فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد0%

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 568

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد كاظم القزويني
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: الصفحات: 568
المشاهدات: 231918
تحميل: 9876

توضيحات:

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 231918 / تحميل: 9876
الحجم الحجم الحجم
فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فاطمة الزهراءعليها‌السلام استعداداً للزفاف، فقامت النسوة فضمَّخنها بالطيب، وألبسنها الحلي، فكانت إحداهن تمشّط شعرها، والأُخرى بتزيينها ولبست الحلَّة التي جاء بها جبرئيل من الجنّة، وكانت الحلَّة لا تُقوَّم بقيمة، ولا تثمَّن بثمن.

وإنّما بذل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه العناية الخاصة، وخصَّ ابنته السيدة فاطمة الزهراء بعواطفه الغزيرة دون سائر بناته لأسباب، منها:

فضائلها الشخصية، ومزاياها النفسية.

وأنّ زوجها علي بن أبي طالب صاحب المواهب والسوابق وهو ابن عمّ الرسول، ولم يكن في أصهاره مَن له تلك القرابة القريبة والمنزلة الخصيصة.

وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعلم أنّ ابنته الطاهرة ستشملها آية التطهير وآية المباهلة والقربى.

وأنّها أُمّ الأئمّة الطاهرين إلى يوم القيامة.

لقد جاءت تلك الليلة التي ستشعر السيدة فاطمة بأنّها يتيمة، وتشعر بفقدان أُمّها خديجة، والأُم لها دور مهم في ليلة عرس ابنتها، ولكن أين خديجة هذه الليلة؟

ولمّا انصرفت الشمس نحو الغروب دعا الرسول بابنته الطاهرة ودعا بصهره العظيم فأقبلت السيدة فاطمة، وقد لبست ثوباً طويلاً، تجرّ ذيلها على الأرض، وقد تصبّبت عرقاً حياءً من أبيها سيّد الأنبياء.

وقد شاء الله تعالى أن يكون زواج السيدة فاطمة ممتازاً من جميع الجوانب والنواحي وهكذا أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن

١٤١

لا تشعر ابنته العزيزة باليتم، ولهذا، ولغير ذلك أتى النبي ببغلته الشهباء، وثنى عليها قطيفة، وقال لفاطمة: اركبي.

وأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سلمان أن يقود البغلة، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يسوقها(1) .

بالله عليك - أيها القارئ - هل سمعت أو قرأت في تاريخ عظماء الدنيا - من أنبياء وملوك ووزراء وسلاطين - أن بنتاً تزف إلى دار زوجها، وسيِّد الأنبياء يسوق بغلتها؟

نعم، لقد اشترك أهل السماء مع أهل الأرض في زفاف الإنسية الحوراء.

فقد روى الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد ج5 ص7) والجويني في (فرائد السمطين) والذهبي في (ميزان الاعتدال) والعسقلاني في (لسان الميزان) والقرماني في (أخبار الدول) والقندوزي في (ينابيع المودة) عن ابن عباس أنّه قال:

لمّا زُفت فاطمة إلى علي كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قُدّامها، وجبرئيل عن يمينها، وميكائيل عن يسارها، وسبعون ألف ملك خلفها، يسبّحون الله ويقدّسونه حتى طلع الفجر.

ورُوي عن الإمام موسى بن جعفر عن آبائهعليهم‌السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (... فلما كانت ليلة الزفاف أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببغلته الشهباء(2) وثنى عليها قطيفة، وقال: اركبي.

____________________

(1) بحار الأنوار ج 43.

(2) كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد سمّى ناقته: العضباء، وبغلته: الشهباء، وعصاه: الممشوق، وعمامته: السحاب. وهكذا.

١٤٢

وأمر سلمان أن يقودها، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسوقها.

فبينما هو في بعض الطريق إذ سمع النبي وجبة(1) فإذا هو بجبرئيل في سبعين ألفاً، وميكائيل في سبعين ألفاً.

فقال النبي: ما أهبطكم إلى الأرض؟

قالوا: جئنا نزفّ فاطمة إلى علي بن أبي طالب.

