فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد0%

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 568

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد كاظم القزويني
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: الصفحات: 568
المشاهدات: 231878
تحميل: 9876

توضيحات:

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 231878 / تحميل: 9876
الحجم الحجم الحجم
فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

انفتل جلس في قبلته والناس حوله. فبينما هم كذلك إذ أقبل شيخ من مهاجرة العرب ، عليه سمل قد تهلّل وأخلق (1) وهو لا يكاد يتمالك كِبَراً وضعفاً، فأقبل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يستحثّه الخبر، فقال الشيخ: يا نبي الله أنا جائع الكبد فأطعمني، وعاري الجسد فاكسني، وفقير فارشني (2) .

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أجد لك شيئاً، ولكنّ الدال على الخير كفاعله، انطلق إلى منزل مَن يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، يؤثر الله على نفسه، انطلق إلى حجرة فاطمة.

وكان بيتها ملاصقاً بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يتفرّد به لنفسه من أزواجه، وقال: يا بلال قم فقف به على منزل فاطمة.

فانطلق الأعرابي مع بلال، فلمّا وقف على باب فاطمة نادى بأعلى صوته: السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة ومختلف الملائكة، ومهبط جبرئيل الروح الأمين بالتنزيل من عند ربّ العالمين.

فقالت فاطمة: وعليك السلام، فمَن أنت يا هذا؟

قال: شيخ من العرب، أقبلت على أبيك سيّد البشر مهاجراً من شقّة، وأنا - يا بنت محمد - عاري الجسد، جائع الكبد، فواسيني يرحمك الله.

وكان لفاطمة وعلي - في تلك الحال - ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثاً ما طعموا فيها طعاماً، وقد علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من شأنهما.

____________________

(1) السمل: الثوب الخلق. تهلّل الثوب: انخرق.

(2) ارشني: أحسن إليّ.

٢٠١

فعمدت فاطمة إلى جلد كبش مدبوغ بالقرظ (1) كان ينام عليه الحسن والحسين، فقالت: خذ هذا يا أيّها الطارق، فعسى الله أن يرتاح لك ما هو خير منه.

فقال الإعرابي: يا بنت محمد شكوت إليك الجوع، فناولتني جلد كبش؟ ما أنا صانع به مع ما أجد من السغب؟ (2)

قال: فعمدت فاطمة - لما سمعت هذا من قوله إلى عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمّها حمزة بن عبد المطلب، فقطعته من عنقها، ونبذته إلى الأعرابي فقالت: خذه وبِعهُ، فعسى الله أن يعوِّضك به ما هو خير منه.

فأخذ الأعرابي العقد، وانطلق إلى مسجد رسول الله، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في أصحابه فقال: يا رسول الله أعطتني فاطمة بنت محمد هذا العقد فقالت: بِعه فعسى الله أن يصنع لك.

قال: فبكى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: وكيف لا يصنع الله لك، وقد أعطته فاطمة بنت محمد سيّدة بنات آدم.

فقام عمار بن ياسر (رحمة الله عليه) فقال: يا رسول الله أتأذن لي بشراء هذا العقد؟ قال: اشتر يا عمار، فلو اشترك فيه الثقلان ما عذبّهم الله بالنار، فقال عمار: بكَمْ العقد يا أعرابي؟ قال: بشبعة من الخبز واللحم، وبردة يمانية استر بها عورتي وأصلّى فيها لربّي، ودينار يبلغني إلى أهلي.

وكان عمار قد باع سهمه الذي نفله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من خيبر ولم يبق منه شيئاً فقال: لك عشرون ديناراً ومائتا درهم

____________________

(1) القرظ: شيء يدبغ به الجلد.

(2) السغب: الجوع.

٢٠٢

هجرية، وبُردة يمانية، وراحلتي تبلغك أهلك، وشبعك من خبز البر واللحم.

فقال الإعرابي: ما أسخاك بالمال أيّها الرجل؟ وانطلق عمار فوفّاه ما ضمن له.

