الاسلام يتحدى

الاسلام يتحدى0%

الاسلام يتحدى مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 190

الاسلام يتحدى

مؤلف: وحيد الدين خان
تصنيف:

الصفحات: 190
المشاهدات: 59256
تحميل: 6972

توضيحات:

الاسلام يتحدى
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 190 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59256 / تحميل: 6972
الحجم الحجم الحجم
الاسلام يتحدى

الاسلام يتحدى

مؤلف:
العربية

الاسلام يتحدى

تأليف

وحيد الدين خان

تعريب

ظفر الاسلام خان

مراجعة وتحقيق

الدكتور عبد الصبور شاهين

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

٣

٤

٥

٦

تقديم الطبعة الاولى

بقلم الدكتور عبد الصبور شاهين

ما اكثر ما يكتب عن الاسلام و المسلمين في مطبوعات هذا العصر في العربية، وغير العربية، وما اقل غناء اكثره.

قليل جدا من الكتابات الا سلامية هو الذي يعد اسهاما في معالجة مشكلات عالمنا الاسلامي، اسهاما جادا مخلصا من اجل عودته، وتقدمه.

وكثير جدا ما نقرؤه من تلك الكتابات التقريرية، او الرثائية الوعظية، التي تخطها اقلام، ان كانت تتاجر بالدين، فلا غرابة، في عالم يقوم على المتاجرة حتى بالقيم، فاما اذا كانت معروفة بالعلم وبالذكاء، فذلك هو داعي الحسرة والاشفاق في انفسسنا على علمائنا الاذكياء.

ايمكن ان نتصور عالم الفكر الاسلامي مجرد اقاصيص تحكى للبهر، او مقالات يجتهد اصحابها في تدبيج مقدماتها وسياقاتها، لننتهي بعد قراءتها الى هز الرءوس، ولوك عبارات الثناء والاعجاب؟

هذا على حين يتشاغل كتاب الفلسفات المادية برسم تطلعات العصر، وعلاج مشكلات التطبيق على مستوى عالمي، حتى ليحس المرء بعد مطالعة بحث من هذه البحوث بحاجته الى ان ينزوي نفسيا في ركن من اركان الياس والقنوط، لانه غائب تماما عن المعركة الحاضرة.

تلك محنة الوجدان والعقل المسلم، الذي ينشد لدى كتابه ومفكريه مستوى من المبادرة والجد والاخلاص، ولونا من الكتابة المباشرة التي تعيش عصرها وافكاره وتطلعاته، فاذا هم لا يزيدون على مضغ حكايات الاولياء، واجترار بضعة خيالات محلقة في سماوات التيه، ومجابهة الواقع الصارخ الملح بما يميعه: في وعي الجماهير، ثم يسرح بها بعيدا، في احلام الماضي وتصوراته.

٧

ومن البله ان يظن ان اخبار السلف هدف ثقافي، يقصد لذاته كمتعة عقلية، دون ان يكون من وراء ذلك مشروع انهاض، وخطة توعية من اجل صنع الحاضر، والتاثير في الاجيال القادمة، حسب هؤلاء السلف انهم كانوا امثلة مسهمة في صنع عصرهم، وتوجيه معاصريهم، ثم مضوا، عليهم من الله رضوان، ومن الناس سلام.

وجاء من بعدهم خلف، اصبح بعد حين سلفا، بعد ان مضى الى الرفيق الاعلى، مخلفا كذلك تركة من السلوك، ومن الكفاح، هي جزء من تاريخ امتنا.

وجاء جيلنا ليتوهم، او ليرادله ان يتوهم، انه مجرد وارث لاجيال سابقة، عليه ان يستغل تركتها في خلق ملذاته، فاذا ما جوبه بتحديات عصره لجا الى المباهاة بتراثه، المباهاة وحدها، المتمثلة في اكثر الكتابات المنشورة، التي لا تمل ان تحكى وتحكي، حكايات في حكايات، وتقف احيانا مستعلية من فوق منبر، لتمطر على الحضور وعظا في وعظ، دون ان تبلغ في ظن الجماهير ان تهز وجدانا، او حتى تحرك قشة.

ان اخص صفات عصرنا هي انه ينتج من الافكار بقدر ما ينتج من الاشياء، وليس من الضروري ان نتطلب من الافكار المنتجة ان تكون نافعة دائما كالاشياء، فان المجتمعات التي تصدر الينا اشياء الحضارة ترى في الافكار سلعة ينبغي ان تتغير كل يوم، كما تتغير طرز الاشياء، ولذلك يقف مثقفونا مبهورين امام موجات الفكر الواردة من الخارح، ماذا ياخذون، وماذا يدعون؟ بل قل: ماذا يقرؤن، وماذا يترجمون؟. ولاشيء اكثر من هذا. يكفيهم ان يستطيعوا ملاحقة الافكار، دون ان يكون عليهم ان يواجهوها، او ينقدوها، فهم الى ان يصوغوا نقدا معينا لاحد الاتجاهات الجديدة نسبيا يكون الوقت قد فات، وتقادم بمرور الزمن ما ينقدون، وغطت عليه افكار اخرى اشد لمعانا، واكثر جاذبية واشعاعا.

ومما لاشك فيه ان العالم الاسلامي هدف ثمين من اهداف تصدير الافكار تظرا الى موقعه، وخطورة موقفه بين الكتل المتصارعة، او بعبارة اخرى: مراكز الانتاج، والهدف من وراء التصدير واحد لدى كل هذه المراكز : ان يبقى هدا العالم مفتقرا اليها، على اختلافها، وان يحال بينه وبين افكاره الاصيلة، التي يمكن ان تغنيه عن الاستيراد، وتحقق له الاكتفاء الذاتي.

