الإمامة الإلهية الجزء ١

الإمامة الإلهية4%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 440

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 137345 / تحميل: 8163
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

يظفر أحد على ذلك، ومناظراتهم مع اليهود والنصارى أكثر من أن تحصى، بل إنَّا نجد أن الأئمة المعروفة الآن قبورهم قد تواتر بين كل المسلمين أنهم هم الذين ادعوا الإمامة بهذا المعنى من السفارة الإلهية والخلافة للَّه في أرضه، ولم يدعها غيرهم.

ثم إذا تساءلنا عن كيفية الخلافة وأنها في أي شي‏ء؟ نجيب: أن الحديث مطلق وإذا ضممنا إلى ذلك أن الزعامة الدنيوية لم يتولَّها إلاّ البعض منهم فقط، وحينئذ يكون الحديث لا أثر له مع تواتره وتعدد المواضع التي ذكّر الرسول أمته بهؤلاء، وهذا يدلنا على أن مقام الخلافة عمدتها في المقامات الغيبية، وهي المهمة بدليل أنهم لم يتولُّوا الزعامة الدنيوية، إذن مقام الإمامة لا ينحصر بالزعامة الدنيوية، بل يشمل المقام الغيبي.

ومنها: الأجوبة العلمية الإعجازية في المسائل العلمية التي كان علماء اليهود والنصارى وغيرهم من أصحاب الملل والنحل التي دخلت الإسلام يسألون عنها، وهي أسئلة يمكن القول أنها فوق أفق البشرية، وهذه الأجوبة تكون مقدمة لكبرى أن مَن يستطيع الإجابة عنها لا بد أن يكون له نحو من العلم يختلف عن بقية البشر ومستقى من معين خارج إطار القدرات البشرية العادية، ويثبت بذلك أهليتهم وإمامتهم وأفضليتهم وقد اعتبرها الطبرسي من الدلائل الصريحة على إمامتهم.

وهذه الأجوبة لا زالت تتحدى المعارف والعلوم البشرية، و مادة إعجازية لبيان إمامتهم من اللَّه تعالى، فمثلاً في علم المعرفة الإلهية، ببركة كلماتهم المبسوطة المتكثرة، ننفي التجسيم ولوازم الجسم عن الذات الإلهية؛ من الأين والمتى والكيف ونحوها، حتى أصبح الأمر من البديهيات في الدين الإسلامي مع أن بعض الفرق الإسلامية لا زالت مجسِّمة فيما يُسرُّونه من اعتقادات.

وكذلك ببركة كلماتهم‏ عليهم‌السلام ‏ننفي الجبر والتفويض؛ حيث أثبتوا الاختيار والأمر بين الأمرين، وبكلماتهم أبانوا عن عينية الصفات للذات وأن الذات في عين بساطتها هي عين كل كمال حتى صفة العلم، بينما بقية فرق المسلمين تجعل

٤٢١

الذات جوفاء خالية تتبعها الصفات الكمالية، بل إن ذلك حتى في فلسفة البشر المشائين والإشراق؛ فإنهم يخلون الذات من العلم وأنه عبارة عن الصور المرتسمة أو عين الفعل، بينما يقول الصادق عليه‌السلام : (إن الله علم لا جهل فيه، نور لا ظلمة فيه، حياة لا موت فيه).

وكذلك كلامهم في التوحيد وتوحيد العبادة وأن مَن عبد الاسم دون المسمَّى فقد ألحد، ومَن عبدهما فقد أشرك، ومَن عبد المسمى دون الاسم فقد وحّد، ومراده‏ عليه‌السلام ‏مطلق مدارج و درجات الاسم، وهذا من البحوث العرفانية الوعرة التي لم تفتق معرفتها في البشرية قبل ذلك.

وكلماتهم في أن الإرادة صفة فعل لا صفة ذات، وغيرها من غوامض المعرفة؛ مثلاً: الصحيفة السجادية - زبور آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله - فيها من دقائق المعرفة والتهذيب للنفس ولطائف السير والسلوك لمَن رام الرياضة وآداب العبودية، هذا فضلاً عمَّا يجده الباحث في ما يبهر الألباب في نهج البلاغة وبقية الروايات عنهم عليهم‌السلام .

ومنها: الملاحم المذكورة عن كل واحد منهم‏ عليهم‌السلام ‏بدءاً بأمير المؤمنين‏ عليه‌السلام وما أخبر به من ملاحم عديدة في كيفية قتل أصحابه وما يجري على شيعته وعلى بقية المسلمين إلى قرون متمادية، وكذلك ما أخبر به الحسنان عن أعدائهما، وإخبار الصادق عليه‌السلام ‏للمنصور الدوانيقي بوصوله للسلطة وأن بني الحسن لا يصلوا إليها.

ومنها: ريادتهم وسبقهم في كل فضيلة وكمال علمي وعملي في الصفة والأخلاق؛ ويكفيك التنبيه لذلك أنهم عليهم‌السلام ‏من السجاد للعسكريين لم يقوموا بنشاط للإطاحة بالنظام الحاكم من الأمويين والعباسيين، ومع ذلك كان الحكام على أشد هيبة وخوف منهم، وكأنَّ أصل وجودهم الحامل لهذه المناقب والفضائل ينادي بحقَّانيَّتهم ونصبهم من قبل الباري تعالى.

