فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد0%

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 568

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد كاظم القزويني
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: الصفحات: 568
المشاهدات: 232315
تحميل: 9881

توضيحات:

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 232315 / تحميل: 9881
الحجم الحجم الحجم
فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

التحدّث عن فترة الانقلاب

ثم انتقلت إلى التحدّث عن فترة الانقلاب الذي قام به الأفراد بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت:

(فلمّا اختار الله لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دار أنبيائه).

ما أروع هذه الكلمة!

وما أحسن هذا التعبير الراقي!

إذ إنّها ما قالت: فلمّا مات النبي. بل قالت: (فلمّا اختار الله لنبيّه دار أنبيائه) وهي الدرجات العلا في الجنّة، فهناك الأنبياء، وهناك (مأوى أصفيائه).

(ظهرت فيكم حسكة النفاق) وفي نسخة: (حسكية) وهي الشوكة، ويراد بها العداوة وهي عداوة النفاق، أي العداوة الحاصلة بسبب النفاق.

(وسمل جلباب الدين) وفي نسخة: (أسمل) وفي بعض النسخ: (جلباب الإسلام) أي ظهرت آثار الاندراس على ثياب الإسلام، بعد أن كانت في غاية الحسن والجمال والطراوة.

(ونطق كاظم الغاوين) وفي نسخة: (فنطق كاظم، ونبغ خامل) أي تكلّم الذي ما كان يتجرّأ أن يتكلّم من جهة الخوف.

(ونبغ خامل الأقلِّين) وفي نسخة: (الآفلين) والمقصود بروز الأفراد الساقطين غير النابهين.

٣٦١

(وهدر فنيق المبطلين) وفي نسخة: (فنيق الكفر) أي رفع البعير - الفحل الذي لا يركب - صوته.

(فخطر في عرصاتكم) أي مشى ذلك البعير مشية المعجب بنفسه، مشية الكبرياء والغرور، وكلها كنايات عن ظهور النفاق الكامن في الصدور، وبروز النزعات والاتجاهات التي كانت مختفية في عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وانقلاب الضعفاء العجزة أقوياء.

(وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم) تعتبر السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام تلك الأحداث نوعاً من التجاوب مع الشيطان الرجيم الذي حلف بقوله:( وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) فالشيطان الذي كان فاشلاً في عهد الرسول يوم كان الإسلام في التقدّم والقوّة، الشيطان أخرج رأسه بعد أن كان مختفياً، أخرج رأسه كالقنفذ الذي يخرج رأسه عند زوال الخوف، وهتف بكم ودعاكم إلى نقض البيعة التي تمت يوم الغدير، وسلب الحقوق عن أهلها وأصحابها الشرعيّين.

(فألفاكم لدعوته مستجيبين) وفي نسخة: (فوجدكم لدعوته التي دعا إليها مجيبين) أي حينما هتف بكم الشيطان وجدكم كما يجب، وصدق عليكم ظنّه.

(وللغرّة فيه ملاحظين) أي وجد الشيطان فيكم تجاوباً شديداً، وقبولاً للانخداع كالإنسان الذي يقبل كل شيء يقال له، ويعمل كل شيء يؤمر به، بلا تفكر ولا تعقّل في الأمور.

(ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً) أمركم بالقيام به فوجدكم مسرعين دون تثاقل.

(وأحمشكم فألفاكم غضاباً) وفي نسخة: (فوجدكم غضاباً) أي

٣٦٢

حملكم على الغضب، وحرّضكم عليه فوجدكم تغضبون لغضبه، أو تندفعون نحو الغضب على حسابه ولمصلحته، والمقصود: وجدكم الشيطان منقادين لأوامره، مطيعين له في كل الأحوال.

(فوسمتم غير إبلكم) فكانت النتيجة أنّكم عملتم ما لا يجوز لكم أن تفعلوه، وانتخبتم من ليس بأهل الانتخاب، وأعطيتم مقاليد الأمور غير أهلها، وخوّلتم القيادة إلى غير أكفائها .

