فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد0%

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 568

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد كاظم القزويني
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: الصفحات: 568
المشاهدات: 231929
تحميل: 9876

توضيحات:

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 231929 / تحميل: 9876
الحجم الحجم الحجم
فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

هذه الوقائع.

ولولا ثبوتها عند علماء السنّة القدامى لما ذكروها في صحاحهم المعتبرة عندهم، المعتمدة لديهم.

أيّها القارئ:

أعود لأقول كلمتي الأخيرة، ثم أدخل في صميم الموضوع:

أقول: إنّني أذكر لك المصادر والمدارك التاريخية، فالأفضل أن تراجعها كي تتأكّد من صحّة القول والنقل.

وبعد مطالعة هذا الفصل لك الحرية في اختيار موقفك تجاه هذه الأحداث وتبقى أنت وضميرك الحي، ووجدانك وهو الذي تجده في قرارة نفسك، وديانتك التي أنت معتنقها، وإيمانك بالله الذي أنت لاقيه، والحق الذي هو فوق العاطفة والميول والتقاليد.

وكم يؤسفني أنّي لا أملك حرّية القلم والبيان لأسجّل على هذه الصفحات الأحداث المؤلمة، والظروف العصبية، والعواصف الزعازع، والساعات الحرجة التي مرت بآل الرسول وعترته الطيّبة في أقل من أسبوع من بعد وفاة الرسول.

نعم، الحرّيّة ممنوحة لكل أحد ولكل فئة إلاّ لآل رسول الله، وحرّيّة الصحافة المتعارفة في زماننا، وحرية الدفاع المسموح بها في جميع المحاكم في العالم، وحرية الرأي والفكر المعترف بها في الدول، هذه الحرّيات بكافّة أنواعها موجودة، ولكنّ التحدّث عن مصائب آل الرسول وتسجيل آلامهم ومآسيهم يعتبر ذنباً لا يُغفر...

والآن اقرأ ما يلي:

ذكر الأستاذ الفذ عبد الفتاح عبد المقصود في كتابه (الإمام عليّ بن أبي طالب ) ص225:

٢٦١

(... واجتمعت جموعهم - آونة في الخفاء وآخرى على ملاء - يدعون إلى ابن أبي طالب؛ لأنّهم رأوه أولى الناس بأن يلي أمور الناس، ثم تألّبوا حول داره يهتفون باسمه ويدعونه أن يخرج إليهم ليردوا عليه تراثه المسلوب... فإذا المسلمون أمام هذا الحدث محالف أو نصير، وإذا بالمدينة حزبان، وإذا بالوحدة المرجوَّة شقّان أوشكا على انفصال، ثم لا يعرف غير الله ما سوف تؤول إليه في نظر ابن الخطاب بالقتل حتى لا تكون فتنة ولا يكون انقسام؟!

كان هذا أولى بعنف عمر إلى جانب غيرته على وحدة الإسلام، وبه تحدّث الناس ولهجت الألسن كاشفة عن خلجات خواطر جرت فيها الظنون مجرى اليقين، فما كان لرجل أن يحزم أو يعلم سريرة ابن الخطاب، ولكنّهم جميعاً ساروا وراء الخيال، ولهم سند ممّا عرف عن الرجل دائماً من عنف ومن دفعات، ولعلّ فيهم مَن سبق بذهنه الحوادث على متن الاستقراء فرأى بعين الخيال قبل رأي العيون، ثبات عليّ أمام وعيد عمر لو تقدّم هذا منه يطلب رضاءه وإقراره لأبي بكر بحقّه في الخلافة، ولعلّه تمادى قليلاً في تصوّر نتائج هذا الموقف وتخيّل عقباه فعاد بنتيجة لازمة لا معدّى عنها، هي خروج عمر عن الجادّة، وأخذ هذا المخالف العنيد بالعنف والشدَّة!

وكذلك سبقت الشائعات خطوات ابن الخطاب ذلك النهار، وهو يسير في جمع من صحبه ومعاونيه إلى دار فاطمة وفي باله أن يحمل ابن عمّ رسول الله - إن طوعاً وإن كرهاً - على إقرار ما أباه حتى الآن.،

وتحدّث أُناس بأنّ السيف سيكون وحده متن الطاعة...! وتحدّث آخرون بأنّ السيف سوف يلقى السيف...!

