البحث في رسالات عشر

البحث في رسالات عشر0%

البحث في رسالات عشر مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 367

  • البداية
  • السابق
  • 367 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32909 / تحميل: 5607
الحجم الحجم الحجم
البحث في رسالات عشر

البحث في رسالات عشر

مؤلف:
العربية

لعدم الدليل عليه، وقولهعليه‌السلام «ساترا لجميع عيوبه» في الصححية لا يريد منه الا العيوب الشرعية وهي المعاصي، وهكذا سائر العناوين الواردة في الادلة، وهذا ظاهر.

ثم انه ظهر مما مر انه لا فرق بين ارتكاب الكبائر والصغائر في كونه مخلا بالعدالة، لخروج الشخص بذلك عن الاستقامة، وليس هذا امرا دقيقا لا يفهمه العرف من مفهوم العدالة، فلا وجه لما افاده المحقق الهمداني -قدس‌سره - من ان ارتكاب الصغيرة غير ناف لمفهوم العدالة عرفا، نعم ورد في الصحيحة المتقدمة في معرفة العدالة «ويعرف باجتناب الكبائر...الخ» ولكن هذا لا يدل على ان ارتكاب الصغيرة لاينافي العدالة، بل غايته الدلالة على ان معرفة اجتناب الكبائر طريق لوجود العدالة، وهذا نلتزم به، ولكن عدم دخل معرفة اجتناب الصغائر في الطريق امر وعدم دخل نفس الاجتناب عنها في ذي الطريق امر اخر، ولذا لو علمنا بارتكاب الصغيرة لانحكم بالعدالة، فان الطريق مجعول في مورد الجهل والمفروض انا نعلم بعدم العدالة.

والحاصل: ان هذه الجملة في الرواية بصدد بيان الطريق على العدالة لانفسها، فلا تدل على عدم اعتبار اجتناب الصغائر في نفس العدالة، والظاهر من هذا المفهوم الاستقامة في الدين بلا فرق بين الاستقامة في الاجتناب عن الكبائر او الصغائر، بل اطلاق صدر الصحيحة «كف البطن والفرج واليد واللسان» يدل على عدم الفرق ايضا. نعم، لو احرز بما مر من طريق الاحراز ان الشخص يجتنب الكبائر لايعتبر التدقيق واحراز انه هل يجتنب الصغائر اولا، لدلالة الرواية على ان اجتناب الكبائر طريق الى العدالة.

ثم انه لو شككنا في ذنب انه هل يكون كبيرة حتى يعتبر احراز ان الشخص يجتنب عنه او صغيرة حتىلايجب الفحص، فالظاهر عدم لزوم الفحص اذا صدق على الشخص ان ظاهره مأمون ولو سئل عن قبيلته أو أهل

محلته لقالوا فيه خيرا، فان الطريق غير منحصر باجتناب الكبائر، بل ظاهر الرواية كفاية هذا المقدار. نعم، لو شككنا في هذا ايضا فلا يجوز ترتيب اثار العدالة، للشك فيها مع عدم قيام طريق اليها، فاذا البحث عن تعداد الكبائر قليل الجدوى كما لايخفى، مع عدم دلالة الروايات الواردة في ذلك على الحصر وما يستفاد من مجموعها ان الكبيرة ما اهتم بها المولى وعظمها، وطريق اثبات ذلك بامور مذكورة في المفصلات، فراجع.

قوله «قده»: والعقل وطهارة المولد والبلوغ على الاظهر.

٨١

اقول: يكفي في اثبات الاولين صحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللهعليه‌السلام قال: خمسة لايؤمنون الناس على كل حال، وعد منهم المجنون وولد الزنا(١) . وفي الثالث خبر اسحاق(٢) وغيره. وهنا جهات من البحث ينبغي التكلم فيها:

١ - مقتضى القاعدة صحة الصلاة ومشروعية الجامعة في مفروض المسألة وان قلنا بان الاصل في الجماعة عدم المشروعية، فان ادلة الجماعة وان لم يكن لها اطلاق من حيث القيود المعتبرة فيها، الا ان اطلاقها من حيث الموضوع وهو المكلف لا كلام فيه، فدليل الجماعة مثبت لاستحباب الجماعة لكل مكلف باصل الصلاة. وبعبارة اخرى معنى صحيحة زرارة والفضيل(٣) الدالة على استحباب الجماعة في كل فريضة ان كل من هو مكلف بالفريضة يستحب ان يأتي بها جماعة، ولا ربط لذلك بان الدليل من جهة القيود المعتبرة في الجماعة مطلقة او مهملة، وهذا لعله ظاهر.

فحينئذ نقول: اطلاقات الادلة الاولية لصلاة الفريضة شاملة لكل من

____________________

(١) و(٢) الوسائل: ج٥ باب١٤ من ابواب صلاة الجماعة حديث١و٧.

(٣) الوسائل: ج٥ باب ١ من ابواب صلاة الجماعة حديث٢.

٨٢

المجنون وولد الزنا والصبي، ولا دليل على اختصاصها بغيرهم، ولذا بنينا على مشروعية عبادات الصبي، وقلنا بان الدليل على المشروعية هو نفس الاطلاقات الاولية، وحديث الرفع(١) لايرفع اصل البعث لمخالفته للامتنان اولا، ولوجود القرائن الداخلية والخارجية على ان المراد من الرفع رفع قلم السيئات والالزامات لاغير ثانيا، وتوهم ان هذا مناف لبساطة معنى الامر مدفوع بان البساطة صحيح الا ان هذا المعنى البسيط وهو البعث مشترك بين موارد الوجوب والاستحباب، وانما نستكشف الوجوب والاستحباب من المرحلة المتأخرة عن هذا الجعل، فلو اذن المولى في الترك نستكشف الاستحباب والا فالعقل يحكم بلزوم الامتثال من جهة تمامية الحجة، وحديث الرفع وهو الاذن في ترك الامتثال بلسان رفع القلم أي رفع قلم السيئات ورفع الالزامات ورفع المؤاخذة، عباراتنا شتى... الخ، فتدبر جيدا.

