مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني

مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني33%

مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني مؤلف:
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 174

مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني
  • البداية
  • السابق
  • 174 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 62458 / تحميل: 7610
الحجم الحجم الحجم
مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني

مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

- ٢ -

وقد أثبت العلم التجريبي أن خصائص هذه العناصر غير نهائية وغير ثابتة، بل يمكن تبدل بعضها ببعض، وهذا التبدل بعضه يتم بصورة تلقائية، وبعضه يمكن إحداثه بالوسائل العلمية. فعنصر اليورانيوم - مثلاً - يطلق انواعاً ثلاثة من الأشعة، منها أشعة (الفا) وهي عبارة عن ذرات عنصر الهليوم، ويتحول اليورانيوم تدريجياً إلي راديوم، ويتحول الراديوم - بعد عدة تحولات عنصرية - إلي عنصر الرصاص.

وقد تمكن العالم الطبيعي (رذرفورد) من تحويل عنصر إلى عنصر آخر بجعل ذرات الهليوم تصطدم بذرات الآزوت، فنتجت ذرة هيدروجين من ذرة الازوت، وتحولت ذرة الازوت إلى اوكسجين.

وهكذا غدا من الثابت أن خصائص العناصر ليست ذاتية للعناصر.

- ٣ -

وقد استطاع العلم التجريبي - على ضوء نسبية آينشتين - أن ينزع عن الكتلة صفتها المادية، ويحولها إلى طاقة، فلم يعد في الكون عنصران متميزان: أحدهما المادة المحَّسة، والآخر الطاقة غير المحسَّة، بل غدت المادة عبارة عن طاقة مركزة، فإن كتلة الجسم نسبية، وليست ثابتة، فهي تزيد بزيادة السرعة، كما اكدت التجارب التي أجراها علماء الفيزياء الذرية. ولما كانت كتلة الجسم تزداد بازدياد حركته - وليست الحركة

٦١

إلا مظهراً من مظاهر الطاقة - فالكتلة المتزايدة في الجسم هي إذن طاقته المتزايدة، وذلك وفقاً للمعادلة التالية:

الطاقة = كتلة المادة × مربع سرعة الضوء: «١٨٦٠٠٠» ميلٍ في الثانية. كما أنه : الكتلة المادة = الطاقة مربع سرعة الضوء.

وإذن، فنفس صفة «المادية» صفة عرضية، وليست ذاتية للمادة المتطورة.

- ٤ -

على ضوء الحقائق السابقة.

١ - إن المادة الأصلية للكون المادي ترجع إلى حقيقة واحدة مشتركة.

٢ - إن خواص المركبات التي تتكون من العناصر - هذه الخواص ليست ذاتية بالنسبة إلى المادة الأصلية، وإنما هي عارضة عليها بسبب التركيب، وليس عن الطبيعة الاساسية المكوِّنة للمركب.

٣ - إن خواص العناصر البسيطة التي يتكون منها العالم المادي أيضاً ليست ذاتية لتلك العناصر وليست نهائية بدليل تحول بعض العناصر إلى بعض آخر كما رأينا.

٤ - وأخيراً إن صفة «المادية» ليست ذاتية للمادة المحسوسة، لأنها تتحول - في نهاية المطاف - إلى طاقة.

٦٢

وإذن، فليست لدينا «حقيقة نهائية» هي المادة. وليست لدينا حقيقة نهائية. هي الطاقة.

النتيجة

- ٥ -

ان المادة لا يمكن ان تكون هي العلة النهائية للكون، لان الكون يحتوي على حشد هائل من المظاهر المتنوعة، والانواع المتباينة، وهي ترجع باجمعها إلى حقيقة واحدة كما رأينا. ولا يمكن للحقيقة الواحدة أن تختلف آثارها وتتباين افعالها، إذ لو أمكن ذلك لأمكن أن تكون الحقيقة الواحدة متناقضة الظواهر، ولكن هذا مستحيل لانه يؤدي الى القضاء على نتائج العلوم الطبيعية جميعاً، لأن هذه العلوم قائمة - كما رأينا سابقاً - على أساس قانون التناسب الذي يقضي بأن الحقيقة الواحدة لها آثار واحدة وثابتة لا تتغير، فقد بينا أن التجربة في العلم الطبيعي لا تتناول إلا نماذج ضئيلة من المادة المدروسة، وتعمم نتائج التجربة الى جميع المادة المدروسة بمقتضى قانون التناسب، فلو فرضنا إمكان تناقض ظواهر الحقيقة الواحدة لما أمكن وضع أي قانون علمي عام، وبذلك تنهار العلوم كلية.

واذن، فهذا الفرض - ان التنوع من خصائص المادة الذاتية - فرض مستحيل.

واذن، من المستحيل أيضاً أن تكون المادة هي العلة النهائية للكون،

٦٣

لأن هذا الفرض يؤدي بنا الى الاستحالة العقلية كما رأينا، ويصدم حقائق التجربة الواقعية.

واذن، فاذا كانت المادة غير صالحة لأن تكون علة نهائية، فلا بد أن تكون هذه العلة النهائية فوق المادة وفوق الطبيعة.

- ٦ -

هل بقي علينا شيء؟

نعم بقي علينا أن نناقش - بصورة مباشرة - موقف الماركسية من هذه المسألة لنفضح قصورها وعجزها وسطحيتها.

تقول الماركسية في تصوير نشوء الكون عن المادة: ان الاشياء تنتج عن حركة في المادة، وان حركة المادة ناشئة ذاتياً عن المادة نفسها لاحتوائها على النقائض في داخلها، وقيام الصراع بين تلك النقائض.

ونغض النظر الآن عن بطلان المبدأ الماركسي (مبدأ التناقض) ونناقش هذه المسألة وفقاً لهذا المبدأ لنرى إن كانت الماركسية قادرة على تفسير نشوء الكون من المادة وفقاً لمبادئها؟

لقد أوضح العلم كما أشرنا - إلى أن العناصر التي يتألف منها الكون ابتداء من الهيدروجين وحتى نهاية السلسلة تعود إلى مادة واحدة بسيطة مشتركة بين الجميع (ولنغض النظر عن ان هذه المادة الاساسية عبارة عن

٦٤

طاقة) فنسأل: كيف وجدت العناصر الاساسية للكون؟

سنقول - مع الماركسية - إن التناقضات الداخلية في المادة الأساسية ( ولا نعرف من أين جاءت هذه التناقضات في المادة الاساسية البسيطة المتجانسة) - إن التناقضات الداخلية ولدت أبسط العناصر (الهيدروجين) وبالتناقضات الداخلية في الهيدروجين تولد عنصر ارقى منه واكثر تعقيداً، وهو عنصر الهليوم، وتستمر التناقضات تفعل فعلها في الهليوم وما يتولد منه حتى يصل التطور إلى ذروته في العنصر الثاني بعد المئة النوبليوم.

هذا هو التفسير يقدمه الديالكتيك ليفسر به ديناميكية المادة.

ولكن بطلان هذا التفسير يتضح حين نلاحظ أن الهيدروجين لو كان مشتملاً بصورة ذاتية على نقيضه، ومتطوراً بسبب ذلك فلماذا لم تتكامل جميع ذرات الهيدورجين وتتحول إلى هليوم، ولماذا تحول بعضها إلى عنصر الهليوم وبقي الاخر محتفظاً بخواصه العنصرية بالرغم من تناقضاته الداخلية التي حولت أجزاء منه إلى هليوم.

إن هذا المثال يمكن تطبيقه على جميع العناصر الاثنين والمئة، وهو يكشف عن بطلان التفسير الماركسي لديناميكية المادة.

وكما اتضح بطلان التفسير المادي على مستوى العناصر يتضح بطلانه بصورة جلية على مستوى المركبات، ولنأخذ الماء مثلاً على ذلك: الماء مركب من أُوكسجين وهيدروجين ولنفرض وفقاً للتفسير الماركسي أحد هذين العنصرين إثباتاً والاخر نفياً نتج عنهما مركب الماء.

ونتساءل: إذا كان هذا التفاعل يتم بصورة ذاتية بين عنصري

٦٥

الاكسجين والهيدورجين، فلماذا اختص بقسم معين منها، وبقيت الأقسام الاخرى متحررة من أسر هذا القانون، فيوجد اكسجين حر، ويوجد هيدروجين حر، ويوجد ماء.

إن هذا المثال - ويمكن تطبيقه على كل مركب في الكون - يكشف بوضوح عن بطلان التفسير الماركسي لديناميكية المادة.

* * *

الحقيقة هي أن المادة ليست ديناميكية، وليست هي نفسها سبباً ذاتياً لاكتساب خصائصها وتنوعها، فقد عرفنا النتتائج العلمية أن جميع خصائص المادة عرضية.

١ - خصائص المركبات صفات عرضية لها جاءت بسبب تركب العناصر. فخاصة السيلان في الماء عرضية جاءت من اتحاد عناصره، وإذا فرزناها ترجع إلى حالتها الغازية وتنعدم خاصة السيلان.

٢ - خصائص العناصر نفسها صفات عرضية لها، فاليورانيوم مثلاً خصائصه من اختزانه لانواع أشعته، فاذا فقدها يتحول إلى الراديوم الذي يتحول بدوره - بعد عدة تحولات إلى رصاص.

٣ - خصوصية «المادية» في المادة البسيطة نفسها صفة عرضية لها، فقد عرفنا أنها تتحول إلى طاقة، وتتكون من الطاقة.

وإذن: فليست المادة ديناميكية بذاتها تولد تفاعلاتها وتنوعاتها وظواهرها بنفسها، لأن كل ذلك (حتى ماديتها) شيء عرضي لها.

وهكذا يظهر بجلاء ووضوح عجز الماركسية عن تفسير نشوء الكون

٦٦

من المادة، وتسقط بصورة مزرية فكرة أن المادة هي العلة الاولى.

وهكذا ننتهي بصورة حتمية إلى الايمان باللّه علة نهائية للكون.

ويجب أن نوضح هنا ان ايماننا باللّه لا يعني أن الاسباب الطبيعية لا معنى لها ولا أهمية لها، وانما يعني أن التنوع والتطور الظاهر والخفي في الكون يعود إلى اسباب طبيعية خارج المحتوى الذاتي للمادة، وهذه الاسباب تتصاعد متولدة من بعضها حتى تصل في النهاية إلى علة وراء الطبيعة هي اللّه تعالى.