(وأوردتم غير شربكم) وفي نسخة: (وأوردتموها شرباً ليس لكم) كالراعي الذي ينزل إبله في عين ماء ليست له، والمقصود إنكم أخذتم ما ليس لكم بحق من الخلافة، والمراد التصرّفات الشاذّة التي قام بها الناس في تعيين الخليفة، وصرف الخلافة عن أهلها وأصحابها الشرعيين؛ لأن هذه التصرفات ليست من حق الناس، بل هي من عند الله تعالى.

(هذا والعهد قريب) حَدَث كل هذا التغيير والحال أنّ العهد قريب، أي لم يمضِ زمن بعيد عن أيام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ من الممكن أّن الدين يتغيّر، أو المسلمين ينسون الأوامر والتعاليم بسبب مرور الزمان، ولكن - هنا - ليس الأمر كذلك فإنه لم يمضِ على وفاة الرسول أسبوعان.

(والكلم رحيب) وجراحة القلب بسبب وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يزال فمها واسعاً، وهذا تعبير عن سعة الجراحة، والمقصود عِظَم المصيبة، وفظاعة الخطب.

(والجرح لما يندمل) أي لم يلتئم جرح مصاب وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(والرسول لما يقبر) أي ظهرت بوادر الانقلاب قبل دفن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل في تلك الساعات التي كان عليعليه‌السلام

٣٦٣

يغسّل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ويكفّنه، فاجتمعتم وصنعتم ما صنعتم.

(ابتداراً، زعمتم خوف الفتنة) وفي نسخة: (بداراً) أي أسرعتم إلى تلك الأعمال بكل استعجال، وتزعمون أنّكم إنّما فعلتم ما فعلتم وقاية عن وقوع الفتنة، ومعنى زعم: ادّعى شيئاً وهو يعلم كذبه، ومعنى - زعمتم - هنا: ادّعيتم أنكم فعلتم تلك الأفعال لئلا تقع الفتنة، وكنتم تعلمون أنكم كاذبون في هذا الإدعاء.

( أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) الفتنة أنتم، وأنتم الفتنة، وعملكم هو الفتنة المفسدة، غصبتم الحقوق عن أهلها لأجل الوقاية من الفتنة حسب ادعائكم، وأيّ محنة أعظم من تغيير مجرى الإسلام، وتبديل أحكامه، وغصب حقوق أهل البيت، ومعاملتهم بتلك القسوة والخشونة؟؟

وكان من المناسب أن تقول السيدة فاطمة: إلا في الفتنة سقطتم. ولكنّها ذكرت الآية الشريفة كما هي.

(فهيهات منكم) كلمة: (هيهات) معناها البُعد، وكأنّها تستبعد تلك الأعمال منهم استبعاداً ممزوجاً بالتعجّب من أنّهم كيف أقدموا على تلك الأعمال، ومَن الذي يصدّق أن تلك الحثالة من الناس يقومون بتلك الجرائم العظيمة بالرغم من تصريح القرآن، وتصريحات الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وتوصياته في حق عترته وأهل بيته؟

(وكيف بكم) تتعجّب السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام من ذلك التبدّل في العقائد والسلوك، أي كيف فعلتم هذه الأعمال؟ وكيف تليق بكم تلك الجنايات؟

٣٦٤

(وأنّى تؤفكون؟!) أي إلى أين صَرَفكم الشيطان عن طريقتكم المثلى، وحدا بكم إلى هذه الأعمال.

(وكتاب الله بين أظهركم) أي والحال أن القرآن لا يزال موجوداً فيما بينكم، محفوفاً بكم، وفي نسخة: (وكتاب الله - عزّ وجل - بين أظهركم، قائمة فرائضه، واضحة دلائله، نيّرة شرائعه).

(أُموره ظاهرة) أي لا يوجد في القرآن ما يوجب الشك والارتياب، لأن أموره ظاهرة.

(وأحكامه زاهرة) متلألئة مشرقة.

(وأعلامه باهرة) أي العلامات التي يستدل بها على القرآن غالبة النور والضياء.

(وزواجره لائحة) أي نواهيه التي تزجركم عن اتباع الهوى واضحة.

(وأوامره واضحة) الأوامر التي تأمركم بإطاعتنا، وتعلّم الأحكام منا، والانقياد لنا ظاهرة.

