الاسلام يتحدى

الاسلام يتحدى0%

الاسلام يتحدى مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 190

الاسلام يتحدى

مؤلف: وحيد الدين خان
تصنيف:

الصفحات: 190
المشاهدات: 59262
تحميل: 6972

توضيحات:

الاسلام يتحدى
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 190 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59262 / تحميل: 6972
الحجم الحجم الحجم
الاسلام يتحدى

الاسلام يتحدى

مؤلف:
العربية

وما عانى النبي كل هذا الا لأجل دعوته، لقد كان من الممكن أن يعيش حياة أخرى، تختلف كل الاختلاف عن الحياة البائسة التي عاشها في سبيل رسالته، ولقد عرضت عليه، حين كان بمكة، عروض مغرية تكفل له العيش الرخي، والمجد السني، فأوفد اليه رؤساء قريش «عتبة بن ربيعة»، الذي جاء ليقول له:

«يا ابن أخي، انك منا، حيث قد علمت من السطة في العشيرة، والمكان في النسب، وانك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم؛ فاسمع مني، أعرض عليك أمورا، تنظر فيها، لعلك تقبل منها بعضها. فقال له: قل يا ابا الوليد أسمع، قال: يا ابن أخي: ان كنت انما تريد، بما جئت به من هذا الامر، مالا، جمعنا لك من أموالنا، حتى تكون أكثرنا مالا؛ وان كنت تريد به شرفا، سودناك علينا، حتى لانقطع أمر دونك، وان كنت تريد به ملكا، ملكناك علينا: وان كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لاتستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فانه ربما غلب التابع على الرجل حتىيداوى منه». حتى اذا فرغ عتبة، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستمع منه قال: أقد فرغت يا ابا الوليد؟، قال نعم، قال:

«فاستمع مني، فقال: أفعل. فقرأ عليه الآيات الاولى من سورة (فصلت)، فلما وصل الى قوله تعالى: (مثل صاعقة عاد وثمود)أمسك عتبة على فيه، وانشده الرحم ان يكف(١) ».

***

وفي المدينة المنورة، كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رئيسا لدولة المسلمين، وكان يتمتع بمساعدين مثاليين، يبذلون حياتهم لأجله، ولم يعرف لهم نظراء على مدى التاريخ، ولكن الوقائع التاريخية اثبتت أنه - حتى في أخر أيام حياته، حين أظلت رايته الجزيرة العربية كلها - بقي رجلا عاديا، غير ملتفت الى شهوات الدنيا ومغرياتها، حتى لحق بالرفيق الأعلى.

وقد روى سيدنا عمر بن الخطاب أنه دخل حجرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فاذا هو مضطجع على رمال حصير، ليس بينه وبينه فراش، قد أثر الرمل بجنبه، متكئا على وسادة حشوها ليف. قلت: يا رسول الله أدع الله، فليوسع على أمتك، فان فارس والروم قد وسع عليهم، وهم لايعبدون الله. فقال: أو في هذا أنت، يا ابن الخطاب؟ أولئك عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، وفي رواية؛ أما ترضى عن أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة(٢) ».

___________________

(١) سيرة ابن هشام١/ ٣١٣ - ٣١٤.

(٢) متفق عليه.

١٢١

ومما تحكى السيدة عائشة «انه كان يمر الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين، وما توقد في أبيات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نار؛ فسألها عروة بن الزبير: فما كانت معيشتكم، ياخالة؟ قالت: الأسودان: التمر والماء. وقالت: وكان لنا جيران من الأنصار لهم ربائب يسقوننا من لبنها، جزاهم الله خيرا.». وقد جاء في حديث آخر: أنها ذكرت «أن آل محمد لم يشبعوا ثلاثة أيام متوالية من طعام بر، حتى مضى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لسبيله(١) ».

***

لقد عاش النبي هذه الحياة القاسية، رغم كونه قادرا، كل القدرة، على أن يعيش حياة النعيم والترف. وعندما انتقل الىرحمه‌الله لم يورث أهله شيئا، لادراهم ولا دنانير، ولاغنما ولا ابلا، تى انه لم يكتب أية وصية. بل ان النبي العظيم، الذي كان على معرفة تامة بأن حدود دولته الاسلامية سوف تمتد عابرة افريقية وآسيا، حتى تصل الى قلب أوروبا - قال: «نحن معاشر الأنبياء، لانورث؛ ماتركنا صدقة».

***

ان هذه الوقائع التي اوردناها، من الايثار، والاخلاص، وسمو الأخلاق، ليست حوادث استثنائية في حياة الرسول، وانما هي حياته بأكملها، بل هي بالأحرى، صورة مصغرة وموجزة عن الوقائع التي كانت تحدث في حياته المثالية، لقد ارتفع بالانسانية الى اسمى قمة تحلم بها، حتى انه لو لم يوجد، لاضطر المؤرخون الى القول: بأنه لم يوجد انسان من هذا الطراز، ولن يوجد في التاريخ.

***

فليس غريبا، مطلقا، أن يقال: انه كان نبي الله، ولكن الغريب أن ينكره أحد منا عنادا وغرورا.

ونحن عندما نسلم بدعواه يمكننا أن نفسر حياته المعجزة.

أما اذا أنكرنا نبوته، فسنفقد أي أساس لتفسير منبع أوصافه العجيبة، التي لم نجد لها مثيلا في التاريخ. وقد اعترف البروفيسور «بوسورث سميث» بهذه الحقائق، حتى انه ليدعو البشرية كلها الى الايمان برسالة النبي:

«لقد ادعى محمد لنفسه في آخر حياته نفس ما ادعاه في بداية رسالته. واني لأجدني مدفوعا.

___________________

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد١/٤٠٠ ومابعدها.

١٢٢

الى الاعتقاد بأن كلا من الفلسفة العليا والمسيحية الصادقة سوف تضطران، يوما ما، الى التسليم بأنه كان نبيا. نبيا صادقا من عند الله(١) .

***

أما الناحية الأخرى في قضية اثبات الرسالة المحمدية، فهي ذلك الكتاب الذي جاء به صاحب الرسالة، مدعيا أنه منزل من عند الله تعالى.

وهذا الكتاب يفيض بخصائص ومزايا تدل صراحة على أنه كلام غير انساني، وأنه من عند الله. ولما كان البحث في هذه الناحية ذا طبيعة خطيرة - نظرا لأهميته - فقد قدرنا أن ندرسه في باب مستقل.

___________________

(١) Mohammad & Mohammanism, p. ٣٤٤

١٢٣

الباب السابع : القرآن صوت الله

عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «ما من الأنبياء نبي الا اعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وانما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله الى، فارجوا اني أكثرهم تابعا يوم القيامة(١) ».