والحاصل: ان اطلاقات ادلة الفرائض شاملة للمجنون والصبي وولد الزنا، وبما ان ادلة الجماعة دالة على مشروعيتها لكل من هو مكلف بتكليف الفرائض، فيثبت استحباب الجماعة لهؤلاء ايضا بلا فرق بين كونهم اماما او مأموما، فيثبت جواز امامة هؤلاء من نفس ادلة مشروعية الجماعة، بملاحظة شمول الاطلاقات الاولية للفرائض لهم، هذا هو مع انه قد مر ان الاصل في موارد الشك في صحة الجماعة الصحة، ومن الغريب ان المحقق الهمداني - مع انه بنى سابقا على ان الاصل في الجماعة البراءة - افاد في المقام ان الاصل عدم المشروعية، وفيه: ان المقام اولى بأصالة المشرعية من غيره كما بينا وجهه.

٢ - لابد من احراز المأموم وجود هذه الشرائط في الامام علما او بأمارة شرعية او عقلائية، نعم لا يبعد دعوى بناء العقلاء على ترتيب اثار العقل

____________________

(١) الوسائل: ج١ باب ٤ من ابواب مقدمة العبادات، حديث١١.

٨٣

وطهارة المولد مالم يعلم الخلاف، وهذا البناء لم يحرز في مورد الشك في البلوغ.

٣ - هنا روايات تدلنا على جواز امامة الصبي(١) وتعارض ما مر من الاخبار الدالة على عدم الجواز، ولكنها مخالفة لفتوى المشهور، مضافا الى انها لا تخلو عن ضعف السند غير المنجبر بشيء وضعف الدلالة، مع انه لو بنينا على المعارضة وعدم العلاج فيكفينا الاصل المتقدم.

قوله «قده»: ان لا يكون قاعدا بقيام.

أقول: وجهه مضافا الى انه المشهور بل ادعي عليه الاجماع، مرسلة الصدوق قال: قال ابو جعفرعليه‌السلام : ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلى بأصحابه جالسا فلما فرغ قال: لايؤمّن احدكم بعدي جالسا(٢) : والسند منجبر بعمل المشهور، مضافا الى ما قيل من صحة مرسلات الصدوق اذا اسند الرواية الى الامامعليه‌السلام بمثل «قال».

وهل يمكن التعدي عن الراوية الى المنع عن امامة المضطجع بالقاعد، او امامة المضطجع على الجنب الأيسر بالمضطجع الأيمن؟ لايبعد ذلك من جهة الفهم العرفي عن الرواية، لا تنقيح المناط كما قيل، فانه قياس محض وان حصل منه القطع، هذا والحكم مخالف للقاعدة، فانه لا دليل على ازيد من اعتبار صحة صلاة الامام واتيان المأموم بوظيفته وحصول الاقتداء، والشك في اعتبار ازيد من ذلك مدفوع بالأصل المحرر سابقا في باب الجماعة، ودليل المتابعة لايدل على لزوم متابعة المأموم فيما ليس وظيفته الاتيان به كمن اقتدى في صلاة الصبح بظهر الامام مثلا، فلا يتوهم دلالة دليل لزوم المتابعة على لزوم متابعة الامام في الركعتين الأخيرتين ايضا، ومن هذا القبيل توهم ان دليل

____________________

(١) و(٢) الوسائل: ج٥ باب ٢٥ من ابواب صلاة الجماعة حديث ٣ و٨و١٨.

٨٤

المتابعة يقتضي تبعية المأموم لجلوس الامام وحيث لايجوز له الجلوس فلا يجوز له الاقتداء.

وبعبارة اخرى: ان هنا قياس استثنائي وهو انه لو كان الاقتداء صحيحا لوجبت المتابعة وحيث لاتجب فلا يصح الاقتداء.

وهذا التوهم مدفوع (اولا) بما ذكرنا من ان وجوب المتابعة انما هو في ما تكون وظيفة المأموم الاتيان به. (وثانيا) ان الملازمة بين صحة الاقتداء ووجوب المتابعة كليا ممنوعة، فان المفروض عدم وجوب المتابعة في المقام، والامر دائر بين ان يكون تخصيصا في عموم وجوب المتابعة فيصح الاقتداء ولا تجب المتابعة، وان يكون خارجا عنه تخصصا بحيث لايصح الاقتداء به فلا تجب المتابعة، واصالة العموم لاتثبت حال الفرد الخارج قطعا وان خروجه تخصص لا تخصيص كما بين في محله، وقد اطال المحقق الهمداني -قدس‌سره - في اثبات ان الاصل في المقام عدم مشروعية الاقتداء، ومحصله ان ادلة لزوم المتابعة دالة على ذلك بالالتزام، وقد ظهر ضعفه.

قوله «قده»: وان لايكون اميا بمن ليس كذلك.

