الإمامة الإلهية الجزء ١

الإمامة الإلهية9%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 440

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 137464 / تحميل: 8182
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

منها: وجود آيات (قد أشرنا إليها؛ وهي التي ذكرنا أنها دالة على الثقلين ومعيتهما على الإطلاق وغيرها) وطوائف روايات عدة دالة على أنهم المخاطبون بالقرآن وهم القادرون على فهمه وتأويله، والظاهر من عموم الأدلة أنه لا يمكن الاستبداد دونهم والانفراد في فهم القرآن.

منها: أن معجزة الرسالة المحمدية ليست هي القرآن وحده؛ والذي يظهر من النصوص - سواء من حديث الثقلين أم غيره - أن مقام النبي الخاتم فوق مقام القرآن، فهو كما ذكرنا المبدأ لهما بمقتضى أنه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله أسند وجود الثقلين في الأمة إلى نفسه الشريفة (إني تارك)، فهو بمنزلة المصدر لاعتبارهما، وهو المنتهى باعتبار (يردا عليَّ الحوض).

بل أحد وجوه حجية القرآن هي صفات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَايَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُل لوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فُيكُمْ عُمُراً مِن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) (١) ( أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنِكِرُونَ ) (٢) ، فأمانته وصدقه ووثاقته كانت بدرجة عالية فائقة تضاهي أمانة وصدق ووثوق المعجزة في الدلالة على كون القرآن من الباري تعالى، وقد لبث فيهم عمراً لم يأتهم بشي‏ء؛ لأنه لم يأته من تلقاء نفسه، وهذه كلها من الموثِّقات على أن القرآن من عند اللَّه، والتاريخ ينقل لنا أن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله سأل المشركين: أنه لو أخبرتكم أن العدو وراءكم وراء هذا الجبل أكنتم تصدقوني؟ قالوا: بلى إنك الصادق الأمين، إذن نفس حجية الكتاب من نفس قطع المشركين بصدقه وأمانته وما رأوا من بقية معجزاته، لكنَّه العناد

____________________

(١) يونس: ١٥.

(٢) المؤمنون: ٦٩.

٤٠١

والتكبر هو الذي منعهم عن التسليم له.

ومنها: أن الاحتياج إلى الغير في فهم القرآن لا يدل على نقص القرآن الكريم، بل هو أشبه شي‏ء بالوادي العميق الذي يحتاج في ارتياده إلى رائد يقود المسير، والقرآن فيه المحكم والمتشابه والظاهر والباطن، فالنقص في الواقع هو في الإنسان الذي يقرأ القرآن ويتداوله حيث لا يستطيع أن يصل إلى أعماقه، لا في القرآن الذي نزل بلسان عربي مبين وعلى الإنسان أن يغرف منه ما استطاع طبقاً لِمَا يمتلك من القدرات والإمكانيات العلمية.

ومنها: أن الصحيح بعد ما تقدم هو تكافل الحجج الإلهية، فصفات الرسول‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله وبقية معجزاته أحد وجوه حجية القرآن، و القرآن هو أحد معجزات النبي‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومَن عنده علم الكتاب والراسخون في العلم والذين أوتوا العلم... أحد وجوه حجية القرآن، وهم شهداء للرسول‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالتكافل والتشاهد بين الحجج برهان، وفي مقام الدلالة الإثباتية كذلك.

وأخيراً؛ قد ذكرنا بحثاً مبسوطاً في الفصل الأول في جواب منهج العلاّمة الطباطبائي القائل أنه بممارسة السنة يحصل لنا الدربة في طريقة تفسير القرآن بالقرآن.

النظرية الثانية:

ومؤداها حسبنا الأحاديث المأثورة عن العترة الطاهرة، وقد نادى بها الإخباريون؛ واستدلوا على ذلك بما ورد بأنهم المخاطبون بالقرآن وأنه لا يحيط بالقرآن إلاّ أهل البيت، وأن القرآن فيه المحكم والمتشابه وله ظاهر وباطن وفيه العام والخاص والناسخ والمنسوخ، وهذا يعني عدم إمكان توصلنا إلى معانيه المرادة الواقعية، وكذلك يُستدل بما ورد من النهي عن التفسير بالرأي والذي فُسِّر على أساس النهي عن الاستبداد بالرأي، كما يستدل بالحصر الوارد في قوله تعالى:

٤٠٢

( والرّاسِخُونَ فِي العِلْمِ ) ؛ حيث إن فيها حصراً في عدم العلم بالتأويل إلاّ لهؤلاء، وهذا يعني أن المحكم أيضاً لا يحيط به كل أحد؛ وذلك لأن للمحكم قيمومة على المتشابه باعتبار أنه أمُّ الكتاب، فلو كان غير الراسخين لهم إحاطة بالمحكمات، فلا يبقى متشابه حينئذ، وعليه يبطل الحصر الوارد أن المتشابه لا يعلمه إلاّ اللَّه والراسخون في العلم.

وما ذكره الإخباريون من مواد الأدلة متين، لكن لا يؤدي إلى ما ذكروه، ونفس أدلة النظرية الأولى تبطل أدلَّتهم، كما أن النصوص القرآنية لا تجعل المدار على أقوال العترة فقط، بل تنص على أن للقرآن دورا؛ خصوصاً مع روايات العرض على الكتاب، ونفس الآيات التي مفادها حديث الثقلين، وكذا نفس الحديث، فإن التمسك فيه بهما معا - لا بأحدهما - هو المدار في عدم الضلال، بل قد تقدم أن التمسك بأحدهما هو تمسك صوري، وإلاّ فهو في واقعه عدم تمسك به أيضاً؛ لأنهما لا ينفكان عن الآخر، فالانفكاك عن أحدهما انفكاك عن كلٍّ منهما معا.

النظرية الثالثة:

وهي التي نادى بها أغلب علماء الإمامية والتي تنص على المعية على نحو المجموعية، لا الاستقلال كما أفادته النظريتان السالفتان، وهذه المجموعية هي المدار في المعرفة الدينية واستنباط الأحكام الشرعية الأصولية والفرعية، فالتعامل يكون معهما كوحدة واحدة. هذا هو البيان الإجمالي لمفاد النظرية، أمَّا المفاد التفصيلي:

فإن المعية بين الكتاب والسنة على صعيدين: أحدهما تكويني، والأخر اعتباري باعتبار الحجية.

أمَّا الصعيد الأول، فقد أشرنا في بحث الآيات إلى طوائف عدة تشير إلى أن للقرآن حقائق تكوينة و مدارج في عالم التكوين، وأن لأهل البيت حقيقة تكوينية، وأن تلك الحقيقتين في الواقع واحدة.

٤٠٣

ونشير مجملاً إلى ذلك ببيان أن المصداق الحقيقي للكتاب هو الشي‏ء الوجودي الجامع للكلمات الحقيقية، فالكتاب له دلالة على شي‏ء جامع لكل شي‏ء، وهو شاعر، ومَن تكون له الإحاطة الحضورية بذلك الوجود الجامع، ويكون هناك اتحاد بين العالم والمعلوم والعلم، فهذا يعني أن العلم يكون فصلاً نوعياً واحدا، وكذا الفصول النوعية للراسخين في العلم والذين أوتوا العلم، فهي تدل على أن كمال جوهر الفصل النوعي ورُقيِّه بذلك العلم، وهو يدل على الوحدة التكوينية بينهما، فهناك مَعيَّة في مدارج الوجود.

نعم، في تنزل هذه الحقائق العلوية تتنزل بكثرة، ويُعبَّر عن ذلك في بعض الروايات أن الأئمة نور واحد، وقد يُعبَّر عنه في مقام التنزل بالروح الأعظم التي تنتقل من إمام إلى إمام.

فإذا كان الحال هكذا في مدارج التكوين، فهو بنفسه في مدارج الاعتبار، فالوجود الاعتباري اللفظي المصوت أو للنقوش المرسومة في الخط للقرآن، في محاذاته وجود اعتباري للإمام، وهو كلامه، وممَّا تقدم يتضح أن كلامهم عليهم‌السلام ‏واحد وإن كان متفرقا، ومجموعه حجة وإن تعددت رواياته. نعم، القرآن له إضافة تشريفية في كونه كلام اللَّه، وكلام العترة هو دونه وأنه كلام المخلوق، وفي الجهة الحقيقية التكوينية فإنهم كلمات اللَّه التكوينية، كما في التعبير عن عيسى أنه كلمة اللَّه، وهم حقيقة القران.

ومن هنا نفهم لماذا يجب عرض رواياتهم على الكتاب الكريم؛ بمعنى أن المتشابهات من كلٍّ من الكتاب والعترة تعرض على المحكمات منهما جميعا؛ وما ذلك إلاّ لأن مصدر الكلام واحد، وقريب من هذا التعبير في عالم الاعتبار والحجية ما يقال من أن الكتاب الكريم هو كالمتن، وأن روايات المعصومين هي كالشرح على المتن، وأنهم شارحون لشريعته صلى‌الله‌عليه‌وآله والهادين إليها على أساس ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ

٤٠٤

قَوْمٍ هَادٍ ) .

٤ - خلاصة ما يستفاد من الحديث:

١ - أن من المسامحة والبعد عن الإنصاف حصر مفاد الحديث في التشريع والفروع، حيث إن التمسك بهما ورد مطلقاً من دون تقييد، ومقتضى الإطلاق وجوب الأخذ بهما في الاعتقادات، كما أن مقتضى ذلك هو وجوب الاعتقاد بكل منهما.

٢ - دوام وتأبيد بقاء إمامتهم، وهذا التأبيد شامل لعالم الدنيا والحشر.

٣ - أن النبي‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله هو المبدأ لحجية الثقلين والمنتهى لهما، وأنه أفضل من أهل البيت‏ عليهم‌السلام .

٤ - أن لهم مقام غيبي باعتبارهم عِدلاً للقرآن، فصفات القرآن المسطورة في الآيات والسور المتكثرة كلها فيهم بمساعدة الآيات الدالة على الحديث.

٥ - المعية في الحجية بين الكتاب والعترة، فلا يجوز الاكتفاء بأحدهما دون الأخر.

٦ - مفاضلتهم على بقية الأنبياء؛ حيث إن الكتاب وصف بأوصاف لم يتَّصف بها أيٍّ من الكتب السماوية التي نزلت على الأنبياء، وكونهم عدل الكتاب المتصف بهذه الأوصاف يدل على مدارجهم الروحية وإحاطتهم بهذا الكتاب الذي امتاز بهذه المميزات.

الحديث الثاني: (مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).

وهذا من الأحاديث التي ثبتت صحتها من كتب العامة والخاصة والكلام في فقه الحديث.

