مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني

مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني22%

مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني مؤلف:
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 174

مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني
  • البداية
  • السابق
  • 174 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 62416 / تحميل: 7602
الحجم الحجم الحجم
مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني

مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

ومَا بَطَنَ، والإثمَ وَالبغي بغَير الحَقّ ) (١) .

***

من هذا التحليل يبدو كم كان المؤلف ساذجاً وسطحياً حين علق على هذه الآية (في ص ١٢٢) بقوله:

«كان (اللّه) قد شاء تدمير القرية، ولكن لئلا يكون للعباد عليه حجة فيما شاء لجأ إلى المكر، فأمر مترفيها أن يفسقوا حتى يبدو للجميع وكأن القرية استحقت ذلك التدمير. بينما الحقيقة غير ذلك».

الآية الرابعة:

( إنّ المنَافقينَ يُخادعُونَ اللّه وهو خَادِعُهم ) (٢)

إن هذه الآية جزء من مقطع موضوعه المنافقون يشتمل على الآيات (١٣٧ - ١٤٣ - النساء) ويبدأ بقوله تعالى:

( إنّ الذيِنَ آمَنُوا، ثم كَفروا، ثم آمَنُوا، ثم كَفَرُوا، ثم ازدادوا كُفراً لم يَكُنِ اللّه ليغَفرَ لهَم ولا ليَهديَهُم سبَيلا. بَشّر المُنافقين بأنّ لَهُم عَذَاباً أليماً. الذين يَتّخذُونَ الكافرينَ أولياءَ من دوُن المؤمنين، أيَبتَغُونَ عندَهم العزّة؟‍ فَإنّ العزّةَ للّه جَميعاً ) .

____________________

(١) سورة الاعراف الآية ٣٣.

(٢) سورة النساء الآية ١٤٢.

١٤١

ثم ينهى اللّه في الآية (١٤٠) المؤمنين عن مجالسة هؤلاء المنافقين في حالة معينة:

( وَقَد نَزَّلَ عَلَيكُم في الكتَاب أن إذا سمَعتم آيات اللّه يُكفَر بها ويُستَهزؤ بها فلا تَقعُدُوا مَعَهم حَتّى يَخُوضُوا في حَديثٍ غَيرِه، إنكُم إذاً مثلهم، إنّ اللّه جَامع المُنافقينَ والكَافرينَ في جَهَنم جَميعاً ) (١) .

ثم بين اللّه للمؤمنين مظهراً من مظاهر نفاق هؤلاء وخداعهم:

( الذينَ يَتَربّصُون بكُم، فَان كانَ لَكُم فَتح منَ اللّه قَالوا: ألم نَكُن مَعَكُم؟ وَإن كَان للكَافرينَ نَصيب، قَالُوا: ألَم نَستَحوذ عَلَيكم وَنَمنعكُم منَ المؤمنين؟ فاللّه يَحكُمُ بيَنكُم يَومَ القيامَةِ وَلَن يَجعَلَ اللّه للكَافرينَ عَلى المؤمنين سبَيلا ) (٢) .

هذا الموقف من المنافقين، وامثاله من مواقفهم سماه في الآية موضوع البحث اللّه خداعاً، وبين أن خداعهم هذا لن يعصمهم من المجازاة والعقوبة، وسمى الجزاء على الخداع خداعاً ايضاً، وذلك للمشاركة والمجانسة، كما تقدم نظيره في تحليلنا للآيات السابقة.

____________________

(١) سورة سورة النساء الآية ١٤٠.

(٢) سورة النساء الآية ٤١.

١٤٢

( إنّ المنَافقينَ يُخادعُونَ اللّه وَهُوَ خَادعُهُم، وإذَا قَامُوا إلى الصّلاة قَامُوا كُسالى يُرّاؤنَ النّاس وَلا يذكُرون اللّه إلا قَليلا ) (١) .

***

لقد تبين لنا من هذا الحديث أن الآراء التي توصل إليها المؤلف عن فكرة «المكر الإلهي» كانت خطأ نشأ من الأسباب التي قدمناها.

وإلى اللقاء مع المؤلف في الحديث عن الماركسية.

____________________

(١) سورة النساء الآية ١٤٢.

١٤٣

نظرة نقدية الى ركائز الماركسية (الركائز الاساسية للفلسفة الماركسية)

إن الماركسية عاجزة عن تقديم تصور للكون يطمئن إليه العقل. وهي تلجأ في هذا الميدان - كما بينا سابقاً - إلى الغيب، وهو ما تتهم به الدين. والفرق بين الغيب الذي تلجأ إليه الماركسية والغيب الديني أن الغيب الماركسي اعتراف بالجهالة فيما يعود إلى أصل الكون يتناقض مع المواقف الفكرية الجازمة في القضايا المتفرعة من المسألة الاساسية، وأما الغيب الديني فهو أمر تقضي به الضرورة العقلية وهو إدراك واعٍ للمسألة الأساسية يجعل النتائج منسجمة مع مقدماتها. وقد أثبتنا هذه الحقيقة بصورة لاتدع مجالاً للشك فيما سبق من هذه المقالات.

والان نريد أنن نناقش ركائز الماركسية الأساسية لنكشف عن أنها بعيدة عن العلم، وأنها - على الصعيد الفلسفي- حافلة بالأخطاء.

تحديد المفاهيم اولاً

ذهب المؤلف - كغيره من الماركسيين - إلى أن ثمة مفهومين فلسفيين للكون هما: المفهوم المثالي، والمفهوم المادي. وأن ما أسماه «الصورة الكونية» وهو مصلح اختاره للتعبير عن «مجموع النظريات الشاملة لطبيعة الكون التي تسود في عصر من العصور» (ص ٢٠٣ ) هذه الصورة الكونية إما أن تكون مثالية أو مادية، ولا شيء آخر غير هذين.

فهو يتحدث في الفصل الأخير من كتابه (مدخل الى التصور العلمي - المادي للكون وتطوره) عن المادية الميكانيكية. ونجاحها العظيم في تفسير الظواهر الكونية، وانتشارها الكبير في شتى فروع المعرفة البشرية ثم سقوطها نهائياً تحت ضربات نقد الفلسفة المادية الديالكتيكية - وذلك في مقابل الفلسفة المثالية التي فشلت في التأثير على المادية الميكانيكية «.. وجاءت أول موجة من النقد الموجه للصورة الكونية الميكانيكية هذه من جهة اليمين... وكان أهم ممثل لهذه النزعة اليمينية في نقد المادية ورفضها هو الفيلسوف الانجليزي (باركلي) الذي حاول أن يحل محلها صورة كونية مثالية روحية تعتبر جميع الكيفيات المحسوسة - في التحليل الأخير -

١٤٤

أفكاراً في العقل الإلهي، وذلك بالمعنى الحرفي للعبارة تقريباً. وبهذا الصدد نذكر أيضاً ان الفيلسوف الالماني لايبنتز دخل في جدل مشهور مع نيوتن واتباعه هاجم فيه اسس المادية الساكنة من وجهة نظر مثالية روحية محضة» (ص٢١٦)

وبعد أن أشار الى ان مجموعة من الشعراء والفنانين الانجليز الذين ينتمون الى المدرسة الرومانسية رفضوا المادية الميكانيكية لأسباب غير فلسفية، قال:

«غير أن النقد اليميني للمادية الميكانيكية لم يلق أذاناً صاغية خارج أوساط نفر من الأُدباء ورجال الدين وبعض الفلاسفة من أصحاب الميول المثالية الواضحة... أما النقد الأهم الذي وجه إلى المادية الميكانيكية فقد جاء من جهة اليسار، وتحت اسم المادية الديالكتيكية..»(ص٢١٧).