فكبّر جبرئيل، وكبَّر ميكائيل، وكبّرت الملائكة، وكبّر محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة(2) .

وهكذا اجتمع رجالات بني هاشم يمشون في موكب السيّدة. وأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بنات عبد المطلب (عمّاته) ونساء المهاجرين والأنصار أن يرافقن فاطمة في تلك المسيرة وكانت زوجات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يمشين قُدَّامها، ويرجزن فكانت أُمّ سلمة تقول:

سِرنَ بعون الله جاراتي

واشكرنه في كل حالاتِ

واذكرن من أنعم ربّ العلى

من كشف مكروه وآفاتِ

فقد هدانا بعد كفرٍ، وقد

أنعشنا ربُّ السماواتِ

وسرن مع خير نساء الورى

تُفدى بعمَّاتٍ وخالاتِ

يا بنت مَن فضّله ذو العلى

بالوحي منه والرسالاتِ

ثم قالت عائشة:

يا نسوة استترن بالمعاجر

واذكرن ما يحسن في المحاضرِ

واذكرن ربَّ الناس إذ يخصّنا

بدينه مع كل عبدٍ شاكرِ

والحمد لله على أفضاله

والشكر لله العزيز القادرِ

____________________

(1) الوجبة: السقطة مع الهدَّة.

(2) أمالي الطوسي ج 1 ص 263.

١٤٣

سرن بها فالله أعطى ذكره

وخصّها منه بطهر طاهرِ

ثم قالت حفصة:

فاطمة خير نساء البشر

ومَن لها وجه كوجه القمر

فضَّلك الله على كل الورى

بفضل مَن خصَّ بآي الزمَّر

زوَّجك الله فتىً فاضلاً

أعني عليّاً خير مَن في الحضر

فَسرن جاراتي بها إنّه

كريمة بنت عظيم الخطر

ثم قالت معاذة أم سعد بن معاذ:

أقول قولاً فيه ما فيه

وأذكر الخير وأبديه

محمد خير بني آدمٍ

ما فيه من كبرٍ ولا تيه

بفضله عرَّفنا رشدنا

فالله بالخير يجازيه

ونحن مع بنت نبيّ الهدى

ذي شرفٍ قد مكنت فيه

في ذروةٍ شامخة أصلها

فما أرى شيئاً يدانيه

وكانت النسوة يرجّعن أوّل بيت من كل رجز، ودخلن الدار، ثم أنفذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي ودعاه ثم دعا فاطمة فأخذ يدها ووضعها في يد علي وقال: بارك الله في ابنة رسول الله.

يا علي! هذه فاطمة وديعتي عندك!

يا علي! نعم الزوجة فاطمة!

ويا فاطمة! نعم البعل علي!!

اللّهمّ بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في سبيلهما، اللّهمّ إنّهما أحبّ خلقك إليّ فأحبّهما، واجعل عليهما منك حافظاً، وإنّي أعيذهما بك وذرّيّتهما من الشيطان الرجيم.

ثم دعا بماءٍ فأخذ منه جرعة فتمضمض بها، ثم مجّها في القعب، ثم صبّها على رأس فاطمة وعلى صدرها وبين كتفيها ثم دعا عليّاً فصنع به

١٤٤

كما صنع بها.

وأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله النساء بالخروج فخرجن، وبقيت أسماء بنت عميس، فلمّا أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يخرج رأى سواداً فقال: مَن أنت؟ قالت: أسماء بنت عميس! قال: ألم آمركِ أن تخرجي؟ قالت: بلى يا رسول الله! فداك أبي وأُمّي، وما قصدت خلافك، ولكنّي أعطيت خديجة عهداً - وحدّثَتْه - فبكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ هاجت عواطفه من حديث خديجة، وإنّها كانت تتفكّر حول تلك الليلة، وأنّ فاطمة - الليلة - منكسرة القلب.

فقال لها: بالله لهذا وقفت؟

قالت أسماء: نعم، والله!

