الاسلام يتحدى

الاسلام يتحدى0%

الاسلام يتحدى مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 190

الاسلام يتحدى

مؤلف: وحيد الدين خان
تصنيف:

الصفحات: 190
المشاهدات: 59270
تحميل: 6973

توضيحات:

الاسلام يتحدى
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 190 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59270 / تحميل: 6973
الحجم الحجم الحجم
الاسلام يتحدى

الاسلام يتحدى

مؤلف:
العربية

لقد كان يعتمل في قرارة ذهنه نفس السؤال الذي يولد معه الانسان، وقد قال نهرو، وهو يخاطب مؤتمر المستشرقين الذي انعقد في دلهي في يناير من عام ١٩٦٤ والذي اشترك فيه ألف ومائتان من الممثلين من جميع أرجاء العالم، قال:

«انني سياسي، ولا أجد وقتا كثيرا للامعان والتفكير. ولكنني أضطر في بعض الأحيان أن أفكر: ماحقيقة هذه الدنيا؟ ومن نحن؟ وماذا نقوم به؟ انني على يقين كامل أن هناك قوى تصوغ أقدارنا»(١) .

وهذا هو الشعور بعدم الطمأنينة الذي يسيطر على أرواح الذين يكفرون بالله معبودا لهم، ويخيل اليهم في غمرة الملذات المؤقتة والأعمال الدنيوية الشاغلة - أنهم قد ظفروا بالاستقرار. ولكنهم لايلبثون أن يحسوا مرة أخرى بأنهم محرومون من الطمانينة والسعادة والاستقرار.

وهذه الحالة التي تنعدم فيها الطمأنينة والاستقرار لدى القلوب المحرومة منرحمه‌الله ليست مسألة أيام هذه الحياة المؤقتة وسنيها. وانما هي أهم من ذلك بكثير.

انها مسألة أزلية وأبدية، تتمثل فيها آثار الحياة المعتمة الحالكة، التي يقف على حافتها هؤلاء الأصحاب.

انها البادرة الأولى لحياة الخنق الأبدية، التي سوف يواجهونها بعد موتهم دون شك.

انها أجراس التنبيه الأولى في حياتهم، تنذرهم بالأحوال الرهيبة، والظروف المروعة التي سوف تمر بها أرواحهم.

وهي دخان من الجحيم الذي لابد لهم أن يخلدوا فيه.

ولو أن النيران شبت في منزل أحدهم، فقد ينبهه الدخان الذي سيدخل في أنفه الى الخطر الوشيك، وهو يستطيع أن ينقذ نفسه لو استيقظ في الوقت المناسب، ولكن حين تمسك السنة النيران بسريره فسيكون الأوان قد فات. ولات حين مناص، بل هو الهلاك الذي يحيط به من كل جانب، فقد قدر له أن يحترق في النيران، لبلادة حسه، وجهالته من أمره.

ترى، هل يستيقظ الناس في ابان النجاة؟ فان اليقظة النافعة هي التي تكون قبل فوات الأوان، واليقظة عند الهلاك والدمار لاتمنح صاحبها غير القرار في قاع البوار.

***

كتب البروفيسور «مايكل بريتشر» ترجمة لحياة جواهر لال نهرو - وقد سأل المؤلف نهرو في لقاء له معه بنيودلهي في ١٣ يونيه من عام ١٩٥٦:

___________________

(١) جريدة National Herald عدد ٤ يناير عام ١٩٦٤.

١٨١

«ما المقومات اللازمة لبيئة صالحة - طبقا لفلسفتكم الأساسية في الحياة؟».

وأجاب رئيس الوزراء الأسبق قائلا:

«انني أؤمن ببعض المعايير، قل: انها (المعايير الأخلاقية)، ولابد لكل فرد وبيئة من التمسك بها، وعند القضاء على هذه المعايير لايمكنك الوصول الى نتائج مفيدة، رغم احراز التقدم المادي الهائل، وأما (سبل) اقامة هذه المعايير والاحتفاظ بها في المجتمع، فانني لاأعرفها، وهناك نظرة دينية لاقامة هذه المعايير، ولكنها تبدو الي ضيقة جدا مع كل طقوسها وطرقها، فأنا أهتم اهتماما كبيرا بالقيم الأخلاقية الروحية، بعيدا عن الدين، ولكنني لاأعرف كيف يمكن الحفاظ على هذه القيم في الحياة الجديدة. انها لمشكلة(١) ».