اقول: المراد بالامي: من لايحسن القراءة، ولا دليل في خصوص المقام، فلابد من ملاحظة ما هو مقتضى القاعدة، فقد مر ان القاعدة تقتضي جواز امامة المعذور بغير المعذور، ولكن قد يمنع عن ذلك في مفروض المسألة بأن الامام ضامن لقراءة المأموم، فلابد من ان يأتي بها على حسب وظيفة المأموم حتى تسقط عن ذمته، وهذا انما يصح في ما اذا لم يأت المأموم بوظيفته مباشرة كما اذا لم يقرأ، او كانت الصلاة جهرية مع سماع صوت الامام، او قلنا بأن السقوط حتى في الاخفاتية عزيمة لا رخصة، والا فتسقط ذمته بالاتيان بالقراءة مباشرة، وما افاده المحقق الهمداني -قدس‌سره - من انه لابد من كون قراءة

الامام بنحو تكون مسقطا لذمة المأموم ولو قلنا بان سقوط القراءة عن المأموم رخصة لاعزيمة لا دليل عليه بل يشبه المصادرة كما لايخفى، مع انه لو سلم وجود عموم كذلك أي كلما كانت الجماعة صحيحة لكانت قراءة الامام مسقطة، الا انه قابل للتخصيص في المورد، ومجرد وجود هذا الدليل والعلم بعدم المسقطية لايوجب الحكم ببطلان الجماعة لاحتمال التخصيص، واصالة العموم لاتجري في مثل المقام الذي يدور الامر فيه بين التخصيص والتخصص كما مر، وانما تجري فيما اذا كان المكلف شاكا في ارادة المولى، لافيما اذا تردد بين كون المراد المعلوم من جهة التخصيص او التخصص، فالصحيح صحة الجماعة في موارد جواز القراءة على المأموم ولزوم اتيان المأموم بالقراءة الصحيحة بنفسه، واما في مالا يجوز له القراءة فلا يصح الاقتداء، فان المفروض

٨٥

عدم جواز الاعتماد على قراءة الامام، وعدم جواز قراءته بنفسه، فلا يمكن الاتيان بالجماعة الصحيحة.

قوله «قده»: ويشترط في الامام الذكورة اذا كان المأموم ذكرانا او ذكرانا واناثا، ويجوز ان تؤم المرأة للنساء.

اقول: يكفي في اثبات الاشتراط النبوي «لا تؤم امرأة رجلا»(١) المنجبر بعمل المشهور، مع انه لاخلاف في المسألة كما ادعي، بل ادعي عليه الجامع، ويدل عليه ايضا الروايات(٢) الدالة على جواز امامة المرأة للنساء وفيها الصحاح، فان الظاهر منها ان عدم جواز امامتها للرجال مفروغ عنه.

واما وجه جواز امامتها للنساء، فمضافا الى نقل الشهرة والاجماع، عدة

____________________

(١) سنن البيهقي: ج٣ ص٩٠.

(٢) الوسائل: ج٥ باب ٢٠ من ابواب صلاة الجماعة.

٨٦

روايات منها موثقة سماعة قال: سألت ابا عبد اللهعليه‌السلام عن المرأة تؤم النساء؟ فقال: لا بأس(١) وغيرها من الاخبار وفيها الصحاح أيضا، وبازاء ذلك عدة من الروايات تدل على التفصيل بين الفريضة والنافلة، كصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام عن المرأة هل تؤم النساء؟ قال: تؤمهن في النافلة واما في المكتوبة فلا - الخبر(٢) . وغيرها(٣) .

وحمل صاحب الوسائل الطائفة الثانية على الكراهة جمعا، وفيه: ان الظاهر من جملة «واما المكتوبة فلا» بطلان الجماعة، وحمل الوضع على الكراهة لا معنى له. وحمل صاحب الحدائق -قدس‌سره - النافلة والمكتوبة على كونهما صفة للجماعة لا للصلاة، وهذا كما ترى.

والمحقق الهمداني -قدس‌سره - بعد ان رد علم الجملة الاولى منها وهي «تؤمهن في النافلة» الى اهله، حمل الجملة الثانية على الكراهة، وقد عرفت مافيه.

والصحيح ان يقال: (اولا) لو فرضنا المعارضة واليأس عن العلاج، فتصل النوبة الى التخيير او الرجوع الى القاعدة، فالقول بالجواز الموافق للمشهور عدل للتخيير وموافق للقاعدة كما مر. (وثانيا) الشهرة في طرف اخبار الجواز مرجحة لها. (وثالثا) ان علائم التقية في الروايات المفصلة ظاهرة. (ورابعا) اخبار الجواز مخالف للعامة فترجح.

(وخامسا) في روايات الجواز رواية تدل على الجواز في المكتوبة صريحا وهي رواية الحسن بن زياد الصيقل وفيها: ففي صلاة المكتوبة أيؤم بعضهن بعضا؟ قال: نعم(٤) .

____________________

(١) الوسائل: ج٥ باب ٢٠ من ابواب صلاة الجماعة حديث١١.

(٢) الوسائل: ج٥ باب ٢٠ من ابواب صلاة الجماعة حديث١.

(٣) الوسائل: ج٥ باب ٢٠ من ابواب صلاة الجماعة.

(٤) الوسائل: ج٥ باب ٢٠ من ابواب صلاة الجماعة حديث٢.

٨٧

فابتلت روايات المنع بالمعارض في خصوص المكتوبة، وبعد التعارض المرجع عموم روايات الجواز، فان مخصصها مبتلى بالمعارض ولا يصلح للتخصيص حينئذ.

نعم لو قيل بان تخصيص روايات الجواز بالنافلة تخصيص بالفرد النادر كما افاده المحقق الهمداني -قدس‌سره - وغيره فيعامل مع جميع الروايات معاملة المعارضة بين المتباينات فلا يتم الجمع الاخير، وكيف كان ففي سائر الوجوه كفاية مع ان المسألة غير خلافية كما مر.

قوله «قده»: وكذا الخنثى ولا تؤم رجلا ولا خنثى.

