعدم كذب أبي الجارود في هذه الرواية فالرواية معتبرة تثبت الموضوع في حال التقية كامثال زماننا، فالازم متابعتهم في الوقوفين وسائر الأعمال، فان الأضحى يوم يضحي الناس، ولازم هذا التنزيل الاجزاء والسقوط، بل في الصوم ايضا بنينا على السقوط استحباب القضاء للجمع بين مادل على التنزيل ومادل على افطار أبي عبد اللهعليه‌السلام تقية قائلا : ان افطاري يوما وقضاءه أيسر عليّ من ان يضرب عنقي.

١٦٧

نقلنا هذا الكلام بعينه عن الرسالة الشريفة للسيد الاستاذ حول التقية لأهمية الموضوع وكون المسألة محلا للابتلاء جدا في زماننا في الحجّ، وملاحظة ان وجه تفصيل السيد الاستاذ في المناسك وغيره بين الوقوفين واعمال منى بلزوم متابعتهم فيهما ولزوم احراز الواقع فيها غير صحيح.

(اولا) لوجود التعبد في الموضوع كما تدل عليه المعتبرة، بل وغيرها مما ورد في الصوم بعد ملاحظة عدم الفرق قطعا بين الموارد، والالتزام بالتعبد والتنزيل في الصوم دون الحج بلا وجه.

(وثانيا) نفس ما استدل به لزوم المتابعة في الوقوفين من بناء الائمةعليهم‌السلام طول السنين المتمادية عليها تدل على لزوم المتابعة في اعمال منى أيضا، ضرورة انه لو وقع منهم خلاف ذلك ولو مرة او أمروا به ولو دفعة لكان منقولا الينا لتوفر الداوعي به، فعدم امرهم به ومتابعتهم لهم ادل دليل على اجزاء العمل تقية ولزوم متابعتهم في اعمال منى ايضا كالوقوفين حرفا بحرف.

٣ - تعرض السيد الاستاذ المحقق - مد ظله - لمسالة لم نتعرض لها وهي هل ترك التقية مفسد للعمل او لا؟.

افاد ان مقتضى القواعد صحته لان الامر بالتقية لايوجب النهي عن العمل، ونسب الى الشيخ الاعظم -قدس‌سره - التفصيل بين الموارد ففي مثل السجدة على التربة عن اقتضاء التقية تركه حكم بالبطلان لكونه منهيا عنه وفي مثل ترك

التكفير حكم بالصحة لعدم اعتباره في المأمور به، واعترض عليه بما افاده قبل ذلك من ان الأمر بالتقية لايوجب النهي عن العمل حتى في الصورة الاولى.

أقول: لو كان الدليل على الاجزاء ما دل على الترخيص والتحليل في مورد التقية كقوله: التقية في كل شيء اضطر اليه ابن ادم فقد أحله الله. فالحق مع ما أفاد وأجاد، فان الامر بالتقية لايدل على النهي عن العمل الصادر عن غير تقية، و التحليل لايوجب رفع اليد عن الحكم الاولي فلا دليل على بطلان العمل.

١٦٨

ولو كان الدليل على ذلك أدلة الاعذار وقلنا بان التقية أيضا منها فالعمل المتقى به عمل عذري، فالمسألة تبتني حينئذ على ان دليل الحاكم في مورد الاعذار هل يدل على كفاية العمل العذري او يدل على تبديل الوظيفة بذلك مثل ما يقال من ان الرفع في دليل الرفع واقعي أو ظاهري، فلابد من ملاحظة لسان دليل الحاكم، ولامجال لدعوى التبديل اذا كان الدليل اطلاق دليل الاعذار كما لايخفى.

ولو كان الدليل علىذلك ما يكون بلسان التنزيل كالمعتبرة في الصوم والحج فالظاهر فساد العمل عن غير تقية فان لازم التعبد في الموضوع هو التعبد بالاثار، فلزم ترتيب الاثارعلى الموضوع المتعبد به والا يفسد العمل، فلو خالف التقية وأتى بالوقوفين الواقعيين لايمكن الحكم بصحة حجه، فان لازم القول بان الأضحى يوم يضحي الناس ان يكون الوقوف بوقوفهم والوقوف غير وقوفهم لغوا.

والحمد لله رب العالمين.

١٦٩

التقية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد واله الطاهرين، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، واللعن الدائم علىاعداء ال محمد أجمعين.