وهذا السؤال وجوابه يبيّنان بوضوح الفراغ الذي يواجهه الانسان بشدة في حياته، فان اقامة القيم والمعايير الأخلاقية من أهم ضرورات كل مجتمع، حتى يتاح له جو الاستقرار لمواصلة مسيرة الحضارة. ولكن الانسان، بعد أن خذل الاله، أخذ يخبط خبط عشواء بحثا عن هذه المعايير، وسبل اقامتها في حياة أفراد المجتمع. ولايزال الانسان، رغم مئات السنين التي مضت، في أولى مراحل بحثه عن هذه المعايير المجردة عن الدين.

انهم يحتفلون، مثلا، بأسبوع الكرم Courtes week لأذابة الحواجز بين الشعب والحكام، ولكن العقلية البيروقراطية لاتذوب عند المسؤولين، رغم كل الجهود التي تبذل في هذه المناسبات باسم «الاخلاق».

ويعلقون على المحطات وداخل عربات القطارات لافتات كبيرة تقول: «ان السفر بدون تذكرة جريمة اجتماعية» - ولكن نسبة السفر بدون التذاكر لاتقل، بل تزداد يوما بعد يوم. وذلك يثبت أن عبارة «جريمة اجتماعية» غير كافية لتحريك ضمير الفرد، والحفاظ على النظام(٢) .

انهم يبذلون جهودا ضخمة للتنفير من الجرائم، عن طريق الصحافة، قائلين مثلا: (الجريمة لاتفيد) Crime does not pay ولكن النسبة المرتفعة للجرائم، يوما بعد آخر، دليل على أن «عواقب الجريمة» في الدنيا ليست رادعة، حتى تمنع المجرمين من القيام بجرائمهم.

___________________

(١) Nehru - A Political Biography, pp. ٦٠٧ ٨

(٢) كل ما يقدمه المؤلف من أمثلة للتدليل على افلاس الفلسفات المادية الالحاية، غربية وشرقية، موجود بوفرة في بلاد شرقنا العربي، وتوحي شواهد الواقع أن الأمور تزداد كل يوم سوءا، نتيجة سيطرة المنحلين والملاحدة على أجهزة التوجيه من جانب، وقعود رجال الدين عن أداء رسالتهم من جانب آخر، ولاحل للمشكلة الا بعودة الأمة الى الله مرة أخرى - (المراجع).

١٨٢

وكثيرا ما طبعوا على جدران المكاتب عبارات تقول: «ان تقديم الرشوة، وقبولها ذنب»، ولكن المرء، عندما يشاهد أن جرائم الرشوة تمضي في طريقها على قدم وساق، بمشهد من هذه العبارات، نفسها، يضطر الى أن يعترف بأن الدعاية الحكومية لن تستطيع أن تمنع هذه الجريمة الاجتماعية القبيحة.

انهم يكتبون في كل عربة من عربات القطار: «ان القطارات ملك للشعب، والحاق أي ضرر بها جريمة ضد الشعب.»، ولكن المسافرين في نفس هذه العربات يسرقون لمباتها الكهربائية الرخيصة، ويحطمون زجاجها، وربما يثورون فيشعلون فيها النيران. وهو دليل على: أن فائدة الشعب ليست بأقوى من فائدة الفرد!!.

ان كبار الزعماء والسياسيين يعلنون في خطبهم: أن استغلال الوسائل الحكومية لصالح الأغراض الفردية خيانة في حق الشعب والدولة». ولكن المشروعات الكبرى تفشل في تحقيق أهدافها، لأن النسبة الكبرى من الميزانية المقررة تأخذ طريقها الى جيوب المسئولين القائمين بأمر هذه المشروعات، بدلا من انفاقها في مكانها الصحيح. وهكذا اختفت المعايير والقيم من الحياة القومية، رغم كل الجهود التي بذلت من جانبي المصلحين والزعماء، وباءت كل الوسائل التي استخدموها بالفشل الذريع(١) .

