فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد0%

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 568

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد كاظم القزويني
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: الصفحات: 568
المشاهدات: 231876
تحميل: 9876

توضيحات:

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 231876 / تحميل: 9876
الحجم الحجم الحجم
فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فاطمة الزهراءعليها‌السلام

من المهد إلى اللحد

السيد محمّد كاظم القزويني

طبعة منقّحة ومصحّحة

ممتازة عن الطبعات السابقة بإضافات مهمّة

١

٢

الإهداء

إلى سَيّدنا ومَولانا بقيّة العتْرَة الطَاهِرة الإِمَام المهدي المنْتظرعليه‌السلام . إليْه أهدي هذه الصفحات المشرقة المتلألئة بحياة جدّته الصدّيقة الطّاهرة، ملكة الإسلام فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها). وأنا واثق أنّ هذهِ الخِدْمَة الضئيلة ستقع منه موقع الرضَا والقَبول بإذن الله تعالى.

العراق - كربلاء

محمد كاظم القزويني

٣

٤

المقَدّمة

الحمد لله حمداً كثيراً كما يرضى، وصلّى الله على سيّدنا محمد المصطفى وآله الطاهرين سادات الورى.

وبعد: انقضت سنوات وأنا أُحدِّث نفسي أن أقوم بتأليف كتاب يتضمّن ما تيسَّر من حياة الصدِّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء، عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها الصلاة والسلام.

كنت أشعر بضرورة هذا العمل، وكانت رغبتي ملحَّة جداً؛ وذلك لما كنت أجده من النقص الذي يشبه الفراغ في المكتبة العربية والإسلامية بالنسبة لهذه الشخصية.

ولا أقصد - بكلامي هذا - انتقاصَ الكتب والمؤلّفات التي دُوّنت حول ترجمة سيدة نساء العالمين، بل أقصد أنّ تلك المؤلّفات - القديمة منها والحديثة - لا تسد الحاجة، ولا تملأ الفراغ الذي يشعر به كل مَن يريد الإطلاع على حياة السيدة الزهراءعليها‌السلام .

وتلك المؤلّفات لا تفي بالغرض، بل هي دون مقام السيدة فاطمة الزهراء، ولا تؤدِّي ما تستحقّه شخصية عزيزة رسول الله وأحب الناس إليه؛

٥

لأنّ شخصية الصدِّيقة الطاهرة تستوجب التنويه والإشادة بها أكثر وأكثر من هذا.

ولا أدَّعي أنّني أستطيع النهوض بهذا العبء الثقيل واستيفاء الغرض، وتحصيل الغاية كما ينبغي، بل أعترف بالعجز والقصور الملازمين لفكري ولساني وقلمي.

وهكذا انقضت الأيام والأعوام، والهواجس تعاودني بين فترة وأُخرى، وهناك العوائق التي تحول دون تحقيق هذه الأمنية.

وقبل فترة غير بعيدة هبَّت عليَّ عاصفة من الحوادث وخيَّمت على حياتي سحائب الهموم، فنذرت لله تعالى: إن كُشف عنّي الضر والسوء أن أبادر إلى تأليف كتابٍ حول حياة الصدِّيقة الطاهرة فاطمة الزهراءعليها‌السلام .

فكشف الله عنّي الضرّ برحمته، فله الحمد وله الشكر. وها أنا قد شرعت بتحرير هذه السطور والأوراق، وما أدري أين ينتهي بي المطاف، والله المستعان، وهو خير مستعان، وهو حسبي ونعم الوكيل في المبدأ والمآل وهو خير موفِّق ومعين.

محمد كاظم القزويني

26 جمادى الثانية 1392هـ.

كربلاء المقدّسة - العراق

٦

المدْخَل

بسم الله الرّحمن الرّحيم

فاطمة...!

وما أدراك مَن فاطمة؟!

