البحث في رسالات عشر

البحث في رسالات عشر0%

البحث في رسالات عشر مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 367

  • البداية
  • السابق
  • 367 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32920 / تحميل: 5607
الحجم الحجم الحجم
البحث في رسالات عشر

البحث في رسالات عشر

مؤلف:
العربية

ذا حكم تكليفي ووقع الاضطرار الى تركه يرتفع بالتقية، ولو كان ذا حكم وضعي كالماهيات المركبة يثبت بالتقية كما ذكرناه من المثال.

وقد ظهر بذلك ان هذا الكلام جار بالنسبة الى الاجزاء الركنية ايضا للظهور الاطلاقي للرواية في التطبيق، غاية الامر ان تطبيق عنوان التقية على العمل المتقى به في غير مورد الركنيات ملازم للتنزل بخلاف موارد تلك الاجزاء فانه ملازم للتنزيل، وغير خفي ان هذا لايلازم الجمع بين اللحاظين التنزيل والتنزل، لان كل ذلك من اللوازم القهرية للتطبيق ولايحتاج الى أي لحاظ.

والحاصل: ان ظهور الرواية في التطبيق يدل على الاجزاء في الركنيات وغيرها وان كان التطبيق قد يلازم التنزيل وقد يلازم التنزل قهرا لا لحاظا، والجواب عن ذلك: انه لو كنا نحن و«التقية في كل شيء» صرفا لامكننا الالتزام بذلك، الا ان ذيل هذه الرواية وهو «فقد احله الله» يدل على ان وزان ذل وزان سائر الادلة الحاكمة أي يكون بلسان الترخيص في اتيان العمل العذري فقط، وبعبارة اخرى انه يحتمل ان تكون جملة «فقط احله الله» خبرا للتقية فيكون الظرف وهو «في كل شيء» لغو، ويحتمل ان يكون الظرف هو الخبر فيكون مستقرا، وعلى كلا الاحتمالين تدل الراوية على الترخيص في تطبيق المأمور به على العمل المتقى به فقط.

(اما) على الأول فواضح لعدم الدلالة على تطبيق عنوان التقية على العمل كي يقال ان التطبيق فرع التشريع، بل غاية الدلالة على ان التقية محللة.

(واما) على الثاني فالرواية وان كانت دالة على التطبيق الا انها لا تدل عليه بلحاظ ما للعمل من الحكم عند المخالف، بل تدل عليه بلحاظ ما يظهر من الذيل وهو الترخيص والتحليل، فان جملة «فقد احله الله»مفسرة لظرف، فافهم جيدا.

فالمتحصل من الرواية على كلا الاحتمالين ان التقية محللة ومرخصة لكل

شيء، وهذا هو ما ذكرناه من ان وزارن هذه الرواية وزان سائر الادلة الحاكمة، فلا تشمل الركنيات على مبنى بعض اساتيذنا من خروجها عن هذه الادلة بالحكومة، هذا فيما كان مشتملا على هذا الذيل «فقد احله الله» من الروايات، واما ما لم يكن كذلك فيفسر بما يشتمل عليه بالحكومة التفسيرية. وقد ظهر بما ذكرنا على هذا المبنى الجواب عن تقريب اخر للاستدلال وهو الأخذ باطلاق دليل الحاكم وهو العقد المستثنى منه «التقية في كل شيء» ولو مع قطع النظر عن التطبيق، فانه دال على جريان التقية في كل شيء ولو في الاجزاء الركنية، فانه حيث ان لسان دليل الحاكم لسان التقييد لا التنزيل والمفروض على هذا المبنى ان هذا اللسان محموم بمثل ذيل

١٨١

حديث «لاتعاد» فانه في الرتبة المتأخرة عن ذلك ولذا لايمكن الاخذ بالاطلاق لاثابت الجزاء في الاجزاء الركنية.

ولكن قد مر عدم امكان المساعدة على هذا المبنى، فان الرواية وان دلت على ان التطبيق بلحاظ ما يظهر من الذيل وهو التحليل الا ان ظهورها في ان التطبيق بهذا اللحاظ في كل شيء غير قابل للانكار فتشمله جميع الاجزاء والشرائط حتى الركنيات.

واما التقريب الثاني الذي ذكره في الجواب عن الوجه الثاني ايضا فمخدوش (اولا) ذيل حديث «لاتعاد» لا يدل على الاستثناء في الاجزاء الركنية بهذا العنوان حتى تسري الى جميع الموارد والابواب مثل الحج مثلا. (وثانيا) لا نسلم وجود اطلاق في عقد الاستثناء من دون ملاحظة تمام الجملة، وبهذا اللحاظ لايحصل من الاستثناء ازيد من ثبوت الجزئية والشرطية في الموارد المذكورة على نحو يستفاد من الادلة الاولية.

وبعبارة اخرى: عقد الاستثناء في حديث «لاتعاد» حافظ لاطلاق الادلة الاولية لا ان له بنفسه اطلاق، ونتيجة ذلك شمول المستثنى وهو «لاتعاد» بالنسبة

١٨٢

الى غير ما ورد في الاستثناء واما في موارد الاستثناء فالدليل الاول باق على اطلاقه، وعلى هذا التقريب يظهر حكومة دليل التقية على ذلك حتى في الركنيات ، فتدبر جيدا.

الرابع: موثقة سماعة(١) قال: سألته عن رجل كان يصلي فخرج الامام وقد صلى الرجل ركعة من صلاة فريضة؟ قال: ان كان اماما عدلا فليصل اخرى وينصرف ويجعلهما تطوعا وليدخل مع الامام في صلاته كما هو، وان لم يكن امام عدل فليبن على صلاته كما هو ويصلي ركعة اخرى ويجلس قدر ما يقول: «اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، واشهد ان محمدا عبده ورسوله» ثم ليتم صلاته معه على ما استطاع فان التقية واسعة وليس شيء من التقية الا وصاحبها مأجور عليها ان شاء الله.