هذه الظواهر هي في الاوقع دلائل على أن الحضارة الالحادية قد انتهت بركب البشرية الى الوحل، وقد ضللتها عن طريقها، التي لم يكن منها بد لمواصلة المسيرة، ولاحل لهذه الأزمة الا بالرجوع الى الله، والتسليم بأهمية الدين للحياة، فهو الأساس الوحيد الذي يساعد على النهوض بالحياة البشرية على خير وجه، وليست هناك من أسس أخرى.

***

كتب البروفيسور تشستر باولز(٢) ، السفير الأمريكي الأسبق لدى الهند، يقول:

___________________

(١) ان الأمثلة التي ذكرها المؤلف هنا - من أسبوع الكرم الى التلاعب في أموال الدولة - أمور عادية جدا في الهند، وهي تحدث على مسمع ومشهد من الجمهور والمسئولين، وترتب على ذلك أن الحالة الأخلاقية للشعب الهندي آخذة في التدهور بشكل يخيف السياسيين من عواقبها على المدى البعيد، وهؤلاء (الوثنيون منهم أو الملحدون) لايعرفون كيف يسدون هذا السيل الخطر، فغالبيتهم العظمى تجري وراء مصالحها الذاتية، ولذلك قد تفشى الفساد وعمت الرشوة وسادت اعتبارات المحسوبية في كل وسط، من أدناه الى أرقاه وهي حال تدمي قلوب الساسة الوطنيين المخلصين، ولكنهم مغلوبون على أمرهم.

(٢) Chester Bowles هو من أشهر الخبراء الاقتصاديين في الولايات المتحدة الأمريكية المعرب.

١٨٣

«ان الدول النامية تواجه مشكلات من نوعين، في طريق نهضتها الصناعية. والنوعان معقدان غاية التعقيد. فأما أولهما: فهو مشكلات الحصول على رأس المال، والمواد الخام، والخبرة الفنية، وطرق أستخدامها أفضل استخدام. وأما النوع الثاني من هذه المشكلات فيتعلق بالشعب والادارة الحكومية. فعلينا قبل المضي في ثورتنا الصناعية أن نتيقن من أن هذه الصناعة لن تخلق مشكلات أكثر مما تقضى عليه (من المشكلات) فعلا. ومن كلمات المهاتما غاندي: ان المعلومات العلمية والكشوف سوف تزيد من شراهة الانسان، على حين أن الانسان هو الشيء الأهم من كل الأشياء(١) ».

فالشعب مجتمع يخضع للبرامج التقدمية، ولكن عنر التقدم، وهي راس المال والخبرة الفنية، لاتجدي نفعا في مجتمع يسوده الفراغ السياسي والحضاري(٢) .

ماالطريق الى سد هذا الفراغ لبناء مجتمع يضطلع فيه الشعب والحكام. كل بواجبه، لرفع شأن البلاد؟.

انه سؤال بدون جواب لدى المفكرين المحدثين، والحق أن الانسان لن يستطيع الوصول الى جوابه في ظل المجتمع الالحادي. فكل مشروع تقدمي يصاب بتناقض مثير، يتجلى في أن العقائد الشخصية لدى أفراده تخالف العقيدة الاجتماعية. فبرنامج التقدم الاجتماعي مثلا يهدف الى اقامة مجتمع رفاهي يتمتع بالأمن والسلام، ثم يقول المفكرون: «ان هدف الانسان الأساسي هو الحصول على السعادة المادية!» فهم بذلك ينكرون المبدأ الأول لبرنامجهم، لأنهم يحرضون الأفراد على عمل هو عكس مايحتاج اليه المجتمع.

ويرجع هذا التناقض الى أن برنامجا من هذا النوع لم يحقق أهدافه الى يوم الناس هذا، وفشلت جميع الفلسفات المادية للنهوض بالحياة الاجتماعية.