اقول: وجه جواز امامتها للنساء ظاهر، واما وجه عدم جواز امامتها للرجال والخناثى فلعدم جواز التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية للمخصص، فان ادلة الجماعة مجوزة للامامة في جيمع الموارد، وقد خرجنا عنها بما دل على عدم جواز امامة المرأة لغيرها، والمقام شبهة مصداقية للمخصص، ولكن هذا لو قلنا بأن الاصل الاولي يقتضي عدم مشروعية الجماعة، والا فكون المورد من الشبهة المصداقية لايوجب بطلان الجماعة، فان الاصل الجاري فيها يقتضي الصحة، وهذا كاف بعد عدم جواز التمسك بالدليل الاجتهادي، نعم لو قلنا بان الاصل في الشبهات الموضوعية الاشتغال يتم ماقيل، ولكن المبنى فاسد كما قرر في الاصول.

قوله «قده»: ولو كان الامام يلحن في قراءته لم يجزىء امامته بمتقن على الاظهر.

اقول: قد تقدمت المسألة في امامة الامي لغيره، ولا خصوصية لتلك المسألة الا ان الامي يلحن في قراءته فلا وجه لاعادتها.

قوله «قده»: اذا ثبت ان الامام فاسق او كافر او على غير طهارة بعد الصلاة لم تبطل صلاة المؤتم.

اقول: تقدم الكلام في ما اذا ثبت ان الامام فاسق او كافر، واما لو تبين انه على غير طهارة بعد الصلاة، فمضافا الى ان عدم بطلان صلاة المأموم هو المشهور، بل ادعي عليه الاجماع، انه موافق للقاعدة ايضا اذا لم يأت بما يكون مبطلا لصلاته حتى بنحو الانفراد، مثل زيادة الركن او الشكوك المبطلة للصلاة، فان مجرد الائتمام بل ترك القراءة، لايكون مضرا بصحة الصلاة لقاعدة «لاتعاد»، نعم اذا اتى بركن زائد متابعة او رجع الى الامام في شكه مع انه خلاف وظيفة المنفرد لايمكن تصحيح الصلاة بهذه القاعدة، بل نحتاج الى دليل مثبت لصحة جماعته في مفروض المقام، ويترتب عليها اثار الجماعة الصحيحة وان كان الامام فاقدا للشرط. ومما يمكن ان يستدل به

٨٨

لاثبات ذلك عدة روايات وفيها الصحاح، ومنها صحيحة زرارة عن ابي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن قوم صلى بهم امامهم وهو غير طاهر، اتجوز صلاتهم ام يعيدوها؟ فقال: لا اعادة عليهم تمت صلاتهم وعليه الاعادة - الخبر.(١) فان ترك استفصال الامامعليه‌السلام يدل على عدم الفرق بين صورة الاخلال بوظيفة المنفرد وصورة عدم الاخلال بها، نعم هنا بعض الاخبار تدل على البطلان مطلقا، ولكنها لا تخلو عن ضعف في السند او في الدلالة، فلاحظ.

ثم انه لو ثبت ان الامام كان فاقدا للشرط غير ما تقدم من العدالة والطهور فقد ظهر ان صحة الصلاة فيما اذا لم يخل المأموم بوظيفة المنفرد من زيادة ركن ونحوها على القاعدة، واما اذا اخل بذلك فحيث ان بطلان الجماعة بل اصل

____________________

(١) الوسائل: ج٥ باب ٣٦ من ابواب صلاة الجماعة حديث٥.

٨٩

الصلاة موافق للقاعدة، واثبات الصحة يحتاج الى دليل مفقود في غير مورد الشرطين المذكورين، نلتزم ببطلان الصلاة، والغاء الخصوصية عن الشرطين ليس بمعلوم، بل تعدي الحكم عنهما الى غيرهما من اسراء الحكم من موضوع الى موضوع اخر وهو القياس، استفادة التعميم من جملة «فانه ليس على الامام ضمان» في صحيحة زرارة(١) وجملة «فانه تجزي عن القوم صلاتهم» في صحيحته الاخرى(٢) ، كما في كلام المحقق الهمداني ممنوع، فانهما لا تدلان على ازيد من صورة وجود شرائط صحة الصلاة بنحو الانفراد فلاحظ.

وقد ظهر مما مر انه لو علم بذلك في اثناء الصلاة، فمع عدم الاخلال بوظيفة المنفرد تصح الصلاة ويتمها منفردا، والا ففي مورد الاخلال بالشرطين لايبعد استفادة الصحة من الروايات المتقدمة وان كان الاحتياط في محله، وفي غيرهما لابد من استئناف الصلاة، نعم لو حدث سبب البطلان في الاثناء لايضر بصحة صلاة المأموم مطلقا، بل يمكنهم اتمام الصلاة جماعةباستنابة شخص اخر مكان الامام، على ما يستفاد من اخبار جواز الاستنابة فيما اذا عرض للامام ضرورة، بعد الغاء الخصوصية عن مواردها. نعم لايمكن الغاء الخصوصية عنها والقول بذلك فيما اذا حدث سبب البطلان باختيار الامام، لكن صحة اصل الصلاة بالنسبة الى المأموم على القواعد.

قوله «قده»: لايجوز للمأموم مفارقة الامام بغير عذر، فان نوى الانفراد جاز.

اقول: تقدم الكلام في عدم جواز المفارقة في السابق في مسألة المتابعة في

____________________

(١) الوسائل: ج٥ باب ٣٦ من ابواب صلاة الجماعة حديث٢.

(٢) الوسائل: ج٥ باب ٣٩ من ابواب صلاة الجماعة حديث١.