شخصية إنسان تحمل طابع الأُنوثة لتكون آيةً على قدرة الله البالغة واقتداره البديع العجيب، فإنّ الله تعالى خلق محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله ليكون آية قدرته في الأنبياء، ثم خلق منه بضعته وابنته فاطمة الزهراء لتكون علامة وآية على قدرة الله في إبداع مخلوق أُنثى تكون كتلة من الفضائل، ومجموعة من المواهب فلقد أعطى الله تعالى فاطمة الزهراء أوفر حظ من العظمة، وأوفى نصيب من الجلالة بحيث لا يمكن لأية أُنثى أن تبلغ تلك المنزلة.

فهي من فصيلة أولياء الله الذين اعترفت لهم السماء بالعظمة قبل أن يعرفهم أهل الأرض، ونزلت في حقّهم آيات محكمات في الذكر الحكيم، تُتلى آناء الليل وأطراف النهار منذ نزولها إلى يومنا هذا، وإلى أن تقوم القيامة.

شخصية كلّما ازداد البشر نضجاً وفهماً للحقائق، واطلاعاً على الأسرار ظهرت عظمة تلك الشخصية بصورة أوسع، وتجلّت معانيها ومزاياها بصُوَر أوضح.

إنّها فاطمة الزهراء، الله يثني عليها، ويرضى لرضاها ويغضب لغضبها.

٧

ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينوِّه بعظمتها وجلالة قدرها. وأمير المؤمنينعليه‌السلام ينظر إليها بنظر الإكبار والإعظام. وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ينظرون إليها بنظر التقديس والاحترام.

سيدة، باسمها قامت حكومات، وتأسست عروش، وباسمها انهارت عروش وتقوّضت حكومات.

وبحُبّها سوف ترى الناس يدخلون الجنة أفواجاً.

ولأجل الانحراف عنها سيق الذين كفروا إلى جهنّم زُمَراً.

وإنّني أعتقد أنّ الكتاب - بما فيه - يكون عظيم النفع، غزير الفائدة، حلو الحديث، تستأنس به النفس، وتستعذبه الروح إلى غير ذلك ممّا يدركه القارئ ولا يمكن وصفه.

إذ إنّ التحدّث عن حياة السيدة فاطمة الزهراء يشتمل على حوادث كلها عِبَر وحِكَم ودروس، يتعرّف الإنسان بها على حياة أولياء الله وخاصّته، وكيفيّة نظرتهم إلى الحياة، ويطّلع على جانب من التاريخ الإسلامي المتعلّق بحياة السيدة فاطمة الزهراء بالرغم من قِصَر عمرها، وأنّها كانت تعيش في خدرها، لا يطلع أحد على معاشرتها، وسلوكها في البيت إلاّ أُسرتها وذووها.

وبالرغم من أنّ التاريخ ظلمها، ولم يُعِر لحياتها وترجمتها اهتماماً لائقاً بها. فالتحدّث عن عبقرية السيدة فاطمة الزهراء يعتبر تحدّثاً عن المرأة في الإسلام من حيث حفظ كرامتها، والاعتراف باحترامها وشخصيتها. ويشمل التحدّث نموذجاً من المرأة بصفتها بنتاً في دار أبيها، وزوجة في دار بعلها، وأُمًّا ومربيّة في البيت الزوجي.

٨

ولا يخلو الكلام - هنا - عن التحدّث عن المرأة في الإسلام بصفتها إنسانة يُسمح لها بالعمل في الحقل الاجتماعي، ولكن في إطار محدود بحدود الدين والعفّة، والمحافظة على الشرف والكيان. ويتَّضح - ضمناً - أنّ الإسلام لا يحرم المرأة عن العلم والثقافة والأدب والمعرفة ولكن مع رعاية الابتعاد عن التبرّج والاستهتار والاختلاط، وما شابه ذلك ممّا يسبّب الويلات على المرأة المسكينة ويدمِّر كيانها.