وعاد الإعرابي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له رسول الله: أشبعت واكتسيت! قال الأعرابي: نعم، واستغنيت بأبي أنت وأُمّي: قال: فأجزِ فاطمة بصنيعها؟ فقال الأعرابي: اللّهمّ أنت إله ما استحدثناك، ولا إله لنا نعبده سواك، فأنت رازقنا على كل الجهات، اللّهمّ أعط فاطمة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت... وإلى أن قال: فعمد عمار إلى العقد فطيّبه بالمسك، ولفَّه في بردة يمانية، وكان له عبد اسمه سهم ابتاعه من ذلك السهم الذي أصابه بخيبر، فدفع العقد إلى المملوك، وقال له: خذ هذا العقد فادفعه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنت له.

فأخذ المملوك العقد فأتى به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبره بقول عمار فقال النبي: انطلق إلى فاطمة فادفع إليها العقد وأنت لها. فجاء المملوك بالعقد وأخبرها بقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذت فاطمة العقد، وأعتقت المملوك.

فضحك المملوك فقالت: ما يضحكك يا غلام؟ فقال: أضحكني عِظَم بركة هذا العقد، أشبع جائعاً، وكسا عرياناً وأغنى فقيراً، وأعتق عبداً، ورجع إلى ربّه أي إلى صاحبه.

وفي كتاب البحار ج 43 عن تفسير فرات بن إبراهيم، عن أبي سعيد الخدري قال:

٢٠٣

أصبح علي بن أبي طالبعليه‌السلام ذات يوم ساغباً(1) وقال: يا فاطمة هل عندك شيء تغذّينيه؟ قالت: لا، والذي أكرم أبي بالنبوة، وأكرمك بالوصية ما أصبح الغداة شيء، وما كان شيء أطعمناه مذ يومين إلاَّ شيء كنت أؤثرك به على نفسي، وعلى ابني هذين: الحسن والحسين.

فقال علي: يا فاطمة؟ ألا كنتِ أعلَمتِني فأبغيكم شيئاً؟ فقالت: يا أبا الحسن إنّي لأستحيي من إلهي أن أكلّف نفسك ما لا تقدر عليه.

فخرج علي بن أبي طالب من عند فاطمةعليهما‌السلام واثقاً بالله بحسن الظن، فاستقرض ديناراً، فبينما الدينار في يد علي بن أبي طالبعليه‌السلام يريد أن يبتاع لعياله ما يصلحهم، فتعرَّض له المقداد بن الأسود، في يوم شديد الحر، قد لوّحته الشمس من فوقه، وآذته من تحته فلمّا رآه علي بن أبي طالبعليه‌السلام أنكر شأنه فقال: يا مقداد ما أزعجك هذه الساعة من رحلك؟ قال: يا أبا الحسن خلّ سبيلي ولا تسألني عمّا ورائي!!

فقال: يا أخي إنّه لا يسعني أن تتجاوزني حتى أعلم علمك. فقال: يا أبا الحسن رغبة إلى الله وإليك أن تخلّي سبيلي، ولا تكشفني عن حالي!!!

فقال له: يا أخي إنه لا يسعك أن تكتمني حالك.

فقال: يا أبا الحسن! أمَّا إذا أبيتَ! فو الذي أكرم محمد بالنبوّة، وأكرمك بالوصية ما أزعجني من رحلي إلاَّ الجهد وقد تركت عيالي

____________________

(1) أي: جائعاً.

٢٠٤

يتضاغون جوعاً، فلمّا سمعت بكاء العيال لم تحملني الأرض، فخرجت مهموماً، راكب رأسي، هذه حالي وقصّتي!!

فانهملت عينا علي بالبكاء حتى بلّت دمعته لحيته فقال له: أحلفُ بالذي حلفتَ: ما أزعجني إلاَّ الذي أزعجك من رحلك، فقد استقرضت ديناراً، فقد آثرتك على نفسي.

فدفع الدينار إليه ورجع حتى دخل مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فصلَّى فيه الظهر والعصر والمغرب، فلمّا قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المغرب مرَّ بعلي بن أبي طالب وهو في الصف الأوّل فغمزه برجله، فقام علي متعقباً خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى لحقه على باب من أبواب المسجد، فسلَّم عليه فردَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله السلام، فقال: يا أبا الحسن هل عندك شيء نتعشّاه فنميل معك؟

فمكث مطرقاً لا يحير جواباً، حياءً من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان النبي يعلم ما كان من أمر الدينار، ومن أين أخذه وأين وجّهه، وقد كان أوحى الله تعالى إلى نبيّه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتعشّى تلك الليلة عند علي بن أبي طالب.

