الاسلام يتحدى

الاسلام يتحدى0%

الاسلام يتحدى مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 190

الاسلام يتحدى

مؤلف: وحيد الدين خان
تصنيف:

الصفحات: 190
المشاهدات: 59273
تحميل: 6973

توضيحات:

الاسلام يتحدى
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 190 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59273 / تحميل: 6973
الحجم الحجم الحجم
الاسلام يتحدى

الاسلام يتحدى

مؤلف:
العربية

الطبيعة هو وحده الذي يليق أن يضع دستور حضارة الانسان ومعيشته. وليس هناك من أحد غيره سبحانه، يمكن تحويله هذا الحق.

ان هذا الجواب معقول وبسيط لدرجة أنه يصرخ قائلا، لو استطعنا أن نسمع نداءه: هل هناك أحد غير الله سبحانه وتعالى يستطيع أن يسوي هذه المشكلة المصيرية؟.

لقد وصلت بنا هذه الأجابة الى مكانها الحقيقي من التشريعي والمشرع؛ بعد أن استحال علينا المضي خطوة مافي ظلام الضلالة عن الهدى الحقيقي.

انه لايمكن قبول انسان حاكما ومشرعا للانسان؛ ولايستمتع بهذا الحق الا خالق الانسان، وحاكمه الطبيعي: الله.

ثانيا - العناصر الاساسية للتشريع

ومن أهم الأسئلة لدى علماء القانون تحديد عناصر التشريع. هل هي كلها اضافية، أو ان هناك عنصرا أو عناصر أساسية لايمكن الاستغناء عنها في أي دستور عند تعديله، أو تجديده، أو تغييره؟.

لم يستطع خبراءالتشريع الوصول الى اتفاق في هذا الصدد، رغم البحوث الطويلة التي أجريت في هذا الباب. وهم يسلمون، نظريا، بأنه لابد من عنصر في التشريع يتمتع بالدوام والأبدية، مع عناصر أخرى تتصف بالمرونة، فيمكن الاستغناء عنها عند الضرورة.

ويرون أيضا أن افتقار الدستور الى أحد العنصرين: «الأبدي والاضافي» سوف يكون مصدر شقاء دائم للبشرية. وقد عبر عن هذه الحالة أحد قضاة الولايات المتحدة الأميريكية، وهو القاضي كاردوزو Cardozo على النحو التالي:

«من أهم مايحتاج اليه التشريع اليوم: أن نصوغ له فلسفة للتوفيق بين الرغبات المتحاربة حول ثبات عنصر، وتغير عنصر آخر(١) ».

ويقول خبير آخر في شؤون القانون، وهو البروفيسور «راسكو باوند»:

«لابد من عنصر التحكم في التشريع، ولكن هذا لايعني أن يصبح التشريع جامدا. ولذلك بذل الفلاسفة قصارى جهودهم للتوفيق بين مقومات التحكم والتغيير في هذا المجال(٢) ».

والحق أنه لايمكن التوصل الى أساس يميز بين عناصر القانون الذي وضعه الانسان، بعضها وبعض، فكل عنصر يدعي أنه صالح للدوام يلزمه أن يقدم دليلا على ذلك؛ وهو

___________________

(١) The Growth of Law

(٢) Interpretations of Legal History, p. ١.

١٦١

عاجز تماما عن الاتيان بذلك الدليل؛ فقد نرى اليوم عنصرا من الدستور صالحا للدوام، ثم يأتي رجال الغد يعلنون الاستغناء عن ذلك العنصر من دستورهم، مادام الدستور يصاغ بناء على رغبات الشعب، فقد لايعجبهم ذلك، أو يرونه قدفقد صلاحيته بمضي الزمن.

***

أما الحل الوحيد لمشكلتنا فهو «الشرع الالهي» الذي يمنحنا جميع العناصرالأساسية الضرورية، فهذا الشرع يضع جوانب أساسية جذرية، ثم يترك الباقي مفتوحا للاجتهادات المختلفة، بحسب الزمان والمكان. انه يحدد العناصر الأساسية وغير الأساسية بالنسبة الى دستور ما. ثم هو الى جانب ذلك يتصف ويتمتع بدليل الترجيح والتفضيل لصالحه، حيث انه من عند الله سبحانه وتعالى ومن ثم لابد لنا أن نعتبره حقا، وأن نعتده الكلام الأخير في الموضوع، الذي لاكلام بعده. وتلك ميزة هامة في التشريع الالهي، لايستطيع الانسان أن يأتي ببديل عنها.

***

ثالثا - تحديد مفهوم الجريمة

ومما لابد أن يتوفر لأي دستور أن يكون لديه دليل معقول يستند اليه، لاعتبار عمل ما «جريمة». ويقول الدستور الذي وضعه الانسان: ان الجريمة هي: «كل عمل يضر بالأمن العام، أو نظام الحكم القائم»، والتشريع الانساني لايجد أساسا غير هذا لاعتبار عمل ما جريمة. وقد دفع هذا الأساس القانون الجديد الى اقرار أن جريمة «الزنا» ليست بجريمة، الا اذا تمت جبرا أو اكراها لاحد الطرفين. فالقانون الجديد لايعتبر «الزنا» جريمة، وانما الجريمة الحقيقية عنده هي الجبر والاكراه الذي سبق «الزنا».

ان الاستيلاء على أموال أحد المواطنين حرام؛ وكذلك اهدارعصمتهم والنيل من عفتهم. ولكن أموال انسان من الناس تصبح مباحة لرجل آخر، اذا تم ذلك برضاء (الطرف الأول) - صاحب المال! وكذلك يرى القانون أن عصمة أحد الطرفين تباح للثاني مادام راضيا، فعند رضا الجانبين يصبح القانون حاميا لهما، ومدافعا عنهما؛ ولو حاول «طرف ثالث» التدخل في الأمر، فهو الذي سوف يعد مجرما، وليس الطرفان الأولان!. ان جريمة «الزنا» تفشي فسادا كبيرا في المجتمع، فهي تخلق مشكلات أطفال الحرام (غيرالشرعيين)، وتضعف روابط الزواج، وهي كذلك تصدر عن عقلية تفضل اللذات السطحية في الحياة، وتربي عقلا خائنا، وتخلق السرقة واللصوص، وتروج الاغتيالات والانتحار والخطف؛ ومن ثم تفسد المجتمع كله، ولكن القانون - رغم ذلك - لايستطيع تحريمها، فهو لايجد أساسا لتحريم «الزنا» الذي تم بالرضا المتبادل!!.

***

١٦٢

ولم يستطع القانون الجديد أن يحرم «الخمر»، لأنه يؤمن بأن الأكل والشرب حق من الحقوق الطبيعية للانسان، وهو حر في اقتناء كل ما يريد أن يأكله ويشربه؛ وليس للقانون أن يتدخل في حقوق الطبيعية، ومن ثم لم يكن شرب الخمر والسكر الذي يتبعه جريمة في الواقع، الا اذا اعتدى شارب الخمر على أحد المواطنين في هذه الحالة من السكر؛ أو خرج الى الشارع وهو سكران؛ فالجريمة ليست هي حالة السكر، بل الاعتداء على الآخرين في تلك الحالة!.