ان معنى الحصول على السعادة المادية هو أن يسعى الانسان بكل قواه الى تحقيق كل ماتصبو اليه أمانيه، ولكن تحقيق الأهداف الشخصية، في هذا ا العالم المحدود، لا طريق اليه دون التأثير على الآخرين. ولذلك، فعندما يسعى الفرد الى تحقيق مطالبه يتحول الى رزء بالنسبة للآخرين. فأمنية الفرد تدمر أماني المجتمع. وحين يجد فرد، يتقاضىمرتبا بسيطا، أن موارده لاتكفي لتحقيق سعادته الشخصية فانه يسعى الى تحقيق ذلك بكل الصور الممكنة، حتى ليقدم على السرقات. الرشاوى، والغش، والتزوير، والاستيلاء على حقوق الغير بالقوة. وعندئذ يبدأ المجتمع في أن يعاني نفس المشكلات التي كان يعاني منها أحد أفراده.

***

___________________

(١) The Makings of a Just Society, Delhi ١٩٦٣ , pp. ٦٨ - ٦٩.

(٢) المرجع السابق: ص - ٣١.

١٨٤

ان العالم الحديث يعاني من مشكلة، لم يجربها الانسان طوال تاريخه هي مشكلة «جرائم الأطفال»، التي أصبحت جزءا من المجتمع الحديث! من أين يأتي هؤلاء المجرمون الصغار؟ انهم ضحايا «السعادة المادية». فكثير من الفتيان والفتيات يسأمون حياة الزواج بعد وقت قليل، وحينئذ يبدأون في البحث عن وجوه وأجساد جديدة، ويحصلون على الطلاق، بيد أن المجتمع هو الذي يدفع ثمن الطلاق، حين يلملم في رحابه «أطفالا يتامى في حياة آبائهم وأمهاتهم»، ومادام المجتمع المنحل هو الآخر لايستطيع أن يهيء لهؤلاء الأطفال الطعام واللباس والمأوى، فهم أحرار من كل قيد، وهم ثائرون على المجتمع الذي أنجبهم. وتبدأ هذه الحال بالصعلكة، ثم تنتهي الى الجرائم القذرة التي كانوا ثمرتها.

ولقد صدق السير الفريد ديننج في مقاله: «ان أكثرية المجرمين الأطفال غير البالغين تخرج من أنقاض «أسر محطمة(١) ».

وهذا التناقض بين الفلسفة الاجتماعية وأهداف الأفراد هو أصل كل المشكلات الاجتماعية. فجميع الحوادث التي نسميها في قواميسنا «جريمة وذنبا» هي محاولة قوم للحصول على أمانيهم الذاتية في الحياة، بعد أن أخفقوا في تحقيقها لسبب أو آخر. وهذه الحواث تظهر في أغلب الأحيان في صور: الاغتيال، والخطف، والتدليس، والتزوير، والقرصنة، والحروب، والزنا، وما الى ذلك من الجرائم التي تعاني منها الانسانية:

وهذا التناقض يبين بجلاء أن هدف الحياة الأساسي هو الحصول على رضا الله في الآخرة، لاغير. انه هو الهدف الوحيد الذي يمكنه انقاذ المجتمع والفرد من التناقض الكبير، والسير بهما في طريق الرخاء والسعادة المتبادلة، لأن الفرد في هذا الهدف لايصادم أماني المجتمع، بل يشترك في كفاحه بطريقة ايجابية فعالة.

فميزة نظرية (الآخرة) تأكيدها على أنها هي الأساس الوحيد لنجاح المشروعات الاجتماعية في حين تبين في نفس الوقت، أنها هي الهدف الوحيد للانسان الفرد أيضا، لأن أي شيء لاعلاقة له بالواقع لايمكنه أن يصبح بهذا القدر العجيب من الأهمية، والموافقة لأهداف البشرية.