الاسلام والعلم

يرى المؤلف في ص ٢١

«أن الدين - كما يدخل في صميم حياتنا، وكما يؤثر في تكويننا الفكري والنفسي - يتعارض مع العلم، ومع المعركة العلمية قلباً وقالباً، روحاً ونصاً».

نناقش فيما يلي الأدلة التي ساقها المؤلف على رأيه هذا لنكشف عن خطأه، وعن جهله بموضوع نقده (الدين الاسلامي).

- ١ -

يذكّر المؤلف قارئه بالصراع الذي حدث بين العلم والدين في أُوربا، ونحن نقول له: إن الصراع حدث بين علماء عصر النهضة وكنيسة القرون الوسطى لأسباب لا مجال لذكرها الان، وليس بين العلم والاسلام. وحدث في أُوربا وليس في العالم الاسلامي، والاسلام ليس ملزماً بتبرير

٦٧

مواقف لم يتخذها هو في مناطق جغرافية لم يصل إليها، وفي مجتمعات لم يطبعها بطابعه.

وما يدعيه المؤلف من أن في العالم العربي معركة تدور في الخفاء بين الدين والعلم شيء لا نعرفه ولا نحسه، ولا يعرفه احد ولا يحسه - نعم تدور في العالم العربي معركة - ظاهرة وليست خفية - بين الاسلام وبين الالحاد متمثلاً في الماركسية ومشتقاتها. والماركسية ليست علماً: ليست علماً بعد أن افتضح عجزها عن تفسير تطور الكون والحياة والمجتمع، وبعد أن اضطر قادتها إلى تغييرها وتبديلها حتى لم يبق منها في بعض المناطق إلا اسمها، ليست علماً وانما هي مجموعة من الأخطاء في الفكر اطلق عليها إسم العقيدة. وإن صداقتنا مع المعسكر الشرقي لا تعني تبعيتنا له في عقائده وطرائقه التي اتضح لمفكرينا وعلمائنا بطلانها. إننا أصدقاء، نعم، ولكن عقيدتنا وجذورنا التاريخية ستبقى هي التي تكوّن شخصيتنا الحضارية المستقلة. وتدور في العالم الاسلامي معركة بين الاسلام وبين تيار الانحلال والاباحية الجنسية، والانهيار الاخلاقي الوافد إلينا من الغرب، وتدور في العالم الاسلامي معركة بين الاسلام وبين الاستعمار بشتىٍ اشكاله والوانه: العسكري، والاقتصادي، والفكري، من أي مصدر جاء.

- ٢ -

(ص ٢٢) أ : «ويحوي الدين الاسلامي آراء ومعتقدات تشكل

٦٨

جزءً لا يتجزأ منه عن نشوء الكون وتركيبه وطبيعته، عن تاريخ الانسان وأصله وحياته خلال العصور».

لا أدري أين وجد المؤلف هذه «الموسوعة الدينية عن الكون» نشوئه، وتركيبه، وطبيعته. الحق أن الموجود في القرآن والسنة الصحيحة لا يعدو الأفكار العامة عن نشوء الكون، وأنه نشأ بارادة اللّه، وعن اصل تكوين هذه السلالة البشرية الموجودة الان، وهي لا تتنافى مع اية حقيقة علمية قائمة على الاطلاق - كما سنرى.

نعم، ربما يكون المؤلف قد استقى بعض معلوماته الدينية من اشخاص أو مصادر متأثرة بالاسرائيليات كبعض العجائز المتأثرات كثيراً بهذا النوع من القصص فيروينها لاطفالهن، كما لا يزال يؤمن كثير من المتعلمين عندنا ببعض الفرضيات «العلمية» التي شاع في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، والتي تجاوزها العلم منذ عقود من السنين ولكن افكار متعلمينا لا تزال متشبثة بها بالرغم من الشكوك الكبيرة التي تحيط بانقاضها الباقية ك‍«الداروينية» و«المادية الجدلية»، ولا يفوتنا أن نذكِّر المؤلف وغيره بأن كثرة أشياع فكرة ما لا تعني أنها حقيقة، وأن القوة المادية لا يمكن أن تسبغ صفة الحقيقة على أية فكرة، إن الفكرة حينئذٍ تكون أداة سياسية، لا حقيقية علمية.

ب - بالنسبة إلى منهج البحث في كل من العالم والدين، قال المؤلف:

«إن الاسلام والعلم في هذا الأمر على طرفي نقيض، فبالنسبة للدين

٦٩

الاسلامي (كما بالنسبة لغيره) إن المنهج القويم للوصول إلى مثل هذه المعارف والقناعات هو الرجوع إلى نصوص معينة تعتبر مقدسة أو منزلة، أو الرجوع إلى كتابات الحكماء والعلماء الذين درسوا وشرحوا هذه النصوص».

أُكرر قولي عن المؤلف بأنه لا يعرف الاسلام (موضوع نقده).

أولاً: ليس في الاسلام افكار تفصيلية حاسمة حول الكون، وطبيعته وتركيبه وتفاعلاته، ومن هنا فليس ثمة موضوع لاتهام المؤلف للاسلام.

ثانياً: إن النصوص الدينية التي تكون مورداً للدراسة والفحص والتعمق فيها هي نصوص الدين، أي ما يتناول العقيدة والشريعة، وليس لأجل اكتشاف أسرار الطبيعة المادية. إن المنهج في استكشاف اسرار الطبيعة المادية هو التجربة وليس دراسة النصوص. إن علماء المسلمين العظام الذين نبغوا في جميع مجالات العلوم الطبيعية في المغرب والمشرق (الخوارزمي، ابن خلدون، ابن سينا، ابن الهيثم، جابر بن حيان، الطوسي وغيرهم، وغيرهم) هؤلاء العلماء الذين بنت أوربا نهضتها علي ثمرات بحوثهم العلمية توصلوا إلى نتائجهم العلمية الباهرة لا بدراسة القرآن والحديث يا دكتور، وإنما باتباع النهج العلمي في البحث والتجربة. إن دور الدين في تكوينهم العلمي هو انه الهمهم ودلهم على قداسة هذا النوع من البحث العلمي وعظمته وكوّن في عقولهم المنهج التجريبي عن طريق الأمر بالبحث والتأمل والنظر في ظواهر الطبيعة وأسرار الانسان، وذلك كما ورد كثيراً في الحديث وفي الآيات الكونية في القرآن.

لقد كان هؤلاء علماء في الفلك والطب والجغرافيا، والكيمياء والفيزياء

٧٠

والاجتماع البشري، وغير ذلك، وكانوا مع ذلك مسلمين صالحين يتلقى المجتمع والدولة على صعيد رجال الدين ورجال الدنيا نتاجهم بالاحترام والتقدير والاعجاب، بل وينفقون الاموال الطائلة عليهم وعلى بحوثهم، وعلى تيسير وسائل البحث العلمي لهم من مكتبات ومستشفيات، ومراصد، وغيرها.

هل سمع الدكتور أن عالماً مسلماً اضطهد لعلمه، لاكتشاف من اكتشافاته، أو لرأي من آرائه كما حدث في أمكنة أُخرى؟ لم يحدث هذا أبداً يا دكتور (فلماذا تقيس الدين الاسلامي إلى غيره) عفواً، فما بالي أسألك، والذي يبدو لي من كلامك انك جاهل بالتاريخ العلمي للمسلمين كجهلك بالدين.

ولا ينقضي تعجبي من أحد المدافعين عن الدكتور (ملحق النهار / ١٨ ك٢ ١٩٧٠) الذي أراد - بدافع من حقده على الاسلام أو جهله به - أن يلحق بالاسلام التهمة العالقة بغيره، فادعى أن الامويين قتلوا العلماء القائلين بحرية الفكر، ويا ليته جاء على ذلك بشاهد من التاريخ يثبت دعواه. نعم، كان الامويون يلتزمون بمبدأ الجبرية لغايات سياسية ولكن التاريخ لا يحدثنا انهم قتلوا القائلين بحرية الانسان. على اننا لا نستطيع اعتبار الامويين ممثلين امناء للاسلام - إن

موضوعنا هو الاسلام كما ورد في مصادره الاساسية.

- ٣ -

أ - « من الامور الجوهرية التي يشدد عليها الدين الاسلامي أن جميع الحقائق الاساسية التي تمس حياة

٧١

الانسان في الدنيا والآخرة قد كشفت مرة واحدة في نقطة معينة وحاسمة في التاريخ - نزول القرآن وربما الكتب الاخرى قبله - ».

من أين جاء المؤلف بهذه الفكرة عن الاسلام؟ ومن قال له أن جميع المعارف التي تتعلق بحياة الانسان في الدنيا قد اكتشفت بنزول القرآن؟ ولماذا اشتغل المسلمون بشتى العلوم إذن إذا كانت هذه هي عقيدتهم؟ لا استطيع الا أن اكرر اتهامي للمؤلف بأنه جاهل بموضوع نقده بصورة تبعث على الأسف. كلا يا استاذ هذه الخرافة التي ذكرتها ليست من الاسلام في شيء. إن المعرفة في الاسلام عملية اقتحام واكتشاف للمجهول. وقوله تعالى:

«َ ما فَرّطْنا في الكتَاب منْ شيء(١) » الذي استشهدت به، لا يعني ميادين العلوم والحقائق الكونية، إن كلمة «شيء» في الآية حين توضع في اطارها - الدين - تعني القواعد العامة المعلقة بامور العقيدة والشريعة، ولكن المشكلة انك لا تعرف الاسلام من مصادره الاساسية.

ب - «اما الدين فبطبيعة عقائده المحددة ثابت ساكن، يعيش في الحقائق الأزلية، وينظر إلى الوراء ليستلهم مهده».

إن الدين ثابت في عقائده وتشريعاته، ولكنه يدفع إلى الحركة في

____________________

(١) سورة الأنعام، آية: ٣٨.

٧٢

الكون، والتقدم في الحياة، وبناء الحضارة، ودليل ذلك تاريخ المسلمين الحضاري حين كان الإسلام يحركهم ويدفع بهم نحو بناء الحضارة وصنع التاريخ.

وتلح على ذهني أن المؤلف استقي أفكاره هذه من المستشرق ه‍ أ جيب في كتابه «الاتجاهات الحديثة في الإسلام» فإن هذا المستشرق في بعض فصول كتابه المذكور وجه إلى الاسلام هذا الاتهام الذي ردده المؤلف هنا.

ج - «في الواقع أصبح الاسلام الايديولوجية الرسمية للقوى الرجعية المتخلفة في الوطن العربي وخارجه، والمرتبطة صراحة ومباشرة بالاستعمار الجديد».