ومن المعروف في دوائر الاقتصاد ان الاحتكار اذا تحقق لمركز انتاجي في سوق معينة فان من المتوقع ان يبدا المنتج في افساد السلعة، بتقليل جودتها، اعتمادا على الاحتكار المتاح له، وطمعا في ربح اوفر.وسوق الافكار اخطر اسواق المنتجات، واكثرها تقبلا للتزييف والافساد، ومن ثم حفلت اسواقنا بما هواشد فتكا من السموم، واعظم انتشارا من الهواء، يتخلل كل خلية، وينخرفي

٨

كل بناء. افكار ترتدي اثوابا، او تحمل شعارات، او ترفع مشاعل، ليس الثوب فيها، او الشعار، او المشعل، الا قناعا يستر الزيف والخطر.

وليس من الممكن ان نفهم موجات السيطرة الخارجية على مجتمعاتنا الا اذا لا حظنا مثلا تبعية الفتاة المسلمة في كثير من بلاد الشرق العربي لكل ما يظهر في اوربا او امريكا من ازياء، فما ان ترتدي الزي احدى (المانيكان) قصيرا بمقدار سنتيمتر واحد، حتى تبادر فتياتنا الى تقصير اثوابهن بمقدار شبر واحد!!

ليس المهم ملاحظة ان تقصر الفتاة او تطول ثوبها بحكم ( الموضة) الشائعة، فاذا لم تفعل عدت متخلفة، وانما المهم ملاحظة هذه السيطرة التي توفرت لملوك الازياء، واكثرهم صهيونيون، على فتياتنا المثقفات بخاصة، حتى كانهن جميعا اعضاء في جوقة موسيقية واحدة، وامامهن ( ما يسترو) كلما اشار باصبعه او بعصاه تحرك العازفون والعازفات في اتجاه العصا، كالقطيع. ودلالة هذه التبعية اخطر مما قد يبدو في ظاهر الامر، لان تاثيرها يشمل كل القيم التي يقدسها المجتمع في شخص المراة، قيم الحياء والانوثة الواعية، والجسد غير المتعرض لذباب الاعين، وقيم التماسك، والالتزام في تربيتها، وقيم الجيل الناشىء على يديها، وهو الذي ننشده لغد هذه الارض، ومستقبل هذا الدين، وبكلمة واحدة، وبلا مغالاة: نحن هكذا محكومون من عمق مجتمعنا لملوك الازياء، ودولة المانيكان. ومع ذلك، قد يقال: ان مسالة الزي اقل خطرا من غيرها، فهي على اية حال مسالة غلاف.اما غيرها، كقضية المعتقدات التي تزيف للاجيال الناشئة، وجوهرها تحطيم لدينها.

وقضية الروح المنهزمة امام انتصارات العلم في غير بلاد الاسلام، الروح التي تقف متضعضعة مبهورة امام منجزات الانسان الاوروبي او الامريكي.وقضية الحرية الفكرية المعدومة في فلسفة التربية، حتى اصبح كل هم المدارس انتاج نماذج مصبوبة في بوتقة التبعية و التقليد. وقضايا اخرى كثيرة، كلها اهم من قضية الميني جيب، او الميكروجيب.

وبرغم ذلك لا نكاد نلمح ادنى فاصل بين هذه القضايا جميعا، فالمصنع المنتج واحد، وهدف التصدير واحد، والمستهلك المستهلك واحد ايضا، هو الانسان المسلم.

والمشكلة بالاضافة الى هذا كله ان اكثر كتابنا اصبحوا يرون في قيام هذه الحالات شيئا مالوفا غير جدير بالمناقشة، اما زهدا في الدنيا، واما ياسا من الاصلاح، واما تعودا على المشاهدة اليومية، كما يتعود المدمن تاثير المخدر. وكانهم المعنيون بقول الشاعر:

من يهن يسهل الهوان عليه

ما لجرح بميت ايلام

٩

واقول: (اكثر كتابنا)، لان هنالك (قلة) نصبت اقلامها للذود عن المستقبل، والدفاع ضد التيار المخرب، متحملة في ذلك عنت الفساد وسلطانه، ومتحدية في المجتمع مراكز استيراد الافكار، وعناصر اللامبالاة، وهؤلاء القلة لا تكاد والحمد لله تخلو منهم ارض الاسلام، يكتبون بكل لغة، ويحاربون في كل معركة، ايمانا منهم بوحدة المقاتلين امام الخطر الزاحف. ومن هؤلاء القلة مؤلفنا هذا، الذي يدخل اسمه لاول مرة حقل اللغة العربية، بنشر ذلك الكتاب: (الاسلام يتحدى)، وان كان لاسمه رنين مدو في شبه القارة الهندية، باعتباره ثالث اثنين، يتولون قضية الاسلام المعاصر في وجه الزحف الفكري: ابو الاعلى المودودي، وابو الحسن الندوي، ووحيد الدين خان.