(وقد خلّفتموه وراء ظهوركم) يا للأسف! إنّ القرآن الموصوف بهذه الأوصاف صار اليوم منبوذاً وراء ظهوركم، لا تعملون به ولا تأخذون بقوله.

(أرَغبة عنه تريدون؟) هذا استفهام توبيخي؛ لأنّ الإنسان إذا ألقى الشيء وراءه فمعناه أنّه لا يرغب إليه لهذا يدبر عنه.

تقولعليها‌السلام كأنّكم رفضتم العمل بالقرآن، أو لا يعجبكم القرآن، أي أحكامه التي تزاحم هواياتكم وأهدافكم.

(أم بغيره تحكمون؟) أي تحكمون بغير القرآن من القوانين؟ إذ القرآن لا يصلح للعمل عندكم؟

(بئس للظالمين بدلاً) بئس ذلك البدل الذي أخذتم به بدل القرآن،

٣٦٥

وهو الحكم الباطل.

(ثمّ لم تلبثوا إلاّ ريث أن تسكن نفرتها ويسلس قيادها) وهنا شبّهت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام الفتنة بالناقة أو الدابّة الشاردة التي يصعب قيادها، أي الاستيلاء عليها بالركوب تقولعليها‌السلام بعد استيلائكم على المقام الأسمى الأرفع الأعلى، وهو مقام الخلافة، لم تلبثوا حتى استتمّت لكم الأمور، وهدأ الاضطراب ثم شرعتم بالأعمال التخريبية.

(ثم أخذتم تورون وقدتها، وتهيجون جمرتها) أي شرعتم بإثارة الفتن كالذي ينفخ في الجمرة حتى تلتهب، أو يحرّك الجمرة حتى تشتعل وتظهر نارها، وتحرق الرطب واليابس، والمقصود من ذلك تلك المآسي التي قام بها أولئك الأفراد من سلب الإمكانيات من أمير المؤمنينعليه‌السلام وهجومهم على الدار، وما جرى على السيدة فاطمة وزوجها وولديها، ثم مصادرة أملاكها ومنعها عن الخمس والفيء، وغير ذلك ممّا ذكره المؤرّخون وما لم يذكروه...

وخلاصة القول: إنّكم قمتم بجرائم متسلسلة ومتعدّدة، بعضها أفجع وأفظع من بعض.

(وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي) لأنّ الشيطان يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، ويحدثنا القرآن الكريم عن كلام الشيطان الغوي:( وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ) (1) نعم إنّ الأعمال التي قامت بها رجال السلطة ضد آل الرسول لم تكن إجابة واستجابة لله ولرسوله، بل كانت استجابة للشيطان الغوي، وقد تقدّم كلام

____________________

(1) إبراهيم: 22.

٣٦٦

شبيه بهذا فيما سبق.

(وإطفاء أنوار الدين الجلي) للدين الإسلامي أنوار يهتدي بها الناس، وهي محاسن الأحكام والقوانين الروحانية التي يتمتّع بها الدين، ويسعون لإطفاء تلك الأنوار.

(وإخماد سنن النبي الصفي) وفي نسخة: (إهماد) أي القضاء على طريقة الرسول وهنا تشبيه السنّة النبوية بالنور، وتشبيه القضاء عليه بالإخماد.

(تسرّون حسواً في ارتغاء) هذه الجملة تشير إلى قضية معروفة وهي إنّ اللبن حينما يُحلب تعلوه رغوة فيأتي الرجل فيُظهر أنّه يريد شرب الرغوة فقط، ولكنّه يشرب الماء سراً، وبهذا يضرب المثل لمـَن يدّعي شيئاً ويريد غيره.

فهو يشرب اللبن سراً ولكنّه يدعي أنّه يحسو الرغوة، فيقال: فلان يسرّ حسواً في ارتغاء. والارتغاء شرب الرغوة.

هكذا تخبر السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام عن الهدف الحقيقي لهؤلاء، أنّهم يدّعون شيئاً ولكنّهم يريدون شيئاً آخر، يدّعون الوقاية من وقوع الفتنة ولكنهم يريدون غلق بيت آل محمد، والقضاء على كيان أهل البيت.