٩٠

الأفعال، فلا حاجة الى الاعادة، وينبغي البحث هنا عن مسألة قصد الانفراد، فقد استدل على الجواز بامور (منها) دعوى الجماع على الجواز. (ومنها) ان الاصل في المستحب جواز رفع اليد عنه. (ومنها) فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانه صلى بطائفة يوم ذات الرقاع ركعة ثم خرجت من صلاته واتمّت منفردة(١) . (ومنها) ما ورد من جواز مفارقة الامام عند اطالته في التشهد(٢) وما ورد من جواز التسليم قبل الامام(٣) .

وشيء من ذلك لايتم فان المسألة خلافية، وجواز رفع اليد عن المستحب بقاء لايثبت التلفيق، فان رفع اليد عن الصلاة او الصوم الاستحبابي في الاثناء معناه ابطاله بحيث لايترتب عليه اثر من اوله الى اخره، ورفع اليد في المقام معناه صحة الجماعة الى حين قصد الانفراد وبطلانها بعده، وهذا المعنى لا اصل يثبته، وفعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهكذا الروايات الواردة في جواز المفارقة كلها واردة في مورد العذر، مع ان جواز التسليم قبل الامام اجنبي عن المقام، فان التسليم قبل الامام جائز حتى على القول بعدم جواز قصد الانفراد، بل حتى على كون المأموم باقيا على قصد الجماعة، لان تقدم المأموم على الامام في الاقوال جائز، ولايخرج المأموم من الجماعة الا بعد تسليمه فلا ارتباط بين المسألتين.

وبالجملة: ليس الكلام في جواز قصد الانفراد تكليفا ولا وضعا بمعنى كون صلاته منفردا بمجرد قصد الانفراد وان لم يستمر في صلاته بنحو صلاة المنفرد، بل الكلام في انه هل شرع التلفيق بين الجماعة والفرادى في صلاة واحدة أو

____________________

(١) الوسائل: ج٥ باب ٢ من ابواب صلاة الخوف والمطاردة حديث١.

(٢) الوسائل: ج٥ باب ٦٤ من ابواب صلاة الجماعة حديث٢.

(٣) الوسائل: ج٥ باب ٦٤ من ابواب صلاة الجماعة حديث٣و٤و٥.

٩١

لا؟ فعلى الاول يصح اتمام الصلاة المنعقدة جماعة فرادى وبالعكس، الا ان جواز العكس خلاف مظنة الاجماع. وعلى الثاني فحيث ان المفروض الاستمرار في الصلاة فرادى فلا يمكن الحكم بصحة الجماعة في الكل، فلابد اما من القول ببطلان الجماعة او بطلان اصل الصلاة، وهما مبنيان على وقوع الاخلال بوظيفة المنفرد وعدمه، وهذا المعنى في تحرير محل البحث يشمل جميع موارد وقوع الافنراد في الاثناء حتى مع عدم قصد الانفراد، والحاصل: البحث في مشرعية التلفيق بين الجماعة والفرادى في صلاة واحدة وشيء من الادلة المتقدمة لا يثبت ذلك.

وقد يقال: ان الجماعة امر عرفي يصدق على الاجتماع حتى في ركعة واحدة. ولكن هذا المعنى وان لاينكر، الا ان مشروعية كل ما يكون اجتماعا بنظر العرف يحتاج الى دليل، لا اقل من وجود اطلاق في ادلة الجماعة، والملسم بينهم عدم اطلاق في مقام البيان فيها، فالمسألة موقوفة على ما مر من تأسيس الاصل في الجماعة، فعلى القول بالاطلاقات المقامية او اصالة البراءة في امثال هذه الشكوك تثبت الصحة، والا فالأصل الاشتغال وعدم صحة الجماعة، وحينئذ فلو اخل بوظيفة المنفرد في الاركان والشكوك تبطل الصلاة أيضا، والا فلا مانع من صحة أصل الصلاة فرادى، لما مر من ان بطلان الجامعة لايستلزم بطلان اصل الصلاة.

ان قلت: ان قصد الانفراد لو حصل في الاثناء فاستصحاب صحة الصلاة جار بلا مانع، واما لو كان من اول الأمر قاصدا للانفراد في الأثناء فمشروعية مثل هذه الصلاة مشكوكة من الأول، والأصل عدم المشروعية.

قلت: هذا موافق لما استفدنا من سيدنا الاستاذ في هذه المسألة. وفيه: ان الكلام ليس في شأن قصد الانفراد بما هو قصد كما مر، فان مجرد هذا القصد لايكون مخلا بالصحة بلا فرق بين حصوله في الاثناء او من الاول، بل الكلام

انما هو في مشروعية الصلاة ملفقة بين الجماعة والفرادى، وهذا أيضا لا فرق فيه بين حصول القصد في الأثناء او من الأول، هذا مضافا الى ان استصحاب الصحة لا أصل له، فان الصحة ليست بمجعول شرعي ولابموضوع ذي حكم كما بنينا عليه في محله، مع ان اصالة عدم المشروعية ليست الا الاصل المدعى جريانه في تمام موارد الشك في قيدية شيء لصحة الجماعة، وقد اثبتنا فيما تقدم ان الأصل يقتضي المشروعية، فالمسألة مبتنية على الأصل المؤسس في شكوك الجماعة، وعليه لا ينبغي ترك الاحتياط وان قلنا بأن الأصل الصحة.

والحمد لله رب العالمين.

٩٢

الكلام في صلاة الجمعة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد واله الطاهرين، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

أقول - مستعينا بالله -: لما وصل بحث سيدنا الاستاذ في باب الصلاة الى صلاة الجمعة شرع فيها وبين انظاره في أصل حكم صلاة الجمعة بنحو الايجاز والاختصار.

واغتنمت الفرصة وكتبت ما افاد وعلقت عليه بعض الايرادات وما خطر بالبال مع مراعاة الاختصار أيضا.