وللأسف حاول البعض تفسير هذا الحديث سياسياً بمعنى وجوب مبايعة الإمام

٤٠٥

ولو كان فاسقا، ولا يجوز أن تكون رقبة وذمة المكلَّف خالية من البيعة، وقد وجدنا أمثال هؤلاء في العصر المتقدم كعبد اللَّه بن عمر مع الحجاج عندما ذهب إليه ليبايعه مستدلاً بهذا الحديث، وسوف نتناول الحديث في نقاط عدة:

* إن أول أمر يواجهنا في هذا الحديث هو الأثر المترتِّب على عدم المعرفة، لا عدم البيعة؛ وهو أن تكون النتيجة كميتة الجاهلية؛ أي أن هذا الإنسان مُدْرَج في الذي لم يشم رائحة الإسلام في الآخرة، أي بحسب الواقع، وكأن الرواية الشريفة تعطي مفاد الآية: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) فرضية كانت متوقفة على الإمامة التي بلّغها الرسول في هذا اليوم، وبها يتم الدين والإسلام كمجموع متكامل وكل شي‏ء مرهون به، وقبله لم يكن رضا؛ ولذلك قال عزَّ مِن قائل: ( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) ، وهذه كلها تؤكد المضمون الذي يورده هذا الحديث: من أن المعرفة والاعتقاد بالإمامة دخيلان في أصل الدين والتدين بالإسلام بحسب الواقع والآخرة.

* نعود إلى الشرط المذكور في الرواية؛ حيث إنه مطلق غير مقيد بشي‏ء، بل هو المعرفة المطلقة، ممَّا يدلِّل على أن المطلوب العمدة هو أمر اعتقادي، فليس المطلوب الأهم المتابعة في الفروع، ولا المتابعة السياسية، بل المتابعة الاعتقادية والمعرفة والتدين والائتمام، وهل يعقل ترتُّب مثل هذه النتيجة، وهي الموت ميتة الجاهلية، على مجرد عدم المتابعة في الفروع، بل الأمر أهم وأكبر، وهو محور اعتقادَي المعرفة والاعتقاد. ولو فرض المتابعة السياسية (المصطلح عليه بالولاء السياسي) والمتابعة في الفروع والأخذ من الإمام المنصوب أحكام الفروع من دون المتابعة الاعتقادية (المصطلح عليه بالولاء الاعتقادي المعرفي)، لَمَا تحقَّق أصل التدين بالإسلام بحسب عالم الآخرة والواقع.

* إن الرواية مطلقة من حيث الزمان والمكان، فهذا اللسان عام وشامل لكل

٤٠٦

الأفراد في جميع الأزمنة، ممَّا يدلِّل على عموم وجود الإمام وأنه موجود حتى قيام الساعة، وهذا يؤيِّد مدَّعى الإمامية من تأبيد وجود الإمام.

* إن الرواية تدلِّل على وجود واجب شرعي في قسم من الأصول الدينية على الفرد المسلم، وهو السعي إلى معرفة الإمام في كل فترة من فترات حياته، فهذه وظيفته التي أوكلها إليه الحق سبحانه، ويقع على عاتقه تشخيص الإمام، وأن هذا الواجب جانحي، وأن هذا الإمام تناط به النجاة من النار.

* ثم إن هذا الوجوب الاعتقادي - من قسم الأصول الدينية - دال على كون المعتقد من الإمامة ليس من سنخ حسي مشهود بالآلات الحسية، بل متعلق المعرفة ومتعلق الاعتقاد هو من السنخ الغيبي؛ فمثلاً نبوَّة النبي ليست أمراً حسيا، بل شيئاً وراء الحس ومن قبيل نشأة الروح وإن كان لها آثار في عالم الدنيا والحس دالة عليها برهانا، وإلاّ فمثل السماء والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال ونحوها من الحسيات ليست تتعلق بها المعرفة الدينية، فالمعرفة الحسية والشواهد المادية ليست من متعلقات الإيمان والمعرفة الدينية، فالإيمان ركن متعلقه لابدَّ أن يكون غيبيا، من النشئآت أخرى، وإن كانت تلك النشئآت مهيمنة محيطة على الحس، يقصر الحس عن مدرج ظهورها، فتكون غيباً عنه، فظهورها الشديد عين غيبها عن الحس.

* وقد ينقض على هذا اللسان ما ورد من أن مَن استطاع الحج ولم يحج، أو سوَّف في ذلك، ثم مات، بعثه اللَّه يهودياً أو نصرانيا، ولكن التأمل في هذا المفاد يبيِّن الفرق بين أن يبعث يهوديا، وأن يبعث كافراً جاهليا، فإن الثاني هو مَن لم يدخل في الدين السماوي من الأساس. أمَّا الأول، فهو المعتنق للديانة الإلهية إلاّ أنه بعّض في التدين وآمن ببعض وكفر ببعض، فقد تكرَّر في أحاديث كثيرة أن تكون هناك درجة معينة من العذاب في النار مترتبة على ارتكاب بعض الكبائر، ولكنه بخلاف

 

٤٠٧

ما نحن فيه من أن المنكِر وغير العارف لإمام زمانه يخلد في النار ويموت ميتة الجاهلية، وهو إنما يتفق مع كون الواجب الاعتقادي من أصول الديانة.

الحديث الثالث: في تبليغ سورة براءة

وقد ورد الحديث بألسنة متعددة؛ منها: أن جبرائيل نزل على رسول اللَّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله، فقال: (يا محمد، لا يؤدي عنك إلاّ رجل منك). ومنها: (لا يبلِّغ عنك إلاّ علي). ومنها: (لا يؤدي عني إلاّ أنا أو رجل مني).

ولا خلاف في نزول هذا الحديث في أمير المؤمنين‏ عليه‌السلام ، ولكن الكلام في مدلول هذا الحديث الشريف الذي ينطوي على دلالات مهمَّة تفوق مسألة التبليغ لسورة براءة كما يحاول كثير من العامة تصويرها؛ على أساس أن مِن عادات العرب أن لا ينقض العهد إلاّ عاقده أو رجل من أهل بيته، ومراعاة هذه العادة الجارية هي التي دعت النبي‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأخذ سورة براءة - وفيها نقض ما للمشركين من عهد - من أبي بكر ويسلِّمها إلى علي ليستحفظ بذلك السنة العربية، فيؤديها عنه بعض أهل بيته، ويزعمون أن أبا بكر لم ينفصل من إمارة الحاج.

وواضح أن هذا التأويل من العامة لا أساس له.

أمَّا أولاً: فأي شهادة من التاريخ أن مِن عادة العرب ذلك، بل من عاداتهم أنهم يبعثون في إجراء العهد أو حلِّه عَلِيَّة القوم ومَن يطمئنون إليه، وأي مدرك في سير ووقائع العرب دال على أنه يجب أن يكون من عشيرة القوم، فهذه قريش في صلح الحديبية بعثت مسعود الثقفي، وهو ليس من قريش، لإبرام العهد مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والواقعة في تبليغ سورة براءة ليست قبَلية وعائلية وشخصية، بل أمر إلهي لا يتحمَّله إلاّ مَن هو أهل له.

وثانياً: إن كتب السير والتاريخ مختلفة في كون أمارة الحاج بيد أبي بكر في ذلك

٤٠٨

العام، مضافاً إلى أن أبا بكر لم يكن هو الأمير إلى الأبد، بل تولَّى الأمارة غيره أيضا.

وثالثاً: ما ذكره العلاّمة الطباطبائي من أن البحث ليس في أفضلية مَن على مَن، بل الكلام في ما يمكن فهمه من الحديث: (فليت شعري من أين تسلموا أن هذه الجملة التي نزل بها جبرائيل: (أنه لا يؤدي عنك إلاّ أنت أو رجل منك) مقيدة بنقض العهد لا تدل على أزيد من ذلك؟! ولا دليل عليه من نقل أو عقل، فالجملة ظاهرة أتم ظهور في أن ما كان على رسول اللَّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يؤديه لا يجوز أن يؤديه إلاّ هو أو رجل منه، سواء كان نقض عهد من جانب اللَّه كما في مورد سورة براءة أم حكماً آخر إلهياً على رسول اللَّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يؤديه ويبلِّغه)، ثم إن هذا التبليغ يتميز أنه التبليغ الأول عن السماء؛ حيث إن الحكم لم يعلن بعد على مسامع المسلمين وغيرهم، بل اختص به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن هنا ورد في الرواية أن الكتاب كان لدى أبي بكر مغلق لا يعلم ما فيه، وعندما أتى الإمام أخذه منه.

وهذا يغاير إبلاغ بقية الأحكام بتوسط مَن سمعها إلى مَن لم يسمعها التي كان النبي قد أعلن عنها في ملأ المسلمين في مناسبات عدة، فمقام تبليغ سورة براءة هو مقام الناطق الرسمي عن السماء، وهذا لا يعني الشركة في النبوة مع النبي الخاتم (‏صلَّى الله عليه وآله وسلم)؛ لأن الوارد هو: (لا يؤدي عنك إلاّ أنت أو رجل منك)، وليس الوارد (لا يؤدي إلاّ أنت أو رجل منك)، وواضح الفرق بين المعنيين بأدنى تأمل.

وبتعبير آخر: أن الذي له أهلية التبليغ عن الغيب يجب أن يكون له ارتباط بالغيب، فلا يبلغ عن تلقيك النبوي إلاّ لسانك النازل وبفيك أو فاه آخر، لكنَّه من سنخك الذي يسمع صوت الوحي ويرى نوره ويشمه، ويسمع رنة إبليس، كما تقدم في الخطبة القاصعة.

وهذا يفتح الباب لفقه حديث المنزلة (أشركه في أمري)، وأن هارون كموسى نبي، وحيث يضفي النبي على عليّ تلك المنزلة إلاّ النبوة؛ أي الإنباء، فبقية الصفات

٤٠٩

تكون ثابتة للإمام بمقتضى حديث المنزلة، كما يتضح معنى الحديث: (يا علي، أنا وأنت أبوا هذه الأمة)، والظاهر أن هذا المقام من مختصات علي أمير المؤمنين، وهكذا نفهم المؤاخاة بينهما في المدينة ليست اعتبارية، بل تكوينية حقيقية.

فالمدلول الذي نستفيده من الحديث أنه يشير إلى مقام للإمام عليه‌السلام ، ‏وأن مقام تأدية الأحكام الإلهية لا يكون إلاّ للنبي أو مَن يؤديه عنه وهو منه، ونستفيد منه أن ما يبلِّغه الإمام وبقية الأئمة لا ينحصر فيما بلَّغه النبي، بل حتى الموارد التي لم يبلِّغها للأمة فهم يبلِّغونها عنه، وتشمل الأخذ عن مقامه النوري بعد مماته كما هو الحال في مصحف فاطمة عليها‌السلام ؛ لأن عنعنتهم عن النبي ليست روائية حسية سماعية كما هو المتعارف في نَقَلة الحديث خاضعة لشرائط الحس والمشاهدة، بل هي عنعنة نورية.