والحق ان علماء باكستان والهند المسلمين قد اتيح لهم ان يتصلوا اتصالا مباشرا بمصادر المعرفة الحديثة، حتى اصبحوا من اعلامها، وهم في هذا يضارعون اكثر علمائنا العرب اتصالا بثقافة الغرب، مع فارق جوهري، في راينا، هو ان الاولين الذين نشير اليهم لم يغرقوا انفسهم في المعرفة الاكاديمية، لتستولي من بعد على عقولهم واقلامهم، وليصبحوا مجرد ناشرين، او مفسرين، او حتى معلقين، على ما يقدمون من فكر الغرب وعلومه.

لقد وقف هؤلاء عمالقة في وجه التيار وانغمسوا في مشكلات الجماهير وحاولوا ان يقدموا لهم تصوراتهم من اجل المستقبل، ومن اجل تحريك الثورة الفكرية في كيان الانسان المسلم، فهم في الحقيقة كتاب ثوريون، ذوو اصالة ووعي وايمان.

وليس من السهل ان نقول: انهم جميعا يمثلون طريقة واحدة في الاداء، برغم ان هدفهم واحد، فان لكل منهم اداءه الخاص، وطريقته الفذة التي عرفته بها الجماهير المسلمة. وحسنا ان نقرأ هذا الكتاب الجديد لندرك انه يمثل عقلا وثقافة ومنهجا يختلف بها مؤلفه عن جميع من عرفنا من الكتاب المعاصرين ولعل من المناسب ان اورد هنا ما كتبه المؤلف في صحيفته (الجمعيت الاسبوعية) في عدد٧من فبراير١٩٦٩، موضحا الدور الذي يحاول ان يقوم به، قال:

(ان المشكلات التي يواجهها الاسلام في هذا العصر، منها ما هو علمي، يوجه اليه بلغة العلم ومصطلحاته، ولذلك كان لزاما ان نضع اجاباتنا في مواجهة هذه الحملات المسعورة بنفس المصطلحات العقلية والعلمية التي يستخدمها المعارضون للدين. ولا زال هذا الميدان، منذ امد طويل مجالا لنشاطي واهتمامي، حتى كان آخر ما كتبت: (الاسلام يتحدى).

والميدان الثاني لنشاطي هو ما نسميه بميدان بناء الامة الاسلامية وتعميرها، والعمل على نهضتها، وعلينا في هذا المجال ان نكشف العلل، ونمحص الاسباب السياسية والاجتماعية التي

١٠

ادت الى سوء احوال المسلمين، ثم وضع خريطة للمستقبل، بعد الوقوف على اسباب النكسة التي اصابتنا، وتقوية الشعور القومي لدى المسلمين (في شبه القارة الهندية)، ليربط بين مختلف انشطتهم، فيجعلها مجموعة معنوية متكاملة، وحثهم على مواصلة الجهد لتكون منهم امة قوية جامعة في العالم. وبكلمة اخرى، نحن نصبو إلى بعث الاحلام التي رآها اسلافنا خلال كفاحهم وتحقيقها، لاعلاء شان الامة المسلمة، وهي الاحلام التي لم تتحقق، لسبب او لآخر.

وهذه هي المهمة الفكرية التي تضطلع بها صحيفتنا (الجمعيت الاسبوعية)، ويمكننا ان نقول بحق: ان هذه المهمة قد اصبحت اكبر ميزة خاصة لجريدتنا في المجال الصحفي، في هذا العصر، على حين اصبحت الصحافة الاسلامية علما على الرثاء، بل ان آخر ما تستطيعه هذه الصحافة هو مجرد التعليقات السياسية على الاحداث العامة، وتقديم بعض المعلومات الطريفة التي يتشوق اليها العامة من القراء. ففي هذا المناخ الصحفي تعتبر (الجمعيت الاسبوعية) الصحيفة الوحيدة التي تعمل على احياء وتقوية الشعور القومي لدى المسلمين، باحثة عن مواطن الخطأ في كفاحهم الحضاري، ونحن لا نجد كلمات نشكر الله بها، على انه ـسبحانه اختارنا بمشيئته لسد هذا الفراغ. فالرجل كما نرى صاحب دعوة، يريد ابلاغها الى ضمير الامة المسلمة بلاغا يحركها نحو اهدافها، ويوحدها امام الاخطار، وهي دعوة ذات شقين، احدهما يستنفد العمر كله، ولكنه يعمل لتحقيق كليهما بوسائله المتاحة: ان يكتب كتبا، وان يسخر مجلة اسبوعية. والواقع ان كتابه هذا يعتبر تحقيقا لحلم طالما راود كتاب العقيدة والمدافعين عنها، فقد كانت محاولات السابقين للبرهنة على وجود الله، واثبات الرسالة، وما يتصل بهما من حقائق ميتافيزيقية قد وقفت عند جهود علماء الكلام، باستخدام الاقيسة المنطقية، التي بليت لطول مالاكتها الالسن، واصبح مجرد التحدث بها داعية الى الملل منها، بل ان لغتها لم تعد مفهومة لشباب الاسلام، الذي يعيش في هذا العصر ظروفا تتغير من يوم لآخر، وتطالعه ثقافات ذات جدلية ماهرة، ومناهج علمية تجريبية، لم يعد العقل يقنع بدونها. لقد اصبح كل شيء موضع شك. وبذلك سقطت القضايا القائمة على المسلمات المنطقية، لانه لا شيء في العقل الحديث بمسلم منطقيا، الا وله نقيض منطقي يمكن ان يحتمله العقل. اما التجربه فهي الدليل الذي لا يدفع على قضيتها، وما ينتج عن التجربة ليس مسلما منطقيا، ولكنه حقيقة نسبية موضوعية، وهذا شان العلم. ومن هنا كان لابد من تغيير المناهج الكلامية، لاشباع رغبات متجددة في اليقين، تريد ان تؤسس موقفها على ارض من المعرفة الجديدة التي اخترقت الآفاق، وقاست ابعاد النجوم، وتغلغلت في اسرار المادة، حتى حطمتها واستخرجت منها طاقات لا حدود لها.