(وتمشون لأهله ووُلده في السراء والضراء) وفي نسخة: (في الخَمَر والضراء) والخَمَر - بفتح الخاء والميم - هو ما يسترك من الشجر وغيره، والضراء - بفتح الضاد وتخفيف الراء -: الشجر الملتف، أو الأرض المنخفضة، والمقصود: أنّكم تؤذون أهل رسول الله وأولاده بالمكر والخديعة وبصورة سريّة غير مكشوفة، ولهذه الغاية قطعتم عنهم موارد الرزق ليكونوا فقراء ضعفاء مسلوبي الإمكانيات كي لا يميل إليهم أحد.

٣٦٧

(ونصبر منكم على مثل حزّ المـُدى) نحن نصبر منكم على الأذى والمكاره التي تصلنا منكم كمَن يصبر على تقطّع أعضائه بالسكين.

(ووخز السنان في الحشى) مثل مَن طعنوه بسنان الرمح في أحشائه، أي ليست القضية سهلة حتى يمكن التغاضي عنها والتناسي، بل هي مأساة كبيرة، وجريمة عظيمة.

(وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا) وبعد هذا كلّه لتبرير موقفكم العدائي، وتغطية أعمالكم تزعمون أي تدّعون كذباً: أن لا إرث لنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تنكرون أهمّ الأمور، وأوضح الأشياء في الدين الإسلامي، وهو قانون الوراثة في القرآن والسنّة.

( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ) وفي نسخة: (تبغون) أدمجت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام هذه الآية في حديثها كما هي عادتها بسبب استئناسها بتلاوة القرآن، تقول: إنّ إنكار الوراثة ليس في الحكم الإسلامي، فهل أعجبكم أن تحكموا بأحكام الجاهلية التي كانت تبعاً للأهواء الفردية، منبعثة عن أغراض شخصية، وهي حرمان البنات من الإرث، وتخصيص الإرث للذكور فقط.

( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) آية أخرى أدمجتها في حديثها، وهل يوجد حكم أو قانون أحسن من الحكم الصادر من الله تعالى عند الذين يوقنون بالله الحكيم؟ ويعتقدون بالإسلام، أليس القانون الإسلامي قد قضى على قوانين الجاهلية؟ فجعل الإرث للبنات والبنين؟

(بلى، تجلّى لكم كالشمس الضاحية أنّي ابنته) بلى الأمر واضح عندكم كالشمس التي تظهر في ضحوة النهار، في سماء صافية لا سحاب فيها ولا ضباب، هكذا اتضح عندكم أنّي ابنته قطعاً وبلا شك.

٣٦٨

(أفلا تعلمون؟) هذه الأمور وهذه الحقائق؟ أو أفلا تعلمون أنّي ابنته.

(أيّها المسلمون) الحاضرون المستمعون إلى خطابي، يا مَن رشّحتم أبا بكر للخلافة.

يا أُمّة محمد أنا بنت محمد، أنا ابنة رسول الإسلام.

(أأُغلب على إرثيه) يغلبونني على أخذ إرثي وحقّي؟

وفي نسخة: (أأُبتزّ إرث أبيه) أيسلبونني إرث أبي؟ والهاء - هنا - للوقف والسكون.

٣٦٩

خطبة فَاطِمَةُ الزهْرَاءعليها‌السلام

يا ابن أبي قحافة!

أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟

لقد جئت شيئاً فرّياً!! (1).

أفعلى عمدٍ تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟

إذ يقول:

( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) (2) .

وقال - فيما اقتصّ من خبر زكريا - إذ قال:

( فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ﴿5﴾ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) (3)

وقال:

( وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّـهِ ) (4) .

وقال:

( يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ) (5) .

وقال:

( إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (6) .

__________

(1) فريّاً: أمراً عظيماً أو منكراً قبيحاً.

(2) النمل: 16.

(3) مريم: 6.

(4) الأنفال: 75.

(5) النساء: 11.

(6) البقرة: 180.

٣٧٠

وزعمتم أن لا حظوة لي! (1) .

ولا إرث من أبي!