وتقريب الاستدلال على الاجزاء مطلقا حتى في الركنيات بهذه الرواية الشريفة من وجوه ثلاثة:

(الأول) مفهوم كلمة «مااستطاع» فانها ليست ناظرة الى بيان وجوب اتمام الصلاة مهما امكن أي العقد الايجابي للقضية، فان المتكفل لبيان هذه الجهة نفس الادلة الاولية، فبيان هذه الجهة في

الرواية غير محتاج اليه بل لغو محض، فانها في مقام بيان سعة التقية وحكمها لا التحفظ على الاطلاقات وتأكيدها، فهذه الكلمة ناظرة الى العقد السلبي للقضية وهو الترخيص في ترك مالم يستطع من اتمامه بسبب التقية بلسان تطبيق الوظيفة على الناقص وهذا معنى الاجزاء، وباطلاقه يشمل الركنيات ايضا.

(الثاني) التعليل الوارد في الرواية للحكم المذكور، وهو «فان التقية واسعة» فانه لا شبهة في انه ليس ناظرا الى العقد الايجابي للقضية بل سعة

____________________

(١) الوسائل: ج٥ باب ٥٦ من ابواب صلاة الجماعة حديث٢.

١٨٣

التقية لا تناسب الا الترخيص في ترك المعسور، وحيث ان الرواية في بيان تطبيق الوظيفة على الميسور نستكشف الاجزاء، وبالاطلاق نلتزم به في الركنيات ايضا.

(الثالث) ذيل الرواية الدالة على ترتب الاجر على التقية، وحيث ان مورد التقية في الرواية هو تطبيق الوظيفة على العمل المقتى به فلابد من ترتب الاجر على ذلك، وهذا لايستقيم الا مع صحة العمل واجزائه عن الواقع، فانه لا معنى لترتب الاجر على العمل الباطل. وبعبارة اخرى: ان ذيل الرو اية دليل اني على صحة التطبيق، وبعد الانطباق لابد من الالتزام بالاجزاء فانه عقلي، وبالاطلاق نلتزم بذلك في الركنيات ايضا. وذكر السيد الاستاذ ان شيئا من هذه الوجوه لايتم.

اولا: لو سلم جميع ذلك فان ذيل حديث «لاتعاد» حاكم على ذلك فلا يمكن الالتزام بالاجزاء في الركنيات، اللهم الا ان يقال ان ترتب الاجر على التطبيق يكشف انا عن صحة التطبيق فيدل على تنزيل المأتي منزلة الواقع، ومع التنزيل يكون الأمر بالعكس أي حديث المنزلة حاكم على حديث «لاتعاد» لا العكس.

وقد مر بيان ذلك وقلنا: ان الأدلة الأولية باطلاقها شاملة لوجوب الاتيان بالميسور في مورد الاضطرار الى ترك بعض الأجزاء والادلة الحاكمة كلها يرفع الحكم عن مورد الاضطرار، فقاعدة الميسور موافقة للقاعدة، فأدلة الميسور على فرض تماميتها حافظة للاطلاق ومؤكدة له، فلو دل دليل على عدم الاجزاء في مورد ما يكون هذا الدليل في الرتبة الثالثة وحاكما على الحاكم، ولكن هذا في ما اذا كان دليل الحاكم الأول بلسان التقييد ورفع الحكم عن مورد الاضطرار لا بلسان تنزيل المطبق عليه منزلة الواقع وكفايته عنه، والا فهذا مترتب على مثل ذيل «لاتعاد» ولذلك ترى صحة الصلاة في مورد ازدياد

الركن في باب صلاة الجامعة، وفي ما نحن فيه ايضا الأمر كذلك فان لسان الراوية هو التطبيق والتنزيل كما عرفت.

ثانيا: لا نسلم ان تكون الرواية بلسان التطبيق والتنزيل بل المسلم عدمه، فان التنويع في الروايةبين كون الامام عدلا وبين كونه غير عدل، ونقل النية الى النفل في الأول دون الثاني يدلا على ان الاقتداء في الثاني صوري وهو مأمور باتمام صلاة نفسه معه على نحو يشبه عليهم.

ويدل على ذلك ايضا اضافة الصلاة بالضمير الراجع الى المصلي في «ثم ليتم صلاته معه» والجلوس بقدر الشهادتين، فان ذلك يدل على لزوم الاتيان بالعمل ولو استعجالا على نحو مشبه،

١٨٤

فعلى ذلك الرواية ناظرة الى بيان كيفية الفرار والارشاد الى ترتيب المندوحة حال التقية، لا في مقام تطبيق الوظيفة على العمل الناقص بل انما هو ناظر الى لزوم التمام بجميع الأجزاء، غاية الامر على نحو مشبه عليهم، فعلى ذلك جملة ما استطاع ناظرة الى لزوم حفظ الواقع مهما تيسر وسقوط مالم يستطع عن التنجز الا ان السقوط بالتقية كالسقوط بسائر الأعذار تعبدي تنجيزي للواقع فيكون في رتبة سائر الحواكم على ما اسلفنا ويكون ادلة الركنيات حاكمة عليه قهرا، فلو لم تكن تلك الجملة ناظرة الى العقد الايجابي لم يكن التعبير قياسيا كما ان التعليل وان كان ناظرا الى السقوط الا ان المراد منه ان باب التقية اوسع، اليس مما يفر منه !! وهل هو الا كسائر الأعذار!!.

واما ما ذكر في الوجه الثالث من ان ترتب الاجر يدل على صحة التطبيق والتنزيل منزلة الواقع فغير صحيح، فان ترتب الأجر مستزلم لكون التقية مشروعة لا لكونها مشرعة، فلا تدل الراوية على التطبيق وتنزيل الناقص منزلة التام حتى لايمكن تقييدها بمثل ذيل «لاتعاد» بل الامر بالعكس، فانها في مقام بيان الاهتمام بالعمل واتمامه على ما هو عليه غاية الأمر على ما استطاع،

ومن البديهي ان القدرة شرط للتنجز، والعجز مسقط له.

والحاصل: انه لم يثبت بهذا الدليل ان وزان التقية غير وزان سائر الحكومات بحيث لم يمكن تقييدها بغير الركنيات.

