الإمامة الإلهية الجزء ١

الإمامة الإلهية13%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 440

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 137337 / تحميل: 8162
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

والبول المذكور يعادل اربعة غروش صحيحة عثمانية.

التولة

من الاوزان الكويتية وهي جزء من اربعين جزء‌ا من الرطل الكويتي كما نص عليه في الحساب المتوسط " ج ١ ص ٨٧ ". فالاربعون تولة رطل كويتي.

الحبة

اذا اطلقت الحبة في كلام السيد في العروة و المحقق النائيني والشيخ أحمد كاشف الغطاء وغيرهم من علماء العراق، فانما يراد بها حبة الحمص، وهي القيراط الصيرفي الذي وزنه أربع حبات قمح، وإذا اطلقت في كلام السيد الامين في الدرة البهية وغيره من علماء سوريا ولبنان فانما يراد بها حبة القمح، فتنبه لذلك، وإن كنا سننبه إليه في مورده إن شاء الله تعالى.

حبة الحمص

كقنب كما في القاموس، يعني بكسر الحاء وفتح الميم المشددة، وقد جعل مدار المثقال الصيرفي والدرهم الصيرفي على حب الحمص كما كان مدار المثقال الشرعي والدرهم الشرعي على حب الشعير، وقد نبه إلى هذا السيد الشبري في رسالته في الاوزان، وقد اختاروا الحمصة الوسطى من ثلاث حمصات، او الوسطى من تسع متدرجة في الكبر شيئا فشيئا، ووسطاهن هي الخامسة كما سيأتي في حبة الشعير ان شاء الله تعالى.

والحمصة في كلام علماء العراق هي الحبة المتعارفة عند العراقيين، وهي القيراط الصيرفي الذي وزنه اربع حبات قمح كما ستعرف في القيراط الصيرفي ان شاء الله تعالى

حبة الشعير

كثيرا ما يستعمل المتشرعة حبة الشعير في الاوزان والمقادير، والمراد

٢١

بها الوسطى من حب الشعير، وتعرف بان يؤخذ ثلاث حبات ثم تؤخذ الوسطى منهن، بل دققوا في ذلك حتى اخذوا وسطى الوسطيات، بأن أخذوا ثلاث شعيرات متفاوتات، ثم أخذوا ثلاثا اخرى متفاوتات، تكون صغراهن اكبر من كبرى الثلاث الاولى ثم اخذوا ثلاثا اخرى متفاوتات تكون صغراهن اكبر من كبرى الثلاث الثواني، فتكون هذه الشعيرات متدرجة في الكبر، ثم تؤخذ وسطاها وهي الخامسة من التسع، وتجعل مدارا في الموازين والمعايير، وهذه قد تتفاوت ايضا، الا ان العرف لا يلتفت بعد إلى مثل هذه الدقة، وهو المرجع في الموازين، هذا هو المراد بحبة الشعير كمانبه اليه السيد عدنان الشبري في رسالة الاوزان. وكل حبتين من الشعير تكون طسوجا كما ستعرف هناك. وكل ثماني حبات من الشعير دانق كما ستعرف هناك بلا خلاف. وكل ثمان واربعين حبة من الشعير هي درهم شرعي لان الدرهم ستة دوانق بلا خلاف ايضا كما ستعرف، فالشعيرة سدس ثمن الدرهم الشرعي. وكل ثمان وستين حبة من الشعير واربعة اسباع الحبة مثقال شرعي كما في زكاة الجواهر، قال: كما هو واضح بادنى تأمل، وكما في رسالة السيد الشبري حيث قال: والمثقال كان في صدر الاسلام بل وقبل الاسلام ثماني وستين حبة من حبات الشعير واربعة اسباع الحبة، اقول: وحيث ان المثقال الشرعي هو ثلاثة ارباع الصيرفي بلا خلاف كما ستعرف، فالمثقال الصيرفي يكون احدى وتسعين حبة على الدقة، لان الدرهم الصيرفي درهم شرعي وثلث، فثلث ٦٨ حبة واربعة اسباع الحبة هو ٢٢ حبة وستة اسباع، فاذا جمعنا هذا الثلث مع ٦٨ حبة واربعة اسباع يكون المجموع إحدى وتسعين حبة و ٣ اسباع تماما. وقد قدروا حبة الشعير بعرض سبع شعرات من اوسط شعر البرذون، وهذا لا ريب فيه وقدرها في كشف الحجاب (ص ٨٧) بست شعرات برذون ولا يوافقه عليه احد. وقد روا الاصبع بعرض سبع شعيرات، بطن كل واحدة إلى ظهر الاخرى، من اواسط الشعير، وهذا ايضا لا ريب فيه، فتقدير كشف الحجاب للاصبع بست شعيرات، لا يوافقه عليه احد.

٢٢

حبة القمح:

قال أمين في الدرة البهية (ص ٧) ما لفظه: الاوزان المتعارفة الآن ببلاد الشام هي المثقال والدرهم والقيراط والحبة والحقة الاستانبولية العثمانية والاوقية فالمثقال درهم ونصف درهم، والدرهم ستة عشر قيراطا، والقيراط اربع حبات (او اربع قمحات)، إلى ان قال: وحيث نقول المثقال المتعارف او الدرهم المتعارف او القيراط المتعارف او الحبة المتعارفة نريد بها ما ذكر، إه‍.

وعلى هذا فكل ما قدر بالحبة في كلام السيد من الليرات وغيرها يراد به حبة القمح، فليتنبه لهذا، وقد عرفت ان مدار الاوزان الحديثة على حبة القمح كما ان مدار الاوزان القديمة الشرعية على حبة الشعير.

وحبة القمح هي خمسة اجزاء من مئة جزء من الغرام كما في حلية الطلاب (ص ١١٣) اقول: فالعشرون حبة تكون غراما، وستعرف أن الكيلو الف غرام.

الحقة البقالى:

المستعملة في بلاد العراق كثيرا (في سنة ١٣٦٠) وما قبلها هي اربع اواق بقالي. وكل ست حقق بقالي من عراقي، وكل اربعة وعشرين حقة اي اربعة أمنان وزنة عراقية، وكل اربع مئة وثمانين حقة طغار عراقي، وهذا كله لا ريب فيه عند احد منهم، لان الاربعة أمنان وزنة، والعشرون وزنة طغار، وهذا كله واضح. والحقة البقالي هي تسع مئة وثلاثة وثلاثون مثقالا صيرفيا وثلث المثقال كما في زكاة العروة (ج ٢ ص ١٧) وزكاة الفطرة منها (ص ٦٠) وحاشيتها للمحقق النائيني وكما في زكاة سفينة النجاة للعلامة الشيخ احمد كاشف الغطاء (ص ٢٨٠) وكما في زكاة وسيلة النجاة للمحقق النائيني ايضا (ص ٢٣٠) وزكاة وسيلة الاخرى الجامعة لابواب الفقه الا النادر (ص ٢٠٤) وحاشيتها لسيدنا الاستاذ المحقق الحكيم مد ظله، وكما في مبحثي الكر والزكاة من وسيلة النجاة الصغيرة للفقيه السيد ابوالحسن الاصفهاني (ص ٧) (وص ٨٥) بل الظاهر ان هذا متسالم عليه في هذه الايام.

٢٣

نعم قال في زكاة الجواهر: ان الحقة كانت فيه (يعني في ٢٣ شعبان سنة ١٢٣٩) ست مئة مثقال صيرفي واربعين مثقالا صيرفيا، إه‍.

والظاهر تغير الحقة عما هي عليه الآن، ولذا اختلف تقديره لنصاب الزكاة عن تقدير علماء اليوم كما ستعرف هناك ان شاء الله، والحقة المذكورة في كلام الجواهر تنطبق على المن التبريزي لانه ست مئة واربعون مثقالا صيرفيا كما ستعرف في مبحثه ان شاء الله تعالى.

وكل ثلاث اقق اسلامبولية هى حقة بقالي على الضبط، لان الاقة الاسلامبولية هى ٢٦٦ مثقالا وثلثان، اعني ٦٤ قمحة كما عرفت. فالاقتان ٥٣٣ مثقالا وثلث. والثلاث اقق ٨٠٠ مثقال، والثلاث اقق ونصف تسع مئة وثلاثة وثلاثون مثقالا وثلث مثقال، وهو مقدار الحقة البقالي. فالاقة وثلاثة ارباع الاقة الاسلامبولية نصف حقة بقالي وثلاثة أرباع الاقة ونصف ربعها (ثمنها). اعني الاقة الا ثمن هي ربع حقة بقالي، اعنى اوقية بقالي، كما هو واضح. والحقة البقالي هي ٤٤٨٠ غراما. لان الاقة الاسلامبولية ١٢٨٠ غراما. فالثلاث أقق ونصف تبلغ هذا المقدار كما ترى: فالحقة البقالي اربعة كيلوات ونصف الا عشرين غراما، لان الكيلو الف غرام. وهذا واضح.

الحقة العطاري:

هي الاقة الاسلامبولية، ويسميها بهذا الاسم العراقيون. وقد عرفت مقدارها.

الحمصة:

واحدة الحمص، بكسر الحاء وفتح الميم المشددة، هي القيراط الصيرفي، وقد تقدم الكلام عليها في حبة الحمص، وسيأتي الكلام عليها في مبحث القيراط الصيرفي ان شاء الله تعالى.

٢٤

حنوط الميت

يستحب ان يكون مقدار حنوط الميت ثلاثة عشر درهما شرعيا وثلث درهم من الكافور، فراجع مقدار ذلك في مبحث الدرهم الشرعي.

خمس النصاب الاول للذهب

هو نصف دينار شرعي (تثبت في العشرين دينارا التي هى النصاب الاول للذهب) وهو نصف مثقال شرعي، والمثقال الشرعي هو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، وستعرف بقية التفاصيل إن شاء الله في مباحث المثقال، والدينار، والنصاب.

وللذهب نصابان: عشرون دينارا شرعيا وفيه نصف دينار شرعي، واربعة دنانير وفيه قيراطان (والدينار عشرون قيراطا) وهكذا، اي كلما زاد اربعة دنانير ففيها قيرطان.

فالزكاة في الذهب هي ربع العشر دائما (اي من كل اربعين واحد) وليس في الاقل من عشرين دينارا شئ، وليس فيما بعد العشرين شئ حتى يبلغ اربعة دنانير، وليس فيما بعد الاربعة شئ حتى يبلغ اربعة اخرى وهكذا..