ومنها: إن الأصل في الفكر البشري هو الاختلاف؛ فلا يكاد يكون هناك اثنان يتفقان في طريقة معينة للتفكير، وهذا بخلاف الفكر السماوي الآتي من السماء حيث يكون واحداً؛ لأنه لا يصطبغ بطبيعة الفرد، بل يعبر عن المصدر الواحد، وهذه

٤٢٢

الكبرى نطبقها على أئمتنا حيث نلاحظ أنهم يصدرون عن فكر واحد ورأي واحد، لا تضارب بين آرائهم وعقائدهم في ما لا يحصى من أبواب المعرفة والاعتقادات وأبواب الفروع المتكثرة الهائلة، فما ثبت عنهم بطريق قطعي لا تخالف فيه، وما ثبت عنهم بالظن يندفع ما بينه من التخالف بطرق الجمع المعروفة، ونظيره في ظواهر الآيات فيما بينها؛ وذلك بقانون حمل المحكم على المتشابه والمظنون على ما يتفق مع المقطوع، وهذا القانون من أصول البيان في النطق البشري، والعمدة أن ما هو مقطوع به عنهم لا ترى فيه أي تخالف ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ) (١) .

ومن الطرق الأخرى لإثبات الإمامة النظر في نبوءات الأديان الأخرى المتقدمة وتبشيرهم بأوصياء خاتم الأنبياء كما ورد في الكتابة على سفينة نوح وما هو مذكور في التوراة والإنجيل والزبور، وقد استقصى عدة من محقِّقي الإمامية هذا الباب ووضعوا فيه كتباً جليلة، ويذكر هذا المنهج: المسعودي في إثبات الوصية وفي تاريخه، واليعقوبي في تاريخه.

ثانياً: إن البحث حول الإمامة يتناول الكتاب والحديث، ومن غير الصحيح أن يتناول الباحث أحدهما ويهمل الآخر، بل يجب ضمهما إلى بعضهما دائماً؛ حيث إن الآيات الكريمة توضح الأمر الكلي ومواصفاته، والروايات توضح المصاديق المتَّصِفة، إذ أن الروايات تشير إلى وجود ثلة مع النبي، وأن لها هذه المواصفات والمقامات من بعده، ومن ثم نأتي إلى الأحاديث التي تنصُّ على التطبيق ومَن له هذه الصفات.

وبعبارة أخرى: إن طوائف الآيات تثبت كبرى هي وجود ثلة معصومة هم أئمة منصبون من اللَّه تعالى، ولهم ذلك المقام الغيبي إلى انقضاء هذه النشأة النبوية، وتدل بعض تلك الطوائف على إمامة علي‏‏ عليه‌السلام ، وبعضها على ضميمة الحسنين.

____________________

(١) النساء: ٨٢.

٤٢٣

ونظير إثبات الكبرى كثير من الأحاديث النبوية المتواترة كحديث الثقلين؛ فإنه يدل على دوام بقاء العترة حتى الحوض، وأنهم عِدل الكتاب، واللازم التمسك بكل منهما والائتمام بهما، وكحديث الاثنى عشر خليفة كلهم من قريش، وحديث مَن مات ولم يعرف إمام زمانه، وغيرها من الأحاديث التي إمَّا تشمل جميع الأئمة أو بعضهم.

وعلى أية حال... فإن إثبات الكبرى ينضم إليها عدة تقريبات لإثبات الصغرى والمصادق كما أشرنا إليه في النقطة السابقة.

ثالثاً: من خلال قراءة التاريخ نستطيع أن نكشف عن طريقة أخرى من الاستدلال، وهي أن التاريخ ينص على وجود فرقة عاشت في الدولة الأموية والعباسية؛ اسمها: الرافضة، وهؤلاء كانوا يتبعون الأئمة من أهل البيت‏ عليهم‌السلام ، وكان من المنطقي والطبيعي أن يقوم أصحاب الطوائف الأخرى ويقطعوا الطريق عليهم من خلال محاولة إفحام أئمتهم في المناظرات والأسئلة، وأن يكون ذلك بمساعدة السلطة الحاكمة، والحال أن التاريخ لا يذكر لنا شاهداً ولو واحداً حول إبكات هؤلاء الأئمة، بل على العكس، ينقل لنا صوراً مشرقة عن العديد من المناظرات والمحاجات التي أجراها أمراء الدولتين في محاولة للإطاحة والنيل من الأئمة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما نقل إلينا هو النزر اليسير الذي لم تستطع السلطة الحاكمة إخفاؤه عن الناس.

وعليه نستطيع القول: أن منهج الاستدلال يكون بالآيات والأحاديث والعقل والتاريخ.

رابعاً: يجب الالتفات إلى ما أشرنا إليه في حقيقة التواتر؛ وأنه لابدَّ من الرجوع إلى كتب الحديث والأخذ بالنصوص ولو فرض أنها بمفردها غير تامة، لكن بتظافرها و بمعية الجميع وبتراكم الاحتمالات كمَّاً وكيفاً ينتج التواتر.