١١

واذا قيل: ان قضايا علم الكلام هي قضايا الغيب المطلق المحجوب الاسرار، ولا يعقل ان يكون للتجربة دور في معالجتها. تذكرنا في رد هذا الراي ما قاله عربي يعيش على فطرته، وينطق على سجيته، دون ان يكون قد الم بشيء من منطق ارسطو: (البعرة تدل على البعير، واثر السير يدل على المسير، فسماء ذات ابراج، وارض ذات فجاج، وبحار ذات امواج، الا يدل ذلك كله على الله اللطيف الخبير) ؟؟.

وكلمات هذا الاعرابي الصق بالمنهج التجريبي، القائم على الملاحظة، واقرب الى التاثير في النفس، واقدر على اقناع العقل، من اية صيغة قياسية ما في ذلك شك.

لقد اصبح سيئا للغاية ان ينطق رجل الدين امام الناس، او امام الطلاب بقضايا متقادمة، قال بها الاولون، دون ان يحاول مزج المعرفة التقليدية بالجديد، واكثر ما تتجلى هذه المعرفة التقليدية في علم التوحيد والكلام او مباحث العقيدة على اختلاف المصطلحات حيث يصر بعض الاساتذة على حكاية النزاع بين المعتزلة واهل السنة، والفرق بين الاشاعرة والماتريدية، ووجهة نظر الخوارج والشيعة، والخلاف بين الجبرية وغيرهم، وتناقض ما بين العقل والنقل او تساندهما، وكل ذلك دائرفي حلقة مفرغة، بعيدة عن مجال تفكيرالشباب المتحول، لان هذا الكلام كله قد ادى وظيفة على خير وجه، حين كان جزءا من صراع عصره حول المفاهيم والقيم، فلما مضى عصره اصبح جزءا من تاريخ الفكر، لا اساسا من اسس النقاش الحي النابع من التجربة المعاشة.

ولذلك يعجز هذا الكلام عن اقناع ملحد حديث يخطئه، لان اسباب الحاده ليست من موضوعات الكلام، فالجدل الحديث لا يتناقش حول الجوهر والعرض، ولا حول القدم والحدوث، وانما هو يتناقش حول حتمية المادة، ووجو د المادة الواقعية والمادة العقلية، والعلاقة بين المادة والحركة، حين ينتهي كل موجود مادي في حقيقته الى حركة، والاحتمالات الرياضية لتاثير الصدفة في نشاة الكون، وامتداده، وحتمية التطور.وحقيقة الوجود في ضوء الادراك الجديد لنسبية الظواهر الكونية، واهمها الزمان، ذلك البعد الرابع الذي كشفه اينشتاين، والتوقعات العلمية لوجود عوالم اخرى غير عالمنا، في سمائنا، وفي السماوات الاخرى، التي يدركها العلم، او يحدس بوجودها، ويحاول معرفة شيء عنها. الخ. فاذا لم تكن هذه القضايا الجديدة هي محور النقاش في قاعات الدرس الجامعي. الذي يصوغ عقول الشباب فمعنى ذلك ان جامعاتنا تعمل في فراغ ايديولوجي، وتخرح للمجتمع نماذج خربة، واهنة، او مشوشة، او يائسة من جدوى العقيدة في بناء المجتمع الجديد، نماذج تحس في اعماقها بالجفاف الروحي، فهي لم تظفر بارضية من الفكر الديني تقف عليها مطمئنة في مواجهة رياح التغيير العاصفة، امالانها محرومة من هذا اللون من الدراسة،