قال: ويقع الكلام فيها في جهتين: (الجهة الأولى) في وجوب عقدها وإقامتها. (والجهة الثانية) في وجوب الحضور بعد الانعقاد.

ولنقدم الكلام في الجهة الأولى، والمحتملات في ذلك ثلاثة:

١ - وجوبها تعيينا، ونتيجته عدم إجزاء الظهر عنها.

٢ - عدم مشروعيتها، ونتيجته عدم إجزائها عن الظهر.

٣ - وجوبها تخييرا بينها وبين صلاة الظهر، ونتيجته إجزاؤها عن الظهر وبالعكس.

وقد وقع الاختلاف بين العلماء في ذلك بعد اتفاقهم على وجوب صلاة الجمعة اجمالا، بل قامت عليه ضرورة الدين، ولم يخالف فيه احد من المسلمين.

اما الوجوب التعييني لصلاة الجمعة فهو مذهب الشهيد الثاني -قدس‌سره - في رسالته المؤلفة في صلاة الجمعة. وتبعه صاحب المدارك -قدس‌سره -

واما القول بعدم مشروعيتها فعليه الشهرة بين المتقدمين بل نقل اتفاقهم على ذلك والاختلاف نشأ بعد الشهيد -قدس‌سره -.

واما القول بالتخيير فنسب الى الشهيد الثاني -قدس‌سره - في قوله الاخر في باقي كتبه. وذكر صاحب الجواهر -قدس‌سره - ان الرسالة قد يظن صدورها منه في حال صغره لما فيها من الجرأة التي ليست من عادته على اساطين المذهب وكفلاء ايتام ال محمدعليهم‌السلام وحفاظ الشريعة، ولما فيها من الاضطراب والحشو الكثير، ولمخالفتها لما في باقي كتبه من الوجوب التخييري.

٩٣

اقول: الأقوال في المسألة ثلاثة: الوجوب التعييني مطلقا. الوجوب التعيين حال بسط يد الامام وعدم المشروعية حال عدمه. الوجوب التعيني حال بسط يد الامام والتخيير حال عدمه.

واما المحتملات التي افاده - دام ظله - فان اراد منها ما هو محتمل بحسب اصل الشرع لافي خصوص زمان عدم بسط يد الامام كم هو الظاهر لأنه ملتزم

بالوجوب التخييري كذلك، أي يرى ان سنخ تشريع الجمعة هو الوجوب تخييرا. وقد صرح بذلك في جواب ما سألنا عنه ويظهر ايضا في منض استدلاله على ما اختاره فانه يحمل الاخبار الدالة عنده على الوجوب على الوجوب التخييري، وليس هذا الا الالتزام بالتخيير بحسب اصل الشرع أي حتى حال حضور الامامعليه‌السلام وبسط يده، فلم يعهد بين القدماء الا القول بالوجوب التعييني. اما عدم المشروعية فمخالف لضرورة الدين وقد صرح هو به أيضا.

واما الوجوب التخييري فاسناده - دام ظله - الى الشهيد الثاني -قدس‌سره - في غير محله. فان مختاره في سائر كتبه هو الوجوب التخييري في زمان الغيبة لا بحسب اصل الشرع، فانه صرح في الروضة اثناء كلامه في ذيل عبارة الشهيد الأول -قدس‌سره - «مع امكان الاجتماع في الغيبة»: والحال انها في حال الغيبة لا تجب عندهم عينا وذلك شرط الواجب العيني خاصة. وصرح في اخر كلامه: ولو لا دعواهم الاجماع على عدم الوجوب العيني لكان القول به في غاية القوة، فلا اقل من التخييري، مع رجحان الجمعة.

وكلامه صدرا وذيلا ينادي بأنه يريد اختيار الوجوب التعييني مع حضور الامام، والوجوب التخييري في زمان الغيبة. فما اختاره - دام ظله - من القول بالوجوب التخييري بحسب اصل الشرع حتى حال حضور الامام وبسط يده فليس في كلمات القدماء منه عين ولا اثر، وان اراد منها في خصوص زمان الغيبة فالقول بالتخيير وان كان صحيحا على ما سنبين، الا انه ليس هو التخيير بحسب اصل الشرع الذي هو ملتزم به، بل ليس هو التخيير في مرحلة الجعل ايضا حتى حال عدم بسط يد الامام، بل المراد منه هو التخيير في مرحلة الامتثال حال عدم بسط يد الامام، فان مبنى هذا القول ان صلاة الجمعة ولائية، أي لاتجب عينا الا مع وجود الامام او من نصبه، ومع ذلك ثبتت المشروعية عند عدم وجود ولي الامر بدليل. ومعنى ذلك اشتراط الوجوب

التعييني بوجود ولي الأمر واطلاق المشروعية، ويتضح هذا ازيد من ذلك ان شاء الله.

هذا مضافا الى أن اسناده القول بعدم المشروعية الى المشهور ليس في محله، بل المشهور والمعروف بين القدماء هو القول بالتخيير كما يظهر من كلام الشهيد الثاني المتقدم أيضا.

٩٤

نعم يمكن ان يقال ان مراده - مد ظله - من هذه المحتملات هو الوجوب التعييني مطلقا، وعدم المشروعية حال الغيبة، والوجوب التخييري مطلقا، الا انه بعد الاغماض عن لزوم البيان حينئذ، وعدم معهودية الوجوب التخييري مطلقا، يرد عليه بأنه لا ينحصر الاقوال حينئذ بما ذكر، بل هناك قول اخر وهو المشهور بين القدماء وهو القول بالوجوب التعييني مشروطا بوجود الامام او من نصبه، والوجوب التخييري في زمان الغيبة وهو الصحيح عندنا بالمعنى المذكور، أي اشتراط الوجوب واطلاق المشروعية، ويظهر خلال الابحاث ان شاء الله ومنه التوفيق.