وقد أشرنا في الفصل الأول إلى تقسيم التواتر إلى ثلاثة أقسام: لفظي ومعنوي وإجمالي، وبيّنا كل قسم، كما ذكرنا أن دوائر التواتر تختلف سعة وضيقا، وأن هذا الاختلاف لا يخل بضابطة التواتر الرياضية البرهانية، فمن الخطير الغفلة عن ذلك.

٤٢٤

الخاتمة:

الوظيفة الإجمالية في الائتمام

بعد هذا الاستعراض كنموذج لفقه ماهية الإمامة فقهاً عقلياً وقرآنياً وروائياً، وبيان مقتطف من المقامات التي للأئمة عليهم‌السلام ‏، رأينا من المناسب أن نختم البحث في بيان الوظائف الإجمالية للمكلَّفين اتجاه أئمتهم؛ حيث قال تعالى: ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤُولُونَ ) (١) ، وقال تعالى: ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٢) ، وقال تعالى: ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ) (٣) ، وسوف نوجزها بالأمور التالية:

١ - معرفتهم كأمر اعتقادي، وهو غير مرهون بحضورهم، بل حتى بعد مماتهم في زمان غيبتهم، فمعرفتهم واجبة كما هو الحال في الاعتقاد بنبوة الرسول‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ - كون الإمامة من أصول الدين لا من فروعه، ومن تحريف الكلم عن مواضعه بمكان حصر تولِّيهم على الموالاة السياسية فقط، والتولِّي والتبرِّي المذكوران في الفروع صحيحان، ولكنَّهما غير معرفتهم.

٣ - إن محبتهم وبغض أعدائهم من الأمور الركنية في معرفتهم والاعتقاد بهم التي لا تتوقف على حياتهم، بل يجب إظهارها؛ لأن المحبة من الأمور التي تكون مصداقاً

____________________

(١) الصافات: ٢٣.

(٢) الشورى: ٢٣.

(٣) الفرقان: ٥٧.

٤٢٥

للموالاة، ألا ترى في قوله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِدُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبَّاً لِلَّهِ ) (١) ؛ حيث إن المحبة وإظهارها مصداق من مصاديق الولاء، وإن حب أعداء اللَّه يوجب الخسارة وضياع الأعمال حسرات، بل والخلود في النار كما تشير إليه تتمة هذه الآية من سورة البقرة وبقية الآيات الناهية عن موادة من حادّ اللَّه ورسوله.

٤ - تحليل فلسفي وذوقي معرفي لنكتة ما ورد في بعض الروايات: (هل الإيمان إلاّ الحب والبغض).

إن الإيمان بنحو مطلق فعل من أفعال النفس، و لا يمكن للموجود البشري أن يعيش من دونه؛ لأن الإيمان والإذعان بشيء ما من كمال الفرد البشري. ولو عثر على فرد بشري لا يعتقد بشيء أصلاً، فهو لا يستطيع أن ينتهج أي جادة في حياته، ومن ثَمّ فسيكون من الممتنع أو الصعب على بقية البشر التعامل معه؛ لأن المفروض أنه لا يتقيَّد بأي منهج ولا طريقة، إذ لا يؤمن بشيء ما كي يتقيد به، وحينئذٍ سوف يكون مطلق العنان في جميع غرائزه ورغباته كالوحش الكاسر أو الحيوان المسعور المخيف لمَن حوله، ويتبين بذلك أن الإيمان بأي نحلة كانت وبأي شي‏ء ما من الكمال بالمعنى الأعم؛ بمعنى أنه لا يستطيع أحد أن يتركه، ومن هنا وقع البحث في علوم مختلفة حول حقيقة الإيمان بغض النظر عن متعلقه، فهل حقيقته هو الإدراك أم المعرفة أم الاعتقاد والتصديق أم أنه مجرد الانجذاب نحو الشي‏ء؟

وذكرنا فيما سبق أن الإيمان ليس هو مجرد الإدراك؛ لأن بعض درجات الإدراك الحصولي لا يلازمها الإيمان. وبتعبير آخر: علينا معرفة أن الإيمان من أفعال العقل النظري أو العملي؟

ومن الأمور التي تسهِّل البحث في الحكم في القضايا المدرَكة أن الحكم - طبقاً

____________________

(١) البقرة: ١٦٥.

٤٢٦

لآخر التحقيقات - ليس جزء القضية، فقد ذكر الملاّ صدرا أن الإدراك تارة يلازمه الإذعان، فيسمَّى تصديقاً، وتارة لا يلازمه، فلا يسمَّى تصديقاً، ثُم في التحقيقات الأخيرة فسروا الحكم بما تقوم به النفس من دمج المحمول بالموضوع، وهو من أفعال العقل العملي، ولكنَّه لا يقوم به إلاّ مع الإدراك والوضوح بنحو يدفع العقل العملي للحكم والإذعان، ومن ثَمّ التسليم والإخبات؛ فاتضح أنه من لوازم الإدراك بدرجته العالية.

أمَّا حالة الجحود التي تحصل عند استيقان الحق، فهي ناشئة من أمراض النفس من استهواء نزعات الغرائز أو جربزة الخيال وانفعالات الوهم التي تمنع من الانفعال الطبيعي الفطري لليقين؛ ولذا تقدم في الفصل الأول أن اليقين ليس علَّة تامة للإذعان، ولكنَّه مقتضٍ له.