والخمر تضر بالصحة، وتبدد أموال الناس، وتؤدي بمدمنيها الى كوارث اقتصادية محققة، وتضعف الشعور الأخلاقي، حتى ان الانسان يتحول الى حيوان رويدا رويدا. والخمر خير مساعد للمجرمين، فهي تشل الاحساسات اللطيفة، حتى يستطيع الانسان اقتراف أية جريمة من السرقة والقتل، وهدر العصمة. ولكن القانون الانساني رغم هذه المعايب الشنيعة - لن يتمكن من تحريم الخمر، لأنه لايجد جوابا يسوغ تدخله في حق من حقوق الانسان الطبيعية!!.

ولن نجد حلا لهذه المشكلة الا في قانون الله، ان قانونه يبين رضا حاكم الكون؛ فان كون أي قانون قانون الله يحمل معه أولوية تنفيذه، ولايحتاج بعد ذلك دليلا آخر. وهكذا يسد القانون الالهي فجوة عميقة، نتمكن بعدها من احالة أي عمل الى دائرة القانون.

***

رابعا - القانون الاخلاق

لايستطيع القانون أن يستقل بذاته في أي وقت من الأوقات، بل لابد له أن يقترن بالأخلاق. ولتوضيح هذه النقطة نقول:

١ - لو طرحت قضية أمام القانون - علىسبيل المثال - وتعمد الفريقان وشهودهما الكذب فلم يتبين الصدق أمام القاضي، فسوف يقضي على العدل، ولن يتمكن القاضي من الحصول عليه مهما حاول. ولذلك كان لابد من قانون آخر «وراء القانون»، يحرك الناس، ويحملهم على الادلاء بالبيانات الصادقة للوصول الى العدل. وقد اعترفت جميع محاكم العالم بهذا المبدأ، حتى انها تلزم كل شاهد (أن يقسم بالله أن يقول الحق) قبل الادلاء بشهاداته. وهو دليل واضح يؤكد أهمية العقائد الدينية لصون حرمة القانون. بيد أن المجتمع الجديد قد قضى على أهمية المعتقدات الدينية، حتى أصبحت أيمان المحاكم أضحوكة، وتقليدا لايأتي بنفع، أي نفع!.

٢ - ومما لابد منه أن يكون أي «عمل» يعاقب عليه القانون (جريمة) في نظر المجتمع أيضا، وأي بند من قانون مكتوب لايمكنه أن يخلق نفسية في المجتمع، ترى في عمل ماجريمة،

١٦٣

كما يراه؛ اذ لابد من أن يشعر مرتكب الجريمة بأنه «مذنب» ويعتبره المجتمع مذنبا. ويقبض عليه رجال الشرطة بكل اقتناع، ثم يصدر قاضي المحكمة - وهو في غاية الاطمئنان - حكما ضد ذلك الرجل. ولذلك كان لابد أن تكون كل جريمة «ذنبا» أيضا. وهذا هو ما يراه أصحاب المدرسة التاريخية من رجال القانون: «ان أي تشريع لن يصيب هدفه الا اذا كان مطابقا للاعتقادات السائدة عند المجتمع الذي وضع له ذلك القانون، ولو لم يطابق التشريع اعتقادات المجتمع، فلابد من فشله(١) ». هذا الراي الذي عبرت عنه «المدرسة التأريخية» لرجال القانون غير صائب في مغزاه الحقيقي الذي يرمي اليه اطلاقا، ولكنه ذو صدق خارجي.

***

٣ - ان خوف الشرطة والمحكمة لايكفي لدرء الجرائم، وانما لابد أن يكون هناك وازع في المجتمع يمنع الناس من ارتكاب الجرائم، لأن الرشاوي، والمحسوبيات، وخدمات المحامين البارعين، وشهود الزور - كل هذه العوامل تكفي لحماية المجرم من أية شرطة أو محكمة انسانية، والمجرم لايرهب عقابا، أي عقاب، لو استطاع أن يفلت من أيدي القانون. ان الشرع الالهي يستوفي كل هذه الأمور، فعقيدة «الآخرة»، التي يحملها الشرع الالهي، هي خير وازع عن ارتكاب الجرائم، وهي تكفي لتبقى احساسا بالجريمة واللوم يعتمل في قرارة ضمير الانسان، لو أدلى بشهادة كاذبة أمام القاضي.

لقد أقيم في فناء محكمة «ويستون سركيت» نصب من حجر، يذكر الناس، بشاهد أدلى بشاهدة زور في فناء الدار، ثم قال: «وان كنت كاذبا، فليمتني الله، هنا، في الحال! ولم تكد هذه العبارة تخرج من فم الشاهد حتى سقط على ساحة الأرض، ومات في الحال(٢) !! وهناك وقائع أخرى من هذا النوع حدثت لشدة احساس أصحابها باللوم والذنب.

***

ان قرارات البرلمانات لن تخلق في الجماهير شعورا بشناعة فعل ما، الا اذا كانت معتمدة من القانون الالهي، وراسخة في معتقدات المجتمع.

والوازع الذي يمنع من ارتكاب الجرائم ليس هو الدين في حد ذاته، فانه لايقدم لنا تشريعا فحسب، وانما يخبرنا أن صاحب هذا التشريع يشاهد كل أعمالنا من خير وشر. فنياتنا وأقوالنا وحركاتنا بأكملها تسجل بواسطة أجهزة هذا المشرع، ولسوف نقف بعد الممات أمامه، ولن نستطيع ان نفرض ستارا على أدنى أعمالنا.

___________________

(١) A Text Book of Jurisprudence , p. ١٦.

(٢) Sir Alfred Denning, The Changing Law, p. ١٠٣ , ( ١٩٥٣).

١٦٤

ولو أننا استطعنا الهروب من عقاب محكمة الدنيا، فلن نتمكن بالتأكيد - من أن نفلت من عقاب صاحب التشريع السماوي. ولو أننا حاولنا تفادي عقاب الدنيا. فسوف نذوق عذابا مضاعفا يوم القيامة، يفوق عقاب الأرض ملايين المرات، قسوة وعنفا.

خامسا - القانون والفرد : ورد في التاريخ الانجليزي أن الملك «جيمس الاول» أصدر مرسوما يقول بأنه (الملك) يستطيع أن يحكم البلاد مطلق العنان، كما أن من حقه اصدار أحكام دون أن تخضع للمرافعة أو الاستئناف في المحاكم. وكان رئيس القضاة حينئذ هو القاضي الشهير (اللورد كوك) Coke وكان شديد التمسك بالدين حتى اعتاد أن يقضي ربع يومه في الكنيسة وذهب اللورد كوك ليقول للملك «ليس من حقك أن تحكم في أي شيء ولابد لجميع القضايا أن تذهب الى المحكمة للنظر فيها.». فقال له الملك: «انني أرى - وهو ما سمعته - أن القوانين قد وضعت على أساس العقل، فهل أنا أقل من قضاتك عقلا؟. فأجابه رئيس القضاة: «انه مما لاشك فيه أنكم تتمتعون بعلم وكفاءة مثاليين، ولكن القانون يتطلب تجربة طويلة ودراسة عميقة. وفوق ذلك هو الميزان الذهبي الذي يزن حقوق الرعية؛ وهو الذي يصون شخصيتكم.». فغضب الملك بشدة وقال: «هل أنا أيضا أخضع للقانون؟ ان هذا المقال بمثابة تمرد وخيانة!». وكان جواب «اللورد كوك» أن ذكر الملك برأي (براكتون) Bracton ، الذي قال: «ان الملك لايخضع لأحد من الناس؛ ولكنه خاضع لله وللقانون(١) ». وهنا - لو جردنا القانون من «الله»، فلن نجد أساسا معقولا للقول بأن: «الملك خاضع للقانون» - لأن الذين صاغوا القانون، وأصدروه باراداتهم، يستطيعون - في الوقت نفسه - تعديله وتغييره اذا ما أرادوا ذلك، فكيف - آذن - سيخضعون لذلك القانون(٢) ؟.