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أسماء، قضى الله لك حوائج الدنيا والآخرة.

١٤٥

الأقَوالُ حَوْلَ سَنَةِ زَوَاجهَا

اختلف المؤرّخون والمحدّثون في تاريخ سنة زواج السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ؛ فقد روى السيد ابن طاووس في الإقبال بإسناده إلى الشيخ المفيد: إنّ زواجها كان ليلة إحدى وعشرين من المحرّم سنة ثلاث من الهجرة.

وفي المصباح: في أوّل يوم من ذي الحجّة، ورُوي أنّه كان يوم السادس منه.

وفي الأمالي: أنّ زواجها كان بعد وفاة رقيّة زوجة عثمان بستّة عشر يوماً وذلك بعد رجوعه من بدر، وذلك لأيام خلت من شوّال.

١٤٦

تحقيق حول أسْمَاء بنْتِ عُميس وَأُمّ سَلمـَة

إنّ أسماء بنت عُميس كانت زوجة جعفر بن أبي طالب وقد هاجر جعفر إلى الحبشة مع زوجته وعدد من المسلمين قبل الهجرة من مكّة بسنوات، ورجع جعفر من الحبشة إلى المدينة يوم فتح خيبر في السنة الخامسة من الهجرة.

هذا هو المتفق عليه بين المؤرّخين، ولكنّك تجد حديثاً يصرّح به بحضور أسماء بنت عُميس عند السيدة خديجة الكبرى ساعة وفاتها في مكّة كما مرّ عليك.

وتجد الأحاديث الكثيرة التي تصرِّح بحضورها في زواج السيدة فاطمة الزهراء تجد التصريح باسمها واسم أبيها واللقب: (أسماء بنت عُميس الخثعمية).

وقد روى صاحب كشف الغمّة حضور أسماء بنت عُميس الخثعمية في زواج السيدة فاطمة، ورواه الحضرمي في (رشفة الصادي ص10) وأحمد بن حنبل في (المناقب) والهيثمي في (مجمع الزوائد) والنسائي في (الخصائص ص31) ومحب الدين الطبري في (ذخائر العقبى) عن ابن عباس، وعن الخوارزمي عن الحسين بن عليعليهما‌السلام وعن السيد جلال الدين عبد الحميد بن فخار الموسوي، وعن الدولابي، وعن الإمام الباقر عن آبائهعليهم‌السلام .

وروى عن بعض هؤلاء شيخنا المجلسي في البحار ج 43.

١٤٧

مع العلم أنّ زواج السيدة فاطمة كان بعد واقعة بدر، وقبل واقعة أحد، أي في السنة الأُولى أو الثانية من الهجرة، فكيف الجمع بين هذين القولين؟

وهذه مشكلة تاريخية لم يجد المؤرّخون لها حلاًّ مقبولاً صحيحاً، وقد تكلَّف شيخنا المجلسي في العاشر من البحار ببعض التأويلات أو التصرّفات. ولكنّها لا تتفق مع التصريح باسم أسماء بنت عُميس الخثعمية.

وأعجب من هذا ما ذكره القمّي في سفينة البحار في مادة (ك ذ ب) عن مجاهد قال: قالت أسماء بنت عُميس: كنت صاحبة عائشة التي هيّأتها وأدخلتها على رسول الله، ومعي نسوة، وقالت: فو الله ما وجدنا عنده قوتاً إلاَّ قدحاً من لبن، فشرب ثم ناوله عائشة، فاستحيت الجارية فقلت لها: لا تردّي يد رسول الله، خذي منه فأخذته على حياء فشربت منه، ثم قال: ناولي صواحبك

فقلن: لا نشتهيه.

فقال: لا تجمعن جوعاً وكذباً.

قالت: فقلت: يا رسول الله إن قالت إحدانا - لشيء -: لا نشتهيه أيعدُّ ذلك كذباً؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الكذب ليكتب حتى يكتب الكذيبة كذيبة.

كان المقصود من ذكر هذا الحديث هو حضور أسماء بنت عميس في زواج الرسول بعائشة، وكان ذلك قبل زواج السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام .

أضف إلى هذا أنّه قد اشتهر بالتواتر حضور أسماء بنت عميس عند ولادة الإمام الحسينعليه‌السلام في السنة الرابعة أو الخامسة من الهجرة،

١٤٨

وكل ذلك قبل فتح خيبر، أي قبل رجوع جعفر بن أبي طالب من الحبشة.

وقد روى شيخنا المجلسي في العاشر من البحار عن محمد بن يوسف الكنجي في كتابه: (كفاية الطالب) حضور أسماء بنت عميس في زواج السيدة فاطمة الزهراء، قال محمد بن يوسف: هكذا رواه ابن بطة، وهو حسن عال، وذكر أسماء بنت عميس في هذا الحديث غير صحيح لأنّ أسماء هذه امرأة جعفر بن أبي طالب... إلى أن قال: وأسماء التي حضرت في عرس فاطمةعليها‌السلام إنّما هي أسماء بنت يزيد ابن السكن الأنصاري، وأسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بالحبشة، وقدم بها يوم فتح خيبر سنة سبع، وكان زواج فاطمةعليها‌السلام بعد وقعة بدر بأيام يسيرة، فصحَّ بهذا أنّ أسماء المذكورة في هذا الحديث إنّما هي بنت يزيد... الخ.

أقول: لو لم يكن في الأحاديث تصريح باسم أسماء واسم أبيها ولقبها لأمكن هذا التوجيه أو التأويل، ولكن كيف يصح هذا التكلّف والتعسّف في التأويل في مقابل هذا النص الصريح، وهو: (أسماء بنت عميس الخثعمية)؟

وأمّا أسماء بنت يزيد الأنصاري كيف كانت أنصارية أي يوم توفّيت السيدة خديجة، مع العلم أنّها أنصارية أي من أهل المدينة؟ والحال أنّ أسماء التي حضرت وفاة خديجة في مكّة هي التي حضرت زواج فاطمة الزهراء في المدينة.

وإنّني أظن أنّ الكنجي إنّما قال هذا لوجود المشاركة في الاسم بين أسماء بنت عميس وأسماء بنت يزيد، ولم يذكر أحد من المؤرّخين حضور أسماء الأنصارية في مكّة عند وفاة السيدة خديجة.

١٤٩

والذي يقوى عندي أنّ الحل الصحيح والجواب المعقول: أنّ أسماء هذه هي أسماء بنت عميس الخثعمية زوجة جعفر بن أبي طالب، وأنّها هاجرت مع زوجها إلى الحبشة، ولكنّها رجعت إلى مكّة وهاجرت إلى المدينة، ولعلّها كرّرت سفرها إلى الحبشة لأنّ المسافة من جِدّة إلى الحبشة هي مسافة عرض البحر الأحمر، وليس قطع هذه المسافة بالصعب المستصعب ذهاباً وإياباً، وإن كان التاريخ لم يذكر ذلك لأسماء فإنّ التاريخ أيضاً لن يذكر لأبي ذر الغفاري قوله: كنت أنا وجعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى بلاد الحبشة... إلى آخر كلامه.

روى ذلك الشيخ المجلسي عن كتاب: (علل الشرائع) للصدوق.

وقد ظفرت برواية رواها المجلسي في العاشر من البحار في باب تزويج السيدة فاطمةعليها‌السلام عن كتاب (مولد فاطمة) عن ابن بابوية: أمر النبي بنات عبد المطلب... إلى أن يقول: والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وحمزة وعقيل و(جعفر) وأهل البيت يمشون خلفها... إلى آخره.

فالتصريح بوجود جعفر يحل هذه المشكلة.

بقيت هنا كلمة: وهي أنّ هجرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت بعد وفاة السيدة خديجة الكبرى قطعاً، على اختلاف في تاريخ وفاتها في الشهور والأعوام قبل الهجرة.

ولكن الظاهر أن السيدة خديجة توفيت قبل الهجرة بأقل من سنة.