ان هذا الحديث النبوي يعين جوانب بحثنا الصحيحة، فهو يقول: ان أهم وسائلنا لمعرفة النبي هو الكتاب الذي جاء به، مدعيا أنه من عند الله، والقرآن هو، رسالة الرسول بين ظهرانينا، كما أنه يبرهن على صدقه.

فما الخصائص التي تبرهن على أن القرآن من عند الله؟.

انها متعددة الجوانب كثيرة، نستطيع أن نلخصها في الفصول التالية:

أولا - اعجاز القرآن

أول خاصة يتنبه اليها الباحث في العلوم القرآنية هي ذلك التحدي الصريح الذي وجهه القرآن الى الناس كافة، منذ أربعة عشر قرنا، وبخاصة أولئك الذين ينكرون رسالة القرآن، ولم يستطع أحد من عباقرة البشر أن يرد التحدي الى الآن. لقد أعلن القرآن، بصوت عال، لاابهام فيه ولا غموض:

( وَ إِنْ کُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَدَاءَکُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (٢) .

انه أغرب تحد في التاريخ، وأكثره اثارة للدهشة، فلم يجرؤ أحد من الكتاب في التاريخ الانساني - وهو بكامل عقله ووعيه - أن يقدم تحديا مماثلا، فان مؤلفا مالا يمكن أن يضع

___________________

(١) صحيح البخاري: الاعتصام.

(٢) سورة البقرة: ٢٣.

١٢٤

كتابا، يستحيل على الآخرين أن يكتبوا مثله، أو خيرا منه. فمن الممكن اصدار مثيل من أي عمل انسان في أي مجال، ولكن حين يدعى أن هناك كلاما ليس في امكان البشر الاتيان بمثله، ثم تخفق البشرى على مدى التاريخ في مواجهة هذا التحدي، حينئذ يثبت تلقائيا أنه كلام غير انساني، وانها كلمات صدرت عن صميم المنبع الالهي Divineorigin ، وكل مايخرج من المنبع الالهي لايمكن مواجهة تحدياته.

***

وفي صفحات التاريخ بعض الوقائع، غر أصحابها الغرور، فانطلقوا يواجهون هذا التحدي.

وأولى هذه الوقائع ما حدث من الشاعر العربي لبيد بن ربيعة، الشهير ببلاغة منطقه، وفصاحة لسانه، ورصانة شعره. فعندما سمع أن محمد يتحدى الناس بكلامه قال بعض الابيات ردا على ماسمع، وعلقها على باب الكعبة، وكان التعليق على باب الكعبة امتيازا لم تدركه الا فئة قليلة من كبار شعراء العرب، وحين رأى أحد المسلمين هذا أخذته العزة، فكتب بعض آيات الكتاب الكريم، وعلقها الى جوار أبيات لبيد، ومر لبيد بباب الكعبة في اليوم التالي، ولم يكن قد أسلم بعد، فأذهلته الآيات القرآنية، حتى انه صرخ من فوره قائلا: (والله ما هذا بقول بشر، وأنا من المسلمين)(١) .

___________________

(١) هذا الخبر عن لبيد أورده المؤرخ ج. ساروار في كتابه Mohammad The Holy Prophet ص٤٨٨ - كراتشي، وهو على هذا النحو غير مسلم، لأن لبيدا لم يسلم الا في السنة التاسعة للهجرة، حين وفد على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضمن وفد كلاب (أنظر: الطبقات الكبرى ٦/٣٣، وأيضا ١/٣٠٠، - ط بيروت، والشعر والشعراء لابن قتيبة ١/٢٧٥ - تحقيق الشيخ أحمد شاكر). وانما كان الذي حدث قريبا من هذا الذي ذكره المؤلف مع استبعاد رواية اسلامه، فقد ذكر الحافظ أبو نعيم في الحلية١/١٠٣ أن عثمان بن مظعون رضى الله عنه كان في أول الاسلام يعيش في جوار الوليد بن المغيرة، فلما رأى ما يحدث لاخوانه من أذى المشركين عز عليه أن يعذبوا دونه، فرد جوار الوليد، ثم مضى الى الكعبة فوجد لبيد بن ربيعة في المجلس من قريش ينشدهم، فجلس معهم عثمان، فقال لبيد وهو ينشدهم:

(ألا كل شيء ما خلا الله باطل).

فقال عثمان: صدقت. فقال:

(وكل نعيم لامحالة زائل)

فقال عثمان: كذبت، نعيم أهل الجنة لايزول، فقال لبيد: يا معشر قريش والله ما كان يؤذى جليسكم، فمتى حدث فيكم هذا؟ الى آخر الخبر، ومفهوم هذا أن لبيدا قد بقي على جاهليته حتى أسلم سنة تسع، ويذكر ابن قتيبة أنه لم يقل في اسلامه غير بيت واحد هو:

الحمد لله اذ لم يأتني أجل

حتى كساني من الاسلام سربالا

وقيل هو قوله:

ماعاتب المرء الكريم كنفسه

والمرء يصلحه الجليس الصالح (المراجع)

١٢٥

وكان من نتيجة تأثر هذا الشاعر العربي العملاق ببلاغة القرآن أنه هجر الشعر، وقد قال له عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يوما: يا ابا عقيل: أنشدني شيئا من شعرك، فقرأ سورة البقرة، وقال:. ماكنت لأقول شعرا بعد اذ علمني الله سورة البقرة وآل عمران(١) .

وأما الحادث الثاني فهو أغرب من الأول، وهو عن ابن المقفع، أورده المستشرق (ولاستن) في كتابه، وعلق عليه قائلا:

« ان اعتداد محمد بالاعجاز الأدبي للقرآن لم يكن على غير أساس، بل يؤيده حادث وقع بعد قرن من قيام دعوة الاسلام(٢) ».

والحادث كما جاء عن لسان المستشرق، هو أن جماعة من الملاحدة والزنادقة أزعجهم تأثير القرآن الكريم في عامة الناس، فقرروا مواجهة تحدي القرآن، واتصلوا لاتمام، خطتهم بعبد الله بن المقفع(٧٢٧م)، وكان أديبا كبيرا، وكاتبا ذكيا. يعتد بكفاءته فقبل الدعوة للقيام بهذه المهمة. وأخبرهم ان هذا العمل سوف يستغرق سنة كاملة، واشترط عليهم أن يتكفلوا بكل ما يحتاج اليه خلال هذه المدة.