إن الاسلام ليس حليفاً لأي نظام غير عادل، وإذا كانت بعض الدول «تظهر» الإسلام كحليف لها فما ذاك إلا لأنها سخرت الإسلام لخدمة مآربها، كما تظهر الحكومات الاشتراكية الإسلام كحليف لها، والحقيقة هي أن الإسلام مع نفسه فقط.

ولا تفوتنا هنا أن ننبه على تناقض من تناقضات المؤلف الكثيرة، فهو في هذا الموضع يتهم الإسلام بأنه حليف الاستعمار والرجعية، ولكنه في ص ٤٥ - ٥١، تحت عنوان «التوفيق التبريري» يقول ان الإسلام يتخذ سنداً للرجعية وللاشتراكية وللديمقراطيات الشعبية، وللليبرالية. ونسأل المؤلف: هل هذه المواقف تشكل اتهاماً للاسلام الذي لا ينسجم إلا مع نفسه فقط أو تشكل اتهاماً بالجهل أو بالنفاق لاولئك الذين يظهرونه بمثل هذه المظاهر «ملاحظة: نذكر المؤلف بأن حكومة ستالين في الاتحاد

٧٣

السوفياتي استعانت بالروح الديني عند المسلمين التابعين لها في الحرب العالمية الثانية»

هذه هي الأدلة التي ساقها المؤلف للتدليل على أن الإسلام يقف ضد العلم، وقد رأينا مدى تفاهتها، وكشفها عن جهل المؤلف بموضوع نقده.

* * *

وقد استطرد المؤلف في ص ٢٤ - ٣٣، في أفكار يبدو أنه أراد أن يعزز بها أدلته الثلاثة، ونحن نستعرضها فيما يلي لبيان زيفها وبطلانها:

أ - «وهناك تشابه بين الدين والعلم في أن كليهما يحاول أن يفسر الأحداث وأن يحدث الأسباب ص٢٤».

هذا خطأ. ان الدين الإسلامي لا يحاول أن يفسر الظواهر الطبيعية، ولا يحاول أن يجعل نفسه بديلاً عن العلم. ان الدين كما ذكرنا عقيدة وشريعة توجه سلوك الانسان وحياته، وموضوع العلم هو الطبيعة يكتشفها ويسخرها للانسان، ودور الدين في العملية دور الاثارة، والتوجية وبعث الاهتمام بالطبيعة، ونحو اكتناه المعنى الذي يكمن فيها، ومن يلاحظ الآيات الكونية في القرآن يرى الشاهد على ما نقول. وبهذا ينكشف أن كل النائج التي رتبها المؤلف على مقدمته السابقة خيال محض من عنده وليس من الإسلام.

ب - «خلق اللّه هذا الكون في فترة معينة من الزمن بقوله كن فكان. أما الطبيعة فقد حافظت على سماتها الأساسية منذ أن خلقها اللّه، أي أنها تحتوي الآن على نفس الاجرام السماوية وأنواع الحيوانات والنباتات التي

٧٤

كانت موجودة فيها منذ اليوم الأول لخلقها، أما النظرية العلمية حول الموضوع ذاته فلا تعترف بالخلق من لا شيء، ولا تقر بأن الطبيعة كانت منذ البداية كما هي عليه الان».

١ - نكرر ان العقيدة الأساسية في الإسلام هي أن علل التكوين المتصاعدة في عالم الطبيعة تنتهي إلى اللّه، وما ورد في القرآن،

( إنما أَمرُه إذا أرادَ شَيْئاً أن يَقُولَ له كن فيكون ) (١)

____________________

(١) ورد أمر الخلق (كن) في القرآن الكريم في سبع سور، في ثمان آيات، هي كما يلي

١ - «بديع السماوات والارض. واذا قضى أمراً فانما يقول له كن فيكون»

البقرة (مدنية - ٢) الاية: ١١٧

والآية إخبار من اللّه تعالى عن قدره المطلقة على الخلق بصيغة الغالب.

٢ - «قالت: رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر. قال: كذلك اللّه يخلق ما يشاء، إذا قضى أمراً فانما يقول له كن فيكون»

آل عمران ( مدنية - ٣) الآية: ٤٧

٣ - « إن مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون»

آل عمران (مدنية - ٣) الآية ٥٩

إخبار من اللّه تعالى في مورد خاص (خلق آدم وعيسى) عن قدرته المطلقة على الخلق.

٤ - «وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون، قوله الحق...»

الانعام (مكية - ٦) الآية: ٧٣

تعليم من اللّه تعالى لنبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٥ - «إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون»

النحل (مكية - ١٦) الآية: ٤٠ إخبار من اللّه تعالى عن قدرته المطلقة على الخلق في مقام بيان قدرته المطلقة على بعث الأموات.

٦ - «ما كان اللّه أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فانما يقول له كن فيكون»

مريم (مكية - ١٩) الآية ٣٥

إخبار من اللّه تعالى بصيغة الغائب عن قدرته المطلقة على الخلق في مقام بطلان قول النصارى في عيسى بن مريم انه ابن اللّه.

٧ - «إنما أمره إذا أراد شيئاً ان يقول له كن فيكون»

يس (مكية - ٣٦) الآية: ٨٢

تعليم من اللّه تعالى لنبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في الاحتجاح على المشركين بشأن احياء الموتى وبعثهم.

٨ - «هو الذي يحيي ويميت، فاذا قضى أمراً فانما يقول له كن فيكون»

المؤمن (مكية - ٤٠) الآية: ٦٨

تعليم من اللّه تعالى لنبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في مواجهة المشركين.

٧٥

وغيرها من الآيات التي ورد فيها هذا التعبير، لاتدل على أن الكون خلق بصورة دفعية على نحو مكتمل، وإنما تدل على قدرة اللّه الكلية الشاملة، بل لعلها على التدريج في الخلق أكثر دلالة بقرينة قوله:

( إذا أرادَ شَيْئاً )

٢ - أما أن الطبيعة وجدت بصورة مكتملة، وحافظت على سماتها الاساسية منذ أن خلقها اللّه... فهذا غير صحيح، وليس في الاسلام ما يشير إلى ذلك، بل في القرآن ما يدل صراحة على أن الطبيعة مرت في أدوار وأطوار حتى اكتملت في صورتها الحاضرة، وعلى المؤلف ان يرجع إلى القرآن الصحيح ليصحح رأيه.

٧٦

٣ - يقول المؤلف أن النظرية العلمية لا تعترف بالخلق من لا شيء. ونحن نسأل المؤلف: إذا كانت العلوم ترفض الخلق من لا شيء، فكيف وجد الكون اذن؟ ومن اين وجد؟ وهذا الشيء الذي وجد منه الكون مَن أوجده؟ لقد رأينا في مطلع هذا الحديث أن الذي اوجده هو اللّه تعالى.

٤ - تعرض لذكر خلق آدم، والجنة والطرد منها، ونرجئ الحديث عن ذلك إلى موعدنا معه في مكان آخر من كتابه تعرض فيه لهذه المسائل.

٥ - بعد كل ما ذكرنا فما هي قيمة ما نقله المؤلف عن «رسل» وهل هو إلا تهريج في وجه المنطق والحقيقة.

٦ - في ص ٢٩ - ٣١ تحدث المؤلف عن التوتر الذي يعاني منه المثقف الحديث بسبب التعارض القائم بين ثقافته العلمية وبين تراثه الديني - ان هذا التوتر يا دكتور ليس ناشئاً من تعارض حقيقي بين العلم وبين الاسلام، وانما هو ناشيء من أن كثيراً مما تسمونه «علماً» ليس إلا افتراضات لم تتأكد صحتها، أو ثبت بطلانها، وان الدين كما تفهمونه ليس مستنداً على مصادره الاساسية، وانما على الأباطيل التي الصقت به على مدى القرون من الاسرائيليات وغيرها.

العلم، العلم الحقيقي والدين الصافي لا يتعارضان وإنما يتكاملان في تنشئة الانسان وتقدمه.

خلق الانسان

المعتقد الاسلامي الاساسي الذي هو من ضروريات الدين هو أن الانسان وكل شيء في الكون مخلوق للّه سبحانه وتعالى.

أما تفاصيل كيفية الخلق وابتدائها فليس فيها نص صريح قاطع غير قابل للتأويل. وكيفية الخلق وابتدائها ليست من أُصول الدين التي يتحتم الاعتقاد بتفاصيلها ومميزاتها، بل يتقبلها المسلم كما جائت به ظواهر الكتاب والسنة الصحيحة وما لا يتنافي مع المسلمات العلمية اليقينية..

بعد هذا التمهيد نواجه ثلاث مسائل:

١ - وجود الانسان على الأرض هل ابتدأ بالسلالة الانسانية الموجودة الآن، أو سبقتها سلالات أُخرى غيرها انقرضت وبادت؟

٢ - نشأة السلالة الانسانية الموجودة الان.

٣ - الداروينية في علم الأحياء.

٧٧

- ١ -

لم يتعرض القرآن الكريم بصراحة ووضوح لبيان أن هذه السلالة البشرية الموجودة الان هي السلالة الوحيدة التي ظهرت على الأرض، أو أن ثمة سلالات بشرية أُخرى ظهرت على هذه الأرض، وعاشت ثم انقرضت، ثم تكرر ظهور السلالات البشرية وانقراضها، ونسلنا البشري الحاضر هو آخر هذه السلالات.

قلت إن القرآن لم يتعرض بصراحة ووضوح لبيان هذه النقطة، وإن كان التحليل الدقيق لقوله تعالى في سورة البقرة، وهي قوله تعالى:

( وإذ قال رَبّكَ للمَلائكَةِ إني جاعل في الأرَضِ خَليفَةً. قالُوا: أتجعَلُ فيها مَن يُفْسد فيها ويسفكُ الدّماءَ، ونحنُ نُسبّحُ بحمدِكَ ونقدّسُ لك؟ قال: إني أعلم ما لا تعلمون ) (١) .

أقول: ان التحليل الدقيق لهذه الآية ربما يدل على أن سلالة انسانية سابقة على هذه السلالة، وجدت على ظهر الأرض، وعاشت، ثم انقرضت. وليس هنا مجال استعراض تحليل الآية المذكورة.

نعم في بعض الأخبار الواردة عن طريق أهل البيت(ع) وعن طريق غيرهم ما يدل بصراحة ووضوح على أن السلالة البشرية الموجودة الآن ليست هي الوحيدة التي وجدت على هذه الأرض من النوع الانساني،

____________________

(١) سورة البقرة الآية ٣٠.