إنّني أعتقد أن ليس من الممكن أن يوجد في العالم قانون أو نظام أو جهاز يحافظ على حرمة المرأة وكيانها وشرفها أكثر من محافظة الدين الإسلامي لذلك. فالجمعيات والمنظّمات النسائية في البلاد الإسلامية لم تنفع المرأة أبداً بل قد جلبت عليها الشقاء بصورة فظيعة.

وقد قرأت في بعض الصحف أنّ إحدى المنظَّمات النسائية تطالب حكومتها أن تضع قانوناً لمنع تعدّد الزوجات!! إنّ المنظَّمة تعتبر تعدُّد الزوجات ظلماً واعتداءً على المرأة. فهي تطالب بإيقاف الرجل عند حدِّه، لئلاّ يطمع في أكثر من امرأة. إنّ المنظمة جاهلة أو متجاهلة أنّها بعملها هذا تفتح على المرأة أبواب الفساد والشقاء، وتغلق عليها أبواب السعادة الزوجية ولذّة الأُمومة. فإذا خُيِّرت المرأة بين أن تتزوّج برجل متزوّج أو تبقى جليسة بيتها حتى يبيض شعرها كأسنانها، وإلى أن يأتيها الموت وهي واحدة من اثنتين: إما أن تقضي معظم حياتها - بما في ذلك من عنفوان شبابها - بالكبت والضغط والحرمان من ملاذ الحياة.

وإمّا أن تفسح لنفسها المجال، وتطلق لنفسها الحرية الكاملة، فتحضر السهرات، وتشترك في الحفلات وتراقص الرجال و و...

٩

ثم تفتح عينها فإذا بها مفقودة الشرف، مسلوبة العفاف، محطّمة الشخصية، ملوثة الساحة، مشوّهة السمعة، يرغب بها الرجال ما دامت طريّة وشهيّة، فإذا فقدت محاسنها، وذبلت مفاتنها يمجّها كل أحد وينبذها كل رجل.

إذا خيّرت المرأة بين عدم الزواج وحياة العزوبة التي تنتهي بها إلى أحد المصيرين المذكورين، وبين أن تتزوج برجل متزوج، وتتمتع بالسعادة الزوجية تحت ظل العدالة الإسلامية، فهي محفوظة الشرف. سليمة العفاف، نزيهة السمعة، طاهرة الصحيفة والساحة، تنتج أطفالاً، وتكوِّن أسرة، وتصلح أجزاء المجتمع، أيّهما أفضل وأحسن؟؟

هذان طريقان، لا ثالث لهما، فإنّ عدد النساء في العالم أكثر من عدد الرجال، ولو اكتفى كل رجل بامرأة واحدة لبقيت هناك الملايين من النساء بغير أزواج. ثم هناك رجال لا تكفيهم امرأة واحدة، وهناك نساء لا تنسجم غرائزهن مع غرائز أزواجهن من حيث التجاوب والرغبة. أضف إلى هذا كلّه أنّ المرأة في معرض العقم والمرض والسفر إلى غير ذلك ممّا يطول الكلام بذكره، ولا أقصد في كتابي هذا التطرّق إلى هذه المواضيع وإنّما الكلام يجرُّ الكلام، والشيء بالشيء يُذكر.

أعود - والعود أحمد - إلى حديثي عن الصدِّيقة فاطمة الزهراء، فلا عليك أن تعلم أنّ من أعجب الغرائب، وأغرب العجائب أنّ شخصية كشخصية فاطمة الزهراء التي هي في أوج العظمة، وذروة الشرف وقمّة الفضيلة تصبح هدفاً للأقلام المسمومة، والغارات القاسية التي شنّها بعض المسلمين وغيرهم.

ويظهر لك هذا بكل وضوح حينما تراجع كتب الأحاديث الزاخرة

١٠

بفضائل هذه الشخصية، ترى إلى جانبها أحاديث افتعلتها يد الدسِّ والعداء، واختلقتها ألسنة الشحناء والبغضاء من سماسرة الحديث الوضّاعين الكذّابين، الذين كانوا أبواقاً للسلطات الماضية، ينفثون بما يوحي إليهم شياطينهم من زخرف القول والكذب والزور والبهتان، شأن مَن يشتري مرضاة المخلوق بسخط الخالق.