ثم تحدّث غير هؤلاء وهؤلاء بأنّ (النار) هي الوسيلة المثلى إلى حفظ الوحدة وإلى (الرضا) والإقرار...! وهل على ألسنة الناس عقال يمنعها أن

٢٦٢

تروى قصّة حطب أمر به ابن الخطاب فأحاط بدار فاطمة، وفيها عليّ وصحبه، ليكون عدّة الإقناع أو عدّة الإيقاع؟

على أنّ مثل هذه الأحاديث جميعها ومعها الخطط المدبّرة أو المرتجلة كانت كمثل الزبد، أسرع إلى ذهاب ومعها دفعة ابن الخطاب!...

أقبل الرجل، محنقاً مندلع الثورة على دار عليّ وقد ظاهر معاونوه ومَن جاء بهم فاقتحموها أو أوشكوا على اقتحامها فإذا وجه كوجه رسول الله يبدو بالباب حائلاً من حزن، على قسماته خطوط آلام، وفي عينيه لمعات دمع، وفوق جبينه عبسة غضب فائر وحنق ثائر...

وتوقّف عمر من خشية وراحت دفعته شعاعاً. وتوقف خلفه - أمام الباب - صحبه الذين جاء بهم إذ رأوا حيالهم صورة الرسول تطالعهم من خلال وجه حبيبته الزهراء وغضوا الأبصار من خزي أو من استحياء، ثم ولت عنهم عزمات القلوب، وهم يشهدون فاطمة تتحرك كالخيال، وئيداً وئيداً بخطواتها المحزونة الثكلى، فتقترب من ناحية قبر أبيها... وشخصت منهم الأنظار وأرهفت الأسماع إليها، وهي ترفع صوتها الرقيق الحزين النبرات، تهتف بمحمد الثاوي بقربها، تناديه باكية مريرة البكاء:

يا أبت يا رسول الله!... يا أبت يا رسول الله!...

فكأنّما زلزلت الأرض تحت هذا الجمع الباغي، من رهبة النداء...

وراحت الزهراء وهي تستقبل المثوى الطاهر، تستنجد بهذا الغائب الحاضر: (يا أبت يا رسول الله!... ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة!؟).

فما تركت كلماتها إلاّ قلوباً صدعها الحزن، وعيوناً جرت دمعاً، ورجالاً ودّوا لو استطاعوا أن يشقوا مواطئ أقدامهم ليذهبوا في طوايا الثرى مغيّبين...) إلى آخر كلامه.

٢٦٣

اقتطفنا هذه الجملات من كتاب الأستاذ عبد الفتاح الكاتب المصري المعاصر.

وأمّا ما ذكره المؤرّخون القدامى، والمحدّثون المتقدّمون فهاك بعض أقوالهم حول الموضوع:

في العقد الفريد ج2 ص250 وتاريخ أبي الفداء ج1 ص156 وأعلام النساء ج3 ص1207: (وبعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب وقال لهم: فإن أبوا فقاتلهم. وأقبل عمر بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة فقالت: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟

قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة.

وفي تاريخ الطبري ج3 ص198 والإمامة والسياسية ج1 ص13 وشرح ابن أبي الحديد ج1 ص134: دعا بالحطب وقال: والله لتحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة. أو لتخرجنّ إلى البيعة أو لأحرقنها على مَن فيها. فيقال للرجل: إنّ فيها فاطمة فيقول: وإن!!

وذكر ابن قتيبة(1) في (الإمامة والسياسة ) ص19:

كيف كانت بيعة عليّ بن أبي طالب (كرّم الله وجهه).

قال: وإنّ أبا بكررضي‌الله‌عنه تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند عليّ (كرّم الله وجهه) فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار عليّ، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنها على مَن فيها:

____________________

(1) هو الإمام الفقيه أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، من علماء القرن الثالث الهجري، ومن أئمّة الأدب والنحو والتاريخ، ولد ببغداد سنة 213 هـ، وتوفّي سنة 276 هـ، له كتب كثيرة، ومن أشهرها هو هذا الكتاب المعروف بتاريخ الخلفاء، وقد طُبع عدّة مرات في مصر والعراق ولبنان.

٢٦٤

فقيل له: يا أبا حفص إنّ فيها فاطمة!

قال: وإن!