١٢

واماـ وهو الاخطر لانها غير مقتنعة بما عرض عليها من موضوعاته. وينتهي الامر بهذه النماذج الى ان تتبعثر في الفراغ، وتحس باللامبالاة تجاه مسائل العقيدة، لان اسلم الطرق الا تبالي، فالهرب اسلم المسالك. والغريب ان هذه الحال قد طفحت على سطح المجتمع منذ اوائل القرن التاسع عشر، حين بدا اللقاء والاصطدام بين ثقافتي الشرق والغرب يواجه مبعوثينا الى اوربا، على عهد محمد علي ـفي مصر، وتعرضت اعمال روائية، منذ ذلك العهد، وحتى يومنا هذا، لتصوير التمزق الفكري، الذي يعانيه هؤلاء المبعوثون، من امثال: تخليص الابريز لرفاعة الطهطاوي، وعلم الدين لعلي مبارك، وحديث عيسى بن هشام لمحمد المويلحي، وقنديل ام هاشم ليحي حقي، وعصفور من الشرق لتوفيق الحكيم، ومليم الاكبر لعادل كامل فانوس، أي ان المشكلة ثائرة وملحة من قديم، دارت حولها روايات قيمة. ومع ذلك لم يبحث لها المفكرون الدينيون عن حل، ولم يعرضوا لها بمناقشة لاستكناة اسبابها، على حين اكتفت الاعمال الروائية بالتقاطها وتصويرها. والخطر بهذه السلبية الى تفاقم، والخراب الى استفحال، والضحية دائما هو الانسان المسلم. اليس غريبا ان يكون بعض عتاة الملاحدة في مجتمعاتنا ممن يمتون الى اسر ذات اتصال بالدراسة الدينية؟!! وان تنشر مجلة اسبوعية ان احدى المانيكان تمثل جامعة الازهر الشريف، ثم تأتي بصورتها فاذاهي ترتدي ما ترتديه بنات باريس(١) !! ودعك من ان تكون احداهن فتاة غلاف، تنشر لها صورة عارية، اشبه بصور السابحات الفاتنات، وهي من بنات العلماء؟(٢) انهم جميعا، واضرابهم، نتاج هذا الانفصام بين الفكر الديني وقضايا العصر، بحيث لم ياخذ هذا الفكر شكل ثقافة حية تجمع بين المعرفة والسلوك، أي ان هناك عجزا شائنا في الثقافة المستخدمة للاقناع، على حين استطاعت الثفافات الاخرى ان تحتازهم لمعسكرها، لانها صادفت فراغا فتمكنت، بصرف النظر عن جدية الاشخاص او هزليتهم وتفاهتهم، واحد اسباب هذا الانفصام ايضا ان من يتولون سدانة الفكر الديني لم ينهضوا لمواجهة تحدي العصر، ربما لانهم فعلا غير فاهمين لرسالاتهم، الا على انها استحضار لماض اثري لا علاقة له بحاضر، وربما لتوهمهم انه لا تحدي اصلا، بل كل شيء هاديء على الجبهة!! والدنيا بخير والحمد لله!! فالمشكلة من هذه الوجهة ازمة في الشعور الذي يؤدي حين يكون سويا الى الارق المنتج، والقلق الخلاق، فاما حين لا يكون هناك شعور فان الدين يتحول عند بعض رجاله الى باب سخي للوجاهة والارتزاق، وعند بعضهم الى سلبية قاتلة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

___________________

(١) انظر العدد الصادر من جريدة اخبار اليوم في ٢٩من نوفمبر١٩٦٩.

(٢) اخبار اليوم ٢٥/من اكتوبر١٩٦٩.

١٣

ولست انكر ان محاولات جادة قام بها بعض العلماء القلقين على مصير الانسان، في الشرق والغرب، من اجل البرهنة على وجود الله على اساس علمي، ولكن قضية الدين ليست هي قضية (وجود الله) فحسب. لا مراء في ان الايمان بوجود الله سبحانه اساس ومنبع، ولكنه يستتبع الايمان بقيم اخرى ومبادىء، دعا اليها الرسل. وحثت عليها الاديان، واهمها ضرورة الايمان بوجود كائنات غير الانسان، دل عليها الدين وسماها (الملائكة) الملهمين الخير، وكائنات اخرى غير الانسان والملائكة دل عليها الدين، وسماها الجن، ومنهم (الشياطين) النازغون بالشر، وضرورة الايمان بالغيب، وباليوم الآخر. وما يتصل به من جنة ونار، وحساب، وثواب وعقاب، بل ما يسبق ذلك من قيامة، هي في حقيقتها دمار للدنيا، وتحطم للكواكب والنجوم، وضرورة التزام شريعة الله، التي جاء بها الرسل، وخاتمهم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، متى صح الايمان بوجود الله، مالك الملك، ومنزل التشريع بالحلال والحرام، وفي كلمة واحدة: ضرورة اقرار ما علم من الدين بالضرورة.

وهكذا نجدنا امام كل مترابط لا يمكن انفصام اجزائه الا على طريقة بني اسرائيل الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض. ولقد وجد في المجتمع الاسلامي فعلا هذا الصنف من الناس، الذين يحدثونك بانهم مؤمنون بالله، وكفى، ولا داعي لمطالبتهم باكثر من هذا!! وهم يواجهون من يدعوهم الى الالتزام باوامر الله ونواهيه: بان الهدف من هذه هو تزكية النفس، وعدم ايذاء العباد، فاذا تحقق هذا الهدف بوسيلة اخرى كالثقافة مثلا كان في ذلك غنى عن الالتزام بالتكاليف، لان هذه هي روح الدين!!.وغاب عنهم، او تجاهلوا، ان العبادة في حقيقتها ثمرة الايمان بالله، وتاكيد لعبودية الانسان له، وان الله سبحانه قد اختار لعباده ان يخاطبوه ويقدسوه بكيفية معينة، لا خيار لهم فيها، بصرف النظر عن تحقيق مصلحة معينة لهم من العبادة او عدم تحققها:( وَ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ‌ ) (١) فمصلحة الانسان العليا في ان يرضى خالقه بانفاذ امره، والتزام طاعته. فهذا صنف من الناس يجتزىء من الدين بما لا يقتضيه تكلفة: ان يقول: آمنت بالله فحسب، وهو يستعمل مسالة تسليمه بوجود الله جل وعلا ذريعة الى التحلل والانعتاق من سائر قضايا الدين، والصدود عنها، وهو امر ينبغي ان يلحظ على انه من صميم ازمة الدين في انفس المثقفين المعاصرين، لان الثقافات الالحادية قد اتخذت لنفسها خطة لئيمة، فحواها ان دعوة المسلم الى الكفر تلقي نفورا في المجتمع الاسلامي، ويكاد يكون من المحال احراز تقدم فيه باعتناق هذه الدعوة، ولذا ينبغي ان تكون الخطة اولا تجريد شخص المسلم من الالتزام بالتكاليف، وتحطيم قيم الدين الاساسية في نفسه، بدعوى العلمية والتقدم،

___________________

(١) الذاريات/٥٦.