وقبل الورود في اصل المطلب لابد من تقديم امور:

الأول: التقية لغة هي تحفظ الشيء عن امر ما، كوقاية المال عن السرق والطفل عن الغرق والكتاب عن الحرق. ومن ذلك التقية المصطلحة وهو تحفظ النفس عن ضرر الغير بموافقته في قول او فعل مخالف للحق كما عرفها الشيخ -قدس‌سره - بذلك. فليس في التقية جعل قبال المعنى اللغوي، مضافا الى ان الالتزام بذلك بلا ملزم ثبوتا مع عدم الدليل عليه اثباتا.

واما التعريفات الواقعة في كلمات العلماء لذلك فليست من جهة الالتزام بالوضع الجديد بل انما هي في مقام الاشارة الى المصداق الخاص من التقية المعروضة للأحكام الخاصة.

الثاني: التقية ليست من العناوين المتأصلة التي لها مطابق في الأعيان بل هي عارضة على الشيء كالفعل النحوي المسمى بالحركة الفاعلية في اصطلاح

المعقول، وحيث انه ليس للحركة الفاعلية جنس ولا فصل فليس لها عنوان منتزع من صميم ذاتها فلا يكون عنوان التقية عنوانا متأصلا بمعنى الانتزاع عن ذاتيات شيء ما حتى يكون التطبيق عليها بلحاظ ذلك، وانما تكون معنونا بالعناوين الخاصة بواسطة الحيثيات والاضافات كالأكل والشرب وغير ذلك. ثم ان تلك العناوين حيث تطرأ عليها بسبب الحيثيات والاضافات الأولية تسمى بالعناوين الأولية.

وأما ما قد ينطبق عليها من العناوين بعد تعنونها بالعنوان الأولي فيكون عنوانا ثانويا لها، اذ هو في طول العنوان الأولي كالجهل في الاكل جهلا والاضطرار في الشرب اضطرارا، والتقية في العبادة تقية من هذا القبيل، فالتقية من العناوين الثانوية الطارئة على الحركة الفاعلية بعد عروض العناوين الأولية عليها وفي طولها، ولذا قد يثبت العنوان الأولي بدون التقية، وقد تثبت التقية في غير مورد ذلك العنوان.

١٧٠

الثالث: يظهر بالتأمل مما ذكرنا انه لا ملازمة بين ثبوت حكم ما على عنوان التقية وثبوته على معروضها وهو الشيء بعنوانه الأولي، بل الظاهر من كل دليل دل على ثبوت حكم على عنوان موضوع كون الموضوع بماله ن العنوان معروضا للحكم مستقلا وبنفسه لا ان يكون سببا لعروض الحكم على أمر اخر وان كان هو الموضوع لا معنونا بذلك العنوان.

وعلى هذا فالظهور الأولي لدليل التقية يقتضي كونها واسطة لعروض الأحكام على عنوانها لا واسطة للثبوت فقط فيكون نفس العمل الاوقع تقية محكوما بالحكم، وعلى ذلك الأخير يحتمل في مقام الثبوت كون ما هو المجعول بدليل التقية بدلا عن المأمور به ولو على نحو تنزيل المبائن منزلة المبائن كما يحتمل كون لسانه تقييدا للحكم الثابت على الشيء بعنوانه الأولي، وذلك ايضا على انحاء ثلاثة: رفع الحكم عن الموضوع المركب بأجمعه، ورفع الحكم عن

مورد التعذر فقط جزء او شرطا، ورفع الالزام كما سيتضح ان شاء الله تعالى.

الرابع: وليعلم ان ادلة الحواكم مطلقا سواء كانت ناظرة الى اصل الشرع او الالزام - على ما سيجيء الكلام في ذلك - ترفع الحكم عن موردها لان عنوان الحاكم انما ينطبق على مورد معنونه فقط، فلسانه قاصر عن رفع الحكم عن غير مورد انطباق عنوانه، فهو يرفع مورد عنوانه وهو مورد التعذر فقط.

نعم لو بنينا على التنافر ثبوتا بين بساطة الحكم الوارد على المركب وتبعضه بالنسبة الى كل جزء منه بسبب الأعذار فلا محالة يرتفع اصل الحكم بارتفاع بعضه للعذر، وحينئذ يكون ارتفاع الكل بارتفاع البعض بالاستلزام العقلي، وقد دار في السنة القوم ان المركب عدم بعدم بعضه، وهذا نسميه بـ«وحدة المطلوب».