ولما مضى على الاتفاق نصف عام، عادوا اليه، وبهم تطلع الى معرفة ما حققه أديبهم لمواجهة تحدي رسول الاسلام؛ وحين دخلوا غرفة الأديب الفارسي الأصل، وجدوه جالسا والقلم في يده، وهو مستغرق في تفكير عميق، وأوراق الكتابة متناثرة أمامه على الأرض، بينما امتلأت غرفته بأوراق كثيرة، كتبها ثم مزقها.

لقد حاول هذا الكاتب العبقري أن يبذل كل مجهود، عساه أن يبلغ هدفه، وهو الرد على تحدي القرآن المجيد. ولكنه أصيب باخفاق شديد في محاولته هذه، حتى اعترف أمام أصحابه، والخجل والضيق يملكان عليه نفسه، أنه، على الرغم من مضي ستة أشهر، حاول خلالها أن يجيب على التحدي، فانه لم يفلح في أن يأتي بآية واحدة من طراز القرآن! وعنئذ تخلى ابن المقفع عن مهمته، مغلوبامستخزيا.(٣) .

***

___________________

(١) أنظر في هذا الخبر: الشعر والشعراء لابن قتيبة السابق.

(٢) Mohammad : His life & Doctrine, p. ١٤٣.

(٣) وردت في التاريخ أمثلة أخرى حاول أصحابها مواجهة هذا التحدي، غير أنهم أخفقوا اخفاقا ذريعا، ومن هؤلاء: مسيلمة بن حبيب الكذاب، وطليحة بن خويلد الأسدي، والنضر بن الحارث، وأبو الحسين أحمد بن يحيى المعروف بابن الرواندي، وأبو الطيب المتنبي، وأبو العلاء المعري، صاحب كتاب «الفصول والغايات في مجاراة السور والآيات»، أنظر للتفصيل كتاب الرافعي: اعجاز القرآن - المترجم.

١٢٦

وهكذا لايزال تحدي القرآن الكريم قائما ومستمرا على مر القرون والأجيال، وهي خاصة عظيمة ورائعة في صالح القرآن، تثبت، دون مرية، انه كلام من هو فوق الطبيعة. وأن انسان يتمتع بكفاءة التفكير والامعان، في حقيقة الأمر، يكفيه ذلك ليؤمن بهذا الكتاب.

ومما لاشك فيه أن العرب - وهم الذين لم يعرف لهم مثيل في التاريخ: في البلاغة والبيان، حتى أطلقوا على غيرهم اسم «العجم» لشدة اعتزازهم ببيانهم - قد اضطروا أن يركعوا أمام القرآن، معترفين بعجزهم عن الاتيان بمثله، فلزمتهم بذلك الحجة.

ومما جاء في كتب الحديث عن ابن عباس أن (ضمادا) قدم مكة. وكان من ازد شنوءة، وكان يرقى(١) من هذه الريح (الجنون ومس الجن). فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: ان محمدا مجنون. فقال: لو أني رأيت هذا الرجل، لعل الله يشفيه على يدي. قال: فلقيه؛ فقال: يا محمد! اني أرقى من هذه الريح، وان الله يشفى على يدي من شاء، فهل لك؟فقال رسول الله: «ان الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده فلا مضل له، ومن يضلل فلاهادي له، وأشهد أن لا اله الا الله وحده لاشريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. أما بعد.» قال: فقال: أعد على كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاث مرات، قال: فقال: «لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فماسمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن ناعوس البحر (قعره الأقصى(٢) .

ان هناك عددا لايحصى من الاعترافات التي ادلى بها أرباب الشعر والأدب والفكر، في شأن القرآن الكريم، سطرت في صفحات التاريخ القديم، كما أنها توجد بكثرة في تاريخ العصر الحاضر.

___________________

(١) من الرقية، وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة.

(٢) صحيح مسلم٢/٥٩٣ - حديث رقم ٨٦٨ طبعة محمد فؤاد عبد الباقي. وبقية الحديث كما في الصحيح: قال: فقال: هات يدك أبايعك على الاسلام، قال: فبايعه، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وعلى قومك»، قال: وعلى قومي. قال: فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سرية فمروا بقومه، فقال صاحب السرية للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئا؟ فقال رجل من القوم: أصبت منهم مطهرة، فقال: ردوها فان هؤلاء قوم ضماد.

وتفسير (ناعوس البحر) بأنه: قعره الأقصى - منقول عن صحيح مسلم، من اضافة شارحه، وهي كلمة غير معروفة من كلام العرب، قال ابن الأثير في (النهاية في غريب الحديث٥/٨١) عن أبي موسى: «هكذا وقع في صحيح مسلم، وفي سائر الروايات: (قاموس البحر) أي: وسطه ولجته». أقول: ولعلها لهجة ضماد. (المراجع)

١٢٧

ثانيا - نبوءات القرآن

الجانب الثاني من عظمة القرآن الكريم يتجلى في تنبؤاته المختلفة، التي ثبتت صحتها فيما بعد بطرق عجيبة. ان عددا كبيرا من اذكياء الناس. ومن العباقرة. قد جرؤوا على أن يتنبأوا عن أنفسهم أو غيرهم. ولكننا نعرف أن الزمان لم يصدق هذه النبؤات مطلقا، بل جاء يكذبها بكل قسوة، ولقد تحفز الفرص المواتية، والأحوال المساعدة. والكفاءات العالية، وكثرة الأعوان والأنصار، والنجاح الخارق في البداية الكثيرين - وهم يرون أنهم يسيرون تجاه نتائج مرضية - أن يتنبأوا بنتيجة معينة بكل يقين، ولكن الزمن يبطل هذه الدعاوي ويكذبها دائما. والزمن نفسه هو الذي اثبت صحة ماجاء في القرآن من التنبؤات في حين أنها جميعا جاءت في أحوال غير مواتية، ان هذه التنبؤات - وقد وقعت فعلا على مايحدثنا التاريخ - تجعل علومنا المادية حائرة عند تفسيرها. ومادمنا ندرسها في ضوء علومنا المادية. فلن نستطيع ادراك حقائقها، الا أن ننسبها الى مصدر غير بشري.

***

كان نابليون بونابرت من أعظم قواد الجيوش في عصره، وقد دلت لفتوحاته الأولى على أنه سوف يكون ندا لقيصر، والاسكندر المقدوني. وترتب على ذلك أن وجد الغرور منفذه الى راس نابليون، فأصبح يتوهم أنه هو مالك القدر. وازداد هذا الشعور لديه. حتى انه ترك مستشاريه، وادعى أنه لم يكتب في قدره غير الغلبة الكاملة على من في الأرض. ولكنا جميعا نعرف النهاية التي كتبت له في لوح القدر.