***

لقد تقدم الطب الحديث والجراحة الى أقصى حدودهما في هذا القرن، وبدأ الأطباء يقولون: «ان العالم يستطيع القضاء على كل مرض، غير الموت والشيخوخة»!! ولكن الأمراض تكثر وتتشعب، وتنتشر بسرعة مذهلة، ومنها «الأمراض العصبية» التي هي نتائج أعراض التناقض الشديد الذي يمر به الفرد والمجتمع.

لقد حاول العلم الحديث أن يغذي كل الجوانب المادية في الجسم الانساني، ولكنه

___________________

(١) The Changing, p. ١١١.

١٨٥

فشل في تغذية الشعور، والأماني، والارادة، وكانت حصيلة ذلك جسما طويل القامة ممتلىء النواحي، ولكن الجانب الآخر من الجسم، وهو أصل الانسان، أصبح يعاني من أزمات لاحد لها.

لقد أكدت احصائية: أن ثمانين في المائة من مرضى المدن الأمريكية الكبرى يعانون أمراضا ناتجة عن الأعصاب، من ناحية أو أخرى. ويقول علماءالنفس الحديث: ان من أهم جذور هذه الأمراض النفسية: الكراهية، والحقد، والجريمة، والخوف، والارهاق، واليأس، والترقب، والشك، والأثرة، والانزعاج من البيئة. وكل هذه الأعراض تعلق مباشرة بالحياة المحرومة من الايمان بالله.

ان هذا الايمان بالله يمنح الانسان يقينا جبارا، حتى يستطيع مواجهة أعتى المشكلات والصعاب، فهو يجاهد في سبيل هدف سام أعلى، ويغض بصره عن الأهداف الدنيئة القذرة.

ان الايمان بالله يعطي الانسان محركام هو أساس سائر الأخلاق الطيبة، ومصدر قوة العقيدة، العقيدة التي عبر عنها (السير وليام أوسلر) William Osler بقوله: «انها قوة محركة عظيمة، لاتوزن بأي ميزان، ولايمكن تجربتها في المعامل».

ان العقيدة هي سر مخزن الصحة النفسية الموفورة، التي يتمتع بها أصحابها، وأية نفسية محرومة من هذه العقيدة لن تنتهي الا بالأمراض، أقساها وأعتاها.

ومن شقوة الانسان أن علماء النفس يبذلون كل ما يمكنهم من الجهود في الكشف عن أمراض نفسية وعصبية جديدة، ولكنهم في نفس الوقت يهملون بذل الجهود للوصول الى علاج هذه الأمراض. وهذه الظاهرة تثير شعورا كئيبا بأن هؤلاء العلماء قد أخفقوا في الميدان الأخير، ولذلك أكبوا على الميدان الثاني، يسترون خيبتهم، ويظهرون بطولتهم أمام العالم!.

والى ذلك أشار أحد العلماء المسيحيين قائلا: «ان علماء الطب النفسي يبذلون كل جهودهم في كشف أسرار القفل الدقيقة الذي سوف يغلق علينا كل أبواب الصحة!».

فالمجتمع الجديد يسير في اتجاهين في وقت واحد فهو يحاول من جهة الحصول على جميع الكماليات المادية على حين يتسبب - لتركه الدين - في خلق أحوال تجعل من الحياة جحيما، انه يعطيك دواء الشفاء من الفم. ويحقنك السم في العضل!.

وسوف أنقل هنا شهادة لهذه الظاهرة رواها الدكتور بول أرنست أدولف - يقول:

«تعرفت أثناء دراستي بالكلية الطبية على التغييرات التي تطرأ على أنسجة الجسم بعد الاصابة بالجراح، وشاهدت أثناء التجارب بالمنظار المكبر أن أعراضا محددة تطرأ على هذه الأنسجة، مما يؤدي الى اندمال الجروح وشفائها، وعندما أصبحت طبيبا بعد اتمام دراستي

١٨٦

كنت جدا مقتنع بكفاءتي وأنني أستطيع أن أحقق نتيجة موفقة بالتأكيد، باستعمال الوسائل الطبية اللازمة، ولكن سرعان ما أصبت بصدمة كبيرة، حيث فرضت علي الظروف أن أشعر أنني اعرضت عن أهم عنصر في علم الطب، ألا وهو: الله».