وسأعرض في نهاية هذا الفصل الى التناقضات الفكرية العجيبة التي وقع فيها المؤلف. أما هنا فعلينا تصحيح الخطأ الذي وقع فيه المؤلف حين ذهب الى وجود مفهومين فلسفيين للكون فقط هما: المادية (ميكانيكية، وديالكتيكية) والمثالية. في حين أن الحقيقة هي أن ثمة ثلاثد مفاهيم فلسفية نشرحها فيما يلي.

١ - المفهوم المثالي:

المفهوم الفلسفي المثالي عن العالم يقضي بأنه لا يوجد خارج إدراكنا وتصوراتنا أي واقع موضوعي للأشياء، فكل الأشياء التي يتكوّن منها

١٤٥

العالم ما هي إلا ألوان من تفكيرنا وتصورانا. وما لا ندركه فهو غير موجود.

٢ - المفهوم الواقعي المادي:

المفهوم الفلسفي الواقعي المادي يقضي بأن العالم موجود خارج إداركنا وتصوراتنا مستقل استقلالاً تاماً عن وعينا لأنه واقع موضوعي قائم بنفسه خارج ذواتنا. والحقيقة النهائية في الكون هي المادة التجريبية، وهي السبب الأعمق للظواهر الكونية، ولا يوجد وراءها شيء آخر يمكن اعتباره سبباً لوجود الكون واستمراره.

٣ - المفهوم الواقعي الإلهي:

المفهوم الفلسفي الواقعي الإلهي يقضي - كالمفهوم المادي - بأنه يوجد واقع موضوعي للعالم خارج إدراكنا وتصورنا ومستقل عنهما، فهو قائم بنفسه خارج ذواتنا. ولكن هذا الواقع الموضوعي ليس ذاتيَّ الوجود - على خلاف ما يذهب إليه المفهوم المادي - بل هو معلول الوجود لمبدأ غير مادي فوق الروح وفوق الطبيعة معاً، وهو اللّه تعالى.

وإذن، فالرأي الشائع تورط فيه المؤلف، وهو اعتبار أن ثمة مفهومين فقط على الصعيد الفلسفي أحدهما المفهوم المثالي والآخر المفهوم الواقعي المادي، وأن رفض أحدهما يعني حتماً الايمان بالآخر - هذا الرأي واضح الخطأ، فثمة - كما بينا - مفهوماً ثالثاً هو المفهوم الواقعي الإلهي. إن المفهوم المثالي مقابل للمفهوم الواقعي الإلهي كما هو مقابل

١٤٦

للمفهوم الواقعي المادي. وهذان المفهومان المقابلان للمثالية يلتقيان في أنهما معاً واقعيان يلتزمان بوجود موضوعي خارجي للكون مستقل عن إدراك الانسان وتصوراته، ويختلفان في السبب الأعمق للتكوين، فالمادية تقف عند المادة ولا تتعداها جازمة تارة بأن المادة هي أصل الموجودات وحائرة في هذه المسألة تارة أُخرى، والإلهية تتجاوز المادة في هذه المسألة إلى اللّه.

***

ويجب أن نكرر هنا ما سبق وبيناه في هذه المقالات وهو أن الايمان باللّه تعالى سبباً لوجود الكون واستمراره لا يعني إلغاء نظام العلية والسببية من الكون كما يشاء الماديون أن يتصوروا، فان الإلهي لا يعتقد بأن يداً تمتد من المجهول لتحدث ظواهر الطبيعة وتغيراتها، وانما يعتقد بأن لكل شيء سبباً على الانسان أن يبحث عنه، وأن جميع الأسباب تتناهى في الاخير إلى سبب أعلى منها جميعاً هو اللّه تعالى:

إن المفهوم الواقعي الإلهي يعترف بنظام العلّية في الكون، بل ينبثق منه، إذ أن من جملة أدلته دليل العلية، غاية ما في الأمر أنه لا يقف عند حد المادة التي ثبت عجزها عن التفسير وإنما يستجيب للضرورة العقلية فيقول بوجود علة اساسية عظمى تنتهي اليها جميع العلل والأسباب، وهي اللّه تعالى:

وإذن، فهذا المفهوم الواقعي الإلهي لا يضع نفسه في معارضة مع البحث العلمي في الطبيعة واكتشاف الأسباب الكامنة وراء حوادثها وظواهرها، بل يفتح جميع الأبواب أمام البحث العلمي في جميع المجهولات.

***

١٤٧

ويترتب على هذا أمر آخر، وهو أنه لا فرق بين الإلهي والمادي فيما يتعلق بالعلم واكتشافاته: فكلاهما يعتبر الطبيعة والانسان موضوعاً لبحثه العلمي، وكلاهما يؤمن بنتائج البحث العلمي في مجال التجربة في الطبيعة والانسان، وليس في حقائق العلم شيء يمكن أن يسمى مادياً أو إلهياً. الفرق الأساسي بينهما هو أن الإلهي يرد الكون إلى سبب أعمق هو اللّه تعالى ومن ثم فإنه يؤمن بنوع من الوجود المجرد، خارج المجال التجريبي ويرتب على هذا الموقف نتائجه في الانسان والحياة والمجتمع، أما المادي فيقف عند المادة لا يتعداها، ولا يؤمن بما وراء التجربة الحسية.

ويتضح لنا مما سبق أن الكيان الفلسفي للمادية لا يرتكز - عند التحليل - على حقائق إيجابية في مقابل الإلهي، وإنما يركز على النفي والانكار للحقيقة المجردة التي تعتبرها الإلهية نهائياً للوجود، ولما يترتب على هذه الحقيقة المجردة الأساسية من حقائق متفرعة عن الايمان بها، ومستند هذا الانكار عند المادية هو عدم قيام التجربة الحسية على وجودها وليس قيام تجربة حسية على عدمها، فان المادية تقول بالنسبة إلى هذه المسألة (لا أُومن باللّه لأنه لا دليل حسّي تجريبي على وجوده) ولا تقول (لا أُومن باللّه لأن لدي دليلاً حسياً تجريبياً على عدمه).

ولكن من الواضح أن هذا الأُسلوب في مواجهة هذه المسألة غير علمي فان موضوع البحث فيها حقيقة مجردة، وليس شيئاً مادياً.

وإذا كانت التجربة الحسية لا تقدم دليلاً على المفهوم الإلهي للعالم، أي لا تكشف في الظواهر المحسة عن سبب مجرد، فهي كذلك لا تقدم دليلاً على النفي المطلق الذي تقوم عليه المادية، اذ أن من الواضح أن التجربة الحسية لا يمكن أن تعتبر برهاناً على نفي حقيقة خارج حدودها

١٤٨

لما ذكرنا من أن موضوع البحث في المسألة حقيقة مجردة وليس شيئاً مادياً.

