فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد0%

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 568

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد كاظم القزويني
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: الصفحات: 568
المشاهدات: 231880
تحميل: 9876

توضيحات:

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 231880 / تحميل: 9876
الحجم الحجم الحجم
فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فَاطِمَةُ الزهْرَاءُعليها‌السلام عَلَى أعتَابِ الزواج

كانت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام قد بلغت من العمر تسع سنوات، ولكنّها كانت تتمتّع بالنمو الجسمي، بل الكمال الجسماني، وكانت تمتاز من صغر سنِّها بالنضج الفكري والرشد العقلي المبكّر، وقد وهب الله لها العقل الكامل والذهن الوقّاد، والذكاء الذي لا يوصف، ولها أوفر نصيب من الحسن والجمال والملاحة، خلقةً ووراثة، فمواهبها كثيرة وفوق العادة، وفضائلها الموروثة والمكتسبة تمتاز عن كل أُنثى وعن كل ابن أُنثى.

وأمّا ثقافتها الدينية والأدبية فحدِّث ولا حرج، وسيتضح لك أنّها أعلم امرأة وأفضلها في العالم كلّه، ولم يشهد التاريخ امرأة حازت الثقافة والعلم والأدب بهذا المستوى، مع العلم أنّها لم تدخل في مدرسة ولم تتخرج من كلّيّة سوى مدرسة النبوّة وكلّيّة الوحي والرسالة.

فلا عجب إذا خطبها مشاهير أصحاب النبي، وكان النبي يعتذر إليهم ويقول: أمرها إلى ربّها، إن شاء أن يزوِّجها زوَّجها.

وروى شعيب بن سعد المصري في (الروض الفائق): (فلمّا استنارت في سماء الرسالة شمس جمالها، وتمّ في أفق الجلالة بدر كمالها، امتدت إليها مطالع الأفكار وتمنّت النظر إلى حسنها أبصار الأخيار، وخطبها سادات المهاجرين والأنصار، ردَّهم (المخصوص من الله بالرضا) وقال: إنّي

١٢١

أنتظر بها القضاء ).

وخطبها أبو بكر وعمر فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّها صغيرة(1) وخطبها عبد الرحمن بن عوف، فلم يجبه النبي بل أعرض عنه.

بعد الانتباه إلى هذه الجملة وهي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنّها صغيرة) يتّضح لنا تزوير الأقوال المروية بولادتها قبل المبعث بخمس سنين؛ إذ لو كان الأمر هكذا لكان عمرها يومذاك ثمانية عشر سنة كيف تكون صغيرة؟ وقد تزوَّج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عائشة وعمرها على أكثر التقادير عشر سنوات، ولم يعتبرها الرسول صغيرة فكيف تكون ابنته الشابة صغيرة لا تصلح للزواج؟

ثم لو كان الأمر كما يزعمون وإنّها ولدت قبل المبعث بخمس سنين لكان عمرها يوم كانت في مكّة - قبل الهجرة - بين السادسة عشرة والسابعة عشرة، وهذه الفترة من العمر أحسن أوقات الزواج، فكيف لم يخطبها أحد في مكّة، لا من بني هاشم ولا من غيرهم بل لم يُسمع أنّها كانت في مظنّة الخطبة والزواج؟؟

وقد روى علي بن المتقي في كتابه: (كنز العمّال ج2 ص99) عن أنس بن مالك قال: جاء أبو بكر إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقعد بين يديه فقال: يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقِدَمي في الإسلام وأنّي وأنّي...

قال: وما ذاك؟

____________________

(1) فضائل أحمد بن حنبل، والنسائي في الخصائص ص31 وابن الجوزي في التذكرة ص316.

١٢٢

قال: تزوّجني فاطمة.

فسكت عنه أو قال: فأعرض عنه، فرجع أبو بكر إلى عمر فقال: هلكتُ وأهلكت.

قال: وما ذاك

قال: خطبت فاطمة إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأعرض عنّي، قال عمر: مكانك حتى آتي النبي فأطلب منه مثل الذي طلبت. فأتى عمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقعد بين يديه فقال: يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقِدَمي في الإسلام وأنّي وأنّي.. قال: وما ذاك؟ قال: تزوّجني فاطمة. فأعرض عنه، فرجع عمر إلى أبي بكر فقال: إنّه ينتظر أمر الله فيها.