فلو دل دليل على ثبوت الحكم على الباقي كالميسور مثلا فلابد من الالتزام بالتنزيل او تشريع جديد طولي، اذ الحكم الأولي قد ارتفع بالعذر بالنسبة الى بعض متعلقه واستلزم ذلك ارتفاع الحكم عن البقية، فيكون هذا الحكم الثابت بالدليل حسب الفرض حكما مغايرا مع الاخر.

وانا لو بنينا على عدم التنافر وامكان التبعض ثبوتا فالامكان الثبوتي ملازم للوقوع لاقتضاء الظهور المحاوري ذلك، اذ هو مقتضى الجمع بين الدليل المثبت للحكم الاولي المتعلق بالمركب والدليل الحاكم الرافع للحكم عن مورد انطباق عنوان الحاكم. فرفع الحكم عن المعسور لايستلزم رفع الحكم عن الميسور، ونتيجة ذلك بقاء الحكم بالنسبة الى البقية بنفس دليل الحكم الأولي ولا يحتاج الى دليل اخر مثبت له، فدليل الميسور يصبح موافقا للقاعدة وتقريرا لدليل الحكم الأولي لا تأسيسا لحكم جديد، وهذا نسميه بـ«تعدد المطلوب».

١٧١

فعلى ذلك لو دل دليل على رفع الحكم عن الباقي ايضا كعقد الاستثناء في حديث لا تعاد(١) فلابد من الالتزام بوحدة المطلوب، ويكون هذا اللسان في الرتبة الثالثة، اذ مرتبة ثبوت الحكم للمركب هي الرتبة الاولى، ومرتبة سقوطه عن البعض المعذور هي الرتبة الثانية، ومرتبة سقوط الحكم عن الجميع بسبب سقوطه عن البعض هي الرتبة الثالثة. مثلا لقولهعليه‌السلام «اقيموا الصلاة» انما هو في مرتبة جعل الحكم بالنسبة الى جميع اجزاء الصلاة وشرائطها. وقولهعليه‌السلام «لا تعاد» في مرتبة رفع الحكم عن جزء او شرط منسي و مضطر الى تركه، ومرتبة قولهعليه‌السلام «الا من خمسة» في مرتبة سقوط الحكم عن البقية حين سقوطه عن تلك الامور التي نسميها بالاجزاء والشرائط الركنية ونجعلها عللا لقوام الصلاة.

ثم لو فرض دليل رابع دال على عدم سقوط الحكم عن البقية حين سقوط الحكم عن تلك الامور أيضا في مورد من الموارد - كباب صلاة الجماعة بالنسبة الى زيادة ركوع مثلا - نقول بان هذا الدليل واقع في المرتبة الرابعة.

اذا عرفت ذلك فلاحظ لسان الموثقة«التقية في كل شيء يضطر اليه ابن ادم فقد احله الله له»(٢) حتى ترى بان هذا اللسان هل هو واقع في الرتبة الثانية كسائر الادلة الحاكمة ام الرابعة؟ وسيأتي بيان ذلك ان شاء الله.

هكذا افاد بعض اساتيذنا ولكن لايمكن المساعدة لتمام ما ذكره وبيان ذلك:

(اولا) بعد ثبوت الحكم بنفس الدليل الأولي بالنسبة الى مورد الاستثناء في حديث «لا تعاد» لا نحتاج الى عقد الاستثناء حتى نجعل له رتبة محكومة او حاكمة.

____________________

(١) الوسائل: ج٣ باب ٩ من ابواب القبلة حديث١.

(٢) الوسائل: ج١١ باب ٢٥ من ابواب الامر والنهي ومايناسبه حديث٢.

١٧٢

(ثانيا) ان الاستثناء حد للمستثنى منه لا انه مثبت لشيء بعد الاستثناء، وماقيل من ان الاستثناء اخراج بظاهره لايصح فان قوله جاء القوم الا زيد في مقام اثبات المجيء لمن عدا زيد لا عدم المجيء له، ولو فهم عدم مجيئه ايضا ليس لدلالة الاستثناء على الاخراج، بل تحديد الجائي بغير زيد كاف لانفهام ذلك، فتدبر جيدا. وكيف كان فذيل دليل «لاتعاد» حافظ لاطلاق الدليل الاول لا انه مثبت لشيء.

(وثالثا) ان الركنيات اعم من ذيل «لاتعاد» ولاسيما بملاحظتها في غير باب الصلاة كالحج، ولا دليل في مطلقها حتى يكون حكمها حكم موارد الاستثناء في حديث «لاتعاد»، فما افاده من الترتيب بين دليل المأمور به وادلة الحواكم لايصح مع انه غير مفيد لما هو بصدده، على ما سيأتي الكلام فيه عند تعرضه ان شاء الله.