اقول: قد مر انه ليس لدليل الركنيات ترتب على دليل الحاكم بحيث يكون حاكما على الحاكم، فان ذيل «لاتعاد» استثناء عن السابق والاستثناء محدد لحكم المستثنىمنه لا انه مثبت لحكم اخر في مورده، بل حكم مورد الاستثناء يستفاد من نفس الدليل الأولي، فالاستثناء في ذيل «لاتعاد» وسائر الركنيات - لو كان لها ايضا - دليل حافظ لاطلاق الدليل الأول فيرد عليه دليل الحاكم لا انه يرد على دليل الحاكم، فتدبر جيدا.

الخامس: الروايات الدالة على محبوبية التقية او العبادة سرا او ان التقية من الدين التي يستكشف فيها تطبيق العبادة او الدين على العمل المتقى به، ولازم ذلك التنويع في العبادة عبادة خبأية او سرية وهي الواقعة في مورد التقية، وعبادة غير خبأية وهي الواقعة في غير هذا المورد، ولازم ذلك التنزيل ولو بنحو تنزيل المبائن منزلة المبائن أي تنزيل العبادة الخبأية الواقعة تقية منزلة الاوقع وهو العمل التام جزء او شرطا فلا تكون ادلة الركنيات حاكمة على ذلك حتى على تلك المبنى، فهذه الروايات دالة على اجزاء العمل المتقى به عن الواقع ولو كان فاقدا للأركان او مشتملا على زيادة الركن، الا انه لابد من ملاحظة هذه الروايات ودلالتها حتى يظهر الحال ونذكر المهم منها:

١٨٥

(الأول) رواية معلى بن خنيس قال: قال لي ابو عبد اللهعليه‌السلام : يا معلى اكتم امرنا ولا تذعه فانه من كتم امرمنا ولايذيعه اعزه الله في الدنيا وجعله نورا بين عينيه يقوده الى الجنة، يا معلى ان التقية ديني ودين ابائي ولا دين لمن لا تقية له، يا معلى ان الله يحب ان يعبد في السر كما يحب ان يعبد في العلانية

والمذيع لأمرنا كالجاحد له(١) ويقع الكلام في هذه الرواية تارة من جهة السند واخرى من جهة الدلالة.

اما من جهة السند فقد يقال: ان معلى بن خنيس لم يوثق بل هو مذيعا لأمرهمعليهم‌السلام كما يظهر من هذه الرواية ومن غيرها فلايمكن الاعتماد على رواياته، الا ان التتبع في احوال الرجل يشهد بأنه كان اماميا فضائليا محبا لهمعليهم‌السلام . نعم، كا ينشر فضائلهم ويبينها حتى في مورد التقية ولذا امره الامامعليه‌السلام بالاخفاء والعبادة سرا لا أمرا مولويا بل ارشاديا الى انه يقتل كما في بعض الروايات، بل يعلم من استرحام الامام - بعد قتل معلى - له ان هذا التظاهر والاذاعة ليس امرا محرما وان صار سببا لقتله أيضا كما في مورد قتل ميثم. فالانصاف ان ما ذكر قدحا للرجل فهو مدح له، على ان المعتبر في باب حجبة الرواية الوثاقة في القول لا في العقيدة وملاحظة احوال المعلى ان لم تشهد بوثاقيته في العقيدة والقول تشهد بوثاقته في القول، فالراوية من جهة السند لا بأس بها.

نعم، لا دلالة للرواية على الاجزاء فان «التقية ديني ودين ابائي» لا تدل الا على مشروعية التقية، فان ذكر العنوان في الموضوع دال على دخله في الموضوعية، فالتقية بنفسها لا من جهة انطباقها على الحركة الفاعلية دين، وأين هذا من التقييد فضلا عن التنزيل. واما «يعبد في السر» فأيضا لا تدل الا على المشروعية، فان المستفاد من ذلك ان السر ظرف للعبادة لا قيد لها بحيث تنوع العبادة الى نوعين سري وغير سري.

وحاصل ذلك: ان الله تعالى يحب ان يعبد في حالة الخفاء، وبما ان العبادة اخذت سابقة على وقوعه في ذلك الظرف فتدل الرواية على محبوبية العبادة

____________________

(١) الوسائل: ج١١ باب ٢٤ من ابواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث٢٣.

١٨٦

التامة في السر فهي على خلاف المقصود ادل.

(الثاني) صحيحة هشام بن سالم على الصحيح، قال: سمعت ابا عبد اللهعليه‌السلام يقول: ما عبد الله بشيء احب اليه من الخباء. قلت: وما الخباء؟ قال: التقية(١) . وقد ظهر الاستدلال بهذه الرواية تقريبا وجوابا من وراية المعلى، فان الرواية لا تدل على ازيد من مشروعية التقية.

اولا: ان أخذ العنوان في الموضوع ظاهر في دخله فيه فلا تدل الرواية على حيثية تطبيق العنوان.

وثانيا: ان الخباء ظرف للعبادة على ما يظهر من الرواية السابقة لا قيد لها فلا تدل الراوية على التنويع.

(الثالث) رواية الكندي: اياكم ان تعملوا عملا نعير به، فان ولد السوء يعير والده بعمله، كونوا لمن انقطعتم اليه زينا ولا تكونوا علينا شينا، صلوا في عشائرهم وعودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم ولايسبقونكم الى شيء من الخير فأنتم اولى به منهم والله ما عبد الله بشيء احب اليه من الخباء. قلت: وما الخباء؟ قال التقية(٢) . وتقريب الاستدلال والجواب كالرواية السابقة، مضافا الى ان الأوامر في هذه الرواية كلها اخلاقية بقرينة صدرها، فلايمكن التمسك بهذه الراوية للالتزام بالتنويع ايضا.

(الرابع) الروايات الكثيرة الواردة لبيان انه: لا دين لمن لا تقية له(٣) ولا ايمان لمن لاتقية له. بتقريب ان هذه الروايات ظاهرة في ان التقية مشرعة ومنوعة للدين الى نوعين، وهذا هو التنزيل. ولكن لايخفى ما في ذلك فان كون

____________________

(١) الوسائل: ج١١ باب ٢٤ من ابواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث١٤.

(٢) الوسائل: ج١١ باب ٢٦ من ابواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث٢ والرواية هكذا: عن هشام الكندي قال: سمعت ابا عبد اللهعليه‌السلام ... الخ.

(٣) الوسائل: ج١١ باب ٢٤ من ابواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث٢و٣.