وروى الهيثمي في (مجمع الزوائد): أنّ كُلاًّ من أبي بكر وعمر أمر ابنته أن تخطب فاطمة من رسول الله، فذكرت كل واحدة منهما فاطمة لأبيها، فأجابها رسول الله: حتى ينزل القضاء، فتمنَّت كل واحدة منهما أنّها لم تكن ذكرت للنبي شيئاً.

ولعلّ الرسول ما يكن يحب أن يصارحهم بأنّه يدّخرها لكفؤها، وما أحب أن يصارحهم بأنّهم ليسوا بأكفاء لها أو يفاجئهم بأنّ مستوى ابنته فوق المستويات.

كان الرسول يرى أن تجري الأشياء على مجراها الطبيعي، وكان الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام قد نزل في بيت سعد بن معاذ (على قول) منذ وصوله إلى المدينة، فجاء إليه سعد بن معاذ وهو في بعض بساتين المدينة وقال: ما يمنعك أن تخطب فاطمة من ابن عمّك؟

١٢٣

وفي (منتخب العمّال): انطلق عمر إلى عليرضي‌الله‌عنه فقال: ما يمنعك من فاطمة فقال: أخشى أن لا يزوِّجني! قال: فإن يزوِّجك فمَن يزوّج؟ وأنت أقرب خلق الله إليه.. إلخ.

إنّ عليّاً لم يذكر فاطمة طيلة حياته لأي أحد، ولم يذكر رغبته حياءً من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم ظروفه الاقتصادية يومذاك كانت قاسية جدّاً، فما كان يملك من حطام الدنيا أموالاً ولا يملك في المدينة داراً ولا عقاراً، فكيف يتزوّج؟ وأين يتزوّج؟ وأين يسكن؟

وليست السيدة الزهراء بالمرأة التي يُستهان بها في زواجها!

ولكن، لما كان المقصود من الزواج تشكيل البيت الزوجي وتأْسيس الصرح العائلي، ولم تكن قضية الجنس في طليعة الهدف بل كانت في ضمن الزواج فقد جاء الإسلام ليفتح الأغلال والتقاليد التي حبست على الناس سنّة الزواج، وشدّدت عليهم هذا الأمر الذي يعتبر من ضروريات الفطرة، ومن لوازم نظام البقاء والحياة الزوجية والعائلية.

فقد أصبح الزواج - بفضل الإسلام - أمراً سهلاً مستسهلاً، فالتعصّب القبَلي والعنصري قد أشرف على الزوال، وكان الرسول في دَور التكوين، وهو القدوة والأُسوة للمسلمين، وحركاته وسكناته، وأعماله وأفعاله ستكون حجّة ودليلاً عند المسلمين، فكان الرسول يحارب تقاليد الجاهلية وعادات الكفر باللسان واليد، قولاً وفعلاً.

فقد أتاه علي يخطب منه ابنته فاطمة، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله له الولاية العامة على جميع المسلمين والمسلمات، وعلى ابنته ومَن عداها، ولكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله حفظ لفاطمة كرامتها، ولم يعلن موافقته للزواج قبل الاستئذان من فاطمة، وبعمله هذا أعلن أنّه لابد من

١٢٤

موافقة البنت؛ لأنّها هي التي تريد أن تعيش مع زوجها، وتكون شريكة حياته، ويكون شريك حياتها.

إنّ تزويج البنت بغير إذنها أو موافقتها إهدار لكرامتها وتحقير لنفسيّتها، وتحطيم لشخصيتها، وتصريح عملي لها أنّها لا يحق لها إبداء رأيها حول انتخاب الزوج فكأنّها بهيمة أو داجنة تباع وتوهب بلا إذن منها أو موافقة.

فقال الرسول: يا علي قد ذكراها قبلك رجال، فذكرت ذلك لها، فرأيت الكراهة في وجهها، ولكن على رسلك حتى أخرج إليك.

قام الرسول وترك عليّاً جالساً ينتظر النتيجة. ودخل على ابنته فاطمة، وأخبرها بأنّ عليّاً جاء يطلب يدها؛ ربّما يحتاج الأب إلى أن يخبر ابنته عمّن جاء يخطبها ويذكر لها أوصافه من حيث العمر والمهنة وبقيّة الخصوصيات إذا لم يكن معروفاً، لتكون البنت على علم وبصيرة.