الخامس: لو لم يكن دليل الحاكم بلسان التنزيل وجعل بدلية الناقص مقام التام او المبائن منزلة المبائن، بل كان بلسان التقييد ورفع الحكم الأولي عن مورد العذر فهل يرفع بذلك اصل الشرع أو الالزام؟ فيه كلام، فالمتقدمون حيث كانوا ملتزمين بالتركيب في الحكم من الجنس والفصل، وان الوجوب مركب من رجحان الفعل مع المنع من الترك اختلفوا فيها اذا ارتفع الوجوب هل يبقى الجواز ام لا يرتفع بارتفاعه؟ الا ان مبنى هذا الاختلاف فاسد، فان الحكم لو كان امرا تكوينيا بمعنى ان طلب المولى أي تصديه نحو البعث، فقد مر عدم تصور التركيب في الحركة الفاعلية سواء كان فعلا جارحيا ام جانحيا.

ولو كان امرا اعتباريا بأن يكون مفاد الهيئة أي النسبة البعثية او جعل المادة على ذمة المكلف اعتبارا او البعث في مقام التشريع جعلا من الشارع النافذ اعتباره او غير ذلك من التعبيرات فبساطته اوضح من ان يخفى، لعدم واقع للأمر الاعتباري في عالم العين فضلا عن تركبه من الجنس والفصل، ولذا

توهم جمع من المتأخرين ان ادلة الحواكم ترفع اصل الشرع، فان الحكم الأولي قد ارتفع على الفرض ولا دليل على ثبوت حكم اخر للعمل العذري، الا ان هذا ايضا باطل ضرورة ان المجعول كما بنينا في موضعه عبارة عن ايجاد البعث او الزجر وانشائهما وهو المنشأ لاعتبار اهل الاعتبار عنوان الطلب وما بمعناه في الوجوب والندب، وغيرهما كالابتعاد والتسخير مثلا خارج عن هذا المفهوم عارض عليه بنحو الوصف المفارق، فان المجعول في مورد الوجوب والندب واحد من حيث

١٧٣

الذات والحقيقة، ولا جزء لهذا الواحد اذ الجزئية نوع التركب وهو لاجزاء له حسب الفرض من عدم التركب في الفعل النحوي، والوصف المقارن غير مجعول بل هو حكم العقل بلزوم تطبيق مراد المولى على الخارج ووجوب اطاعته فلو اذن الشارع في ترك الامتثال يحكم العقل بالاستحباب بخلاف عدم ترخيصه في ذلك فانه يحكم بالوجوب.

وبعبارة اخرى: الوجوب عبارة عن حكم العقل بلزوم العمل في مورد الاعتبار مع عدم المؤمن، والاستحباب حكمه في مورد الاعتبار ووجود المؤمن. وحينئذ دليل الحاكم غير ناظر الى الأحكام بهذا المعنى فانه تقييد في حكم العقل ولامعنى له، واما رفع اصل الاعتبار أي تقييد الدليل وتنويع متعلق الحكم مناف للامتنان الذي مستفاد من مساق ادلة الحواكم، واحتمال رفع استحقاق العقاب ايضا ساقط لأن الحاكم بذلك هو العقل، فانحصر ورودها في مقام الترخيص والاذن في ترك الامتثال، وهذا تقييد في مورد حكم العقل لا في نفسه، ويكون من شأن الشارع ذلك فانه جعل الترخيص والتأمين انما هو بيده، فهذا ترخيص بلسان الحكومة. وبهذا ظهر شرعية عبادات الصبي بل المجنون ايضا.

ومن الحواكم دليل التقية، وقد مر ان التقية كما انها معروضة للحكم وهو الوجوب كذلك سبب لعروض الحكم على الفعل، أي يكون دليلها

حاكما على الدليل الأولي فتكون رافعة للالزام لا لأصل الشرع، وبهذا صححنا المسح على البشرة في مورد التقية وان كان مخالفا لها، واجبنا عن الاشكالين في المقام، الأول: ان جواز المسح على البشرة في مورد التقية مرفوع، فكيف يحكم بالصحة؟ الثاني: ان المسح على البشرة مخالف للتقية الواجبة فيحرم فيبطل. وقد ظهر الجاوب عنهما. فان المرفوع انما هو الالزام لا اصل الشرع، والمسح على البشرة مخالف للواجب التطبيقي أي الاتقاء فمن جهة المسح يصح ومن جهة مخالفة الاتقاء يحرم فالمسح الصحيح بلا حاجة الى الترتب. نعم، يمكن تصوير البطلان من جهة عدم التمكن من قصد القربة، وهذا أمر اخر.