سار نابليون من باريس يوم ١٢ من يونيه، سنة ١٨١٥، مع جحفله العظيم، ليقضي على أعدائه وهم في الطريق. ولم تمض غير ستة أيام حتى ألحق «دوق ولنجتون» شر هزيمة بجيش نابليون الجبار، في «ووترلو» بأراضي بلجيكا. وكان (الدوق) يقود جنود انجلترا وألمانيا وهولندا. ولما يئس نابليون، وأيقن من مصيره المحتوم، فر هاربا من القيادة الفرنسية متوجها الى أمريكا ولم يكد يصل الى الشاطىء، حتى ألقت شرطة السواحل القبض عليه، وأرغمته على ركوب سفينة تابعة للبحرية البريطانية، وانتهى به القدر الى أن أرسل الى جزيرة غير معمورة بجنوب الأطلنطي، هي جزيرة «سانت هيلينا»، ومات القائد العسكري في هذه الجزيرة بعد سنوات طويلة من البؤس والشقاء والوحدة، في ٥ مايو ١٨٢١.

والبيان الشيوعي المعروف، الذي صدر سنة ١٨٤٨، تنبأ بأن أول البلاد التي ستقود الثورة الشيوعية هي (ألمانيا)، ولكن ألمانيا، على الرغم من مضي مائة وعشرين عاما من هذه النبوءة، لاتزال صفحات تاريخها خالية من مثل هذه الثورة.

١٢٨

ولقد كتب كارل ماركس في مايو سنة ١٨٤٩ قائلا: «ان الجمهورية الحمراء تبزغ في سماء باريس!» ورغم أنه قد مر على هذه النبوءة أكثر من قرن، فان شمس الجمهورية الحمراء البازغة لم تشرق على أهالي باريس!.

***

وقد قال أدولف هتلر في خطابه الشهير الذي ألقاه بميونيخ في ١٤ من مارس سنة١٩٣١:

«انني سائر في طريقي، واثقا تمام الثقة بأن الغلبة والنصر قد كتبا لي(١) ». والعالم بأجمعه يعرف اليوم أن الذي كتب في قدر الجنرال الألماني العظيم كان هو الهزيمة والانتحار.

***

وقد شاهدنا وقائع عديدة من هذه النبوءات المضحكة في «الهند». فقد أعلن زعيم الشيوعيين: س. ب. جوشي، في المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي الهندي، الذي انعقد في (مدوراي) بجنوب الهند، في سنة ١٩٥٤، بأن الحزب الشيوعي سوف يحكم، مستقلا بنفسه، في الانتخابات العامة القادمة، في ولايات: ترارنكو - كوتشين (كيرالا)، ومدراس، وآندهرا، والبنغال الغربية، وآسام. وقد أجريت ثلاثة انتخابات عامة (وانتخابات تكميلية أخرى) في هذه المدة الطويلة، ولم يستطع الحزب الشيوعي تأليف وزارة مستقلة في أية ولاية من ولايات الهند(٢) .

***

وسط هذه الجحافل من المتبنئين والنبوءات، لانجد غير «القرآن» الذي تحققت نبوءاته حرفا حرفا. وهذا الواقع يكفي في ذاته لاثبات أن هذا الكلام صادر من عقل وراء الطبيعة يمسك بزمام الأحوال والحوادث، وهو على معرفة بكل ما سيحدث منذ الأزل الى الأبد،

وسوف نورد هنا خبرين من التنبؤات الكثيرة التي أدلى بها الاسلام، وتحققت بكاملها. والشهادتان اللتان سنذكرهما، تتعلق احداهما بغلبة الاسلام نفسه، على حين تعلق بغلبة الروم مرة أخرى.

***

(أ) عندما بدأ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعوته وقفت الجزيرة العربية كلها ضده، وكان على النبي مواجهة ثلاث جبهات في وقت واحد:

___________________

(١) A Study of History (Abridgment) p. ٤٤٧

(٢) تمكن الحزب الشيوعي من تأليف وزارة ائتلافية في كيرالا في الانتخابات العامة لسنة ١٩٦٧، كما تمكنت «الجبهة المتحدة» في البنغال الغربية من تأليف وزارة ائتلافية في الانتخابات التكميلية التي أجريت في الولاية في ١٩٦٩، وكان الشيوعيون يتمتعون بالأغلبية في الجهة المتحدة. (المترجم)

١٢٩

أولاها: القبائل المشركة، بعد أن أصبحوا أعداء حياته.

وثانيتها: الرأسمالية اليهودية.

وثالثتها: أولئك المنافقون الذين تسربوا داخل المسلمين للقضاء على حركتهم، من داخل معاقلهم.

وكان الرسول يجاهد في سبيل رسالته السامية على كل هذه الجبهات: قوة المشركين، والرأسمالية اليهودية، والطابور الخامس. وقد وقف أمام هذا الطوفان الطاغي وقفات رائعة لامثيل لها، ولم يسانده في مواقفه غير حفنة من المهاجرين والأنصار، وجماعة أسلمت من العبيد. ومما لاشك فيه أنه قد انضم اليه بعض كبار قريش، ولكن سرعان ما انقطعوا عن أهلهم وذويهم، وعادتهم قريش كمعاداتها للنبي.

وقد سارت هذه الحركة بمكة قدما، تكافح وتناضل، حتى أصبحت الأمور غاية في السوء، واضطر النبي وأصحابه أن يهاجروا إلى جهات مختلفة، حتى اجتمع شملهم في المدينة المنورة، وهم في أشد حالات العوز والفقر، بعدما تركوا ثرواتهم في مكة - موطنهم الأصلي. ويمكن قياس بؤس هؤلاء المهاجرين بتلك الجماعة التي عاشت في المسجد النبوي، حيث لم تكن لديهم بيوت، وكانوا ينامون على «صفة» في فناء المسجد النبوي، فأطلق عليهم: «أهل الصفة». ومما روي في كتب التأريخ أن تعداد هؤلاء الصحابة الكرام، الذين عاشوا على «الصفة»، بلغ في بعض الأحيان أربعمائة صحابي.

فعن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه ، قال: رأيت سبعين من أهل الصفة يصلون في ثوب، فمنهم من يبلغ ركبتيه، ومنهم من هو أسفل من ذلك؛ فاذا ركع أحدهم قبض عليه، مخافة أن تبدو عورته.

وعنه (أبي هريرة)رضي‌الله‌عنه أنه قال: «لقد رأيتني أصرع بين منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبين حجرة عائشة رضي الله تعالى عنها، فيقول الناس: انه مجنون، وما بي جنون، ما بي الا الجوع!».