فخرجوا فبايعوا إلاّ عليّاً فإنّه زعم أنّه قال: حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي(1) على عاتقي حتى أجمع القرآن.

فوقفت فاطمةرضي‌الله‌عنها على بابها وقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا ولم تردوا(2) لنا حقّاً؟!

ويقول محمد حافظ إبراهيم (شاعر النيل) في قصيدته العمرية:

وقولةٍ لعليٍّ قالها عمرٌ

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرقتُ دارك لا أبقي عليك بها

إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفصٍ يفوه بها

أمام فارس عدنان وحاميها

ذكر مصطفى بك الدمياطي في شرحه على هذه القصيدة ص38: وفي رواية لابن جرير الطبري قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد بن كليب قال: أتى عمر بن الخطاب منزل عليَّ وبه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال: والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة، فخرج عليه الزبير معلناً بالسيف فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه فأخذوه... إلى آخر كلامه.

وقد روى الشهرستاني في (الملل والنحل ص83) عن النظّام قال: إنّ عمر ضرب بطن فاطمة

____________________

(1) وفي نسخة: ردائي.

(2) وفي نسخة: ولم تروا.

(3) هو الإمام الفقيه محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، الشافعي المذهب، من علماء القرن السادس الهجري، وله كتب كثيرة، ومن أشهرها: كتاب الملل والنحل، وقد طُبع عدّة مرّات في مصر ولبنان والعراق وغيرها.

٢٦٥

يوم البيعة حتى ألقت الجنين (المحسن ) من بطنها، وكان يصيح: أحرقوا دارها بمَن فيها. و كان في الدار غير عليّ وفاطمة والحسن والحسين(1).

وروى مثل ذلك البلاذري في (أنساب الأشراف ج1 ص404)، والصفدي الشافعي في كتاب الوافي بالوفيات ج 5 ص 347.

وفي لسان الميزان لابن حجر العسقلاني ج 1 ص 268: إنّ عمر رَفَس فاطمة فأسقطت بمحسن.

وذكر مثله الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال ج 1 ص 139.

وذكر ابن خذابة - أو خرذاذبة -: قال زيد بن أسلم: كنت ممّن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع عليّ وأصحابه عن البيعة، فقال عمر لفاطمة: أخرجي من البيت أو لأحرقنه ومَن فيه!!!

قال: في البيت عليّ وفاطمة والحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبي.

فقالت فاطمة: أفتحرق عليَّ وُلدي؟

فقال: أي والله أو ليخرجنَّ وليبايعنَّ!!

هذا ما ظفرت به من المصادر المذكورة في كتب أهل السنّة والجماعة؛ ولعل غيري يجد أكثر من هذه المصادر في كتب التواريخ.

بعد استعراض هذه النصوص التاريخية، انكشف لنا موقف بعض المسلمين تجاه أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واتضح لنا أن بعض الأفراد لم يراعوا حرمة السيدة فاطمة الزهراء ولا حرمة بيتها، ولا راقبوا كرامة زوجها أمير المؤمنين عليّ، ولا كرامة ولديها، الحسن والحسين، ولم يحفظوا فيهم حرمة الرسول الأعظم.

____________________

(1) الملل والنحل، الباب الأول، الفرقة النظامية ص 83.

٢٦٦

فقد عرفنا من هذه النصوص أن العصابة جاءت لإخراج الإمام عليّ من بيته ليبايع أبا بكر، وقد سمعنا منهم التهديد بإحراق البيت وكل مَن فيه من آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم).

ما كانت السيدة فاطمة الزهراء تنتظر أن ترى في حياتها يوماً كذلك اليوم، ومأساة كتلك المأساة، وإن كان أبوها الرسول قد أخبرها بذلك إجمالاً أو تفصيلاً، ولكنّ السماع شيء والرؤية شيء آخر، وتأثير المصيبة يختلف سماعاً ورؤية.

إن كانت السيدة فاطمة قد سمعت من أبيها الرسول أنّ الأمور سوف تنقلب عليها، وأنّ الأحقاد سوف تظهر بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّها قد شاهدت بعينها تلك الأحداث، فقد هجم القوم على عرينها ليخرجوا زوجها من ذلك البيت الذي ما كان الرسول يدخله إلاّ بعد الاستئذان من فاطمة.