ولكن هنا لا حاجة إلى ذلك، فعليّعليه‌السلام أعرف من أن يعرّف، وفاطمة تعرف عليّاً وتعرف سوابقه ومواهبه وفضائله، ولا تجهل شيئاً. فاكتفى الرسول بأن قال: يا فاطمة إنّ علي بن أبي طالب مَن قد عرفتِ قرابته وفضله وإسلامه، وإنّي قد سألت ربّي أن يزوِّجك خير خلقه، وأحبَّهم إليه، وقد ذكر عن أمرك شيئاً، فما ترين؟

فسكتت، ولم تولّ وجهها، ولم ير فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كراهة، فقام وهو يقول: الله أكبر! سكوتها إقرارها.

اعتبر الرسول سكوتها موافقة ورضىً منها على الزواج؛ إذ لا ينتظر من الفتاة البكر الحييّة (ذات الحياء) أن تصرّح بموافقتها، بل ينتظر منها التصريح بالمخالفة والرفض عند عدم الموافقة؛ لأنّ الحياء يمنع التصريح

١٢٥

بالموافقة، ولا يمنع التصريح بالرفض.

ورجع النبي إلى علي وهو ينتظر، فأخبره بالموافقة، وسأله عن مدى استعداده لاتخاذ التدابير اللازمة لهذا الشأن، إذ لابد من الصداق إذ لا بد من الصداق شرعاً وعرفاً، وسيكون هذا الزواج مثالياً نموذجياً، ويكون له صدىً ودويّ على مَرّ الأجيال، فلابدّ من رعاية جميع جوانبه، ولا يصح إهمال أي ناحية منه مع رعاية البساطة:

فقال النبي لعلي: هل معك شيء أزوّجك به؟

فقال علي: فداك أبي وأمي! والله لا يخفى عليك من أمري شيء، أملك سيفي ودرعي وناضحي!!(1) .

هذه ثروة علي، وجميع ما يملكه من حطام الدنيا وهو مقبل على الزواج.

تلقّى كلامه برحابة صدر، وقال: يا علي! أمّا سيفك فلا غنى بك عنه، تجاهد به في سبيل الله، وتقاتل به أعداء الله، وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك، وتحمل عليه رحلك في سفرك، ولكنّي قد زوجتك بالدرع ورضيت بها منك، بِع الدرع وائتني بثمنه!!

كان عليعليه‌السلام قد أصاب هذه الدرع من مغانم غزوة بدر كان كما ذكره العسقلاني في (الإصابة ج4 ص365) وقد كان النبي أعطاه إيّاها، وكانت تسمَّى (الحطمية) لأنّها كانت تحطِّم السيوف أي تكسِّرها، كما في (لسان العرب).

فباع عليعليه‌السلام الدرع بأربعمائة وثمانين أو بخمسمائة

____________________

(1) الناضح: البعير الذي يُحمل عليه الماء.

١٢٦

درهم، وجاء بالدراهم إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وطرحها بين يديه، وتمَّ الوفاق على أن يكون ثمن الدرع صداقاً لأشرف فتاة في العالم، وأفضل أُنثى في الكون، وهي سيّدة نساء العالمين، وبنت سيّد الأنبياء والمرسلين وأشرف المخلوقين!!

زوَّج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ابنته الطاهرة من علي بن أبي طالب بهذه البساطة والسهولة ليفكِّك أغلال التقاليد التي قيَّد الناس بها أنفسهم، لقد صنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما صنع ليقتدي به الناس الذين هم دونه في الشرف والمنزلة بملايين الدرجات.

وزوَّج ابنته وهي سيّدة نساء العالمين بمهر قليل كي لا تستنكف الفتاة المسلمة أن تتزوج بمهر قليل.

وغير ذلك من الحِكَم والفوائد التي لا مجال لذكرها هنا، فقد جرى كل هذا في الأرض.

ولكنّ الله تعالى حفظ لسيّدة النساء كرامتها، فقد زوَّج الله فاطمة الزهراء من علي بن أبي طالب قبل أن يزوِّجها أبوها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من علي، وليس ذلك ببعيد، فقد زوَّج الله مَن هي دون فاطمة الزهراء بدرجات ومراتب كثيرة، أليس الله قد زوَّج زينب بنت جحش من رسول الله بقوله تعالى:( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا ) .

أليس الله قد زوّج رسوله امرأة مؤمنة وهبت نفسها للنبي؟ فما المانع أن ينعقد مجلس العقد أو حفلة القِران في السماوات العلى، ويحضرها الملائكة المقرّبون كما صرَّحت بذلك الأحاديث؟

كل ذلك كرامة لها ولأبيها، وبعلها وبنيها الذين سيولدون منها،

١٢٧

وهم حجج الله على الخلق أجمعين.