١٤

دون مساس بقضية الالهية مؤقتا، لانها ذات حساسية خاصة، وبمرور الزمن، ومع الف المسلم لهذا التجريد يسهل في نهاية الامر تحطيم فكرة الالهية اساسا في عقله ووجدانه واذا بقيت افتراضا، فلا ضرر منها، ولا خطر، لانها حينئذ لن تكون سوى بقايا دين، كان موجودا ذات يوم بعيد.

وهكذا يحكم اعداء الاسلام مخططاتهم، ويدبرون لتدمير الدين ومبادئه، ابتداء من ابسط السنن والواجبات، وانتهاء الى قضية القضايا: وجود الله ذاته.

فاذا افرد بعض العلماء مسالة وجود الخالق بالعلاج العلمي فقليل منهم فيما اعلم من تصدي لعلاج هذه القضايا جميعا، وبخاصة هذا الكتاب: ( الاسلام يتحدى). واحسب انه من هذه الناحية سوف يصبح متى بلغ عمق المجتمع دستور الاقناع الديني، او كما يعبر العنوان الفرعي الذي تخيرناه له: ( مدخلا علميا الى الايمان).

وقد كان المؤلف منطقيا مع عصره الى ابعد الحدود، فاذا كان اقطاب الالحاد في الفلسفة الحديثة قد وضعوا لضحاياهم مدخلا علميا الى الكفر، فلا مناص من ان يحاول هو بحسه الصادق، ووعيه بحاجة المسلمين وضع مدخل علمي الى الايمان، يعتبر اساسا لعلم كلام، او علم توحيد جديد. وهذا هو الاعتبار الذي كان من وراء الحماس المخلص، بذله مترجم الكتاب الاستاذ ظفر الاسلام خان، نجل المؤلف، واقتضاني ان اعكف شهورا تبلغ سنوات على مراجعته، وتحقيق نصوصه الدينية.

ولذلك سوف نجده يعرض ( قضية معارضي الدين ) بكل حيدة وامانة، حتى لايتهم من اول لحظة بمخالفة المنهج العلمي، ثم يبدا في مناقشتها معتمدا في الاساس على الانتاج الفكري الغربي، من باب( وَ شَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) (١) ، مرجئا مسالة استخدام الآيات القرآنية او الاحاديث النبوية في آراء الاعداء قبل الاصداء.

ولا يتبادرن الى ذهن القاريء ان المؤلف رجل دين متحمس، يبشر بدعوة الاسلام باسلوب جديد، انه مفكر مصلح يعمل بالصحافة، رئيسا لتحرير مجلة ( الجمعيت الاسبوعية ) وما عرضته هنا هو نتيجة تامل واهتمام مؤرق بمشكلات الشباب المسلم، حتى اصدر كتابه هذا عام ١٩٦٦، وما زال وفيا لقضيته، مجاهدا في سبيلها.

ولئن كنا قد المحنا قبل بضعة اسطر الى بعض ملامح منهجه، فان تنظيم هذا المنهج قد اقتضاه ان يضع قضاياه في ترتيب منطقي:

فهو قد وضع كتابه علاجا للمشكلات العقيدية التي تواجه البشر، ولما كان المتوارد

___________________

(١) يوسف/٢٦.

١٥

على مسرح الاحداث، مبدا الدين، ومبدا الالحاد، وكان هو من معسكر الدين وجب عليه ان يدلف الى هدفه من خلال دعاوى الخصوم، حتى لا يتهم بتجاهلها، فعرض فكرة معارضي الدين وبين اسسها البيولوجية والنفسية والتاريخية. ومعنى ذلك انه يعوض جوهر فلسفات ثلاثة : الدارونية والفرويدية والماركسية وهي المباديء التي قادت في مجموعها قطعانا من البشر في وادي الالحاد، وانكار وجود الله، وتاليه المادة.

فاذا بدا بمناقشة هذه المباديء سلك نفس السبيل التي سلكتها. فاستقى ادلته من الطبيعة، ومن البحوث النفسية، والتاريخية.

واذا كان اعظم قضايا الدين. بعد الايمان بالله، الايمان باليوم الآخر، حقيقة غيبية، لا مراء فيها، وكانت اهم دعاوى الالحاد قائمة على انكار هذا اللقاء مع الخالق فان اثبات امكان الآخرة، بالادلة الطبيعية، والبيولوجية والتاريخية هو ايضامن الادلة القاطعة بصحة الدين، وبوجود الله، ومن ثم نجده متالقا في تبيان الحاجة الى الآخرة نفسيا، واخلاقيا، وسلوكيا، حتى اذا استقر في وعي القاريء ضرورة الآخرة كان ذلك طريقا الى اقرار ضرورة الايمان بالله من جانب آخر. فالآخرة إذن قضية وبرهان في آن.

والمؤلف لا يكتفي في هذا الباب بدليل واحد، بل هو يقدم بحوثا قيمة في ضرورة الآخرة من الناحية الكونية، ويسوق شهادات تجريبية، وبحوثا نفسية وروحية، تؤكد هذه الضرورة، كيما يزيد القاريء ثروة في المفاهيم، ويفسح له آفاق الاقتناع.

وياتي بعد ذلك دور الرسالة، وهي الدليل التاريخي على الحقيقتين السالفتين، لان الرسل هم الذين دلوا عليهما، قبل ان يخطو الانسان هذه الخطوات الجبارة في ميدان العلم والتجربة.