لا تستطيع الزهراء أن تسكت وتقف موقف المتفرّجة.

وأيّة عائلة تسكت أو تهدأ إذا رأت عصابة تريد الهجوم على بيتها لإخراج رئيس العائلة؟

فالخوف والذعر الاضطراب يبلغ أشدّه، ويسلب من العائلة كلّ استقرار وهدوء، فالأطفال يصرخون باكين من هول الموقف، والأصوات ترتفع في تلك اللحظات الرهيبة.

كانت السيدة فاطمة - قبل هجوم القوم - خلف الباب وقد عصّبت رأسها بعصابة، ولم يكن عليها خمار، فلمّا هجم القوم لاذت السيدة فاطمة خلف الباب لتستر نفسها عن أُولئك الرجال، فعصروها عصرة شديدة، وكانت هي حاملاً في الشهر السادس من حملها.

وهنا صرخت السيدة صرخة من شدّة الألم؛ لأنّ جنينها قُتل من

٢٦٧

صدمة الباب، ولا تسأل عن مسمار الباب الذي نبت في صدرها بسبب عصرة الباب.

وفي تلك اللحظات كان القوم قد ألقوا القبض على الإمام علي وهم يريدون إخراجه من البيت، وهنا حالت السيدة فاطمة بين القوم وبين أن يُخرجوا زوجها بالرغم من الألم الشديد واضطراب الجنين في أحشائها.

وهنا صدر الأمر بضرب فاطمة حبيبة رسول الله وعزيزته.

إنّ أولاد فاطمة الزهراء الذين شاهدوا المعركة هكذا يقولون:

لقد خاطب الإمام الحسنعليه‌السلام المغيرة بن شعبة في مجلس معاوية بقوله: (وأنت ضربت فاطمة بنت رسول الله حتى أدميتها، وألقت ما في بطنها، استذلالاً منك لرسول الله، ومخالفة منك لأمره، وانتهاكاً لحرمته، وقد قال لها رسول الله: (أنتِ سيّدة نساء أهل الجنّة) والله مصيّرك إلى النار...) إلى آخر كلامه(1) .

وفي كتاب سليم بن قيس: (... فأقبل عمر وضَرب الباب ونادى: يا بن أبي طالب افتح الباب.

فقالت فاطمةعليها‌السلام : يا عمر مالنا ولك، لا تدعنا وما نحن فيه؟

فقال: افتحي الباب، وإلاّ أحرقنا عليكم!

فقالتعليها‌السلام : يا عمر أما تتّقي الله (عزّ وجلّ)، تدخل عليَّ بيتي وتهجم على داري؟!

فأبى أن ينصرف، ثم دعى عمر بالنار فأضرمها في الباب، فأحرق الباب ثم دفعه عمر، فاستقبلته فاطمةعليها‌السلام وصاحت: يا أبتا يا رسول الله!!

____________________

(1) الاحتجاج 137 والبحار ج 43.

٢٦٨

فرفع عمر السيف - وهو في غمده - فَوَجأ به جنبها، فصرخت.

فرفع السوط فضرب به ذراعها، فصاحت: يا أبتاه لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر.

فوثب علي بن أبي طالبعليه‌السلام فأخذ بتلابيب عمر(1) ثم هزَّه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته(2) وهمَّ بقتله، فذكر قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما أوصاه من الصبر والطاعة فقال: (والذي كرَّم محمداً بالنبوّة - يا بن صهاك! - لو لا كتاب من الله سبق، وعهدٌ عهد إليّ رسول الله لعلمتَ أنّك لا تدخل بيتي...)

فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار، فكاثروه(3) وألقوا في عنقه حبلاً.

فحالت بينهم وبينه فاطمةعليها‌السلام عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط، فماتت - حين ماتت - وانّ في عضدها كمثل الدملج(4) من ضربته، فالجأها إلى عضادة بيتها ودفعها، فكسر ضلعاً من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها.

فلم تزل صاحبة فراش، حتى ماتت من ذلك شهيدة).

وفي كتاب إرشاد القلوب: عن الزهراءعليها‌السلام قالت: (... فجمعوا الحطب على الباب واتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا، فوقفتُ بعضادة الباب، وناشدتهم الله وبأبي، أن يكفّوا عنّا، فأخذ عمر السوط من يد قنفذ

____________________

(1) تلابيب - جمع تلبيب - وهو موضع الطوق والقلادة من الصدر، يقال: أخذ بتلابيبه أي: أمسكه متمكّناً منه.