خمس النصاب الثاني للذهب

هو قيراطان (تثبت في الاربعة دنانير التي هي النصاب الثاني للذهب، والدينار عشرون قيراطا، فمن الاربعين واحد كالنصاب الاول). وبقية التفاصيل في مبحث الدينار ونصاب الفضة.

خمس النصاب الاول للفضة

هو خمسة دراهم شرعية (تثبت في المئتي درهم التي هي النصاب الاول للفضة).

والدرهم الشرعي هو نصف المثقال الصيرفي وربع عشره، وللفضة نصابان: مئتا درهم، وفيها خمسة دراهم، واربعون درهما وفيها درهم واحد، وليس فيها بين النصابين شئ.

٢٥

وبقية التفاصيل تاتي ان شاء الله تعالى في بحث الدرهم والنصاب وغيرهما.

خمس النصاب الثاني للفضة

هو درهم واحد (يثبت في الاربعين درهما التي هي النصاب الثاني للفضة).

وقد عرفت ان الدرهم هو نصف المثقال الصيرفي وربع عشره، وبقية التفاصيل في المثقال، والدرهم، والنصاب.

الدانق

الذي كان مستعملا في زمن الائمة الاطهار صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، هو كصاحب كما في القاموس وكقالب معرب (دانه) كما في رسالة الاوزان للسيد الشبري، اي حبة.

وفي مختار الصحاح: الدانق بفتح النون وكسرها سدس الدرهم.

وفي المنجد: الدانق سدس الدرهم، جمعه دوانق ودوانيق، والكلمة فارسية.

والدانق ثماني حبات من اوسط حب الشعير كما نقل التصريح به في زكاة مفتاح الكرامة (ص ٨٨) عن المفيد وجمهور من تأخر عنه، وفي الجواهر: بلا خلاف اجده فيه، وعن المفاتيح: لا خلاف فيه منا، وفي رسالة المجلسي في اوزان المقادير: انهم اتفقوا على ان كل دانق وزنة ثمان حبات من اوساط الشعير كما صرح به علماء الفريقين ونقل مثله عن صاحب الحدائق، وفي المدارك نسبته إلى قطع الاصحاب، وعن المنتهى نسبته إلى علمائنا، نعم ورد تحديده باثنتي عشرة حبة شعير في رواية سليمان بن حفص المروزي الضعيفة بالارسال في سندها باسناد الشيخ، قال: قال ابوالحسن موسى بن جعفر عليه السلام: الغسل بصاع من ماء، والوضوء بمد من ماء، وصاع النبي صلى الله عليه وآله (خمسة امداد والمد " ١ ") وزن مئتين وثمانين درهما، والدراهم وزن ستة دوانيق، والدانق وزن ستة " ٢ " حبات، والحبة وزن حبتي الشعير هامش صفحه ٢٦ (١) اثبت ما بين الهلالين في زكاة مفتاح الكرامة والجواهر وهو الصحيح. (٢) الصحيح ست. والغلط من النساخ.

٢٦

من اوسط الحب لامن صغائره ولا من كبائره، ورواها الشيخ باسناد آخر لا يبعد حسنه بموسى بن عمر بن يزيد الصيقل (الوسائل م ١ ص ٦٥) قال في المدارك: لكنها ضعيفة السند بجهالة الراوي، إه‍.

وقد عرفت ضعفها من غير هذه الجهة، والراوي ثقة على الاقوى، ولو فرض اعتبار سندها فهي مطروحة باعراض الاصحاب عنها وشذوذها كما اعترف به في مفتاح الكرامة والجواهر وغيرهما، بل في مفتاح الكرامة: إن الاصحاب متفقون على طرحها، وعن المحقق الاردبيلي: انها ضعيفة متروكة لا يعرج عليها، إه‍. وهو كذلك. والدانق اربعة طساسيج كما في رسالة السيد الشبري، وكما في القاموس حيث قال في مادة مكك: والدانق قيراطان، والقيراط طسوجان، والطسوج حبتان.

والدانق سدس الدرهم الشرعي بلا خلاف كما ستعرف في مبحث الدرهم الشرعي ان شاء الله تعالى.

والثلاثة دوانق سبعة قراريط كما في رسالة السيد الشبري، لكن نقل عن المصباح المنير ان القيراط نصف دانق، وصرح بهذا في مختار الصحاح، وهو يوافق ما عن كشف الرموز من ان الدرهم في قديم الزمان كان ستة دوانق، كل دانق قيراطان بوزن الفضة، كل قيراط اربع حبات الخ. وليس لتحقيق هذا كبير أهمية. والدانق ثمن درهم بغلي كما في رسالة السيد الشبري وغيرها، بل ستعرف ان الدرهم البغلي ثمانية دوانق بلا خلاف. والدانق ثماني حبات (قمحات) وخمسان، لان الدرهم الشرعي ستة دوانيق بلا خلاف. وستعرف انه خمسون قمحة وخمسان، فاذا قسمنا هذا المبلغ على ستة كان السدس، وهو الدانق ثماني حبات وخمسين. وهذه عملية القسمة:

٢٧

فقد ضربنا الخمسين في ٥ لتتحول أخماسا فصارت ٢٥٠ خمسا، واضفنا اليها الخمسين (٢) فصارت ٢٥٢ خمسا.

ثم ضربنا الستة دوانق في ٥ فصارت ٣٠ خمسا، فقسمنا تلك على هذه فحصل ٨ وخمسان، فالدانق ٨ حبات وخمسان.

الدرهم البغلي

الدرهم كمنبر وكمحراب وزبرج كما في القاموس، وفي مختار الصحاح: الدرهم فارسي معرب، وكسر الهاء لغة فيه. وربما قالوا: درهام، وجمع الدرهم دراهم، وجمع الدرهام دراهيم. وفي المنجد: الكلمة يونانية (يعني الدرهم). ونقل عن الذكرى والدروس وجامع المقاصد وكشف الشرائع وحاشية الشرائع والروض ان البغلي باسكان الغين، وعن المدارك والدلائل أن المتأخرين ضبطوه بفتح الغين المعجمة وتشديد اللام، وكذلك قال السيد الشبري في رسالته، نسبة إلى قرية، اقول: والامر في التسمية سهل بعد اتفاقهم على اتحاد المقدار، اذ لا إشكال في أن الدرهم البغلي كان وزنه ثمانية دوانيق، والدرهم الطبري كان وزنه اربعة دوانيق فجمعا وقسما نصفين، وجعل كل نصف درهما شرعيا وزنه ستة دوانيق في زمن عبدالملك بن مروان بأمر من الامام زين العابدين عليه السلام، واستقر امر الاسلام على المعاملة بهذا الدرهم، وقد نبه إلى هذا جماعة من الفقهاء وغيرهم.

قال المسعودي فيما نقل عنه: إنما جعل كل عشرة دراهم بوزن سبعة مثاقيل من الذهب لان الذهب أوزن من الفضة، وكأنهم ضربوا مقدارا من الفضة ومثله من الذهب، فوزنوهما فكان وزن الذهب زائدا على وزن الفضة بمثل ثلاثة اسباعها، واستقرت الدراهم في الاسلام على ان كل درهم، نصف مثقال وخمسه، وبها قدرت نصب الزكاة ومقدار الجزية والديات ونصاب القطع في السرقة وغير ذلك.

وقال في محكي المعتبر: ان المعتبر كون الدرهم ستة دوانيق إلى أن قال: فانه يقال: ان السود كانت ثمانية دوانق، والطبرية اربعة دوانيق، فجمعا وجعلا درهمين، وذلك موافق لسنة النبي صلى الله عليه وآله الخ. وعن نهاية الاحكام: والسبب (اي في صيرورة الدرهم ستة دوانق) أن غالب ما كانوا يتعاملون به من أنواع الدرهم في عصر النبي صلى الله عليه وآله والصدر الاول بعده نوعان:

٢٨

البغلية والطبرية، والدرهم الواحد من البغلية ثمانية دوانيق، ومن الطبرية أربعة دوانيق، فاخذوا واحدا من هذا وواحدا من هذا وقسموهما نصفين، وجعلوا كل نصف درهما في زمن بني أمية، وأجمع أهل ذلك العصر على تقدير الدراهم الاسلامية بها (إلى أن قال): وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، وكل عشرة مثاقيل اربعة عشر درهما وسبعان.

وعن التحرير: الدراهم في صدر الاسلام كانت صنفين: بغلية وهي السود، كل درهم ثمانية دوانيق، وطبرية كل درهم اربعة دوانيق، فجمعا في الاسلام وجعلا درهمين متساويين، وزن كل درهم ستة دوانيق، فصار وزن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل بمثقال الذهب، وكل درهم نصف مثقال وخمسه، وهو الدرهم الذي قدر النبي صلى الله عليه وآله المقادير الشرعية في نصاب الزكاة والقطع ومقدار الديات والجزية وغير ذلك.

ونقل نحوه عن التذكرة والمنتهى، وعن الذكرى وكشف الالتباس وغيرهما: ان الدرهم البغلي منسوب إلى راس البغل ضربه الخليفة الثاني بسكة كسروية، وزنها ثمانية، دوانيق.

والبغلية كانت تسمى قبل الاسلام الكسروية، فحدث لها هذا الاسم في الاسلام، والوزن بحاله، وجرت في المعاملة مع الطبرية، وهي اربعة دوانيق، فلما كان زمن عبدالملك جمع بينهما واتحد الدرهم منهما، واستقر أمر الاسلام على ستة دوانيق، وهذه التسمية ذكرها ابن دريد.

وقال الشهيد الاول في البيان (ص ١٨٥): والمعتبر في الدينار بزنة المثقال، وهو لم يختلف في الاسلام ولا قبله، وفي الدرهم ما استقر عليه في زمن بني امية باشارة زين العابدين عليه السلام بضم الدرهم البغلي إلى الطبري وقسمتهما نصفين فصار الدرهم ستة دوانيق.

وعن المحقق الثاني في كتاب الزكاة: أن صنع عبدالملك كان بأمر من الامام زين العابدين عليه السلام.