٧٨

وإنما سبقتها سلالات كثيرة انقرضت قبل وجودها:

١ - روي عن الإمام جعفر الصادق (ع)، قال: «لعلك ترى أن اللّه لم يخلق بشراً غيركم؟ بلى واللّه. لقد خلق ألف ألف آدم. أنتم في آخر أولئك الآدميين».

٢ - ذكر الشعراني في كتابه: «اليواقيت والجواهر/ ج ١ ص ٤٩» عن محيي الدين بن عربي حديثاً رواه عن ابن عباس عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: «ان اللّه تعالى خلق مئتي ألف آدم».

٣ - وعن الإمام الباقر (ع): «لقد خلق اللّه في الأرض منذ خلقها سبعة عالمين ليس هم من ولد آدم، خلقهم من أديم الأرض، فأسكنهم فيها واحداً بعد واحد مع عالمه، ثم خلق اللّه عزوجل آدم أبا البشر، وخلق ذريته منه».

هذه نماذج من النصوص التي تدل بصراحة على تقدم سلالات بشرية، غير السلالة الحالية، في سكنى هذه الأرض، وانقراضها قبل ظهور هذه السلالة.

ولم يتح لنا الوقت لدراسة هذه النصوص من حيث السند والشكل والمضمون وتحليل دلالاتها، ونرجو ان تتاح لنا الفرصة لذلك.

- ٢ -

إن ظواهر القرآن والسنة الصحيحة تدل على أن السلالة البشرية الموجودة الآن تنتهي إلى آدم وحواء «لم يرد في القرآن! اسم حواء»

٧٩

ونحن هنا أمام أربع احتمالات.

١ - آدم رمز للنوع الانساني كله.

٢ - آدم عدد من أفراد النوع الانسان نظراً لتعدد الوان البشر ورسوسهم.

٣ - آدم فرد إنساني واحد. وهذا ينطوي على احتمالين:

أ - إنسان كامل تطور من نوع حيواني آخر كالقردة العليا مثلاً.

ب - إنسان كامل عقلياً تولد من زوج إنساني غير متكامل عقلياً وهذا بدوره تطور من زوج أحط منه عقلياً، وهذا بدوره تطور لزوج ادنى منه... وهكذا حتى تنتهي السلسلة إلى أبسط أنواع الحياة.

٤ - أن آدم وزوجه هما الابوان الأولان لهذه السلالة الانسانية، وهما لم يتكونا بالتناسل، وإنما خلقا من الأرض.

هذه هي الصورة المحتملة لمسألة المخلوق الأول، وابتداء خلق النوع الانساني - هذه السلالة الموجودة الآن بخصوصها، أو جميع السلالات السابقة ايضاً - واكرر أنه ليس من ضروريات الدين الاعتقاد بتفاصيل مسألة كيفية الخلق الأول، ما دام الاعتقاد الضروري الاساسي موجوداً، وهو أن اللّه خالق كل شيء، الانسان وغيره.

إلا اننا حين نعود إلى الفروض المتقدمة لفحصها نجد أن ظواهر القرآن تدل على الفرض الرابع، وتدفع بظاهرها الفروض الاخرى - ولا مجال

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

من الشهر ، ثم أخذها في النقصان يوماً فيوماً في النصف الأخير منه ، وزيادة أدمغة الحيوانات وألبانها بزيادة النور ، ونقصانها بنقصانه.

و كذلك زيادة البقول والثمار نمواً ونضجاً عند زيادة نوره ، حتى أنّ المزاولين لها يسمعون صوتاً من القثاء والقرع والبطيخ عند تمدده وقت زيادة النور ، وكإبلاء نور القمر الكتان ، وصبغه بعض الثمار ، إلى غيرذلك من الأمور التي تشهد بها التجربة(١) .

قالوا : وإنّما اختص القمر بزيادة ما نيط به من أمثال هذه الأمور بين سائر الكواكب لأنه أقرب [٣٤ / ب] إلى عالم العناصر منها ؛ ولأنه مع قربه أسرع حركة فيمتزج نوره بأنوار جميع الكواكب ، ونوره أقوى من نورها ، فيشاركها شركة غالب عليها فيما نيط بنورها من المصالح بإذن خالقها ومبدعها جلّ شأنه.

ا لثالث : ما يتعلق به من السعادة والنحوسة ، وما يرتبط به من الأمور التي هو علامة على حصولها في هذا العالم ، كما ذكره الديانيون من المنجمين ، ووردت به الشريعة المطهرة على الصادع بها أفضل التسليمات.

كما رواه الشيخ الجليل عماد الإِسلام ، محمد بن يعقوب الكليني قدس الله روحه ، في الكافي عن الصادقعليه‌السلام  ، قال : « من سافر أو تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى »(٢) .

وكما رواه أيضا في الكتاب المذكور عن الكاظمعليه‌السلام  : « من تزوج في محاق الشهر فليسلّم لسقط الولد »(٣) .

وكما رواه شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي طاب ثراه في تهذيب الأخبار عن الباقرعليه‌السلام  : « أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بات ليلة

________________________

(١) لمعرفة المزيد من ذلك انظر : كتاب الدلاثل : ٨٢ وما بعدها ، وغيره من الكتب المختصّة بهذا العلم.

(٢) الكافي ٨ : ٢٧٥ ، الحديث ٤١٦ / وأنظر علل الشرائع : ٥١٤.

(٣) الكافي ٥ : ٤٩٩ ، الحديث ٢ / وانظر من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٥٤ ، الحديث ١٢٠٦ / تهذيب الأحكام ٧ : ٤١١ ، الحديث ١٦٤٣ / علل الشرائع : ٥١٤.

١٤١

عند بعض نسائه فانكسف القمرفي تلك الليلة فلم يكن منه فيها شيء.

فقالت له زوجته : يا رسول الله بابي أنت وأمي كل(١) هذا البُغْض؟

فقال : لها : ( ويحك هذا الحادث في السماء فكرهت أن [٣٥ / أ]

وفي آخر الحديث ما يدل على أن المجامع في تلك الليلة إن رزق من جماعه ولداً وقد سمع بهذا الحديث لا يرى ما يحب(٢) .

هداية :

ما يدعيه المنجمون من ارتباط بعض الحوادث السفليّة بالأجرام العلوية إن زعموا أنّ تلك الأجرام هي العلة المؤثرة في تلك الحوادث بالاستقلال ، أو أنّها شريكة في التاثير ، فهذا لا يحل للمسلم اعتقاده.

و علم النجوم المبتني على هذا كفر والعياذ بالله ، وعلى هذا حمل ما ورد في الحديث من التحذير من علم النجوم والنهي عن اعتقاد صحته.

وإن قالوا : إنّ اتصالات تلك الأجرام وما يعرض لها من الأوضاع علامات على بعض حوادث هذا العالم مما يوجده الله سبحانه بقدرته وإرادته ؛ كما أنّ

________________________

(١) لفظة « كل » يمكن أن تقرأ بالنصب على المفعولية المطلقة ، أي : تبغضي كلّ هذا البعض ؛ ويمكن أن تكونة مرفوعة بالإبتداء بحذف الخبر ، أي : كلُّ هذا البغض حاصل منك لي ، منه قدس سره ، هامش المخطوط.

ثم أن هذا المقطع من الحديث ـ قول الزوجة ـ ورد بالفاظ مختلفة انظر مصادر ألحديث الآتية.

والفيض الكاشاني ـ قدس سره ـ في كتابه الوافي ١٢ : ١٠٥ ، أو المجلد ألثالث كتاب النكاح الباب ١٠٦ ، بعد أن أثبت أن بين الفقيه والتهذيب والكافي اختلاف في هذه العبارة قال : قولها : أكل هذا البغض ، تقديره اتبغضني بغضا يبلغ كل هذا ، فحذف واقيم مقام المحذوف ، وقد صحف بتصحيفات باردة ، وفسر تفسيرات كاسدة ، وليس إلّا كما ذكرناه فانه كلمة شائعة لها نظيرات.

(٢) التهذيب ٧ : ٤١١ قطعة من الحديث ١٦٤٢ وفيه « كل هذا للبغض ». وفيه ما لا يخفى حيث إنّ اللام فيه للعهد ، وهو بعيد / وفي الطبعة الحجرية منه ٢ : ٢٢٩ نحوه ، وفي هامشه : أكل هذا للبغض ، وفي ترتيب التهذيب ٣ : ١٢٧ هكذا : أكلّ هذا البغض / وفي الكافي ٥ : ٤٩٨ / حديث ١ / من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٥٥ حديث ١٢٠٧ / المحاسن : ٣١١ حديث ٢٦ من كتاب العلل / وانظر روضة المتقين ٨ : ١٩٧. وفي الجميع كما تقدم قطعة من حديث.

١٤٢

حركات النبض واختلافات أوضاعه علامات يستدل بها الطبيب على ما يعرض للبدن من قرب الصحّة واشتداد المرض ونحوه وكما يستدلّ باختلاج بعض الأعضاء على بعض الأحوال المستقبلة ؛ فهذا لا مانع منه ولا حرج في اعتقاده.

وما روي من صحة علم النجوم ، وجواز تعلمه محمول على هذا المعنى ، كما رواه الشيخ الجليل عماد الاسلام محمد بن يعقوب الكليني ، في كتاب الروضة من الكافي ، عن عبد الرحمن بن سيابة(١) ، قال ، قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام  : جعلت فداك إنّ الناس يقولون : إن النجوم لا يحل [٣٥ / ب] النظر فيها ، وهي تعجبني ، فإن كانت تضر بديني فلا حاجة لي في شيء يضر بديني ، وإن كانت لا تضر بديني فوالله إني لأشتهيها ، وأشتهي النظر فيها.

فقالعليه‌السلام  : « ليس كما يقولون ، لا تضرّ بدينك ».

ثم قال : « إنكم تبصرون في شيء منها كثيره لا يدرك ، وقليله لا ينتفع به ، تحسبون على طالع القمر ».

ثم قال : « أتدري كم بين المشتري والزهرة من دقيقة »؟ فقلت : لا والله.

قال : « أتدري كم بين الزهرة والقمر من دقيقة »؟ قلت : لا والله.

قال : « أفتدري كم بين الشمس وبين السكينة(٢) من دقيقة »؟ قلت : لا والله ما سمعته من أحد من المنجمين قط.