١٨٧

التقية من الدين لايستلزم كونها مشرعة بل هي لازمة لمشروعيتها، فالحق انه لادلالة لهذه الروايات ايضا على التنزيل.

السادس: الروايات الخاصة الواردة في الابواب المختلفة ومنها في باب صلاة الجماعة.

(فمنها) صحيحة حماد بن عثمان عن ابي عبد اللهعليه‌السلام انه قال: من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الصف الأول(١) . بتقريب ان مقايسة القيدين هو الاقتداء في الصف الأول مستلزم لمقايسة المقيدين، فالرواية تدل التزاما على ان الصلاة معهم كان كالصلاة خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صحيح جزما فكذلك الصلاة مع المخالف، وهذا يدل باطلاقه على الاجزاء في الركنيات وغيره، فالاقتداء لهم في صلاة الجمعة مجز عن الظهر ولو فات منه اركان.

(ومنها) راوية حفص البختري عن ابي عبد اللهعليه‌السلام : يحسب لك اذا دخلت معهم وان كنت لاتقتدي بهم مثل ما يحسب لك اذا كنت مع من تقتدي به(٢) . فان المراد من «لاتقتدي» نفي صحة الاقتداء بقرينة الدخول معهم وجملة «من تقتدي به» فان المراد منه صحة الاقتداء جزما، فالراوية تدل على ان الاقتداء لهم صحيح مجز عن الواقع ويحسب للانسان، وبالاطلاق يدل على الاجزاء في الركنيات ايضا.

(ومنها) صحيحة ابن سنان قال: سمعت ابا عبد اللهعليه‌السلام الى ان قال -: ثم قال: عودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم واشهدوا لهم وعليهم وصلوا معهم في مساجدهم(٣) . وهذا امر بتطبيق الصلاة على الاوقع معهم في

____________________

(١ و٢و٣) الوسائل: ج٥ باب ٥ من ابواب صلاة الجماعة حديث١و٣و٨.

١٨٨

مساجدهم فتدل على الاجزاء ولو في الاجزاء الركنية.

ولكن هذه الروايات لا تدل على الاجزاء بالنسبة الى العمل الاوقع تقية ابدا فان مقايسة الصلاة مع المخالف والصلاة خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله او ترتب الثواب على الدخول في الصلاة معهم او الامر بالصلاة معهم في مساجدهم او في عشائرهم - كما في بعض الروايات - غير ظاهرة في ذلك، بل من المحتمل بل المطمأن به - على ما يظهر ان شاء الله - ان تكون هذه الروايات ناظرة الى مرغوبية العبادة الواقعة مع المخالف في نفسها بحيث يكون العنوان واسطة في العروض والحيثية تقييدية، لا مرغوبيتها بعنوان تطبيق الوظيفة عليها بحيث يكون عنوان التقية واسطة في الثبوت، والحيثية حيثية تعليلية.

ولا تدل هذه الراويات على ازيد من مطلوبية العبادة معهم. وان شئت فلاحظ الروايات الاتية الواردة في باب استحباب ايقاع الفريضة قبل المخالف او بعده وحضورها معه، فانه بعد البناء على عدم تصور الامتثال عقيب الامتثال او البناء على امكان الاعادة في مورد الاجادة فقط كما بنى عليه المحقق الهمداني -قدس‌سره -. ودلالة هذه الروايات على ان لايكتفي بالصلاة مع المخالف وان يؤتي بالفريضة قبل المخالف او بعده نستكشف ان مطلوبية الصلاة معهم ليست من باب تطبيق الوظيفة على الواقع معهم بل ن باب مرغوبية نفس الشركة معهم في العبادة واراءتهم ان يعبد معهم، والا فما معنى الامر بالجمع بين العبادتين والامر بالرغبة في ذلك؟ فلو كان الفرد الكامل هو الواقع لا عن تقية فتطبيق الوظيفة على الواقع عن تقية لغو، ولو كان الفرد الكامل هو الواقع عن تقية فتطبيق الوظيفة على الواقع لا عن تقية لغو، فلا يستقيم الامر بالجمع الا بان يقال: ان الوظيفة هو العمل التام الواقع لا عن تقية، والدخول معهم انما هو مرغوب في نفسه مطلوب بحياله. واليك بعض هذه الروايات:

١ - صحيحة عمر بن زيد عن ابي عبد اللهعليه‌السلام انه قال: ما منكم

١٨٩

أحد يصلي صلاة فريضة في وقتها ثم يصلي معهم صلاة تقية وهو متوضىء الا كتب الله له بها خمسا وعشرين درجة، فارغبوا في ذلك(١) . وبمضمونها صحيحتان لعبد الله بن سنان(٢) ورواية نشيط بن صالح(٣) . ورواية الأرجاني(٤) وفي الاخيرتين الارشاد بان من دخل معهم في صلاتم يخلف عليهم ذنوبه ويخرج بحسناتم، وان من صلى في مساجدهم خرج بحسناتهم.

فالظاهر من هذه الطائفة ان المقصود من الصلاة معهم هو الأجر وتخليف الذنوب عليهم والخروج بحسناتهم ولاسيما بعد ما ذكرنا من عدم امكان الامتثال بعد الامتثال ولو في الجملة، لا تطبيق الوظيفة على المأتي معهم. ولا يتوهم ان الأمر بالتوضو يدل على ان الصلاة معهم فرد من الصلاة المأمور به والا لم يحتج الى الوضوء، فانه يمكن ان يكون الوجه في ذلك عدم الدخول في العبادة بدون الوضوء، فانا لا ننكر العبادية بل ندعي عدم فرديتها للمأمور به، فتأمل.

٢ - وراية عمر بن ربيع عن جعفر بن محمد (في حديث) انه سأل عنه الامام ان لم أكن اثق به اصلي خلفه وأقرأ؟ قال: لا، صل قبله او بعده. قيل له: أفأصالي خلفه واجعلها تطوعا؟ قال: لو قبل التطوع لقلبت الفريضة ولكن اجعلها سبحة(٥) . فالأمر بجعلها سبحة ادل دليل على ماذكرنا.