ومن الضروري ان نلفت النظر هنا الى ان المؤلف لا يعني بكلمة ( الدين ) الا ما عناه الحق سبحانه بها في قوله:( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلاَمُ ) (١) ، فاذا تناول قضية الرسالة فمقصده قطعا رسالة الاسلام، وكتابها المعجز: القرآن.

ويعقد في هذا الباب عدة فصول يتحدث فيها عن اعجاز القرآن التاريخي، والعلمي، ويورد لمحات كثيرة عن تنبؤات القرآن، وما تضمنته آياته من حقائق لم يكشف عنها الا في العصر الحديث، في الفلك، وطبقات الارض وغيرهما.

فاذا انتهى من اثبات هده الصفة العلوية للقرآن، واكد به الحقيقة الاولى، وهي وجود الله،،عقد بابا خاصا بعلاقة الدين بمشكلات الحضارة، فتناول في جانب منه مشكلات

___________________

(١) آل عمران١٩.

١٦

التشريع، وعناصره الاساسية، وتحديد الدين لمفهوم الجريمة، وعلاقة القانون بالاخلاق، وبالفرد، وبالعدل.

ولا يفوته ان يتحدث عن بعض مشكلات الحضارة الحديثة، كمشكلة المراة، والتمدن، والملكية، مقارنا في كل ذلك نظام الاسلام بنظامي الحكم المعاصرين: الراسمالية والشيوعية.

وياتي اخيرا حديثه عن مستقبل هذا العالم الاسلامي، وما ينشده ابناؤه من اهداف سامية، وما ينبغي ان يكون لهم من رسالة في هذا العالم الحائر، بين مذاهب الالحاد الواهية المتهاوية، ودين الفطرة الذي جعله الله ختام الاديان، وجعل نبيه خاتم المرسلين، مبينا كيف ادى الالحاد في المجتمعات الاوربية الى التحلل، والتمزق الاسري، وتكون طبقات من المجرمين والشواذ، وانتشار اعصى الامراض النفسية والعصبية، جراء الحرمان من الايمان بالله، خالقنا ومالكنا، ويختار لختام كتابه كلمة قبسها عن الاستاذ ا. كريسي موريسون، اذ قال:

ان الاحتشام، والاحترام، والسخاء، وعظمة الاخلاق، والقيم والمشاعر السامية، وكل ما يمكن اعتباره نفحات الهية لا يمكن الحصول عليها من طريق الالحاد، فالالحاد نوع من الانانية حيث يجلس ( الانسان) على كرسي (الله).

( لسوف تقضي هذه الحضارة بدون العقيدة والدين ).

( سوف يتحول النظام الى فوضى).

(سوف ينعدم التوازن وضبط النفس والتمسك).

(سوف يتفشى الشر في كل مكان).

(انها لحاجة ملحة ان نقوي من صلتنا وعلاقتنا بالله).

فهذا هو منهج الكتاب في ايجاز شديد، وهو منهج يشدني الى ملاحظة هامة احب ان اضعها بين يدي القاريء. ذلك ان خطوات هذا المنهج، بنفس الترتيب تكاد تكون طبق الاصل من كتاب اخرجته من قبل مترجما عن الفرنسية،هو كتاب (الظاهرة القرآنية)، للمفكر الجزائري مالك بن نبي، وهي ملاحظة غريبة في المنهج، لا تنصرف الى مادة الكتابين، لان المؤلفين مختلفان في عقليتهما، وثقافتهما، وطريقة معالجتهما لهذه القضايا الدقيقة، حتى اني اكاد اقطع بان المحاولتين من حيث المصادر والمادة والاسلوب متباعدتان تماما، احداهما عن الاخرى، بعد ما بين الجزائر والهند، ولم يحدث ان التقى الرجلان في صعيد واحد، فيما اعلم. وتفسير هذا التوافق ينحصر في توارد الافكار على مشكلة واحدة.

بيد ان ذلك لا يمنعني من ان اقر ان كلا الكتابين صادر عن نفس الاحساس بضرورة

١٧

وضع منهج جديد للاقناع الديني، وكلاهما توفرت فيه المنهجيةالحديثة، وموضوعهما مشترك كذلك، والروح الكامنة في مضمونهما روح ثائرة، مؤمنة.

وحسب الشباب المسلم من هذه الملاحظة دليلا على ان روح الاسلام طاقة لا يمكن ان تخمد، وستظل تصنع المعجزات، برغم التفوق المادي الذي حققته مجتمعات الملاحدة المعاصرين.

نعم. ان هذا التوافق العجيب بين مفكرين من اكابر مفكرينا يكاد ان يكون من بدائع الروح الخالدة، روح الاسلام، واقول: الخالدة، لان الروح طاقة، والطاقة لا تفنى، وذلك وعد الله.( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ‌ ) (١) .

والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله.

وصلى الله على محمد خاتم النبيين.

عبد الصبور شاهين

الكويت ديسمبر١٩٦٩

___________________

(١) الحجر٩.

١٨

تمهيد

الموضوع الذي سندرسه في الصفحات التالية ليس بجديد بالنسبة الى اللغة الاردية. ولكن المؤلف يشعر بانه لا يزال ناقصا، رغم الجهود الطيبة التى بذلها بعض الكتاب.