___________________

(١) المرجع السابق: ص -١١٧ - ١٨.

(٢) ومن أمثلته ما حدث في الهند عقب الأنتخابات العامة لسنة ١٩٦٧، بعد أن أفلحت مجموعات نيابية ائتلافية في الحصول على مقاليد الحكم في كثير من الولايات الاقليمية، فحينئذ أجرت الحكومة المركزية (التي يحكمها حزب المؤتمر) تعديلات هامة في كثير من المجالات، لتقييد حركة الحكومات (المعارضة)، ومنها - على سبيل الذكر - منع تقديم الهبات والمعونات المالية الى الأحزاب السياسية وكانت هذه المعونات المقدمة الى الأحزاب السياسية معفاة من الضرائب، فضلا عن أن أصحابها كانوا يتمتعون بتسهيلات عديدة عند دفع الضرائب. وكان حزب المؤتمر، كحزب حاكم يحصل على هذه الهبات بأكثر من ثمانين في المائة، بينما كانت الأحزاب الأخرى لاتتمتع الا بنسب ضئيلة جدا من هذه المعونات، ولكن بعد نجاح الأحزاب الأخرى في الوصول الى مقاعد الحكم في كثير من الولايات تحولت مصالح الرأسماليين الى الحكام الجدد فأغدقوا على أحزابهم المعونات، مما آل بأضرار بالغة بالنسبة لحزب المؤتمر، فمنعت الحكومة المركزية التسهيلات التي كانت تقدم الى أصحاب الهبات، وبالتالي حرمت الأحزاب الأخرى من جني فوائد كبرى! لقد أصبح نفس الشيء الذي كان مباحا في الماضي - محضورا في الحال، لأن مصالح واضعي الدستور (الذين يتمتعون بأغلبية ضئيلة تمكنهم من فرض آرائهم على الأقلية الكبيرة) لم يعد لها وجود، بسبب تصاريف الزمن!. ومنها كذلك أن «الجمعية التشريعية» في ولاية (أوريسه) الهندية أصدرت قانونا يحرم على المواطنين تغيير الديانة، وهذا - كما هو واضح بكل جلاء - لمنع الهندوس، وخصوصا المنبوذين، من قبول الاسلام!! وهذا البند المستحدث يتعارض تعارضا كليا، بل يصادم الدستور الهندي الذي يعطي للمواطنين الحرية الكاملة في الشئون المماثلة. ولكن هذا التشريع الجديد جاء ليرضي الرجعيين الهنادك. وهؤلاء يشجعون، علانية، مثل هذه الحركات الشنيعة، لمنع الأهالي من قبول الدعوة الاسلامية.، وهؤلاء الرجعيون هم المسئولون عن الاضطرابات الطائفية التي يذهب ضحيتها الكثيرون من المسلمين المسالمين، ثم لايقدم مثيرو الشغب والفساد الى المحاكمة - اطلاقا - لتمتعهم بعطف ووصاية الرجعيين (المعرب).

١٦٥

ان الانسان اذا كان هو المشرع، فهل يحل محل القانون والاله معا، وحينئذ يستحيل احتواؤه داخل دائرة القانون، بأي صورة من الصور.

وقد أدى هذا العيب في القوانين الحديثة الى أنه - على الرغم من أن كل الجمهوريات تقر مبدأ المساواة المدنية - فان هذه المساواة لاتنفذ فعلا في أية دولة، فلو أنك كنت تريد أن تحاكم رئيس جمهورية الهند، أو أحد حكام الولايات، فلن تستطيع ذلك، كما تستطيع أن تحاكم المدنيين العاديين، اذ كان لابد لك من الحصول على موافقة الدولة. قبل الذهاب الى المحكمة، فقد أضفى الدستور الهندي (في المادة٣٦١) على رئيس الجمهورية ونائبه وحكام الولايات هالة وامتيازا، بحيث لايمكن محاكمتهم الا بعد موافقة البرلمان المركزي. وكذلك لابد من الحصول على موافقة الحكومة، لمحاكمة الوزراء!.

والأمر لايقف بنا عند هذا الحد، بل تنص المادة ١٩٧، من (لوائح العقوبات الهندية) على: (أن قاضيا، أو وكيلا للنيابة العامة، أو أحد الموظفين الحكوميين (من الذين لايجوز فصلهم من الخدمة الا بعد موافقة الحكومة المركزية) لو اتهم أحدهم بارتكاب جريمة ما، فليس من شأن المحاكم النظر في قضية أحدهم، الا بعد الحصول على موافقة الحكومة المركزية أو المحلية. التي تتعلق بها وظيفة المتهم المطلوب محاكمته»!!.

١٦٦

وبكلمة أخرى: لو أردت أن تحاكم سياسيا كبيرا، أو أحد أعضاء السلطة التنفيذية العليا - فعليك أن تسأل هؤلاء أنفسهم: «هل تبيحون لنا محاكمتكم؟»!.

وليس هذا عيب الدستور الهندي بالمرة، بل هو عيب القانون البشري بعامة، وهو عيب موجود. حيث يوجد هذا النوع من الدساتير الوضعية.

ليس من الممكن أن يتحقق العدل الكامل الا في ظل القانون الالهي، حيث يكون كل انسان مساويا للآخرين أمام الدستور. وحيث تمكن مقاضاة أية سلطة سياسية وتنفيذية، كما يحاكم ابن الشعب، لأن الحاكم في هذا القانون هو «الله» سبحانه وحده، والمحكومون هم سائر أفراد المجتمع دون أدنى تمييز(١) .

***

سادسا - القانون والعدل:

ان أهم وأكبر اساس في هيكل القانون هو «العدل»، الذي يبحث عنه خبراء القانون من قرون طويلة، وهو موجود في القانون الالهي في أتم الصور وأكملها. والقول بأن: عدم اهتداء الانسان الى أساس العدل يرجع الى أن بحوثنا لازالت ناقصة، وتتطلب المزيد من البحث - قول باطل. فهذا الكلام يثبت أنه ليس في مستطاع الانسان أن يحصل على هذا الأساس أبدا.

لقد قطعنا شوطا كبيرا في مضمار البحوث الطبيعية بنتائج باهرة في كل مجال، ولكنا، رغم جهودنا المضاعفة في البحث عن القوانين المدنية، لم نحرز نجاحا، ولو بنسبة واحد في المائة من الدرجة المطلوبة. وهذه الخيبة تؤكد أن اخفاقان لايرجع الى نقص الجهود، وانما سببه الحقيقي أن هذا الأمر خارج - على الاطلاق - عن نطاق بحث الانسان.