إنّهم كتبوا بأقلام العداء ومحابر النفاق تلبية لمن اشترى منهم دينهم وضمائرهم، وهم غير مبالين بما في تزويرهم - هذا - من حطِّ مقام صاحب الشريعة النبي الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله غير مكترثين بما في كلامهم ذاك من التناقض للأحاديث المتواترة المدوّنة في صحاحهم في فضل السيّدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وكأنّهم يعجبهم المسّ بكرامة الصدِّيقة فاطمة الزهراء إجابة لنداء ضمائرهم، وهم يعلمون أنّها عترة الرسول، وأحبُّ الناس إليه، وعزيزته وحبيبته، وكأنّهم لا يستطيعون التصريح بتدنيس ساحة الرسول الأعظم مباشرة فاختاروا الطريق الملتوي غير المباشر، كل ذلك إشباعاً لرغباتهم الجهنَّمية.

وما أدري ما هي الدوافع إلى هذا الهجوم العنيف القاسي على شخصية فاطمة الزهراء؟

وما هي أسباب هذا العداء العميق العجيب؟

أليست ابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقرّة عينه وثمرة فؤاده، وروحه التي بين جنبيه؟

فهل كانت الزهراء خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فدفعتهم الدوافع للمسّ من كرامتها، كما أساءوا إلى زوجها العظيم بنفس تلك الدوافع؟

١١

ثم ما هذا التركيز والإلحاح على محاربة شخصيتها؟

هل لكونها بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فلماذا لا نجد هذه الظاهرة في حق سائر بنات النبي؟

أم لأنّها زوجة الإمام عليعليه‌السلام ؟

فقد تزوَّج الإمام أمير المؤمنين بعدها بأربع نساء، فلماذا لا نجد هذا التهريج والإرجاف في حقّهن؟ إنّني لا أتصوّر للسيّدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ذنباً سوى أنّها كانت أحبُّ الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي المفضلَّة على بقيّة بناته وزوجاته وأنّها كانت المدافعة والمحامية عن حقوق زوجها، وأنّها حضرت في المسجد، وطالبت بحقوقها المغتصبة وأموالها التي جعلها الله ورسوله لها، وأنّها احتجّت على رئيس الدولة يومذاك(1) . وأمثالها من الفضائل والفواضل التي خصّها الله بها دون النساء. فهل هذه ذنوب تبرّر وتبيح للمسلمين أن يذكروها بما لا يناسب قدسيّتها ونزاهتها؟

وقد كان للمستشرقين الأجانب (من اليهود والنصارى) دور مهم في هذا المجال؛ فلقد حاولوا المسّ بكرامة مقدّسات الإسلام والمسلمين، فالتقطوا الأباطيل والأساطير من سقطات القول ونشروها في أوساطهم.

وجاء بعض المسلمين وترجموا تلك الكتب المسمومة وطبعوها ونشروها في البلاد الإسلامية، بدون أي تعليق أو تهذيب أو تنقيح، كأنّ نواياهم تتفق مع المستشرقين حول محتويات تلك الكتب. والأفضل أن ننقل هنا مثالاً لما نحن فيه عن الجزء الثالث من

____________________

(1) سيأتيك التفصيل في شرح خطبتها في مسجد أبيها والرسول.