كانت حفلة القِران التي أُقيمت في السماء الرابعة عند البيت المعمور وحيدة من نوعها فريدة بمزاياها، لم يشهد الكون مثلها، فقد اجتمع ملائكة السماوات كلّها في السماء الرابعة ونُصب منبر الكرامة، وهو منبر من نور، وأوحى الله تعالى إلى مَلَكِ من ملائكة حُجُبه يقال له: (راحيل) أن يعلو ذلك المنبر، وأن يحمده بمحامده، ويمجِّده بتمجيده، وأن يثني عليه بما هو أهله، وليس في الملائكة أحسن منطقاً ولا أحلى لغةً من راحيل المـَلَك، فعلا المنبر وقال:

(الحمد لله قبل أزليَّة الأولِّين، الباقي بعد فناء العالمين، نحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيين، وبربوبيته مذعنين، وله على ما أنعم علينا شاكرين، وحَجَب عنّا النهم للشهوات، وجعل نهمتنا وشهوتنا في تقديسه وتسبيحه.

الباسط رحمته، الواهب نعمته، جلَّ عن إلحاد أهل الأرض من المشركين وتعالى بعظمته عن إفك الملحدين ثم قال - بعد كلام -:

اختار الله الملك الجبّار صفوة كرمه، وعبد عظمته لأمَته سيّدة النساء، بنت خير النبيين وسيّد المرسلين وإمام المتقين، فوصل حبله بحبل رجل من أهله، صاحبه المصدّق دعوته، المبادر إلى كلمته، على الوَصول بفاطمة البتول ابنة الرسول.

ثم أعقبه جبرئيل عن الله تعالى قوله: (الحمد ردائي، والعظمة كبريائي، والخلق كلّهم عبيدي وإمائي، زوّجت فاطمة أمَتي من علي صفوتي اشهدوا يا ملائكتي)(1) .

وقد روى هذا الحديث جمع من علماء العامة منهم:

____________________

(1) بحار الأنوار ج 43.

١٢٨

عبد الرحمن الصفوري في (نزهة المجالس ج2 ص223)، عن جابر بن عبد اللهرضي‌الله‌عنه : دخلت أُم أيمن على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي تبكي، فسألها عن ذلك.

فقالت: دخل عليَّ رجل من الأنصار وقد زوَّج ابنته، وقد نثر عليها اللوز والسكر، فتذكّرت تزويجك فاطمة ولم تنثر عليها شيئاً.

فقال: والذي بعثني بالكرامة، وخصّني بالرسالة إنّ الله لما زوج عليّاً فاطمة وأمر الملائكة المقرّبين أن يحدقوا بالعرش، فيهم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، وأمر الطيور أن تغنّي، فغنّت، ثم أمر شجرة طوبى أن تنثر عليهم اللؤلؤ الرطب مع الدر الأبيض مع الزبرجد الأخضر مع الياقوت الأحمر.

وفي رواية: إنّ الزواج عند سدرة المنتهى ليلة المعراج وأوحى الله إليها أن انثري ما عليك فنثرت الدر والجوهر والمرجان.

وذكر الحافظ أبو نعيم في (حلية الأولياء ج5 ص59): عن عبد الله بن مسعود.. ثم أمر الله شجرة الجنان فحملت الحلي والحلل، ثم أمرها فنثرته على الملائكة، فمن أخذ منهم شيئاً يومئذ أكثر مما أخذ غيره افتخر به إلى يوم القيامة.

ورواه جماعة كالخوارزمي في (مقتل الحسين)، والعسقلاني في (لسان الميزان) و(تهذيب التهذيب) والقندوزي في (ينابيع المودّة).

وفي نزهة المجالس: عن أنس بن مالك رضي الله عنه: بينما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد إذ قال لعليِّ: هذا جبرئيل أخبرني أنّ الله قد زوَّجك فاطمة؛ وأشهد على تزويجها أربعين ألف ملَك، وأوحى إلى شجرة طوبى أن انثري عليهم الدرَّ والياقوت والحلي والحلل، فنثرت عليهم، فابتدرت الحور العين يلتقطن من أطباق الدر والياقوت والحلي والحلل، فهم يتهادونه إلى يوم القيامة.

١٢٩

ورواه السيوطي في (تحذير الخواص).

وأجرى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله صيغة العقد في المسجد وهو على المنبر، بمرأى من المسلمين ومسمع.

وهكذا سنَّ رسول الله الإعلان والإشهاد في عقد النكاح، وكميَّة الصداق كي يقتدي به المسلمون فلا يغالوا في الصداق

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا تغالوا في الصداق فتكون عداوة).

وجعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله المهر الذي جرت عليه السنَّة خمسمائة درهم، وتزوَّج رسول الله بزوجاته بهذا المبلغ من الصداق وكذلك الأئمّة من أهل البيتعليهم‌السلام كانوا لا يتعدّون هذا المبلغ في الزواج.

باع عليّعليه‌السلام الدرع، وجاء بالثمن للرسول، فقسّم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله المبلغ أثلاثاً: ثلثاً لشراء الجهاز، وثلثاً لشراء الطيب والعطر للزفاف، وثلثاً تركه أمانة عند أُمّ سلمة ثم ردّه إلى عليٍّ قُبيل الزفاف إعانةً ومساعدة منه إليه لطعام وليمة الزفاف.

من الطبيعي أنّ زواج عليعليه‌السلام من السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام كان سبب هياج الحسد والعداء في بعض القلوب، وخاصة وأنّ بعضهم كان قد خطب فاطمة من أبيها فرفض طلبه، وأعرض عنه، فلا عجب إذا جاء إلى الرسول أُناس من قريش فقالوا: إنّك زوّجت عليّاً بمهرٍ خسيس. فقال لهم: ما أنا زوّجت عليّاً، ولكنّ الله زوَّجه ليلة أسرى بي عند سدرة المنتهى.. إلى آخره(1) .

____________________

(1) مَن لا يحضره الفقيه.

١٣٠

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّما أنا بشر مثلكم، أتزوج فيكم وأزوِّجكم إلاَّ فاطمة، فإنّ تزويجها نزل من السماء(1) .

ودفع الرسول شيئاً من المال لأبي بكر ليشتري لفاطمة متاعاً لبيتها الزوجي وبعث معه بلالاً، وسلمان ليُعيناه على حمل ما يشتري، وقيل: أردفه بعمّار بن ياسر وجماعة، وقال لأبي بكر: اشترِ بهذه الدراهم لابنتي ما يصلح لها في بيتها.

قال أبو بكر: وكانت الدراهم التي أعطاني إيّاها ثلاثة وتسعين درهماً، فحضروا السوق فكانوا يعترضون الشيء ممّا يصلح، فكان ما اشتروه:

1 - فراشان من خيش مصر، حشو أحدهما ليف، وحشو الآخر من جز الغنم.

2 - نطع من أدم (جلد).

3 - وسادة من أدم حشوها من ليف النخل.

4 - عباءة خيبرية.

5 - قربة للماء.

6 - كيزان (جمع كوز) وجرار (جمع جرّة) وعاء للماء.

7 - مطهّرة للماء مزفّتة.

8 - ستر صوف رقيق.

9 - قميص بسبعة دراهم.

10 - خمار بأربعة دراهم.

11 - قطيفة سوداء.

12 - سرير مزمّل بشريط.

____________________

(1) الكافي.

١٣١

13 - أربعة مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر (نبات معروف).

14 - حصير هجري.

15 - رحى لليد.

16 - مخضب من نحاس.

17 - قعب للبن.

18 - شنّ للماء.

حتى إذا استكمل الشراء حمل أبو بكر بعض المتاع وحمل أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الباقي، فلمّا عرض المتاع على رسول الله وكان في حجرة أُمّ سلمة جعل يقلّبه بيده ويقول: بارك الله لأهل البيت.

وفي رواية: رفع رأسه إلى السماء وقال: اللّهمّ بارك لقومٍ جُلُّ آنيتهم الخزف.

هذا جميع الأثاث والمتاع الذي اشتروه لابنة سيّد الأنبياء، وهي أشرف أُنثى، وسيّدة نساء العالمين.

نعم، إنّ السعادة الزوجية لا تحصل عن طريق البذخ والترف والسرف، فإنّ الملابس الفاخرة، والكراسي الثمينة، والأحجار الكريمة وأواني الذهب والفضّة، والفرش الغالية والستائر القيّمة، والقصور الشاهقة والسيارات الضخمة، ووسائل التنوير والتبريد والتدفئة، وغيرها ليست من أسباب السعادة الزوجية التي يتصوّرها البسطاء من الناس.

فكم من امرأة ترفل في ثيابها وبدلاتها، وتجلس على فراش وثير، وتتلألأ الحلي - المرصّع بالمجوهرات - على جيدها ومعصميها، وشحمة أُذنيها، ومع ذلك كلّه تشعر بأنّها في جحيم، وتعتبر نفسها شقيّة في الحياة غير سعيدة في دنياها.