فلمّا نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى سكوته فقال: يا أبا الحسن ما لَك لا تقول: لا. فانصرف؟ أو تقول: نعم. فأمضي معك؟ فقال - حياءً وتكرّماً -: فاذهب بنا!!

فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يد علي بن أبي طالب فانطلقا حتى دخلا على فاطمةعليها‌السلام وهي في مصلاّها قد قضت صلاتها، وخلفها جفنة تفور دخاناً.

٢٠٥

فلمّا سمعت كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرجت من مصلاّها فسلّمت عليه وكانت أعزّ الناس عليه، فردّ عليها السلام، ومسح بيده على رأسها وقال لها: يا بنتاه كيف أمسيت؟

قالت: بخير.

قال: عشّينا، رحمك الله، وقد فعل.

فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي بن أبي طالب...

فقال علي لها: يا فاطمة أنّى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه قط، ولم أشمّ ريحه قط، وما آكل أطيب منه؟؟

قال: فوضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كفّه الطيّبة المباركة بين كتفي علي بن أبي طالبعليه‌السلام فغمزها، ثم قال: يا علي، هذا بدل دينارك، وهذا جزاء دينارك من عند الله، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب.

ثم استعبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله باكياً، ثم قال: الحمد لله الذي أبى لكم أن تخرجا من الدنيا حتى يجزيكما ويجريك - يا علي - مجرى زكريا، ويجري فاطمة مجرى مريم بنت عمران:( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً ) .

٢٠٦

فاطمة الزهراءعليها‌السلام والعبادة

العبادة لها معنيان: معنى عام ومعنى خاص.

فالعبادة بمعناها العام هي: كل ما يتقرَّب الإنسان به إلى الله سبحانه، من النوايا الطيّبة والأقوال الحسنة والأعمال الصالحة والأخلاق الحميدة وغيرها.

والعبادة بمعناها الخاص هي الصلاة والصوم والحج والزكاة وغيرها، ممّا هو واضح للجميع.

وقد تجلّت العبادة - بكل معانيها وأبعادها - في حياة السيدة الطاهرة فاطمةعليها‌السلام .

فحياتها كلّها عبادة، منذ البداية حتى النهاية، فمن حمل الماء إلى بيوت الفقراء والمساكين وإطعام الطعام والإيثار، وتعليم الأحكام الشرعيّة، وتحمّل متاعب الأعمال المنزليَّة، والزهد والحرمان والبساطة في العيش، وحُسن التبعّل، والدفاع عن الإمامة والولاية، وما أصابها من الآلام والمصائب بعد وفاة أبيها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وغيرها - ممّا قرأته وتقرأه في صفحات حياتها المشرقة - كلّها عبادة خالصة لوجه الله سبحانه.

بالإضافة إلى الصلاة والخشوع والمناجاة وغيرها.

وقد رُوي عن ابن عباس في قوله تعالى:( كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (1) ، قال:نزلت في علي بن أبي طالب

____________________

(1) الذاريات.

٢٠٧

وفاطمة والحسن والحسين (1) .

وفيما يلي نذكر بعض الأحاديث المرويَّة في هذا المجال:

1 - رُوي عن الإمام الحسنعليه‌السلام قال: رأيت أمِّي فاطمةعليها‌السلام قامت في محرابها ليلة جُمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتَّضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسمّيهم، وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء.

فقلت لها: يا أُمَّاه لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟

فقالت: يا بُني، الجار ثم الدار (2) .

2 - وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: وأمَّا ابنتي فاطمة فإنّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، وهي بضعة منّي وهي نور عيني وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيَّ، وهي الحوراء الإنسية.

متى قامت في محرابها بين يدي ربّها (جلّ جلاله) زَهَر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله (عزّ وجل) لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى أَمَتي فاطمة، سيّدة إمائي قائمة بين يدي، ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم أنّي قد أمنت شيعتها من النار... إلى آخر الحديث(3) .

3 - وفي كتاب عدّة الداعي: وكانت فاطمةعليها‌السلام تنهج في الصلاة من خيفة الله. والنهج - بفتح النون والهاء -: تتابع النَفَس.