وعن المجمع: أن الدرهم الاسلامي اسم للمضروب من الفضة، وهو ستة دوانيق، (إلى أن قال): وكانت الدراهم في الجاهلية مختلفة، فبعضها خفاف وهي الطبرية، وبعضها ثقال كل درهم ثمانية دوانيق وهى العبدية، وقيل البغلية، نسبة إلى ملك يسمى راس البغل، فجمع الاثنان، وقسما درهمين، فصار كل واحد ستة

٢٩

دوانيق، وقيل: ان عمر فعل ذلك لما راى أن الثقال تصعب على الرعية في الخراج. وعن ابي عبيد في كتاب الاموال التصريح بان ذلك كان في زمن بني أمية ايضا.

وقال السيد الشبري في رسالة الاوزان: وقد كان، يعني الدرهم قديما، نحوا واحدا، يضرب على وزان ثمان (ثمانية) دوانيق، على ضرب كسرى، ويسمى البغلي، (إلى أن قال): ثم ضرب في طبرية زمان الخليفة الثاني على وزان اربعة دوانيق، وجرى الامر على ذلك إلى زمان خلافة عبد الملك بن مروان، فجمع بينهما ونصف، فجعل الدرهم ستة دوانيق الخ.

وعلى الطبري يحمل كلام السرائر حيث قال في المحكي عنه: وقد روي ان الدرهم اربعة دوانيق، والدانق ثمان (ثماني) حبات. وقد علم من كل هذا أن الدرهم البغلي ثمانية دوانيق بلا ريب ولا إشكال.

وهو درهم شرعي وثلث كما عن السرائر، والفقيه، والهداية والمقنعة، والانتصار، والمبسوط، والخلاف، والمراسم، والغنية، والمعتبر، والتذكرة، واكثر كتب المتأخرين، بل الظاهر أنه لا إشكال فيه كما عرفت من نقل كلمات الاصحاب. وهو متحد مع الدرهم الوافي بلا ريب، بل في طهارة مفتاح الكرامة (ص ١٦٠) أن ظاهرهم الاتفاق على الموافقة، نعم تشعر بالمخالفة عبارة السرائر، وستعرف ما فيها في مبحث الدرهم الوافي إن شاء الله تعالى.

والدرهم البغلي هو ثمان واربعون شعيرة كما في رسالة السيد عدنان شبر، وهو غلط واضح، لانه ثمانية دوانيق، والدانق ثماني حبات بلا ريب في كل منهما حتى عند السيد المذكور، فالدرهم البغلي هو اربع وستون شعيرة، والشرعي ٤٨ شعيرة كما ستعرف إن شاء الله تعالى.

وهو ثمانية عشر قيراطا شرعيا وثلثان كما في رسالة السيد الشبري ايضا، وهو كذلك، لان القيراط الشرعي ثلاث شعيرات وثلاثة اسباع الشعيرة، فلو ضربناها في ١٨ قيراطا وثلثين، لحصل ٦٤ شعيرة كما ترى في هذه العملية:

٣٠

فالدرهم البغل ٣ / ٢ ١٨ قيراطا شرعيا والقيراط الشرعي ٧ / ٣ ٣ شعيرات

فالدرهم البغلي بالشعيرات هو:

ضربنا ٣ في ١٨ فحصل ٥٤ شعيرة. ثم ضربنا ٣ اسباع في ١٨ فحصل ٥٤ سبعا وفي ثلثين فحصل سبعان، فصار المجموع ٥٦ سبعا أي ٨ شعيرات. ثم ضربنا الثلثين في ٣ فحصل ستة أثلاث وهي شعيرتان. فبلغ المجموع ٦٤ شعيرة. وهذا يوافق ما قلناه من أن الدرهم البغلي ٦٤ شعيرة، ويوافق ما قاله السيد المذكور من أن الدرهم الطبري اثنتان وثلاثون شعيرة لانه نصف الدرهم البغلي بلا إشكال حتى عنده. على أنك ستعرف الخلاف في تقدير القيراط الشرعي بحبة الشعير في مبحث القيراط إن شاء الله تعالى.

الدرهم الشرعي

هو ما قدرت به نصب الزكاة ومقدار الجزية والديات ونصاب القطع في السرقة، وهو ما يجب تعريفه في اللقطة، فان نقص عن الدرهم لم يجب تعريفه.

هوستة دوانيق كما عن صريح المقنعة، والنهاية، والمبسوط، والخلاف وما تأخر عنها، وكما في رسالة التحقيق والتنقير، وفي الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، وفي المدارك: نقله الخاصة والعامة ونص عليه جماعة من أهل اللغة، وعن المفاتيح: أنه وفاقي عند الخاصة والعامة ونص اهل اللغة.

وعن الرياض: لا أجد فيه خلافا بين الاصحاب، وعزاه جماعة منهم إلى الخاصة والعامة، وعلماؤهم مؤذنون

٣١

بكونه مجمعا عليه عندهم، وعن ظاهر الخلاف: أن عليه اجماع الامة، وعن ظاهر المنتهى في الفطرة الاجماع عليه.

وفي أول رسالة أوزان المقادير للمجلسي (ص ١٣٢): وأما الدراهم.

فقد ذكر الخاصة والعامة أنها كانت ستة دوانيق، قال العلامة في التحرير: والدراهم في صدر الاسلام كانت صنفين بغلية وهي السود، وكل درهم ثمانية دوانيق، وطبرية كل درهم اربعة دوانيق، فجمعا في صدر الاسلام وجعلا درهمين متساويين، ووزن كل درهم ستة دوانيق، ونحوه قال في التذكرة والمنتهى، وقال المحقق في المعتبر: والمعتبر كون الدرهم ستة دوانيق بحيث يكون كل عشرة منها سبعة مثاقيل، وهو الوزن المعدل. فانه يقال: ان السود كانت ثمانية دوانيق، والطبرية اربعة دوانيق.

فجمعا وجعلا درهمين. وذلك موافق لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إه‍.

وقال الرافعي في الشرح المذكور (شرح الوجيز والرافعي من علماء السنة): واما الدراهم فانها كانت مختلفة الاوزان، واستقر في الاسلام على ان وزن الدرهم الواحد ستة دوانيق، وكل عشرة منها سبعة مثاقيل من ذهب. وفي المغرب: تكون العشرة وزن سبعة مثاقيل (انتهى ما في رسالة المجلسي بلفظه).

وهذه الكلمات حجة كافية، وبهذا قدرته رواية سليمان بن حفص المتقدمة في مبحث الدانق بسند ضعيف وبسند آخر لا يبعد حسنه، وفيها يقول: والدرهم وزن ستة دوانيق الخ.

واشتمالها على ما لا يقول به أحد لا يضر بدلالتها على المقام، لكن لما كانت غير معتبرة الاسناد كان الاعتماد على كلمات الاصحاب، وهي مؤيدة لهذا التقدير، لا دليل عليه. ويتفرع على هذا ان الدرهم الشرعي ثمان واربعون شعيرة كما صرح بذلك جماعة منهم العلامة المجلسي في رسالته (ص ١٣٤).

وهو نصف مثقال شرعي وخمسه. لان كل عشرة دراهم شرعية هي سبعة مثاقيل شرعية كما نقل العلامة المجلسي في رسالته (ص ١٣٤) عن العلامة في التحرير، والتذكرة، والمنتهى. بل هذا إجماع من الامة كما عن ظاهر الخلاف،

٣٢

وهو مما اتفقت عليه العامة والخاصة كما في رسالة المجلسي (ص ١٣٣) في أوزان المقادير ولا خلاف فيه كما في مصباح الفقيه (م ١ ص ٢٧)، هذا، وقد نقل عن المسعودي أنه علل ذلك بقوله: انما جعل كل عشرة دراهم بوزن سبعة مثاقيل من الذهب، لان الذهب اوزن من الفضة وكأنهم ضربوا مقدارا من الفضة ومثله من الذهب فوزنوهما، فكان وزن الذهب زائدا على وزن الفضة بمثل ثلاثة اسباعها، واستقرت الدراهم في الاسلام على أن كل درهم نصف مثقال وخمسه الخ.

ولما عرفت في مبحث الدرهم البغلي أن الدرهم الشرعي حدث في زمن عبد الملك أشكل الامر على بعض الناس بأن تقدير الزكاة بالخمسة دراهم لا ينبغي حمله على العرف الحادث، قال في زكاة الجواهر: وفيه: أنه لا دلالة في شئ مما سمعت يعني من كلماتهم القائمة بتقسيم الدرهم الطبري والبغلي، على انحصار الدراهم في تلك، بل أقصاه غلبة المعاملة بها، والحادث انما هو انحصار المعاملة بها، وهو غير قادح، (قال): على أنه يمكن ان يكون تقدير النبي صلى الله عليه وآله للزكاة بغير لفظ الدرهم، بل كان شئ ينطبق على هذا الدرهم الحادث الذي قدر به أئمة ذلك الزمان عليهم السلام كما هو واضح، (قال) وعلى كل حال فلا ينبغي الاشكال في ذلك، فان الدراهم وإن اختلفت الا ان التقدير بما عرفت. انتهى وهو جيد. والدرهم الشرعي وثلاثة اسباعه مثقال شرعي كما في زكاة المدارك وزكاة مفتاح الكرامة (ص ٨٨) وكما في القاموس في مادة مكك. بل لا خلاف فيه.

وهو سبعة أعشار المثقال الشرعي كما في زكاة مفتاح الكرامة ايضا قال: أو أنه مثقال إلا ثلاثة اعشار، أو أنه مع ثلاثة أعشار المثقال مثقال إه‍. وهو كذلك وهو ثمان واربعون حبة من اوسط حب الشعير كما في زكاة الجواهر، ونسبه إلى الوضوح، وكما في رسالة التحقيق والتنقير، ورسالة السيد الشبري، أقول: وهو كذلك لانه ستة دوانيق بلا خلاف، والدانق ثماني شعيرات بلا خلاف. والثمانية والعشرون درهما شرعيا واربعة اسباع الدرهم الشرعي هي عشرون مثقالا شرعيا والعشرون مثقالا شرعيا هي أول نصب الزكاة كما في زكاة المدارك،

٣٣

وكما في رسالة المجلسي (ص ١٣٣) قال: وهذا مما لا شك فيه، واتفقت عليه الخاصة والعامة إه‍.