فقال : « أفتدري كم بين السكينة واللوح المحفوظ من دقيقة »؟ قلت :

________________________

(١) عبد الرحمن بن سيابة الكوفي البجلي البزار ، من أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام . وروى عنه. وعنه روى أبان بن عثمان الأحمر ، والحسن بن محبوب ، وأحمد بن محمد بن عيسى عن البرقي عنه ، ويونس بن عبد الرحمن وغيرهم. اعتمده الإمام الصادقعليه‌السلام  في توزيع المال على عيالات من قتل مع زيد بن علي بن الحسينعليهما‌السلام .

تنقيح المقال ٢ : ١٤٤ رقم ٦٣٧٨ / رجال الشيخ الطوسي : ٢٣٠ رقم ١٢٠ / جامع الرواة ١ : ٤٥١ / مجمع الرجال ٤ : ٧٩ / اختيار معرفة الرجال ، الأرقام : ٦٢٢ ، ٧٣٤ ، ١٤٧ ، وغيرها / معجم رجال الحديث ٩ : ٣٣٢ / ٦٣٨٥.

(٢) في المصدر عوضها « السنبلة » ، والمثبت أفضل للمجهولية.

١٤٣

لا ، ماسمعته من منجم قط.

قال : « ما بين كلّ منهما إلى صاحبه ستون دقيقة ».

ثم قال : « يا عبد الرحمن هذا حساب إذا حسبه الرجل ووقع عليه علم القصبة التي في وسط الأجمة ، وعدد ما عن يمينها ، وعدد ما عن يسارها ، وعددما خلفها ، وعدد ما أمامها ، حتى لا يخفى عليه من قصب الأجمة واحدة(١) ».

إكمال :

ا لأمور التي يحكم بها المنجمون ، من الحوادث الاستقبالية ، اُصول بعضها مأخوذ من أصحاب الوحي سلام الله عليهم ، وبعض الاصول يدعون فيها التجربة ؛ وبعضها مبتنٍ على اُمور متشعبة لا تفي القوة البشرية بضبطها والإحاطة بها ، كما يؤمي إليه قول الصادقعليه‌السلام  : « كثيره لا يدرك ، وقليله لاينتج »(٢) ، فلذلك وجد الاختلاف في كلامهم ، وتطرق الخطأ إلى بعض أحكامهم.

ومن اتفق له الجري على الأصول الصحيحة صح كلامه ، وصدّقت أحكامه لا محالة ، كما نطق به كلام الصادقعليه‌السلام  في الرواية المذكورة قبيل هذا الفصل(٣) ، ولكن هذا أمر عزيز المنال ، لا يظفر به إلّا القليل ، والله الهادي إلى سواء السبيل.

ولابن سينا كلام في هذا الباب ، قال في فصل المبدأ والمعاد ، من إلهيات الشفاء : لو أمكن انساناً من الناس أن يعرف الحوادث التي في الأرض والسماء جميعا ، وطبائعها لفهم كيفية [جميع] ما يحدث في المستقبل.

وهذا المنجّم القائل بالأحكام ـ مع أن أوضاعه الأولى ، ومقدماته ، ليست مستندة(٤)

__________________

(١) الكافي( الروضة ) ٨ : ١٩٥ رقم ٢٣٣.

(٢) الكافي( الروضة ) ٨ : ١٩٥ حديث ٢٣٣ وفيه : « وقليله لا ينتفع ».

(٣) انظر صفحة ٥٩ هامش ٣.

(٤) في المصدر : تستند.

١٤٤

إلى برهان ، بل عسى أن يدّعي فيها التجربة أو الوحي ، وربما حاول قياسات شعرية أوخطابية في إثباتها ـ فإنه إنما يعول على دلائل جنس واحد من أسباب الكائنات ، وهي التي في السماء ، على أنّه لا يضمن من عنده الإحاطة بجميع الأحوال التي في السماء ، ولو ضمن لنا ذلك ووفّى به لم يمكنه أن يجعلنا [ونفسه] بحيث تقف على وجود جميعها في كل وقت. وإن كان جميعها ـ من حيث فعله وطبعه ـ معلوماً عنده.

ثم قال في آخر كلامه : فليس لنا اذن إعتماد على أقوالهم ، وأن سلّمنا [متبرعين] أن جميع ما يعطونا من مقدماتهم الحكمية صادقة(١) .

خاتمة :

قد ألف السيد الجليل الطاهر ، ذو المناقب والمفاخر ، رضي الدين علي بن طاووس قدس الله روحه ، كتاباً ضخماً ، سماه « فرج الهموم في معرفة الحلال والحرام من علم النجوم »(٢) ، يتضمن الدلالة على كون النجوم علامات ودلالات على ما يحدث في هذا العالم ، وأنّ الأحاديث عن الأنبياء من لدن إدريس على نبينا وعليه السلام إلى عهد أئمتنا الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين ناطقة بذلك(٣) [٣٦ / ].

و ذكر أن إدريس أول من نظر في علم النجوم(٤) ، وأن نبوة موسىعليه‌السلام  عُلمت بالنجوم(٥) .

ونقل أن نبوة نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً مما علمه بعض المنجمين ،

________________________

(١) الشفاء ، قسم الاهيات ، المقالة العاشرة ، الفصل الأول : ٤٤٠. وما بين المعقوفات من المصدر.

(٢) ضبط المؤلفقدس‌سره الاسم هكذا : ( فرج المهموم في معرفة نهج الحلال من علم النجوم ) ، أنظر صحيفة : ٩ منه.

(٣) أنظر : الباب الثالث فيما نذكره من أخبار من قوله حُجة : ٨٥.

(٤) أنظر ، صحيفة : ٢١ ، ٢٢ ، منه.

(٥) راجع ، صحيفة : ٢٧ ، منه.

١٤٥

وصدّق به بالدلائل النجومية(١) .

وأنّ بعض أحوال مولانا وإمامنا صاحب الأمرعليه‌السلام  مما أخبر به بعض المنجمين من اليهود بقم ، وذكر أنّ بعض أكابر قم واسمه أحمد بن إسحاق(٢) أحضر ذلك المنجم اليهودي وأراه زايجة طالع ولادة صاحب الأمرعليه‌السلام  ، فلمّا أمعن النظر فيها قال : لا يكون مثل هذا المولود إلّا نبياً ، أو وصيّ نبيّ ، وأنّ النظر يدل على أنه يملك الدنيا شرقاً وغرباً وبراً وبحراً حتى لا يبقى على وجه الأرض أحد إلأ دان بدينه وقال بولايته(٣) .

وروى عطر الله مرقده في الكتاب المذكورعن يونس بن عبد الرحمن(٤) ، قال ، قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام  : أخبرني عن علم النجوم ما

________________________

(١) راجع ، صحيفة : ٢٩ ـ ٣٥ ، منه.

(٢) لعله أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك الأحوص الأشعري أبو علي القمي ، ثقة عين جليل القدر ، شيخ القميين ووافدهم على الأئمةعليه‌السلام  عدّ من أصحاب الإمام الجواد والهادي والعسكريعليه‌السلام  ومن الاثبات الثقات السفراء الذين ترد عليهم التوقيعات عن الناحية المقدسة. ولم اجد ما ذكره السيد ابن طاووس عنه في شيء من كتب التراجم المشار اليها. له كتب منها علل الصلاة وعلل الصوم ومسائل الرجال وغيرها.

له ترجمة في : تنقيح المقال ١ : ٥٠ ت ٢٩٤ / رجال النجاشي : ٩١ ت ٢٢٥ / رجال الشيخ الطوسي : ٣٩٨ ت ١٣ ، ٤٢٧ ت ١ / الفهرست للشيخ : ٢٦ ت ٧٨ / الخلاصة ١٥ ت ٨ من القسم الأول / مجمع الرجال ١ : ٩٥ ـ ٩٧ / رجال ابن داود : ٣٦ ت ٥٩.

(٣) فرج المهموم : ٣٦ ـ ٣٧.

(٤) يونس بن عبد الرحمن ، أبو محمد ، مولى علي بن يقطين ، من أصحاب الإمام الكاظم والإمام الرضاعليهما‌السلام ، وثقه كل من ترجم له ، وصفه النديم بقوله : « علآمة زمانه ، كثير التصنيف والتاليف » ولم لا؟‍‍‍‍‍‍‍‍! وهو أحد وجوه الطائفة ، عظيم المنزلة. وكان الإمام الرضاعليه‌السلام  يشير اليه في الفقه والفتيا ، منها قوله : ـ عندما سأله عبد العزيز القمي وكيلهعليه‌السلام  عمن ياخذ معالم دينه ـ خذ عن يونس بن عبد الرحمن. مات سنة ٢٠٨ هـ = ٨٢٣ م.

ترجم له في : تنقيح المقال ٣ : ٣٣٨ ت ١٣٣٥٧ / جامع الرواة ٦ : ٢٩٣ الرجال للنجاشي : ٤٤٦ ت ١٢٠٨ / رجال بن داود : ٣٨٠ ت ١٧٠٨ الفهرست للطوسي : ١٨١ ت ٧٨٩ / مجمعالرجال ٦ : ٢٩٣ / الفهرست للنديم : ٢٧٦ / اختيار معرفة الرجال الأرقام : ٣٥٧ ، ٤٠١ ، ٤٧٧ ، ٤٧٩ ، ٥٠٣ ، والفهرست من ٣١٨ ـ ٣٢٢ / الخلاصة : ١٨٤ ت ١ / معجم رجال الحديث ٢٠ : ١٩٨ ت ١٣٨٣٤ / رجال الشيخ الطوسي : ٣٦٤ ت ١١ و ٣٩٤ ت ٢.

١٤٦

هو؟

قال : « علم من علم الأنبياء ».

قال « قلت : كان علي بن أبي طالب [عليه‌السلام ] يعلمه؟.

فقال : « كان أعلم الناس به »(١) .

و أورد قدس الله روحه أحاديث متكثرة من هذا القبيل طوينا الكشح عن ذكرها خوفاً من التطويل(٢) .

و ذكر طاب ثراه ما أورده السيد الجليل ، جمال العترة ، الرضيرضي‌الله‌عنه ، في نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام  ، للمنجم الذي نهاه عن المسير إلى النهروان(٣) (٤) ؛ ثم إنهرحمه‌الله  أطنب في تضعيف تلك الرواية وتزييفها ، بالطعن في سندها [٣٧ / ] تارة ، وفي متنها اُخرى.

أمّا السند ، فقال : إن في طريقها عمر بن سعد بن أبي وقاص(٥) ،

________________________

(١) فرج المهموم : ٢.