ومن ناحية أُخرى كانت هجرة جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة مرّتين، وهجرته الثانية كانت بعد وفاة السيدة خديجة، وقبل هجرة الرسول إلى المدينة.

١٥٠

والدليل على ذلك هو الخبر المروي: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم كان في الغار قال: (إنّي أرى سفينة جعفر تعوم في البحر).

ومن هنا يسهل علينا أن نعرف بأنَّ بنت عميس كانت في مكّة يوم وفاة خديجة، وأنّها قد حضرت عند وفاتها.

وأمّا مشكلة أُم سلمة، فإنّنا نجد اسم السيدة أُم سلمة في الأيام التي سبقت زواج السيدة فاطمة الزهراء، فقد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيتها يوم خطبة عليعليه‌السلام من فاطمة الزهراء، وقد سمعت أنّ النبي أودع عندها شيئاً من صداق فاطمة الزهراء وكانت مرجع النساء في قضايا زواج السيدة فاطمة.

مع العلم أنّ المؤرّخين ذكروا أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله تزوّجها في السنة الرابعة من الهجرة، وزواج السيدة فاطمة كان في السنة الثانية من الهجرة بعد بدر وقبل أُحد، فكيف كانت أُم سلمة في هذه المراحل مع العلم أنّها لم تكن زوجة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يومذاك.

نُجيب عن هذا الكلام بما يلي:

أوّلاً: المناقشة في سنة زواجها من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلعلّ الرسول تزوّجها في أوائل الهجرة، أو أنّ زواج السيدة فاطمة الزهراء كان في السنة الرابعة من الهجرة، وهذا احتمال بعيد وقول ضعيف لا يُعبأُ به.

ثانياً: إنّ السيدة أُم سلمة هي بنت عمّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فلا مانع أن تساهم في مراحل زواج السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام بحيث إنّ النبي يستودعها صداق فاطمة الزهراء، أو يكون لها اقتراح ورأي في تعجيل زفاف السيدة فاطمة الزهراء.

هذا ما يتبادر إلى ذهني، والله العالم بحقائق الأمور.

١٥١

بَيْتُ فَاطِمَةعليها‌السلام

إنّ الحضارة - اليوم - بدأت تشعر بضرورة احترام بعض المساكن والمباني والأراضي، وذلك بعد أن شعرت باحترام الفضيلة وأهلها، والتقدير عن الشرف والعلم والقيم.

وعلى هذا الأساس أحدثت الحضارة قانوناً بل قوانين بهذا الشأن، ورعاية لهذا الأمر، فالصيانة الدبلوماسية التي منحها القانون لمباني السفارات والهيئات الدبلوماسية، وهكذا القوانين التي تفرض احترام الجامعات والمعاهد العلمية والمساجد والمعابد تقديراً للعلم والدين والثقافة، هي من نتائج الشعور بهذا المعنى.

ولكن هذه الحقيقة كانت ثابتة عند الله تعالى، وعند أوليائه من أهل السماوات والأرض منذ الأزل، وانطلاقاً من هذه الحقيقة نجد الأحكام الواردة حول احترام المساجد وخاصة المسجد الحرام، وتحريم الدخول فيه على بعض الأفراد كالمشركين أو المجنب أو الحائض، وتحريم تنجيسها، أو إتيان ما ينافي قدسيتها واحترامها، أو الصيد في الحرم (وهو المناطق المحيطة بمكّة من جميع الجوانب، حسب حدود معينة مذكورة في كتب الفقه).

بعد ذكر هذه المقدّمة اعلم أنّ البيت الذي كانت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام تسكن وتعيش فيه كان محاطاً بالقداسة والروحانية والنور، كان ذلك البيت مبنيّاً بمواد الاحترام والتقدير، والتجليل والتبجيل، يعرف حق ذلك البيت كل مَن يعرف حق فاطمة وأبيها، وبعلها وبنيها.

١٥٢

وقد روى شيخنا المجلسي (عليه الرحمة) عن أنس بن مالك وعن بريدة قال: قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) (1) .

فقام رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله؟

فقال: بيوت الأنبياء.