____________________

(1) شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 2 ص 194.

(2) بحار الأنوار ج 43.

(3) بحار الأنوار ج 43.

٢٠٨

4 - وروى الحسن البصري:ما كان في هذه الأُمّة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتى تورَّمت قدماها (1) .

5 - وروي عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام أنّه قال: (مَن صلّى أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة(2) خمسين مرّة:( قل هو الله أحد ) كانت صلاة فاطمة، وهي صلاة الأوّابين)(3) .

6 - وعنهعليه‌السلام قال: كانت لأُمّي فاطمة ركعتان تصلّيهما، علَّمها جبرئيلعليه‌السلام فإذا سلّمت سبّحت التسبيح(4) ثم تقول:

(سبحان ذي العزّ الشامخ المنيف، سبحان ذي الجلال الباذخ العظيم، سبحان ذي المـُلك الفاخر القديم، سبحان مَن لبس البهجة والجمال، سبحان مَن تردّى بالنور والوقار، سبحان مَن يرى أثَر النمل على الصَفّا، سبحان مَن يرى وقع الطير في الهواء، سبحان مَن هو هكذا، لا هكذا غيره) (5) .

7 - ورُوي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأمير المؤمنين وابنته فاطمةعليهما‌السلام : إنّني أريد أن أخصّكما بشيءٍ من الخير ممّا علّمني الله (عزّ وجلّ)، وأطلعني الله عليه، فاحتفظا به.

قالا: نعم يا رسول الله فما هو؟

قال: يصلّي أحدكما ركعتين، يقرأ في كل ركعة: فاتحة الكتاب وآية الكرسي ثلاث مرّات، و( قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ) ثلاث مرّات، وآخر الحشر ثلاث مرّات من قوله:( لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ... ) إلى آخره.

____________________

(1) ربيع الأبرار للزمخشري ص 195.

(2) بعد الحمد.

(3) مَن لا يحضره الفقيه ج 1 ص 564.

(4) أي: تسبيح الزهراءعليها‌السلام .

(5) بحار الأنوار ج 89، ورُويت الصلاة بصورة أُخرى أيضاً.

٢٠٩

فإذا جلس فليتشهد وليُثن على الله (عزّ وجلّ) وليصلّ على النبي وليدع للمؤمنين والمؤمنات، ثم يدعو على أثر ذلك، فيقول:

(اللّهمّ إنّي اسألك بحقّ كلّ اسم هو لك يحقّ عليك فيه إجابة الدعاء إذا دُعيت به، وأسألك بحقّ كلّ ذي حقٍّ عليك، وأسألك بحقّك على جميع ما هو دونك أن تفعل بي... كذا وكذا) (1) .

8 - وعن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام قال: للأمر المخوف العظيم تصلّي ركعتين، وهي التي كانت الزهراءعليها‌السلام تصلّيها، تقرأ في الأُولى الحمد وقل هو الله أحد خمسين مرّةً، وفي الثانية مثل ذلك، فإذا سلّمت صلّيت على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ ترفع يديك وتقول:

(اللهمّ أتوجّه إليك بهم، وأتوسّل إليك بحقّهم (بحقّك - خ ل) العظيم الّذي لا يعلم كنهه سواك، وبحقّ مَن حقّه عندك عظيم، وبأسمائك الحسنى وكلماتك التّامّات الَّتي أمرتني أن أدعوك بها، وأسألك باسمك العظيم الّذي أمرت إبراهيمعليه‌السلام أن يدعو به الطّير فأجابته، وباسمك العظيم الّذي قلت للنّار:( كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) فكانت، وبأحبِّ أسمائك إليك وأشرفها عندك، وأعظمها لديك، وأسرعها إجابةً، وأنجحها طلبةً، وبما أنت أهله ومستحقّه ومستوجبه؛ وأتوسل إليك، وأرغب إليك، وأتصدّق منك، وأستغفرك، وأستمنحك، وأتضرّع إليك، وأخضع بين يديك، وأخشع لك، وأقرّ لك بسوء صنيعتي، وأتملّق وألحّ عليك، وأسألك بكتبك التي أنزلتها على أنبيائك ورسلك صلواتك عليهم أجمعين من التّوراة والإنجيل والقرآن العظيم من أوّلها إلى آخرها، فإنّ فيها اسمك الأعظم، وبما فيها من أسمائك العظمى، أتقرّب إليك، وأسألك أن

____________________

(1) قوله: كذا وكذا. أي: تذكر حاجتك / الحديث في بحار الأنوار ج 89 ص 365.