(٢) فرج المهموم : ٨٥.

(٣) نهج البلاغة ١ : ١٢٤ خطبة رقم ٧٦ اولها : « أتزعم أنك تهدي ألى الساعة ».

(٤) النهروان : ـ بفتح النون وكسرها أغلب ـ ثلاثة مدن عليا ووسطى وسفلى ، بلدة واسعة تقع بين بغداد وواسط ، كانت بها وقعت لأمير المؤمينعليه‌السلام  مع الخوارج مشهورة سنة ٣٧ ـ ٣٨ اثبت فيهاعليه‌السلام  عدة اُمور غيبية ، منها موضوع ذو الثدية ، ومنها عدد ألقتلى منالفريقين ، ومنها موضع الخوراج عندما أخبره المخبر عن ارتحالهم ، وغير ذلك مما كان سبباً لوضوح الحق لجمع من الشاكين.

أنظر : معجم البلدان ٥ : ٣٢٥ / مراصد الإطلاع ٣ : ١٤٠٧ / الكامل في التاريخ ٣ : ١٦٩ و ١٧٥ / البداية والنهاية ٥ : ٣١٢.

(٥) عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري ، أبو حفص ، قاتل الإمام الحسينعليه‌السلام  في وقعة كربلاء الشهيرة. قتله وأولاده المختار بن عبيدة الثقفيرحمه‌الله  ، في وقعة الجارز قرب الموصل سنة ٦٦ ، ٦٧ وقيل ٦٥= ٦٨٤ ـ ٦٨٦.

إنظر : سيرأعلام النبلاء ٤ : ٣٤٩ ت ١٢٣ / الجرح والتعديل ٦ : ١١١ ت ٥٩٢ / مراة الجنان١ : ١٤١ / ميزان الإعتدال ٣ : ١٩٨ ت ٦١١٦ وغيرها كثير.

١٤٧

مقاتل(١) الحسينعليه‌السلام  (٢) .

________________________

(١) كذا في الأصل المخطوط وبعض النسخ ألناقلة عن المصدر ، ولعله من باب انه لم يباشر القتل بيده وانما كان الآمر ، إذ الصحيح كما في المصدر « قاتل ».

(٢) الظاهر أن السيد ابن طاووس قدس الله سره يناقش سند الرواية ألتي روأها الشيخ ألصدوق فان سندهقدس‌سره في اماليه هكذا « حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ، قال : حدثني عمي محمد بن أبي القاسم ، عن محمد بن علي القرشي ، عن نصر بن مزاحم ، عن عمر بن سعد ، عن يوسف بن يزيد ، عن عبدالله بن عوف بن أم الأحمر ، قال : « ».

١٤٨

فانه توهم أن عمر بن سعد هذا هو بن أبي وقاص وهذا منه عجيب لاُمور هي :

أولاً : أن عمر بن سعد بن أبي وقاص قتل سنة ٦٥ أو ٦٦ أو ٦٧ كما تقدم.

ثانياً : أن نصر بن مزاحم المنقري ألراوي عنه هو صاحب وقعة صفين.

ثالثاً : أن نصر هذا توفي سنة ٢١٢ هـ ويعد من أصحاب الإمام الباقر عليه السلام.

رابعاً : أن عمر بن سعد لم يكن معروفاً بروأيته للأخبار حتى أنه لم يرو عنه العامة في صحاحهم شيئاً إلا النسائي.

خامساً : عند مراجعة كتاب وقعة صفين نراه يشخصه هكذا « عمر بن سعد بن أبي ألصيد الأسدي » ويحيل عليه في باقي الموارد بقوله عن « عمر بن سعد » أو « عمرو » ولا بد أن يكون هو هذا لا ذاك.

سادساً : قال في تنقيح المقال في مقام الرد على النجاشي ما لفظه : « ولذا أعترض بعضهم على النجاشي في اطلاقه روايته عن الضعفاء بانه قد روى عن عمرو بن سعيد وزرارة الثقتين ».

اذن مما يمكن الجزم بان السيد ابن طاووس قد وهم في ذلك.

ثم إن كان في هذا السند خدشة فما بال الطرق الباقية والأسانيد الاُخرى فانه لدى التتبع وجدنا لها عدة طرق هي :

أ ـ رواية الشيخ الصدوق ، وهي التي وقعت مورد الكلام والبحث من قبل السيد ابن طاووس.

ب ـ رواية الإحتجاج ، رواها الشيخ الطوسي وفيها أن المنجم من أصحابه ، وهي نحو رواية الأمالى.

جـ ـ رواية الاحتجاج ، وهي مفصلة غير الاولى رواها بسنده إلى سعيد بن جبير.

د ـ رواية نهج البلاعة ، رواها ألسيد ألرضي قدس سره بسنده وفيها أن المنجم من أصحابه وهي نحو رواية الشيخ الصدوق وألاحتجاج الاولى.

هـ ـ رواية فرج المهموم ، روى السيد ابن طاووس هذه بسنده الى محمد بن جرير الطبري الى قيس بن سعد وهي رواية مفصلة وفيها اسئلة واجوبة

و ـ رواية فرج المهموم ، وهي الثانية رواها السيد بسنده الى الأصبغ بن نباته وهي قريبة من حيث اللفظ بالأولى.

١٤٩

و أما المتن ، فقال طاب ثراه : إني رأيت فيما وقفت عليه أنّ المنجم الذي قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام  هذه المقالة هو عفيف بن قيس(١) ، أخو الأشعث ابن قيس(٢) ، ولو كانت هذه الرواية صحيحة على ظاهرها لكان مولانا علي عليه

ز ـ رواية إبن الأثير ، حكى الواقعة إبن ألأثير في كامله من دون الإشارة الى تفصيلها.

هذا ونحن في مقام تعريف هذا الراوي وقفنا حيارى إذ هو تارة يرد « عمر بن سعد » ، واُخرى « عمرو بن سعد » ، وثالثة هما ولكن أبني « سعيد » ، ورابعة هو « عمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي » ، ومعه لم نتمكن من ترجمته ترجمة وافية.

١٥٠

نعم اشار الأستاذ عبد السلام هارون ألى ان له ترجمة في الميزان وذلك في هامش كتاب وقعة صفين : ٣. ولم نعرف الدليل الذي استند اليه في تطبيق المترجم في ميزان الإعتدال على المذكورفي وقعة صفين ، اللهم إلا لقول الذهبي « شيعي بغيض ».

ولدى مراجعة هذه الروايات وما كتب حول الواقعة نرى أيضاً أن ألمنجم تارة لم يصرح به ، وثانية : أنه من أصحابه ، وثالثة : أنه عفيف بن قيس أخ الأشعث بن قيس ، ورابعة : أنه دهقان من دهاقنة المدائن الفرس ، وخامسة : أن الدهقان هو سر سفيل ، وسادسه : أنّه سر سقيل بن سوار ، وسابعة : أنه مسافر بن عفيف ألأزدي. وثامنة : أنه عفيف ولكن في وقعة النخيلة مع أصحاب المستورد من بني سعد بعد وقعة النهروان.

ولزيادة الإطلاع انظر : الاحتجاج : ٢٣٩ ، ٢٤٠ / أمالي ألشيخ الصدوق : ٣٣٨ ت ١٦ من المجلس ٦٤ / الكامل في التاريخ ٣ : ١٧٣ والكامل في الادب ٢ : ١٩٣ / فرج ألمهموم : ٥٦ ، وغيرها / وبحار الأنوار٥٥ : ٢٦٦ ـ ٢٦٨ / منهاج البراعة ٥ : ٢٧٠ ، مصادر نهج البلاغة واسانيده ٢ : ٨١ ـ ٨٥.

________________________

(١) أجمع ، المؤرخون أنه ابن عم ألأشعث ، واخيه لأُمه ، روى عن النبي ، وعنه أبناه اياس ويحيى وقد اختلف أرباب التراجم في أنّه بن معدى كرب والذي وفد على ألنبي ، أو هو غيره ، ينقل عنه تمنيه أن لو كان أسلم يوم وفد فكان ثاني أمير المؤمنينعليه‌السلام  وذلك في قصة مسطورة.له ترجمة في : تهذيب التهذيب ٧ : ٢١٠ رقم ٤٢٧ / الإصابة ٢ : ٤٨٧ / الجرح والتعديل ٧ : ٢٩ / الإستيعاب ٣ : ١٦٣ / اسد الغابة ٣ : ٤١٤.

(٢) الأشعث بن قيس بن معدي كرب بن معاوية الكندي ، أبو محمد ، قيل أسمه معدي كرب ، غلب عليه الأشعث لشعث رأسه ، له صحبة ، كان من قواد أمير المؤمنينعليه‌السلام  يوم صفين ، تزوج أم فروة أخت أبي بكر ، روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعنه روى أبو وائل ، والشعبي ، وقيس بن أبي حازم ، وعبد الرحمن بن مسعود ، والسبيعي ، غلب عليه سوء العاقبة حتى اعان على قتل أمير المؤمنين. ونهيهعليه‌السلام  من الصلاة في مسجده وقد عده الإمام الباقر من المساجد الملعونة مات سنة ٤٠ هـ = ٦٦٠ م.

له ترجمة في : سير اعلام النبلاء ٢ : ٣٧ رقم ٨ / تهذيب التهذيب ١ : ٣١٣ رقم ٦٥٣ / اإستيعاب ١ : ١٠٩ / أسد ألغابة ١ : ٩٧ / الإصابة ١ : ٥١ رقم ٢٥٥ / خلاصة تذهيب

١٥١

السلام قد حكم في صاحبه هذا ـ الذي قد شهد مصنف نهج البلاغة أنّه من أصحابه أيضاً ـ بأحكام الكفار إما بكونه مرتداً عن الفطرة فيقتله في الحال ، أوبردّة عن غير الفطرة فيتوّبه ، أو يمتنع من التوبة فيقتله ، لأنّ الرواية قد تضمنت أنّ « المنجم كالكافر »(١) ، أو كان يجري عليه أحكام الكهنة أو السحرة ، لأنّ الرواية تضمنت أن « المنجم كالكاهن أو الساحر ».

وما عرفنا إلى وقتنا هذا أنّهعليه‌السلام  حكم على هذا المنجم الذي هوصاحبه بأحكام الكفار ولا السحرة ، ولا الكهنة ، ولا أبعده ، ولا عزره ، بلقال : « سيروا على اسم الله » ، والمنجم من جملتهم لأنه صاحبه ، وهذا يدل على تباعد الرواية من صحة النقل ، أو يكون لها تأويل غيرظاهرها موافق للعقل.