١٣٢

وكم من امرأة تعيش في كوخ أو بيت متواضع، تطحن وتعجن وتخبز وتغسل وتكنس وترضع وتتعب وتعيش بكل بساطة، محرومة عن مئات الوسائل مع ذلك تشعر بأنّها سعيدة في حياتها، وكأنّ بيتها الصغير الضيّق البسيط جنّة عدن.

ونفس هذا الكلام يجري في الرجال، فترى القصر المنيف المشيَّد الشامخ جحيماً على الرجل، يدخله كرهاً، وكأنَّه في قفص، ويحاول الخروج منه ساعة قبل ساعة.

وترى البيت المتواضع الحقير يأوي إليه الرجل بكل شوق ورغبة، ولا يحب مغادرة بيته حينما يرى البيت الزوجي مبنيّاً على أُسس السعادة والخير.

ولكن مع الأسف أنّ ملايين الفتيان والفتيات يتصوّرون أنّ السعادة الزوجية والحياة السعيدة تحصل عن طريق الثروة والأثرياء، ويعتبرون البساطة في المعيشة من وسائل الشقاء وعلائم الحرمان.

فيبقى هؤلاء المساكين غير متزوّجين وغير متزوّجات، ينتظرون السعادة الزوجية تطرق باب دارهم!!

١٣٣

مِنْ صدَاقِ فَاطِمَةعليها‌السلام

الشّفَاعَة يَوْم القيَامَة

إن كانت السيدة فاطمةعليها‌السلام قد تزوّجت بهذا المهر القليل نزولاً عند رغبة أبيها الرسول - حتى يقتدي به المسلمون - وتحقيقاً لأهدافه الحكيمة، فليس معنى ذلك أن تنسى السيدة فاطمة نفسها، أو تنسى عظمتها، بل لابدّ من المحافظة على مقامها الأسمى وحقيقتها الشريفة، ومكانتها العليا، وطموحها نحو الفضائل والقيم، ولهذا فقد روى أحمد بن يوسف الدمشقي في: (أخبار الدول وآثار الأول) قال: (وقد ورد في الخبر أنّها لما سمعت بأنّ أباها زوّجها وجعل الدراهم مهراً لها، فقالت: يا رسول الله إنّ بنات الناس يتزوّجن بالدراهم فما الفرق بيني وبينهن؟ أسألك أن تردّها، وتدعو الله تعالى أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أُمّتك، فنزل جبرئيلعليه‌السلام ومعه بطاقة من حرير مكتوب فيها: (جعل الله مهر فاطمة الزهراء شفاعة المذنبين من أُمّة أبيها) فلمّا احتضرت أوصت بأن توضع تلك البطاقة على صدرها تحت الكفن. فوضعت، وقالت: إذا حشرت يوم القيامة رفعت تلك البطاقة بيدي وشفعت في عصاة أُمّة أبي(1) .

إنّ هذا الحديث - كما تراه - يدل على ما كانت تتمتّع به السيدة فاطمة الزهراء من علو الهمّة وسموّ النفس، وعظمة الشخصية، وبُعد

____________________

(1) سنوافيك في أواخر هذا الكتاب بطائفة كبيرة من الأحاديث حول شفاعتها يوم القيامة.

١٣٤

المدى، وجلالة القدر، فإنّها تطلب من أبيها الرسول أن يدعو الله تعالى أن يمنحها هذا الحق العظيم وهو الشفاعة في يوم القيامة. وأستجيب دعاء الرسول ونفِّذ طلبه، ونزل صكٌّ من السماء إجابة لهذا الطلب، وستبرز السيدة فاطمة ذلك الصك عند الحاجة، كما روى الصفوري في (نزهة المجالس) قال: قال النسفي: سألت فاطمة رضي الله عنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يكون صداقها الشفاعة لأُمّته يوم القيامة، فإذا صارت على الصراط طلبت صداقها.

وقد وردت روايات كثيرة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام حول أنّ الله تعالى جعل الشفاعة يوم القيامة من صداق السيدة فاطمة الزهراء.

١٣٥

الزّفَافُ وَمُقدّمَاتُه

وقعت فترة بين العقد والزفاف بدون قصد، بل إنّ عليّاًعليه‌السلام كان يستحي أن يطالب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بزوجته، وكان الرسول أيضاً يحافظ على كرامة السيدة فاطمة فما ينبغي له أن يزف ابنته قبل مطالبة زوجها ذلك.