وقد روى الصدوق في العيون: (أن المأمون سأل الرضا عليه‌السلام : ما وجه إخباركم بما يكون؟ قال: (ذلك بعهد معهود إلينا من رسول اللَّه‏ صلَّى الله عليه وآله ) قال: فما وجه إخباركم بما في قلوب الناس؟ قال‏ عليه‌السلام : (أمَا بلغك قول الرسول‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله : اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور اللَّه؟)، قال: بلى، قال: (وما من مؤمن إلاّ وله فراسة ينظر بنور اللَّه على قدر إيمانه ومبلغ استبصاره وعلمه، وقد جمع اللَّه في الأئمة منّا ما فرَّقه في جميع المؤمنين، وقال اللَّه عزَّ وجلَّ في محكم كتابه: ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) ، فأول المتوسِّمين رسول اللَّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثُم أمير المؤمنين عليه‌السلام من بعده، ثُم الحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين‏ عليهم‌السلام ‏إلى يوم القيامة)، قال: فنظر المأمون، فقال له: يا أبا الحسن، زدنا ممَّا جعل اللَّه لكم أهل البيت، فقال الرضا عليه‌السلام : (إن اللَّه عزَّ وجلَّ قد أيَّدنا بروح منه مقدسة مطهرة ليست بملَك، ولم تكن مع أحد ممَّن مضى إلاّ مع رسول اللَّه، وهي مع الأئمة منَّا تسددهم وتوفقهم، وهو عمود من نور

٤١٠

بيننا وبين اللَّه عزَّ وجل) (١) .

ومن هنا يجب أن نهتم كثيراً بإزالة هذا الالتباس عن أذهان الجميع: من أن روايتهم ليست رواية بالموازين العادية أو أن حجية أقوالهم بما أنهم رواة.

ونتجاوز إطار اللفظ إلى عمق المعنى لنقول: إن هذا الحديث يدلُّنا على حجية الزهراء البتول‏ عليها‌السلام ؛ ‏وذلك من جهة أن المناط في حجية المؤدي عن النبي‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الوصف المتعقب للرجل، وهو (منك)، وهذا الوصف يدل على عدم خصوصية الرجل، بل الوصف هو المهم، وقد ورد في الحديث أنها منه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما تؤديه عن النبي لا ينبغي التشكيك فيه، ومن هنا كان مصحف فاطمة مصدر لعلوم الأئمة عليهم‌السلام .

إشكال ودفع:

قد يقال: إن رواة الحديث الذين ينقلون الحديث عن المعصومين لهم هذا المقام، حيث يسأل الإمام حول مسألة معينة ولم يكن الإمام قد أظهر الحكم فيها قبل ذلك، ويكون دور الراوي نشر هذا الحكم بين أهل مدينته أو قبيلته وما شابه ذلك؟

والجواب عن هذا الإشكال: أن الحديث يتحدث عن مقام خاص اختص به الأمير عليه‌السلام ، وليس الحديث عن مسألة شرعية سألها أحد المسلمين بتلقيه حساً عن حسِّ المعصوم، وهذا المقام هو مقام التلقي النبوي الذي حازه النبي الأكرم‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو كان هذا التلقي عن الوجود النازل لمقام النبوة لَمَا قيل في الحديث القدسي: (لا يؤدي عنك إلاّ أنت أو...)، فتأدية النبي‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن نفسه، ليست بمعنى تأدية حسِّه الشريف عن حسه، بل هو نحو من التجريد وتأدية المراتب النازلة من وجوده

____________________

(١) عيون أخبار الرضا(ع)، ج٢، ص٢٠٠، ب٤٦.

٤١١

الشريف عن المراتب العالية من روحه المقدسة، وعن مقام التلقي للوحي في درجة وجوده، فالذي يبلغ عن ذلك المقام من روحه وجوده النازل، أو رجل منه يتلقى عن ذلك المقام، فعلي‏ عليه‌السلام يتلقى من المقام الروحي النوري النبوي كما تتلقى القوى الإدراكية النازلة في نفس النبي‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن المقام الباطن لروحه الشريفة، ومن ذلك يتضح أن علياً في حين أخوته للنبي‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ أن النبي‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله يمتاز عليه وعلى بقية الأئمة عليه‌السلام أنهم يتلقون ممَّا قد تلقاه المقام الروحي النوري النبوي؛ أي في طوله متأخراً عنه.

فالتصريح بأنه (لا يؤدي عنك)، أي عن هذا المقام الذي أنت فيه (إلاّ أنت أو رجل منك)، والترديد هو لإفادة كونكما في نفس هذه المرتبة الصالحة للتأدية عن مقامك النوري.

وجواب ثالث: أن المعصوم في السؤال والجواب العاديين لا يكون غرضه تخصيص السائل دون غيره بالحكم، بل أي شخص أتى وسأله هذا السؤال لكان أجابه بنفس الحكم، لأنه أدى إليه الحكم عبر قناة الحس إلى حسه، فليس المقام مقام تبليغ حكم عن السماء وكون المبلغ هو الناطق الرسمي، بل من باب الاتفاق اختص هذا السائل بهذا الحكم، ثم إن الحصر الوارد في هذا الحديث القدسي عن رب العزَّة بالحصر في التأدية بهذين دليل على أن هذا لا يشمل مقام الرواية.

الحديث الرابع: (إن اللَّه يرضى لرضا فاطمة)

إن هذا الحديث من الأحاديث المهمة التي نستفيد منها عصمة الزهراء البتول، وليست المسألة هي مداراة من العلي القدير لنبيه الأكرم في تبجيل ابنته التي يحبها، بل هو مقام حباها اللَّه به، حيث تكون هي ممثلة لرضا اللَّه جلَّ وعلا ويكون رضاه برضاها، وهذا يعني أنها لا تفعل المعصية لأنها ممثِّلة لرضا الرب وغضبه.

وقد ذكرنا سابقاً في بحث المراتب الوجودية للإنسان وتنزل العلوم أن للإنسان مراتب ثلاث: هي مرتبة العلم الحضوري، ومرتبة العلوم الحصولية، ومرتبة القوى

٤١٢

العملية التي هي دون المرتبتين، وسلامة الأفعال تتوقَّف على مدى المطابقة بين هذه المدارج الثلاثة حيث تتنزل الإرادات الإلهية من دون عوائق، ولا تكون هناك مشاكسات من القوى المادون؛ وذلك إذا ما ابتلي بالأمراض والوساوس والبلادة والحدة أو سلطنة الغرائز النازلة... وقد استعرضنا ذلك - بنحو مفصَّل - وشواهده من الآيات القرآنية.

وبناء على هذا فعندما يقال: إن الرضا الإلهي هو برضا أحد عباده، فهذا يعني أن هذا العبد هو ممثل للمشيئة الإلهية وتكون كل حركاته وسكناته لا تتخلَّف عن المشيئة الإلهية، وهذا يعني أن تكون القنوات التي تسير فيها علوم الإنسان - وهي ما تقدم ذكره - غير مبتلاة بأمراض إدراكية ولا عملية، ولا يكون هناك عائق أمامها، فتتنزَّل صافية من دون كدر، وهذا ليس تأليها، بل هو استقامة في مدارج الوجود، فيخرج العمل مظهراً للإرادة الإلهية. وعلى هذا البيان لا تنحصر العصمة في الموضوعات الكلية، بل تشمل الجزئيات الخارجية ولا يشذ عنها مورد، وقريب من هذا المعنى الحديث الذي ينص على أن علياً مع الحق والحق مع علي؛ إذ لا يمكن أن تكون هناك موائمة بينه وبين الحق إلاّ إذا افترضنا أن هناك عصمة علمية عملية تجعل كل تصرفاته نابعة عن العلم الحضوري، وأن إراداته تمثِّل الإرادة الإلهية.

ومنه نستطيع الربط مع الأحاديث التي تبين كيفية تلقي الإمام عليه‌السلام عن النبي الأكرم‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ حيث لا يكون التلقِّي من الوجود البشري للنبي‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل هو تلقي عن مقام النورية للنبي، وخصوصاً في مثل الحديث القائل: (علَّمني رسول اللَّه ألف باب من العلم، ينفتح من كل باب ألف باب)؛ حيث لا يوجد تفسير لها على نحو العلوم الحصولية، بل هي الوراثة النورية التي ورثها النبي‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله للأئمة الأطهار، وعليه يكون أداء الأئمة عن النبي ليس عن مرتبته الوجود الحسي له، بل عن المرتبة النورية.

وقد أورد على هذا التقريب لفقه الحديث عدة نقوض حاصلها: أنه قد ورد في الأحاديث والآيات القرآنية تصريح برضا اللَّه تعالى عن بعض المؤمنين، مثل: ( قَالَ

٤١٣

اللّهُ هذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (١) ، وورد في موارد أربعة قوله تعالى ( رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ ) : الفتح ١٨ / المجادلة ٢٢ / البينة ٨ / التوبة ١٠٠، ما ورد في الحديث الشريف من رضي اللَّه عن عمار، وأن أبا ذر لا يكذب قط.

وهناك جواب تفسيري عن هذه الأحاديث ينفع جواباً كلياً عن هذه الموارد نذكره: وهو أن العصمة على درجات، وليس كلها من نحو واحد، فإن منها: العلمية، ومنها: العملية، ومنها: الذاتية، ومنها: الأفعالية؛ أي في مقام الفعل دون الذات، وكل منها فيه شدة وضعف، وقد مر بعض الحديث عن ذلك في آية استخلاف آدم والفرق بين عصمته وعصمة الملائكة، كذلك هناك مقامات تتلو أدنى مراتب العصمة كمقام الحكمة الذي مَن أوتيه أوتي خيراً كثيراً كما وردت الإشارة إليه في الآيات، وكمقام الصدِّيقين ومقام أهل الفوائد، ومنهم مَن يُعطى علم البلايا والمنايا وغير ذلك من المقامات.

ويشير إلى تلك المقامات حديث الإمام الصادق عليه‌السلام ‏الذي رواه الخزَّاز القمي(كفاية الأثر / ص٢٥٣)، وهي مقامات من سنخ غيبي وهيبة ملكوتية بحسب تولِّي الشخص وتسليمه لأوامر اللَّه تعالى ونواهيه الإلزامية والندبية وطوعانيته لإراداته.