***

وفي هذه الحالة البائسة، حيث كان المسلمون في أسوأ أحوالهم؛ مكشوفين في عراء المدينة المنورة، خائفين؛ يترقبون الأعداء من كل جانب، مخافة أن يتخطفوهم في أي وقت؛ في هذه الحالة نجد القرآن يبشرهم مرة بعد أخرى:

( کَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي ) (١) .

___________________

(١) المجادلة/٢١.

١٣٠

وقال أيضا:

( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْکَافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ ) (١) .

ولم تمض على هذه البشرى أيام طويلة، حتى وجد المسلمون الجزيرة العربية كلها تحت أقدامهم؛ فقد انتصرت أقلية ضئيلة لاتملك الخيول ولا الأسلحة، على أعداء يملكون الجيوش الكبيرة، والعدة، والعتاد.

وليس بوسعنا تفسير هذه التنبؤات في ضوء المصطلحات المادية، الا أن نسلم بأن صاحب هذا الاخبار بالغيب لم يأت به من عند نفسه، وانما كان خليفة عن الله؛ فلو أنه كان انسانا عاديا لاستحال كل الأستحالة أن تصنع كلماته أقدار التاريخ. وكما قال البروفيسور (ستوبارت) «انه لايوجد مثال واحد في التاريخ الانساني بأكمله يقارب شخصية محمد.».

وهو يضيف قائلا:

«ألا. ما أقل ما امتلكه من الوسائل المادية، وما أعظم ما جاء به من البطولات النادرة، ولو أننا درسنا التاريخ من هذه الناحية، فلن نجد فيه اسما منيرا هذا النور، وواضحا هذا الوضوح، غير اسم النبي العربي(٢) ».

ان هذا الأمر هو أعظم دليل على كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرسلا من لدن الحق تبارك وتعالى. وقد اعترف السير وليام ميور، ذلك العدو اللدود للاسلام، بهذا الأمر بطريقة غير مباشرة، حين قال:

«لقد دفن محمد مؤامرات أعدائه في التراث، وكان يثق بانتصاره ليل نهار، مع حفنة من الأنصار والاعوان، رغم أنه كان مكشوفا عسكريا من كل ناحية، وبعبارة أخرى: كان يعيش في عرين الأسد، ولكنه أظهر عزيمة جبارة، لا نجد لها نظيرا غير ماذكر في الأنجيل، من أن نبيا قال لله تعالى: «لم يبق من قومي الا أنا(٣) !».

***

(ب) أما النبوءة الثانية التي وردت في القرآن، فهي الاخبار بغلبة الروم على الفرس. وقد جاء في أول سورة الروم قوله تعالى:

___________________

(١) الصف/٨و٩.

(٢) Islam & Its Founder, p. ٢٢٨.

(٣) Life of Mohammad, p. ٢٢٨ وربما يذكرنا هذا الاقتباس بقول القرآن حكاية على لسان موسىعليه‌السلام :( قَالَ رَبِّ إِنِّي لاَ أَمْلِکُ إِلاَّ نَفْسِي وَ أَخِي ) - المائدة/٢٥ (المراجع).

١٣١

( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ. ألم. غُلِبَتِ الرُّومُ‌ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ )

كانت الأمبراطورية الفارسية تقع شرقي الجزيرة العربية، على الساحل الآخر للخليج العربي، على حين كانت الامبراطورية الرومانية تمتد من غربي الجزيرة على ساحل البحر الأحمر الى ما فوق البحر الأسود. وقد سميت الأولى - أيضا - بالأمبراطورية الساسانية، والأخرى بالبيزنطية. وكانت حدود الامبراطوريتين تصل الى الفرات ودجلة، في شمال الجزيرة العربية. فكانتا أقوى حكومتين شهدهما ذلك العصر.

ويبدأ تاريخ الامبراطورية الرومانية - كما يرى المؤرخ «جبن» - في القرن الثاني بعد الميلاد، وكانت تتمتع حينئذ بمكانتها كأرقى دولة حضارية في العالم.

وقد شغل المؤرخين تاريخ زوال الروم، كما لم يشغلهم زوال أية حضارة أخرى(١) . وليس يغني كتاب من الكتب التي ألفت حول هذا الموضوع عن الكتب الأخرى، ولكن يمكن اعتبار كتاب المؤرخ «ادوارد جبن»: «تاريخ سقوط واندحار الامبراطورية الرومانية»(٢) أكثرها تفصيلا وثقة، وقد ذكر المؤرخ في الجزء الخامس من كتابه الوقائع المتعلقة ببحثنا هنا.

***

اعتنق الملك «قسطنطين» الدين المسيحي عام٣٢٥م، وجعله ديانة البلاد الرسمية، فآمنت بها أكثرية رعايا الروم. وعلى الجانب الآخر، رفض الفرس - عباد الشمس - هذه الدعوة.

وكان الملك الذي تولى زمام الامبراطورية الرومانية في أواخر القرن السابع الميلادي هو «موريس»، وكان ملكا غافلا عن شؤون البلاد والسياسة، ولذلك قاد جيشه ثورة ضده، بقيادة «فوكاس Phocas وأصبح فوكاس ملك الروم، بعد نجاح الثورة، والقضاء على العائلة الملكية بطريقة وحشية؛ وأرسل سفيرا له الى امبراطور ايران «كسرى أبرويز الثاني»، وهو ابن «أنو شيروان» العادل.

وكان «كسرى» هذا مخلصا للملك «موريس»، اذ كان قد لجأ اليه عام ٥٩٠ - ٥٩١م، بسبب مؤامرة داخلية في الامبراطورية الفارسية، وقد عاونه «موريس» بجنوده لاستعادة العرش. ومما يروى أيضا أن «كسرى» تزوج بنت «موريس»، أثناء اقامته ببلاد الروم، ولذلك كان يدعوه «بالأب».

___________________

(١) Western Civilization, p. ٢١٠.

(٢) The History of The Decline and Fall of the Roman Empire, By Edward Gibbon

١٣٢

ولما عرف بأخبار انقلاب الروم، غضب غضبا شديدا، وأمر بسجن السفير الرومي، وأعلن عدم اعترافه بشرعية حكومة الروم الجديدة.

وأغار «كسرى أبرويز» على بلاد الروم، وزحفت جحافله عابرة نهر الفرات الى الشام. ولم يتمكن «فوكاس» من مقاومة جيوش الفرس التي استولت على مدينتي «أنطاكية والقدس»، فاشعت حدود الامبراطورية الفارسية فجأة الى وادي النيل. وكانت بعض الفرق المسيحية - كالنسطورية واليعقوبية - حاقدة على النظام الجديد في روما، فناصرت الفاتحين الجدد، وتبعها اليهود، مما سهل غلبة الفرس.