(2) وجأ: عَصر وضرب.

(3) فكاثروه أي: اجتمعوا على الإمامعليه‌السلام .

(4) الدملجُ: السوار في المعصم.

٢٦٩

فضرب به عضدي حتى صار كالدملج، وركل الباب برجله فردَّه عليَّ وأنا حامل، فسقطتُ لوجهي والنار تسعر، فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني، وجاءني المخاض، فأسقطت محسناً، بغير جُرم) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام :... وكان سبب وفاتها أنّ قنفذاً مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسناً، ومرضت من ذلك مرضاً شديداً... إلى آخر كلامهعليه‌السلام .

هكذا يستفاد أنّ أكثر من واحد ضرب بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا سبّب إجهاض الجنين.

وترى الشعراء يتألّمون من هذه المأساة المروّعة ويتحدّثون عنها، يقول أحدهم:

فأسقطت بنت الهدى وا حَزَنا

جنينها ذاك المسمّى محسنا

ويقول الآخر:

والداخلين على البتولة بيتها

والمسقطين لها أعزَّ جنينِ

ويقول الآخر:

أو تدري ما صدر فاطم ما المسما

ر ما حال ضلعها المكسور

ما سقوط الجنين؟ ما حمرة

العين وما بال قرطها المنثور

ويقول الآخر:

ولست أدري خبر المسمارِ

سل صدرها خزانة الأسرارِ

استنجدت السيدة فاطمة بخادمتها فضّة وصاحت: يا فضّة! إليك فخذيني وإلى صدرك فأسنديني، والله لقد قتلوا ما في أحشائي!!

أسرعت فضّة واحتضنت السيدة فاطمة لتحملها إلى الحجرة، ولكنّ الجنين سقط قبل وصول الزهراء إلى الحجرة.

٢٧٠

والمعروف أنّ آلام الإجهاض أشدّ من آلام الولادة، فكانت حبيبة رسول الله فاطمة تئنّ أنيناً يوجع كل قلب، ويُبكي كل عين، فالطفل فارق الحياة وأُمّه تنظر إليه.

ولكنّ القوم لم يعيروا اهتماماً بما جرى على سيّدة النساء وابنة سيّد الأنبياء، بل أخذوا زوجها العظيم، بعد أن نزعوا عنه السلاح، وتركوه أعزلاً وألقوا حبل سيفه في رقبته يقودونه من بيته إلى المسجد بكل عنف وقسوة ليبايع(1) .

هنا يقف القلم عن الجري، ويخرس اللسان عن بيان وشرح تلك اللحظات التي مرّت بذلك الرجل الغيور، صاحب الحَميّة والإباء، ذلك البطل الإسلامي المجاهد العظيم، ذلك الإمام الذي كانت الزهراء أغلى عنده من كل غالٍ ونفيس وأعزّ من كل موجود، وأشرف من كل إنسان بعد الرسول.

وينظر سلمان إلى ذلك المنظر المذهل ويقول: أيُصنع ذا بهذا؟ والله لو أقسم على الله لانطبقت ذه على ذه(2) .

____________________

(1) والعجب: أنّ معاوية يشمت بالإمام عليعليه‌السلام بهذه المأساة ويكتب إليه: وتقاد إلى كل منهم كما يقاد الجمل المخشوش حتى تبايع كارهاً... إلى آخر كلامه / شرح ابن أبي الحديد ج 4.

فأجابه الإمامعليه‌السلام ... وقلتَ: إنّي كنت أُقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع، ولعمرو الله لقد أردت أن تذمّ فمدحت، وأن تفضح فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً، لم يكن شاكّاً في دينه، ولا مرتاباً بيقينه، وهذه حجّتي إلى غيرك قصدها، ولكنّي أطلقت لك بقدر ما سنح من ذكرها... إلى آخر كلامهعليه‌السلام / نهج البلاغة باب كتبهعليه‌السلام .

(2) أي انطبقت السماء على الأرض. والحديث في بحار الأنوار ج 43.