فلا يقال بامتناع انوجادها في مَن يتلو المعصومين من المؤمنين المتمسِّكين بحبل اللَّه كالأوتاد والأبدال الذين أخلصوا في طاعة اللَّه؛ مثل: لقمان الذي لم يكن نبياً ومع ذلك أوتي الحكمة، وهي نحو يتلو العصمة العلمية، وكما في ذي القرنين الذي ورد عن أمير المؤمنين‏ عليه‌السلام أنه (كان عبداً أحبَّ اللَّه، فأحبه اللَّه... وآتاه الله من كل شيء)، و مثل زينب عندما قال لها الإمام زين العابدين: (يا عمَّة، إنك عالمة غير معلمة)، وفي السيد محمد ابن الإمام الهادي‏ عليه‌السلام ‏وأبي الفضل العباس وغيرهم من أبناء الأئمة، وهكذا عمار وأبو ذر، مضافاً إلى أنهم ممَّن ائتمَّ بإمامة أهل

____________________

(١) المائدة: ١١٩.

٤١٤

البيت عليهم‌السلام ‏وآمن بالمقام الغيبي للائمة ويتولُّون أهل الكساء وممَّن يتشفع بهم، وهذا المقدار لا يجعل مقامهم مقام الأئمة.

وقد ذكرنا في علم الكلام وعلوم المعارف أن الصفات الكمالية وإن كانت مشتركة بين الخالق وعبده، ولكنَّها ليست بمرتبة واحدة، كالصدق؛ فقوله تعالى: ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً ) ، والنبي الأكرم‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الصادق الأمين أيضا، لكن اتصاف الحق تعالى بهذه الصفة في مرتبة واجب الوجود لا متناهية، غير مرتبة اتصاف الرسول الأكرم بها، وهذا التفاوت في الدرجات حاصل أيضاً بين المعصوم وغيره؛ إذ أن رضا اللَّه لرضا المعصوم غير رضاه على عمار أو أبي ذر لأنهم آمنوا بالمعصوم واعتقدوا به فهم في مرتبة تلي المعصوم، وروايات كثيرة تشير إلى الأوتاد وأن وجودهم هو حفظ لمدنهم أو لمَن يحيط بهم، كالذي ورد عن الرضا عليه‌السلام في زكريا بن آدم (١) والذي ورد في سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار (٢) ، كما تشير المصادر إلى أن عمار إنما وصف بهذا الوصف في سياق نصرته وولائه لعلي عليه‌السلام (٣) .

أمَّا الجواب التفصيلي:

١ - أمَّا آية المجادلة: ( لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِروحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ، وهذه الآية لا ينقض بها على ما تقدم؛ وذلك لأن الرضا الإلهي مترتِّب على الاتصاف بهذه الأوصاف الخاصة، وهي الإيمان باللَّه واليوم الآخر و عدم موادة مَن حاد اللَّه

____________________

(١) رجال الكشي، ٨٥٧، ح١١١.

(٢) المصدر السابق، ٣٣، ح١٣.

(٣) صحيح مسلم، كتاب الفتن، وكتاب صفات المنافقين.

٤١٥

ورسوله، كتب الإيمان في قلوبهم، التأييد بروح منه و الاتصاف بها مورد رضا اللَّه، وهو يختلف عمَّا نحن فيه؛ حيث إن الرضا مترتب على ذات فاطمة من دون تقييدها بوصف معين ولا زمان ولا مكان معين، بل هو عام شامل ومطلق. أمَّا ما ورد في الآية، فهو رضا للوصف، لا لذات هؤلاء بما هي هي.

٢ - وقريب منه ما في سورة البينة؛ حيث إن الرضا هو للوصف، ويزاد عليه ما ختمت به الآية من أن ( ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) ؛ أي مقيَّد بالخشية منه تعالى، وإلاّ ينتفي عنه الرضا، مضافاً إلى أن المفسِّرين ينصُّون على أنها نزلت في علي‏ عليه‌السلام ، وقد ذكره السيوطي في الدر المنثور في ذيل آية خير البرية من السورة.

٣ - آية الفتح: ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) ، وهذه الآية الشريفة تؤكد نفس المدلول من أن الرضا هنا بالوصف، وهو الإيمان، لا أنه مطلق؛ وذلك مع أن مطلق المسلمين قد بايع، لكن الرضا لم يكن عن الكل، ويؤيد ذلك إذ التعليلية؛ حيث إن الرضا نتيجة الفعل الصالح، وهو المبايعة تحت الشجرة، وليس رضا بالذات. ثم إن تمامية المبايعة والحصول على الرضا الإلهي مناط بالموافاة والبقاء على العهد حتى الموت، وهكذا آية المائدة التي ذكر فيها الرضا مقيداً بالوصف، وهو الصدق مع شرط الموافاة.

٤ - أمَّا آية التوبة ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) ، فالجواب عن النقض بها - مضافاً إلى الأجوبة السابقة -:

أ - ورد في الحديث في ذيل الآية أنهم هم النقباء وأبو ذر والمقداد وسلمان وعمار ومَن آمن وثبت على ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) ؛ ويشهد لذلك - و لعدم إرادة العموم - أن سورة التوبة تقسِّم مَن صحب النبي‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله من المكِّيين والمدنيين إلى أقسام

____________________

(١) تفسير الصافي: ج٢، ص٣٢٩.

٤١٦

عديدة كالذين في قلوبهم مرض، ومن أهل المدينة مردوا على النفاق، الذين يلمزون المطوعين، المخلّفون، الذين يؤذون النبي، المنافقون وغيرهم.

ب - أنه ليس فيها تعميم لكل المهاجرين والأنصار، بل خصوص السابقين، بل خصوص الأولين من السابقين.

جـ - أن اصطلاح (السابقون) تشرحه الآيات القرآنية: ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) ، ومَن هم

المقرَّبون؟ ( كِتَابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) ، فهم شهداء الأعمال الذين لا يكونوا بشراً عاديين؛ إذ لا يمكن أن يشهد الأعمال إلاّ البشر الذين يكون لهم نفوس خاصة هي عِدل النبوة، كما تقدم مفصَّلا.

د - أن الآيات في سورة المدثر تشير إلى أن بعض مَن أسلم أول البعثة من المنافقين من الذين في قلوبهم مرض، أي أن إسلامهم لم يكن عن إيمان، فلا يمكن أن يراد منها السابقون من المهاجرين والأنصار على العموم، وكذا ما في سورة العنكبوت المكِّيَّة (الآية ١ ـ١٣) وسورة النحل المكِّية (١٠٧ - ١١٠)

هـ ورد في الرواية: أن المقصود من السابقين علي عليه‌السلام ، ‏ومن الأنصار الحسن والحسين، والذين اتبعوهم بإحسان هم الأئمة الذين لم يدركوا النبي‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ ويشهد لذلك ما تقدم من إرادة شهداء الأعمال من السابقين الأولين.

و - أن (من المهاجرين) ليس متعلَّقا و لا معمولاً للسابق، بل للفاعل المضمر فيه؛ إذ لا تصلح (من) التبعيضية للتعلُّق لمادة السبق، ولو أريد ذلك لأتي بلفط (في الهجرة) ونحوه، وهذا يعني أن (السابقون) وصف مستقل و(المهاجرين) وصف مستقل آخر لهؤلاء الأشخاص، لا أن المراد السابقون هجرة كما يريد البعض تصويرها.

ز - أنه ورد في العديد من السور تأنيب الصحابة الذين خالفوا أوامر الرسول؛ ونجد ذلك في سورة الأنفال، وهي من أوائل السور المدنية وتتعرَّض لغزوة بدر، وتقسِّم مَن شهد بدراً إلى صالح وبعضهم طالح، وكذا سورة آل عمران تتعرض لمَن شهد أُحداً، وتقسّمهم إلى ثلاث فئات: واحدة صالحة مخلصة واثنتان

٤١٧

طالحتين، فلاحظ سياق مجموع الآيات في السورتين، وكذا سورة الأحزاب في مَن شهد الخندق، وسورة محمد، وفي سورة التوبة نفسها - وهي آخر ما نزل في المدينة - تقسِّيم مَن صحب النبي‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله من المكِّيين والمدنيين إلى فئات عديدة كما تقدم، وتشير إلى فرار المسلمين في حنين أمام الزحف إلاّ ثلة من بني هاشم...

ومن هنا لا نستطيع القول أن الآية شاملة لكل مَن أسلم مع الرسول الأكرم‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وهناك نكتة تشير إليها الآية؛ وهي أن التابع موصوف بالمحسن فكيف بالسابق! إذ مقام الإحسان ليس من المقامات العادية؛ حيث ورد في القرآن ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيَما طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (١) ، فهو مقام بعد الإيمان والعمل الصالح والتقوى بدرجات من المنازل العلْوية، ثم المذكور في هذه الآية هو التابعين المقيَّدين بقيد الإحسان، وهذا لا يكون إلاّ في المعصومين الذين لم يشهدوا الرسول الأكرم‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وورد في رواية أن علياً عليه‌السلام ‏قرأ هذه الآية في زمن عثمان وقرأ بعدها آية السابقون السابقون، وقال متسائلاً عمَّن يشهد أنها نزلت فيمَن؟ فشهد عدة من الصحابة أنها نزلت في الأنبياء والأوصياء وفي علي، وكذا ينفي العموم ما ورد في مسلم (كتاب الفضائل - باب حوض النبي‏ صلَّى الله عليه وآله)، والبخاري (كتاب الفتن) مِن عرض الصحابة على رسول اللَّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله عند الحوض، إلاّ أن جماعات منهم يحال بينهم وبين رسول اللَّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويذادون عن الحوض، فيقول: (أصحابي أصحابي، فيقال: لقد أحدثوا أو بدلوا بعدك، فيقول: بُعدا بُعدا) (على اختلاف في ألفاظ الحديث)، وهي تؤكد أن الصحبة ليست هي الموجبة للنجاة، بل الموافاة على منهاج رسول اللَّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى الممات هو المناط في النجاة.

____________________

(١) المائدة: ٩٣.

٤١٨

الحديث الخامس: (علي مني وأنا من علي)

هذا الحديث الشريف الذي تواتر نقله في كتب العامة والخاصة، دال - بلا ريب - على النشوية؛ وهي ليست البدنية فقط، بل هي وحدة بلحاظ الروح و النورية. وفي بعض الروايات قال جبرائيل: (وأنا منكما)؛ وهذا يدل على أن الوحدة من سنخ الملَك الغيبي العلوي اللطيف. وقريب من هذا المعنى ما ورد من أن (الناس معادن شتى، وأشجار شتى، وأنا وعلي من شجرة واحدة)، وبنفس البيان حديث النور الوارد (كنت أنا وعلياً نوراً بين يدي اللَّه...)