أفخصّكم الله بآية أخرج أبي منها؟

أم تقولون: إنّ أهل ملّتين لا يتوارثان؟

أوَلست أنا وأبي من أهل ملَّة واحدة؟

أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟

فدونكها مخطومة مرحولة (2) .

تلقاك يوم حشرك.

فَنِعم الحَكَم الله.

والزعيم محمّد.

والموعد القيامة.

وعند الساعة يخسر المبطلون.

ولا ينفعكم إذ تندمون.

ولكل نبأ مستقر، فسوف تعلمون مَن يأتيه عذاب يُخزيه، ويحلّ عليه عذاب مقيم.

ثم رَمَتْ بِطَرفها نحو الأنصار فقالت:

يا معشر النقيبة.

وأعضاد الملَّة.

وحَضَنَة الإسلام (3) .

____________________

(1) الحظوة: النصيب.

(2) ناقة مخطومة ومرحولة، الخطام - بكسر الخاء: الزمام. ومرحولة من الرحل وهو للناقة كالسرج للفرس.

(3) حضنة: جمع حاضن بمعنى الحافظ.

٣٧١

ما هذه الغَميزة في حقّي؟ (1) .

والسِّنَة عن ظلامتي؟

أما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبي يقول:

(المرء يُحفظ في وُلده)؟.

سرعان ما أحدثتم.

وعجلان ذا إهالة.

ولكم طاقة بما أُحاول.

وقوّة على ما أطلب وأُزاول (2) .

أتقولون: مات محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله

فخطب جليل.

استوسع وهنة (3) .

واستنهر فتقه (4) .

وانفتق رتقه.

وأظلمت الأرض لغيبته.

وكسفت النجوم لمصيبته.

وأكدت الآمال (5) .

وخشعت الجبال.

وأُضيع الحريم (6) .

____________________

(1) الغيمزة: الضعف أو الغفلة

(2) أُزاول: أقصد.

(3) استوسع وهنه: اتسع غاية الاتساع. وهنة، وفي نسخة: وهيه أي شقّه وخرقه.

(4) كالمعنى المتقدّم.

(5) أكدت: انقطعت.

(6) الحريم: ما يحميه الرجل ويقاتل عنه.

٣٧٢

وأُزيلت الحرمة عند مماته.

فتلك - والله - النازلة الكبرى (1) .

والمصيبة العظمى.

لا مثلها نازلة.

ولا بائقة عاجلة (2) .

أعلن بها كتاب الله - جلّ ثناؤُه - في أفنيتكم (3) .

في ممساكم ومصبحكم.

هتافاً وصراخاً.

وتلاوة وألحاناً.

ولَقبلَه ما حلَّ بأنبيائه ورُسله.

حكم فصل، وقضاء حتم.

( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (4) .

__________

(1) النازلة: الشديدة.

(2) البائقة: الداهية.

(3) أفنيتكم: جمع فناء - بكسر الفاء - جوانب الدار من الخارج أو العرصة المتسعة أمام الدار.

(4) آل عمران: 144.

٣٧٣

فاطمة الزهراء تخاصم الرئيس

(يا بن أبي قحافة) هنا وجّهت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام خطابها إلى رئيس الدولة، ولم تقل له: يا خليفة رسول الله لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلفه، ولم تخاطبه بالكنية (يا أبا بكر) لأنّه تعظيم له، وإنّما قالت له: يا بن أبي قحافة. وسيتضح لك وجه هذا النسب، في المستقبل في شرح كلماتها مع زوجها أمير المؤمنينعليه‌السلام .

(أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟) بأيّ قانون ترث أباك إذا مات ولا أرث أبي إذا مات؟؟ هل تعتمد على كتاب الله في منعي عن إرث أبي؟

(لقد جئت شيئاً فرياً) لقد جئتَ بافتراء عظيم، وكذب مختلق على القرآن.

لقد ذكرنا - فيما مضى - أنّ السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام كانت تستحقّ فدكاً عن طريق النِحْلة وعن طريق الإرث، فلما طالبت بفدك عن طريق النِحْلة وأقامت الشهود على ذلك صنعوا ما صنعوا، والآن جاءت تطالب بفدك عن طريق الميراث.