١٢

كتاب الغدير ص10 للمرحوم شيخنا الأميني مع رعاية الاختصار:

كتب مستشرق نصراني يسمىّ (إميل درمنغم) كتاباً سمّاه (حياة محمد) والكتاب كلّه كذب وزور وضلال ودسٍّ ودجل، وتهجّم على الإسلام والقرآن والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد ترجم الكتاب أستاذ فلسطيني يُسمّى (محمد عادل زعيتر) ولم يعلّق على خرافات الكتاب وأساطيره وأكاذيبه، وهو يزعم أنّه يراعي أمانة النقل، وليت شعري هل التعليق على الباطل ينافي أمانة النقل؟

ومن جملة أباطيل الكتاب وأضاليله قوله:

(كانت فاطمة عابسة، دون رقية جمالاً، ودون زينب ذكاء، ولم تدر فاطمة حينما أخبرها أبوها من وراء الستر: أنّ علي بن أبي طالب ذكر اسمها، وكانت فاطمة تعدُّ عليّاً ذميماً محدوداً مع عظيم شجاعته، وما كان أكثر رغبة فيها من رغبتها مع ذلك.

وكان علي غير بهيِّ الوجه لعينيه الكبيرتين الفاترتين وانخفاض قصبة أنفه، وكبر بطنه وصلعه، وذلك كلّه إلى أنّ عليّاً كان شجاعاً تقياً صادقاً وفياً مخلصاً صالحاً مع توان وتردُّد!

وكان علي ينهت فيستقي الماء لنخيل أحد اليهود في مقابل حفنة تمر، فكان إذا عاد بها قال لزوجته عابساً: كلي وأطعمي الأولاد!

وكان علي يحرد بعد كل منافرة، ويذهب لينام في المسجد، وكان حموه يربِّته على كتفه ويعظه ويوفق بينه وبين فاطمة إلى حين، وممّا حدث أن رأى النبي ابنته ذات مرة، وهي تبكي من لكم علي لها!!

إنّ محمداً مع امتداحه قدم علي في الإسلام إرضاءً لابنته كان قليل الالتفات إليه، وكان صهرا النبي الأمويان: عثمان الكريم وأبو العاصي أكثر

١٣

مداراة للنبي من علي، وكان علي يألم من عدم عمل النبي على سعادة ابنته، ومن عدّ النبي له غير قوّام بجليل الأعمال.

والنبي وإن كان يفوّض إليه ضرب الرقاب كان يتجنب تسليم قيادة إليه...

وأسوأ من ذلك ما كان يقع عند مصاقبة علي وفاطمة لعدَّواتهما أزواج النبي وتنازع الفريقين، فكانت فاطمة تعتب على أبيها متحسّرة، لأنّه كان لا ينحاز إلى بناته... إلى غير ذلك من جنايات تاريخية سوداء سوَّد بها الرجل صحيفة كتابه.

وهنا يجب شيخنا الأميني (رضوان الله عليه) على مفتريات هذا النصراني: (أنا لا ألوم المؤلّف - جدع الله مسامعه - وإن جاء بأذني عناق(1) إذ هو من قوم حناق على الإسلام، وهو مع ذلك جرف منهال وسحب منجال(2)، ينمُّ كتابه عن عجزه وبجره، وإنّما العتب كل العتب على المترجم الجاني على الإسلام والشرق والعرب - وهو يحسب نفسه منهم - نعم، جدب السوء يلتجئ إلى نجعة سوء(3) ، والجنس إلى الجنس يميل.

كل ما في الكتاب من تلكم الأقوال المختلفة والنسب المفتعلة إن هي إلاّ كلم الطائش، تخالف التاريخ الصحيح، وتضاد ما أصفقت عليه الأُمّة الإسلامية وما أخبر به نبيها الأقدس.

هل تناسب تقوّلاته في فاطمة مع قول أبيها (صلى الله عليه وآله

____________________

(1) أي جاء بالكذب والباطل.

(2) مثل يضرب، يراد أنه لا يطمع في خيره.

(3) يعي أن الأمور تتشاكل في الجودة والرداءة.