الحديث السادس: (يقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل)

والتنزيل هو تلقِّي المقامات الكلية لحقيقة القرآن الكريم، والتأويل هو تطبيق تلك المقامات الكلية على الموارد و الدرجات المتوسطة و الجزئية العديدة. ولا يمكن لشخص أن يحيط بكل تأويل القرآن إلاّ أن يكون قد أحاط بمراتب القرآن، وأن تكون قواه خالية من الزلل والزيغ؛ ومنه يعلم أن النبوة في التنزيل والإمامة في التأويل، فهي تلو النبوة الخاتمة ومشتقة منها ومترتبة عليها. وفي كثير من الأحاديث نرى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرن بين النبوة والإمامة المتمثلة بشخص النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي‏ عليه‌السلام ، مع بيان الفاصل بين الشأن النبوي والشأن الولوي.

تذييل:

بعد هذا الاستعراض لفقه الروايات الواردة في الإمامة نحاول أن نذكر عدد من التوصيات التي تنفع في المقام:

أولاً: إن قدماء الإمامية - وتبعاً للطرق المبيَّنة في الكتاب والسنة للمعصومين عليهم‌السلام - قد ذكروا عدة مناهج لإثبات إمامة الأئمة الاثنى عشر، سواء من متكلمي الرواة أو متكلمي الغيبة كالشيخ المفيد والمرتضى والطبرسي، ونحن نشير إلى تغاير صياغات أدلتهم ومواد قوالبها تنبيهاً على تعدُّد أشكالها وموادها المنطقية:

٤١٩

منها: التدليل على الكبرى بما ورد من نصوص عديدة تنص على أن الخلفاء بعد الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله اثنا عشر، وفي بعضها أنهم من قريش، وفي بعضها أنهم من بنى هاشم، وهذه طائفة من الأحاديث.

وقد وقع العامة في بلبلة وتشويش في كيفية التطبيق الخارجي للخلفاء الاثنى عشر، واختلفت أقوالهم، والبعض جعل بينهم فاصل ولم يشترط التتابع، والبعض أنهاهم قبل يوم القيامة مع أن في بعض الألسنة أن هؤلاء الخلفاء باقون حتى يوم القيامة. ولو بحث الباحث عن الحقيقة بعيداً عن التعصُّب، لَمَا رأى مصداقاً لهذا الحديث إلاّ لدى الإمامية الاثنى عشرية؛ حيث لا يوجد طائفة لديها تفسير لهذه الطائفة المتواترة إلاّ لدى الإمامية الاثنى عشرية، حيث إن الإمامة المنصوبة المجعولة من قبل اللَّه تعالى عندهم إلى يوم القيامة هي في الاثنى عشر.

ونشير إلى نكتة مهمة يلحظها المطالع لكتب التاريخ: أنه لم يدّع أحد لنفسه هذه المقامات وأنها خلافة الرسول طبقاً لهذا الحديث إلا الأئمة الاثنى عشر، فكانوا يدّعون علم الكتاب كلِّه وهم على مرأى ومسمع من الدولتين الأموية والعباسية قرابة ثلاثة قرون، ولم تفتأ تلك الدولتين من امتحانهم في العلوم المختلفة ومسائل الدين وأحكامه، بل كانوا يمتحنونهم في الفنون المختلفة وفي الصفات البدنية بغية منهم أن يقطعوا عليهم دعواهم، ولم تكتفِ الدولتين بما كان لديها من أفراد في العلوم المختلفة، بل كانت تستعين بعلماء النصارى واليهود والروم والهند وغيرها، وبأصحاب الرياضات المختلفة، وبمختلف وسائل القوى روماً في دحض دعوى هؤلاء الأئمة الاثنى عشر.

لكن الرصد التاريخي ينبئنا بفشل الدولتين في ذلك، وفشل علماء الفرق الإسلامية الأخرى في مقابلتهم، بل كان نجمهم يزداد تلألؤاً ممَّا يضطر السلطات إلى تصفية وجودهم المبارك، فكان ذلك تحدي وإعجاز للبشرية أجمع طيلة قرون ثلاثة.

وقد تحدوا جميع مَن حولهم أن يُقدِموا على مساجلتهم وقطع حجتهم ولم

٤٢٠

يظفر أحد على ذلك، ومناظراتهم مع اليهود والنصارى أكثر من أن تحصى، بل إنَّا نجد أن الأئمة المعروفة الآن قبورهم قد تواتر بين كل المسلمين أنهم هم الذين ادعوا الإمامة بهذا المعنى من السفارة الإلهية والخلافة للَّه في أرضه، ولم يدعها غيرهم.

ثم إذا تساءلنا عن كيفية الخلافة وأنها في أي شي‏ء؟ نجيب: أن الحديث مطلق وإذا ضممنا إلى ذلك أن الزعامة الدنيوية لم يتولَّها إلاّ البعض منهم فقط، وحينئذ يكون الحديث لا أثر له مع تواتره وتعدد المواضع التي ذكّر الرسول أمته بهؤلاء، وهذا يدلنا على أن مقام الخلافة عمدتها في المقامات الغيبية، وهي المهمة بدليل أنهم لم يتولُّوا الزعامة الدنيوية، إذن مقام الإمامة لا ينحصر بالزعامة الدنيوية، بل يشمل المقام الغيبي.

ومنها: الأجوبة العلمية الإعجازية في المسائل العلمية التي كان علماء اليهود والنصارى وغيرهم من أصحاب الملل والنحل التي دخلت الإسلام يسألون عنها، وهي أسئلة يمكن القول أنها فوق أفق البشرية، وهذه الأجوبة تكون مقدمة لكبرى أن مَن يستطيع الإجابة عنها لا بد أن يكون له نحو من العلم يختلف عن بقية البشر ومستقى من معين خارج إطار القدرات البشرية العادية، ويثبت بذلك أهليتهم وإمامتهم وأفضليتهم وقد اعتبرها الطبرسي من الدلائل الصريحة على إمامتهم.

وهذه الأجوبة لا زالت تتحدى المعارف والعلوم البشرية، و مادة إعجازية لبيان إمامتهم من اللَّه تعالى، فمثلاً في علم المعرفة الإلهية، ببركة كلماتهم المبسوطة المتكثرة، ننفي التجسيم ولوازم الجسم عن الذات الإلهية؛ من الأين والمتى والكيف ونحوها، حتى أصبح الأمر من البديهيات في الدين الإسلامي مع أن بعض الفرق الإسلامية لا زالت مجسِّمة فيما يُسرُّونه من اعتقادات.

وكذلك ببركة كلماتهم‏ عليهم‌السلام ‏ننفي الجبر والتفويض؛ حيث أثبتوا الاختيار والأمر بين الأمرين، وبكلماتهم أبانوا عن عينية الصفات للذات وأن الذات في عين بساطتها هي عين كل كمال حتى صفة العلم، بينما بقية فرق المسلمين تجعل

٤٢١

الذات جوفاء خالية تتبعها الصفات الكمالية، بل إن ذلك حتى في فلسفة البشر المشائين والإشراق؛ فإنهم يخلون الذات من العلم وأنه عبارة عن الصور المرتسمة أو عين الفعل، بينما يقول الصادق عليه‌السلام : (إن الله علم لا جهل فيه، نور لا ظلمة فيه، حياة لا موت فيه).

وكذلك كلامهم في التوحيد وتوحيد العبادة وأن مَن عبد الاسم دون المسمَّى فقد ألحد، ومَن عبدهما فقد أشرك، ومَن عبد المسمى دون الاسم فقد وحّد، ومراده‏ عليه‌السلام ‏مطلق مدارج و درجات الاسم، وهذا من البحوث العرفانية الوعرة التي لم تفتق معرفتها في البشرية قبل ذلك.

وكلماتهم في أن الإرادة صفة فعل لا صفة ذات، وغيرها من غوامض المعرفة؛ مثلاً: الصحيفة السجادية - زبور آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله - فيها من دقائق المعرفة والتهذيب للنفس ولطائف السير والسلوك لمَن رام الرياضة وآداب العبودية، هذا فضلاً عمَّا يجده الباحث في ما يبهر الألباب في نهج البلاغة وبقية الروايات عنهم عليهم‌السلام .

ومنها: الملاحم المذكورة عن كل واحد منهم‏ عليهم‌السلام ‏بدءاً بأمير المؤمنين‏ عليه‌السلام وما أخبر به من ملاحم عديدة في كيفية قتل أصحابه وما يجري على شيعته وعلى بقية المسلمين إلى قرون متمادية، وكذلك ما أخبر به الحسنان عن أعدائهما، وإخبار الصادق عليه‌السلام ‏للمنصور الدوانيقي بوصوله للسلطة وأن بني الحسن لا يصلوا إليها.

ومنها: ريادتهم وسبقهم في كل فضيلة وكمال علمي وعملي في الصفة والأخلاق؛ ويكفيك التنبيه لذلك أنهم عليهم‌السلام ‏من السجاد للعسكريين لم يقوموا بنشاط للإطاحة بالنظام الحاكم من الأمويين والعباسيين، ومع ذلك كان الحكام على أشد هيبة وخوف منهم، وكأنَّ أصل وجودهم الحامل لهذه المناقب والفضائل ينادي بحقَّانيَّتهم ونصبهم من قبل الباري تعالى.

ومنها: إن الأصل في الفكر البشري هو الاختلاف؛ فلا يكاد يكون هناك اثنان يتفقان في طريقة معينة للتفكير، وهذا بخلاف الفكر السماوي الآتي من السماء حيث يكون واحداً؛ لأنه لا يصطبغ بطبيعة الفرد، بل يعبر عن المصدر الواحد، وهذه

٤٢٢

الكبرى نطبقها على أئمتنا حيث نلاحظ أنهم يصدرون عن فكر واحد ورأي واحد، لا تضارب بين آرائهم وعقائدهم في ما لا يحصى من أبواب المعرفة والاعتقادات وأبواب الفروع المتكثرة الهائلة، فما ثبت عنهم بطريق قطعي لا تخالف فيه، وما ثبت عنهم بالظن يندفع ما بينه من التخالف بطرق الجمع المعروفة، ونظيره في ظواهر الآيات فيما بينها؛ وذلك بقانون حمل المحكم على المتشابه والمظنون على ما يتفق مع المقطوع، وهذا القانون من أصول البيان في النطق البشري، والعمدة أن ما هو مقطوع به عنهم لا ترى فيه أي تخالف ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ) (1) .

ومن الطرق الأخرى لإثبات الإمامة النظر في نبوءات الأديان الأخرى المتقدمة وتبشيرهم بأوصياء خاتم الأنبياء كما ورد في الكتابة على سفينة نوح وما هو مذكور في التوراة والإنجيل والزبور، وقد استقصى عدة من محقِّقي الإمامية هذا الباب ووضعوا فيه كتباً جليلة، ويذكر هذا المنهج: المسعودي في إثبات الوصية وفي تاريخه، واليعقوبي في تاريخه.