٣ - رواية ناصح المؤذن، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : اني اصلي في البيت وأخرج اليهم. قال: اجعلها نافلة ولا تكبر معهم فتدخل معهم في الصلاة فان مفتاح الصلاة التكبير(٦) . وهذه الرواية تدلنا على ان المطلوب هو الاشتراك معهم في صورة العبادة لا بواقعها.

____________________

(١ و٢و٣و٤) الوسائل: ج٥ باب ٦ من ابواب صلاة الجمعة حديث١و٢ و٣و٦و٩.

(٥و٦) الوسائل: ج٥ باب ٦ من ابواب صلاة الجماعة حديث٥و٧.

١٩٠

٤ - رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت: اني ادخل المسجد وقد صليت فاصلي معهم فلا (ولا) احتسب بتلك الصلاة. قال: لا بأس، فأما أنا فاصلي معهم واريهم اني اسجد وما اسجد(١) . وهذه أيضا كسابقتها في الدلالة على محبوبية العبادة معهم ولو بنحو الاشتراك في الصورة.

فتحصل من جميع ذلك: ان غاية ما يستفاد من هذه الروايات هي مطلوبية الدخول في مساجدهم وفي صلواتهم واراءتهم الموافقة معهم، واين هذا من الترخيص في تطبيق الواجب على المأتي به معهم حتى يستكشف منه الاجزاء.

نعم، للخصم ان يقول: ان في مفروض الروايات المندوحة موجودة فلا يقاس بذلك مورد عدم وجود المندوحة. الا ان المقصود من بيان هذه الروايات اثبات ان مادل على مطلوبية الصلاة معهم او الصلاة في عشائرهم لا تدل على ازيد من مفاد هذه الروايات، وان الشركة معهم في عباداتهم مطلوبة مرغوبة، فانه على مدعي الاجزاء الاثبات، ولا نريد بذلك بيان المعارض للروايات السابقة بعد تسليم دلالتها، بل المراد بيان عدم دلالة الروايات السابقة على الاجزاء. نعم، هنا عدة روايات تدل على الاجزاء عند سقوط بعض الاجزاء او الشرائط نعم ليس فيها رواية ناظرة الى الركنيات والاجزاء فيها.

ولكن قد مر ان حكومة دليل العذر على دليل الحكم الأولي يقتضي الاجزاء مطلقا، فعدم الاجزاء في مورد كالركنيات يحتاج الى دليل، ولا دليل في شيء من مواردها. نعم، حديث «لاتعاد» بمقتضى ذيلها لايدل على الاجزاء الا بالنسبة الى غير موارد الاستثناء، ففي موارد الاستثناء لا دليل على

____________________

(١) الوسائل: ج٥ باب ٦ من ابواب صلاة الجماعة حديث٨.

١٩١

الاجزاء، واطلاق دليل الحكم يقتضي عدم الاجزاء لا ان الاستثناء دال على عدم الاجزاء حتى تصل النوبة الى التماس حاكم على الذيل، مع انه يمكننا استظهار الاطلاق من هذه الروايات ايضا، فتأمل فيها جيدا. وعلى هذا حكومة مطلقات التقية الاتية على الأدلة الأولية بلا محذور فانها في عرض أدلة الاعدار بلا واسطة دليل خاص للركنيات، ولا بأس بالاشارة الى بعض ذلك:

(فمنها) صحيحة علي بن يقطين، قال: سألت ابا الحسنعليه‌السلام عن الرجل يصلي خلف من لايقتدى بصلاته والامام يجهر بالقراءة؟ قال: اقرأ لنفسك، وان لم تسمع نفسك فلا بأس(١) . هذه الرواية تدل على سقوط صفة القراءة وهو الجهر في مورد التقية.

(ومنها) صحيحة ابي بصير، قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : من لا أقتدي الصلاة، قال: افرغ قبل ان يفرغ فانك في حصار، فان فرغ قبلك فاقطع القراءة واركع معه(٢) . هذه الرواية تدل على سقوط بعض القراءة في مورد التقية.

(ومنها) مصحح بكير، قال: سألت ابا عبد اللهعليه‌السلام عن الناصب يؤمنا، ما تقول في الصلاة معه؟ فقال: اما اذا جهر فأنصت للقراءة واسمع ثم اركع واسجد أنت لنفسك(٣) . وهذه الرواية تدل على سقوط القراءة في مورد التقية رأسا.

(ومنها) رواية زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: لا بأس بأن تصلي خلف الناصب ولا تقرأ خلفه فيما يجهر فيه، فان قراءته يجزيك اذا سمعتها(٤) .

ولكن هذه الروايات لا تدل على الاجزاء في الركنيات، الا ان يقال

____________________

(١) الوسائل: ج٥ باب ٣٣ من ابواب صلاة الجماعة حديث١.

(٢ و٣و٤) الوسائل: ج٥ باب ٣٤ من ابواب صلاة الجماعة حديث١و٣و٥.

١٩٢

الكلام في اللباس المشكوك كونه من اجزاء ما لا يؤكل لحمه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد واله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين الى يوم الدين.

والأقوال في المسألة عديدة: عدم الجواز على الاطلاق، نسب الى المشهور. الجواز على الاطلاق، نسب الى المحقق القمي –قدس‌سره – ومال اليه صاحب المدارك –قدس‌سره – ايضا، التفصيل بين الشرطية والمانعية، كما ذكره صاحب الجواهر –قدس‌سره – أي لو قلنا بشرطية كون اللباس مما يؤكل لحمه في الصلاة فلابد من احراز الشرط، ومع الشك يحكم ببطلان الصلاة. ولو قلنا بمانعية كون اللباس من غير مأكول اللحم فلابد من احرازه للحكم بالبطلان، ومع الشك يحكم بالصحة. بل ذكر المرحوم النائيني –رحمه‌الله – في رسالته المفردة في المشكوك ان مبنى النزاع هو القول بالمانعية والا فعلى القول بالشرطية لامجال للقول بالجواز، وسيجيء انه بعض الوجوه المذكورة في الكلمات دليلا على عدم الجواز يلائم القول بالشرطية أيضا، فالنزاع جار على كلام الوجهين. والتفصيل بين اللبس من أول الصلاة وفي الاثناء ففي الأول لايجوز دون الثاني.