فالظاهر أنه لا خلاف فيه، لانك عرفت ان الدرهم الشرعي ٤٨ شعيرة بلا خلاف، فاذا ضربناها في ٢٨ درهما وأربعة اسباع الدرهم يكون الحاصل ١٣٧١ شعيرة وثلاثة اسباع الشعيرة، ويكون الحاصل مثل هذا لو ضربنا العشرين مثقالا في ٦٨ شعيرة وأربعة اسباع الشعيرة، لان هذا هو وزن المثقال كما ستعرف ان شاء الله تعالى اما ضرب الدراهم فهذه عمليته: ضربنا ٤ أسباع في ٤٨ فحصل ١٩٢ سبعا، قسمناها على ٧ فخرج ٢٧ و ٣ أسباع ثم اضفنا الجميع إلى حاصل ضرب ٤٨ في ٢٨ واربعة اسباع فكان الحاصل: ٧ / ٣ ١٣٧١ شعيرة.

وأما ضرب المثاقيل فهذه عمليته:

٣٤

ضربنا ٤ اسباع في ٢٠ فحصل ٨٠ سبعا، قسمناها على ٧ فخرج ١١ و ٣ اسباع.

ثم اضفنا الجميع إلى حاصل ضرب ٦٨ و ٤ اسباع في ٢٠ فكان الحاصل ٧ / ٣ ١٣٧١ شعيرة.

وان شئت فقل: قد عرفت أن المثقال الشرعي درهم شرعي وثلاثة اسباع، فالعشرون مثقالا شرعيا عشرون درهما وستون سبعا، والستون سبعا هي ثمانية دراهم واربعة اسباع، فهذه ثمانية وعشرون درهما واربعة اسباع، وان شئت فقل: ان الثمانية والعشرين درهما واربعة اسباع اذا حولناها اسباعا تكون مئتي سبع، فاذا اخذنا نصفها وهو مئة سبع، وخمسها وهو اربعون سبعا (لان الدرهم نصف مثقال وخمسه) وقسمناها على ٧ يكون الخارج عشرين مثقالا وهو المطلوب، وهذه عملية الضرب والقسمة: فنصف ٢٠٠ سبع هو ١٠٠ سبع

٣٥

وخمس ٢٠٠ سبع هو ٤٠ سبعا ومجموع نصفها وخمسها هو ١٤٠ سبعا، او ٢٠ مثقالا كما يتبين: والدرهم الشرعي اربعة عشر قيراطا شرعيا كما في رسالة السيد الشبري وهو كذلك، لان الدرهم ٤٨ شعيرة، والقيراط ثلاث شعيرات وثلاثة اسباع الشعيرة فاذا ضربناها في ١٤ يكون الحاصل ٤٨ شعيرة والمئتا درهم شرعية (وهي النصاب الاول للفضة المسكوكة، وزكاتها ربع العشر، اي خمسة دراهم شرعية، ثم كلما زاد اربعون درهما كان فيها درهم واحد، وهكذا) هي مئة واربعون مثقالا شرعيا كما في زكاة المدارك ورسالة كاشف الغطاء في الاوزان، ورسالة العلامة المجلسي (ص ١٣٣) قائلا: وهذا مما لا شك فيه واتفقت عليه الخاصة والعامة (اه‍) فالظاهر أنه لا خلاف فيه، لان الدرهم ٤٨ شعيرة فاذا ضربناها في ٢٠٠ يحصل ٩٦٠٠ شعيرة، والمثقال ٦٨ شعيرة وأربعة أسباع فاذا ضربناها في ١٤٠ يحصل ذلك ايضا كما ترى: اما ضرب الدراهم فواضح. واما ضرب المثاقيل فقد ضربنا ١٤٠ في ٦٨

٣٦

أولا: ثم ضربنا ١٤٠ في اربعة اسباع فحصل ٥٦٠ سبعا، فقسمناها على ٧ فخرج ٨٠ فضممناها إلى ضرب الاعداد الصحيحة وجمعناها معها. فحصل في كلتا الحالتين ٩٦٠٠ شعيرة. والمئتا درهم شرعية هي مئة وخمسة مثاقيل صيرفية كما في رسالة العلامة المجلسي (ص ١٤٤)، وهو كذلك قطعا.

لان المثقال الصيرفي إحدى وتسعون شعيرة وثلاثة اسباع. فاذا ضربنا ذلك بمئة وخمسة مثاقيل صيرفية كان الحاصل تسعة آلاف وست مئة شعيرة. وهو يوافق ما تقدم.

وهذه كيفية الضرب: ضربنا الشعيرات أولا. ثم ضربنا الاسباع في عدد المثاقيل فكانت ٣١٥ سبعا فقسمناها على ٧ لتتحول شعيرات، فبلغت ٤٥ شعيرة أضفناها إلى الحاصل الصحيح فكان المجموع ٩٦٠٠ شعيرة. والخمس مئة درهم شرعية وهي مهر السنة تبلغ ثلاث مئة وخمسين مثقالا شرعيا كما في الدرة البهية (ص ٣٩)، وهو كذلك، لان الدرهم ٤٨ شعيرة فاذا ضربناها في ٥٠٠ يحصل ٢٤٠٠٠ شعيرة. ولان المثقال ٦٨ شعيرة و ٤ اسباع فاذا ضربناها في ٣٥٠ يحصل المبلغ المذكور.

وهذه عمليتهما:

٣٧

والدرهم الشرعي هونصف مثقال صيرفي وربع عشر مثقال صيرفي، كما في رسالة التحقيق والتنقير وكما في رسالة المجلسي (ص ١٣٣) ناقلا اتفاق الخاصة والعامة عليه، وهو كذلك، لان كل عشرة دراهم شرعية خمسة مثاقيل صيرفية وربع مثقال صيرفي، كما نص عليه المحقق النائيني في مبحث الكر من وسيلة النجاة. (ص يه) وفي مبحث الزكاة منها (ص ٢٣٠) وفي مبحث الكر من وسيلته الجامعة لابواب الفقه الا النادر (ص ٩) وفي مبحث الزكاة منها (ص ٢٠٤) وأمضاه سيدنا الاستاذ المحقق الحكيم مد ظله في هذين الموضعين.

اقول: فيكون الدرهم الشرعي نصف مثقال صيرفي ونصف حمصة وعشر حمصة، لان المثقال ٢٤ حمصة، فعشرها حمصتان واربعة اعشار، ونصف عشرها حمصة وعشران، فربع عشرها نصف حمصة وعشر حمصة، فالدرهم الشرعي هو نصف مثقال ونصف حمصة وعشر حمصة (اي نصف مثقال و ٦ اعشار الحمصة) وان شئت فقل: هو خمسون قمحة واربعة اعشار القمحة على الدقة، أعني اربعين جزء‌ا من مئة جزء من القمحة، وهذا لا ينافي ما في الدرة البهية (ص ١٩) من ان الدرهم الشرعي خمسون حبة وخمسان، ونقل ذلك (ص ١١) عن الشيخ عبد الباسط مفتي بيروت على مذهب الشافعية في كتابه الكفاية لذوي العناية لا ينافيه لان الخمسين هما اربعة اعشار، ولاينافي ذلك ايضا ما في رسالة السيد الشبري من انه نصف مثقال صيرفي وثلاثة اخماس الحمصة، لان ثلاثة اخماس الحمصة عبارة عن نصف الحمصة وعشرها، لان نصف الشئ خمسان ونصف، وعشره هو نصف الخمس فيصير ثلاثة اخماس الشئ، وقد اختبرنا ذلك في الوزن فوجدناه صحيحا، حيث وضعنا الدرهم الشرعي في جهة ووضعنا نصف المثقال الصيرفي وحبتين من القمح وهما نصف حمصة واقل من نصف حبة قمح وهو عشر حمصة، في الجهة الثانية، فتساويا في الوزن.

فتلخص أن الدرهم الشرعي خمسون حبة قمح وخمسا الحبة (والخمسان اربعة اعشار) وانه ١٢ حمصة وثلاثة

٣٨

اخماس الحمصة وانه ١٢ قيراطا وثلاثة اخماس القيراط الصيرفي لان القيراط الصيرفي حمصة، والحمصة اربع قمحات وهذا كله لا ريب فيه والدرهم الشرعي هو ثلاثة ارباع الدرهم المتعارف وحبتان وخمسا حبة متعارفة كما في الدرة البهية (ص ٤١): ويريد بالمتعارف الصيرفي وبالحبة القمحة، لكن نص بعض العلماء على ظهر نسخة مخطوطة من المسالك على ان الدرهم الشرعي هو ثلاثة ارباع الدرهم الصيرفي حيث قال: إن نصاب الفضة هو مئتا درهم شرعي، وهو مئة وخمسون درهما متعارفا.

واقول: ما في الدرة هو الصحيح، حيث عرفت ان الدرهم الشرعي نصف مثقال صيرفي وثلاثة اخماس الحمصة بالاختبار وبنص غير واحد من العلماء فهو ١٢ حمصة وثلاثة اخماس، وهذا المقدار هو ثلاثة ارباع الدرهم الصيرفي وثلاثة اخماس الحمصة، لان الدرهم الصيرفي ١٦ حمصة، وان شئت فقل: إن الدرهم المتعارف ٦٤ قمحة، فثلاثة ارباعه ٤٨ قمحة، والحبتان والخمسان يتم بهما خمسون حبة وخمسان وهو وزن الدرهم الشرعي كما عرفت، فما في الدرة هو الصحيح.