هذا ولكن كل ما ذكر مبني على ان لايكون الوجوب حكما شرعيا بل هو حكم عقلي، والحكم الشرعي انما هو البعث او اعتبار المادة على ذمة المكلف او المشروعية، وغير ذلك من التعبيرات، وحيث ان رفع ما هو المجعول شرعا مناف للامتنان فيكون وزان دليل الحاكم وزان المؤمن فلا يحكم العقل بالوجوب، وهذا ما نعني من رفع الالتزام، ولكن الصحيح ان الوجوب

١٧٤

كسائر الاحكام الخمسة حكم شرعي مجعول ويختلف عن الاستحباب من جهة داعي المولى، فان البعث بداعي الالزام هو الوجوب وبداعي المحبوبية هو الندب.

نعم، توهم ان في رفعه خلاف الامتنان ات هنا ايضا، لكن يدفع بان الامتنان في جعل مفاد دليل الحاكم لايقتضي كونه موافقا للامتنان في الموارد الشخصية، بل الامتنان اقتضى جعل قانون وهو رفع الوجوب والالزام عند طرو عنوان موضوع دليل الحاكم كالتقية مثلا، وهذا لايستلزم لزوم موافقة الرفع للامتنان في كل مورد من موارد تطبيق الدليل، ولذا لا نرى صحة الوضوء في موارد الوضوء الضرري والحرجي، وان حكم بعض الفقهاء بالصحة ولا سيما في مورد الحرج، بدعوى ان امتنانية دليل الحرج تقتضي رفع الالزام لا المشروعية، فان حديث الامتنان لايقتضي ازيد ن نفي الجعل في مورد الحرج،

فاذا انتفى المجعول وهو الالزام او المشروعية او الجزئية او غير ذلك يحتاج اثبات غيره الى دليل.

نعم، لا نضايق عن الالتزام بعدم رفع اصل الحكم المجعول وكون الرفع بمعنى الاذن في الترك في بعض الموارد اذا دل عليه الدليل مثل مورد عبادات الصبي، الكلام فعلا مع عدم وجود دليل غير دليل الحاكم مثل موارد التقية، فان الظاهر من ادلتها نفي الأحكام الاولية وتبديلها بغيرها.

فالنتيجة ان العمل على خلاف التقية باطل لعدم الأمر به ومع جعل الشارع بدلا عن الوظيفة الأولية لابد من الاتيان به، ومع عدم الاتيان يحكم ببطلان اصل العمل من جهة فقد الجزء، فالمسح على البشرة في مورد التقية لم يشرع بأي كيفية كانت شرعية المسح، والمسح على غيرها الموافق للتقية الذي اقتضى الدليل لزوم الاتيان بها يكون جزء للوضوء حينئذ، ومع تركه والاتيان بالمسح على البشرة يبطل الوضوء فان الجزء فيه لم يؤت به وما اتى به ليس بجزء في هذا المورد.

والحاصل: ان الوجوب مجعول قابل للرفع كما هو قابل للجعل، وظاهر دليل الحاكم رفعه ولا يلاحظ الامتنان في المورد الشخصي، بل انه في اصل جعل القانون، وعليه يحتاج أي حكم اخر ثابت في المقام من دليل على حدة.

السادس: هل يعتبر عدم المندوحة في تطبيق عنوان المأمور به على المأتي به تقية ام لا. وبعبارة اخرى: هل يعتبر في شمول اطلاقات التقية للمورد عدم التمكن من اتيان العمل في غير ذلك المورد فلا يجزي الاتيان بالفرد المنطبق عليه عنوان التقية عن المأمور به اولا يعتبر ذلك فيكون المآتي به مشمولا لاطلاق دليل التقية؟ وبما ان دليل التقية حافظ لاطلاق دليل الحكم ومتمم لموضوعه فيكون مجزيا عن المأمور به لكونه فردا له حقيقة، وليعلم ان المندوحة تتصور على ثلاثة أقسام:

١٧٥

الأول: المندوحة بالنسبة الى الافراد الطولية وهو امكان اتيان العمل في غير زمان الاضطرار واماكن تطبيق المأمور به على الفرد الاختياري منه في الزمان المضروب ظرفا له.