***

وأرسل بعض أعيان الروم رسالة سرية الى الحاكم الرومي في المستعمرات الافريقية، يناشدونه انقاذ الأمبراطورية، فأرسل الحاكم جيشا كبيرا بقيادة ابنه الشاب «هرقل»، فسار بجيشه في الطريق البحرية، بسرية تامة. حتى أن «فوكاس» لم يدر بمجيئهم الا عندما شاهد الأساطيل، وهي تقترب من السواحل الرومانية، واستطاع هرقل - دون مقاومة تذكر - أن يستولي على الامبراطورية، وقتل «فوكاس» الخائن. بيد أن هرقل لم يتمكن - رغم استيلائه على الامبراطورية، وقتله «فوكاس» - من ايقاف طوفان الفرس. فضاع من الروم كل ما ملكوا من البلاد في شرقي العاصمة وجنوبها، لم يعد العلم الصليبي يرفرف على العراق والشام وفلسطين ومصر وآسيا الصغرى، بل علتها راية الفرس: «درفش كاوياني»!! وتقلصت الأمبراطورية الرومانية في عاصمتها، وسدت جميع الطرق في حصار اقتصادي قاس؛ وعم القحط؛ وفشت الأمراض الوبائية؛ ولم يبق من الامبراطورية غير جذور شجرها العملاق. وكان الشعب في العاصمة خائفا يترقب ضرب الفرس للعاصمة، ودخولهم فيها؛ وترتب على ذلك أن أغلقت جميع الأسواق، وكسدت التجارة، وتحولت معاهد العلم والثقافة الى مقابر موحشة مهجورة. وبدأ عباد النار يستبدون بالرعايا الروم للقضاء على المسيحية. فبدءوا يسخرون علانية من الشعائر الدينية المقدسة، ودمروا الكنائس، وأراقوا دماء مايقرب من ٠٠٠،١٠٠ من المسيحيين المسالمين، وأقاموا بيوت عبادة النار في كل مكان، وأرغموا الناس على عبادة الشمس والنار، واغتصبوا الصليب المقدس وأرسلوه الى «المدائن».

ويقول المؤرخ «جبن» في المجلد الخامس من كتابه:

«ولو كانت نوايا «كسرى» طيبة في حقيقة الأمر، لكان اصطلح مع الروم، بعد قتلهم «فوكاس»، ولاستقبل «هرقل» كخير صديق أخذ بثأر حليفه وصاحب نعمته «موريس»، بأحسن طريقة؛ ولكن أبان عن نواياه الحقيقة عندما قرر مواصلة الحرب.»(١) .

___________________

(١) كتاب جبن/مجلد/ ٥ ص٧٤.

١٣٣

ويمكن قياس الهوة الكبرى التي حدثت بين الروم والفرس من خطاب وجهه «كسرى» الى «هرقل»، من بيت المقدس، قائلا:

«من لدن الاله كسرى، الذي هو أكبرالآلهة، وملك الأرض كلها، الى عبده اللئيم الغافل: هرقل: انك تقول:انك تثق في الهك! فلماذا لاينقذ الهك القدس من يدي؟!».

واستبد اليأس والقنوط بهرقل من هذه الأحوال السيئة، وقرر العودة الى قصره الواقع في «قرطاجنة» على الساحل الافريقي. فلم يعديهمه أن يدافع عن الامبراطورية، بل كان شغله الشاغل انقاذ نفسه. وأرسلت السفن الملكية الى البحر، وخرج «هرقل» في طريقه ليستقل احدى هذه السفن الى منفاه الاختياري.

وفي هذه الساعة الحرجة تحايل كبير أساقفة الروم باسم الدين والمسيح، ونجح في اقناع «هرقل» بالبقاء، وذهب «هرقل» مع الاسقف الى قربان «سانت صوفيا» يعاهد الله تعالى على أنه لن يعيش أو يموت الا مع الشعب الذي اختاره الله له. وباشارة من الجنرال الايراني سين ( Sain ) أرسل «هرقل» سفيرا الى «كسرى» طالبا منه الصلح؛ ولكن لم يكد القاصد الرومي يصل الى القصر، حتى صاح «كسرى» في غضب شديد: «لا أريد هذا القاصد! وانما أريد «هرقل» مكبلا بالأغلال تحت عرشي؛ ولن أصالح «الرومي» حتى يهجر الهه، الصليبي، ويعبد الشمس الهتنا!»(١) .

***

وبعد مضي ستة أعوام على الحرب، رضى الامبراطور الايراني أن يصالح «هرقل»، على شروط معينة، هي أن يدفع ملك الروم:

«ألف تالنت(٢) من الذهب، وألف تالنت من الفضة، وألف ثوب(٣) من الحرير، وألف جواد، والف فتاة عذراء». ويصف «جبن» هذه الشروط بأنها «مخزية» دون شك، وكان من الممكن أن يقبلها «هرقل»، لولا المدة القصيرة التي أتيحت له لدفعها من المملكة المنهوبة، والمحدودة الأرجاء، ولذلك آثر أن يستعمل هذه الثروة كمحاولة أخيرة، ضد أعدائه.

***

___________________

(١) (ص - ٧٦ - ج٥).

(٢) Talent ، ميزان يوناني قديم، حوالي ستة وعشرين كيلو جراما، لدى الأثينيين، وقد يطلق على كمية النقود الذهبية أو الفضية التي تزنه - المراجع.

(٣) الثوب: ثلاثون مترا من القماش تقريبا - المراجع.

١٣٤

وبينما سيطرت على العاصمتين الفارسية والرومية هذه الأحداث، فقد سيطرت على شعب العاصمة المركزية في شبه الجزيرة العربية - وهي «مكة» المكرمة - مشكلة مماثلة: كان الفرس مجوسا من عباد الشمس والنار، وكان الروم من المؤمنين بالمسيح، وبالوحي، وبالرسالة، وبالله تعالى. وكان المسلمون مع الروم - نفسيا - يرجون غلبهم على الكفار والمشركين، كما كان كفار مكة مع الفرس، لكونهم من عباد المظاهر المادية. وأصبح الصراع بين الفرس والروم رمزا خارجيا للصراع الذي كان يدور بين أهل الاسلام وأهل الشرك في «مكة». وبطريقة نفسية كانت كل من الجماعتين تشعر بأن نتيجة هذا الصراع الخارجي هي نفس مآل صراعهما الخارجي. فلما انتصر الفرس على الروم عام٦١٦م. واستولوا على جميع المناطق الشرقية من دولة الروم، انتهزها المشركون فرصة للسخرية من المسلمين، قائلين: لقد غلب اخواننا على اخوانكم، وكذلك سوف نقضي عليكم، اذا لم تصطلحوا معنا تاركين دينكم الجديد!! وكان المسلمون بمكة في أضعف وأسوأ أحوالهم المادية، وفي تلك الحالة البائسة، صدرت كلمات من لسان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ. ألم. غُلِبَتِ الرُّومُ‌ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ‌. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ‌. وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَ لٰکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) .-الروم: ١ - ٦.