والاربعة دراهم شرعية وهي التي جعلها الاصحاب افضل من الدرهم الكافور لتحنيط الميت هي مثقالان صيرفيان وعشر مثقال صيرفي كما في بعض الكتب التي غاب عني اسمها وقد اختبرنا ذلك في الوزن فوجدناه صحيحا على ادق ما يكون، وحسبنا ذلك فوجدناه كذلك لان الدرهم الشرعي نصف مثقال صيرفي وربع عشر المثقال، فالدرهمان مثقال ونصف عشر، فالاربعة: مثقالان وعشر، وان شئت فقل: ان المثقالين الصيرفيين وربع هي ٢٠٠ قمحة وقمحة ونصف وعشر كما ترى:

٣٩

(إن ٥ / ٣ القمحة تساوي نصفها وعشرها. لان النصف هو ١ / ٢ ب أو ٥ / ١٠، والعشر هو ١ / ١٠ ومجموعهما ٦ / ١٠ ستة أعشار أو ٣ / ٥). فقد ضربنا الاربعة دراهم في ٥٠ قمحة فحصل مئتان، وضربناها في خمسي القمحة فحصل ٨ أخماس، فقسمناها على ٥ فخرج قمحة و ٣ أخماس (اي نصف وعشر) فجمعناها مع المئتين. والخمسة دراهم الشرعية التي هي زكاة النصاب الاول للفضة هي مثقالان صيرفيان ونصف وثمن مثقال صيرفي، لان العشرة دراهم خمسة مثاقيل وربع كما في زكاة الوسيلة الجامعة ايضا (ص ٢٠٤) وأمضاه سيدنا الاستاذ المحقق الحكيم مد ظله، وقد اختبرنا هذا في الوزن فوجدناه صحيحا، وكذلك في الحساب، لان المثقالين الصيرفيين والنصف والثمن هي ٢٥٢ قمحة كما ترى: والخمسة دراهم شرعية هي اربعة دراهم صيرفية الا اربع قمحات، لانا اذا قسمنا هذه القمحات على ٦٤ (وهو وزن الدرهم) يخرج ٣ دراهم و ٦٠ قمحة كما ترى: والعشرة دراهم شرعية هي خمسة مثاقيل صيرفية وربع كما أرسله غير واحد إرسال المسلمات ومنهم المحقق النائيني في وسيلتيه، وهو كذلك كما عرفت من حساب الخمسة دراهم. والثلاثة عشر درهما شرعيا وثلث (التي هي أكمل من الاربعة الدراهم

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

النفس والاجتماع.

٤ - أن الكمالات التي يسعى الإنسان إلى تحصيلها لا تقتصر على كمالات عالم الدنيا، بل هي كمالات في عوالم لاحقة لهذه الدنيا؛ فهناك عوالم آتية فيها كمالات و دركات ومفاسد، وأعمال الإنسان في هذه الدنيا تهيئ الأرضية لنيل المكانة في تلك العوالم وهذا هو معنى المعاد.

فالنتيجة: أن هذا السير يقتضي وجود الهادي والمعصوم الذي يسير بالأمة نحو المعاد الحقيقي وإحراز الكمالات العالية في العوالم اللاحقة، وهذه المقدمات تثبت ضرورة تحلِّي الإمام الهادي بـ:

أ - الهداية الإيصالية، وأن يكون له تصرُّف في النفوس تصرفاُ غير إلجائي؛ أي تتكامل النفوس باختيار الإنسان.

ب - الهداية الإرائية التفصيلية.

ج - الزعامة الاعتبارية في الإنسان المجموعي، وهو المجتمع.

فهذا الدليل يثبت ضرورة الإمامة حسب تعريف العلاّمة مع التكملة التي أضفناها.

كذلك يبيِّن الدليل الارتباط بين المعاد ومعرفة الإمام، ومن هنا نفهم قوله تعالى: ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) . فالدعوة والحشر والمعاد يكون بتوسُّط الإمام؛ لأنه هو الهادي لهم نحو الكمالات التي تظهر في العوالم اللاحقة، والآثار التي تظهر في المعاد إنما هي بتوسط الإمام حيث يكون مرتبطاً بالغيب، ويعلم بلوازم الأفعال الدنيوية وحقائقها وما يضر وما ينفع.

ومن الأدلة النقلية التي تؤيد هذا الدليل، وما هو دور الإمام في المعاد،

٣٠١

قوله تعالى: ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) (١) ، وهذه الآية سوف نفرد لها بحثاً مستقلاً في المقام الثالث، إلاّ أنّا نريد أن نشير إلى أن الآية تنص على أن المؤمنين - وهم الأئمة كما في العديد من الروايات - يشاهدون حقائق أعمال العباد في الدنيا، وهذا الاطلاع اطلاع ملكوتي.

وفي روايات أخرى تشير إلى أن الأعمال إذا أُريد أن تصعد إلى السماء والعرش، فإن الصاعد بها هو الإمام، وروايات تشير إلى أن دور الإمام يكون عند قبض الروح وفي البرزخ وعقبات الانتقال من عالم إلى عالم، وروايات تشير إلى أن الإمام يُنصب له عمود من نور على كل مدينة فيطَّلع على أعمال العباد.

وفي تفسير ( وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ ) (٢) يشير العلاّمة إلى أنه على الأعراف رجال مشرِفون على الناس من الأولين والآخرين يشاهدون كل ذي نفس منهم في مقامه الخاص به على اختلاف مقاماتهم ودرجاتهم ودركاتهم (٣) .

تقييم الدليل الثالث:

إن هذا الدليل يثبت مقام الهداية الإيصالية والإرائية والزعامة والرئاسة التي ذكرها المتكلمون.

الدليل الرابع: معرفة النفس

ويعتمد على مقدمات:

١ - أنه من الثابت روائياً وعقلياً أن معرفة النفس من أشرف الطرق للمعرفة الربوبية؛ وذلك لأنه طريق برهاني يؤول إلى العيان الحضوري بناء على (مَن عرف

____________________

(١) التوبة ٩: ١٠٥.

(٢) الأعراف: ٤٦.

(٣) الميزان ٨: ١٣٢.

٣٠٢

نفسه فقد عرف ربه) (أعرفكم بربه أعرفكم بنفسه).

٢ - قد بيَّنَّا في زاوية التعريف العقلي لـ (ما الحقيقية) شئون النفس والرسول الباطن ودور العقل العملي والقلب، وأشرنا إلى صفات عشر لدور العقل العملي وآثار القلب وسائر القوى.

٣ - بمقتضى المطابقة بين الإنسان الصغير والكبير، وأن المقصود من معرفة الرب ليس معرفة الذات الأزلية، بل معرفة أفعال الذات وعالم الخلقة الذي هو عالم ربوبية الباري للخلق، والرب هو عنوان من الصفات الفعلية للباري عزَّ وجل، بل وبمقتضى المطابقة بين الإنسان الكبير والمجموعي؛ أي المجتمع، وهو وأن كان اعتبارياً إلاّ أن هذا الاعتبار ليس ناشئاً من لا شي‏ء، بل الاعتبار - كما أشرنا إليه - يقتنص وينتزع من التكوين، وقد مثلنا أن قوى الإنسان الصغير كلها تتمثَّل في المجتمع؛ فالجيش يمثِّل القوة الغضبية، ووزارات الترفيه تمثِّل القوة الشهوية، والقوى المقنِّنة تمثِّل العقل النظري، والقوة القضائية تمثِّل الوجدان والضمير وحسب تعبير القرآن: ( النَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) ؛ فهذه هي المطابقة بين الإنسان الكبير والصغير والمجموعي.

وبمقتضى هذه المقدمات إذا كان في الإنسان الصغير توجد إمامة ذات هداية إيصالية إرائية، فنستكشف وجود ذلك في الإنسان الكبير والمجموعي، وهو دور الإمامة في المجتمع، وما ذكرنا في كيفية تصرف العقل العملي في بقية القوى ينطبق على الإمام في الإنسان المجموعي.

الدليل الخامس: برهان العناية

وهو برهان العناية، وقد تعرَّضنا له في الفصل الأول إلاّ أنّا نعيده هنا ملخَّصاً:

وهو علم الباري بالنظام الوجودي الأحسن، وعلى أكمل ما يكون عليه، وهذا

٣٠٣

العلم مستلزم لإفاضة الوجود الإمكاني الخَلقي على أحسن ما يمكن أن يكون عليه ولو بنحو الترتيب أو التدريج في العوالم كي تستقصي كل الكمالات في عالم الإمكان (وهذا التعريف مأخوذ من مدرسة الإشراق والحكمة المتعالية).

وقد أشرنا إلى أن قاعدة العناية الفلسفية هي بعينها قاعدة اللطف لدى المتكلمين؛ حيث إن الأخيرة تعني أن كل فعل موجب لقرب المكلَّف من كماله المنشود، فإن الباري يحسن ويلطف تهيئته وإيجاده ويقبح عدم إيجاده، فمن حيث اللب القاعدتان تعبِّران عن مفهوم واحد وأمر واحد، إلاّ أن الفلاسفة في منهجهم يعتمدون على العقل النظري في إثبات القاعدة. أمَّا المتكلمون، فيعتمدون على العقل العملي في إثبات القاعدة.

* أن أعلام الإمامية، واستناداً إلى الروايات المختلفة، ذهبوا إلى أن موقع الإمام في الإنسان المجموعي (موقع الرئاسة والزعامة) هو لطف؛ فلذا يحسن عن اللَّه نصبه وتعيينه. واللطف هو أكمل ما يمكن أن يكون عليه الوجود، فإذا كان أكمل ما يمكن أن يكون عليه الإنسان المجموعي هو بوجود الإمام، فبمقتضى قاعدة العناية يجب عن الحق تعالى إيجاده.

* أن الحفظ للدين و تدبير الدنيا يستلزمان أن تتوفَّر في الإمام الهداية الإيصالية والإرائية التفصيلية؛ وذلك أن الإمام لا يكون حافظاً للدين إلاّ إذا أمّنت جنبة المقام الغيبي، ويكون على اتصال بالغيب، فلا تصدر منه زلة علمية في تبيان مدارج الأحكام الشرعية، وأيضاً لأن الغاية هو تكامل الأفراد إلى الكمالات المنشودة، وهو نوع من الهداية الإيصالية.

تقييم الدليل الخامس:

إن المتكلمين اقتصروا في إثبات الإمامة في الإنسان المجموعي على قاعدة اللطف، ولم يتناولوا جانب الهداية الإيصالية مع أنها لطف أيضاً، وقد قمنا بتوسعة

٣٠٤

الدليل ليشمل هذا الجانب أيضاً؛ حيث إن العناية صفة من صفات الباري وأنه لطيف خبير ( إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) .

ملاحظة عامة:

إلى هنا نلاحظ الارتباط بين الإمامة وبقية أصول الدين؛ ففي الدليل الأول بيَّنَّا كيف الارتباط بين الإمامة والنبوة، وفي الدليل الثاني بيَّنَّا الارتباط بين الإمامة وفطرة التوحيد، وأن بوابة التوحيد هو الإمامة، وفي الدليل الثالث بيَّنَّا الارتباط بين الإمامة والمعاد ودور الإمام في عوالم ما بعد نشأة الدنيا، وفي الدليل الرابع انتقلنا من معرفة النفس إلى الإمامة، وفي الدليل الخامس ننتقل من صفات الباري وإنها تستلزم الإمامة.