وهناك تفاصيل مبنى جميعها التفصيل المتقدم أي الشرطية والمانعية، وهو التفصيل بين اللباس وغيره. والتفصيل بين الساتر وغيره. والتفصيل بين ما علم بكون المشكوك من اجزاء الحيوان وما لم يعلم، كما يظهر من العروة الوثقى فانه اختار في الأول الجواز ونفى الاشكال في الجواز في الثاني.

ثم ان الجواز في المقام ليس تكليفيا متعلقا بذات العمل، فانه لايحتمل كون لبس ما لايؤكل لحمه محرما من المحرمات الالهية، بل اما انه وضعي بمعنى المضي والنفوذ الملازم للصحة او تشريعي من جهة الاستناد الى الشارع الملازم لها ايضا.

ثم انه هل الجواز في المقام ظاهري بمعنى ان الحكم به يتوقف على اجزاء القواعد والاصول، ومع انكشاف الخلاف بعد ذلك لابد من اعادة الصلاة بناء على القول بعدم الاجزاء في الأحكام الظاهرية؟ او واقعي بمعنى ان الحكم به غير متوقف الا على نفس الدليل الدال على الواقع، ولا موضوع للاعادة فيه حتى مع انكشاف الخلاف؟ او ظاهري بحسب الابتداء وواقعي بحسب جواز الاكتفاء بمعنى انه لايحكم به الا بملاحظة اصل جار في المقام، ولا يحتاج الى الإعادة ولو انكشف الخلاف بعد العمل في الجملة؟.

١٩٣

ذكر المحقق القمي –رحمه‌الله – في بعض أجوبة مسائله ان مقتضى التبادر والانصراف اخذ العلم في موضوع ادلة المانعية او الشرطية، أي ما نعية لبس غير المأكول أو شرطية لباس المأكول مرتبة على صورة العلم بكون اللباس من المأكول او غيره، والا فمع الجهل يحكم بصحة الصلاة واقعا فانها واجدة لجميع شرائطها فاقدة لجميع موانعها.

ومنع ما ذكره ظاهر، فان التبادر والانصراف ممنوع، والألفاظ وضعت للمعاني الواقعية من دون دخل العلم وغيره من الحالات النفسانية فيها، ولذا ذكر المرحوم النائيني –رحمه‌الله – ان الجواز ظاهري، ونحتاج في ذلك الى اجراء أمارة أو أصل، وبنى على لزوم الاعادة بعد انكشاف الخلاف، وحكمه هذا مبني علىء عدم شمول حديث «لا تعاد»(١) لمورد الجهل، بل كون مورده السهو فقط، فان الحكم بالاعادة وعدمها موقوف على عدم اقتضاء الخطاب الأولي للفعل كما في النسيان، والا ففي مورد الجهل نفس الخطاب الواقعي شامل له ويقتضي العمل على وفقه تاما فلا معنى لأن يقال للجاهل أعد أولا لا تعد. ولكن لايخفى ان خطاب الجاهل بعد العمل بذلك الخطاب لامحذور فيه ابدا، وفي الروايات عبر بذلك كثيرا حتى في مورد العمل كمن تكلم في صلاته متعمدا اعاد صلاته(٢) . هذا في الجاهل القاصر.

وأما في المقصر، فان كان ملتفتا حال العمل فلا يشمله حديث «لاتعاد» لان الظاهر منه انه بعد العمل على ما يراه وظيفته وانكشاف الخلاف لاتعاد الصلاة، فلايمكن تصحيح هذه الصلاة بحديث لاتعاد، وبعين هذا البيان يظهر عدم شمول الحديث لمورد العمد ايضا مع انه لو فرض شمول اطلاق الحديث له يخرج عنه في مورد العمل بالدليل. واما الجاهل المقصر الغير الملتفت فيمكن ان يلتزم بخروجه ايضا عن الدليل لا من جهة عدم شموله له بظاهره بل لأمر اخر، وهو انه لو لم يكن خارجا عنه يختص مادل على لزوم اعادة الصلاة عند الاخلال بها شرطا او جزء بمورد العمد فقط، وهذا تقييد بفرد نادر، فتأمل.

فالمتحصل مما ذكرنا ان الجواز في المقام ظاهري أي يحتاج الى اجراء الاصول، ومع انكشاف الخلاف بعد العمل لا حاجة الى الاعادة واقعا فيما اذا وقعت المخالفة عن عذر، والا تجب الاعادة بل تجري الاصول حينئذ، كما لايخفى.ثم انه لا فرق في الاحتياج الى احراز الامتثال ولو بجريان الأصل بين

____________________

(١) الوسائل: ج١، باب من ابواب الوضوء، حديث٨.

(٢) الوسائل: ج٤، باب ٢٥، من ابواب قواطع الصلاة، حديث٢و٥.

١٩٤

الشرطية والمانعية وان قلنا بأن الأول مجرى الاشتغال والثاني مجرى البراءة، وهذا ظاهر. واما ما يقال من ان نفس الشك في المانعية كاف في البناء على عدمها بلا حاجة الى احرازها او اجراء اصل فيها وذلك من باب قاعدة المقتضي والمانع فمدفوع صغرى وكبرى، اما الكبرى فلا تتم هذه القاعدة لعدم الدليل عليها لا لفظيا ولا لبيا ببناء العقلاء، واما الصغرى فلو تمت القاعدة فانما تتم في موارد المقتضي والمانع الحقيقيين، واما في مثل المقام الذي قوامه ليس الا بالاعتبار فليس فيه الا الموضوع وقيوده، والحكم اجنبي عن المقتضي والمانع، بل الشيء لو اعتبر وجوده في الموضوع فهو شرط ولو اعتبر عدمه فيه فهو مانع، وهذا مجرد تعبير وليس من ذلك الباب.

ثم ان الشرط او المانع في المقام لابد وان يكون امرا اختياريا فانه مأخوذ في المأمور به ولو تقيدا لا قيدا، ولا يمكن تعلق الامر الا بما يكون اختياريا بجميع قيوده حتى تقيده بشيء ما، فحرمة أكل الحيوان او عدم حليته، وحليته او عدم حرمته اجنبية عن ذلك، بل المعقول كونه شرطا وقوع الصلاة في محلل الأكل او غير محرم الأكل، والمعقول كونه مانعا وقوعا في محرم الأكل او غير محلل الأكل، فلا فرق بين استفادة حليةالأكل عنه او عدم حرمته، وان التزم بعض الأساطين بالفرق بان الأولين ظاهران في الشرطية والاخرين في المانعية، وقد ظهر ضعفه.