«كانت بين المرضى الذين كنت مشرفا علىعلاجهم في المستشفى، عجوز في السبعين من عمرها، أصيب أعلى فخذها بصدام، وأكدت صور الأشعة أن أنسجة جسمها تلتئم بسرعة، فقدمت لها تهنئاتي بسرعة شفائها، وأشار لي كبير الجراحين: أن أطلب منها العدوة الىبيتها بعد أربع وعشرين ساعة، لأنها استطاعت أن تمشي دون أن تستند الى شيء».

«وكان ذلك يوم أحد، حين جاءت ابنتها تزورها على عادتها الأسبوعية، فقلت لها: ان والدتك تتمتع بصحة جيدة الآن، وعليك أن تحضري غدا لترافقيها الى البيت. ولم تلفظ الفتاة بشيء أمامي، بل توجهت الى أمها، وقالت لها: انه تقرر بعد مشورة زوجها أنهما لن يستطيعا تدبير عودتها (الأم) الى بيتهما، وخير لها الآن أن تنظم لها سكنى باحدى «دور العجزة».

وبعد بضع ساعات مررت بسرير العجوز، فشاهدت أن انهيارا سريعا يطرأ على جسمها، ولم يمض أربع وعشرون ساعة حتى ماتت العجوز، لابسبب فخذ مكسور، بل جراء قلب كسير».

«وقد حاولت أن أقوم بجميع الاسعافات اللازمة لانقاذها، ولكن حالتها لم تتحسن. كانت عظام فخذها المكسورة، قد تحسنت كثيرا، ولكنني لم أجد علاجا لقلبها الكسير. أعطيتها كل ماعندي من الفيتامينات، والمعادن، ووسائل التئام العظم المكسور، ولكن العجوز لم تستطع أن تنهض مرة أخرى، لقد انجبرت عظامها دون شك، وكانت تملك فخذا قوية. ولكنها لم تقو على الحياة، لأن الزام عنصر لحياتها لم يكن الفيتاميات، والمعادن، ولا انجبار العظم، وانما كان (الأمل)، الأمل في أن تعيش على نحو معين، فمتى ذهب الأمل في الحياة، ذهبت معه الصحة».

«وكان لهذا الحادث تـأثير عميق في نفسي: لاحساسي بأن هذا الحادث كان من المستحيل وقوعه، لو كانت هذه العجوز تعرف «اله الأمل»، الذي أؤمن به لكوني مسيحيا(١) ».

هذا المثال يعطينا صورة من التناقض الذي يعاني منه العالم في كل جانب من جوانب حياته، فالعالم يحاول اليوم بكل قوة أن تمحي الأحاسيس والمشاعر الدينية من قلوب الناس، وهو في هذه المحاولة يسعى الى نهضة الانسان، متجاهلا (الروح)، عنصره الأصلي.

ومن نتائج هذه المحاولة أن الطب يستطيع أن يجبر عظام فخذ مكسورة. ولكن حرمان الانسان من العقيدة الالهية يفضي به الى الموت، رغم كون جسمه في صحة جيدة.

___________________

(١) The Evidence of God, pp. ٢١٢ - ١٤.

١٨٧

لقد دمر هذا التناقض الانسانية تدميرا، فالأجسام تحت الأثواب البراقة أحوج ما تكون الى الهدوء والسعادة الحقيقيين؛ والأبنية الفخمة تسكنها قلوب محطمة؛ والمدن المتلألئة ببريق الحضارة هي بؤر الجرائم، ومصانع المصائب، والحكومات الجبارة مصابة بالدسائس الداخلية وعدم الثقة؛ والمشروعات الفخمة تبوء بالفشل نتيجة لخيانة القائمين بها. لقد أصبحت الحياة غير مرغوب فيها رغم التقدم المادي الهائل، وكل هذا وذاك يرجع الى حرمان الانسان من نعمة الايمان بالله، لقد حرمنا أنفسنا من المنبع والأساس الذي هيأه لنا خالقنا ومالكنا.