وتعليقا على هذه النبوءة يكتب «جبن»:

«في ذلك الوقت، حين تنبأ القرآن بهذه النبوءة، لم تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعا، لأن السنين الاثنتي عشرة الأولى من حكومة «هرقل» كانت تؤذن بانتهاء الامبراطورية الرومانية(١) ».

ولكن من المعلوم أن هذه النبوءة جاءت من لدن من هو مهيمن على كل الوسائل والأحوال، ومن بيده قلوب الناس وأقدارهم، ولم يكد جبريل يبشر النبي بهذه البشرى، حتى أخذ انقلاب يظهر على شاشة الامبراطورية الرومانية!!.

ويرويه «جبن» على النحو التالي:

«انها من أبرز البطولات التاريخية، تلك التي نراها في «هرقل». فقد ظهر هذا الامبراطور غاية في الكسل والتمتع بالملذات وعبادة الأوهام في السنين الأولى والأخيرة من حكومته، كان يبدو كما لو كان متفرجا أبله، استسلم لمصائب شعبه، ولكن الضباب

___________________

(١) ص - ٧٤، المجلد٥.

١٣٥

الذي يسود السماء ساعتي الصباح والمساء، يغيب حينا من الوقت لشدة شمس الظهيرة، وهذا هو ما حدث بالنسبة الى هرقل، فقد تحول «أرقاديوس(١) القصور» الى «قيصر ميدان الحرب(٢) » فجأة، واستطاع أن يستعيد مجد الروم خلال ست حروب شجاعة شنها ضد الفرس. وكان من واجب المؤرخين الروم أن يزيحوا الستار عن الحقيقة، تبيانا لأسرار هذه اليقظة والنوم، وبعد هذه القرون التي مضت يمكننا الحكم بأنه لم تكن هناك دوافع سياسية وراء هذه البطولة، بل كانت نتيجة غريزة هرقل الذاتية، فقد انقطع عن كافة الملذات، حتى انه هجر ابنة أخته «مارتينا» - التي تزوجها لشدة هيامه بها، رغم أنها كانت محرمة عليه(٣) ».

***

هرقل - ذلك الملك الغافل الفاقد العزيمة - وضع خطة عظيمة لقهر الفرس، وبدأ في تجهيز العدة والعتاد، ولكن رغم ذلك كله، عندما خرج هرقل مع جنوده، بدا لكثيرين من سكان «القسطنطينية» أنهم يرون آخر جيش في تاريخ الامبراطورية البيزنطية.

وكان هرقل يعرف أن قوة الفرس البحرية ضعيفة، ولذلك أعد بحريته للغارة على الفرس من الخلف. وسار بجيوشه عن طريق البحر الأسود الى «أرمينيا»، وشن على الفرس هجوما مفاجئا في نفس الميدان الذي هزم فيه الاسكندر جيوش الفرس، لما زحف على أراضي مصر والشام. ولم يستطع الفرس مقاومة هذه الغارة المفاجئة، فلاذوا بالفرار.

وكان الفرس يملكون جيشا كبيرا في «آسيا الصغرى»، ولكن «هرقل» فاجأهم بأساطيله مرة أخرى، وأنزل بهم هزيمة فادحة، وبعد احراز هذا النصر الكبير عاد «هرقل» الى عاصمته «القسطنطينية» عن طريق البحر، وعقد معاهدة مع الأفاريين ( Avars )، واستطاع بنصرتهم أن يسد سيل الفرس عن عاصمتهم.

وبعد الحربين اللتين مر ذكرهما شن هرقل ثلاثة حروب أخرى ضد الفرس في سنوات ٦٢٣، ٦٢٤، ٦٢٥م. واستطاع أن ينفذ الى أراضي العراق القديم (ميسو بوتانيا) عن طريق البحر الأسود، واضطر الفرس الى الانسحاب من جميع الأراضي الرومية، نتيجة هذه الحروب، وأصبح «هرقل» في مركز يسمح له بالتوغل في قلب الامبراطورية

___________________

(١) أرقاديوس (٣٧٧ - ٤٠٨م)، أحد أباطرة الرومان، وهو الابن الاكبر لتيودوس الأول، تولى العرش سنة ٣٩٥م. واشته بالجبن - المراجع.

(٢) قيصر أو «سيزار»(١٤٤ - ١٠١ ق. م.) قائد وسيايس رومي عظيم.

(٣) ص - ٧٦ - ٧٧، المجلد الخامس.

١٣٦

الفارسية، وكانت آخر هذه الحروب المصيرية- تلك الحرب التي خاضها الفريقان في «نينوا» على ضفاف «دجلة» في ديسمبر عام ٦٢٧م.

***

ولما لم يستطع «كسرى أبرويز» مقاومة سيل الروم، حاول الفرار من قصره الحبيب «دستكرد»، ولكن ثورة داخلية نشبت في الامبراطورية، واعتقله ابنه «شيرويه»، وزج به في سجن داخل القصر الملكي، حيث لقي حتفه، لسوء الأحوال في اليوم الخامس من اعتقاله، وقد قتل ابنه «شيرويه» ثماني عشرة من أبناء أبيه (كسرى) أمام عينيه.

ولكن «شيرويه» هو الآخر لم يستطع أن يجلس على العرش أكثر من ثمانية أشهر، حيث قتله أحد أشقائه، وهكذا بدأ القتال داخل البيت الملكي، وتولى تسعة ملوك زمام الحكم في غضون أربعة أعوام. ولم يكن من الممكن، أو المعقول في هذه الأحوال السيئة، أن يواصل الفرس حربهم ضد الروم. فأرسل «قباد الثاني» ابن كسرى أبرويز الثاني يرجو الصلح، وأعلن تنازله عن الأراضي الرومية، كما أعاد الصليب المقدس، حيث كان يجر مركبته أربعة أفيال، واستقبله آلاف مؤلفة من الجماهير، خارج العاصمة، وفي أيديهم المشاعل وأغصان الزيتون(١) !!.

***

وهكذا صدق ما تنبأ به القرآن الكريم عن غلبة الروم في مدته المقررة، أي في أقل من عشر سنين، كما هو المراد في لغة العرب من كلمة: «بضع»!.

وقد أبدى «جبن» حيرته واعجابه بهذه النبوءة، ولكنه كي يقلل من أهميتها ربطها برسالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى «كسرى».