١٤

وسلّم): فاطمة حوراء إنسيّة، كلّما اشتقت إلى الجنّة قبلّتها(1)؟

أو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ابنتي فاطمة حوراء آدميّة(2) ؟

أو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة هي الزهرة(3) ؟

أو قول أم أنس بن مالك؟: كانت فاطمة كالقمر ليلة البدر، أو الشمس كفر غماماً، إذا خرج من السحاب، بيضاء مشربة حمرة، لها شعر أسود، من أشد الناس برسول الله شبهاً، والله كما قال الشاعر:

بيضاء تسحب من قيامٍ شعرها

وتغيب فيه وهو جثلٌ أسحمُ(4)

فكأنّها فيه نهارٌ مشرقٌ

وكأنّه ليلٌ عليها مظلمـُ(5)

ولقبها الزهراء المتسالم عليه يكشف عن جلية الحال.

وهل يساعد تلك التحكُّمات في ذكاء فاطمة وخُلقها قولُ أُم المؤمنين خديجةرضي‌الله‌عنها : كانت فاطمة تُحدِّث في بطن أُمِّها، ولما وُلدت وقعت حين وقعت على الأرض ساجدة، رافعة إصبعها(6) ؟!

أو يلائمها قول عائشة: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاًّ وهدياً وحديثاً برسول الله في قيامه وقعوده من فاطمة الزهراء، كانت إذا دخلت على رسول الله قام إليها فقبَّلها ورحّب بها، وأخذ بيدها وأجلسها في مجلسه(7) ؟!

وفي لفظ البيهقي في (السنن: ج7 ص101): ما رأيت أحداً أشبه كلاماً

____________________

(1) تاريخ الخطيب البغدادي: ج5 ص86.

(2) الصواعق: ص96 إسعاف الراغبين ص173.

(3) نزهة المجالس: ج2 ص222.

(4) جثل الشعر: كثر والتف واسود. والأسحم: الأسود.

(5) مستدرك الحاكم: ج3 ص161.

(6) سيرة الملا، ذخائر العقبى.

(7) الترمذي، وابن عبد ربه في العقد الفريد: ج2 ص3.

١٥

وحديثاً من فاطمة برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ... الحديث.

وهل توافق مخاريقه في الإمام علي (صلوات الله عليه) وعدم بهاء وجهه وعدُّ فاطمة له دميماً، وكونه عابساً مع ما جاء في جماله البهي: أنّه كان حسن الوجه كأنّه قمر ليلة البدر، وكأنّ عنقه إبريق فضّة(1) ضحوك السن(2) فإن تبسّم فعن اللؤلؤ المنظوم(3) .

وأين هي من قول أبي الأسود الدؤلي من أبيات له:

إذا استقبلت وجه أبي ترابٍ

رأيت البدر حار الناظرينا(4)

نعم،

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا فضله

فالناس أعداءٌ له وخصومُ

كضرائر الحسناء قلن لوجهها

حسداً وبغضاً: إنّه لدميمُ

أو يخبرك ضميرك الحرُّ في علي ما سلقه الرجل به من (التواني والتردّد)؟ وعلي ذلك المقتحم في الأهوال والضارب في الأوساط والأعراض في المغازي والحروب؟

وهو الذي كشف الكُرب عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كل نازلة وكارثة، منذ صدع بالدين الحنيف إلى أن بات على فراشه، وفداه بنفسه، إلى أن سكن مقرّه الأخير.

أليس علي هو ذلك المناضل الوحيد الذي نزل فيه قوله تعالى:

( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ؟

____________________

(1) الاستيعاب: ج2 ص469.

(2) تهذيب الأسماء واللغات.

(3) حلية الأولياء: ج1 ص84.

(4) تذكرة السبط ص104.

١٦

وقوله تعالى:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ ) ؟(1) .

فمتى خلى علي عن مقارعة الرجال، والذبِّ عن قدس صاحب الرسالة حتى يصحّ أن يُعزى إليه توانٍ أو تردّد في أمر من أمور الدين؟!.

غير أنّ القول الباطل لا حدَّ له ولا أمد.

وهل يتصوّر في أمير المؤمنين تلك العِشرة السيئة مع حليلته الطاهرة؟! والنبي يقول له: أشبهتَ خَلقي وخُلقي وأنت من شجرتي التي أنا منها(2) .