فقام إليه أبو بكر، فقال: يا رسول الله، هذا البيت منها؟!

وأشار إلى بيت علي وفاطمة.

قال: نعم، من أفضلها!!(2) .

وعن ابن عباس قال: كنت في مسجد رسول الله، وقد قرأ القارئ:( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ... ) فقلت: يا رسول الله، ما البيوت؟

فقال: بيوت الأنبياء. وأومأ بيده إلى منزل فاطمة(3) .

وفي الكافي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يريد فاطمةعليها‌السلام وأنا معه، فلمّا انتهينا إلى الباب وضع يده عليه فدفعه، ثم قال: السلام عليكم.

فقالت فاطمةعليها‌السلام : عليك السلام يا رسول الله.

قال: أأدخل؟

قالت: ادخل يا رسول الله.

____________________

(1) النور: 36.

(2) وفي نسخة: من أفاضلها / تفسير الثعلبي ومنه تفسير (البرهان) ج 3 / 139.

(3) كشف الغمّة.

١٥٣

قال: أدخل أنا ومن معي؟

فقالت: يا رسول الله ليس علي قناع.

فقال: يا فاطمة خذي فضل ملحفتك، فقنّعي به رأسك. ففعلت.

ثم قال: السلام عليكم.

فقالت: وعليك السلام يا رسول الله

قال: أأدخل؟

قالت: نعم يا رسول الله

قال: أنا ومَن معي؟

قالت: أنتَ ومَن معك... إلى آخره(1) .

____________________

(1) الكافي ج 5 / باب الدخول على النساء حديث 5.

١٥٤

حيَاتُهَا الزّوْجيّة

انتقلت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام إلى البيت الزوجي، وكان انتقالها من بيت الرسالة والنبوّة إلى دار الإمامة والوصاية والخلافة والولاية، وحصل تطوّر في سعادة حياتها، فبعد أن كانت تعيش تحت شعاع النبوّة صارت تعيش قرينة الإمام.

كانت حياتها في البيت الزوجي تزداد إشراقاً وجمالاً إذ كانت تعيش في جوٍّ تكتنفه القداسة والنزاهة، وتحيط به عظمة الزهد وبساطة العيش، وكانت تعين زوجها على أمر دينه وآخرته، وتتجاوب معه في اتجاهاته الدينية، وتتعاون معه في جهوده وجهاده.

وما أحلى الحياة الزوجية إذا حصل الانسجام بين الزوجين في الاتجاه والمبدأ ونوعيّة التفكير، مبنياً على أساس التقدير والاحترام من الجانبين.

وليس ذلك بعجيب، فإنّ السيدة فاطمة الزهراء تعرف لزوجها مكانته العظمى ومنزلته العليا عند الله تعالى، وتحترمه كما تحترم المرأة المسلمة إمامها، بل أكثر وأكثر، فإنّ السيدة فاطمة كانت عارفة بحق علي حق معرفته، وتقدّره حق قدره، وتطيعه كما ينبغي؛ لأنّه أعزّ الخلق إلى رسول الله.

لأنّه صاحب الولاية العظمى، والخلافة الكبرى والإمامة المطلقة.

لأنّه أخو رسول الله وخليفته، ووارثه ووصيّه.

لأنّه صاحب المواهب الجليلة، والسوابق العظيمة.

١٥٥

وهكذا كان عليعليه‌السلام يحترم السيدة فاطمة الزهراء احتراماً لائقاً بها، لا لأنّها زوجته فقط:

بل لأنّها أحبّ الخلق إلى رسول الله.

لأنّها سيّدة نساء العالمين.

لأنّ نورها من نور رسول الله.

لأنّها من الذين بهم فتح الله كتاب الإيجاد والوجود، لأنّها كتلة من العظمة.

لأنّها مجموعة من الفضائل متوفّرة في امرأة واحدة لاستحقت التقدير والتعظيم.