(أفعلى عمدٍ تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم) أليس هذا القرآن موجوداً عندكم؟ فلماذا تركتم العمل به وطرحتموه وراءكم؟

إذ يقول:( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) أليس هذا تصريحاً بقانون التوارث والوراثة بين الأنبياء؟ أما كان سليمان وابنه داود من الأنبياء؟

٣٧٤

إنّ السيدة فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهمت من الآية أن معنى:( وورث سليمان داود ) هو إرث المال، وهكذا فهم أبو بكر وهكذا جميع المسلمين الحاضرين يومذاك وهم يستمعون إلى كلام السيدة فاطمة، هؤلاء كلهم قد فهموا أنّ المقصود من الإرث في هذه الآية هو إرث المال، ومعنى ذلك أنّ سليمان ورث أموال أبيه داود، ولم يفهموا غير هذا.

وهكذا الكلام في قوله تعالى - فيما اقتص من خبر زكريا -: (فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ﴿5﴾ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) إنّ زكرياعليه‌السلام سأل الله تعالى أن يرزقه ولداً يرثه المال.

ولكن بعد قرون عديدة جاء المدافعون عن السلطة، فقالوا: في تفسير الآيتين: ورث سليمان داود العلم لا المال، وهكذا: وليّاً يرثني العلم لا المال، وهم يقصدون بهذا التفسير تأييد الذين حرموا السيدة فاطمة من ميراث أبيها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولا بأس أن نتحدّث - بما تيسّر - حول الآيتين لعلّنا نصل إلى نتيجة مطلوبة:

أوّلاً: لفظ الإرث والميراث يستعمل شرعاً وعرفاً ولغة في المال، فإذا قلنا: فلان وارث فلان. فالظاهر أنّه وارثه في المال. لا أنّه وارثه في العلم أو المعرفة، إلاّ إذا كانت هناك قرينة أي دليل يدل على إرث العلم والمعرفة كقوله تعالى:( وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ ) وقوله: ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) .

فأمّا قوله:( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) فالمقصود إرث المال لا إرث العلم والملك وما شابه؛ لأنّ سليمان كان نبيّاً في حياة أبيه داود، كما قال تعالى - في قصّة الزرع الذي نفشت فيه غنم القوم -( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا

٣٧٥

حُكْمًا وَعِلْمًا ... ) (1) وقد ذكر الزمخشري في الكشّاف ج23 في تفسير قوله تعالى:( إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ) رُوي أنّ سليمان غزا أهل دمشق ونصيبين فأصاب ألف فرس، وقيل: ورثها من أبيه، وأصابها أبوه من العمالقة، وقال البيضاوي: وقيل أصابها أبوه من العمالقة فورثها منه فاستعرضها... إلى آخره.

فإنّك تجد أنّ سليمان ورث أباه داود تلك الخيول والأفراس، وورثه غيرها من التركة والأموال التي تركها داود، وبهذين القولين ثبت أنّ سليمان لم يرث العلم والنبوّة من أبيه داود؛ لأنّ سليمان كان نبيّاً في زمان أبيه داود كما كان هارون نبيّاً في زمان أخيه موسى بن عمرانعليهما‌السلام وثبت أيضاً أنّ سليمان ورث أباه داود المال.

وأمّا ما يتعلّق بدعاء زكرياعليه‌السلام ربّه:( فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ﴿5﴾ يَرِثُنِي ) فقد قال بعض الشواذ: يرثني نبوّتي، فهو يريد نفي الوراثة عن الأنبياء، ولكنّ الآية الكريمة بنفسها تكشف الحقيقة عن مراد زكريا.

فقوله:( وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) يدل على أنّه ليس المقصود إرث النبوّة؛ لأنّه يكون المعنى أنّ زكريا سأل ربّه أن يهب له وليّاً يرثه النبوّة ويكون ذلك الولي مرضياً عند الله، وهذا كقول القائل: اللهم ابعث لنا نبياً واجعله عاقلاً مرضياً في أخلاقه، وهذا لغو وعبث، ولا يستحسن من زكريا أن يسأل ربه أن يجعل ذلك النبي رضياً أي مرضياً في أخلاقه؛ لأنّ النبوّة أعظم من هذه الصفات، وجميع هذه الصفات تندرج تحت النبوّة، وقد قال فخر الدين الرازي: إنّ المراد بالميراث في الموضعين (الآيتين) هو وراثة المال.