قال: وكيف كان فالحق في المقام هو القول الثالث وهو القول بالتخيير فلابد من التكلم في مقامين: (المقام الأول) نفي وجوبها تعيينا في قبال من زعم ذلك. (المقام الثاني) اثبات مشروعيتها في قبال القول بالحرمة. وهذا المقدار كاف في اثبات التخيير كما يظهر ان شاء الله.

اما المقام الأول: وهو نفي عينية الوجوب فيكفي فيه عدم الدليل عليه، فلابد من بطلان ادلة القائلين بالوجوب التعييني.

٩٥

وقد استدلوا على ذلك (اولا) بالاية الكريمة:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِکْرِ اللَّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ ذٰلِکُمْ خَيْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‌ ) (١) . بتقريب ان اختصاص يوم الجمعة بالذكر يدل على ان النداء انما هو لصلاةالجمعة، فحينئذ تدل الاية الكريمة على انه متى نودي لصلاة الجمعة يجب السعي اليها، فان الامر ظاهر في الوجوب ولاسيما في الايات القرانية كما في الحدائق، ولم نعرف وجها للاختصاص وهذا معنى الوجوب.

والجواب عن هذا يظهر بأدنى تأمل: (اولا) ان الاية الكرمية علق فيها وجوب السعي على تقدير تحقق النداء فلا تدل على وجوب صلاة الجمعة مطلقا بل تدل على وجوبها مشروطا بتحقق النداء ويحتاج اثبات وجوب النداء الى دليل.

اقول: الاحسن ان يقال: انه لو كان النداء دخيلا في وجوب صلاة الجمعة فالاية لا تدل على وجوب العقد، بل غاية انها تدل على وجوب صلاة الجمعة عند النداء، فيحتاج وجوب النداء الى دليل. ولا فرق في ذلك بين ان يكون المراد من النداء هو الأذان عموما او الأذان لخصوص صلاة الجمعة.

ولو كان النداء غير دخيل في ذلك فيكون ما ذكر في الاية عنوانا طريقيا كفائيا لما هو شرط للوجوب، فيحتمل ان يكون ذو الطريق ارادة من له الاقامة، أي اذا اراد من له الاقامة اقامة الصلاة فاسعوا. فتكون الاية من ادلة المنصبية، ويحتمل ان تكون ذو الطريق ارادة الاقامة مطلقا. فالاية حينئذ لا تدل على الوجوب عند عدم الارادة.

نعم قد يقال بل قيل: ان ذا الطريق دخول الوقت، ولكنه قول بلا شاهد بعد الاحتمالات السابقة.

____________________

(١) الجمعة:٩.

٩٦

وأما ما اعترض على صاحب الحدائق من انه لا نعرف وجها لاختصاص الأوامر القرانية بالدلالة على الوجوب، وجهه وحدة الامر والحاكم (المولى) فيها وتعددهما في غيرها، فان وجه حمل الأوامر على الوجوب انما يجري اذا كانت صادرة عن المولى بداعي البعث، كما هو كذلك في الاوامر الواردة في الكتاب الكريم في مقام بيان الاحكام.

واما اذا كانت صادرة للارشاد كما هو الشان في أوامر المعصومينعليهم‌السلام في بيان الأحكام الشرعية فانها صادرة عنهمعليهم‌السلام لحكاية احكام الله تعالى لا في مقام اعمال مولويتهمعليهم‌السلام بل للارشاد الى احكامه تعالى وهو المولى، فهي تابعة للمرشد اليها، نظير الاوامر الصادرة عن الفقهاء في مقام بيان الفتوى، ويسمى هذا النوع من الأوامر بـ«الأوامر الافتائية» هذا هو الوجه، وان كان فيه بحث، وقد بين هذا الوجه والدي العلامة - اعلى الله مقامه - في توجيه ما ذكره صاحب الحدائق -قدس‌سره - ونقلت عنه باسمه اداء لبعض حقوقه مع اعترافي بالعجز عنه فانه قد دأب على تربيتي وتغذيتي بالاداب الدينية والعلوم الاسلامية وصرف نفسه ونفيسه لرعايتي وتقويمي ومع ذلك هو من جملة اساتذتي ومشايخي تغمده الله برحمته ورضوانه واسكنه بحبوحة جنانه انه سميع مجيب.

قال: (ثانيا) سلمنا لكن المذكور في الاية وجوب السعي وهو المشي السريع، ولم يقل بوجوبه احد حتى القائلين بالوجوب التعييني. مضافا الى ان ترتب المشي السريع على النداء دال على ان المراد بذكر الله هو الخطبة، والا فلا وجه للسعي بمجرد النداء، مع ان الخطبة فاصلة بين الاذان والصلاة. ولا نلتزم بوجوب حضور الخطبة في صلاة الجمعة فضلا

عن السعي اليها ولم يلتزم به الخصم ايضا.

٩٧

ويدل على ان المراد من ذلك هو الخطبة ما في الاية المباركة المتأخرة:( وَ إِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَ تَرَکُوکَ قَائِماً ) (١) . فان الظاهر من ذلك هو القيام للخطبة. على ان الاية المباركة دالة على ان السعي المذكور فيها غير واجب فقد قال سبحانه: «ذلك خير لكم» وكلمة خير افعل التفضيل وهو ظاهر في ارجحية المفضل على المفضل عليه، وهذا لا يزيد على المحبوبية والاستحباب.