فكيف بفاطمة الزهراء، وقد اجتمعت فيها من المزايا والمواهب والفضائل والمكارم ما لم تجتمع في أيّة امرأة في العالم كلّه، من حيث النسب الشريف الأرفع، والروحانية والقدسيّة، من حيث بدء الخلقة ومنشأ إيجادها وكرامتها عند الله، وعبادتها وعلمها وديانتها، وزهدها وتقواها وطهارتها ونفسيّتها وشخصيّتها، وغير ذلك من مئات المزايا ممّا يطول الكلام بذكرها.

بعد ما قصصنا وما لم نقصص عليك يمكن لك أن تدرك الجوّ الذي كان الزوجان السعيدان يعيشانه، والحياة الطيّبة السعيدة الحلوة - بجميع معنى الكلمة - التي كانا يتمتّعان بها:

حياة لا يعكِّرها الفقر، ولا تغيّرها الفاقة، ولا تضطرب بالحوادث.

حياة يهبّ عليها نسيم الحب والوئام، وتزيّنها العاطفة بجمالها المدهش.

وفي البحار عن المناقب قال عليعليه‌السلام : فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجل، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، لقد كنت

١٥٦

أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان (1) .

وروي عن الإمام الباقرعليه‌السلام : إنّ فاطمةعليها‌السلام ضمنت لعليعليه‌السلام عمل البيت والعجين والخبز، وقَّم البيت، وضمن لها عليعليه‌السلام ما كان خلف الباب: نقل الحطب وأن يجيء بالطعام، فقال لها يوماً: يا فاطمة هل عندك شيء؟

قالت: والّذي عظّم حقَّك، ما كان عندنا منذ ثلاثة أيّام شيء نقريك به.

قال: أفلا أخبرتني؟

قالت: كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهاني أن أسألك شيئاً، فقال: لا تسألي ابن عمّكِ شيئاً، إن جاءك بشيء وإلاّ فلا تسأليه (2) .

ولا يُعلم بالضبط مدّة إقامة الإمام والسيدة فاطمة (عليهما السّلام) في دار حارثة بن النعمان، إلاَّ أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنى لها بيتاً ملاصقاً لمسجده، له باب شارع إلى المسجد، كبقيّة الحجرات التي بناها لزوجاته، وانتقلت السيدة إلى ذلك البيت الجديد الملاصق لبيت الله، المجاور لبيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم).

____________________

(1) بحار الأنوار ج 43.

(2) بحار الأنوار ج 43 ص 31 عن تفسير العيّاشي.

١٥٧

أُكْذُوبَةُ التَاريخ في حَقِّ عَليّعليه‌السلام

لقد تكرّر منّا الكلام أنّ بعض حَمَلة الأقلام أساءوا إلى السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام في شتّى الميادين ومختلف المجالات، وقد تقدّم منّا الكلام أنّ زواج الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بالسيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام قد هيَّج الأحقاد في قلوب الحاسدين، فجعلوا يتشبثون بشتّى الوسائل لتعكير حياة الزوجين السعيدين، وإثارة الفتن والمشاغبات، كما هو شأن المفسدين الذين تتكون عندهم عقدة الحقارة النفسية بسبب الفشل في الحياة.

ومن جملة تلك المشاغبات أنّهم أشاعوا أنّ عليّاً قد خطب ابنة أبي جهل، ووصل الخبر إلى السيدة فاطمة الزهراء أنّ زوجها قد خطب بنت رئيس المشركين وقطب الكافرين أبي جهل.

فتأثّرت السيدة فاطمة وذهبت إلى حجرة أبيها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ولكن سرعان ما انكشف الأمر، واتضحت الحقيقة، وظهر تزوير هذا الخبر.

هذه خلاصة الحديث على فرض صحّته.

ولكن هلمّ معي إلى بعض المؤلّفين والكُتّاب كيف اتخذوا هذه التهمة مرتعاً خصباً للتهريج والتشنيع ضد الإمام أمير المؤمنين، فجعلوا يطبّلون ويزمّرون من حيث يشعرون أو لا يشعرون.