ومن ثم نستطيع معرفة تعريف الإمام أن الإيمان هو الحب والبغض؛ لأن الإيمان يعني إذعان النفس، فإن الحب والبغض من أفعال العقل العملي، فإن الإيمان بشي‏ء يعني انجذاب النفس إليه، وعدم الإيمان بشي‏ء خلاف ذلك؛ فتنفر النفس منه، فالنفرة تعني البغض والابتعاد.

وبتعبير آخر نقول: إن أفعال العقل العملي والنظري وجهان لعملة واحدة، والحقائق التي يدركها العقل النظري إثباتاً لوجودها أو نفياً لها إذا أدركها العقل العملي بعينها، يكون لها آثار أخرى كالحب والبغض.

ومن هنا يتضح ما ذكره أهل المعرفة من الإمامية من أن التولِّي لأولياء اللَّه - وهم الأئمة عليهم‌السلام - والتبرِّي من أعدائهم من مظاهر الجلال والجمال الإلهي. وذكرنا أن الجلال والجمال من لوازم الصفات الثبوتية والسلبية للذات الإلهية؛ لأن معرفة الصفات الثبوتية يلازمها المحبة، لأنه مفطور على حب الكمال، ومعرفة الجلالية يلازمه النفرة والخوف، وقد بيَّـنَّا ملازمة معرفة الذات لمعرفة الإمام؛ فمن لوازم الصفات الثبوتية الجمالية الإيمان لوليِّه وأنه مهبط لنافذية قدرة اللَّه ومحل لتنزل مشيئة اللَّه تعالى وإراداته في مقام الفعل، وفيما ينكره العقل النظري يوازيه في

٤٢٧

العملي التبرِّي من أعدائه.

ومنه يتبين أن التولِّي والتبرِّي بعض درجاته في الأصول وبعضها في الفروع؛ فالذي يكون في القلب من الأصول ويتنزَّل إلى الجوارح فيكون من الفروع، كما أن المتابعة السياسية ليست وحدها من الفروع، بل قبول أقوالهم ومودة أوليائهم ومعاداة أعدائهم في أفعال الجوارح أيضاً منها.

وقد ورد عنهم‏ عليهم‌السلام : (كذب مَن يزعم أنه يحبُّنا ويتولَّى عدونا ويبغض وليَّنا).

والبرهان عليه بنفس النحو؛ إذ كيف يمكن للإنسان إن يجمع بين الكمال والنقص، ويثبت الصفات الثبوتية ولا يثبت الصفات السلبية؟! لأن الصفات السلبية تعني نفي النقص عن الباري، فالجلال لا يمكن أن لا يلازم الجمال، ومن ثمّ من لوازم إثبات الجمال والجلال والصفات الثبوتية ونفي السلبية هو إثبات كمال قدرة الباري تعالى بإرسال الرسول وجعل خليفته في الأرض، الهادي لمراضيه، ما دامت النشأة الدنيوية.

كما أوضحنا في صدر هذا الفصل كون الإمامة ركن من أركان التوحيد، فالتوحيد وإثبات القدرة الأزلية يستدعي عدم مغلولية يد الباري عن خلقه، أي تولِّي خلفائه في أرضه، كما أن توحيده بنفي الصفات السلبية عنه - أي صفات الجلال - يعنى الخوف والابتعاد عن قهره ومواطن غضبه بالتبري من أعدائه.

٥ - إن الحب والولاء محدود بحد، وهو عدم الغلو (وهو الإفراط)، وعدم الجفاء (وهو التفريط)، فيجب بيان الحد الذي يجعل الإنسان مغالياً أو جافياً قالياً وخارجاً عن جادة الصواب؟

قال بعض: بأن مَن يثبت صفة لهم خارجة عن نطاق البشر يوجب الغلو والخروج عن حد الاستقامة، فهو يثبت لهم مقام العصمة العملية والعلمية فقط، وهذا مع أنهم أنفسهم يروون روايات إحاطة أنوارهم - لا أجسامهم - بالعوالم والنشآت السابقة واللاحقة.

أمَّا أصحاب السر كسلمان ورشيد الهجري ومحمد بن سنان ويونس بن عبد الرحمن وجابر بن يزيد الجعفي

وأمثالهم، فإنهم يعتقدون بهم فوق ذلك المقام

٤٢٨

( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ) ، فالرسول في عين مثليَّته البشرية للآخرين إلاَّ أنه يغايرهم في ( يُوحَى إِلَيَّ ) وأي مغايرة هذه، وأي مفارقة!! وإنهم منذ بدء الخليقة كانوا أنواراً، وإنهم مطَّلِعون على عالم الملكوت بما يزيد على الأنبياء من أولي العزم، ورواية تفسير الثمانية الذين يحملون العرش أربعة من الأولين وأربعة من الآخرين؛ وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم‌السلام ‏على يسار العرش، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي والحسن والحسين على يمين العرش، ومن المعلوم أن اليمين واليسار في الرواية يدل على الدنو وعلو المقام، وأنه لا من جهة المكان والأين؛ إذ لا مكان جسماني للعرش الذي هو العلم، وقد عرفت في استخلاف آدم أنه يحمل من علم اللَّه ما لم تحمله الملائكة. وقد أشير إلى تفسير الثمانية عند العامة: (فقد رواه السيوطي في الدر المنثور عن رسول اللَّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يحمله اليوم أربعة، ويوم القيامة أربعة، فإن اليوم إشارة إلى مَن يحملهم من هذه الأمة، وقد صرَّح بأسمائهم في روايات أهل البيت).