ثم انه لا يعقل كون احد الضدين شرطا لشيء والاخر مانعا عنه. (أما تكوينا) فان المانع امر يزاحم مقتضي الشيء عن التأثير بعد تمامية اجزاء علته سوء عدم هذا المانع، ولا يعقل اتصاف شيء بالمانعية مالم تتم تلك الاجاء، فعلى ذلك مع وجود الضد الذي فرض انه شرط ينتفي الضد الاخر لا محالة، فأين المانع؟ ومع عدمه ووجود الضد الاخر فلا يتصف هذا الموجود بالمانع لعدم وجود شرط تأثير المقتضي، فكون احد الضدين شرطا تكوينيا والاخر مانعا

كذلك غير معقول. (واما اعتبارا) فبما انه ليس تأثير ولا تأثير في الاعتباريات، بل ما اعتبر وجوده في المأمور به شرطا له، وما اعتبر عدمه فيه مانع عنه لابد من ملاحظة امكان الاعتبار وعدمه، والحق انه لايمكن اعتبار الشرطية لاحد الضدين والمانعية للاخر مطلقا. اما في الضدين لا ثالث لهما فأحد الاعتبارين يغني عن الاخر فأحدهما لغو، وأما فيما له ثالث فاعتبار الشرطية يغني عن اعتبار المانعية وان لم يكن اعتبار المانعية مغنيا عن اعتبار الشرطية.

١٩٥

ووجه الاغناء انه مع وجود ما اعتبر شرطا ينتفي الاخر لا محالة ومع عدمه يبطل العمل لعدم شرطه فجعل المانعية يصبح لغوا محضا، ووجه عدم الاغناء في العكس فان نتيجة جعل المانعية لاحد الاضداد ترك هذا الضد حال العمل، ولايلازم وجود ضدّ معين له في هذا الحال، فان المفروض الأضداد متعددة بخلاف مالو لم يكن في البين ثالث، فان ترك الضد المانع يلازم وجود الضد الاخر.

ثم انه هل يستفاد من الادلة الشرطية او المانعية؟ فيه كلام بين الأعلام، والمستفاد من الروايات – وفيها الصحاح – المانعية صريحا. الا انه قد يتوهم من جملة الروايات الشرطية.

(ومنها) ذيل موثقة ابن بكير التي هي العمدة في أدلة الباب: «لاتقبل تلك الصلاة حتى يصلى في غيره مما احل الله اكله(١) . ووجه استفادة الشرطية غير ظاهرة، ذكر المرحوم النائيني –قدس‌سره – ان المستفاد من صدر الرواية المانعية «فالصلاة في وبره و.... فاسدة». وهذا يكون قرينة على ان المراد من الذيل ايضا ذلك حيث انه معتمد على الصدر، والتعبير بما يشعر بالشرطية من سوء تعبير الراوي فانه نقل الرواية بالمعنى.

____________________

(١) الوسائل: ج٣ باب، ٢، من ابواب لباس المصلي، حديث١.

١٩٦

وقد يقال بتعارض الصدر والذيل وتساقطهما والرجوع الى الاصول العملية. وقد يقال بأن الصدر دال على المانعية في غير الساتر بقرينة بعض المذكورات كالبول والروث والذيل دال على الشرطية في الساتر، فان عمومه لغير الساتر غير معقول فانه ليس شرطا بنفسه، فلا يعقل كونه من المأكول شرطا حتى على فرض الوجود أي اللبس، لانه اما من اشتراط الشيء لنفسه او لضده، فمع لبس المأكول يكون اشتراطه بكونه من المأكول من قبيل الأول، ومع لبس غيره يكون من قبيل الثاني، هذا.

وان امكن ان يجاب عن ذلك بمثل مايجاب عن الاشكال المعروف في القضايا الحملية بأن المشروط له نفس اللبس لا بشرط، وبهذا يمكن اشتراطه بكونه من المأكول. ودقيق النظر يقتضي عدم استفادة الشرطية من الرواية، فان ظاهر الصدر المانعية والذيل الذي ادعي انه ظاهر في المانعية مشتمل على كلمة الاشارة «تلك» والمشار اليه ليس نفس الصلاة الشخصية لفسادها على أي حال وغير قابلة للتعدد حتى يحكم بفسادها بوجه وصحتها بوجه اخر فهي اما طبيعي الصلاة بجنسها أو نوعها كصلاة الفجر او غيره.

اما الصلاة الواقعة في اجزاء الحيوان التي هي مورد الرواية، فعلى الأول يمكن دعوى استفادة الشرطية من الذيل، الا انه خلاف الظاهر، فان السؤال عن الصلاة في الفنك وغيره من الحيوان فلابد من كون الاشارة الى ذلك، ونتيجة الصدر ان الصلاة في الحيوان قسمين قسم في المأكول وقسم في غير المأكول، والقسم الثاني منها فاسد، فلابد في الحكم بالصحة من وقوع الصلاة على نحو القسم الأول، وهذا امر واقعي غير محتاج الى الجعل، وجملة الذيل انما هي مشيرة الى نفسها الأمر الواقعي، وليس في مقام بيان اشتراط الصلاة بوقوعها في محلل الأكل، فأصل ظهور الذيل ممنوع فضلا عن وقوع المعارضة والعلاج.

وهنا بعض روايات اخرى يمكن الاستدلال بها على الشرطية ولا تخلو اما من الضعف في السند او الدلالة، وتعرف حالها مما ذكرنا، فلا نطيل.

ثم انه لو شككنا في ان المعتبر هل هو الشرطية او المانعية ولم يمكننا استفادة ذلك من الروايات، فقد يقال ان الشك في الشرطية يوجب الشك في التكليف الزائد، والاصل البراءة عن ذلك. ولكن ضعفه ظاهر في ان كلا من الشرطية والمانعية يوجب التضييق بالنسبة الى المكلف، ويلزم التكليف الزائد والأصل البراءة، فالحق ان العلم الاجمالي بثبوت احد الحكمين – الشرطية او

١٩٧

المانعية – يقتضي العلم بالبراءة والخروج عن عهدة ذلك فالاصل الاشتغال، والأصلان المذكوران اما غير جار او معارض على الخلاف في جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي.