وللمفسّرين كلام حول دعاء زكرياعليه‌السلام لا بأس بذكره ملخّصاً:

__________

(1) سورة الأنبياء: آية 79.

٣٧٦

قال الطبرسي في (مجمع البيان) في تفسير الآية: ويقوّي ما قلنا أنّ زكريا صرّح بأنّه يخاف بني عمّه بعده بقوله:( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي ) وإنّما يطلب وارثاً لأجل خوفه، ولا يليق خوفه منهم إلاّ بالمال دون النبوّة والعلم؛ لأنّهعليه‌السلام كان أعلم بالله تعالى من أن يخاف أن يبعث نبيّاً من ليس بأهل للنبوّة، وأن يورث علمه وحكمته مَن ليس لهما بأهل؛ ولأنّه إنما بُعث لإذاعة العلم ونشره في الناس، فكيف يخاف من الأمر الذي هو الغرض في بعثته؟

فإن قيل: إنّ هذا يرجع في وراثة المال؛ لأنّ في ذلك إضافة الضن والبخل إليه.

قلنا: معاذ الله أن يستوي الأمران، فإنّ المال قد يُرزق به المؤمن والكافر والصالح والطالح، ولا يمتنع أن يأسى على بني عمّه إذا كانوا من أهل الفساد أن يظفروا بماله فيصرفوه فيما لا ينبغي، بل في ذلك غاية الحكمة، فإنّ تقوية الفسّاق وإعانتهم على أفعالهم المذمومة محظورة في الدين، فمَن عدّ ذلك بخلاً وضناً فهو غير منصف وقوله:( خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي ) يُفهم منه أنّ خوفه إنّما كان من أخلاقهم وأفعالهم ومعاني فيهم لا من أعيانهم...) انتهى كلامه.

لقد تلخّص من مجموع الأقوال: أنّ المقصود من الوراثة في آية سليمان بن داود وآية زكريا هو وراثة المال، والنتيجة أنّ الوراثة كانت بين الأنبياء.

(وقال: وأُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) أي وذوو الأرحام والقرابة بعضهم أحق بميراث بعضهم من غيرهم، وهذه الآية عامة في التوارث بين الأرحام والأقارب.

وقال:( يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ) أي

٣٧٧

يأمركم الله ويفرض عليكم في توريث أولادكم إذا متّم للابن مثل نصيب البنتين، وهذه الآية أيضاً عامّة في جميع المسلمين بلا تخصيص للأنبياء أنّهم لا يورّثون أولادهم.

وقال:( إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) إنّ الآية هكذا: ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا... ) أي إن ترك مالاً، وهذه آية ثالثة عامّة في الوراثة وليس فيها تخصيص للأنبياء أو نفي الوراثة بين الأنبياء.

(وزعمتم أن لا حظوة لي) أي ادَّعيتم أن لا نصيب ولا منزلة لي (ولا إرث من أبي) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (ولا رحم بيننا) ولا قرابة ولا صلة لأنّكم أنكرتم الوراثة الثابتة بيني وبين أبي، فقد أنكرتم كل صلة وعلاقة وقرابة بيني وبين أبي.

(أفخصَّكم الله بآية أخرج منها أبي) وفي نسخة: (أَفَحَكَم الله بآية) إنّ آيات الإرث عامّة وشاملة لجميع المسلمين، فهل استثنى الله أبي من آيات الإرث فلا وراثة بين النبي وأهله؟

(أم تقولون: إنّ أهل ملَّتين لا يتوارثان) فالكافر لا يرث المسلم؟

(أو لست أنا وأبي من أهل ملَّة واحدة؟) هل تشكون في إسلامي وكوني مسلمة، وعلى شريعة الإسلام؟

يا للمصيبة‍‍!

لقد بلغ الأمر ببضعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وابنته الوحيدة وسيّدة نساء العالمين أن تتكلّم هكذا، وتحتج بهذا المنطق؟ فإنّا لله وإنا إليه راجعون.

(أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟) إنّ آيات الإرث عامّة فإن كانت مخصَّصة للرسول كان الرسول يعلم ذلك،

٣٧٨

ويخبر ابنته، مع العلم أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يخبر ابنته ولا غيرها من الناس بهذا الحكم الخاص، وهل من المعقول أن يُخفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الحكم من ابنته مع شدّة اتصالها به وكثرة تعلّقه بها، وشدّة الحاجة إلى بيان الحكم لها لئلاّ تطالب بالإرث بعد وفاة أبيها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

تقول السيدة فاطمة أم تقولون: إنّكم أنتم أعلم بالقرآن وآياته الخاصة والعامة من أبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي نزل القرآن على قلبه؟ أم أنتم أعلم من ابن عمّي علي بن أبي طالب باب مدينة علم الرسول؛ إذاً لو كان الأمر هكذا لكان زوجي يخبرني، وما كان يأمرني أن أحضر في المسجد وأطالب بحقوقي وإرث أبي.

هذه جميع الصُور التي يمكن أن يتصوّرها الإنسان في هذه المسألة، وكلها منتفية، وإذن فالقضية سياسية، وليست دينية، بل هي مؤامرة ضد آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومحاربة اقتصادية لتضعيف جانبهم الاقتصادي.

(فدونكها مخطومة مرحولة) إلى هنا كان الخطاب عامّاً لجميع المسلمين الحاضرين في المسجد، وهنا وجهّت خطابها إلى رئيس الدولة وحده، وقالت: (فدونكها) أي خذها، خذ فدك وشبّهت فدك بالناقة التي عليها رحلها وخطامها، والرحل للناقة كالسرج للفرس، والخطام: الزمام، والمقصود: خذ فدك جاهزة مهيّأة، وفي هذا الكلام تهديد، وهذا كما يقال للمعتدي: افعل ما شئت، وانهب ما شئت هنيئاً مريئاً.

ولهذا أردفت كلامها بقولها: (تلقاك يوم حشرك) إشارة إلى أنّ الإنسان يرى أعماله يوم القيامة قال تعالى:( وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ) .

٣٧٩

(فنِعم الحَكم الله) في ذلك اليوم الحكم لله الواحد القهّار، لا لك، الذي لا يجور، الذي لا يخفى عليه شيء من مظالم العباد.

(والزعيم محمّد) المحامي الذي يخاصمك هو سيّد الأنبياء، وهو أبي، يطالبك بحق ابنته فاطمة.

(والموعد القيامة) وهو يوم الفصل الذي كان ميقاتاً، وعند الله تجتمع الخصوم.

(وعند الساعة يخسر المبطلون) يخسر الذين ادّعوا الباطل، وادّعوا ما ليس لهم.

(ولا ينفعكم إذ تندمون) لا ينفع الندم في ذلك اليوم؛ إذ الإنسان قد يندم في الدنيا على عمله فينفعه الندم إذ إنّه لا يعود إلى ذلك العمل، ولكن في القيامة لا ينفع الندم إذ لا عمل هناك وإنما هو الحساب.

(ولكل نبأ مستقرّ فسوف تعلمون مَن يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم) وهذا تهديد بعذاب الآخرة، الدائم المستمر.

ثم رَمَتْ بطرفها نحو الأنصار وهم أهل المدينة الذين نصروا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما هاجر من مكّة إلى المدينة، واستنصرتهم بعد أن ذكّرتهم بسوابقهم المشرقة في عهد الرسول.

وقالت: (يا معشر النقيبة) أيتها الطائفة النجيبة، وفي نسخة: (يا معاشر الفتية) نسبت إليهم الفتوّة والشهامة كي تهيّج عزائمهم وعواطفهم.

(وأعضاد الملّة) أعوان الدين.

(وحضَنَة الإسلام) أيّها المحافظون على الإسلام، احتضنتم الإسلام كما تحتضن المرأة ولدها أو كما يحتضن الطائر بيضه.

(ما هذه الغميزة في حقّي؟) ما هذا التغافل والسكوت عن حقّي؟

(والسِنة عن ظلامتي؟) السِنة - بكسر السين - الفتور في أوّل النوم.

٣٨٠