والعصر الحديث يسمى: (عصر الالحاد)، لانكاره الدين.وهذا االالحاد ليس محض ادعاء. بل يرى اصحاب نظريته انها طريقة بحث ودراسة، اهتدى اليها الانسان، بعد التطور الحديث في ميادين العلم المختلفة، وهذه ( الدراسة التطورية) لا تهدف الى اثبات نظرية ما او انكارها، وانما هي منهج خالص في البحث، اثبت لاصحابه ان الدين باطل، ويمكن ان نفهم هذه الطريقة الجديدة في ما قاله ت. ر.مايلز:

(ان الدراسة الجديدة هي تكنيك ومنهج ونمط معين لمواجهة الاسئلة، وهي لا تستهدف وضع اجابات قطعية. وهو من هذا الوجه تغير هام طرا على الفلسفة في النصف الاخير من هذا القرن، ولسوف يبقى هذا التغير مستمرا، دون امل في توقفه على المدى(١) البعيد).

ولا بد لباحثينا اذا ما ارادوا البحث في العلوم الحديثة، دفاعا عن الدين، الا يغيب عن اذهانهم هذا التفسير، سواء اعتبرناه تفسيرا علميا محضا توصل اليه المفكرون المحدثون، او اعتبرناه مجرد ملجا جميل، ركنوا اليه، حين اخفقوا في البحث عن التفسير المادي للكون، بعد انكار الدين.

وعلى سبيل المثال: ان الاعمال التي قام بها علماؤنا لاثبات النبوة، تفترض مقدما ان العصر الحديث يدعي: ان محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( كان نبيا كاذبا )، فيبداون في جمع كميات كبيرة من المواد التي تثبت ان محمدا كان ( نبيا صادقا). ومغزى القول: ( كان محمد نبيا كاذبا)، هو ان هناك انبياء آخرين صادقين، على حين يشك الانسان الجديد في المبدأ نفسه، فهو لا يؤمن بالنبوة اصلا. فأما ( النبي الكاذب) False Prophet فهو اعتراض قديم جاء به اليهود والنصارى، الذين يؤمنون بانبيائهم، وينكرون نبي الاسلام.

واما العقل الحديث، فلا يبحث عما اذا كان محمد نبيا ( صادقا او كاذبا)، وانما يبحث عن

___________________

(١) Relihion & the Scientific Outlook, ١٩٥٤ , P ١٣.

١٩

منبع كلامه النبوي، وينتهي اعتمادا على المناهج المعروفة، الى ان مصدر هذا الكلام الغريب هو: (اللاشعور). وهو يرى ان التعبير عن كلام اللاشعور بالوحي والالهام يصلح ان يكون استعارة جميلة، ولكنه يستحيل اعتباره واقعا حقيقيا.

ولذا، فان مهمتنا لا تنتهي عند اثبات صدق نبوة رسول الاسلام، بل علينا ان نضطلع بالبحث عن الوحي والالهام، ونثبت ان الوحي ينزل على اناس معينين، من بينهم نبي الاسلام.

***

كان هذا موقف من يتصدى لنقد الفكر الحديث، دون فهم موقفه من القضية. وهناك نوع آخر من علمائنا يدركون موقف الفكر الحديث من قضية الدين. ولكنهم، لشدة تاثرهم بالفكر الحديث، يرون ان كل ما توصل اليه ائمة الغرب يعد من (المسلمات العلمية)، ومن ثم تقتصر بطولتهم على اثبات ان هذه النظريات، التي سلم بها علماء الغرب، هي نفس ما ورد في القرآن الكريم،وكتب الاحاديث الاخرى. وهذه الطريقة في التطبيق والتوفيق بين الاسلام وغيره، هي نفس الطريقة التي تتبعها شعوب الحضارات المقهورة تجاه الحضارات القاهرة. واية نظرية تقدم على هذا النحو، يمكنها ان تكون تابعة، ولكنها لا يمكن ان تكون رائدة! ولو خيل الى احدنا انه يستطيع ان يغير مجال الفكر في العالم بمثل هذه المحاولات التوفيقية، ليشرق على البشرية نور الحق، فهو هائم ولا شك في عالم خيالي، لا يمت الىالحقائق بسبب. فان تغيير الافكار والمعتقدات لا ياتي من طريق التلفيق، بل عن طريق الثورة الفكرية.

وهذه الحالة تورطنا بصورة اكبر عندما تتعلق المسالة بجانب اساسي وهام من افكار الدين، فلا باس بان يقوم احدنا بتفسير جديد لظاهرة (الشهاب الثاقب) التي وردت في القرآن، حين يجد كشفا جديدا في علم الفلك الحديث، ولكننا لو قبلنا نظرية كلية شاملة، وذات علاقة بالمشكلات الاخرى التي تثار حول الدين، فسوف يكون لذلك تاثير عميق وكلي في هيكل الفلسفة الدينية بنفسه.

واوضح مثال في هذا، هو تلك الجماعة من علمائنا الذين قبلوا ( نظرية النشوء والارتقاء)، لان علماء الغرب اعلنوا اقتناعهم الكامل بصدقها، بعد دراساتهم ومشاهداتهم. واضطروا، بناء على هذا، الى تفسير جديد للاسلام في ضوء النظرية الجديدة، وحين احتاجوا الى لباس جديد، قاموا بتفصيل ثوب الاسلام مرة اخرى، ولكنه ثوب مشوه المعالم، لا اثر فيه من روح الاسلام، التي ضاعت مع الاجزاء المقطعة في عملية التلفيق الجديدة.

٢٠