ثم ان عنوان حرمة الأكل المأخوذ في الروايات هل هو معروف الى العناوين الذاتية الثابتة للحيوانات كالأسد والأرنب وغير ذلك؟ او انه اخذ موضوعا للحكم بما هو عنوان حرمة الأكل؟ مال المرحوم النائيني –قدس‌سره – الى الأول، ولكن لايمكن المساعدة عليه فان ظاهر كل عنوان مأخوذ في لسان دليل دخله في الموضوعية وثبوت الحكم له.

وايضا هل يكون المأخوذ في لسان دليل الحرمة الطبعية والشأنية التي هي ثابتة للحيوان بطبعه وفي ذاته او الحرمة الفعلية التي قد تختلف باختلاف الأشخاص والحالات والأزمنة، فان لحم الغنم حلال بطبعه. ولكن أكله حرام في نهار شهر رمضان مثلا، او لحم الارنب حرام بطبعه ولكنه حلال في حال الضرورة مثلا؟ ظاهر الدليل الأول، فان اسناد حرمة الأكل الىالحيوان ظاهر في انه لابد وان يكون الحيوان بطبعه محرم الأكل، وعروض العوارض الخارجية لايوجب تبديلا في ذلك وان كان الحكم الفعلي دائرا مدار تلك الطوارىء والعوارض.

وعلى ذلك هل يختص بما هو ثابت لطبع الحيوان لذاته؟ او يعم ذلك وما هو ثابت له بواسطة امر خارجي كعنوان الموطوءة مثلا؟ الاطلاق يقتضي التعميم ولا يختص ذلك بما لو لم يكن هذا العنوان الطارىء قابلا للزوال كالموطوءة والجدي المسترضع من الخنزيرة، بل يعم ذلك وما كان قابلا له كعنوان الجلل الذي هو قابل للزوال بالاستبراء، فان الاطلاق يقتضي ذلك، فانه قبل الاستبراء حيوان محرم الأكل. ولم يرض المرحوم النائيني –قدس‌سره – بذلك مع انه في باب النجاسات ذهب الى ان بول محرم الأكل وخرءه نجس ولو كانت الحرمة ناشئة من الجلل، أخذا باطلاق «اغسل ثوبك

١٩٨

من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(١) والحال ان المسألتين من واد واحد.

والحاصل: ان عنوان محرم الأكل من جهة أخذه في الرواية يعلم أخذه موضوعا لا طريقا، ومن جهة اضافته الى الحيوان يظهر ثبوت الحكم بما لو كان الحيوان محرما ولو لعارض قابل للزوال او غير قابل له، لكن لابد وان يكون هذا العارض على نحو يمكن اسناد الحرمة الى الحيوان كالوطىء والجلل. واما لو لم يكن كذلك كالافطار في نهار شهررمضان او الضرورة مثلا، فلا.

وبعبارة اخرى: ان القابل لتعلق الحرمة او الحلية به الذي هو فعل الملكف أكل الحيوان في المقام، لكن تعلق الحرمة او الحلية به اما من جهة خصوصية في الحيوان بطبعه او لعارض عليه او خصوصية في الأكل بطبعه او لعارض عليه، المأخوذ في لسان الدليل من جهة ظهور الاضافة هو الأول لا الثاني، فلا يجوز الصلاة في شيء من الأسد مطلقا وان كان محلل الأكل في موضع الضرورة لان الضرورة توجب خصوصية في الأكل لا في الحيوان، وايضا لايجوز الصلاة في الغنم الموطوء او المسترضع من لبن الخنزيرة او الجلال لان الحكم بالحرمة فيها

____________________

(١) الوسائل: ج٢، باب ٨ من ابواب النجاسات حديث٢.

١٩٩

من جهة خصوصية في الحيوان لا في الأكل.

ثم انه هل اعتبار المانعية او الشرطية راجع الى الصلاة أي يعتبر في الصلاة ان تقع في محلل الأكل او لا تقع في محرم الأكل؟ او راجع الى اللباس أي يعتبر في اللباس ان يكون من المأكول او لا يكون من غيره؟ او راجع الى المصلي أي يعتبر في المصلي ان يكون لابسا للمأكول او لا يكون لابسا لغيره؟ كل ذلك محتمل، والثمرة تظهر بينها في التفصيل بين امكان التمسك بالأصل لو كان اللبس في الأثناء بخلاف مالو كان من الأول في الأخيرين دون الأول على بعض المباني، وسيجيء الكلام في جريان الاصول العملية في المشكوك.

والكلام هنا في صغرى المسألة، وان الاعتبار راجع الى أي من المذكورات. والتحقيق ان الاعتبارين الأخيرين غير معقول، فان الشرط والمانع ما يكون دخيلا في متعلق الأمر تقيدا لا تقييدا، فلابد وان يكون تحت اختيار المكلف وراجعا الى فعله، فعلى ذلك لابد من ان يقال ان الاعتبار راجع الى نفس الصلاة.

نعم يمكن تصوير الاختلاف في مركز الاعتبار، أي يقال انه هل المعتبر في الصلاة كونها واقعة في كذا او عدم كونها واقعة في كذا؟ او المعتبر فيها كون المصلي لابسا لكذا او عدم كونه لابسا لكذا؟ او المعتبر فيها كون اللباس من كذا او عدم كونه من كذا؟ وحينئذ نقول ان الأخير أيضا غير معقول، فان كون اللباس من المأكول او عدم كونه من غير مأكول خارج عن تحت اختيار المكلف، ونتيجة اعتباره في الصلاة تقيدها بأمر غير اختياري.

نعم الأولان معقولان في نفسهما، لكن المستفاد من موثقة سماعة «ولا تلبسوا منها شيئا تصلون فيه»(١) ان مركز الاعتبار المصلي، وان كان ظاهر

____________________

(١) الوسائل: ج٣ باب ٥ من ابواب لباس المصلي حديث٣.

٢٠٠