٢١٠

تصلّي على محمّد واله، وأن تفرِّج عن محمّد وآله، وتجعل فرجي مقروناً بفرجهم، وتبدأ بهم فيه، وتفتح أبواب السّماء لدعائي في هذا اليوم، وتأذن في هذا اليوم وهذه اللَّيلة بفرجي وإعطاء سؤلي وأملي في الدّنيا والآخرة، فقد مسّني الفقر ونالني الضّرّ وشملتني الخصاصة، وألجأتني الحاجة، وتوسّمت بالذّلّة، وغلبتني المسكنة، وحقّت علي الكلمة، وأحاطت بي الخطيئة، وهذا الوقت الذي وعدت أولياءك فيه الإجابة.

فصلّ على محمّد وآله، وامسح ما بي بيمينك الشّافية، وانظر إليّ بعينك الرّاحمة، وأدخلني في رحمتك الواسعة، وأقبل إليّ بوجهك الّذي إذا أقبلت به على أسيرٍ فككته، وعلى ضالٍّ هديته، وعلى حائرٍ أذّيته، وعلى فقير أغنيته، وعلى ضعيف قوّيته، وعلى خائف آمنته؛ ولا تخلّني لقاً لعدوّك وعدوّي، يا ذا الجلال والإكرام.

يا مَن لا يعلم كيف هو، وحيث هو، وقدرته إلاّ هو، يا مَن سدّ الهواء بالسّماء، وكبس الأرض على الماء، واختار لنفسه أحسن الأسماء، يا مَن سمّى نفسه بالاسم الذي به يقضي حاجة كلّ طالب يدعوه به، أسألك بذلك الاسم، فلا شفيع أقوى لي منه، وبحقّ محمّد وآل محمّد أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تقضي لي حوائجي، وتسمع محمّداً وعليّاً وفاطمة والحسن والحسين وعليّاً ومحمّداً وجعفراً وموسى وعليّاً ومحمّداً وعليّاً والحسن والحجّة - صلوات الله عليهم وبركاته ورحمته (1) - صوتي، فيشفعوا لي إليك، وتشفّعهم فيّ، ولا تردّني خائباً، بحقّ لا إله إلاّ أنت، وبحقّ محمّدٍ وآل محمّد، وافعل بي كذا وكذا يا كريم(2) .

____________________

(1) وفي نسخة: صلواتك عليهم وبركاتك ورحمتك.

(2) مصباح المتهجّد: ص 266.

٢١١

9 - وقال السيد ابن طاووس الحلّي: روى صفوان قال: دخل محمد بن علي الحلبي على أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام في يوم الجمعة فقال له: تعلّمني أفضل ما أصنع في مثل هذا اليوم؟

فقالعليه‌السلام : يا محمّد ما أعلم أحداً كان أكبر عند رسول الله من فاطمة، ولا أفضل ممّا علّمها أبوها محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن أصبح يوم الجمعة فاغتسل وصفَّ قدميه وصلّى أربع ركعات مثنى مثنى، يقرأ في أوّل ركعة الحمد والإخلاص خمسين مرّة، وفي الثانية فاتحة الكتاب والعاديات خمسين مرّةً، وفي الثالثة فاتحة الكتاب وإذا زلزلت الأرض خمسين مرّةً، وفي الرابعة فاتحة الكتاب وإذا جاء نصر الله والفتح خمسين مرّة - وهذه سورة النصر وهي آخر سورة نزلت - فإذا فرغ منها دعا، فقال (1) :