وبتعبير آخر: أن هذه الأدلة ليست أدلة خطابية، بل هي برهانية عرفانية في آن واحد؛ أي أن إدراكها يحتاج إلى مقدمات فكرية من المعاني الحصولية، وإلى ذائقة قلبية كي يدرك كنه تلك الأدلة الخمسة؛ ففيها مطالب علمية ممتزجة من العلم الحصولي والعلم الحضوري، والنكتة التي أردنا الإشارة إليها أن هذه الأدلة الخمسة اللمية تدلِّل على أن أصول الدين تقود إلى الإمامة.

الدليل السادس: الأدلة الإنْيَّة

وهو من الأدلة الإنْيَّة التي اعتمدها المتكلمون والتي تنطلق من احتياج الكل إليه وغناؤه عن الكل دليل على إمامته، وعبَّر البعض عنه: أنه اجتمعت فيهم من الفضائل كلها، فهم أحق بالأمر بحكم العقل العملي، وبتعبير ثالث: أنهم‏ عليهم‌السلام ‏المشار إليهم بأشخاصهم وأسمائهم بحسب الجرد التاريخي، وباعتراف كل الفِرق والمِلل قد فاقوا نوابغ كل صفة في كمال تلك الصفة.

٣٠٥

تفصيل ذلك:

* أن التاريخ يذكر أنهم قد وضعوا الحلول الناجعة لكثير من المعضلات الفكرية التي ابتليت بها الأمة الإسلامية؛ كما في إشكالية صفات الباري حيث قالوا: (لا تعطيل ولا تشبيه وإنما أمر بين أمرين)، فلا يجوز تعطيل الصفات والقول أننا لا ندرك شيئاً من صفاته تعالى، كما لا يجوز التشبيه والقول أننا ندركه كما ندرك المحسوسات، وكذا نفي التجسيم ولوازمه عن ذات الباري، فقد كانت الأذهان عالقة بهذا الوهم. ونفي الجبر والتفويض وإثبات الاختيار في الأفعال.

وهكذا في معالجتهم للمشاكل الفكرية التي انتقلت إلى الأمة الإسلامية من الحضارات الأخرى، فتراهم يجعلون لها الحلول بنحوٍ لا يصطدم مع الإسلام وضرورياته، وموارد هذا شتى من التوحيد وصفات الحق تعالى، والعدل والمعاد والقضاء والقدر وما ورد من الشبهات حول نبوة الأنبياء عليهم‌السلام ، وبقول ابن أبي الحديد في ذيل إحدى الخطب: (لم تنتشر المعارف الإلهية من غير هذا الرجل، ولم يكن في الصحابة من تصوُّر أو صور شيئاً طفيفاً من المعارف)، ونضيف على مقولته تلك: أن عباراتهم وحلولهم وحكمهم ظلت حتى يومنا هذا مدار بحث وتشييد؛ لأنها تفوق ما توصل إليه السابقون من الفلسفة اليونانية ويستنير بهديها المتأخرون من الفلاسفة.

* المرحوم الشاه أبادي يذكر: أنه في الصحيفة السجادية لفتات وحلول لمعضلات في عالم المعنى والعرفان، بنحو لم يكن مطروحاً في العرفان الهندي الذي هو من أقوى وأقدم المدارس العرفانية لدى البشرية، ويشير إلى أنه في الأدعية الأولى بحوث عديدة وغريبة ودقيقة في السير والسلوك أو في مقامات الهادي أو مقامات الخلقة والتكامل الإنساني، ويعبّر عن أدعيتهم عليهم‌السلام أنها بمثابة القرآن الصاعد لِمَا تحتويه من أسرار المعرف الإلهية.

٣٠٦

فمثلاً المتقدمون يجعلون الظاهر في قبال الباطن والأول في قبال الآخر، بينما الإمام عليه‌السلام جعل الذات المقدسة هو الظاهر والباطن والأول والآخر، (فهو وحدة واحدة؛ يستوي فيها الظاهر والباطن والأول والآخر)، وفي كتاب التوحيد في ما ذكره الإمام الصادق عليه‌السلام ‏تبيان لكيفية الدلالة على ذلك.

* أن خضوعهم وعبوديتهم المطلقة للَّه عزَّ وجلَّ لا تجد لها مثيلاً عند مَن عاصرهم أو تأخر عنهم.

* أن معجزة السماء الخالدة القرآن الكريم لم ولن يوجد في الساحة الإسلامية ترجمان له - بحيث يثبت للبشرية أن القران الكريم يغطي كل احتياجاتها، وأن كل تساؤل يطرح على وجه الأرض لم يتمكن أحد من الإجابة عليه - سوى الإمام، ممَّا يوضح وجود رابطة بينهم وبين القران، وهو ما سوف نثبته في المرحلة الثالثة في فقه الآيات.

* يضاف إلى تلك الأدلة مقدمة مشتركة لا بد منها؛ وذلك لأن الاقتصار عليها يثبت أن الأئمة هم أليق الناس وأفضلهم لإدارة شؤون الأمة، لكن لا يثبت بها وجود مقامات أخرى، في حين أننا يمكن أن نستفيد من تلك الأدلة لِمَا هو أوسع من ذلك بإضافة هذه المقدمة، وحاصلها:

أن توافر هذه الصفات بهذا النحو في هؤلاء الاثنى عشر إمَّا أن يكون من باب الصدفة والاتفاق أو يكون بسبب

وعلَّة.

أمَّا الأول، فباطل؛ وذلك لأن القول به هو نفي لوجود اللَّه، وذلك لأن الطفرة هي صدور شي‏ء من شي‏ء من دون سبب وعلَّة، والاتفاق عبارة أخرى عن نفي السببية، وأن حيازة هؤلاء على الريادة في الصفات الكمالية - إن كان اتفاقاً - يعني أن يد اللَّه مغلولة، وأنه ترك الخلق كما خلقهم من دون هدايتهم والاتصال بهم. فيبقى الثاني وأن وجود تلك الصفات فيهم لم يكن من باب الصدفة والاتفاق،

٣٠٧

بل إن هذا يدل على عناية إلهية وإفاضة ربانية جعلت هؤلاء متَّصفين بتلك الصفات طيلة تلك السنين المتعاقبة والتي شهدت منافسين عدة حاولوا النيل منهم بشتى الطرق والوسائل، فتوجد في البين إفاضة ربانية للكمالات العلمية والعملية، وإن الوراثة بينهم ليست وراثة نسبية، بل وراثة نورية تكوينية جعلت تلك الحقيقة الغيبية مستمرة فيهم.

وبهذه المقدمة تكون تلك الأدلة الإنْيَّة مثبتة للمقام الغيبي الذي نتوخَّاه في الإمامة والذي يكون به عِدل النبوة وسفارة إلهية.

٣٠٨

المبحث الثالث:

الإمامة في القران الكريم

إن الهدف الذي نتوخَّاه من هذه الدراسة هو فهم حقيقة الإمامة ودورها في عالم الغيب بعد أن استوفى الباحثون حقيقتها في عالم الشهادة، ونعتمد في ذلك على الآيات الكريمة التي تحمل معانٍ نورانية لنستوحي منها معاني تلك القناة المعصومة المرتبطة بالغيب.

وهاهنا ملاحظة مهمة: أنه يجب الالتفات إلى أن القرآن الكريم قد صدر من الحكيم العالم بخفايا الأمور والعارف بأساليب اللغة ومفرداتها، فالألفاظ المستخدمة في القرآن ليست قوالب لفظية شعرية وأدبية بغرض إبراز الجمال الأدبي، بل إن وراء استخدام ألفاظ دون أخرى أو صياغات معينة دون غيرها غاية وهدف ومعنى يرمي إليه القران، وعدم فهم كلام الباري بهذا النحو يكون ابتذالاً وتوهيناً للمعاني القرآنية، وتزييفاً لمعارفه، ومخالفاً لقوله تعالى: ( تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ ) ؛ فليس المراد أن القرآن فيه تبيان للحقائق التشريعية فقط، بل إن القرآن فيه بيان للحقائق التكوينية أيضاً كما يظهر من كثير من الآيات التي تذكر خلق العالم وسنن التكوين، وإن هذا القران الحامل لسبعين بطناً لا يجوز لنا أن نقف أمام ظاهره فقط، بل يجب الغوص في حقائق معانيه وما تحمله الألفاظ من معارف، بل نجد أن البعض يقدِّس القرآن ويسلّم بعظمته، لكن عندما نلاحظ فهمه لآياته نجده يبتذل

٣٠٩

معانيه ويقف عند حاق اللفظ والظاهر فقط جاهلا أن الألفاظ ليست هي الهدف والغاية، بل هي قنطرة للوصول إلى المعنى المراد، فيجب تجاوز منطق الأدب وعلومه، فتنفتح أمام الإنسان حينئذ تلك المعاني العالية الدقيقة التي تحتاج إلى موازين العقل والمنطق. وهذه نقطة نفترق بها عن العامة الذين حجبوا عن أعينهم تلك الأمور.

وقد قسَّمنا الآيات التي تتحدث عن الإمامة إلى طوائف عدة نتناولها بالتفصيل:

الطائفة الأولى: آيات استخلاف آدم

من الوقائع القرآنية العجيبة التي يحكي بها الحق تعالى بدء الخلقة وكيفية خلق آدم‏ عليه‌السلام ‏وأمر الملائكة بالسجود إليه، وهي من الآيات التي تحمل معانٍ كبيرة تدلِّلنا على موقع الإمامة في الوجود الإمكاني، ويمكن القول أنها تمثِّل البوابة لهذا البحث، والعلامة الأم لهذا الموقع الإلهي. وقد تكرَّر ذكر هذه الواقعة أو مقاطع منها في مواضع كثيرة من القرآن في السور التالية:

١ - سورة البقرة ٢: ٣٠

( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوْا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتَما وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ

٣١٠

وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) .

وهذه السورة تحوي جميع مقاطع الواقعة منذ إخبار اللَّه الملائكة بخلق آدم وحتى هبوطه إلى الأرض.