ان سبب الأمراض النفسية، التي أشرت اليها، حقيقة واضحة جلية اعترف بها علماء النفس، وقد لخص عالم النفس الشهير البروفيسور يانج Jung C.G فان تجاربه عنها في الكلمات التالية:

«طلب مني أناس كثيرون، من جميع الدول المتحضرة، مشورة لأمراضهم النفسية، في السنوات الثلاثين الأخيرة. ولم تكن مشكلة أحد من هؤلاء المرضى - الذين جاوزوا النصف الأول من حياتهم، وهو ما بعد ٣٥ سنة - الا الحرمان من العقيدة الدينية. ويمكن أن يقال: ان مرضهم لم يكن الا أنهم فقدوا الشيء الذي تعطيه الأديان الحاضرة للمؤمنين بها في كل عصر، ولم يشف أحد من هؤلاء المرضى الا عندما استرجع فكرته الدينية(١) .

وانها لكلمات جلية: «لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد(٢) ».

ولو أردنا المزيد من الايضاح، فلسوف أقتبس من الأستاذ (ا كريسي موريسون) رئيس أكاديمية نيويورك (سابقا)، قوله:

«ان الاحتشام، والاحترام، والسخاء، وعظمة الأخلاق، والقيم والمشاعر السامية، وكل ما يمكن اعتباره «نفحات الهية» - لايمكن الحصول عليها من طريق الالحاد.

«فالالحاد نوع من الأنانية، حيث يجلس الانسان على كرسي الله.

«لسوف تقضي هذه الحضارة بدون العقيدة والدين.

«سوف يتحول النظام الى فوضى.

«سوف ينعدم التوازن، وضبط النفس، والتمسك.

«سوف يتفشى البشر في كل مكان.

«أنها لحاجة ملحة أن نقوي من صلتنا وعلاقتنا بالله(٣) ».

(انتهى)

___________________

(١) Quoted by C.A. Coalson, Science & Christian Belief p. ١١٠

(٢) ق: ٣٧.

(٣) Man Does not Stand Alone, P. ١٢٣.

١٨٨

الفهرس

الاسلام يتحدى تأليف وحيد الدين خان تعريب ظفر الاسلام خان مراجعة وتحقيق الدكتور عبد الصبور شاهين ١

تقديم الطبعة الاولى ٧

تمهيد ١٩

الباب الاول : قضية معارضي الدين ٢٥

الباب الثالث : طريقة الاستدلال العلمي ٤٤

مشكلة تعيين حقائق الأمور ٥٠

حقيقة النظريات العلمية ٥١

الباب الرابع : الطبيعة تشهد بوجود الإله ٥٣

الوجود والخلق ٥٥

الانظمة المعقدة ٦٠

تقليد الطبيعة ٦٢

التوازن المدهش في الأرض ٦٣

قانون الضغط والتوازن ٦٧

السنن الرياضية المحكمة ٦٩

نظام العناصر والدورية ٧٠

خصائص حكمية ٧١

صدفة أم عمليات حكيمة؟ ٧٣

الباب الخامس : دليل الآخرة أولا: امكان الآخرة ٨٠

ثانيا: ضرورة الآخرة ٨٧

ثالثا: الحاجة إلى الآخرة ٩٢

رابعا - الشهادة التجريبية ١٠٢

١٨٩

خامسا - البحث النفسي ١٠٤

سادسا - البحوث الروحية ١٠٥

الباب السادس : اثبات الرسالة ١٠٩

أولا - ضرورة الرسالة ١١٢

ثانيا - مقياس الرسالة ١١٤

الباب السابع : القرآن صوت الله أولا - اعجاز القرآن ١٢٤

ثانيا - نبوءات القرآن ١٢٨

ثالثا: القرآن والكشوف الحديثة ١٣٩

تقسيم لآيات القرآن ١٤٢

النوع الثاني من الآيات ١٤٥

الباب الثامن الدين ومشكلات الحضارة التشريع ١٥٤

المرأة والمجتمع ١٦٨

التمدن ١٧٢

المعيشة ١٧٣

الباب التاسع : الحياة التي ننشدها ١٧٦

الفهرس ١٨٩

١٩٠