***

لقد صور الانسان أول صورة فوتوغرافية في عام ١٨٢٦م. وقد بذل العالم الفرنسي، الذي اخترع الجهاز، ثماني ساعات متواصلة لتصوير شرفة المنزل. والآن تستطيع آلات

___________________

(١) لذلك أمثلة رائعة في العصور الأولى لخلافتنا الاسلامية، حين كان العاديون من افراد الشعب يحتكمون الى القضاة ضد الخلفاء وعمال الأقاليم وكبار رجال الدولة. بل وهاك أمثلة في العهود القريبة جدا، ومنها، على سبيل المثال وليس الحصر، أن افراد الشعب العاديين احتكموا الى المحاكم - عدة مرات ضد الامبراطور المسلم المغولي «جهانكير» - ابن الامبراطور «أكبر» - الذي حكم الهند في القرن السابع عشر. - (المعرب).

أقول: أليس هذا أثرا من آثار المباديء المحمدية السامية، وانعكاسا لقولة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدوية في سمع الزمان: «أتشفعون في حد من حدود الله؟ والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها».؟. - (المراجع).

١٦٧

تسجيل الأفلام أن تصور أكثر من ألفي صورة في الثانية الواحدة، ومعنى ذلك أننا نستطيع اليوم أن نصور أكثر من ستين مليون صورة، في نفس الوقت الذي استغرقته عملية التصوير الأولى، أي أن سرعتنا قد زادت ستين مليون مرة، في ١٤٠ سنة فقط!!.

وعند بدء هذا القرن العشرين لم يكن يوجد في شوارع الولايات المتحدة غير أربع سيارات، على حين تمرق الآن على شوارعها الفسيحة عشرة ملايين سيارة.

ويمضي الاعجاز العلمي بالانساني الى أن يقسم الزمان الى ٠٠٠٠٠٠، ١/١ جزء من أجزاء الثانية! وتستطيع المراصد العلمية أن تكشف عن أدنى فارق في حركة دوران الأرض - حتى ولو بلغ في مدته٠٠٠٠٠٠،١/١!.

لقد اخترعنا آلات حساسة يمكنها الكشف عن فارق الوزن الذي يطرأ على كتابة (حرفين) بالحبر، على ورقة من أوراق موسوعة من ثلاثين مجلدا!.

هذه هي حال الانسان في حقل البحث العلمي، على حين لم يتمكن من احراز أي تقدم - ولو بمقدار (بوصة) - في مجال القوانين المدنية.

وسوف أورد هنا بعض الأمثلة من مختلف مجالات الحياة، لنتبين مدى صدق القول: بأن الدستور الالهي هو وحده الأساس الحقيقي، الذي يصلح لأن يكون مصدرا لقوانين الحياة الانسانية.

***

المرأة والمجتمع

ان الاسلام لاينظر الى المرأة والرجل نظرة واحدة، فهو يحرم العلاقات الحرة بينهما. وقد أخذ العلماء عند بدء العصر العلمي يسخرون من هذه القوانين، وأطلقوا عليها: «مخلفات العصر الجاهلي».

وقالوا بشدة: ان الرجل والمرأة متساويان، ويرثان النسل الانساني بطريقة متساوية، ولسوف تكون جريمة كبرى لو اقمنا العقبات في طريق علاقاتهما الحرة.

وقد أنتجت هذه الفكرة مجتمعا جديدا في الغرب. بيد أن التجارب الطويلة المريرة التي مرت بها الانسانية بعد هذه الاباحة الجنسية هي أقصى ما عاناه البشر؛ فقد ثبت بعد هذه التجارب أن المرأة والرجل لايتساويان فطريا، ولاطبعيا، وأي مجتمع يقوم على أساس مساواتهما سوف يسبب خرابا ودمارا عظيمين للحضارة البشرية.

***

١٦٨

(١) ان أول حقيقة في هذا الأمر هي أن الرجل والمرأة يختلفان كل الاختلاف في نوعية كفاءاتهما الطبيعية، واعتبارهما متساويين انما هو مخالفة كبرى لقوانين الطبيعة في حد ذاتها.

كتب الدكتور «الكسيس كيريل»، الحائز على جائزة نوبل للعلم - وهو يبين الفارق العضوي بين الرجل والمرأة - يقول:

«ان الأمور التي تفرق بين الرجل والمرأة لاتتحدد في الأشكال الخاصة بأعضائهما الجنسية والرحم والحمل، وهي لاتتحد أيضا في اختلاف طرق تعليمهما؛ بل ان هذه الفوارق هي ذات طبيعة أساسية؛ من اختلاف نوع الأنسجة في جسم كليهما؛ كما أن (المرأة) تختلف عن (المرء) كليا، في المادة الكيماوية التي تفرز من بيض الرحم داخل جسمهما. والذين ينادون بمساواة الجنس اللطيف بالرجل يجهلون هذه الفوارق الاساسية، فيدعون أنه لابد أن يكون لهما نوع واحد من التعليم والمسئوليات والوظائف. ولكن المرأة في الواقع تختلف عن الرجل كل الاختلاف؛ فكل خلية من جسمهما تحمل طابعا أنثويا، وهكذا تكون أعضاؤها المختلفة بل واكثر من ذلك هذه هي حال نظامها العصبي.

ان قوانين وظائف الأعضاء محدودة ومنضبطة كقوانين الفلك، حيث لايملك احداث أدنى تغيير فيهما بمجرد الأمنيات البشرية، وعلينا أن نسلم بها، كما هي، دون أن نسعى الى ما هو غير طبيعي، وعلى النساء أن يقمن بتنمية مواهبهن بناء على طبيعتهن الفطرية، وأن يبتعدن عن تقليد الرجال»(١) .

ولقد صدقت التجارب العملية نتائج هذه الفوارق الطبيعية، فقد فشلت المرأة أن تحرز أية مساواة مع الرجل في أي ميدان. حتى ان الرجل يتقدم المرأة في الميادين التي كانت تعتبر حكرا على المرأة في الماضي. ومن ذلك ان المرأة فشلت في المساواة مع الرجل في حقل السينما. وليس الرجل هو الذي يدير كل ما هو متعلق بالسينما، ومع ذلك فهو يتقاضى أجرا أكثر من المرأة. فممثل كبير يتقاضى اليوم ستة ملايين روبيه(٢) ، في السنة، على حين لايزيد دخل أعظم ممثلة هندية على أربعة ملايين روبيه!!.

***

___________________

(١) Man the Unknown, p. ٩٣.

(٢) عملة هندية كانت تساوي عشرة منها جنيها مصريا (عند صدور هذا الكتاب)، وأما الآن فستة عشر (١٦) منها تساوي الجنيه المصري الواحد، بعد تخفيض قيمة العملة الهندية عام ١٩٦٦، وبالتالي قفزت دخول الممثلين الهنود الى أرقام خيالية، فجاء في أحدى الاحصائيات الحديثة أن اكبر ممثل هندي (دليب كومار، واسمه الحقيقي يوسف خان) يتقاضى ٠٠٠٠٠٦،١٠ روبية للاشتراك في فيلم واحد، بينما أكبر ممثلة لاتتقاضى الا أقل من نصف هذا الأجر! - المعرب.