وعلى هذا فالقول بوجود (مادية علمية) أي تجريبية مجرد دعوى لا أساس لها من الصحة، لأن المفهوم الفلسفي المادي للعالم - كالمفهوم الفلسفي الإلهي للعالم - شيء لا يمكن اثباته بالتجربة الحسية، لأن موضوع البحث غير تجريبي. إن المادية كالالهية اتجاه فلسفي في محاولة فهم العالم، والطريق إلى اثبات صوابية أحد المفهومين محصور في الفكر ومسلماته لا غير.

وقد أثبتنا في أبحاثنا السابقة عجز الماركسية عن تقديم تفسير معقول للكون، وأن المفهوم الصحيح فلسفياً هو المفهوم الواقعي الإلهي للكون.

وعلينا الان أن نفي بما وعدنا به سابقاً من الكشف عن تهافت الماركسية وإفلاسها وعمقها كفلسفة تريد أن تقدم تفسيراً شاملاً للكون والحياة والانسان. وذلك من خلال نظرة نقدية إلي الركائز الأربعة الرئيسية في الماركسية وهي: حركة التطور، وتناقضات التطور، وقفزات التطور، والارتباط العام.

١ - حركة التطور

خلافاً لما هو شائع، ليس القول بأن الكون المادي في حالة حركة مستمرة وقفاً على التفكير الماركسي، فالواقعية الإلهية تؤمن بهذا أيضاً قبل هيغل وماركس وقبل أن يكون ثمة في تاريخ الفلسفة ديالكتيك، ولا حاجة بالانسان إلى أن يكون ماركسياً ليكتشف هذه الحقيقة البسيطة البديهية.

وقد بلغ المفهوم الفلسفي الميتافيزيقي ذروة كماله ونضجه في الفلسفة الاسلامية في أعمال الفيلسوف الاسلامي العظيم صدر الدين الشيرازي، محمد بن ابراهيم القوامي الشيرازي، (٩٧٩ ه‍ - ١٠٥٠ه‍) في نظريته عن الحركة العامة والحركة الجوهرية، وقد «برهن على أن الحركة لا تمس ظواهر الطبيعة وسطحها العرضي فحسب، بل الحركة في تلك الظواهر ليس إلا جانباً من التطور يكشف عن جانب أعمق، وهو التطور في صميم الطبيعة وحركتها الجوهرية. ذلك أن الحركة السطحية في الظواهر، لما كان معناها التجدد والانقضاء فيجب، لهذا، أن تكون علتها المباشرة أمراً متجدداً غير ثابت الذات أيضاً، لأن علة الثابت ثابتة، وعلة المتغير المتجدد متغيرة متجددة، فلا يمكن أن يكون السبب المباشر للحركة أمراً

١٤٩

ثابتاً، وإلا لانعدمت الحركة، وأصبحت قراراً وسكوناً».

الجديد الذي جاءت به الماركسية في حركة التطور هو فكرة التناقض الخيالية الباطلة، فقد اعتبرت الماركسية أن التناقض هو سبب الحركة في الطبيعة، وأن الحركة هي المظهر الذي ينتج عن الصراع بين المتناقضات. والحق أن الماركسية بعملها هذا وقعت في خطأٍ فلسفي جسيم، ولا بد من تجريد مفهوم حركة التطور عن فكرة التناقض لتنسجم الرؤية الفلسفية لحركة التطور مع الواقع الموضوعي لهذه الحركة في الطبيعة.

وإذن، فلا خلاف بين الإلهي والمادي في أصل مسألة الحركة في الطبيعة، وطنما الخلاف بينهما في نقطتين. الأولى طبيعة الحركة، والثانية مجال الحركة.

أ - طبيعة الحركة:

يدخل مبدأ التناقض عنصراً أساساً في مفهوم الحركة عند الماركسية بينما يعتبر مبدأ عدم التناقض عنصراً أساساً في مفهوم الحركة عند الواقعية الإلهية. ولذا فلا بد قبل نقد الماركسية في هذه المسألة من بيان مبدأ التناقض ليكون القارئ على بينة من مجال البحث.

١ - التناقض:

التناقض اختلاف القضيتين بحيث يلزم، لذات الاختلاف، من صدق كل واحدة منهما كذب الأُخرى وبالعكس.

١٥٠

ويتحقق هذا بأن تكون القضية الواحدة في موضوعها ومحمولها، مع وحدة الزمان والمكان ووحدة الاضافة (النسبة) ووحدة الشرط والوحدة في الجزء أو في الكل والوحدة في القوة (الامكانية) أو في الفعلية. أن تكون القضية الواحدة في جميع هذه الامور موصوفة بالوجود والعدم معاً. مثلاً: هذه القطرة من الماء في هذا الأُنبوب، بجميع أجزائها حارة فعلاً بدرجة عشرة في الدقيقة الستين من الساعة الواحدة صباحاً. وهذه القطرة من الماء بجميع أجزائها في الأُنبوب وفي نفس الزمان غير حارة بالفعل بنسبة عشر درجات.

هاتان القضيان متناقضتان. والواقعية الإلهية تقول إن صدقهما مستحيل وأن كذب إحدهما ضروري. وتقول الماركسية إن كذب احداهما مستحيل وأن صدقهما ضروري.

٢ - الحركة في الماركسية:

قال انجلز:

«ان الوضع يختلف كل الاختلاف إذ ننظر إلى الكائنات وهي في حالة حركتها، في حالة تغييرها، في حالة تأثيراتها المتبادلة على بعضها البعض، حيث نجد أنفسنا بدء هذه النظرة بأننا مغمورون في التناقضات، فالحركة نفسها هي تناقض. إن أبسط تغير ميكانيكي في المكان لا يمكن أن يحدث إلا بواسطة كينونة جسمٍ مَّا، في مكان مَّا، في لحظة مّا، وفي نفس تلك اللحظة

١٥١

كذلك، في غير ذلك المكان، أي كينونته وعدمها معاً في مكان واحد، في نفس اللحظة الواحدة، فتابع هذا الناقض تابعاً مستمراً، وحل هذا التناقض حلاً متوافقاً مع هذا التتابع، هو ما يسمى بالحركة».

هذا النص الأساسي يصور بوضوح طبيعة الحركة في الفلسفة الماركسية، انها نتيجة الصراع والتدافع بين النقيضين. فكل واحد منهما - بحكم كونه نقيضاً - يمنع الآخر من التحقق المستمر، وهذا التمانع ينتج الحركة والتغير.

٣ - الحركة في الواقعية الإلهية:

تنطلق الواقعية الإلهية في فهمها لطبيعة الحركة من حقيقة أن التناقض مستحيل، وأنه لا ينتج الحركة بل ينتج السكون والثبات كما سنرى.