ومما ينبه على بطلان ظاهر هذه الرواية قول الراوي فيها : إنّ من صدّقك فقد كذّب القرآن ، واستغنى عن الاستعانة بالله.

ونعلم أنّ الطلائع للحروب يدلّون على السلامة من هجوم الجيوش ، وكثيرمن النحوس ، ويبشرون بالسلامة ، وما لزم من ذلك أن نوليهم الحمد دون ربهم ، ومثال ذلك [٣٨ / أ] كثير فتكون لدلالات النجوم اُسوة بما ذكرناه من الدلالات على كل معلوم(٢) . هذا كلامه أعلى الله مقامه. فتأمل مبانيه بعين البصيرة ، وتناول معانيه بيد غير قصيرة ، والله الهادي.

* * *

________________________

الكمال : ٣٩ / تنقيح المقال ١ : ١٤٩ رقم ٩٧٤.

(١) نهج البلاغة ١ : ١٢٤ خطبة ٧٦. وكذا ما بعدها.

(٢) فرج المهموم : ٥٦ ـ ٥٩.

١٥٢

قال مولانا وإمامناعليه‌السلام  :

« اللهم ، اجعلنا من أرضى من طلع عليه ، وأزكى من نظر إليه ، وأسعد من تعبد لك فيه ، ووفقنا فيه للتوبة ، واعصمنا فيه من الحَوْبة ، واحفظنا من مباشرة معصيتك ، وأوزعنا فيه شكر نعمتك ، وألبسنا فيه جنن العافية ، وأتمم علينا باستكمال طاعتك فيه المنة ، إنك المنان الحميد ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ».

أ صل « اللّهمّ » عند الخليل(١) وسيبويه(٢) يا الله ، فحذف حرف المندا ،

________________________

(١) الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي ، الأزدي ، اليحمدي ، ألأديب ألنحوي ، العروضي ، نسبة ألى علم العروض الذي اخترعه ، سأل يوماً عن ما يقوله في أمير المؤمنينعليه‌السلام  ، فقال : ما أقول في حق أمرىء كتمت مناقبه أوليائه خوفاً ، واعدائه حسداً ، ثم ظهرمن بين الكمتين ما ملأ الخافقين. وسأل أيضاً ما ألدليل على أن علياً إمام الكل في الكل؟ فقال : أحتياج ألكل إليه ، واستغنائه عن كل ، كان من كبار أصحابنا المجتهدين ، وفضله وعلمه أشهرمن أن يذكر ، شيخ الناس في علوم الأدب ، والبلاغة ، زهده وقناعته مشهوران ، له العين في اللغة وكفى ، ومعاني الحروف ، وتفسير حروف اللغة ، وكتاب العروض ، وغيرها.

مات سنة ١٧٠ هـ =٧٨٦ م.

له ترجمة في : تنقيح المقال ١ : ٤٠٢ / م ٣٧٦٩ / الخلاصة : ٦٧ ت ١٠ رجال ابن داود : ١٤١ت ٥٦٤ / اعيان الشيعة ٦ : ٣٣٧ / تأسيس الشيعة : ١٥٠ ، ١٧٨ / سير أعلام النبلاء ٧ : ٤٢٩ت ١٦١ / الفهرست للنديم : ٤٨ / طبقات القراء ١ : ٢٧٥ ت ١٢٤٢ / خلاصة تذهيب الكمال : ١٠٦ / البداية والنهاية ١٠ : ١٦١ / الجرح والتعديل ٣ : ٣٨٠ ت ١٧٣٤ الأنساب : ٤٢١ ، ب / شذرات ألذهب ١ : ٢٧٥ / روضات الجنات ٣ : ٢٨٩ ت ٢٩٤.

(٢) سيبويه ، عمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر ، أصله من فارس ، نشأ في البصرة ، أخذ العربية عن جمع من فطاحلها الى أن عدّ من أبناء بجدتها ، بل أصبح علامة الدنيا فيها ، أمثال الخليل ،

١٥٣

وعوض عنه الميم المشددة(١) .

وقال ، الفرّاء(٢) وأتباعه : أصلها يا الله أُمّنا بالخير ، فخففت بالحذف لكثرة الدوران على الألسن ،(٣) .

واُورد عليه : أنّه لو كان كذلك لقيل في نحو اللّهمّ اغفر لنا ، اللهم واغفرلنا بالعطف ، كما يقال : اُمنا بالخير واغفر لنا ، ورفضهم ذلك رأساً بحيث لم

________________________

ويونس ، والأخفش ، وعيسى ، وغيرهم له : الكتاب وكفى به ، حتى أنه أصبح يهدى ( اهداه الجاحظ الى محمد بن عبد الملك ) ، وقال في حقه ـ الجاحظ ـ : إن جميع كتب الناس عيال عليه مات سنة ١٨٠ هـ = ٧٩٦ م وقيل غيرذلك.

له ترجمة في : تاريخ بغداد ١٢ : ١٩٥ ت ٦٦٥٨ / بغية الوعاة ٢ : ٢٢٩ ت ١٨٦٣ / وفيات الأعيان ٣ : ٤٦٣ ت ٥٠٤ / البداية والنهاية ١٠ : ١٧٦ شذرات الذهب ١ : ٢٥٢ / الفهرست للنديم : ٥٧ / معجم الأدباء ١٦ : ١١٤ ت ١٣ سير أعلام النبلاء ٨ : ٣٥١ ت ٩٧ / روضات الجنات ٥ : ٣١٩ / ٥٣١ / الكامل ٥ : ١٤٢ / انباه الرواة ٢ : ٤٣٦ رقم ٥١٥ / مرآة الجنان ١ : ٤٤٥.

(١) لرأي سيبويه أنظر : الكتاب ١ : ٣٦١ ، باب ما ينصب على المدح والتعظيم وفيه حكى قول الخليل / ولسان العرب ١٣ : ٤٧٠ / تاج العروس ٩ : ٣٧٤ / مادة « اله » فيهما.

(٢) الفراء يحيى بن زياد الأقطع الديلمي النحوي ، أبو زكريا. إمام أهل اللغة من الكوفيين وأعلمهم بالنحو والأدب. له في الفقه والكلام وكذا النجوم والطب يد تذكر ، قال ثعلب : لولا الفرّاء لماكانت عربية ولسقطت.

له مؤلفات كثيرة أملاها كلها حفظاً ، منها : معاني القرآن ، المذكر والمؤنث ، اللغات ، ألفاخر ، مشكل اللغة.

والأقطع عرف به أبوه زياد ؛ لقطع يده في معركة فخ حيث شهدها مع الحسين بن علي بن الحسن المثلّث ، وكان من الشيعة الإمامية ، وكان الفرّاء يظهر الاعتزال مستتراً به.

أخذ عن أبي بكر بن عياش ، والكسائي ، ومحمد بن حفص. وروى القراءة عن عاصم وإبنالجهم ، مات سنة ٢٠٧ هـ = ٨٢٣ م.

له ترجمة في : هدية الأحباب : ٢٣٠ / وفيات الأعيان ٦ : ١٧٦ ت ٨٩٨ / روضات الجنّات ٨ : ٢٠٩ ت ٧٥١ / البداية والنهاية ١٠ : ٢٦١ / رياض ألعلماء ٥ : ٣٤٧ / معجم الأدباء ٢٠ : ٩ ت ٢ / تذكرة الحفّاظ ١ : ٣٧٢ ت ٣٦٨ / غاية النهاية ٢ : ٣٧١ ت ٣٨٤٢ / تهذيب التهذيب١١ : ١٨٦ت ٣٥٤ / تاريخ بغداد ١٤ : ١٤٩ ت ٧٤٦٧ / شذرات الذهب ٢ : ١٩ / تأسيس الشيعة : ٦٩ ، ٣٢١ / سير أعلام النبلاء ١٠ : ١١٨ت ١٢.

(٣) اُنظر معاني القرآن ١ : ٢٠٣.

١٥٤

يسمع منهم أصلاً يدل على أنّ الأصل خلافه.

وقد يذبّ عنها بأنها لما خففت صارت كالكلمة الواحدة ، فلم يعامل ما يدل على الطلب ـ أعني لفظة « اُمّ » ـ معاملة الجملة ، بل جعلت بمنزلة دال زيد مثلاً ، فلم يعطف عليها شيء كما لا يعطف على جزء الكلمة الواحدة [٣٨ / ب].

« والطلوع » : يمكن أن يراد به الخروج من تحت الشعاع ، وأن يراد به ظهوره للحس كما هو الظاهر ، وكذلك يمكن أن يراد به الطلوع الخاص في هذه الليلة ، وأن يراد به الطلوع في الزمان الماضي مطلقاً.

و كذلك قولهعليه‌السلام  : « وأزكى من نظر إليه » وتزكية النفس تطهيرها عن الرذائل والأدناس ، وجعلها متصفة بما يُعدها لسعادة الدارين ، وفلاحالنشأتين.

« والعبادة » أقس الذل والخضوع ، ولذلك لا تليق إلا لله.

« والتوبة » لغة : الرجوع(١) ، وتضاف إلى العبد ، وإلى الرب تعالى ، ومعناها على الأول : الرجوع عن المعصية إلى الطاعة ، وعلى الثاني : الرجوع عن العقوبة إلى العفو والرحمة.

وفي الاصطلاح : الندم على الذنب ، لكونه ذنباً.

وقد تقدم الكلام فيما يتعلق بها من المباحث ، في الحديقة الحادية والثلاثين(٢) في شرح دعائهعليه‌السلام  في طلب التوبة.

وقد أوردنا فيها أيضاً كلاماً مبسوطاً في شرح الأربعين حديثاً(٣) الذي ألفناه

________________________

(١) الصحاح ١ : ٩١ / القاموس : ٧٩ ، مادة « توب » فيهما.

(٢) أنظر صحيفة ١٣١ هامش ١.

(٣) الأربعين : ٢٣٢ ، عند شرحه للحديث الثامن والثلاثون الذي رواه بسنده عن الإمام الصادقعليه‌السلام     عن رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

مَن تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته.

ثم قال : إن السنة لكثير ،

١٥٥

بعون الله تعالى.