وطالت تلك الفترة شهراً أو شهوراً، وبقي الأمر مسكوتاً عنه، وأخيراً جاء عقيل إلى علي يسأله عن سبب السكوت والقعود، ويستنهضه للقيام بمقدمات الزفاف وكان عليعليه‌السلام يستحي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يطالبه أن يزفّ السيدة فاطمة ولكن عقيلاً ألحّ عليه، فخرجا يريدان الدخول على الرسول للمذاكرة حول الموضوع.

التقت أُمّ أيمن بهما، وسألت منهما عدم التدخّل مباشرةً، وتكفّلت هي إنهاء الأمر، ولهذا ذهبت إلى أُمّ سلمة فأعلمتها بذلك، وأعلمت نساء النبي، فاجتمعن عند الرسول وكان في بيت عائشة فأحدقن به، وقلن: فديناك بآبائنا وأُمّهاتنا يا رسول الله! قد اجتمعنا لأمر لو أنّ خديجة في الأحياء لقرَّت بذلك عينها!!

فلمّا سمع النبي اسم خديجة بكى، ثم قال: خديجة وأين مثل خديجة؟ صدَّقتني حين كذّبني الناس، وآزرتني على دين الله، وأعانتني عليه بمالها!!

١٣٦

إنّ الله عزّ وجل أمرني أن أبشّر خديجة ببيت في الجنّة من قصب الزمرد، لا صخب فيه ولا نصب.

قالت أم سلمة: فقلنا: فديناك بآبائنا وأُمّهاتنا يا رسول الله إنّك لم تذكر من خديجة أمراً إلاَّ وقد كانت كذلك، غير أنّها مضت إلى ربّها، فهنَّأها الله بذلك، وجمع بيننا وبينها في درجات جنّته ورضوانه ورحمته.

يا رسول الله! هذا أخوك في الدنيا، وابن عمّك في النسب، علي بن أبي طالب يحب أن تُدخل عليه زوجته فاطمة تجمع بها شمله.

وفي رواية: إنّ المتكلّمة هي أُمّ أيمن قالت: يا رسول الله! لو أنّ خديجة باقية لقرَّت عينها بزفاف فاطمة، وإنّ عليّاً يريد أهله، فقرّ عين فاطمة ببعلها، واجمع شملهما، وقرّ عيوننا بذلك.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : فما بال علي لا يسألني ذلك؟

قالت: الحياء منك يا رسول الله!!

فقال - لأُم أيمن -: انطلقي إلى علي فائتيني به.

خرجت أم أيمن، فإذا علي ينتظر ليسألها عن جواب رسول الله، وحضر عليعليه‌السلام عند الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وجلس مطرقاً رأسه نحو الأرض حياءً منه، فقال له: أتحب أن تدخل عليك زوجتك؟ قال: نعم، فداك أبي وأمي! قال: نعم، وكرامة، أدخلها عليك في ليلتنا هذه أو ليلة غد إن شاء الله.

هيئ منزلاً حتى تحوِّل فاطمة إليه .

قال علي: ما هاهنا منزل إلاَّ منزل حارثة بن النعمان.

فقال النبي: لقد استحينا من حارثة بن النعمان، قد أخذنا عامة منازله!!

١٣٧

فوصل الخبر إلى حارثة، فجاء النبي وقال: يا رسول الله! أنا ومالي لله ولرسوله، والله ما شيء أحبّ إليّ ممّا تأخذه، والذي تأخذه أحبّ إليَّ ممّا تتركه!!

يا لروعة الإيمان بالله والرسول.

يا لجمال الاعتقاد بالآخرة والأجر والثواب!!

جعل حارثة أحد منازله تحت تصرّف علي، وقام علي بتأثيث حجرة العروس وتجهيزها، فقد بسط كثيباً (رملاً) في أرض الحجرة، ونصب عوداً يوضع عليه القربة واشترى جرّة وكوزاً، ونصبوا خشبة من حائط إلى حائط للثياب!!، وبسط جلد كبش، ومخدّة ليف!

هذا جميع ما كان يتمتّع به عليعليه‌السلام من متاع الحياة الدنيا وزخرفها!! لقد مرّ عليك أنّ الصداق الذي استلمه النبي من علي قسّمه أثلاثاً: ثلثاً اشترى به المتاع، وثلثاً للطيب بمناسبة الزفاف، وثلثاً تركه أمانة عند السيدة أُمّ سلمة، استرجع النبي الثلث الأخير من الصداق، وسلَّمه إلى علي كمساعدة، حيث إنّه في مقتبل حياة جديدة، والحاجة ماسَّة إلى المال كما لا يخفى، وقال: يا علي إنّه لابدّ للعروس من وليمة:

يا لشرف الإنسانية!!