يقول جين:

وعندما أتم الامبراطور الفارسي نصره على الروم وصلته رسالة من مواطن خامل الذكر، من «مكة» دعاه الى الايمان بمحمد، رسول الله، ولكنه رفض هذه الدعوة ومزق الرسالة، وعندما بلغ هذا الخبر رسول العرب، قال: سوف يمزق الله دولته تمزيقا، وسوف يقضي على قوته.

و«محمد، الذي جلس في الشرق على حاشية الامبراطوريتين العظيمتين، طار فرحا، مما سمع عن تصارع الامبراطوريتين وقتالهما، وجرؤ في ابان الفتوحات الفارسية وبلوغها القمة

___________________

(١) جين: ص - ٦٤، ج - ٥.

١٣٧

أن يتنبأ بأن الغلبة تكون لراية اليوم بعد بضع سنين. وفي ذلك الوقت، حين ساق الرجل هذه النبوءة، لم تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعا، لأن الأعوام الاثني عشر الأولى من حكومة هرقل كانت تشي بنهاية الامبراطورية الرومانية(١) .».

بيد أن جميع مؤرخي الاسلام يعرفون معرفة تامة أن هذه النبوءة لاعلاقة لها بالرسالة التي وجهها النبي الى «كسرى أبرويز»، لأن تلك الرسالة انما أرسلت في العام السابع من الهجرة، بعد صلح الحديبية، أي عام ٦٢٨م، في حين أن آية النبوءة المذكورة نزلت بمكة عام ٦١٦، أي قبل الهجرة بوقت طويل، فبين الحدثين فاصل يبلغ اثني عشر عاما(٢) .

***

___________________

(١) المرجع السابق، ص٧٣ - ٧٤.

(٢) أنظر: Encyclopaedia of Religion and Ethics- ١٠/٥٤٠ - ٥٤٥.

١٣٨

ثالثا: القرآن والكشوف الحديثة

والميزة الثالثة التي سوف أدرسها في هذا الباب للابانة عن صدق القرآن وحقيته، هي أنه رغم نزول القرآن قبل قرون كثيرة من عصر العلوم الحديثة، لم يتمكن أحد من اثبات أية أخطاء علمية فيه، ولو أنه كان كلاما بشريا لكان هذا ضربا من المستحيل.

***

كانت بعثة لطلبة الصين تدرس بجامعة كاليفورنيا منذ بضع سنين، وقد ذهب اثنا عشر من هؤلاء الطلبة الى كاهن «كنيسة بركلي» طالبين منه أن ينظم لهم دراسة حول الدين المسيحي في أيام الأحد، وقالوا له بكل صراحة: اننا غير راغبين في اعتناق المسيحية، ولكننا نريد أن نعرف مدى تأثير هذا الدين على الحضارة الأمريكية، واختار القسيس عالما في الرياضة والفلك، هو البروفيسور «بيتر و. ستونر»، للتدريس لهؤلاء الشبان. وبعد أربعة أشهر من هذا الواقع اعتنقوا الدين المسيحي!!.

أما الدوافع وراء هذا العمل المدهش، فلنسمعها من الأستاذ نفسه:

«لقد كان السؤال الأول أمامي: ماذا أقول لهم عن الدين؟ انهم لايؤمنون بالانجيل اطلاقا، وتدريس الانجيل على الطريقة التقليدية لن يأتي بفائدة ما، وفي ذلك الوقت تذكرت أني أثناء دراستي كنت ألاحظ علاقة كبيرة بين العلوم الحديثة وسفر التكوين في الانجيل، ولذلك رأيت أن أعرض هذا الكلام امام هذه الجماعة من الشبان.

«وكنا - أنا والطلبة - نعرف بطبيعة الحال أن ماجاء في هذا الكتاب عن بدء الكون قد كتب قبل آلاف السنين من كشوف العلوم الحديثة عن الأرض والسماء، وكنا نشعر

١٣٩

كذلك أن أفكار الناس في زمن موسى ستبدو لغوا باطلا، لو درسناها في ضوء معلومات العصر الحاضر.

«وقد أمضينا فترة الشتاء كلها ندرس في سفر التكوين، وكان الطلبة يكتبون الاسئلة حول ما جاء في هذا السفر، ثم يبحثون عن أجوبتها بكل جهد في مكتبة الجامعة. وعند انتهاء الشتاء أخبرني القسيس أن الطلبة حضروا اليه ليخبروه أنهم يريدون اعتناق المسيحية، وقد أقروا أنه ثبت لهم أن الانجيل كتاب موحى من عند الله(١) .».

***

وعلى سبيل المثال يقول سفر التكوين عن حالة الأرض في بداية الأمر:

«لقد غشى على الأغوار ظلام»(٢)

وهذا هو أحسن تصوير للحالة التي وجدت في الأرض في ذلك الوقت، كما عرفناها من العلوم الحديثة، فكان سطح الأرض حارا جدا، وتبخرت المياه بسبب هذه الحرارة، ولم يصل النور الى سطح الأرض، لأن مياه بحارنا كانت معلقة في صورة سحب كثيفة، في الفضاء، وكان ظلم حالك يسود الأرض.

***

اننا نؤمن بأن الانجيل والتوراة من الكتب الالهية، مثل القرآن الكريم، ولذلك توجد فيهما قبسات من العلم الالهي، ولكن النصوص الأصلية قد ضاعت، وطرأ فارق كبير بين الانجيل الحقيقي وانجيل هذا العصر، بعد مضي ألفي عام حافلة بعمليات الترجمة من لغة الى أخرى، ثم بأعمال التحريف البشري Human Interpolation الذي أصاب النسخة الالهية أكثر ماأصاب، على حد تعبير العالم الأميركي «كريسي موريسون(٣) ».

ولما كانت هذه الصحائف قد فقدت قيمتها، نتيجة لما حدث، فقد أرسل الله تعالى «طبعة جديدة» من كتابه الى البشر، وهذا الكتاب هو «القرآن الكريم» وهو يحمل، من أجل صحته وكماله، كل الميزات والخصائص التي لاتوجد منها سوى لمحات في الكتب القديمة.

___________________

(١) The Evidence of God, PP. ١٣٧ - ٣٨.

(٢) تقول الترجمة العربية للتوراة (المنقولة عن اليونانية): «وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة.» الاصحاح: ١ - (المراجع).

(٣) Man Does not Stand Alone, p. ١٢٠.، ومن الثابت أن الأناجيل لم تكتب في حياة المسيح، ولاحتى بعد وفاته بنصف قرن كما أن التوراة آخر ما كتب من عصر السبي البابلي (٥٨٦ - ٥٣٨) ق. م. (المراجع)

١٤٠