وكل الإمامية متَّفقون على أن مستقى علومهم ليس بالعلم الحصولي الاعتيادي، بل لهم العلم الواقعي، وأنهم مطهَّرون مبرَّؤون من العيب والأدناس والأرجاس، وهذه كلها بعيدة عن الغلو.

فالمقياس العقلي هو أن الخروج بهم عن حد الإمكان أو الخروج بصفاتهم عن صفات الممكن هو إفراط، وأن كل ما عندهم هو من عند اللَّه العزيز الحكيم الذي أعزَّهم وأقدرهم وأعطاهم من نعمه ما لا يحصى، مع بقاء محدودية ذاتهم وأنهم معاليل مخلوقون، والمعلول لا يبلغ شأن العلة، بل يجب الاعتقاد أنهم محتاجون إليه تعالى ولا يوكِل إليهم الأمور بنحو العزلة والاستقلال المطلق المستقل والعياذ باللَّه، فهم الفقراء إلى اللَّه واللَّه هو الغني المطلق كما هو البحث والكلام الجاري في أدنى فعل يوجده البشر من أعمال جوارحه أنها بإقدار اللَّه لا بنحو التفويض العزلي الباطل.

وأمَّا جانب الجفاء والذي يجب الابتعاد عنه أيضاً، فمعناه هو تنزيلهم عن مقام

٤٢٩

كرامة الخلقة التي أولاها الباري تعالى لهم، وبيان ذلك على نحو الإجمال:

إن الصوادر الأولى في عالم الخلقة لها صفات لا يقاس بها سائر المخلوقات الأخرى، وهذا يعني أن لهم مقاماً وأنهم ليسوا كبقية البشر، وبالنسبة إلى باقي الخلق فبينهم بون شاسع، وهم بوجودهم النوري - لا بأجسادهم - واسطة في الفيض كما تقدم إثبات ذلك برهانياً في طيَّات البحوث السابقة. قال تعالى: ( ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلاَءِ ) ، ولم يقل تعالى: عرضها أو أسماء هذه، فهم ذوات عالية ( أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ ) وقد تقدم شرح ذلك، فكما أن إفاضة الحياة في الزرع لا تكون إلاّ بواسطة مادة البذر وصورة الزرع وإعداد التربة فهي في حقيقتها شرائط قابلية القابل ولذا كان الكمال من الباري يتنزل عن طريقهم، وهذا أيضاً لعجز القابل المخلوق، لا الفاعل جلَّ وعلا علواً كبيرا، وهذا كله لا يجعلهم شركاء للباري؛ فهل التربة شريكة اللَّه وهل الصورة الزرعية ومادة البذر شريكة اللَّه؟!

والضابطة الشرعية - المتطابقة مع الضابطة العقلية المتقدمة - المهمة ما ورد مستفيضاً أو متواتراً على لسانهم‏ عليهم‌السلام : (نزِّلونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم، ولن تبلغوا) (١) ، وهناك طوائف عديدة من الروايات التي تثبت هذا المطلب والمعنى بلسان آخر كما في حديث الرضا (فمَن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام... ضلَّت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيَّرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباء، وكلّت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شئونه وفضيلة من فضائله، وأقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكله أو ينعت بكنهه أو يفهم شي‏ء من أمره) (٢) .

وببيان فقهي نقول: إن المتابعة والتعظيم ليس فيه أي حد من حدود الشرك، بل إن كبار الفقهاء من المسلمين يذكرون أن التعظيم لغير اللَّه لا يكون شركاً إذا كان لا

____________________

(١) بصائر الدرجات: ٥٢٧، ٢٦١.

(٢) أصول الكافي، ج١، ص٢٠٢.

٤٣٠

عن عبادة، وأنه يكون عبادة اصطلاحية وتأليها إذا كان تمام الخضوع مع اعتقاد الاستقلال؛ ولذلك لا يجوز. أمَّا إذا كان مع اعتقاد حاجة المخضوع له وفقره إلى اللَّه سبحانه، فإنه لا يكون عبادة، هذا من جانب الحد الأعلى.

أمَّا من جانب الحد الأدنى، فإن أدنى درجات الولاء هو المودة والمحبة القلبية، وعليه يكون التشفُّع بهم وزيارتهم والتوسل والدعاء بهم لا يكون عبادة ولا يدخل تحت حد الغلو، قال تعالى: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرَوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوَّاباً رَحِيماً ) (١) ، وقال تعالى مخاطباً نبيَّه: ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) (٢) ، وقال تعالى: ( أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ) (٣) ، وقال تعالى: ( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً ) (٤) ، وقال تعالى: ( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (٥) ، قال تعالى: ( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) (٦) .