١٦٩

وليس هذا هو كل ما في الأمر. فاننا لو أنكرنا القوانين الطبيعية، والضوابط الفلكية، وبدأنا نعمل على عكسها فسوف نكسر رؤوسنا بأيدينا. وهكذا جلب النظام الذي صاغه الانسان - متجاهلا الحيثيات الفارقة بين الجنسين - صنوفا من الأمراض والجرائم الى داخل المجتمع. ان شباب هذا المجتمع الجديد يشكو أنواعا من الأمراض الجنسية والخلقية والنفسية، فضلا عن العصمة التي أهدرها المجتمع، نتيجة هذا الاختلاط المروع.

ومن الظواهر التي تتكرر مرارا أمام أطباء هذا المجتمع أن تدخل فتاة غرفة الطبيب، وهي تشكو من الصداع وقلة النوم، وتمضي بعض الوقت تتحدث عن هذه الآلام. ثم لاتلبث أن تتكلم عن شاب التقت به صدفة منذ مدة. وحينئذ يشعر الطبيب أنها تتعثر وتتلعثم في كلامها، فيقول لها:

“ Well, then he asked you to his flat, what did you say ?”

حسنا! ثم دعاك الى شقته، فماذ قلت له؟».

وتقول الفتاة في دهشة:

«كيف عرفت ذلك، لقد كنت أريد أن أقول لك ذلك حالا!».

ومن الممكن قياس كل ماستقول الفتاة للطبيب بعد هذا الحديث. وهذا هو الذي دفع علماء الغرب الى الشعور بخيبة الأمل، فانتهوا الى أن الحفاظ على العفة والعصمة «كلام فارغ» في ظل مجتمع العلاقات الحرة. وقد قال طبيب غربي:

«من الممكن أن يصل الرجل والمرأة الى نقطة، يستحيل عندها التحكم في الأعصاب، والاحساس بالعواقب».

وقد بدأت حملة شديدة ضد هذه الظواهر في صورة المقالات والكتب. وبدأ بعض علماء الغرب يشعرون بالكارثة التي تهدد حضارتهم. ولكنهم، رغم ذلك كله، غير قادرين على فهم جذور الموقف.

ولقد نشرت الطبيبة المعروفة «ماريرن هيليارد» مقالا عنيفا ضد الاختلاط الحر، فقالت: «انني لاأستطيع أن أسلم، كطبيبة، بأن العلاقات الطاهرة ممكنة بين رجل وامرأة، ينفردان برضاهما وقتا طويلا».

ولكن الدكتورة «هيليارد» تستطرد قائلة:

«ولست على هذه الدرجة من الغباء، حتى أنصح الشبان والفتيات أن يمتنعوا عن التقبيل. ولكن أكثرية الأمهات لاتخبرن أولادهن أن القبلة لاتبرد العواطف، وانما تلهبها»(١) .

___________________

(١) مجلة «ريدرز دايجست»، عدد ديسمبر عام ١٩٥٧.

١٧٠

وتسلم الدكتورة «هيليارد»، بهذا القول، بالقانون الالهي الذي يحرم هذه الظواهر، حتى لايصل الانسان الى حافة الجرائم الجنسية القبيحة؛ ولكن الطبيبة لاتعرف: كيف تحرم هذه الظاهرة التي تنتهي الى الأعمال الشيطانية لامحالة؟!.

***

(ب) لقد أباح مشرع الاسلام «تعدد الزوجات»؛ وأثيرت ضجة كبرى ضد هذا التشريع، وأطلق عليه - هو الآخر - أنه «تذكار العصر الجاهلي». ولكن جاءت التجارب العملية لتثبت أنه كان تشريعا مناسبا للطبيعة الانسانية، لأن سد باب تعدد الزوجات انما هو فتح لعشرات الأبواب الفاجرة، غير الشرعية.

وسوف أشير هنا الى النشرة الاحصائية التي نشرتها هيئة الأمم المتحدة في عام ١٩٥٩. لقد أثبت هذه النشرة بالأرقام والاحصائيات: أن العالم يواجه الآن مشكلة «الحرام أكثر من الحلال) more out than in في شأن الوليد! وجاء في هذه الاحصائية أن نسبة الأطفال غير الشرعيين قد ارتفعت الى ستين في المائة. وأما في بعض البلاد، وعلى سبيل المثال «بناما» فقد جاوزت هذه النسبة الخمسة والسبعين في المائة، أي أن ثلاثة عن طريق الحرام من كل أربعة مواليد! وأرفع نسبة لهؤلاء الأطفال غير الشرعيين موجودة في أمريكا اللاتينية.

وتثبت هذه النشرة أيضا أن نسبة الأطفال غير الشرعيين تصل الى «العدم» في البلدان الاسلامية. وتقول النشرة: ان نسبة هؤلاء الأطفال أقل من واحدة في المائة في جمهورية مصر العربية، مع أنها أكثر البلاد الاسلامية تأثرا بالحضارة الغربية.

فما الأسباب التي تحمي الدول الاسلامية من هذه البلية؟.

يقول محررو هذه النشرة الاحصائية: ان البلدان الاسلامية محفوظة من هذا الوباء لانها تتبع نظام «تعدد الزوجات»(١) .

لقد استطاع هذا القانون الالهي الحكيم أن يحمي بلادنا الاسلامية من كارثة محققة في هذا العصر.

فقد أكدت تجارب الانسانية أن القانون الالهي القديم هو الذي كان مبنيا على الحق، والرحمة بالانسانية(٢) .

___________________

(١) جريدة Hindustan Times ، عدد١٢ سبتمبر سنة ١٩٦٠.

(٢) لم يستطع محررو النشرة الاحصائية أن يشيدوا بالدين السلامي وروحه (وذلك راجع الى تعصبهم أو جهالتهم بالحقائق، أو الى الاثنين معا)، فمن مزايا الاسلام أنه يحرم «الزنا»، وتحريمه هذا هو الذي يحمي المسلمين، سواء أكانوا من متعددي الزوجات أم من غيرهم، وذلك لأن ظاهرة تعدد الزوجات آخذة في الاختفاء من المجتمع الاسلامي، بسبب الحملات السخيفة التي تعرضت لها من جانب علماء الغرب، والمتفرنجين من أبناء الشرق المبهورين بالحضارة الغربية (والذين يطلق عليهم مؤلف هذا الكتاب كلمة «الانجليز السود» المتحمسون للحضارة الغربية أكثر من أصحابها). وترتبت على هذا الوضع مشكلات خطيرة - من عائلية واجتماعية الى حضارية، بسبب عدم اكتفاء الكثيرين من الأزواج بزوجة واحدة، وكثرة الفتيات والأرامل الطالبات للزواج، وقلة الشبان، وهذه مشكلات يعاني منها مسلمو الهند وباكستان بشدة أكثر من اخوانهم العرب - المعرب

١٧١

التمدن

شرع الاسلام القصاص ممن قتل عمدا، الا أن يرضي ورثة القتيل بالدية. ولقد تعرض هذا القانون لنقد شديد من جانب رجال القانون في العصر الحاضر، وأهم ما يستدلون به: أن معنى هذا التشريع أن تضيع نفس أخرى، بعد أن ضاعت الأولى بالفعل؛ ودفعهم هذا الى الغاء نظام (الأعدام شنقا) في كثير من البلاد.