(إلهي وسيّدي، مَن تهيّأ أو تعبّأ أو أعدّ أو استعدّ لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وفوائده ونائله وفواضله وجوائزه، فإليك يا إلهي كانت تهيئتي وتعبيتي وإعدادي واستعدادي رجاء رفدك ومعروفك ونائلك وجوائزك، فلا تحرمني ذلك، يا مَن لا يخيب عليه مسألة السّائل، ولا تنقصه عطيّة نائل فإنّي لم آتك بعملٍ صالحٍ قدّمته، ولا شفاعة مخلوق رجوته، أتقرّب إليك بشفاعة محمّد وأهل بيته صلواتك عليهم أجمعين، أرجو عظيم عفوك الذي عفوت به على الخاطئين عند عكوفهم على المحارم فلم يمنعك طول عكوفهم على المحارم أن عدت عليهم بالمغفرة، وأنت سيّدي العوّاد بالنّعماء، وأنا العواد بالخطاء، أسألك بمحمّد وآله الطّاهرين أن تغفر لي

____________________

(1) جزاء الشرط محذوف لدلالة الكلام عليه.

٢١٢

الذنب العظيم، فإنّه لا يغفر ذنبي العظيم إلاّ العظيم، يا عظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم (1) .

والأحاديث في عبادة السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام كثيرة، خاصة الأدعية التي كانت تناجي بها ربّها، ولا أراني بحاجة إلى المزيد من التحدّث عن عبادتها، وكثرة شوقها ورغبتها إلى الصلاة، ومدى إقبال قلبها إلى المناجاة مع الله تعالى، فهي بنت أوّل العابدين، الذي كان يقف على قدميه للعبادة طيلة ساعات طوال حتى نزل عليه قوله تعالى:( طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) .

وهي التي عرفت معنى العبادة وقيمة العبادة بمقدار معرفتها بعظمة الله تعالى؛ فلا عجب إذا كانت السيدة فاطمة تستلذ من العبادة، وترتاح نفسها حين الوقوف بين يدي الله عزّ وجل، والتذلّل والخضوع لربّها، وكأنّها لا تتعب من القيام والركوع والسجود.

____________________

(1) (جمال الأسبوع) ص 132 - 133.

٢١٣

تَسبيح فَاطِمَة الزهْرَاءعليها‌السلام

رُوي عن الإمام علي (صلوات الله عليه) أنّه قال لرجل من بني سعد: ألا أُحدّثك عنّي وعن فاطمة؟ إنّها كانت عندي وكانت أحب أهله إليه (1) وإنّها استقت بالقربة حتى أثَّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت(2) يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت(3) ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد، فقلت لها: لو أتيتِ أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرَّ ما أنتِ فيه من هذا العمل.

فأتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فوجدت عنده حُدّاثا ً(4) فاستحت فانصرفت

قال: فعلم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّها جاءت لحاجة. قال: فغدا علينا ونحن في لفاعنا(5) فقال: السلام عليكم. فسكتنا(6) واستحيينا لمكاننا.

ثم قال: السلام عليكم. فسكتنا. ثم قال: السلام عليكم. فخشينا إن لم نردّ عليه أن ينصرف، وقد كان يفعل ذلك يسلّم ثلاثاً فإن أُذن له وإلاَّ انصرف. فقلت: وعليك السلام يا رسول الله أُدخل.

____________________

(1) أحبّ أهله أي أهل رسول الله بقرينة المقام.

(2) مجلت: ثخن جلدها.

(3) دكنت: اغبرت واتسخت.

(4) حُدّاث: جماعة يتحدثون.

(5) لفاع: لحاف.

(6) السلام إذا كان للاستئذان لا يجب ردّه، والله العالم.

٢١٤

فلم يعدُ أن جلس عند رؤوسنا فقال: يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد؟

قالعليه‌السلام : فخشيت إن لم تجبه أن يقوم فأخرجت رأسي فقلت: أنا - والله - أخبرك يا رسول الله! إنّها استقت بالقربة حتى أثَّرت في صدرها وجرّت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من العمل.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أفلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبّرا أربعاً وثلاثين. قال: فأخرجت عليها‌السلام رأسها فقالت: رضيت عن الله ورسوله، رضيت عن الله ورسوله، رضيت عن الله ورسوله (1) .

وعن دعائم الإسلام عن عليعليه‌السلام قال: أهدى بعض ملوك الأعاجم رقيقاً(2) فقلت لفاطمة اذهبي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاستخدميه خادماً، فأتته فسألته ذلك...

فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا فاطمة أعطيك ما هو خير لك من خادم ومن الدنيا بما فيها:

تكبّرين الله بعد كل صلاة أربعاً وثلاثين تكبيرة، وتحمدين الله ثلاثاً وثلاثين تحميدة، وتسبّحين الله ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، ثم تختمين ذلك بلا إله إلاّ الله، وذلك خير لك من الذي أَردت ومن الدنيا وما فيها.

____________________

(1) بحار الأنوار ج 43.

(2) الرقيق: العبيد والجواري يطلق على المفرد والجمع.

٢١٥

فلزمت (صلوات الله عليها) هذا التسبيح بعد كل صلاة، ونسب إليها هذا التسبيح، فيقال: تسبيح فاطمة(1) .

كما عن قرب الإسناد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: يا أبا هارون إنّا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمةعليها‌السلام كما نأمرهم بالصلاة فألزمه، فإنّه لم يلزمه عبد فشقي(2) .

وفي مكارم الأخلاق ص 328: أنّ فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت سُبحتها من خيط صوف مفتّل، معقود عليه عدد التكبيرات، فكانت تديرها بيدها، تكبّر وتسبّح، إلى أن قُتل حمزة بن عبد المطلبرضي‌الله‌عنه سيّد الشهداء، فاستعملت تربته، وعملت التسابيح فاستعملها الناس، فلما قُتل الحسين (صلوات الله عليه) عُدل بالأمر إليه، فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية.

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام : وتكون السبحة بخيوط زرق، أربعاً وثلاثين خرزة، وهي سبحة مولاتنا فاطمةعليها‌السلام لما قُتل حمزة عملت من طين قبره سبحة تسبّح بها بعد كل صلاة.

وقال الإمام الباقرعليه‌السلام : (ما عُبد الله بشيء من التمجيد أفضل من تسبيح فاطمة، ولو كان شيء أفضل لنَحلَه رسول الله فاطمة)(3) .

وعن الإمام أبي عبد الله (الصادق)عليه‌السلام قال: من سبَّح تسبيح فاطمةعليها‌السلام فقد ذكر الله ذكراً كثيراً(4) .

____________________

(1) كتاب دعائم الإسلام، وفي البحار ج 43.

(2) كتاب قرب الإسناد وفي البحار ج 43.

(3) بحار الأنوار ج 43 ص 64.

(4) تفسير مجمع البيان ج 8 في تفسير قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً ) . وذكره العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ج 43.

٢١٦

هذا... والروايات في فضل تسبيح فاطمةعليها‌السلام كثيرة ومختلفة في كيفيتها، وفي بعض الروايات: التكبير ثم التسبيح ثم التحميد، وهذا هو الأشهر والأقوى عند فقهائنا.

وقد ذكر شيخنا المجلسي أقوال الفقهاء وآرائهم حول الترتيب والتقديم والتأخير بصورة مفصّلة(1) .

لقد اتضح لنا من هذه الأحاديث أنّ السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام مع جلالة قدرها وعظم شأنها وشرف نسبها كانت تقوم بأعمال البيت، وتدير أمور البيت بنفسها، وكان عليعليه‌السلام يعينها ويتعاون معها، كما في البحار، عن جامع الأخبار، عن عليعليه‌السلام قال: دخل علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفاطمة جالسة عند القدر وأنا أنقّي العدس.

قال: يا أبا الحسن.

قلت: لبّيك يا رسول الله.

قال: اسمع منّي، وما أقول إلاّ من أمر ربّي: ما من رجل يعين امرأته في بيتها إلاّ كان له بكل شعرة على بدنه عبادة سنة، صيام نهارها، وقيام ليلها... إلى آخر الحديث(2) .

____________________

(1) بحار الأنوار ج 85.

(2) جامع الأخبار، وفي البحار ج 43.

٢١٧

فاطمة الزهراءعليها‌السلام والعِلم

لقد عرفت - من مجموع هذه الأحاديث الماضية - أنّ السيدة الزهراءعليها‌السلام كانت أقرب إنسانة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واتصالها وارتباطها بالنبي هو اتصال وارتباط الجزء بالكل، وارتباط بعض الشيء بالبعض الآخر، فالحب والعطف والانسجام والعلاقات الودّية قد بلغت إلى أقصى درجة...