٦ - ولا بأس بالإشارة - مختصراً - إلى أن شرك الجاهلية في العبادة كان بالتعظيم والتوسل بأمور من دون جعل اللَّه تعالى وإذنه، والتوحيد في العبادة هو نفي الطقوس التي لم تؤخذ من عند اللَّه سبحانه وتعالى، ونستطيع أن نجد ما يدعم نظرية الإمامية في التوسل بهم:

أ - أن اللَّه يأمر بابتغاء الوسيلة إليه؛ قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَابْتَغُوا

____________________

(١) النساء: ٦٤.

(٢) التوبة: ١٠٣.

(٣) التوبة: ٧٤.

(٤) يوسف: ٩٣.

(٥) يوسف: ٩٨.

(٦) البقرة: ٢٥٥.

٤٣١

إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) (١) ، وقد تقدَّمت الإشارة إلى أنهم السبيل إلى اللَّه.

ب - أن الشفاعة مذكورة بنص القرآن الكريم: ( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ) والعديد من الآيات، وهذا الاستثناء يدل على وجود أصل الشفاعة، والشفاعة تعني كرامة خاصة ومنزلة للشافع عند اللَّه تعالى.

جـ - أنه لا فرق بين الوسيلة أن تكون تصرفاً وعملاً كالصلاة والصوم للَّه من أجل تحقيق حاجة معينة، وبين أن تكون بالتوسل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل إن آية المائدة المتقدمة تدل على أن الوسيلة هي غير العمل الصالح والتقوى، وأنها درجة فوق ذلك.

د - أن القرآن ذكر سجود الملائكة لآدم، وأبناء يعقوب ليوسف، سجود احترام لا عبادة.

هـ - أن النذر مباح في أصله، فقد نذرت والدة مريم ما في بطنها لمكان العبادة كما ينذر الشيعة للَّه تعالى الآن مالاً يختص بالأئمة والصالحين؛ أي يصرف في خيراته.

و - قوله تعالى: ( واسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) الواردة في العديد من السور القرآنية.

ز - ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) فوجوده صلى‌الله‌عليه‌وآله كان حرزاً لهم.

حـ - ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ، فلا بد من مطلق التسليم النفسي للرسول فضلاً عن عمل الجوارح.

فوجوب الخضوع للتوقير ثابت في القرآن للرسول الأكرم، وهو مغاير للعبادة، والتفريق بينه حيَّاً وميتاً ممَّا يضحك الثكلى، و في بعض الروايات لدى العامة والخاصة أن المسلمين كانوا يتبركون بفضل وضوء رسول اللَّه (كما في ما حكاه مندوب مشركي قريش في صلح الحديبية من فعل المسلمين، فلاحظ كتب السير والتاريخ)، و في غزوة خيبر تنص الروايات التاريخية على أن الإمام علي كان به رمد، فدعاه الرسول‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتفل فيها، فبرأت، وغير هذا كثير جداً،

____________________

(١) المائدة: ٣٥.

٤٣٢

بل إن أحد مبرِزات التودد وإظهار محبتهم هو زيارة قبورهم وتعاهدها وغير ذلك؛ وكل ذلك لكرامتهم عند اللَّه تعالى وشأن قربهم ومنزلتهم عنده وخاصتهم به وصدق مقاعدهم عنده

ومن مراتب ولايتهم هي الولاية التشريعية؛ بمعنى أنهم ليسوا رواة عدول ليس إلاّ، بل إن علومهم مستقاة من معين الغيب، وأن واسطتهم الروائية هي بالقناة النورية، لا بالحس كما في عنعنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن جبرئيل عن ميكائيل عن إسرافيل عن اللَّه تعالى وإن اختلفت القناة النبوية بالوحي والنبوة وقناتهم بالعلم اللدني الجامع بالكتاب المكنون ( لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) ، ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

وكذلك ولايتهم التكوينية بإذن اللَّه تعالى، وقد أشرنا إليها في موارد عدة ونشير هنا إلى بعض الآيات التي تنص على وجود ولاية تكوينية للبعض، منها قوله تعالى: ( إِذْ قَالَ اللّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونَ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ) (١) ، ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمَحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (٢) ، ( وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ ) (٣) ، ( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ) (٤) ،

____________________

(١) المائدة: ١١٠.

(٢) آل عمران: ٣٧.

(٣) النمل: ١١.

(٤) النمل: ١٧.

٤٣٣

( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هذَا مِن فَضْلِ رَبِّي ) (١) .

أخيراً... فإن من الواجب على الإنسان الذي يوالي أئمة الهدى أن يثبت لهم هذه المقامات العلْوية عند اللَّه من دون أن يكون هناك تحفُّظ أو تردُّد في أحدها؛ فهم خلفاء اللَّه في أرضه وآيات قدرة اللَّه الواسعة التي لا يحدها شي‏ء يؤتيها مَن يشاء من عباده، وهو تعالى أقدر بلا كفو على الشي‏ء الذي يؤتيه.