ان القانون الذي يقرره الاسلام له فائدتان هامتان:

أولاهما: أن تستأصل جذور هذه الجريمة، لأن أحدا من الآخرين لن يندفع الى ارتكابها مرة أخرى نظرا للعاقبة الوخيمة التي لقيها أحد أفراد المجتمع(١) .

وأما الثانية: فهي «الدية»، وقد راعى المشرع النتائج مراعاة تامة، فلو قتل الابن الوحيد لشيخ، فعلى القاتل أن يدفع لوالد المقتول مبلغا من المال يرضيه، فيعفوا عن الجريمة لقاء المبلغ الذي تقاضاه. وقد جعل التشريع الاسلامي حقا للدولة أن تأمر برفع مبلغ الدية، اخمادا لنار «الثأر».

ان هذا التشريع حكيم لدرجة عظيمة، وتجربته تؤكد أن غريزة القتل قد قضى عليها في أي بلاد طبقته، كما أكدت التجارب أيضا أن أي بلاد ألغت هذا التشريع قفزت فيها جرائم القتل الى نسب خيالية، حتى ان نسبة الاغتيالات قد ارتفعت في بعض هذه الدول الى اثنتي عشرة في المائة.

وهناك أمثلة أخرى عديدة: بلاد ألغت عقوبة القصاص، ولكنها عادت فأقرته مرة أخرى، نظرا للعواقب. فقد أصدر البرلمان السيلاني قانونا سنة ١٩٥٦ يحرم القصاص في حدود سيلان.

___________________

(١) الدولة الوحيدة التي تطبق النظام الاسلامي في هذا المجال هي المملكة العربية السعودية، ومن المعروف لكل المهتمين بالشئون السعودية أن نسبة القتل بها أقل نسبة في العالم كله، فالمعدل السنوي لحوادث القتل بالمملكة السعودية لايزداد عن «بضع» حوادث، وذلك راجع الى العقوبة التي يلقاها المجرمون، وكذلك تنعدم حوادث السرقة بهذه المملكة، للسبب نفسه - المعرب.

١٧٢

فارتفعت نسبه جرائم القتل ارتفاعا مخيفا بعد صدور القانون، ولم يستيقظ السيلانيون من سباتهم الا يوم ٢٦ سبتمب ١٩٥٩، عندما تسلل رجل مسلح داخل منزل رئيس الوزراء السيد بندرانيكه، وقتله بكل جرأة في غرفته، وكان أول ما فعله أعضاء البرلمان السيلاني بعد دفن جثمان رئيس الوزراء المأسوف له، أن عقدوا جلسة طارئة استغرقت أربع ساعات، وأعلنوا عند ختامها أن سيلان قررت الغاء القانون، واصدار قانون جديد بتشريع القصاص.

***

المعيشة

ان النظام الذي يقره الاسلام في المعيشة يسلم بالملكية الفردية لوسائل الانتاج الزراعي، وهيكل المعيشة في الاسلام يقوم على أساس الملكية الفردية. وقد راج هذا النظام عصورا طويلة في العالم(١) . ثم تعرض بعد الثورة الصناعية لنقد قاس؛ حتى ان المثقفين رضوا بالغائه.

وقد راج في أوربا، فيما بين النصف الأخير من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، شعور بأن الملكية الفردية أحد القوانين المجرمة التي تفشت في عصر الجاهلية المظلم. وأنهم قد استطاعوا الآن أن يكشفوا عن نظام «الملكية الجماعية» - التي هي أقوى أساس لتنظيم المعيشة.

ثم بدأت أول تجربة للنظرية الجديدة - الملكية الجماعية؛ ونفذت على رقعة واسعة من الأرض، وبدأت دعاية كبيرة في شأنها؛ وعقدت عليها آمال كبار، ولكن التجربة الطويلة أثبتت أن هذا النظام، رغم الجهود الضخمة التي بذلت في سبيله، لم يأت الا بانتاج أقل من الانتاج الذي يأتي به نظام الملكية الفردية.

هذا، فضلا عن نقائصه الكثيرة التي تتلخص في كونها غير طبيعية، الى استخدام العنف لتفيذها؛ وأنها تمنع التقدم الانساني، وأنها أكثر من الأنظمة الرأسماية تركيزا، واستغلالا، ودكتاتورية.

***

وسوف أضرب هنا مثالا لروسيا؛ لقد نفذت الحكومة الروسية نظام (الملكية الجماعية) في جميع أنحاء البلاد؛ والدولة تملك جميع الأراضي الزراعية، فهي تقوم بزراعة أراضيها في صورة «المزارع الجماعية». وقد منح القانون الزراعي الذي أصدرته الدولة عام ١٩٣٥ الفلاح حقا بملكية الثلث أو نصف الفدان؛ أو فدانين في بعض الأحوال الاستثنائية، وسمح له أن يربي بعض الأنواع من الحيوانات، مثل الأبقار والأغنام والدجاج.

___________________

(١) نظام الملكية الفردية الذي راج في العالم هو أثر من آثار الدين. ولذلك خالف «ماركس» وأتباعه الأديان بشدة، حتى يتمكنوا من طرد فكرة الملكية الفردية من أذهان الأفراد.

١٧٣

وتثبت الاحصائية الرسمية آلتي نشرت عام ١٩٦١ أن الأراضي الزراعية في روسيا في ذلك الوقت كانت ٢٠٤ مليون هكتار، منها أراض قدرها ستة ملايين هيكتار في حوزة الملكية الفردية؛ أي ثلاثة في المائة من مجموع مساحة الأراضي الزراعية، ولكن نسبة المحصول الزراعي للبطاطس عام ١٩٦١ كانت كما يلي:

نسبة الاراضي المزروعة (بالفدان)

نسبة المحصول (بالطن)

المزارع الجماعية

٤.٣٥٢.٠٠٠

٣٠.٨٠٠.٠٠٠

الاراضي الفردية

٤.٥٢٦.٠٠٠

٥٣.٥٠٠.٠٠٠

وتؤكد هذه الاحصائية أن المحصول الزراعي كان أحد عشر طنا من البطاطس في الأراضي الفردية، مقابل سبعة أطنان في الأراضي الحكومية. وهذه النسبة توجد كذلك في المحاصيل الأخرى، على حين أن الاراضي الفردية لا تتمتع بتسهيلات الآلات الزراعية، والسماد، والكفاءات التي تتمتع بها المزارع الجماعية الحكومية.

وأما الماشية فهي أسوأ حالا في المؤسسات الحيوانية الحكومية، فهي تموت بكثرة بسبب نقص الكلأ، والاستهتار في الرعاية؛ وقد مات٠٠٠،١٧٠ من الرءوس في اقليم واحد، في مدة أحد عشر شهرا عام ١٩٦٢.