ثانياً: إن البحث حول الإمامة يتناول الكتاب والحديث، ومن غير الصحيح أن يتناول الباحث أحدهما ويهمل الآخر، بل يجب ضمهما إلى بعضهما دائماً؛ حيث إن الآيات الكريمة توضح الأمر الكلي ومواصفاته، والروايات توضح المصاديق المتَّصِفة، إذ أن الروايات تشير إلى وجود ثلة مع النبي، وأن لها هذه المواصفات والمقامات من بعده، ومن ثم نأتي إلى الأحاديث التي تنصُّ على التطبيق ومَن له هذه الصفات.

وبعبارة أخرى: إن طوائف الآيات تثبت كبرى هي وجود ثلة معصومة هم أئمة منصبون من اللَّه تعالى، ولهم ذلك المقام الغيبي إلى انقضاء هذه النشأة النبوية، وتدل بعض تلك الطوائف على إمامة علي‏‏ عليه‌السلام ، وبعضها على ضميمة الحسنين.

____________________

(1) النساء: 82.

٤٢٣

ونظير إثبات الكبرى كثير من الأحاديث النبوية المتواترة كحديث الثقلين؛ فإنه يدل على دوام بقاء العترة حتى الحوض، وأنهم عِدل الكتاب، واللازم التمسك بكل منهما والائتمام بهما، وكحديث الاثنى عشر خليفة كلهم من قريش، وحديث مَن مات ولم يعرف إمام زمانه، وغيرها من الأحاديث التي إمَّا تشمل جميع الأئمة أو بعضهم.

وعلى أية حال... فإن إثبات الكبرى ينضم إليها عدة تقريبات لإثبات الصغرى والمصادق كما أشرنا إليه في النقطة السابقة.

ثالثاً: من خلال قراءة التاريخ نستطيع أن نكشف عن طريقة أخرى من الاستدلال، وهي أن التاريخ ينص على وجود فرقة عاشت في الدولة الأموية والعباسية؛ اسمها: الرافضة، وهؤلاء كانوا يتبعون الأئمة من أهل البيت‏ عليهم‌السلام ، وكان من المنطقي والطبيعي أن يقوم أصحاب الطوائف الأخرى ويقطعوا الطريق عليهم من خلال محاولة إفحام أئمتهم في المناظرات والأسئلة، وأن يكون ذلك بمساعدة السلطة الحاكمة، والحال أن التاريخ لا يذكر لنا شاهداً ولو واحداً حول إبكات هؤلاء الأئمة، بل على العكس، ينقل لنا صوراً مشرقة عن العديد من المناظرات والمحاجات التي أجراها أمراء الدولتين في محاولة للإطاحة والنيل من الأئمة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما نقل إلينا هو النزر اليسير الذي لم تستطع السلطة الحاكمة إخفاؤه عن الناس.

وعليه نستطيع القول: أن منهج الاستدلال يكون بالآيات والأحاديث والعقل والتاريخ.

رابعاً: يجب الالتفات إلى ما أشرنا إليه في حقيقة التواتر؛ وأنه لابدَّ من الرجوع إلى كتب الحديث والأخذ بالنصوص ولو فرض أنها بمفردها غير تامة، لكن بتظافرها و بمعية الجميع وبتراكم الاحتمالات كمَّاً وكيفاً ينتج التواتر.

وقد أشرنا في الفصل الأول إلى تقسيم التواتر إلى ثلاثة أقسام: لفظي ومعنوي وإجمالي، وبيّنا كل قسم، كما ذكرنا أن دوائر التواتر تختلف سعة وضيقا، وأن هذا الاختلاف لا يخل بضابطة التواتر الرياضية البرهانية، فمن الخطير الغفلة عن ذلك.

٤٢٤

الخاتمة:

الوظيفة الإجمالية في الائتمام

بعد هذا الاستعراض كنموذج لفقه ماهية الإمامة فقهاً عقلياً وقرآنياً وروائياً، وبيان مقتطف من المقامات التي للأئمة عليهم‌السلام ‏، رأينا من المناسب أن نختم البحث في بيان الوظائف الإجمالية للمكلَّفين اتجاه أئمتهم؛ حيث قال تعالى: ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤُولُونَ ) (1) ، وقال تعالى: ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (2) ، وقال تعالى: ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ) (3) ، وسوف نوجزها بالأمور التالية:

1 - معرفتهم كأمر اعتقادي، وهو غير مرهون بحضورهم، بل حتى بعد مماتهم في زمان غيبتهم، فمعرفتهم واجبة كما هو الحال في الاعتقاد بنبوة الرسول‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

2 - كون الإمامة من أصول الدين لا من فروعه، ومن تحريف الكلم عن مواضعه بمكان حصر تولِّيهم على الموالاة السياسية فقط، والتولِّي والتبرِّي المذكوران في الفروع صحيحان، ولكنَّهما غير معرفتهم.

3 - إن محبتهم وبغض أعدائهم من الأمور الركنية في معرفتهم والاعتقاد بهم التي لا تتوقف على حياتهم، بل يجب إظهارها؛ لأن المحبة من الأمور التي تكون مصداقاً

____________________

(1) الصافات: 23.

(2) الشورى: 23.

(3) الفرقان: 57.

٤٢٥

للموالاة، ألا ترى في قوله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِدُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبَّاً لِلَّهِ ) (1) ؛ حيث إن المحبة وإظهارها مصداق من مصاديق الولاء، وإن حب أعداء اللَّه يوجب الخسارة وضياع الأعمال حسرات، بل والخلود في النار كما تشير إليه تتمة هذه الآية من سورة البقرة وبقية الآيات الناهية عن موادة من حادّ اللَّه ورسوله.

4 - تحليل فلسفي وذوقي معرفي لنكتة ما ورد في بعض الروايات: (هل الإيمان إلاّ الحب والبغض).

إن الإيمان بنحو مطلق فعل من أفعال النفس، و لا يمكن للموجود البشري أن يعيش من دونه؛ لأن الإيمان والإذعان بشيء ما من كمال الفرد البشري. ولو عثر على فرد بشري لا يعتقد بشيء أصلاً، فهو لا يستطيع أن ينتهج أي جادة في حياته، ومن ثَمّ فسيكون من الممتنع أو الصعب على بقية البشر التعامل معه؛ لأن المفروض أنه لا يتقيَّد بأي منهج ولا طريقة، إذ لا يؤمن بشيء ما كي يتقيد به، وحينئذٍ سوف يكون مطلق العنان في جميع غرائزه ورغباته كالوحش الكاسر أو الحيوان المسعور المخيف لمَن حوله، ويتبين بذلك أن الإيمان بأي نحلة كانت وبأي شي‏ء ما من الكمال بالمعنى الأعم؛ بمعنى أنه لا يستطيع أحد أن يتركه، ومن هنا وقع البحث في علوم مختلفة حول حقيقة الإيمان بغض النظر عن متعلقه، فهل حقيقته هو الإدراك أم المعرفة أم الاعتقاد والتصديق أم أنه مجرد الانجذاب نحو الشي‏ء؟

وذكرنا فيما سبق أن الإيمان ليس هو مجرد الإدراك؛ لأن بعض درجات الإدراك الحصولي لا يلازمها الإيمان. وبتعبير آخر: علينا معرفة أن الإيمان من أفعال العقل النظري أو العملي؟

ومن الأمور التي تسهِّل البحث في الحكم في القضايا المدرَكة أن الحكم - طبقاً

____________________

(1) البقرة: 165.

٤٢٦

لآخر التحقيقات - ليس جزء القضية، فقد ذكر الملاّ صدرا أن الإدراك تارة يلازمه الإذعان، فيسمَّى تصديقاً، وتارة لا يلازمه، فلا يسمَّى تصديقاً، ثُم في التحقيقات الأخيرة فسروا الحكم بما تقوم به النفس من دمج المحمول بالموضوع، وهو من أفعال العقل العملي، ولكنَّه لا يقوم به إلاّ مع الإدراك والوضوح بنحو يدفع العقل العملي للحكم والإذعان، ومن ثَمّ التسليم والإخبات؛ فاتضح أنه من لوازم الإدراك بدرجته العالية.

أمَّا حالة الجحود التي تحصل عند استيقان الحق، فهي ناشئة من أمراض النفس من استهواء نزعات الغرائز أو جربزة الخيال وانفعالات الوهم التي تمنع من الانفعال الطبيعي الفطري لليقين؛ ولذا تقدم في الفصل الأول أن اليقين ليس علَّة تامة للإذعان، ولكنَّه مقتضٍ له.

ومن ثم نستطيع معرفة تعريف الإمام أن الإيمان هو الحب والبغض؛ لأن الإيمان يعني إذعان النفس، فإن الحب والبغض من أفعال العقل العملي، فإن الإيمان بشي‏ء يعني انجذاب النفس إليه، وعدم الإيمان بشي‏ء خلاف ذلك؛ فتنفر النفس منه، فالنفرة تعني البغض والابتعاد.

وبتعبير آخر نقول: إن أفعال العقل العملي والنظري وجهان لعملة واحدة، والحقائق التي يدركها العقل النظري إثباتاً لوجودها أو نفياً لها إذا أدركها العقل العملي بعينها، يكون لها آثار أخرى كالحب والبغض.

ومن هنا يتضح ما ذكره أهل المعرفة من الإمامية من أن التولِّي لأولياء اللَّه - وهم الأئمة عليهم‌السلام - والتبرِّي من أعدائهم من مظاهر الجلال والجمال الإلهي. وذكرنا أن الجلال والجمال من لوازم الصفات الثبوتية والسلبية للذات الإلهية؛ لأن معرفة الصفات الثبوتية يلازمها المحبة، لأنه مفطور على حب الكمال، ومعرفة الجلالية يلازمه النفرة والخوف، وقد بيَّـنَّا ملازمة معرفة الذات لمعرفة الإمام؛ فمن لوازم الصفات الثبوتية الجمالية الإيمان لوليِّه وأنه مهبط لنافذية قدرة اللَّه ومحل لتنزل مشيئة اللَّه تعالى وإراداته في مقام الفعل، وفيما ينكره العقل النظري يوازيه في

٤٢٧

العملي التبرِّي من أعدائه.

ومنه يتبين أن التولِّي والتبرِّي بعض درجاته في الأصول وبعضها في الفروع؛ فالذي يكون في القلب من الأصول ويتنزَّل إلى الجوارح فيكون من الفروع، كما أن المتابعة السياسية ليست وحدها من الفروع، بل قبول أقوالهم ومودة أوليائهم ومعاداة أعدائهم في أفعال الجوارح أيضاً منها.

وقد ورد عنهم‏ عليهم‌السلام : (كذب مَن يزعم أنه يحبُّنا ويتولَّى عدونا ويبغض وليَّنا).