إن الحركة في الواقعية الإلهية هي تعانق مستمر بين الفعلية وبين القوة (الامكانية)، والحركة تنتج من تحول إمكانية الشيء إلى وجود فعلي، وليست صراعاً بين فعليتين متناقضتين كما تزعم الماركسية. فكل شيء موجود يمتلك - إلى جانب مستوى الوجود المعين الذي يمتلكه فعلاً - إمكانيات للنمو والتقدم، أو للتغير بشكل عام. إذا احتفظ هذا الشيء بفعليته المعينة ولم يكتسب فعلية جديدة أُخرى فهو ساكن وثابت، أما حين ينتقل من فعليته القائمة إلى فعلية جديدة غير تلك التي كان عليها فهو يتحرك ويكسب وجوداً أكثر قوة وثراءً إن حركته هي تحول إمكانياته المستكنة فيه إلى فعليات ظاهرة عليه، فحركة الشيء هي انتقال

١٥٢

مستمر متدرج من القوة إلى الفعلية. مثلاً بذرة الورد هي فعلاً بذرة جافة ذات حجم وشكل معينين ولكنها تملك في الوقت عينه إمكانية أن تتحول عبر مراحل من النمو إلى شجرة ورد زاهية اللون عابقة بالعبير. فاذا غرست وتهيأت لها ظروف النمو انتقلت من كونها بالفعل بذرة جافة إلى مرحلة فعلية جديدة هي انبثاقها عن (سمخ). لقد تحركت البذرة إلى الأمام باكتسابها الفعلية الجديدة، وهي تملك إمكانيات أُخرى فإذا تحولت إلى نبتة خضراء فوق التربة تكون قد تحركت أيضاً باكتسابها فعلية جديدة، وهكذا تستمر في الحركة إلى أن تصل إلي غايتها وتستنفذ جميع امكاناتها، وحينئذٍ تتوقف عن النمو، لأنها لم يعد لديها ما تعطيه، لم تعد قادرة على إثراء وجودها بمستويات جديدة لأنها حققت جميع إمكاناتها.

ومثال آخر، الماء، إنه يكون بارداً تماماً. في درجة الصفر. فهو بارد بالفعل وفي الوقات نفسه يملك «إمكانية» الحرارة من أبسط مستوياتها إلى أعلى مستوياتها حيث يتحول الماء إلى غاز. فإذا عرضنا الماء للنار تبدأ حرارته، التي كانت قوة فقط، بالتحول والحركة نحو الفعلية، وهكذا تكون «إمكانية»

الحرارة قد تحولت إلى «فعلية» الحرارة بدرجة معينة ولنفرضها ٥٠ درجة مثلاً، ولا تزال فيه «إمكانية» أن يتجاوز هذه الدرجة إلى درجة أعلى منها، فاذا بلغ درجة الغليان تكون «إمكانية» الغليان قد تحولت إلى «فعلية» الغليان، ولا تزال مع ذلك «امكانية» أن تشتد حرارته فيحول إلى غاز..

وإذن فثمة حرارة واحدة مستمرة الوجود «تتحرك» وتنمو باستمرار وذلك بتحولها من مرحلة القوة والامكان إلى الفعلية والانجاز، وكلما

١٥٣

تحققت بالفعل إحدى الامكانيات أفسحت المجال لتحقق إمكانية أُخرى أعلى منها.

***

هذا هو المفهوم الفلسفي للحركة لدى الواقعية الإلهية. فماذا لدى الماركسية؟

إن الحركة في المفهوم الماركسي تقوم - كما عرفت - على أساس الايمان بمبدأ التناقض ووجود المتناقضات بأجمعها بالفعل، ويترتب على ذلك صراع بينها بحكم كونها متناقضات، ونتيجة الصراع هي الحركة، بخلاف مفهومنا الذي يرى في الحركة تعبيراً عن سير الشيء من مرحلة الامكان إلى مرحلة الفعلية.

لقد تورط ماركس وأشياعه في خطأ جسيم نتيجة جهلهم بحقيقة التناقض فاعتبروا أن وجود الفعلية والقوة في الشيء من باب اجتماع النقيضين، وأن تحول الشيء وتحركه من الامكانية إلى الفعلية نتيجة الصراع بين هذين النقيضين، (وقد عرفت أن هذا ليس من التناقض في شيء) فان الماء ليس بارداً بدرجة الصفر بالفعل، وحاراً بالفعل ( في اللحظة عينها) بدرجة ٥٠ مثلاً وإنما هو بارد بدرجة الصفر بالفعل، وحار بدرجة ٥٠ بالقوة، وهذه القوة تتحول إلى الفعل ليس في اللحظة عينها وإنما في لحظة أُخرى تتحول فيها الامكانية إلى فعلية جديدة تتجاوز الفعلية السابقة عليها إلى درجة أعلى من الوجود الحراري. وإلا فلو آمنا بمفهوم الماركسية عن الحركة وانها صراع بين المتناقضات الفعلية باجمعها، لأدى بنا ذلك إلى نتيجة أُخرى هي السكون والثبات المطلقين، وعدم الحركة. بيان ذلك:

١٥٤

انه إذا وجدت درجتان من الحركة بالفعل في زمن واحد فهل يتغير الشيء أو لا يتغير؟ إن أجابت الماركسية بأنه لا يتغير يلزم من ذلك الجمود والثبات، وهما ضد الحركة. وان أجابت أنه يتغير فلنا أن نسأل: من أين جاء التغير؟ وإلى أية حالة يحصل التغير ما دامت جميع المتناقضات موجودة بالفعل ولم يكن بينها تمانع وتعارض؟ إن النتيجة هي الثبات لانه في هذا الفرض لا توجد حالة منتظرة للشيء لان جميع حالاته ناجزة وفعلية الوجود وإن أجابت بالاعتراف بالتعارض بين المتناقضات فلا بد من الاعتراف بانها لا يمكن إذن أن تكون بأجمعها موجودة بالفعل، ولا بد حينئذ من الرجوع إلى المفهوم الواقعي الإلهي عن الحركة وهو قائم على مبدأ عدم التناقض، وانتقال الشيء من القوة إلى الفعلية.

وهكذا يسقط مفهوم الماركسية عن طبيعة الحركة، وينكشف مدى خطأه على هذا الضوء:

ندرك أن الحركة بعد أن كانت خروجاً تدريجياً للشيء من القوة «الامكانية» إلى الفعلية، وليست صراعاً بين المتتناقضات الموجودة كلها بالفعل - كما تزعم الماركسية - فلا بد لنا من الاذعان بأن الحركة لا توجد بذاتها نتيجة لعامل داخلي في الطبيعة ، بل لا بد لها من محرك خارجي، لا بد من سبب خارج عن الشيء ينقله من مرحلة الامكان إلى مرحلة الفعلية. ولا بد أن يكون هذا السبب الخارجي فوق الطبيعة، لأن كل ما هو من الطبيعة فهو متغير ومتحرك، ومن ثم فهو بحاجة إلى محرك، وهذا السبب الخارجي فوق الطبيعة هو اللّه تعالى.

١٥٥

ب - مجال الحركة:

خلافاً للواقعية الإلهية، تعمم الماركسية قانون التطور والحركة إلى عالم الأفكار ولا تقف بهذا القانون عند حدود الواقع الموضوعي للطبيعة. فالفكر - كالمادة - مجال لقوانين الحركة في الطبيعة.

وعلى خلاف ذلك موقف الواقعية الإلهية من هذه المسألة، فان مجال قانون الحركة فيها مقصور على المادة فقط ولا يتجاوزها إلى الفكر البشري.