الثاني: المندوحة بالنسبة الى الأفراد العرضية وهو امكان اتيان العمل في غير مكان الاضطرار ولو في زمان الاضطرار وامكان تطبيق المأمور به على الفرد الاختياري منه في مكان اخر غير مكان الاضطرار.

الثالث: المندوحة بالنسبة الى حالات نفس المكلف ولو في الظرف الواحد من الزمان والمكان مثل المسح على الرجل في مورد الابتلاء بالعامة على نحو يتوهم الناظر انه غسل رجله.

(اما الأول) وهي المندوحة بالنسبة الى الأفراد الطولية فقد قيل باعتبار عدمها في التقية، واستدل على ذلك بوجهين:

الأول: انصراف دليل العذر عن مورد وجودها، بتقريب ان مصب الادلة العذرية ما اذا كان العذر مستوعبا لجميع ازمنة امكان ايجاد المأمور به، ويظهر ذلك من المحقق الهمداني -قدس‌سره -. ولكن دعوى الانصراف لابرهان عليه بعد امكان اجتزاء المولى بهذا الفرد اما لوجود ملاك يناسب الاجتزاء بهذا الفرد علاوة عن كفايته في الوفاء بغرضه وهو محبوبية الاستباق الى العمل والاسراع في الامتثال، واما لوجود ملاك في مرحلة الامتثال موجب للاجتزاء بهذا الفرد كمصلحة التسهيل مثلا.

الثاني: - وهو العمدة - اقتضاء الأخذ باطلاق دليل الحكم ذلك بتقريب ان متعلق الحكم هي الطبيعة السارية وهي السعي القابلة للانطابق على كل فرد من العمل في ظرف المأمور به زمانا مابين المبدأ والمنتهى، ودليل العذر انما هو ناظر الى تعذر المأمور به، وما لم يكن العذر مستوعبا لم يكن المأمور به متعذرا، فالعذر في اول الوقت مع وجود المندوحة بعده غير مشمول لدليل الحاكم فيبقى

اطلاق دليل الحكم الدال على لزوم الاتيان بالعمل تام الأجزاء والشرائط على حاله.

ولن هذا ايضا لايتم، فان الأمور به انما هو الطبيعي الصالح للانطباق على كل فرد، ومن الافراد الفرد المتعذر تطبيق الطبيعي التام عليه، فالمتعذر في ان التعذر انما هو نفس الطبيعي المأمور به، والفرد بخصوصيته الفردية غير متعذر لخروج المفردات عن دائرة الحكم نفيا واثباتا، وحينئذ لايعقل تعلق الأمر به كتعلق دليل الحاكم به حرفا بحرف، فالمتعذر هو الطبيعي المطبق على هذا الفرد على نحو القضية الحينية لا بنحو يكون الزمان قيدا لمتعلق العذر حتى يقال بأن المكلف غير مضطر الى هذا الفرد الناقص.

١٧٦

وبعبارة اخرى: ان الالتزام بعدم شمول دليل العذر للفرد المتعذر مع وجود المندوحة مستلزم لتقييد دليل الحكم بغير ذلك الفرد تقييد دليل الحاكم بالعذر المستوعب، وكلاهما بلا موجب فالتحفظ على الاطلاقين يقتضي كون دليل الحاكم معمما لاطلاق دليل الحكم وحافظا له، أي كون المأتي به عذرا مصداقا للمأمور به مجزيا عنه وهو ما ذكرناه، والمتحصل منه جواز البدار لاولي العذار ومنها التقية.

(وأما الثاني) وهي المدوحة بالنسبة الى الافراد العرضية فحيث انه مع وجودها لايصدق عنوان الاضطرار والعذر على الطبيعة المأمور بها ولو حينا ما، فلابد من الالتزام باعتبار عدمها في اتيان الفرد المتعذر والاجتزاء به.

بيان ذلك: ان القدرة على امتثال التكليف صادق ولو بالقدرة على ايجاد مقدماته، فايجاد المقدمة اعمال القدرة في سبيل ايجاد المكلف به لا تحصيل لها، فالمكلف العاجز عن امتثال التكليف في مكان خاص القادر على امتثاله في مكان اخر ولو بايجاد مقدمته بان يذهب الى ذلك المكان غير عاجز عن امتثال التكليف الاختياري ولو في مكان الاضطرار، اذ في ذلك المكان قادر على

امتثال التكليف بايجاد مقدمته فلا يصدق عليه عنوان المضطر فلا تشمله ادلة الحواكم. نعم، لايمكنه امتثال التكليف بتطبيق الطبيعي الاختياري على الفرد الواقع في ذلك المكان، وهذا غير ضائر، فان فردية هذا الفرد للطبيعي المأمور به سالبة بانتفاء الموضوع، وليس هذا تقييدا في دليل المأمور به، فان المأمور به هو الطبيعي، والامر به فعلي بالنسبة الى القادر والمفروض ان المكلف قادر على الامتثال فخروج هذا الفرد عنه خروج تقيدي لا تقييدي، فافهم.