والبرهان عليه بنفس النحو؛ إذ كيف يمكن للإنسان إن يجمع بين الكمال والنقص، ويثبت الصفات الثبوتية ولا يثبت الصفات السلبية؟! لأن الصفات السلبية تعني نفي النقص عن الباري، فالجلال لا يمكن أن لا يلازم الجمال، ومن ثمّ من لوازم إثبات الجمال والجلال والصفات الثبوتية ونفي السلبية هو إثبات كمال قدرة الباري تعالى بإرسال الرسول وجعل خليفته في الأرض، الهادي لمراضيه، ما دامت النشأة الدنيوية.

كما أوضحنا في صدر هذا الفصل كون الإمامة ركن من أركان التوحيد، فالتوحيد وإثبات القدرة الأزلية يستدعي عدم مغلولية يد الباري عن خلقه، أي تولِّي خلفائه في أرضه، كما أن توحيده بنفي الصفات السلبية عنه - أي صفات الجلال - يعنى الخوف والابتعاد عن قهره ومواطن غضبه بالتبري من أعدائه.

5 - إن الحب والولاء محدود بحد، وهو عدم الغلو (وهو الإفراط)، وعدم الجفاء (وهو التفريط)، فيجب بيان الحد الذي يجعل الإنسان مغالياً أو جافياً قالياً وخارجاً عن جادة الصواب؟

قال بعض: بأن مَن يثبت صفة لهم خارجة عن نطاق البشر يوجب الغلو والخروج عن حد الاستقامة، فهو يثبت لهم مقام العصمة العملية والعلمية فقط، وهذا مع أنهم أنفسهم يروون روايات إحاطة أنوارهم - لا أجسامهم - بالعوالم والنشآت السابقة واللاحقة.

أمَّا أصحاب السر كسلمان ورشيد الهجري ومحمد بن سنان ويونس بن عبد الرحمن وجابر بن يزيد الجعفي

وأمثالهم، فإنهم يعتقدون بهم فوق ذلك المقام

٤٢٨

( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ) ، فالرسول في عين مثليَّته البشرية للآخرين إلاَّ أنه يغايرهم في ( يُوحَى إِلَيَّ ) وأي مغايرة هذه، وأي مفارقة!! وإنهم منذ بدء الخليقة كانوا أنواراً، وإنهم مطَّلِعون على عالم الملكوت بما يزيد على الأنبياء من أولي العزم، ورواية تفسير الثمانية الذين يحملون العرش أربعة من الأولين وأربعة من الآخرين؛ وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم‌السلام ‏على يسار العرش، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي والحسن والحسين على يمين العرش، ومن المعلوم أن اليمين واليسار في الرواية يدل على الدنو وعلو المقام، وأنه لا من جهة المكان والأين؛ إذ لا مكان جسماني للعرش الذي هو العلم، وقد عرفت في استخلاف آدم أنه يحمل من علم اللَّه ما لم تحمله الملائكة. وقد أشير إلى تفسير الثمانية عند العامة: (فقد رواه السيوطي في الدر المنثور عن رسول اللَّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يحمله اليوم أربعة، ويوم القيامة أربعة، فإن اليوم إشارة إلى مَن يحملهم من هذه الأمة، وقد صرَّح بأسمائهم في روايات أهل البيت).

وكل الإمامية متَّفقون على أن مستقى علومهم ليس بالعلم الحصولي الاعتيادي، بل لهم العلم الواقعي، وأنهم مطهَّرون مبرَّؤون من العيب والأدناس والأرجاس، وهذه كلها بعيدة عن الغلو.

فالمقياس العقلي هو أن الخروج بهم عن حد الإمكان أو الخروج بصفاتهم عن صفات الممكن هو إفراط، وأن كل ما عندهم هو من عند اللَّه العزيز الحكيم الذي أعزَّهم وأقدرهم وأعطاهم من نعمه ما لا يحصى، مع بقاء محدودية ذاتهم وأنهم معاليل مخلوقون، والمعلول لا يبلغ شأن العلة، بل يجب الاعتقاد أنهم محتاجون إليه تعالى ولا يوكِل إليهم الأمور بنحو العزلة والاستقلال المطلق المستقل والعياذ باللَّه، فهم الفقراء إلى اللَّه واللَّه هو الغني المطلق كما هو البحث والكلام الجاري في أدنى فعل يوجده البشر من أعمال جوارحه أنها بإقدار اللَّه لا بنحو التفويض العزلي الباطل.

وأمَّا جانب الجفاء والذي يجب الابتعاد عنه أيضاً، فمعناه هو تنزيلهم عن مقام

٤٢٩

كرامة الخلقة التي أولاها الباري تعالى لهم، وبيان ذلك على نحو الإجمال:

إن الصوادر الأولى في عالم الخلقة لها صفات لا يقاس بها سائر المخلوقات الأخرى، وهذا يعني أن لهم مقاماً وأنهم ليسوا كبقية البشر، وبالنسبة إلى باقي الخلق فبينهم بون شاسع، وهم بوجودهم النوري - لا بأجسادهم - واسطة في الفيض كما تقدم إثبات ذلك برهانياً في طيَّات البحوث السابقة. قال تعالى: ( ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلاَءِ ) ، ولم يقل تعالى: عرضها أو أسماء هذه، فهم ذوات عالية ( أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ ) وقد تقدم شرح ذلك، فكما أن إفاضة الحياة في الزرع لا تكون إلاّ بواسطة مادة البذر وصورة الزرع وإعداد التربة فهي في حقيقتها شرائط قابلية القابل ولذا كان الكمال من الباري يتنزل عن طريقهم، وهذا أيضاً لعجز القابل المخلوق، لا الفاعل جلَّ وعلا علواً كبيرا، وهذا كله لا يجعلهم شركاء للباري؛ فهل التربة شريكة اللَّه وهل الصورة الزرعية ومادة البذر شريكة اللَّه؟!

والضابطة الشرعية - المتطابقة مع الضابطة العقلية المتقدمة - المهمة ما ورد مستفيضاً أو متواتراً على لسانهم‏ عليهم‌السلام : (نزِّلونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم، ولن تبلغوا) (1) ، وهناك طوائف عديدة من الروايات التي تثبت هذا المطلب والمعنى بلسان آخر كما في حديث الرضا (فمَن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام... ضلَّت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيَّرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباء، وكلّت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شئونه وفضيلة من فضائله، وأقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكله أو ينعت بكنهه أو يفهم شي‏ء من أمره) (2) .

وببيان فقهي نقول: إن المتابعة والتعظيم ليس فيه أي حد من حدود الشرك، بل إن كبار الفقهاء من المسلمين يذكرون أن التعظيم لغير اللَّه لا يكون شركاً إذا كان لا

____________________

(1) بصائر الدرجات: 527، 261.

(2) أصول الكافي، ج1، ص202.

٤٣٠

عن عبادة، وأنه يكون عبادة اصطلاحية وتأليها إذا كان تمام الخضوع مع اعتقاد الاستقلال؛ ولذلك لا يجوز. أمَّا إذا كان مع اعتقاد حاجة المخضوع له وفقره إلى اللَّه سبحانه، فإنه لا يكون عبادة، هذا من جانب الحد الأعلى.

أمَّا من جانب الحد الأدنى، فإن أدنى درجات الولاء هو المودة والمحبة القلبية، وعليه يكون التشفُّع بهم وزيارتهم والتوسل والدعاء بهم لا يكون عبادة ولا يدخل تحت حد الغلو، قال تعالى: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرَوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوَّاباً رَحِيماً ) (1) ، وقال تعالى مخاطباً نبيَّه: ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) (2) ، وقال تعالى: ( أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ) (3) ، وقال تعالى: ( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً ) (4) ، وقال تعالى: ( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (5) ، قال تعالى: ( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) (6) .

6 - ولا بأس بالإشارة - مختصراً - إلى أن شرك الجاهلية في العبادة كان بالتعظيم والتوسل بأمور من دون جعل اللَّه تعالى وإذنه، والتوحيد في العبادة هو نفي الطقوس التي لم تؤخذ من عند اللَّه سبحانه وتعالى، ونستطيع أن نجد ما يدعم نظرية الإمامية في التوسل بهم:

أ - أن اللَّه يأمر بابتغاء الوسيلة إليه؛ قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَابْتَغُوا

____________________

(1) النساء: 64.

(2) التوبة: 103.

(3) التوبة: 74.

(4) يوسف: 93.

(5) يوسف: 98.

(6) البقرة: 255.

٤٣١

إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) (1) ، وقد تقدَّمت الإشارة إلى أنهم السبيل إلى اللَّه.

ب - أن الشفاعة مذكورة بنص القرآن الكريم: ( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ) والعديد من الآيات، وهذا الاستثناء يدل على وجود أصل الشفاعة، والشفاعة تعني كرامة خاصة ومنزلة للشافع عند اللَّه تعالى.

جـ - أنه لا فرق بين الوسيلة أن تكون تصرفاً وعملاً كالصلاة والصوم للَّه من أجل تحقيق حاجة معينة، وبين أن تكون بالتوسل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل إن آية المائدة المتقدمة تدل على أن الوسيلة هي غير العمل الصالح والتقوى، وأنها درجة فوق ذلك.

د - أن القرآن ذكر سجود الملائكة لآدم، وأبناء يعقوب ليوسف، سجود احترام لا عبادة.

هـ - أن النذر مباح في أصله، فقد نذرت والدة مريم ما في بطنها لمكان العبادة كما ينذر الشيعة للَّه تعالى الآن مالاً يختص بالأئمة والصالحين؛ أي يصرف في خيراته.

و - قوله تعالى: ( واسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) الواردة في العديد من السور القرآنية.

ز - ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) فوجوده صلى‌الله‌عليه‌وآله كان حرزاً لهم.

حـ - ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ، فلا بد من مطلق التسليم النفسي للرسول فضلاً عن عمل الجوارح.

فوجوب الخضوع للتوقير ثابت في القرآن للرسول الأكرم، وهو مغاير للعبادة، والتفريق بينه حيَّاً وميتاً ممَّا يضحك الثكلى، و في بعض الروايات لدى العامة والخاصة أن المسلمين كانوا يتبركون بفضل وضوء رسول اللَّه (كما في ما حكاه مندوب مشركي قريش في صلح الحديبية من فعل المسلمين، فلاحظ كتب السير والتاريخ)، و في غزوة خيبر تنص الروايات التاريخية على أن الإمام علي كان به رمد، فدعاه الرسول‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتفل فيها، فبرأت، وغير هذا كثير جداً،

____________________

(1) المائدة: 35.