فلا عجب إذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعلّم ابنته أفضل الأعمال، ويرشدها إلى أحسن الأخلاق، ويفيض عليها أحسن المعارف وأرقاها.

والزهراءعليها‌السلام تلتهم العلوم الربّانية من ذلك النبع العذب الزلال، وتمتص رحيق الحقيقة من مهبط الوحي، فيمتلئ قلبها الواعي الواسع بأنواع الحكمة، ويساعدها عقلها الوقّاد، وذكاؤها المفرط على فهم المعاني ودرك المفاهيم، وحفظ المطالب على أتمّ وجه وأكمل صورة.

لقد سمعتْ من أبيها الرسول الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكثير الكثير من العلوم، وتعلّمت منه القدر الغزير من الأحكام والأدعية والأخلاق والحِكَم.

هذا كلّه... بالإضافة إلى ما ألهمها الله تعالى من العلم والمعرفة.

وقد مرَّ عليك بعض التفصيل عند التحدّث عن اسمها: (المحدّثة) .

وروى جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلّى الله عليه

٢١٨

وآله وسلّم) أنّه قال: (إنّ الله جعل عليّاً وزوجته وأبناءه حجج الله على خلقه، وهم أبواب العِلم في أُمّتي، مَن اهتدى بهم هُدي إلى صراط مستقيم)(1) .

ولكنّ المؤسف حقّاً أنّه قد رُوي عنها القليل، حسَب ظروفها الخاصة، ولما ستعرفه قريباً.

ولو كانت الزهراءعليها‌السلام تعيش أكثر ممّا عاشت - مع فسح المجال أمامها - لملأت الدنيا علماً وثقافة ومعرفة.

وليس هذا ادّعاءاً فارغاً، بل هو الواقع الذي لا شكّ فيه.

فقد وجدت السيدة الزهراء المجال في حياتها ساعتين فقط: ساعةً خطبت فيها في مسجد أبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وساعةً خطبت في بيتها في جمع النساء اللاّتي حضرن لعيادتها.

وستعرف قريباً مدى مواهبها وسعة اطّلاعها، وكثرة معلوماتها، ومقدار قدرتها على الأداء والشرح والبيان.

ولكنّها - أسَفي عليها - ما عاشت إلاّ يسيراً، وقد عرفت تاريخ ميلادها وستعرف تاريخ وفاتها، وستعرف أنّها ماتت ولم تبلغ العشرين من العمر!!

فما تقول لو كانت الزهراء تعيش حتى تبلغ الخمسين والستين من العمر مع فسح المجال؟!

لكانت تترك للأُمّة الإسلامية أعظم ثروة فكريَّة وعلمية في شتّى المواضيع والفنون!!

ولكن...؟!

____________________

(1) شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 1 ص 58.

٢١٩

أيّها القارئ الكريم: إليك الآن بعض ما رُوي عنها من الأحاديث الشريفة:

1 - عن تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام قال: حضرت امرأة عند الصدِّيقة فاطمة الزهراءعليها‌السلام فقالت: إنّ لي والدة ضعيفة وقد لبس - أي: اشتبه - عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليك أسألكِ، فأجابتها فاطمةعليها‌السلام عن ذلك، فثنّت(1) فأجابت(الزهراء) ، ثم ثلّثت إلى أن عشّرت(2) فأجابت، ثم خجلت من الكثرة فقالت: لا أشقّ عليكِ يا ابنة رسول الله.

قالت فاطمة: هاتي وسلي عمّا بدا لكِ، أرأيت من أكتُرِيَ (أي استؤجِر) يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل، وكراه (أي أجرته) مائة ألف دينار يثقل عليه؟

فقالت: لا.

فقالت: اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن لا يثقل عليَّ؛ سمعت أبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنّ علماء شيعتنا يُحشرون، فيُخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجِدّهم في إرشاد عباد الله، حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف حلّة من نور، ثم ينادي منادي ربّنا عزّ وجل: أيّها الكافلون لأيتام محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمّتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم، فاخلعوا

____________________

(1) أي: جاءت المرأة مرَّة ثانية أو سألت مرّة أخرى.

(2) أي: جاءت مرة عاشرة، أو: سألت عشر مرات.

٢٢٠