وقد ظهر مما ذكرنا الفرق بين وجود المندوحة في الأفراد الطولية ووجودها في الافراد العرضية، فانه في الأول يصدق عنوان الاضطرار بالنسبة الى الطبيعي في ان الاضطرار لعدم القدرة على تطبيق الطبيعي الاختياري على الفرد الواقع في ذلك الان على الفرض وعدم القدرة على المأمور به ولو بايجاد مقدمته، فان مرور الزمان امر غير اختياري للمكلف فهو عاجز عن الامتثال الاختياري فيشمله دليل الحاكم.

نعم، بعد مرور الزمان تحصل القدرة على الامتثال الا ان الصبر الى ان تحصل القدرة غير واجب بعد شمول دليل الحاكم للمورد، بخلاف الثاني لصدق القدرة على الامتثال ولو في مكان الاضطرار فانه قادر على ايجاد المقدمة الاختيارية على الفرض.

١٧٧

والحاصل: ان التحول من مكان الى مكان أمر اختياري بخلاف مرور الزمان، فالتحول اعمال للقدرة والانتظار صبر الى حصول القدرة طبعا من دون دخل لقدرة المكلف في تحصيل تلك القدرة على المأمور به، وبهذا الفرق يفصل بين المقامين.

وتوهم عدم كون الفرق فارقا بعد كون المأمور به الطبيعي بما هو طبيعي، والمفروض التمكن من ايجاده في ضمن الفرد المقدور ولو بعد مضي زمان تحصل القدرة فيه بالطبع مدفوع بانه كيف لايكون فارقا بعد كفايته في صدق

الاضطرار الحيني في القسم الأول دون الثاني؟ ولذا ذكرنا في بحث التيمم ان مقتضى القاعدة انه لو كان تحصيل الماء موقوفا على ايجاد مقدمات اختيارية له كحفر البئر او تحصيل الة النزح وغير ذلك يجب الوضوء ولا ينتقل الامر الى التييمم، بخلاف ما اذا كان وجدان الماء موقوفا على مضي زمان فانه يجوز على المكلف البدار فانه من اولي الاعذار. نعم، لابد من الاحتياط في المبحث المذكور نظرا الى وجود بعض الأخبار وفتوى الأخبار، وقد ظهر بذلك الحكم في (القسم الثالث) وهي المندوحة بالنسبة الى حالة المكلف فلابد من القول باعتبار عدمها لعدم صدق الاضطرار بالنسبةالى الطبيعي ولو في زمان الامتثال.

نعم، يجوز اجتزاء الشارع بالفرد الاضطراري في القسم الثاني والثالث تسهيلا او لمصلحة اخرى، الا انه لابد في اثبات ذلك من التماس دليل خاص لعدم شمول مطلقات اولي الأعذار له، وقد دل اخبار التقية على الاجتزاء في الثاني دون الثالث ويأتي ان شاء الله بيانه.

اذا عرفت ذلك فاعلم انه قد يتمسك لاثبات الاجزاء في العمل الواقع تقية بوجوه:

الأول: السيرة بتقريب انه لا اشكال في وقوع الاختلاف في يومي عرفة والعيد بين الشيعة والسنةمن لدن ائمتنا المعصومين سلام الله عليهم اجمعين، كما انه لا اشكال في عدم تمكن الشيعة من درك الوقوفين الواقعين عندهم وكانوا يتبعون السنة في ذلك، ولم يعهد منهم اعادة الحج ولا من الائمةعليهم‌السلام الأمر بها، وهذا اقوى دليل على اجزاء العمل المأتي به تقية عن الواقع ولو كانت التقية في الاجزاء الركنية التي تتقوم بها الماهية المأمور بها. والجواب عن ذلك: ان الاستدلال بهذه السيرة موقوف على اثبات امور:

(الأول) انهم كانوا يكتفون بما اتوا به من الحج في صورة العلم بالمخالفة،

١٧٨

والا فلا يدل ذلك على المدعى، فانه يمكن ان يقال بان الجزاء في صورة عدم العلم بالمخالفة ثابت بالنص لا من جهة تطبيق عنوان التقية على المأتي به، والنص المدعى في المقام هو رواية ابي الجارود - وسيأتي التعرض لها - ولكنها مطلقة بالنسبة الى صورتي العلم بالمخالفة وعدم العلم بها، فلو كانت حجة معتبرة تكون بنفسها دليلا على الاجزاء في الحج. ولايخفى ان ما ذكر من الامور لا تدفع السيرة المدعاة وهي اقوى دليل علىالمطلب.