٢ - سورة الكهف: ٥٠

( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) .

٣ - سورة الحجر: ٢٨

( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ) .

٤ - سورة الإسراء: ٦١

( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ ءَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً قَالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً ) .

٥ - سورة طه: ١١٥

( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا وَلاَ تَضْحَى فَوَسْوَسَ إِلَّيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ... ) .

٣١١

٦ - سورة الأعراف:١١ - ٢٥

( وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكِةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِنَ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ... )

٧ - سورة ص: ٧١ - ٧٥

( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ... )

وقبل الاستعراض التفصيلي لهذه الطائفة نذكر عدة ملاحظات:

١ - إن هذه الواقعة العجيبة التي يذكرها اللَّه جلّ وعلا لعباده تحتوي على معانٍ جليلة وعظيمة وتستحق وقفة مطولة.

٢ - إن ست سور من التي وردت فيها القصة مكِّية، وسورة واحدة مدنية؛ وهي البقرة.

٣ - إن العنصر المشترك المتكرر في كل هذه الموارد السبعة هو أمر الملائكة بالسجود لآدم وامتناع إبليس عن ذلك.

٤ - تمتاز سورة البقرة بورود نص الاستخلاف فيها ومناقشة الملائكة فيه، وهذا لم يتكرَّر في الموارد الأخرى.

٥ - قد رتَّبنا السور المكِّية التي ورد فيها هذه القصة حسب النزول.

وسوف تكون دراسة هذه الحادثة في مقامات أربع:

أولاً: دراسة الألفاظ الواردة فيها

نبدأ بدراسة الواقعة كما وردت في سورة البقرة والتدقيق في المعاني الواردة فيها:

* الملائكة: وهو وإن كان جمع معرَّف باللام ويفيد العموم، أي جميع الملائكة، إلاّ أن بعض الروايات تشير إلى أنهم قسم من الملائكة، لا أقل أنهم من نمط جبرئيل

٣١٢

وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل، لكن إدخال عنصر غيب السماوات والأرض يدل على أن الملائكة في الواقعة لم يكونوا صنفاً خاصاً منهم، بل عموم الملائكة؛ إذ أن ما غاب عنهم هو خافٍ على كل السماوات والأرض. كما أن الخطاب للملائكة بإخبارهم عن جعلٍ عام، وهو جعل الخليفة، ولم يخصص بآدم.

* في الأرض: وفيه احتمالات ثلاث:

أ - أن تكون متعلقة بـ(خليفة).

ب - أن تكون متعلقة بالضمير المستتر في (خليفة) لأنها مشتق.

جـ - أن تكون متعلقة (جاعل).

فعلى الاحتمال الأول يكون المعنى أن الخليفة مقيَّد في الأرض، فدائرة الخلافة تكون محدَّدة حينئذ بالأرض.

وعلى الاحتمال الثاني تكون دائرة الخلافة مطلقة غير محددة، والمستخلَف مقيَّد بكونه أرضياً، فهو إنسان أرضي دائرة خلافته مطلقة غير محددة فتشمل كل عالم الخلقة.

وعلى الاحتمال الثالث فحيث أن (جاعل) تتعدى إلى مفعولين؛ الأول (في الأرض) والثاني (خليفة)، فيكون المعنى إخباراً من اللَّه عزَّ وجلَّ أن الذي هو في الأرض قد جعلته خليفة على نحو (جعلت الآجر بيتا).

أمَّا الاحتمال الأول، فهو بعيد؛ حيث إن من البعيد جداً تقيُّد الخلافة في الأرض، وذلك لمجموعة من القرائن نستوحيها من الآية نفسها:

أ - أن العلم الذي يمتلكه هذا الخليفة علم خاص يفوق علم الملائكة؛ إذ أنه علم محيط بكل الأشياء حتى التي لا ترتبط بالواقع الأرضي كما سوف نتبين ذلك لاحقاً، فلو كانت خلافته محددة بالأرض فما هو الحاجة لهذا العلم؟ ثُم ما هو الداعي لإظهار تفوُّق علمه على علم الملائكة؟ بخلاف ما إذا كانت دائرة الاستخلاف

٣١٣

غير محددة بالأرض.

ب - أن إسجاد الملائكة لآدم يدل على الهيمنة التكوينية للمطاع بإذن اللَّه، وهذه الطاعة وتلك الهيمنة إنما هي وليدة العلم؛ بحيث أن الملائكة تستقي علومها منه كما سوف يأتي التدليل عليه، ومعلوم أن شؤون الملائكة ليست منحصرة بالأرض، بل بكل عالم الخلقة، فهذا يدل على أن دائرة الخلافة غير مقيدة بالأرض، بل هي تشمل كل عالم الخلقة غايتها هذا الموجود كينونة بدنه هي في الأرض.

وقد يُستَشكَل أنه لو كانت خلافته عامة لكل عالم الإمكان فكيف يجعل متأخراً عن الملائكة؛ أي كيف تتأخر خلقته عنهم؟

والجواب: أن خلقته غير متأخرة عنهم وإنما المتأخر هو وجوده الأرضي. أمَّا أصل الخلقة، فإنها لم تتأخر عنهم كما سيتضح ذلك لاحقاً.

جـ - استنكار الملائكة وتساؤلهم لم يكن دائراً حول دائرة الاستخلاف، بل حول الموجود الأرضي، فهي فهمت أن هناك ذاتاً في الأرض سوف تكون هي الخليفة، فجاء الاستنكار. وبعبارة أخرى: أن مقتضى كلامهم ( أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ... ) هو تعلق ( في الأرض ) بالجعل.

د - أن مقتضى تقدم الجار والمجرور على لفظة الخليفة، مع صلاحية تعلُّقه بالعامل المتقدم، يعيِّن تعلقه به، وخلاف ذلك يحتاج إلى قرينة.

* أمَّا بالنسبة إلى (جاعل)، فإنها تأتي بمعنيين؛ أحدهما بمعنى موجِد، وهو يتعدى إلى معمول واحد، والأخر يعني الصيرورة، وهو يتعدى إلى معمولين، والأقرب أن يكون الوارد هنا الثاني، ومعمولاه هما: (في الأرض) و(خليفة)، وهذا يؤدي نفس المعنى الذي نتوخاه؛ وهو عدم تقييد وتحديد دائرة الخلافة في الأرض.

إن أصل المعمولين مبتدأ وخبر، فلو قدَّرنا المبتدأ (خليفة) والخبر (في الأرض)، فمقتضاه أنه ليس في صدد جعل الاستخلاف، بل هو أمر مفروغ منه، وإنما هو في

٣١٤

صدد الإخبار عن الجعل الأرضي لهذا الخليفة. أمَّا لو كان العكس، فإنه يعني أن كونه في الأرض أمر مفروغ منه والجعل والإخبار عن الاستخلاف. والأول أنسب؛ وذلك لأن مسائلة الملائكة هو عن كينونته في الأرض، وعن هذا القيد الذي يظهر أنه مجهول بالنسبة إليهم.

ويحتمل أن يكون الجعل بمعنى الإيجاد فيأخذ معمولاً واحداً هو (في الأرض) وخليفة صفة له، وقد يُعترض عليه أن هذا التركيب يشبه قولك: إني جاعل في البيت مسئولاً أو إني جاعل في المؤسسة مديراً وهذا تقيد للمسؤولية والإدارة؟ والجواب: أن هنا مناسبة بين المؤسسة والإدارة والبيت والمسؤولية في حين أنها مفقودة بين الأرض والاستخلاف، كما أن القرائن التي ذكرناها سابقاً من التعليم وإلاسجاد وما يأتي من تعليم الأسماء كلِّها، تؤكد على أن الاستخلاف دائرته أوسع من الأرض، ثُم إن هذا الجعل - مضافاً إلى ظهوره في الإطلاق الزماني والتأبيد ما دام الموجود الأرضي - يبطل اعتراض الملائكة الذي يكفي في وجاهته صدقه ولو لبرهة وفترة يسيرة؛ فالتخطئة لهذا الاعتراض لابد أن تكون بنحو النفي والسلب المطلق له، وذلك بدوام وجود الخليفة ذي العلم اللَّدُني ما دام الخلق البشري على الأرض.

* خليفة : والاستخلاف الوارد في القرآن على نحوين؛ الأول: استخلاف عام لنوع البشر؛ والهدف منه إعمار الأرض والعالم الكوني، والثاني: استخلاف خاص، وهو خلافة الاصطفاء، وهي المقصودة هنا؛ وذلك لأن الحق تعالى قد ربط هذا الاستخلاف بالعلم اللدني المحيط، ومثل هذا العلم ليس لدى نوع البشر، بل لدى فئة خاصة منتخبة من البشر، ولكن هذا لا يعني الاختصاص بآدم، بل قد يعمُّ فئة من بني البشر، نعم، هو لا يعم كل البشر.

والفارق بين الاستخلاف والنيابة والوكالة، أن هذه العناوين تقتضي وجود

٣١٥

طرفين أحدهما يتولَّى عن الآخر الفعل والعمل إلاّ أن دائرة التولي إذا كانت محدودة، فتسمّى وكالة، ويتبع ذلك ضيق صلاحيات الطرف، وإذا اتسعت تسمّى نيابة وتزداد صلاحيات الطرف، وإذا اتسعت أكثر تسمى ولاية، وإذا ازداد اتساعها تسمّى خلافة؛ وهي قيام شخص مقام آخر، فيقال: خلف فلان فلانا، أي حلَّ محلَّه. غاية الأمر أنه في عالم الممكنات تكون بدلاً عن فقد، أي بعد فقد المستخلَف في ذلك المقام. أمّا عندما تكون الخلافة عن الواجب، فلا تكون عن فقد، بل بنحو الطولية. فاللَّه مالك الملك في السماوات والأرض، فهو يملك ويُقْدِر الملائكة على شي‏ء، وليس هو فاقد للقدرة، بل في عين تملُّكهم وإقدارهم يكون مالكاً وقادرا، فهذا الاستخلاف ليس هو التفويض الباطل، بل هو إقدار وتمكين من دون تجافٍ وفقد.

فالمستخلِف هو اللَّه عزَّ وجل، والخليفة يكون هو الرابطة التكوينية بين الذات الأزلية ومورد الاستخلاف، نظير الأفعال الاختيارية التي يقدم بها الفاعل المختار المخلوق فإنها إقدارٌ وتمكينٌ من مالك الملوك واستخلافٌ فيها من دون عزلة ولا انحسار لقدرة واجب الوجود.