وهذا الموقف الماركسي بالنسبة إلى مجال الحركة يلغي صفة الثبات عن أي شيء في عالم الطبيعة وعالم الفكر على السواء، وهو ما لا يمكن لأي عقل سليم التسليم به، فاننا إذا التزمنا بأن التغير والحركة سمة للفكر كما هو سمة للطبيعة لم يعد في مقدورنا الوثوق بأي نتيجة بل لا يعود ثمة علم لأن التغير يلغي كل الحقائق التي تكون قد توصلنا إليها. فلا بد من الالتزام بأن ثمة في عالم الطبيعة وعالم الفكر حقائق ثابتة ينطلق منها الفكر نحو المجهول فيكتشفه ومن هذه الحقائق قانون الحركة فهو قانون ثابت. ويقضي علينا رأي الماركسية في مجال الحركة أن نقول إنه متغير واذا كان كذلك فثمة اذاً واقع موضوعي لا يسري عليه قانون الحركة والماركسية على الحالين لا بد لها من الالتزام بوجود حقائق ثابتة لا يجري عليها قانون الحركة.

وقد قامت الماركسية بمحاولات للبرهان، على مذهبها في هذه المسألة وسنرى أنها فشلت في تقديم برهان صحيح.

١٥٦

المحاولة الاولى:

ان الفكر انعكاس للواقع الموضوعي، ولذا فلا بد أن يكون مطابقاً له وإلا لم يكن انعكاساً له، وحيث أن الحركة ظاهرة طبيعة في عالم المادة فلا بد أن تكون ظاهرة طبيعة في عالم الفكر.

ولكن هذا التصوير خاطئ، فان كون الفكر - الذي يجعل من الواقع الموضوعي موضوعاً له - انعكاساً لهذا الواقع لا يعني أن الفكر يشتمل على جميع الخصائص الخارجية للواقع الموضوعي.

فان الفكر يدرك الواقع الموضوعي المتحرك، مجرداً عن خصائصه الموضوعية في الخارج إذ يشتمل انتقالها إلى داخل الفكر. ان الفكر يدرك الشيء باعتباره مفهوماً عقلياً لا باعتباره كتلة خارجية، ولذا فان الفكر لا يستوعب في داخله حركة لشيء، إلا أن هذا لا يعني أنه يدرك الشيء في حالة معينة ثم يجمد عندها فلا يتعداها، بل يدرك أن هذا الموضوع غير ثابت على حالة واحدة بل هو متغير، ويتابعه في تغيره فيكوّن عن كل حالة من حالاته مفهوماً مطابقاً لها.

مثلا: ميكروب الجدري له خصائص معينة في واقعة الخارجي، فهو يتكون بطريقة معينة، ويشتمل على أجزاء معينة ويؤدي وظيفته في نشر المرض بطريقة معينة هذا في وجوده الخارجي: اما في وجوده الذهني فالأمر يختلف عن ذلك. إن العالم يمكنه أن يدرك جميع هذه الخواص في المختبر، ولكن هذه الخواص لا تنتقل إلى الذهن البشري، و (فكرة) الميكروب مهما كانت مفصلة ودقيقة، لا يمكن أبداً أن تكون مشتملة على خصائص (واقع) الميكروب في الخارج.

١٥٧

فالمكروب يخضع لقانون الحركة في الخارج: يتكون، وينمو، ويتفاعل مع جسم الانسان، ويصيبه بالمرض... هذه الخصائص الموجودة في الخارج أو التي تتولد عن حركة المكروب في سبيل النمو لا تنعكس في الفكر.

نحن بالفكر نتابع مراحل نمو المكروب، فنأخذ فكرة عن تكوينه وفكرة عن عناصره وفكرة عن تفاعله، وفكرة عن طبيعة المرض الذي يسببه، ومن مجموع هذه الأفكار نكون «مفهومنا» عن المكروب.

أن الفكر يسجل مراحل حركة المادة في الطبيعة، ولا تتولد هذه المراحل في داخله كما تتولد في الطبيعة. فلنتصور إنساناً يركض وإن كاميرا تلفزيونية تسجل حركته. انها تسجل حركته ولاتتحرك معه، حينما يعرض علينا الشريط المصور ندرك أن الشريط يسجل حركة الركض في مراحلها ولا يركض مع الراكض في الشريط. كذلك الفكر يسجل حركة المادة في الطبيعة، ولا تجري حركة المادة في الفكر، وما ذلك الا لأن الحركة تتوقف على وجود خصائص موضوعية للمادة لاتتوفر الا في الخارج، وهذه الخصائص لا توجد في داخل الفكر لتتم الحركة في داخل الفكر.

الخلاصة: الفكر يتابع الطبيعة في حركتها ولاتتحرك الطبيعة في داخله، ومعنى أن الفكر يتابع الطبيعة في حركتها هو أن الفكر عند الإلهي - لا يتوقف عند مرحلة من مراحل الموجود الخارجي لايتعداها، بل يتابع نمو هذا الموجود الخارجي وحركته وتطوره والتغيرات التي تطرأ عليه.

والمسألة من الوضوح والبداهة بحيث لا تحتاج إلى مزيد من البيان.

١٥٨

المحاولة الثانية:

إن الفكر جزء من الطبيعة والواقع المادي الموضوعي فهو كما يقولون انتاج عال للمادة، وإذا كان جزءً من الطبيعة فلا بد أن تجري عليه قوانينها ومنها قانون الحركة.

ونجيب أولاً: ان الفكر ليس مادياً، وإنما هو نشاط للجانب الروحي من الانسان. وذلك لأن كون الشيء مادياً يعني أحد أمرين: إما أنه بالذات مادة، أو أنه ظاهرة قائمة بالمادة. والادراك (الفكر) ليس بذاته مادة ولا هو ظاهرة قائمة بعضو مادي كالدماغ، لأنه يختلف في القوانين التي تسيطر عليه عن المادة نفسها كما يختلف عن الصورة المادية المنعكسة على العضو المادي أو القائمة فيه.

وهذا الفهم للادراك يقوم على أمرين يميزان الفكر عن المادة وعن الظواهر القائمة فيها.

الأول: ان ادراكنا للواقع الموضوعي مختلف في خصائصه الهندسية عن الواقع الموضوعي نفسه، فنحن ندرك الواقع الموضوعي بكل اتساعه وشموله وتنوعه وأبعاده، دون أن يتسع المخّ لكل هذه الأبعاد والأشكال والتنوعات. وبديهي انه من المستحيل مادياً عكس صورة حديقة مساحتها كيلو متر مربع على لوحة مساحتها متر مربع مع احتفاظ الحديقة بكل مساحتها الخارجية واقتصار اللوحة على مساحتها الخارجية، مع اننا بالفعل ندرك الحديقة بكل مساحتها وتنوع موجوداتها ويستحيل مادياً ان يكون ذلك انعكاساً على جزء ضئيل من المخ. واذن فالفكر ليس مادة وليس ظاهرة قائمة بالمادة. ومهما كان التفسير العلمي لادراك الخصائص الهندسية

١٥٩

في الصورة العقلية فإنه لا يجيب على السؤال الفلسفي عن مكان وجود هذه الصورة الكاملة للواقع الموضوعي للحديقة. ويستحيل الجواب على هذا السؤال بأنها صورة مادية كما يستحيل الجواب بأنها قائمة بالمادة، بالمخ، ويتعين الجواب عليه باأنها صورة لامادية ولا قائمة بالمادة، انها صورة مجردة عن المادة قائمة بالجانب الروحي، الانساني من الانسان.