تتمة :

لعل المراد من العصمة في قولهعليه‌السلام  : « واعصمنا فيه من الحوبة » ، معناها اللّغوي ، أي الحفظ عن السوء ، فإن ارادة معناها الاصطلاحي المذكور في الكلام ـ أعني لطف يفعله الله بالمكلّف ، بحيث لا يكون له معه داع إلى فعل المعصية مع قدرته عليها ـ لا يساعد عليه قولهعليه‌السلام  « من الحوبة » ، لأنّ العصمة بهذا المعنى لم يعهد [٣٩ / ] تعديتها بلفظة من.

« والحوبة » ـ بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة ـ : الخطيئة.

و « الإيزاع » : الإلهام ، والمشهور في تعريفه أنه إلقاء الخبر في القلب مندون استفاضة فكرية ، وينتقض طرده بالقضايا البديهية ، وعكسه بالانشائيات بعامة التصورات ، ولو قيل : إنّه إلقاء المعنى النظري في القلب من دون استفاضة فكرية لكان أحسن ، مع أن فيه ما فيه.

و المراد بايقاع « الشكر » في القلب ليس الشكر الجناني فقط بل ما يعم الأنواع الثلاثة ، والغرض صرف القلب إلى أداء الشكر اللساني والجناني والأركاني بأجمعها.

و قد تقدم الكلام في الشكر مبسوطاً في الحديقة التحميدية ـ وهي شرح الدعاء الأول من هذا الكتاب الشريف ، الذي أرجو من الله سبحانه التوفيق لإكماله ـ وذكرنا هناك نبذة من مباحث الحمد والشكر ، وما قيل من الطرفين في

________________________

من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته.

ثم قال : إن الشهر لكثير ،

من تاب قبل موته بجمعة قل الله توبته.

ثم قال : إن الجمعة لكثير ،

من تاب قبل موته بيوم قبل الله توبته.

ثم قال : إن يوما لكثير ،

من تاب قبأ ، أن يعاين قبل الله توبته.

١٥٦

وجوب شكر المنعم عقلاً وسمعاً ، وما سنح لنا من الكلام في دفع شبه القائلين بانحصار وجوبه في السمع ، وبيان فساد معارضتهم خوف العقاب على ترك الشكر بخوف العقاب على فعله(١) .

و « الجنن » بضم الجيم وفتح النون : جمع جُنّة ـ بالضم ـ وهي الستر.

و « العافية » دفع الله سبحانه عن العبد ما هو شرّ له ، ويستعمل في الصحة البدنية والنفسية معاً ، وقد تقدم الكلام فيها في الحديقة الثالثة والعشرين وهي شرح دعائهعليه‌السلام  في طلب العافية(٢) .

تبصرة :

الضمائر الراجعة إليه سبحانه من أول هذا الدعاء إلى هنا بأجمعها ضمائرغيبة ، ثم إنّهعليه‌السلام  عدل عن ذلك الأسلوب وجعلها من هنا إلى آخر الدعاء ضمائر خطاب ، ففي كلامهعليه‌السلام  التفات من الغيبة إلى الخطاب.

ولا يخفي أن بعض اللطائف والنكت التي أوردها المفسرون فيما يختص بالالتفات في سورة الفاتحة يمكن جريانه هنا(٣) .

وأنا قد تفردت ـ بعون الله وحسن توفيقه ـ باستنباط نكت لطيفة في ذلك الالتفات ، مما لم يسبقني إليها سابق ، وقد أوردت جملة منها فيما علّقته من الحواشي على تفسير البيضاوي(٤) ، وشرذمة منها في تفسيري الموسوم بالعروة الوثقى(٥) ، وبعض تلك النكت يمكن اجراؤها فيما نحن فيه ، فعليك بمراجعتها ، وملاحظة ما يناسب المقام منها.

________________________

(١) و (٢) انظر صحيفة : ١٥٠ هامش : ٢.

(٣) على نحو المثال أنظر : انوار التنزيل ١ : ٣١ / الكشاف ١ : ١٣ / الفخر الرازي ١ : ٢٥٣. وما يتعلق من التفاسير في الآية ٥ من سورة الفاتحة.

(٤) المطبوع على الحجر في هامش التفسير أنظر صحيفة : ٢ منه.

(٥) المعروة الوثقى : ٣٣ ، ضمن الحبل المتين ، وعدّ فيه نحواً من ١٤ نكتة.

١٥٧

والضمائر المجرورة في قولهعليه‌السلام  : « وأسعد من تعبد لك فيه » إلى آخر الدعاء راجعة إلى الهلال بمعنى الشهر ، وليس كذلك المرفوع في طلع عليه ، والمجرور في نظر إليه ، ففي الكلام استخدام من قبيل قول البحتري(١) [٤٠ / ] :

فسقى الغضا والساكنيه وإن هم

شبّوه بين جوانحي وضلوعي(٢)

ولعلّه لا يقدح في تحقق الاستخدام كون إطلاق الهلال على الشهر مجازاً لتصريح بعض المحققين من أهل الفن بعدم الفرق بين كون المعنيين في الاستخدام حقيقيين أو مجازيين أو مختلفين ، وأن قصره بعضهم على الحقيقيين ، على أن كون الاطلاق المذكور مجازاً محل كلام.

وتعبيرهعليه‌السلام  عن اقتراف المعصية بالمباشرة استعارة مصرّحة ، فإن حقيقة المباشرة إلصاق البشرة بالبشرة.

والاضافة في « جنن العافية » من قبيل لجين الماء ، ويجوز جعله استعارة بالكناية مع الترشيح.

________________________

(١) أبو عبادة البحتري ، الوليد بن عتبة وقيل عبيد الطائي ، شاعر كبير ، أحد أشعر أبناء زمانه وهم : المتنبي ، وأبو تمام ، والبحتري ، ولد في منبج بالقرب من حلب رحل الى العراق زمن المتوكل العباسي له ديوان شعر مطبوع يوصف شعره لسلاسته وقوته بسلاسل الذهب والحماسة ـ. مات سنة ٢٤٨ هـ = ٨٩٨ م.

له ترجمة في : هدية الأحباب : ١١٧ / وفيات الاعيان ٦ : ٢١ رقم ٧٧٠ / تاريخ بغداد ١٣ : ٤٧٦ رقم ٧٣٢١ / دائرة المعارف الإسلامية ٣ : ٣٦٥ / الاعلام ٨ : ١٢١ / معجم الادباء ١٩ : ٢٤٨ / ٩٣ / مرآة الجنان ٢ : ٢٠٢ / الاغاني ٢١ : ٣٧ / شذرات الذهب ٢ : ١٨٦. وغيرهاكثير.

(٢) الديوان ١ : ١٧٠ من قصيدة يمدح فيها ابن نيبخت وفيه :

فسقى الغضا والنازليه وان هم

شبوه بين جوانح وقلوب

وانظر معاهد التنصيص ٢ : ٢٦٩ ت ١٢٣ وجامع الشواهد ٢ : ١٦٩

استشهد به كل من صاحب المطول والمختصر في بحث الاستخدام من علم البديع باعتبار كلمة ( الغضا وان لها معنيان )

١٥٨

خاتمة :

اسم التفضيل في قولهعليه‌السلام  : « اللّهم اجعلنا من أرضى من طلع عليه » ، كما يجوز أنْ يكون للفاعل على ما هو القياس ، يجوز أن يكون للمفعول أيضاً ، كما في نحو : أعذر ، وأشهر ، وأشغل ، أي اجعلنا من أعظم المرضيين عندك.

فإن قلت : مجيء اسم التفضيل بمعنى المفعول غير قياسيّ ، بل هومقصورعلى السماع.

قلت : لمّا وقع في كلامهعليه‌السلام  كفى ذلك في تجويز هذا الاحتمال ، ولا يحتاج فيه إلى السماع من غيره قطعاً ، فإنهعليه‌السلام  أفصح العرب في زمانه.

هذا ، وفي كلام بعض أصحاب القلوب ، أنّ علامة رضى الله سبحانه عن العبد رضا العبد بقضائه تعالى ، وهذا يشعر بنوع من اللزوم بين الأمرين.

ولو اُريد باسم التفضيل هنا ما يشملهما ، من قبيل استعمال المشترك في معنييه معاً لم يكن فيه كثير بعد ، ومثله في كلام البلغاء غير قليل [٤١ / أ].

وتعدية الرضاء بالقضاء ، على بقية المطالب التسعة ـ التي ختم بهاعليه‌السلام  هذا الدعاء ـ للاعتناء به ، والاهتمام بشأنه ، فإنّ الرضا بالقضاء من أجلّ المقامات ، وَمَنْ حازه فقد حاز أكمل السعادات ، وصحت منه دعوى المحبة ، التي بها يرتقي إلى أرفع الدرجات ، ولم يتشعب خاطره بورود الحادثات ، واعتوار المصيبات ، ولم يزل مطمئنّ البال ، منشرح الصدر ، متفرغ القلب للاشتغال بمايعنيه من الطاعات والعبادات ، ومن لم يرض القضاء دخل في وعيد « من لم يرض بقضائي »(١) الحديث.

________________________

(١) الظاهر انه اشارة للحديث الشريف الذي رواه الشيخ الصدوققدس‌سره بسنده الى الإمام علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام عن آبائه عن جده امير المؤمنين قال : « سمعت رسول الله

١٥٩

ومع ذلك لا يزال محزوناً مهموماً ، ملازماً للتلهف والتأسف ، على أنّه لمكان كذا؟ ولِمَ لا يكون كذا؟ ، فلا يستقر خاطره أصلاً ، ولا يتفرغ لما يَعنيه أبداً.

ونعم ما قال بعض العارفين : « إنّ حسرتك على الأمور الفانية ، وتدبيرك للأمور الاتية قد أذهبا بركة ساعتك التي أنت فيها ».

* * *

________________________

صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( من لم يرض بقضائي ولم يؤمن بقدري فليلتمس إلهاً غيري ). وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( في كل قضاء الله خيرة المؤمن ) ».

انظر : عيون اخبار الرضا ١ : ١٤١ ت ٤٢ / التوحيد : ٣٧١ ت ١١ / وعنهما في البحار ٦٨ : ١٣٨ ت ٢٥ / دعوات الراوندي : ١٦٩ رقم ٤٧١ / وعنه في البحار ٧٩ : ١٣٢ ت ١٦ / وهكذاكنز العمال ١ : ١٠٦ ت ٤٨٢ ، ٤٨٣ ، عن الطبراني في معجمه الكبير والبيهقي في شعب الايمان / والجامع الصغير ٢ : ٦٤٦ ت ٩٠٢٧ / فيض القدير ٦ : ٢٢٤ ت ٩٠٢٧.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174