وأخيراً فإن عنوان الخليفة غير عنوان النبوة والرسالة، بل يكون أهم شأناً منها؛ لأنه يقوم مقام اللَّه ويخلف اللَّه بخلاف العنوانين.

* ( قال: إني أعلم ما لا تعلمون ) .

إن اعتراض الملائكة يدل على أنهم تصوَّروا أن الهدف من إيجاد آدم هو إعمار الأرض، ولكن الآية تبيِّن خطأهم في فهمهم، ومحط اعتراض الملائكة أن مَن يصدر منه الإفساد وسفك الدماء، أي مَن يصدر منه الزلل والخطأ لا يتساوى مع مَن يكون معصوماً عن الخطأ، فهم أحق بخلافته من هذا الموجود. وكان الجواب: أن هذا الاعتراض منشؤه الجهل؛ حيث إن العصمة العملية ليست هي فقط العاصمة عن الزلل، بل المهم هو العصمة العلمية التي تكون عاصمة حينئذ عن الزلل العملي

٣١٦

أيضاً، فالجهل العلمي هو الذي يسبب الوقوع في الأخطاء والزلل، ومن هذه الآية نعرف السر في حثِّ القرآن على طلب العلم واستخدام العقل؛ حيث غن التقدّس والتعبد غير مانع وعاصم من الوقوع في الخطأ، بل العلم التام والصحيح هو العاصم الأتم. وبذلك يمكننا القول أن سؤال الملائكة ليس اعتراضا؛ فهم مسلمون للَّه وخاضعون له إلاّ أنه سؤال استفهامي ناتج عن عدم إحاطتهم بكل شي‏ء، فتصوَّروا أنهم أكثر أهلية لهذا المقام.

* الأسماء: وهو جمع محلَّى باللام مفيد للعموم، والكلام في المراد من هذه الأسماء؛ فذهب البعض إلى أنها المعاني المختلفة، وبعض إلى أنها أسماء المعاني كلِّها، ولكن التدبر في الآيات الشريفة لا يساعد على الاقتصار على أيٍ منها؛ وذلك:

ـ أن العلم بهذه الأسماء أوجد امتيازاً لآدم على الملائكة وبه استحق الاستخلاف، وإذا كان هو ما ذكروه من المعلومات الحصولية فإن آدم بتعليمه للملائكة يصبحون في مستوى واحد، بل قد يكون تدبر اللاحق أشرف من السابق، وعليه لا موجب لاستحقاق الأفضلية لآدم على الملائكة.

ـ أن الأسماء لو كانت هي اللغات وأسماء هذه المعاني المتداولة، فإن الحاجة إليها إنما هو لانتقال المعاني والمرادات بين الناس، والملائكة ذات كمال أعلى وأشرف من ذلك، فإنها تطَّلع على النوايا من دون حاجة إلى الألفاظ، فأي كمال تحصل عليه الملائكة في إنبائها بهذه الأسماء؟!

ـ أن هذه الأسماء أرفع من أن تصل إليها الملائكة مع تنوُّع شؤونها ووظائفها؛ حيث أنها جاهلة بها، خصوصاً أن الملائكة كانت عالمة بشؤون الأرض، ولذا سألت عن هذا الموجود الأرضي، فلا يخفى عليها شأن من شؤون الأرض، فلا بد أن تكون هذه الأسماء غير أرضية.

٣١٧

ـ في الآية اللاحقة عندما عرض اللَّه (جلَّ وعلا) المسمَّيات أو الأسماء على الملائكة أشار إليها باسم الإشارة (هؤلاء) وهو يستخدم للعاقل الحي الحاضر، ولا يقال للمعدوم ولا للجماد،وكذا استعمل ضمير الجمع للعاقل (هم) في جملة (عرضهم) وفي جملة ( أنبأهم بأسمائهم، فلمَّا أنبأهم بأسمائهم ).

ـ أن تميُّز آدم عن الملائكة ظل حتى بعد إنباء الملائكة بهذه الأسماء أو بأسماء الأسماء.

ـ أن آدم لم يُعلم الملائكة بهذه الأسماء، بل أنبأهم، والإنباء غير التعليم؛ إذ أن التعليم هو العيان الحضوري، أمَّا الأنباء، فهو إخبار بالعلم الحصولي.

ـ التعبير عن هذه الأسماء أنها ( غيب السماوات والأرض ) ، فالإضافة هنا لامية وليست تبعيضية؛ أي غيب للسماوات والأرض لا أنه غيب من السماوات والأرض، أي ما وراء السماوات والأرض وأنها كانت غائبة عن الملائكة، بل خارجة عن محيط الكون.

وهذه القرائن والشواهد تدل على حقيقة واحدة:

أن هذه الأسماء لمسمَّيات ووجودات شاعرة حية عاقلة عالمة أرفع مرتبة وأشرف وجوداً من الملائكة، بل هي أشرف من آدم، لأنه بالعلم بها استحق الخلافة، فهي أشرف مقام في الخليقة.

* العلم: أن العلم الذي تعلمه آدم من قبل الحق تعالى لم يكن بالتعليم الكسبي الحصولي إنما هو بالعلم الحضوري، وهو نوع من الارتباط والرقي للروح إلى عوالم عالية حيث ترتبط الروح بتلك العوالم العلوية عياناً وحضورا، والحديث هنا ليس في مقام الرسالة والنبوة، بل في مقام الخلافة وخليفة اللَّه.

إذن فالعلم المذكور هنا هو خارج حد الملائكة؛ لذا نفي التعليم عنهم حتى بعد إنباء آدم يدل على أن هذا المقام هو غير مقام النبوة، بل هو مقام الإمامة والخلافة، كما

٣١٨

ترتَّب عليه إطواع وإتباع الملائكة له.

ثم أن هذا التعليم لآدم كان قبل دخوله الجنة وقبل نزوله للأرض كما يتَّفق عليه المفسِّرون؛ أي قبل أن يكون مقام النبوة لأدم. وقد يقال: إن إنبائه للملائكة يدل على كونه نبياً لهم، لكن هذا ليس من قبيل النبوة الاصطلاحية للأرض حيث التكليف والعمل، وإنما الإنباء هاهنا من قبيل التعليم اللدني الذي هو فوق مقام الملائكة.

ويذهب البعض إلى القول أن الخلافة التي جعلت عنواناً لهذا الموجود هي خلافة عن النسناس الأرضي، وهذا خطأ فاحش، بل بقرينة الإنباء المزبور هو مقام خلافة اللَّه عزَّ وجل، أي بمعنى الإقدار من قبله عزَّ وجل.

وممَّا يدلل على أن العلم الوارد ليس علم النبوة والرسالة أن في هذا العلم لا يحتمل واسطة ملائكية بين اللَّه وبين آدم بينما في علم النبوة يحتمل واسطة ملائكية ويمكن وقوعها.

فهذه القرائن تدل على أن هذا العلم الذي تعلمه آدم نحو من العلم الحضوري الخاص، وأنه استحق به مقام الولاية والرتبة التكوينية، وهو فوق مقام النبوة والرسالة.

* ( إن كنتم صادقين ) .

إن القرآن في حديثه عن الصدق يذكر له مراتب من مقام الصدِّيقين والصدِّيق، وهذه المراتب ليس في قبالها الكذب الاصطلاحي، بل هي مراتب اشتدادية في نفس الصدق، وقد أشرنا قبل إلى قوله تعالى: ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً ) حيث ذكرنا أن اللَّه أصدق من سيد الكائنات، وهذا لا يعني أنه كاذب - والعياذ باللَّه - فالأصدق دوام كلامه وسعته أكثر من الآخر، والأمر الذي نريد التأكيد عليه أن مراتب الصدق لا يقابلها الكذب فالآية لا تدل على كذب الملائكة، بل تشير إلى عدم واقعية ما

٣١٩

حسبوه وتوهَّموه.

وهناك روايات تبيِّن كيفية الطريق إلى أن يكون الإنسان من الصدِّيقين، وهو مقام أوسع من الصدق الخبري والمخبري، فالذي يكون أكثر علماً وأكثر إحاطة يكون أصدق من الأقل علماً؛ وذلك لأن الأول يكون علمه محيطاً والآخر أقل إحاطة فتأتي علومه غير مطابقة، فالمقصود أن المراد هنا من الصدق الإحاطة وعدمها، لا المطابقة للواقع وعدمها.

ونظير ذلك ما تصف الروايات بعض آيات القرآن أنها أصدق من آيات أخرى وأكثر إحكاماً وأكثر حقا، وهذا لا يقصد منه بطلان الآيات الأخرى، بل يقصد منه أن تلك الآيات أكثر إحاطة بالواقع فتكون أصدق وأحق وأحكم.

فالملائكة في هذه الآية يخبرون عن أحقيَّتهم وأهليَّتهم للخلافة في الأرض، حيث إنهم أنبئوا عن استحقاق ذلك لمَن تكون له العصمة العملية، لا أنهم يخبرون عن واقع، بل من باب المسائلة.

* الإنباء: بناء على ما ذكرنا سابقاً من أن استخدام الحق تعالى للألفاظ المختلفة ليس من باب التنوُّع اللفظي والنثر البلاغي، بل القرآن كتاب حقائق، وتغيُّر اللفظ من موضع إلى آخر يدل على تغاير في المعنى الحقيقي المراد للحق تعالى.

فنلاحظ هنا أن الباري تعال أسند تعبيرين لهذه الأسماء؛ أحدهما: ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ) ، والآخر: قوله للملائكة: ( أَنبِئُونِي ) ؟ وأجابت الملائكة: ( لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا ) فأمر آدم بإنبائهم باسمائهم، فالارتباط بين الحق تعالى وآدم كان بالتعليم، أمَّا عندما أخبر آدم الملائكة، فكان الارتباط بالإنباء. وهذا التغاير يدل على أن الملائكة لم ينالوا العلم الحقيقي بهذه الأسماء.

والسر في هذا التغاير هو أن التعليم عياني حضوري، والإنباء إخبار من وراء حجب الصور والمفاهيم وما شابه ذلك، فإضافة آدم مع ربه من نحو العلم

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440