الثاني: إن الفكر يتسم بظاهرة الثبات، بينما الصور الحسية متغيرة. فالصورة التي ندركها للحديقة ونحن على مقربة منها تبقى على حالها في ادراكنا محتفظة بجميع خصائصها في حال نظرنا إلى الحديقة من بعيد حيث تبدو للبصر اصغر مما هي في الواقع، فبالرغم من أن المَرئِيَّ البصريّ قد تغير إلا أن الادراك الفكري بقي ثابتاً على حاله. وإذن فالفكر ليس مادة، وليس ظاهرة قائمة بالمادة والا لما تمتع بخاصة الثبات مع طروء التغير على المادة وعلى انعكاساتها. ومهما كان التفسير العلمي لظاهرة الثبات فانه لا يجيب على السؤال الفلسفي، إذا أن الصورة لا يمكن ان تكون هي الصورة المنعكسة عن الواقع الموضوعي على مادة الجهاز العصبي وإلا لطرأت عليها نفس التغيرات. إن هذا يكشف عن أن الادراك ليس مادة ولا ظاهرة قائمة بالمادة وإنما هو نشاط للجانب الروحي الانساني من الانسان..

ونجيب ثانياً - أن الفكر البشري واحد، فيجب أن يخضع لنفس القوانين ولذا فليس ثمة فرق بين أفكار المومنين بالديالكتيك وغيرهم من هذه الجهة، ولذا فيجب أن يؤمن الماركسيون بأن أفكار البشر جميعاً متطورة - لأنها جميعاً نتاج للطبيعة - فلماذا يتهمون افكار غيرهم بالجمود والتحجر ويسبغون فضيلة التطور على أفكارهم وحدها. وينبغي أن يتطور

١٦٠

الفكر البشري لدى جميع الناس في جميع الأزمان والأمكنة بدرجة متساوية أو متقاربة، فلماذا تفاوتت افكار الناس على مدى التاريخ؟.

المحاولة الثالثة:

اعتبار التكامل العلمي في شتى الميادين دليلاً على الحركة الديالكتيكية في الفكر.

والحق أن التكامل العلمي وتقدم العلوم أمر لا يمكن إنكاره، ولكنه لا يصح دليلاً على الدعوى الماركسية. فتقدم العلوم وتكاملها جاء نتيجة لزيادة في كمية الحقائق المكتشفة ينتج عنها تقلص في كمية الأخطاء المتراكمة، نتيجة لعمل العلماء الدائب جيلاً بعد جيل، وليس نتيجة لنمو في داخل كل حقيقة علمية. إن الحقيقة تبدأ بافتراض. وإذا بقي هذا الافتراض ملايين السنين فانه لا يتحول إلى حقيقة، وإنما يبقى افتراضاً. الذي يحدث أن العلماء يجرون تجاربهم على أساس هذا الافتراض الذي يطرح جانباً حين لا تؤيده التجارب، فاذا ما ايدنه ينتقل إلى درجة من الترجيح تحتاج إلى مزيد من التجارب إلى أن يأخذ صفة الحقيقة العلمية. إن الذي جعل الافتراض حقيقة ليس نمو الافتراض وانما ما أضافته التجارب من خبرات مكتشفة. وإذا غدا الافتراض حقيقة في ميدان العلوم فقد يواجه أثناء تطبيقه ما يجعله أكثر وثوقاً، أو يدخل عليه تعديلات معينة، أو يلغيه من دائرة العلوم نهائياً، إن كل هذا يعني أن زيادة في كمية الحقائق وتقلصاً في كمية الاخطاء هو ما حصل، وتاريخ العلوم هو تاريخ المحاولات التي تزيد في كمية الحقائق وتقلص من كمية الأخطاء.

١٦١

٢ - تناقضات التطور

بعد أن آمنت الماركسية - كالواقعية الإلهية - بمبدأ الحركة في الطبيعة وتطور الطبيعة من خلال حركتها العامة - بعد أن آمنت بهذا واجهت السؤال الكبير: من أين جاءت الحركة في الطبيعة؟

أجابت على ذلك الواقعية الإلهية بأن هذه الحركة معلولة لسبب فوق المادة والطبيعة وهو اللّه تعالى.

أما المادية الديالكتيكية فقد رفضت الايمان بحقيقة المبدأ الأول ومن هنا كان عليها أن تجد جواباً على هذا السؤال الكبير. وقد توهمت أنها وجدته في تبني مبدأ التناقض، برفضها لمبدأ عدم التناقض والهوية. فالمادة تحتوي في داخلها على الاضداد والنقائض، وهي لا بد تتصارع لأنها نقائض وأضداد، وهذا الصراع يولد الحركة التي تؤدي إلى التغير والتطور، فالتطور نتيجة لصراع المتناقضات في داخل المادة، فهو ناشئ من سبب مادي ذاتي وليس من مبدأ خارجي فوق المادة والطبيعة كما هو مذهب الواقعية الإلهية.

١٦٢

وقد أدى إنكار مبدأ عدم التناقض وتبني مبدأ التناقض إلى إنكار مبدأ آخر وهو مبدأ الهوية أي أن الشيء عبارة عن عين ذاته وليس عبارة عن شيء آخر، فذهبت الماركسية - نتيجة لتبني مبدأ التناقض - إلى أنه يجب أن يكون الشيء غير نفسه، لأنه ما دام الشيء محتوياً لنقيضه ونفيه وما دام هذا النقيض نافياً لاثباته ومنتفياً في ذات الوقت في حركة نفي مستمرة وانتفاءٍ مستمر فلا بد أن تنقلب القضية (أ - هي - أ) إلى (ليست أ - هي - أ) دائماً.

والحق أن التناقض كما بيناه في حديثنا عن حركة التطور مستحيل إطلاقاً بحيث لا نتصور أن عقلاً بشرياً سوياً يؤمن بما تدعي الماركسية الايمان به من كون التناقض - لا ممكناً فقط - وإنما ضروري الوجود. فمن المستحيل قبول فكرة أن شيئاً بعينه موجود بالفعل وانه بعينه معدوم بالفعل في زمان واحد ومكان واحد وشروط متحدة وظروف متحدة في حالي الوجود والعدم.

وإنكار الماركسية لمبدأ عدم التناقض ناشئ من أن ماركس وأشياعه لم يفهموا هذا المبدأ، أو فهموه ولكنهم أنكروه توصلاً إلى غايات سياسية في نضالهم للاستيلاء على السلطة. كما بينا ذلك فيما تقدم ولذا فإن الماركسية لم تقدم برهاناً على مبدأ التناقض، وانما قدمت امثلة من الطبيعة والمجتمع زعمت أنها مظاهر للتناقض في صميم المادة ولدى مراجعة ما قدمه كتاب الماركسية منذ ماركس وانجلز من أمثلة وتحليله يتبين أنه ليس من التناقض المدعى في شيء.

***

١٦٣

وختاماً نلاحظ أن الماركسية نفسها تقدم دليلاً على أن التناقض مستحيل وأنها في موقفها هذا تدعم موقف الواقعية الإلهية في تمسكها بمبدأ عدم التناقض. وهذا الدليل ناشيء من تمسك الماركسية بمبدأ التناقض الذي أدى بها إلى رفض مبدأ عدم التناقض فالماركسية من ايمانها بمبدأ التناقض ورفضها لمبدأ عدم التناقض تنساق لا شعورياً إلى مبدأ عدم التناقض، وإلا فعليها أن تؤمن بأن الكون يحتوي المبدأين معاً. التناقض وعدمه.