٤٣٢

بل إن أحد مبرِزات التودد وإظهار محبتهم هو زيارة قبورهم وتعاهدها وغير ذلك؛ وكل ذلك لكرامتهم عند اللَّه تعالى وشأن قربهم ومنزلتهم عنده وخاصتهم به وصدق مقاعدهم عنده

ومن مراتب ولايتهم هي الولاية التشريعية؛ بمعنى أنهم ليسوا رواة عدول ليس إلاّ، بل إن علومهم مستقاة من معين الغيب، وأن واسطتهم الروائية هي بالقناة النورية، لا بالحس كما في عنعنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن جبرئيل عن ميكائيل عن إسرافيل عن اللَّه تعالى وإن اختلفت القناة النبوية بالوحي والنبوة وقناتهم بالعلم اللدني الجامع بالكتاب المكنون ( لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) ، ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

وكذلك ولايتهم التكوينية بإذن اللَّه تعالى، وقد أشرنا إليها في موارد عدة ونشير هنا إلى بعض الآيات التي تنص على وجود ولاية تكوينية للبعض، منها قوله تعالى: ( إِذْ قَالَ اللّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونَ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ) (1) ، ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمَحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (2) ، ( وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ ) (3) ، ( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ) (4) ،

____________________

(1) المائدة: 110.

(2) آل عمران: 37.

(3) النمل: 11.

(4) النمل: 17.

٤٣٣

( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هذَا مِن فَضْلِ رَبِّي ) (1) .

أخيراً... فإن من الواجب على الإنسان الذي يوالي أئمة الهدى أن يثبت لهم هذه المقامات العلْوية عند اللَّه من دون أن يكون هناك تحفُّظ أو تردُّد في أحدها؛ فهم خلفاء اللَّه في أرضه وآيات قدرة اللَّه الواسعة التي لا يحدها شي‏ء يؤتيها مَن يشاء من عباده، وهو تعالى أقدر بلا كفو على الشي‏ء الذي يؤتيه.

وهؤلاء هم الذين عرفوا اللَّه حق معرفته واستحقوا بذلك تلك المقامات، وهم على ما هم عليه من المنزلة الرفيعة في جميع عالم الوجود إلاّ أنهم يستشعرون النقص والفقر والعبودية اتجاه الذات المقدَّسة وأنهم دونها منزلة، وهل يقاس برب الأرباب شي‏ء؟! ولذا نرى عبادتهم - التي لم يبلغها بشر كمَّاً وكيفاً - تتناسب مع قدر معرفتهم بربهم، وعظيم تذلُّلِهم - الذي لا يُرى لأحد غيرهم - لعلمهم أنهم أمام العليم الجليل.

____________________

(1) النمل: 40.

٤٣٤

الفهرس

مقدِّمة بقَلم الأستاذ الشيخ محمد سند .5

المدخل: 9

النقطة الأولى: أولوية بحث الإمامة 9

النقطة الثانية: توازن قوى الإنسان .10

النقطة الثالثة: القدسيّة 12

النقطة الرابعة: التوحيد في الطاعة 13

النقطة الخامسة: الإمامة والوحدة الإسلاميّة 17

الفصل الأوَّل: منهج المعرفة الدينية 19

المقدّمة الأولى: تصوير الحكم الشرعي في العقائد .21

أوَّلاً: البحث الثبوتي. 22

ثانياً: البحث الإثباتي. 26

1 - الحكم الشرعي الفقهي: 26

2 - الحكم الشرعي الأصولي: 27

المقدمة الثانية: الميزان في اصول العقائد .34

المبحث الأوَّل: حُجِّـيَّة الكتاب الكريم .39

تقييم نظرية العلاَّمة الطباطبائي: 42

المبحث الثاني: حُجِّـيَّة السنَّة 47

أوَّلاً - أقسام الحديث: 47

ثانياً: أحوال الكتب الأربعة والمصادر الروائية: 53

ثالثاً: العلم الإجمالي بوجود الدس: 55

المبحث الثالث: حُجِّـيَّة العقل .59

التنبيه الأوَّل: الحسن والقبح العقليَّان .63

أدلَّة اعتبارية الحسن والقبح: 68

أدلَّة واقعية الحسن والقبح: 73

٤٣٥

1 - العناية الإلهية: 74

2 - تجسُّم الإعمال: 75

3 - قاعدة الغاية: 76

التنبيه الثاني: الخطأ في الفكر البشري .77

التنبيه الثالث: الثابت والمتغيِّر .79

تحليل مختصر لنظرية الاعتبار: 80

وجوه التأمل في نظرية العلاّمة: 82

التنبيه الرابع: في تبعية الولاية التشريعية للولاية التكوينية 89

الوجه الأول: 90

الوجه الثاني: 90

الوجه الثالث: 94

التنبيه الخامس: العلاقة بين العقل العملي والعقل النظري .95

المبحث الرابع: حُجِّـيَّة المعارف القلبية 97

الجهة الأولى: في بيان المراد من المعارف القلبية. 97

الجهة الثانية: حول ضابطة حُجِّـيَّة المعارف القلبية. 103

خاتمة: حول العلاقة بين الحجج الأربع. 106

الفصل الثاني: نظريَّة الحُكم على ضوء الإمامة الإلهيَّة 111

المبحث الأوَّل: لمحة تاريخية 113

المبحث الثاني: النظريَّات المختلفة في إدارة شؤون الحكم ودور الشورى فيها 119

النظرية الأولى المشهورة: 119

النظرية الثانية: 121

النظرية الثالثة: 121

النظرية الرابعة: 122

النظرية الخامسة: 123

المبحث الثالث: الأدلَّة النقلية التي أُقيمت على النظريَّات المختلفة. 125

أولاً: الأدلة المتضمِّنة للفظ الشورى. 125

٤٣٦

1 - الآيات: 125

2- سيرة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله 126

3 - الروايات وهي على صنفين .127

الصنف الأوَّل: روايات الشورى. 128

الصنف الثاني: روايات الاستشارة. 132

التقييم: 135

أوَّلاً: رأي آخر في فهم الأدلَّة. 135

ثانياً: الجواب عن تلك الأدلة. 139

الوجه الأول: المعنى اللغوي لمادة (شور) 139

الوجه الثاني: تحليل لقوله تعالى: (وأمرهم ...) 144

الوجه الثالث: ملاحظة (واذا عزمت فتوكل) 145

الوجه الرابع: فوائد الشورى .146

الوجه السادس: تحليل لغزوة أحد والخندق 148

الوجه السابع: مخالفة الرسول صلّى الله عليه وآله لرأي الأكثرية 161

الوجه الثامن: آية الشورى .162

الوجه التاسع: استدلال الشهيد الصدر قدس سره 163

الوجه العاشر: طريقة انتخاب الخليفة الأول والثاني 164

الوجه الحادي عشر: المعارضة بأدلة النص ..165

الخلاصة: 182

مناقشة الاستدلال على نظرية التلفيق بين النص والشورى .185

ثانياً: عنوان الولاية والأمر بالمعروف ..189

ثالثاً: آيات البيعة 194

تقريب الاستدلال: 194

نقض ودفع: 201

رابعاً: الآيات المثبِتة للوظائف الاجتماعية العامة 202

٤٣٧

خامساً: آيات الاستخلاف ..205

سادساً: آية الأمانة 207

سابعاً: آيات تدل على نفي مسؤولية الرسول صلّى الله عليه وآله عن الأمة 209

ثامناً: آية المائدة (44) 210

تاسعاً: سيرة الأئمة عليهم‌السلام ....215

والجواب عن هذه الوجوه: 216

المبحث الرابع: الأدلة العقلية على الشورى .233

إشكالان ودفعهما: 238

المبحث الخامس: أدلة نصب الفقهاء 243

الخلاصة: 249

الفصل الثالث: المقام الغيبي في الإمامة 251

أولاً: تحرير محل النزاع .253

ثانياً: الإمامة وراثة نسَبية أم روحيّة؟ 256

ثالثاً: الإمامة نصّ أم شورى؟ 257

رابعاً: الاعتبار والتكوين .257

خامساً: الإمامة من أصول الدين .258

سادساً: مقامات الأئمّة عليهم السلام 259

سابعاً: الوظيفة الشرعيّة 259

ثامناً: تحليل الاقتداء 260

المبحث الأول: تعريف الإمامة 265

الجهة الأولى: التحليل اللُّغوي .265

الجهة الثانية: التحليل العقلي .267

الخلاصة: 269

الإنسان المجموعي: 273

الإنسان الكبير: 273

الجهة الثالثة: التعريف النقلي .275

٤٣٨

المبحث الثاني: الأدلة العقلية على ماهية الإمامة الإلهية 285

الدليل الأول: ضرورة الارتباط بالغيب ..287

تقييم الدليل الأول: 292

الصياغة الثانية لنفس الدليل: 293

تقييم الدليل: 294

الدليل الثاني: الفطرة 295

تقييم الدليل الثاني: 300

تقييم الدليل الثالث: 302

الدليل الرابع: معرفة النفس ..302

الدليل الخامس: برهان العناية 303

تقييم الدليل: 304

ملاحظة عامة: 305

الدليل السادس: الأدلة الإنْيَّة 305

تفصيل ذلك: 306

المبحث الثالث: الإمامة في القران الكريم .309

الطائفة الأولى: آيات استخلاف آدم عليه السلام 310

أولاً: دراسة الألفاظ الواردة فيها 312

ثانياً: الفوائد .329

ثالثاً: قراءة في الخطبة القاصعة 341

رابعاً: عصمة آدم 350

الطائفة الثانية: آيات الكتاب ..352

الطائفة الثالثة: آيات الهداية 370

الطائفة الرابعة: آيات الملك ..375

الطائفة الخامسة: آيات الاصطفاء والطهارة 379

الطائفة السادسة: آيات شهادة الأعمال .385

٤٣٩

الطائفة السابعة: آيات الولاية 388

المبحث الرابع: الإمامة في السنة النبوية 395

الحديث الأول: حديث الثقلين .395

1 - حديث الثقلين في القرآن الكريم: 396

2 - أما ما ورد من الألفاظ في الحديث الشريف: 399

3 - النظريات في تفسير الْمَعِيَّة بين القرآن والعترة: 400

الحديث الثاني: (مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية). 405

الحديث الثالث: في تبليغ سورة براءة 408

إشكال ودفع: 411

الحديث الرابع: (إن اللَّه يرضى لرضا فاطمة) 412

الحديث الخامس: (علي مني وأنا من علي) 419

الحديث السادس: (يقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل) 419

تذييل: 419

الخاتمة: 425

الوظيفة الإجمالية في الائتمام 425

1 - وجوب المعرفة 425

2 - الإمامة من اصول الدين .425

3 - المحبّة والبغض ..425

4 - تحليل لرواية: هل الإيمان الّا الحب والبغض ..426

5 - الوسط بين الإفراط والتفريط .428

6 - شرك الجاهلية 431

الفهرس .435

٤٤٠