٢٧١

قف بنا لنبكي على علي، وهو يسمع صرخات زوجته فاطمة! ويسمع أصوات ولديه وبنتيه الصغار وهم يولولون، ينظرون إلى أُمّهم تارة وإلى أبيهم أخرى، لا يدرون ما يصنعون؟ هل يلتفون حول أُمّهم ويسمعون أنينها من صدمة الباب وسقط الجنين؟

أو يرافقون أباهم وقد ازدحم حوله الرجال يدفعونه في ظهره ويقاومون امتناعه.

حيرة وأيّة حيرة؟!

يريد علي أن يسعف زوجته لينظر إليها وهي في تلك الحالة، ولكنّ حبل السيف في رقبته، ولكنّ الرجال يدافعونه، وصرخات الأطفال قد سلبته كل قرار.

ينظر يميناً وشمالاً، ينادي: وا حمزتاه، ولا حمزة لي اليوم، وا جعفراه ولا جعفر لي اليوم!!

وأخيراً... اخرجوا خليفة رسول الله من الدار، بتلك الصورة الفظيعة، المقرونة بالإكراه والإهانة.

ارتفعت أصوات النساء - الواقفات في الطريق - بالبكاء والعويل، وما الفائدة من صياح النساء أمام القوّة؟ وهل تلين تلك القلوب من صرخات النساء وصياحهن.

فتحت السيدة فاطمة عينها حينذاك، ولعلّها أفاقت على صراخ أطفالها المذعورين! وقالت: يا فضّة! أين عليّ!!

قالت - وهي باكية -: أخذوه للمسجد!!

نسيت فاطمة آلامها، وقامت وكلّها آلام وأوجاع، ولكنّها استعادت شجاعتها لهول الموقف ولذلك الظرف العصيب.

فلنترك السيدة فاطمة تستعدّ للخروج لإنقاذ زوجها من تلك الورطة

٢٧٢

ولتدارك ذلك الموقف، ولنذهب إلى المسجد النبوي لنرى ما جرى على الإمام عليّ؟؟

نعود إلى ما ذكره ابن قتيبة في (الإمامة والسياسة ص11):

وذكروا أنّ عليّاً أتى أبو بكر وهو يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله. فقيل له: بايع أبو بكر. فقال: أنا أحقّ بهذا الأمر منكم.

لا أُبايعكم، وأنتم أولى بالبيعة لي.

أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتأخذونه من أهل البيت غصباً؟؟

ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر لمكان محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله منكم؟؟ فأعطوكم المقادة، وسلَّموا إليكم الإمارة؟

وأنا أحتجُّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار:

نحن أولى برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيّاً وميتاً.

فأنصفونا (إن كنتم تخافون) من أنفسكم.

فقال له عمر: أنت لست متروكاً حتى تبايع.

فقال له عليّ: احلب حلباً لك شطره!!

اشدد له اليوم ليرده عليك غداً.

والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه.

فقال له أبو بكر: فإن لم تبايعني فلا أُكرهك.

فقال عليّ: يا معشر المهاجرين الله! الله! لا تُخرجوا سلطان محمد في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم، وتدفعوا أهله عن

٢٧٣

مقامه في الناس وحقّه.

فو الله يا معشر المهاجرين! لنحن أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله...).

هذا ما يرويه ابن قتيبة في كتابه (الإمامة والسياسة ).

وأمّا ما يرويه العياشي في تفسيره 2/67:

(... أخرجوه من منزله ملبّباً، ومرّوا به على قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: (يا بن أم إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) فقال له عمر: بايع.

قال عليّ: فإن أنا لم أفعل فَمَه؟

قال له...: إذن والله أضرب عنقك!

قال عليّ: إذن - والله - أكون عبد الله المقتول وأخا رسول الله.

وفي رواية: إذن والله تقتلون عبد الله وأخا رسول الله.

فقال عمر: أما عبد الله فنعم، وأمّا أخو رسول الله فلا.

وفي رواية: وأمّا أخو رسول الله فما نقرّ لك بهذا.

فقالعليه‌السلام : أتجحدون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بيني وبينه؟

قال: نعم.

وجرى - هناك - حوار شديد وكلام طويل بين خليفة رسول الله عليّعليه‌السلام وبين تلك الزمرة.

وعند ذلك وصلت فاطمة إلى المسجد، وقد أخذت بيد ولديها: الحسن والحسين، وما بقيت هاشمية إلاَّ وخرجت معها، ونظرت السيدة فاطمة إلى زوجها أبي الحسن وهو تحت التهديد بالقتل، فأقبلت تعدو

٢٧٤

وتصيح: خلّوا عن ابن عمّي!!