يا لعظمة الأخلاق!!

يا لصدق المحبّة والعاطفة!!

وتقدّم بعض الأصحاب إلى علي ببعض الهدايا، وأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً أن يصنع طعاماً فاضلاً، أمره بالوليمة لأنّ الله تعالى يحب إطعام الطعام؛ لأنّ الوليمة فيها خير

١٣٨

كثير، وفائدة عامّة ومنافع جمّة، فهي إشباع البطون الجائعة، وغرس المحبّة في القلوب، وقبل كل شيء فيها رضا الله سبحانه.

ولكنّنا - يا للأسف - استبدلنا الوليمة بحفلة القِران واستبدلنا الإطعام بتناول بعض المرطبات والحلويات التي لا تُسمن ولا تغني من جوع!!

ومن الضروري أن لا ننسى أنّ السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام قد ضربت الرقم القياسي في الإنفاق في سبيل الله، والإيثار ابتغاء وجه الله، ولعلّك لا تجد مثيلة لهذه المكرمة في تاريخ النساء! فقد روى الصفوري في (نزهة المجالس ج2 ص226) عن ابن الجوزي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صنع لها قميصاً جديداً ليلة عرسها وزفافها وكان لها قميص مرقوع وإذا بسائل على الباب يقول: أطلب من بيت النبوّة قميصاً خَلِقاً، فأرادت أن تدفع إليه القميص المرقوع، فتذكّرت قوله تعالى:( لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) . فدفعت له الجديد، فلمّا قرب الزفاف نزل جبرئيل قال: يا محمد! إنّ الله يقرؤك السلام، وأمرني أن أُسلِّم على فاطمة، وقد أرسل لها معي هدية من ثياب الجنّة من السندس الأخضر.. الخ.

لقد تهيّأ طعام الوليمة، فلقد طبخ اللحم، وحضر الخبز، والتمر والسمن، وأقبل رسول العظمةصلى‌الله‌عليه‌وآله وحسر عن ذراعيه، وجعل يشدخ التمر في السمن ليكونا بمنزلة الحلويات والفطائر، وأمر النبي عليّاً أن يدعو الناس إلى وليمته.

أقبل عليعليه‌السلام إلى المسجد، والمسجد غاص بالمسلمين وهناك أهل الصفّة وهم المهاجرون الذين ما كانوا يملكون يومذاك شيئاً. وهناك أهل المدينة من الأنصار وغيرهم وليسوا من الأغنياء، فما يصنع علي بهذا العدد الكثير مع الطعام القليل؟

ونفسيّته الطاهرة الشريفة لا تسمح له أن يدعو قوماً ولا يدعو قوماً

١٣٩

آخرين فالكل يحبّون أن يأكلوا من وليمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والجميع يرغبون إلى الحضور في تلك المأدبة المباركة.

لكن إيمان علي بقدرة الله تعالى، واعتقاده ببركات يمين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هوَّن عليه كل شيء، فصعد على مكانٍ عالٍ، يسمعه كل أحد، ونادى: (أيّها الناس أجيبوا إلى وليمة فاطمة بنت محمد).

فوَصل صوت علي حتى إلى بساتين المدينة ومزارعها، وأقبل الناس رجالاً ونساءً وحتى أهل البساتين، يأكلون ويشربون، ويحملون معهم من ذلك الطعام.

وهنا ظهرت بركة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ إنّ الطعام لم ينفد، بل وكأنّه لم ينقص، ودعا رسول الله بالأواني فمُلئت بالطعام، ووجَّه بها إلى بيوت زوجاته وأخذ صفيحة (آنية) وقال: هذه لفاطمة وبعلها!!

وغابت الشمس من ذلك اليوم، واقترب زفاف السيدة فاطمة إلى دار زوجها.

فهنا اتخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جميع التدابير اللازمة لزفاف ابنته فاطمة، وبالرغم من أنّ زواج السيدة فاطمة كان يمتاز بالبساطة والسهولة والابتعاد عن التكلّف والترف، وما أشبه ذلك إلاَّ أنّه كان محاطاً بآيات العظمة والجلالة والجمال حتى روى الهيثمي في مجمع الزوائد، عن جابر أنّه قال: حضرنا عرس علي وفاطمةرضي‌الله‌عنهما فما رأينا عرساً كان أحسن منه.. الخ.

أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله زوجاته بتزيين السيدة

١٤٠