وأما حيوانات الملكية الفردية فهي آخذة في الازدياد والنمو يوما بعد يوم، رغم العقبات العديدة، وهي كذلك أكثر انتاجا من غيرها. فالمؤسسات الحكومية التي تملك سبعين في المائة من الحيوانات والدجاج لم تقدم للسوق من اللحوم الا ما يزيد على عشرة في المائة بالنسبة الى أصحاب الملكية الفردية، الذين لايملكون أكثر من ثلاثين في المائة من الحيوانات والدجاج، ويقدمون انتاجهم للحكومة، وهو مايبقى لديهم بعد استهلاكهم الذاتي. وقد تخلفت المؤسسات الزراعية الحكومية كثيرا في انتاج البيض. ويمكن استنتاج هذه الفوارق من احصائية رسمية لعام ١٩٦١:

المحصول

النسبة الحكومية (بالطن)

النسبة الفردية (بالطن)

اللحم

٤.٨٠٠.٠٠٠

٣.٩٠٠.٠٠٠

اللبن

٣.٤٠٠.٠٠٠

٢٨.٥٠٠.٠٠٠

الصوف

٣٨٧.٠٠٠

٧٩.٠٠٠

البيض

٦.٣٠٠ (مليون بيضة)

٧٩.٠٠٠ (مليون بيضة)

انه لمن الطريف أن يقوم الأفراد بسد حاجات حكومة تملك، بل تحتكر كل وسائل الانتاج! ان الاحصائية تدلنا على أن احدى الجمهوريات السوفيتية حصلت من الافراد على ستة وعشرين في المائة من البطاطس، وأربعة وثلاثين

١٧٤

في المائة من البيض، لسد احتياجاتهم المحلية، وهكذا اضطرت الى شراء أشياء أخرى من الأفراد، لاستهلاكها محليا(١) .

ومن العواقب الوخيمة لهذه الملكية الجماعية أن روسيا - التي كانت من بين الدول الكبرى المصدرة لانتاجها

الزراعي في عهد القيصرية اضطرت الى شراء خمسة عشر مليونا من أطنان القمح، من كل من: استراليا، وكندا، والولايات المتحدة الأمريكية. وهذه الحال مستمرة في التدهور، فقد اشترت روسيا٠٠٠،٢٥٠،١ طنا من القمح من الولايات المتحدة، فيما بين ١٩٤١ - ٥٦. وهذا هو الذي يجري في الصين الشيوعية(٢) .

***

وتؤكد هذه التجارب القاسية التي خاضتها البشرية أن العقل الالهي - الذي هو منبع القانون الحقيقي - هو أعرف بالطبيعة الانسانية، وأكثر فهما لمسائلها ومشكلاتها.

ان في الدين جوابا محددا لكل الأسئلة التي تؤرقنا في كفاحنا الحضاري. انه يوجهنا الى المشرع الحقيقي الطبيعي؛ وهو يضع لنا الأساس النظري للقانون. فهو يمنحنا اساسا صائبا لكل مسألة في الحياة البشرية حتى يمكن لها الوصول الى أعلى درجات الازدهار والرقي؛ وهو الصورة الوحيدة للمساواة الكاملة بين الحاكم والرعية. وهو يهيء الأساس النفسي، الذي يصبح القانون بدونه مشلولا بلا حراك، وهو يخلق لنا ذلك المناخ المناسب الذي لابد منه لتطور أي مجتمع تطورا حيويا وفعالا.

وهكذا يعطينا الدين كل ما نحتاج اليه لبناء الحضارة؛ في حين لايتيح لنا الالحاد والكفر شيئا ما، سوى الضياع والفاقة، فهو عقيم لايجدي نفعا.

***

___________________

(١) Buletin (Germany), Nov. ١٩٦٣

(٢) Ibid, Oct. ١٩٦٣.

١٧٥

الباب التاسع : الحياة التي ننشدها

كتب «فريدرك أنجلز»:

«لابد للانسان أن يجد لباسا يستر به جسده، وخبزا يشبع به بطنه، حتى يستطيع الخوض في الفلسفة والسياسة».

والواقع أن الأسئلة الأولى التي يسعى الانسان الى معرفة جواب عنها في حياته هي:

من أنا؟.

وما هذا الكون؟.

وكيف بدأت حياتي؟.

والى أين ستنتهي؟.

انها أسئلة الفطرة الأساسية. فالانسان يفتح عينيه في عالم يحوي كل شيء، غير جواب هذه الأسئلة؛ فالشمس توصل اليه الحرارة اللازمة، ولكن الانسان غافل عن حقيقتها، وعن أسباب قيامها بهذه العملية لخدمته، والهواء يعطي الحياة للانسان، ولكن الانسان غير قادر أن يؤثر فيه ليجيب عن السؤال: من أنت؟ ولماذا تقوم بهذا العمل؟.

انه يمعن في وجوده، ولكنه لايفهم من هو؟ ولماذا جاء الى هذه الدنيا؟.

والذهن الانساني غير قادر على وضع اجابات هذه الأسئلة الأساسية في حياة البشر، ولكنه لن يتخلى عن بحث، ولن يمل هذا البحث عن جواب.

هذه الأسئلة، وان وردت ألفاظا على ألسنة الجماهير، فانها تؤلم روحها، وهي ترد أحيانا بطريقة يصاحبها الانفعال، حتى يصبح الانسان مجنونا.

***

لقد عرفنا «أنجلز» مفكرا ملحدا، ولكن الحاده أتى عن طريق المجتمع المصاب بالبلبلة وعدم الاستقرار. لقد كان شغوفا بالدين، وكان يقضي وقتا طويلا في الكنيسة؛ ولكنه بعد

١٧٦

١٧٧

ما كبر وتوسع نظره في الدراسة أعرض عن الدين التقليدي. وهو يكتب أحوال هذه الفترة في خطاب له الى أحد أصدقائه، قال:

«انني أدعو كل يوم، واقضي اليوم كله داعيا أن تنكشف لي الحقيقة. لقد أصبح الدعاء هوايتي، منذ وجدت الشكوك طريقها الى قلبي؛ انني لاأستطيع أن أقبل عقائدكم. ان قلبي يفيض بالدموع الغزار وأنا أكتب هذه السطور، قلبي يبكي، عيني تبكي، ولكنني أشعرأنني لست بطريد منرحمه‌الله ، بل آمل أن أصل الى هذا الذي أتمنى رؤيته بكل قلبي وروحي. وأقسم بحياتي أن عشقي وبحثي هذا لمحة من روح القدس. ولن أقلع عن تفكيري هذا، ولو كذبه الانجيل المقدس عشرة آلاف مرة!!».

لقد أقلقت غريزة البحث عن الحق روح «أنجلز» الشاب، ولكن الدين المسيحي التقليدي لم يمنحه السكينة التي كان ينشدها، فانقلب متمردا عليه، وانغمس في الفلسفات السياسية، والمادية الالحادية.

***

وجذور هذه الغريزة الانسانية هي احساس البشر بحاجتهم الى الرب الخالق؛ ففكرة: «الله خالقي وأنا عبده» منقوشة في اللاشعور الانساني؛ وهي ميثاق سري مأخوذ على الانسان منذ يومه الأول، وهو يسري في كل خلية من خلايا جسمه؛ وعندما يفتقد انسان ما هذا الشعور يحس بفراغ عظيم، وتطالبه روحه من أعماقه أن يبحث عن الهه الذي لم يره قط، والذي لو وجده لخر راكعا على ركبتيه، ثم ينسى كل شيء.

وليس الاهتداء الى معرفة الله غير الوصول الى المنبع الحقيقي لهذه الفطرة الانسانية، والذين لايهتدون الى المعرفة يقبلون على أشياء أخرى. فان كل قلب يبحث عمن يهدي اليه خير أمانيه.