خلوّا عن بعلي!! والله لأكشفنّ عن رأسي ولأضعنَّ قميص أبي على رأسي ولأدعونَّ الله عليكم.

وفي رواية: فو الذي بعث محمداً بالحقّ لئن لم تخلّوا عنه لأنشرنّ شعري، ولأضعنَّ قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على رأسي، ولأصرخنّ إلى الله تبارك وتعالى، فما ناقة صالح بأكرم على الله منّي، ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي(1) .

وفي رواية العياشي: قالت: يا أبا بكر أتريد أن ترمّلني من زوجي؟ والله لئن لم تكفّ عنه لأنشرنَّ شعري، ولأشقنَّ جيبي، ولآتين قبر أبي، ولأصيحنَّ إلى ربّي!!

فأخذت بيد الحسن والحسين وخرجت تريد قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي رواية أخرى: قالت: ما لي ولك يا أبا بكر؟ تريد أن تُيتم ابنيّ، وترملني من زوجي؟

والله لولا أن تكون سيئة لنشرت شعري ولصرخت بهذا الفعل؟ أتريد أن تنزّل العذاب على هذه الأُمّة؟

فقال عليّ لسلمان: أدرك ابنة محمّد...

أقبل سلمان وقال: يا بنت محمد إنّ الله بعث أباك رحمة فارجعي!

فقالت: يا سلمان يريدون قتل عليّ! ما عليَّ صبر، فدعني حتى آتي قبر أبي فأنشر شعري، واشقّ جيبي وأصيح إلى ربّي.

____________________

(1) بحار الأنوار ج 43 / تاريخ اليعقوبي / الاحتجاج للطبرسي.

٢٧٥

فقال سلمان: إنّي أخاف أن يُخسف بالمدينة، وعلي بعثني إليكِ يأمركِ أن ترجعي إلى بيتك وتنصرفي.

فقالتعليها‌السلام : إذن أرجع وأصبر، وأسمع له وأطيع(1) .

وفي كتاب (احتجاج الزهراء) للرضوي النجفي ص 140: فأقبل علي مُهَرولاً إلى السيدة فاطمة، فلمّا وصل إليها جعلت فاطمة تقبِّل أكتافه وتقول له - بدموع جارية -:

(روحي لروحك الفداء، ونفسي لنفسك الوقاء، يا أبا الحسن إن كنتَ في خير كنتُ معك، وأنت كنتَ في شرٍّ كنتُ معك).

وخلاصة الحديث: أنّ السيدة فاطمة ما رجعت إلى البيت إلاَّ وأخذت زوجها معها وأنقذته من تلك الزمرة، وخلَّصته من أخذ البيعة منه.

____________________

(1) بيت الأحزان للقمّي ص 87.

٢٧٦

مَدْخَل خُطْبَةِ فَاطِمَة الزهْرَاءعليها‌السلام

مأساة فدك والعوالي

أحسن كلام نفتتح به هذا البحث، وأصدق حديث نبدأ به في هذا الموضوع هو كلام الله تعالى، ومَن أصدق من الله قيلاً؟ ومَن أصدق من الله حديثاً؟

قال تعالى:( فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (1) .

هذه الآية كما تراها خطاب من الله عزّ وجل إلى حبيبه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله يأمره أن يؤتي ذا القربى حقّه؛ فمَن ذو القربى؟ وما هو حقّه؟

لقد ذكرنا - في آية القربى أو آية المودّة - أنّ المقصود من القربى هم أقرباء الرسول وهم: عليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام فيكون المعنى: وأعطِ ذوي قرباك حقوقهم.

رُوي عن أبي سعيد الخدري وغيره: أنّه لما نزلت هذه الآية على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى فاطمة فدكاً وسلّمه إليها، وهو المروي عن الإمام الباقر والإمام الصادقعليهما‌السلام وهو المشهور بين جميع علماء الشيعة.

وقد ذكر ذلك من علماء السنّة عدد كثير بطرق عديدة، فمنها:

صرَّح في (كنز العمّال) وفي مختصره المطبوع في الهامش من كتاب

____________________

(1) الروم: 38.