ومن جملة المطبّلين والمزمّرين هي الكاتبة المصرية بنت الشاطيء التي

١٥٨

كتبت ما كتبت وهي غير مبالية بما تكتب، أو متعمّدة فيما تكتب، فإنّها اعتبرت هذه الأكذوبة حقيقة ثابتة عندها، لا شك فيها ولا ريب.

وهنا نقتطف بعض ما كتبته الكاتبة المصرية في كتابها: (بنات النبي) ص167.

(لقد همّ علي بالزواج على فاطمة... دون أن يخطر بباله أنّ في هذا ما تنكره بنت نبي الإسلام).

أنا لا أدري بماذا أُجيب على هذه الكلمة الهوجاء التائهة؟

وهل يوجد في العالم كلّه رجل لا يشعر أنّ زوجته تكره الضرّة؟ وتكره أن يتزوّج عليها زوجها؟

إنَّ أقلَّ الناس إدراكاً ومعرفة بالأمور يشعر بهذا الأمر، ولكن الكاتبة تقول: (دون أن يخطر بباله (ببال علي) أنّ في هذا ما تنكره بنت نبي الإسلام)!!

وتقول بعد ذلك: (ألا ليت عليّاً قد صبر على واحدة).

ثم إنّها ملأت صفحات من كتابها في ذم أبي جهل ومواقفه ضد الإسلام، ثم قارنت بين بنت أبي جهل وبين بنت الرسول، وهي بهذه المقارنة تقصد التشنيع والتهريج ضدّ هذا الزواج المزعوم.

ومن العجب أنّ الكاتبة نفسها تبدي استيائها من بعض المستشرقين المسيحيين المتعصّبين، الذين تلاعبوا بالتاريخ الإسلامي، وتخص الكاتبة منهم (لامانس) المبشّر المسيحي المعادي.

ومع الأسف أنّ الكاتبة نفسها نسيت التريّث والتروّي حول هذه المفتريات، واعتبرتها وحياً يوحى.

واستعانت الكاتبة بنسيج خيالها ووصفها الروائي الذي هو عادة مؤلّفي الأساطير.

١٥٩

وهنا يجيب العلاّمة المعاصر السيد حسن الأمين - عن هذه المفتريات - في الجزء الثالث من كتابه: دائرة المعارف الإسلامية الشيعية ص (10) تحت عنوان:

دسائس على النبيِّ وعليّ وفاطمة:

ورد في كتاب ذخائر العقبى أنّ عليّاً أراد أن يتزوّج بنت أبي جهل على فاطمة، وأنّ النبي غضب لذلك وصعد المنبر محتدّاً ناقماً على هذا الأمر، شاجباً له، بالتفاصيل المزرية التي وردت في الكتاب ممّا هو طعن صريح بمحمد، فضلاً عن أنّه طعن بعليٍّ وفاطمة.

أمّا أنّه طعن بمحمد، فذلك أنّه أظهره بمظهر مَن يرفض أن يطبّق الشريعة على نفسه، وعلى مَن يتصل به في حين أنّه يفرض على غيره تطبيقها.

فهو يبيح للناس تعدّد الزوجات، ولكن يأبى أن ينطبق هذا التعدّد على ابنته.

وهذا من أفظع ما يوجَّه إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من مطاعن، ولكنّ أعداء محمد استطاعوا أن يفعلوا ذلك، وأن يستغلّوا ذوي النظر القصير، فيروونه في كتبهم ولا يرون فيه شيئاً.

أمّا أنّه طعن في علي؛ فذلك بإظهاره بمظهر مَن أغضب فاطمة وأغضب النبي نفسه.

وأمّا أنّه طعن فاطمة؛ لأنّها ترفض أن تطبِّق شريعة الله التي جاء بها أبوها على نفسها.

نحن لن نتعرّض لسند الخبر، فإنّ هذا الخبر بادئ الفساد من نفسه ولكنّنا نتساءل: لماذا خصّ رواة الخبر بنت أبي جهل بهذا الشرف؟

ولماذا لم ينسبوا إلى علي محاولته التزوّج على فاطمة من غير بنت

١٦٠