***

وعندما رفرف العلم الوطني لأول مرة على الأبنية الحكومية في الهند بدلا من العلم البريطاني: «اليونيان جاك»، في صباح يوم ١٥ أغسطس عام ١٩٤٧ - اغرورقت عيون كثيرة بالدموع، وهي ترى الصورة التي طالما حلمت بها. وكانت هذه الدموع مظهرا لعلاقة أصحابها «بالمعبودة: الحرية»، التي ضحوا من أجل الحصول عليها بخير أيام حياتهم.

وهكذا عندما يذهب زعيم وطني الى ضريح «أبي الوطن» ويضع عليه اكليل الزهور، ثم يقف أمامه لحظة مطأطئا رأسه، فهو حينئذ يباشر نفس العمل الذي يقوم به المؤمن أمام معبوده، حين يركع ويسجد.

وحين يمر شيوعي أمام تمثال «لينين» ويرفع قبعته عن رأسه، ويبطىء في سيره، يكون

١٧٨

هو الآخر، مثل رجل الدين، يقدم أحسن تمنياته الى الهه. فكل انسان مجبور على أن يتخذ شيئا ما الها له، ويقدم له قرابين أمانيه الصادقة.

ولكن الانسان اذا قدم هذه القرابين لغير الله، فهو يشرك بمن يستحق وحده العبادة. و( إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‌ ) (١) ، والظلم أن تضع الشيء في غير موضعه، فلو كنت تريد أن تتخذ من غطاء الوعاء قبعة فهو «ظلم»، والانسان عندما يميل الى غير الله لملء فراغه النفسي ويتخذ من غير الله ملجأ له، فهو ينحاز عن مكانه الصحيح، ويتخذ من غريزته أسوأ أسباب الضلال.

وكما كانت هذه الغريزة فطرية، فانها تظهر دائما في صورتها الطبيعية متجهة الى الله، ولكن المجتمع، وأحوال البيئة، يعطيان هذه الغريزة اتجاها مغايرا، فتبدأ الشكوك تساور الانسان في أول الأمر، ولكنه سرعان مايتخلص من هذه الشكوك، عمدا أو عفوا، لأنه يتمتع بحرية أكثر في الحياة الجديدة، فيرضى بها ولو ظاهريا.

***

فقد كان «برتراند رسل» شديد العلاقة بالدين في أول حياته، وكان يواظب على حضور صلوات الكنيسة باهتمام، وفي يوم من الأيام سأله جده: ما تكون دعواتك المفضلة يا «برني»؟.

فأسرع الشاب برتراند رسل يقول: «لقد سئمت الحياة، وأنا مدفون تحت وطأة ذنوبي - يا الهي!» وعندما جاوز برتراند الثالثة عشرة من عمره بدأت خواطر التمرد تراود ذهنه، بفعل البيئة التي أحاطت به، الى أن تحول ذلك الطفل المواظب على صلوات الكنيسة فأصبح من بعد برتراند رسل الفيلسوف الملحد، الذي لايؤمن بالحقائق السماوية. وقد أجرت الاذاعة البريطانية حديثا معه عام ١٩٥٩، وعندما سأله «فريمان» - المعلق السياسي بالاذاعة -:«هل وجدت أن هواية الاشتغال بالرياضيات والفلسفة يمكن أن تحل محل المشاعر الدينية عند الانسان؟، أجاب «رسل» قائلا: «نعم، لقد وصلت في سن الأربعين الى الطمأنينة التي قال عنها «أفلاطون»: انه يمكن الحصول عليها من طريق الرياضيات. انها عالم أبدي، حر، لايقاس بزمان. ولقد حظيت في هذا العالم بسكينة تشبه تلك التي يحصلون عليها في الدين».

لقد أنكر هذا المفكر البريطاني حقيقة المعبود السماوي، ولكنه لم يستطع الاستغناء عن ضرورتها القصوى، بسبب الغريزة الفطرية التي ولد بها الانسان، فجاء بالرياضيات والفلسفة، وأجلسهما في المقعد المخصص لله وحده. بل اضطر أيضا أن يخلع على الرياضيات والفلسفة

___________________

(١) لقمان:١٣.

١٧٩

نفس الصفات التي ينفرد بها الله سبحانه، وهي: الابدية، والتحرر من أبعاد الزمن، والسر في ذلك أن لايمكن الحصول بدونهما على الطمأنينة التي يبحث عنها الانسان.

***

«جواهر لال نهرو في حالة الركوع!» لو كانت الصحف قد نشرت هذا الخبر في يوم من الأيام لما صدقها الناس! ولكن الصورة التي تحملها الصفحة الأخيرة من جريدة «هندوستان تيمس»، الصادرة في دلهي يوم ٣ أكتوبر من عام ١٩٦٣، تصدق هذا الخبر. وقد ظهر في تلك الصورة رئيس وزراء الهند الأسبق في حالة ركوع، واقفا أمام ضريح المهاتما غاندي في ذكرى ميلاده، وهو يقدم تمنياته الى «أبي القومية الهندية»!.

ان مثل هذه الأحداث تقع كل يوم في كل مكان من العالم، وآلاف من الناس الذين ينكرون وجود الله يركعون أما معبوداتهم، تسكينا لغريزتهم التعبدية، وذلك لأن «الاله» ضرورة فطرية للانسان. وهذه المظاهر كافية لتأييد هذه الغريزة على أنها طبيعية، لأن الانسان يضطر الى الركوع أمام آخرين كثيرين، اذا ماامتنع عن السجود أمام «الله الواحد»؛ أي أن فطرته لن تتمكن من ملء الفراغ الذي يخلو عنه انكار وجود الله، والالحاد.

***

وليست الحقيقة أن يتخذ الانسان آلهة آخرين عند الكفر بالله، فيسكن غريزته، بل سوف أقول: ان الذين يتخذون من غير الله الها محرومون من الاستقرار والطمأنينة الحقيقيين، كالطفل اليتيم الذي يحاول أن يتخذ من مصنوعات البلاستيك «أما» له.

وكل ملحد، مهما بدا له، أو للآخرين، أنه ناجح، يتعرض في حياته لمواجهة لمحات، يضطر ازاءها أن يفكر فيما اذ كانت الحقيقة التي قبلها - مصطنعة وزائفة؟.

***

وعندما ختم «جواهر لال نهرو» سيرته الذاتية سنة١٩٣٥، أي قبل اثني عشر عاما من استقلال الهند، كتب في خاتمتها قائلا:

«انني لأشعر أن فصلا من حياتي قد انتهى، وأن فصلا آخر على وشك البدء، ترى ماذا سيحوي هذا الفصل؟ لايستطيع أحد أن يتنبأ به؛ فان أوراق الحياة القادمة مختومة».

وعندما ظهرت الأوراق الأخرى من حياة نهرو، وجد نفسه رئيسا لوزراء ثالث كبريات دول العالم، يحكم سدس المعمورة بدون شريك. ولكن «نهرو» لم يقتنع بهذا، بل مازال يشعر، وهو في أوج بروزه السياسي، أن هناك فصولا أخرى من كتاب حياته لما تفتح

١٨٠