وهؤلاء هم الذين عرفوا اللَّه حق معرفته واستحقوا بذلك تلك المقامات، وهم على ما هم عليه من المنزلة الرفيعة في جميع عالم الوجود إلاّ أنهم يستشعرون النقص والفقر والعبودية اتجاه الذات المقدَّسة وأنهم دونها منزلة، وهل يقاس برب الأرباب شي‏ء؟! ولذا نرى عبادتهم - التي لم يبلغها بشر كمَّاً وكيفاً - تتناسب مع قدر معرفتهم بربهم، وعظيم تذلُّلِهم - الذي لا يُرى لأحد غيرهم - لعلمهم أنهم أمام العليم الجليل.

____________________

(١) النمل: ٤٠.

٤٣٤

الفهرس

مقدِّمة بقَلم الأستاذ الشيخ محمد سند .٥

المدخل: ٩

النقطة الأولى: أولوية بحث الإمامة ٩

النقطة الثانية: توازن قوى الإنسان .١٠

النقطة الثالثة: القدسيّة ١٢

النقطة الرابعة: التوحيد في الطاعة ١٣

النقطة الخامسة: الإمامة والوحدة الإسلاميّة ١٧

الفصل الأوَّل: منهج المعرفة الدينية ١٩

المقدّمة الأولى: تصوير الحكم الشرعي في العقائد .٢١

أوَّلاً: البحث الثبوتي. ٢٢

ثانياً: البحث الإثباتي. ٢٦

١ - الحكم الشرعي الفقهي: ٢٦

٢ - الحكم الشرعي الأصولي: ٢٧

المقدمة الثانية: الميزان في اصول العقائد .٣٤

المبحث الأوَّل: حُجِّـيَّة الكتاب الكريم .٣٩

تقييم نظرية العلاَّمة الطباطبائي: ٤٢

المبحث الثاني: حُجِّـيَّة السنَّة ٤٧

أوَّلاً - أقسام الحديث: ٤٧

ثانياً: أحوال الكتب الأربعة والمصادر الروائية: ٥٣

ثالثاً: العلم الإجمالي بوجود الدس: ٥٥

المبحث الثالث: حُجِّـيَّة العقل .٥٩

التنبيه الأوَّل: الحسن والقبح العقليَّان .٦٣

أدلَّة اعتبارية الحسن والقبح: ٦٨

أدلَّة واقعية الحسن والقبح: ٧٣

٤٣٥

١ - العناية الإلهية: ٧٤

٢ - تجسُّم الإعمال: ٧٥

٣ - قاعدة الغاية: ٧٦

التنبيه الثاني: الخطأ في الفكر البشري .٧٧

التنبيه الثالث: الثابت والمتغيِّر .٧٩

تحليل مختصر لنظرية الاعتبار: ٨٠

وجوه التأمل في نظرية العلاّمة: ٨٢

التنبيه الرابع: في تبعية الولاية التشريعية للولاية التكوينية ٨٩

الوجه الأول: ٩٠

الوجه الثاني: ٩٠

الوجه الثالث: ٩٤

التنبيه الخامس: العلاقة بين العقل العملي والعقل النظري .٩٥

المبحث الرابع: حُجِّـيَّة المعارف القلبية ٩٧

الجهة الأولى: في بيان المراد من المعارف القلبية. ٩٧

الجهة الثانية: حول ضابطة حُجِّـيَّة المعارف القلبية. ١٠٣

خاتمة: حول العلاقة بين الحجج الأربع. ١٠٦

الفصل الثاني: نظريَّة الحُكم على ضوء الإمامة الإلهيَّة ١١١

المبحث الأوَّل: لمحة تاريخية ١١٣

المبحث الثاني: النظريَّات المختلفة في إدارة شؤون الحكم ودور الشورى فيها ١١٩

النظرية الأولى المشهورة: ١١٩

النظرية الثانية: ١٢١

النظرية الثالثة: ١٢١

النظرية الرابعة: ١٢٢

النظرية الخامسة: ١٢٣

المبحث الثالث: الأدلَّة النقلية التي أُقيمت على النظريَّات المختلفة. ١٢٥

أولاً: الأدلة المتضمِّنة للفظ الشورى. ١٢٥

٤٣٦

١ - الآيات: ١٢٥

٢- سيرة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله ١٢٦

٣ - الروايات وهي على صنفين .١٢٧

الصنف الأوَّل: روايات الشورى. ١٢٨

الصنف الثاني: روايات الاستشارة. ١٣٢

التقييم: ١٣٥

أوَّلاً: رأي آخر في فهم الأدلَّة. ١٣٥

ثانياً: الجواب عن تلك الأدلة. ١٣٩

الوجه الأول: المعنى اللغوي لمادة (شور) ١٣٩

الوجه الثاني: تحليل لقوله تعالى: (وأمرهم ...) ١٤٤

الوجه الثالث: ملاحظة (واذا عزمت فتوكل) ١٤٥

الوجه الرابع: فوائد الشورى .١٤٦

الوجه السادس: تحليل لغزوة أحد والخندق ١٤٨

الوجه السابع: مخالفة الرسول صلّى الله عليه وآله لرأي الأكثرية ١٦١

الوجه الثامن: آية الشورى .١٦٢