وبهذا ظهر انه ولو كان المراد من ذكر الله هو الصلاة ايضا لم نلتزم بأن المذكور في الاية وجوب السعي، لمكان كلمة خير. وايضا بهذا ظهر انه لايمكن التمسك لهذا القول بالاية المتأخرة عن هذه الاية، وهي قوله تعالى «واذا رأوا... الخ» بتقريب انها في مقام ذم تارك صلاة الجمعة. فان في ذيل هذه الاية ايضا كلمة خير( قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجَارَةِ ) (٢) مضافا الى ان القيام هو القيام للخطبة لا للصلاة كما مر. فتحصل انه لا تدل الاية الكريمة على وجوب صلاة الجمعة.

اقول: لو سلمنا ان الامر في كلمة «اسعوا» دال على الوجوب فمع ذلك لا تدل الاية على وجوب عقد صلاة الجمعة مطلقا، فانها في مقام الامر بالسعي الى صلاة الجمعة المنعقدة وليست في مقام ايجاب عقدها، فليست ناظرة الى شرائط الانعقاد، وبعبارة اخرى: ان الايةفي مقام بيان ما هو في طول تشريع شرائط الانعقاد، وبعبارة اخرى: ان الاية في مقام بيان ما هو في طول تشريع

____________________

(١ و٢) الجمعة: ١١.

٩٨

صلاة الجمعة وهو وجوب الحضور اليها بعد انعقادها فلا تدل على اصل التشريع سعة وضيقا الا بالادلة الاستلزامية، ولا اطلاق لهذا النحو من الادلة فان غايتها الدلالة على تشريع الجمعة اجمالا لا تفصيلا، فلا يمكن التمسك باطلاق الاية لا لوجوب عقد الجمعة لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، ولا لوجوب الحضور لمطلق صلاة الجمعة المنعقدة بعين تلك العلة. ومن هنا ظهر انه لا حاجة الى البحث عن دلالة «اسعوا» على الوجوب وعدمها، ولا الى البحث عن المراد من ذكر الله.

ان قلت: ان الجملة الشرطية ظاهرة في بيان الملازمة بين الطرفين، والملازمة اطلاقا وتقييدا تدور مدار طرفيها، فالملازمة المطلقة ماكان طرفاها مطلقين، فعلى ذلك ظاهر الاية الكريمة اطلاق الملازمة بين وجوب السعي وتحقق النداء، وهذا لايتم الا بتمامية الاطلاق في تحقق النداء، أي متى تحقق النداء يجب السعي. فعلم وجوب الحضور الى مطلق صلاة الجمعة المنعقدة.

قلت: ان مورد نزول الاية الكريمة، وهكذا ذيلها «وتركوك قائما» قرينتان على ان الاية ليست في مقام بيان الملازمة بين المقدم والتالي بل انها ناظرة الى اثبات التالي على تقدير وجود المقدم الذي اخذ مفروض الوجود، وكم فرق بين الامرين. وبعبارة اخرى: ان القرينتين تدلان على ان الاية في مقام بيان وجوب الحضور الى الجمعة التي اخذت مفروض الانعقاد لا الملازمة بين الوجوب والانعقاد. وليس هذا من تخصيص عموم الوارد بقرينة المورد بل انه قرينة معينة لمصب عموم الوارد، فليتدبر.

واما ما استدل به على عدم دلالة الاية الكريمة على الوجوب من قرينية مادة السعي على عدم ارادة الوجوب من الهيئة وقرينية «خير» على عدم الوجوب فانه من افعل التفضيل ففيه مالايخفى. فان «اسعوا» تدل على شدة الاهتمام بالحضور، وهذا يدل على ان الحضور مأمور به فلابد من الالتزام بوجوب الحضور

لوجود ملاك حمل الأوامر على الوجوب فيه وهو تمامية حجة المولى على العبد وعدم ثبت الاذن في ترك الامتثال، ولم يثبت كون الخير في الآية من افعل التفضيل بل لعله نظير الأولوية في اية اولوا الأرحام تعييني.

وفي مجمع البحرين: انه قد يكون اسم فاعل لايراد به التفضيل نحو «الصلاة خير من النوم» وما قال من عدم وجوب الحضور الى الخطبة غير مسلم، والبحث عنه موكول الى محله.

٩٩

قال: واغرب من ذلك التمسك باية اخرى وهي قوله سبحانه( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى ) (١) . بتقريب ان المراد من صلاة الوسطى هو الظهر في غير يوم الجمعة، وصلاة الجمعة في هذا اليوم. وقد فسرت الاية بذلك. الا انه لم يعلم تفسير المذكور الا بما رواه الطبرسي -قدس‌سره - في تفسيره(٢) . وهي رواية مرسلة دالة على ذلك، ولكنها من جهة ارسالها، لايعتدبها. مع انه لو سلمنا ذلك وقلنا بان المراد من الصلاة الوسطى ما يشمل صلاة الجمعة أيضا فحينئذ تدل الاية على وجوب المحافظة على صلاة الجمعة الا انها اجنبية عن بيان شرائط وجوبها.

اقول: وبعبارة اخرى: ان الاية الكريمة كالاية السابقة ناظرة الى بيان ما في طول التشريع وفي المرتبة المتاخرة عنه وهي المحافظة على صلاة الجمعة التي اخذت مفروض الوجوب، فلا يكون ناظرا الى التشريع نفسه.

نعم يعلم من ذلك التشريع بالاستلزام، الا ان غايته الكشف عن ذلك اجمالا لا تفصيلا، ولذا نقول: انه لا اطلاق لهذا النحو من الدلالة التي نسميه بالدلالة الاستلزامية. فلا تدل الاية الكريمة على سعة وجوب صلاة الجمعة

____________________

(١) البقرة: ٢٣٨.

(٢) مجمع البيان: ج٢، ص٣٤٣.

١٠٠