(الثاني) ان ذلك كانت سيرة من كان مستقرا عليه الحج او الصورة مع استطاعته بعد ذلك، والا فعدم الاعادة ليس الا من جهة السلب بانتفاء الموضوع وهي الاستطاعة.

(الثالث) انهم لم يدركوا حتى الاضطراري من احد الموقوفين، والا فعدم الاعادة من جهة درك الجزء الركني وهو الوقوف ولو اضطرارا.

(الرابع) انه قد عرض ذلك علىالامامعليه‌السلام ، او كان بمرأى منه ولم يردعهم عن ذلك، والا فصرف قيام السيرة لا تدل على التشريع.

الثاني: عقد الاستثناء في صحيحة ابن ابي عمير عن ابي عبد اللهعليه‌السلام انه قال: لا دين لمن لا تقية له، التقية في كل شيء الا في النبيذ والمسح على الخفّين(١) . بتقريب ان ذكر المسح على الخفين في المستثنى، وظهور الاستثناء في الاتصال يدل على عموم التقية للأحكام التكليفية والوضعية، ولا معنى لشمول ذلك للوضع الا برفع الجزئية او شرطية ما اضطر الى تركه او رفع مانعية ما اضطر الى فعله، وهذا معنى الصحة ويلزمه الاجزاء قهرا. والجواب عن ذلك:

(أولا) ان عدم جريان التقية في المسح على الخفين الذي هو مركز الاستدلال غير مفتى به بين الاصحاب ومخالف للنصوص، فلابد من حمل ذلك

____________________

(١) الوسائل: ج١١ باب ٢٥ من ابواب الأمر والنهي وما يناسبها حديث٣.

١٧٩

على ان عدم جريان التقية في المسح على الخفين انما هو من جهة خروج ذلك عن التقية موضوعا أي لم يضطر احد خارجا الى ذلك، والامر كذلك ايضا، فان العامة لم يذهبوا الى وجوب المسح على الخفين بل يرون غسل الرجل عدلا له. نعم، يجوزون المسح على الخفين. فبناء علىعدم منافاة غسل الرجل ومسحه كما هو الصحيح ففي جميع الموارد المندوحة موجودة فلا يمكن الكتفاء بغسل الرجل فكيف بالمسح على الخفين.

(ثايا) لو سلمنا دلالة الرواية على الاجزاء الا انه لايكون شأنها ازيد من سائر الادلة الحاكمة، وقد نقلنا سابقا عن بعض اساتيذنا ان ما دل على لزوم الاعادة في فرض الاخلال بالاجزاء الركنية التي قوام الماهية بها ولم تتحفظ صورته النوعية الا بها حاكم على ذلك، فلايمكن التمسك بعقد الاستثناء لهذه الرواية لاثبات الاجزاء في صورة الاخلال بالاجزاء الركنية ولكن لم يمكن المساعدة له، وقد مر الوجه فيه ويأتي ان شاء الله ايضا.

الثالث: عقد المستثنى منه للرواية السابقة وصحيحة زرارة عن ابي جعفرعليه‌السلام : التقية في كل شيء يضطر اليه ابن ادم فقد أحله الله(١) . بتقريب ان ظهور «في» في الظرفية أي التقية منطبقة على كل شيء، ولا معنى لذلك الا اذا كان الشيء ذا حكم عند المخالف، فيكون مفاد الرواية ان كل شيء د حكم عندهم فهو ظرف للتقية، أي كل ما كان مصداقا للشيء بما له من الحكم ينطبق عليه عنوان التقية، فلو اضطر الى شرب النبيذ لوجود المخالف ينطبق عليه عنوان التقية فيحل، ولو اضطر الىاتيان الصلاة متكتفا تنطبق عيه التقية فتجب وتصح، فظهور الرواية في تطبيق عنوان التقية على العمل المتقى به - لمكان في - دال على ثبوت حكم ذلك العمل حال التقية، فلو كان العمل

____________________

(١) الوسائل:ج١١ باب ٢٥ من ابواب الامر والنهي وما يناسبهما حديث٢.

١٨٠