٢٧٧

(المسند) لأحمد بن حنبل في مسألة صلة الرحم من كتاب (الأخلاق) عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت:( فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا فاطمة لك فدك.

قال: رواه الحاكم في تاريخه

وفي ص177 من الجزء الرابع من تفسير (الدر المنثور) للسيوطي أنّه أخرج البزار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت هذه الآية:( فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) أقطع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة فدكاً.

قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج: وقد روي من طرق مختلفة غير طريق أبي سعيد الذي ذكره صاحب الكتاب: أنّه لما نزل قوله تعالى:( فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة فأعطاها فدك.

فما هي فدك؟

التحدّث عن فدك يشمل الموارد الآتية:

ما هي فدك؟

2 - هل كانت فدك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خاصة أم للمسلمين عامة؟

3 - هل دفع الرسول فدكاً إلى ابنته فاطمة الزهراء نِحْلة وعطية في حياته أم لا؟

4 - هل يورّث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أم لا؟

5 - هل كانت السيدة فاطمة الزهراء تتصرّف في فدك في حياة أبيها الرسول أم لا؟

1 - أمّا الإجابة على السؤال الأوّل: فقد ذكر اللغويون أقوالهم في فدك:

٢٧٨

في القاموس: فدك قرية بخيبر.

وفي المصباح: فدك - بفتحتين - بلدة بينها وبين مدينة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يومان، وبينها وبين خيبر دون مرحلة، وهي ممّا أفاء الله على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي معجم البلدان للحموي، باب الفاء والدال: فدك: بالتحريك، وآخره كاف قرية بالحجاز، بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة، أفاءها الله على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في سنة سبع صلحاً؛ وذلك أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلاّ ثلاث، واشتد بهم الحصار أرسلوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يسألونه أن ينزلهم على الجلاء، وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم، فأجابهم إلى ذلك فهو ممّا لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكانت خالصة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

2 - وأمّا الإجابة على السؤال الثاني، وهو: هل كانت فدك خالصة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقد قال تعالى:

( وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (1) .

قوله تعالى:( أَفَاءَ اللهُ ) أي: ردّ الله ما كان للمشركين على رسوله بتمليك الله إيّاه منهم، أي من اليهود الذين أجلاهم.

( فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ) أوجف خيله أي أزعجه في

____________________

(1) الحشر: 6.

٢٧٩

السير، والركاب - هنا - الإبل، والمعنى ما استوليتم على تلك الأموال بخيولكم أي ما ركبتم خيولكم وإبلكم لأجل الاستيلاء عليها.

( وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ) أي يمكّن الله رسله من عدوّهم من غير قتال، بأن يقذف الرعب في قلوبهم، فجعل الله أموال بني النضير لرسوله خالصة يفعل بها ما يشاء، وليست من قبيل الغنائم التي توزّع على المقاتلين.

( مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ ) أي من أموال كفّار أهل القرى( فَلِلَّـهِ ) ( وَلِلرَّسُولِ ) أي جعل تلك الأموال ملكاً لرسوله( وَلِذِي الْقُرْبَىٰ ) يعني قرابة النبي( وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) من القربى.

روى الطبرسي عن ابن عباس قال: نزل قوله:( مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ... ) في أموال كفّار أهل القرى، وهم بنو قريظة وبنو النضير، وهما بالمدينة وفدك وهي في المدينة على ثلاثة أميال، وخيبر وقرى عرينة وينبع جعلها الله لرسوله، يحكم فيها ما أراد، وأخبر أنّها كلّها له، فقال أُناس: فهلاّ قسَّمها؟ فنزلت الآية.

وقد مر عليك كلام الحموي في معجم البلدان حول فدك أنّها ممّا لم يوجف عليه بخيلٍ ولا ركاب؛ فكانت خالصة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

3 - وأمّا الإجابة على السؤال الثالث، فقد مرّ عليك ما ذكره المحدّثون في تفسير قوله تعالى:( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى فاطماً فدكاً.

وهاك مزيداً من الأدلة حول الموضوع تأكيداً لهذا البحث:

ذكر ابن حجر في الصواعق المحرقة، والشيخ السمهودي في تاريخ المدينة أنّ عمر قال: إنّي أحدّثكم عن هذا الأمر: إنّ الله خصَّ نبيّه في هذا

٢٨٠