«وما دعاء الكافرين إلا في ضلال»

٣ - قفزات التطور

هذا القانون يتكون من النقاط التالية:

١ - إن حركة التطور هي انتقال من التراكم الكمي إلى التغير النوعي.

٢ - إن هذا الانتقال ليس تدريجياً وانما هو دفعي يحدث فجأة وبقفزات.

٣ - إن التغيرات النوعية الفجائية ليستت دائرية، وإنما هي «حركة تقدمية صاعدة، وانتقال من الحالة الكيفية القديمة إلى حالة كيفية جديدة».

ترى الماركسية أن هذا القانون حتمي في الطبيعة والمجتمع.

والماركسية - كما هو شأنها في قانون تناقضات التطور - لا تقدم دليلاً فلسفياً على دعواها، وإنما تقدم جملة من الأمثلة تدعي أنها نماذج لما يحدث في الطبيعة والمجتمع على نطاق مستوعب شامل.

وترى الواقعية الإلهية أن هذا القانون باطل، وأن الماركسية وضعته لخدمة أهدافها السياسية، كما شرحنا ذلك فيما مضى - وأن المبادئ التي يتألف منها هذا القانون غير صحيحة، ويتضح ذلك فيما يأتي:

أولاً - في طريقة البرهان:

تعمد الماركسية هنا - كما هو الشأن في قانون تناقضات التطور - إلى

١٦٤

البرهان على موقفها بسرد جملة من الأمثلة كما ذكرنا. ولو سلمنا بصحة هذه الأمثلة في دلالتها فانها لا تدل على أن مضمونها قانون عام في الطبيعة والمجتمع، وانما غاية ما تدل عليه هو صحة مضمونها فقط - فمثال الماء حين يتحول - بالحرارة - دفعة الى غاز حين تبلغ درجة الحرارة (١٠٠) هذا المثال - لو سلمناه، وهو غير مسلم - إنما يدل على صدق قانون قفزات التطور بالنسبة الى الماء فقط، ولا يمكن الانتقال منه إلى جميع الموجودات الطبيعية. وهكذا الحال بالنسبة الى جميع الأمثلة الأُخرى.

وعلى هذا الضوء، فقانون قفزات التطور مجرد دعوى فلسفية وليس حقيقة فلسفية، لأنه لم يقم عليه برهان صحيح.

ثانياً - في مبادئ القانون:

أ - تحول التغير الكمي الى تغير كيفي

والمثال المتداول هو الماء والحرارة فإن الماء اذا ارتفعت حرارته (كميات الحرارة) إلى ان تتراكم وتبلغ درجة (١٠٠) ينقلب من حالة السيلان إلى حالة الغاز، فتكون التغيرات (الكمية - الحرارة في المثال) قد ادت الى تغيرات نوعية (الحالة الغازية في المثال).

ولكن تصوير المثال غير صحيح فانه مبني على اعتبار الحرارة شيئاً كمياً في الماء وهي في الحقيقة ليست كذلك، بل هي كيفية، فالتغير الكيفي - الحرارة - أدى إلى تغير كيفي هو الحالة البخارية أو الغازية.

ونلاحظ ان هذا المثال بالاسلوب الذي يفرضه الماركسيون يحتوي على

١٦٥

التضليل فإذا افترضنا أن الحرارة - في الأُسلوب العلمي - ظاهرة كمية تقاس بالدرجات. والبخار أو الغاز ظاهرة كمية تقاس بموازين الضغط أو بعلاقات الذرات فهنا إذن كميتان - فزيادة كمية الحرارة أدت إلى تغير كمي في الماء - أما أذا قلنا إن الحالة البخارية أو الغازية حالة كيفية لأن «كيفية» الماء في حسنا تتغير، فان الحرارة أيضاً حالة كيفية لأن حالة إحساسنا بها تختلف عن كيفية إحساسنا بالبرودة.

فهنا إذن كيفيتان، أدى تغير كيفية الحرارة إلى تغير كيفية الماء - والماركسية تجافي الدقة العلمية لأجل أن تجعل من المثال مطابقاً لدعواها فتنظر إلى الحرارة بأُسلوب القياس العلمي، وتنظر إلى الحالة البخارية أو الغازية على أساس حسي.

ب - الانتقال بالقفزة والدفعة:

إن الواقعية الإلهية لا تجادل في وجود التطور الدفعي في الطبيعة ولكنها لا تعتبر ذلك قانوناً كونياً شاملاً لأنه كما تشتمل الطبيعة على مظاهر للتطور الدفعي كذلك على مظاهر للتطور التدريجي.

فكما نلاحظ أن الماء يتطور من الحالة السائلة إلى الحالة البخارية أو الغازية دفعة، نلاحظ أيضاً أن تطور الجرثومة الحية في البيضة إلى فرخ والفرخ إلى دجاجة إنما هو تطور تدريجي وليس تطوراً دفعياً. وكذلك الحال في تطور البذرة إلى شجرة فانه تطور تدريجي وليس تطوراً دفعيا.

١٦٦

ج - إن التطور ليس دائرياً، وإنما هو تقدمي صاعد أبداً.

لا تنكر الواقعية الإلهية أن التطور في الطبيعة تكاملي وتقدمي، ولكنها تنكر أنه دائماً كذلك وأنه لا يكون دائرياً في حالة من الحالات بل تلاحظ الواقعية الإلهية أن التطور في كثير من الحالات يكون دائرياً.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك مثال الماء الذي يتحول إلى بخار ليعود إلى ماء، فالحركة التطورية هنا دائرية وليست تقدمية.

هذه الملاحظات على طريقة البرهان وعلى مبادئ القانون تكشف عن زيف قانون قفزات التطور.

وتبقى ملاحظات اضافية على مثال الماء.

١ - ان الحركة في الماء ليست ديالكتيكية، لأنها - كما نعلم - ليست ناشئة عن تفاعل ذاتي في داخل الماء، بل هي بواسطة الحرارة الخارجية، وإذا كانت ظاهرة التبخر في الماء نموذجاً لما يحدث في الطبيعة والمجتمع فلا بد لنا من القول بأن كل الحركات التطورية الدفعية والتدريجية تحدث بواسطة عوامل خارجية، وحينئذٍ لايكون التطور حتمياً لأنه ناشئ من حركة ذاتية في داخل المادة إذ نلاحظ انه لا توجد حركة ذاتية في داخل المادة، وإنما هي حركة تنشأ من عامل حارجي فتتوقف الحركة التطورية على وجود العوامل الخارجية المواتية في الطبيعة والمجتمع على حد سواء.