الوجه التاسع: استدلال الشهيد الصدر قدس سره ١٦٣

الوجه العاشر: طريقة انتخاب الخليفة الأول والثاني ١٦٤

الوجه الحادي عشر: المعارضة بأدلة النص ..١٦٥

الخلاصة: ١٨٢

مناقشة الاستدلال على نظرية التلفيق بين النص والشورى .١٨٥

ثانياً: عنوان الولاية والأمر بالمعروف ..١٨٩

ثالثاً: آيات البيعة ١٩٤

تقريب الاستدلال: ١٩٤

نقض ودفع: ٢٠١

رابعاً: الآيات المثبِتة للوظائف الاجتماعية العامة ٢٠٢

٤٣٧

خامساً: آيات الاستخلاف ..٢٠٥

سادساً: آية الأمانة ٢٠٧

سابعاً: آيات تدل على نفي مسؤولية الرسول صلّى الله عليه وآله عن الأمة ٢٠٩

ثامناً: آية المائدة (٤٤) ٢١٠

تاسعاً: سيرة الأئمة عليهم‌السلام ....٢١٥

والجواب عن هذه الوجوه: ٢١٦

المبحث الرابع: الأدلة العقلية على الشورى .٢٣٣

إشكالان ودفعهما: ٢٣٨

المبحث الخامس: أدلة نصب الفقهاء ٢٤٣

الخلاصة: ٢٤٩

الفصل الثالث: المقام الغيبي في الإمامة ٢٥١

أولاً: تحرير محل النزاع .٢٥٣

ثانياً: الإمامة وراثة نسَبية أم روحيّة؟ ٢٥٦

ثالثاً: الإمامة نصّ أم شورى؟ ٢٥٧

رابعاً: الاعتبار والتكوين .٢٥٧

خامساً: الإمامة من أصول الدين .٢٥٨

سادساً: مقامات الأئمّة عليهم السلام ٢٥٩

سابعاً: الوظيفة الشرعيّة ٢٥٩

ثامناً: تحليل الاقتداء ٢٦٠

المبحث الأول: تعريف الإمامة ٢٦٥

الجهة الأولى: التحليل اللُّغوي .٢٦٥

الجهة الثانية: التحليل العقلي .٢٦٧

الخلاصة: ٢٦٩

الإنسان المجموعي: ٢٧٣

الإنسان الكبير: ٢٧٣

الجهة الثالثة: التعريف النقلي .٢٧٥

٤٣٨

المبحث الثاني: الأدلة العقلية على ماهية الإمامة الإلهية ٢٨٥

الدليل الأول: ضرورة الارتباط بالغيب ..٢٨٧

تقييم الدليل الأول: ٢٩٢

الصياغة الثانية لنفس الدليل: ٢٩٣

تقييم الدليل: ٢٩٤

الدليل الثاني: الفطرة ٢٩٥

تقييم الدليل الثاني: ٣٠٠

تقييم الدليل الثالث: ٣٠٢

الدليل الرابع: معرفة النفس ..٣٠٢

الدليل الخامس: برهان العناية ٣٠٣

تقييم الدليل: ٣٠٤

ملاحظة عامة: ٣٠٥

الدليل السادس: الأدلة الإنْيَّة ٣٠٥

تفصيل ذلك: ٣٠٦

المبحث الثالث: الإمامة في القران الكريم .٣٠٩

الطائفة الأولى: آيات استخلاف آدم عليه السلام ٣١٠

أولاً: دراسة الألفاظ الواردة فيها ٣١٢

ثانياً: الفوائد .٣٢٩

ثالثاً: قراءة في الخطبة القاصعة ٣٤١

رابعاً: عصمة آدم ٣٥٠

الطائفة الثانية: آيات الكتاب ..٣٥٢

الطائفة الثالثة: آيات الهداية ٣٧٠

الطائفة الرابعة: آيات الملك ..٣٧٥

الطائفة الخامسة: آيات الاصطفاء والطهارة ٣٧٩

الطائفة السادسة: آيات شهادة الأعمال .٣٨٥

٤٣٩

الطائفة السابعة: آيات الولاية ٣٨٨

المبحث الرابع: الإمامة في السنة النبوية ٣٩٥

الحديث الأول: حديث الثقلين .٣٩٥

١ - حديث الثقلين في القرآن الكريم: ٣٩٦

٢ - أما ما ورد من الألفاظ في الحديث الشريف: ٣٩٩

٣ - النظريات في تفسير الْمَعِيَّة بين القرآن والعترة: ٤٠٠

الحديث الثاني: (مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية). ٤٠٥

الحديث الثالث: في تبليغ سورة براءة ٤٠٨

إشكال ودفع: ٤١١

الحديث الرابع: (إن اللَّه يرضى لرضا فاطمة) ٤١٢

الحديث الخامس: (علي مني وأنا من علي) ٤١٩

الحديث السادس: (يقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل) ٤١٩

تذييل: ٤١٩

الخاتمة: ٤٢٥

الوظيفة الإجمالية في الائتمام ٤٢٥

١ - وجوب المعرفة ٤٢٥

٢ - الإمامة من اصول الدين .٤٢٥

٣ - المحبّة والبغض ..٤٢٥

٤ - تحليل لرواية: هل الإيمان الّا الحب والبغض ..٤٢٦

٥ - الوسط بين الإفراط والتفريط .٤٢٨

٦ - شرك الجاهلية ٤٣١

الفهرس .٤٣٥

٤٤٠