٢ - ان القفزة التطورية في الماء لا تستوعبه دفعة واحدة، وإنما يتبخر الماء على دفعات لتستوعب الكمية كلها أو لا تستوعبها كلها - حسب

١٦٧

توفر العوامل الخارجية للتبخر - وإذن، فلا وجه للقول بأن هذا القانون في الحياة الاجتماعية يقضي بقلب النظام الاجتماعي دفعة واحدة ولماذا لا يقال إن القانون يقضي بالتطور المرحلي الاصلاحي في المجتمع كما هو الحال في الطبيعة، فيناول التطور قفزات جزئية تتناول المؤسسات التي توفرت لها الظروف الاجتماعية القاضية بحدوث انقلاب فيها؟

٤ - الارتباط العام

قال ستالين:

«إن الديالكتيك - خلافاً للميتافيزية - لا يعتبر الطبيعة تراكماً عرضياً للأشياء، أو حوادث بعضها منفصل عن بعض، أو أحدها منعزل مستقل عن الآخر. بل يعتبر الطبيعة كلا واحداً متماسكاً، ترتبط فيه الأشياء والحوادث فيما بينها ارتباطاً عضوياً، ويتعلق أحدها بالآخر، ويكون بعضها شرطاً لبعض بصورة متقابلة». هذه هي دعوى الماركسية. وهي تريد أن تنسب الى نفسها فضيلة اكتشاف هذا القانون دون سواها من الفلسفات الميتافيزية.

ولكن الحقيقة على خلاف ذلك تماماً، وقد تورط أئمة الماركسية- ماركس وانجلز وسواهما - في هذه الدعوى إما لجهلهم بموقف الميتافيزية - والواقعية الإلهية بوجه خاص - وإما بدافع من النية السيئة.

فان الواقعية الإلهية تؤمن بقانون الارتباط قبل أن يكون للديالكتيك في دنيا الفلسفة وجود، بل ان قانون الارتباط العام في الواقعية الإلهية

١٦٨

ركن أساس لا يمكن تكوين نظرة متكاملة عن الكون والحياة إلا من خلاله.

ولكن الواقعية الإلهية لا تبني موقفها من قانون الارتباط العام على أساس الديالكتيك الذي تؤمن به الماركسية - والذي عرفت زيفه وبطلانه في بحث سابق. وانما تبني موقفها من هذا القانون على أساس مبدأ العلية الذي لايمكن فهم الوجود إلا من خلاله، وقد تقدم بحثه في فصلٍ سابق من هذه المقالات.

فالواقعية الإلهية ترفض مبدأ وجود الكون بالصدفة كما ترفض مبدأ وجود الكون نتيجة لضرورة ذاتية محتواة في داخل عناصره، وإذا بطل هذان الاحتمالان تعين أن يكون العالم موجوداً نتيجة لنظام العلية المتسلسل إلى نهايته وهي العلة العليا والنهائية وهي اللّه سبحانه وتعالى.

فكل جزء من أجزاء الكون في الطبيعة والانسان يدخل في سلسلة من النتائج لغيره كما يدخل في سلسلة من الأسباب لغيره، وإذن، فمن وجهة نظر الواقعية الإلهية، لا يمكن فهم شيء ما لم يربط بعلله وأسبابه وشروطه، وبالاجمال جميع الظروف المؤثرة في وجوده وصيروته.

وعلينا ان نعلق - قبل إنهاء هذا البحث - على كلمة ماركس الآنفة التي يقول فيها عن الأشياء والحوادث: (.. ويتعلق أحدها بالآخر، ويكون بعضها شرطاً لبعض بصورة متقابلة).

إن الواقعية الإلهية ترفض فهم الارتباط العام على هذا الأساس، فان قانون الارتباط على ضوء هذه العبارة - يكون دائرياً، أي أن العنصرين المترابطين أحدهما سبب في وجود الآخر ومسبب عنه في الوقت نفسه،

١٦٩

وهذا مستحيل لأنه يفترض وجود الشيء وعدمه، في آن واحد وهو باطل لانه مستحيل. بل إن نظام العلية يعمل أما بصورة أُفقية أو بصورة عمودية، ومجموع العلل والأسباب في الكون يتجه اتجاها عمودياً ينتهي في الآخر إلى العلة الاولى والعليا وهي اللّه تعالى فما يكون سبباً لوجود شيء أو حالة لا يكون مسبباً عن ذلك الشيء أو تلك الحالة وإلا لكان الدور الباطل المستحيل(١) .

***

____________________

(١) اعتمدنا في معظم الافكار الواردة في هذا الفصل على كتاب فلسفنا للسيد الصدر، ويحسن بمن يريد التوسع في الأبحاث المتعلقة بالركائز الاسس في الماركسية ان يرجع إلى الكتاب المذكور.

١٧٠

رَبنا لا تؤاخِذنا إن نَسيِنا أو أخطأنا،

رَبَّنا ولا تحمِل علينا إصراً كما حَمَلته على

الذيِن من قبلنا، رَبَّنا ولا تُحمِّلنا ما لا

طاقة لنا به. واعفُ عنّا، واغفر لنا،

وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم

الكافرين.

والحمد للّه رب العالمين

١٧١

الفهرس

مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني تأليف محمد مهدي شمس الدين ١

تقديم ٣

القِسمُ الأوّل ١ - المادية في الرأسمالية والماركسية ومأساة إنسان عصرنا ٢ - الماركسية والعلم والسياسة المادية في الرأسمالية والماركسية ومأساة إنسان عصرنا ٧

٢ ـ الماركسية والعلم والسياسة ٣٠

١ ـ المدلول السياسي لقانون حركة التطور ٣٢

٢ ـ المدلول السياسي لقانون تناقضات التطور ٣٣

٣ ـ المدلول السياسي لقانون قفزات التطور ٣٥

٤ ـ المدلول السياسي لقانون الارتباط العام ٣٧

خلاصة ٣٩

القِسمُ الثَاني مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني (تصفية حساب صغير) ٤٠

مدخل ٤١

أ - أهلية المؤلف ٤٣

ب - وظيفة الدين، ما هي؟ ٤٤

ج - مَنْهَجة البحث ٤٨

مسألة العلة الأولى اللّه ام المادة؟ أ - تمهيد ب - العلة الاولى ج - اللّه أم المادة؟ ٥٠

أ - مسألة العلة الاولى - ١ - ٥٥

- ٢ - ٥٦

- ٣ - ٥٧

- ٤ - ٥٩

١٧٢

ب - اللّه أم المادة - ١ - ٦٠

- ٢ - - ٣ - ٦١

- ٤ - ٦٢

النتيجة - ٥ - ٦٣

- ٦ - ٦٤

الاسلام والعلم - ١ - ٦٧

- ٢ - ٦٨

- ٣ - ٧١

خلق الانسان ٧٧

- ١ - ٧٨

- ٢ - ٧٩

- ٣ - ٨١

الجن والملائكة وابحاث أخرى (الجن والملائكة) ٨٧

النظرة الغائية ٨٨

تدخل القدرة الإلهية في عمل الطبيعة ٨٩

تزوير وتناقض ٩٠

التوفيق التبريري التوفيق التعسفي ٩١

التوفيق على الطريقة اللبنانية ٩٢

تناقض ٩٣

قصة ابليس ٩٥

بين قصة ابراهيم وقصة ابليس ١١٦

المكر الالهي - ١ - ١١٩

- ٢ - ١٢٢

- ٣ - ١٢٥

١٧٣

- ٤ - ١٢٨

- ٥ - ١٣٣

نظرة نقدية الى ركائز الماركسية (الركائز الاساسية للفلسفة الماركسية) تحديد المفاهيم اولاً ١٤٤

١ - حركة التطور ١٤٩

٢ - تناقضات التطور ١٦٢

٣ - قفزات التطور ١٦٤

٤ - الارتباط العام ١٦٨

الفهرس ١٧٢

١٧٤