وكيف يراه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل أمته وأعظمهم حلماً وأحسنهم خلقاً ويقول: علي خير أُمُّتي، وأعلمهم علماً، وأفضلهم حلماً؟(3) .

ويقول لفاطمة: إنّي زوَّجتك أقدم أُمَّتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً؟(4) .

ويقول لها: زوَّجتك أقدمهم سلماً، وأحسنهم خُلقاً؟(5) .

يقول هذه كلها وعشرته تلك كما كانت بمرأى منه ومسمع؟ أفك الدجَّالون، كان عليعليه‌السلام كما أخبر به النبي الصادق الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله .

____________________

(1) سورة البقرة: 203.

(2) تاريخ بغداد للخطيب ج21 ص171.

(3) الطبري، الخطيب، الدولابي كما في كنز العمال: ج6 ص153.

(4) مسند أحمد: ج5 ص26 الرياض النضرة: ج2 ص194.

(5) الرياض النضرة: ج2 ص182.

١٧

وهل يقبل شعورك ما قذف به الرجل (فضَّ الله فاه) علياً بلكْم فاطمة بضعة المصطفى؟! وعلي ذاك المقتص أثر الرسول، وملأ مسامعه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة: إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك(1) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو آخذ بيدها: مَن عرف هذه فقد عرفها، ومَن لم يعرفها، فهي بضعة منّي، هي قلبي وروحي التي بين جنبيَّ، فمَن آذاها فقد آذاني(2) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة بضعة منّي، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها(3) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة بضعة منّي، فمَن أغضبها فقد أغضبني(4) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة بضعة منّي، يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها(5) .

____________________

(1) مستدرك الحاكم:ج3 ص154، تذكرة السبط 175 مقتل الخوارزمي ج1 ص52، كفاية الطالب ص219، كنز العمال ج7 ص111، الصواعق ص105 وغيرها.

(2) الفصول المهمّة 150 نزهة المجالس ج2 ص228 نور الأبصار ص45.

(3) صحاح البخاري ومسلم والترمذي، مسند أحمد ج4 ص328 الخصائص للنسائي ص35.

(4) صحيح البخاري، خصائص النسائي ص35.

(5) مسند أحمد ج4 ص323 الصواعق المحرقة 113.

١٨

وهل يقتصر امتداح النبي عليّاً بمدح إسلامه؟! حتى يتفلسف في سرِّه، ويكون ذلك إرضاءً لابنته، على أنّ امتداحه بذلك لو كان لتلك المزعمة لكان يقتصرصلى‌الله‌عليه‌وآله على قوله لفاطمة في ذلك، وكان يتأتى الغرض به، فلماذا كان يأخذصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي في الملأ الصحابي، تارة ويقول: إنّ هذا أوّل مَن آمن بي، وهذا أوّل مَن يصافحني يوم القيامة؟

ولماذا كان يخاطب أصحابه أخرى بقوله: أوَّلكم وارداً عليَّ الحوض أوَّلكم إسلاماً: علي بن أبي طالب؟

وكيف خفي هذا السرُّ المختلق على الصحابة الحضور والتابعين لهم بإحسان، فطفقوا يمدحونه بهذه الإثارة كما يروى عن: سلمان الفارسي، أنس بن مالك، زيد بن أرقم، عبد الله بن عباس، عبد الله بن حجل، هاشم بن عتبة، مالك الأشتر، عبد الله بن هاشم، محمد بن أبي بكر، عمرو بن الحمق، أبو عمر عدي بن حاتم، أبو رافع، بريدة، جندب بن زهير، أم الخير بنت الحراش(1) ؟

وهل القول بقلِّة التفات النبي إلى علي يساعده القرآن الناطق بأنّه نفس النبي الطاهر؟! أو جعل مودّته أجر رسالته؟!.

أو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث الطير المشوي، المروي في الصحاح والمسانيد: اللّهمّ ائتني بأحبِّ خلقك إليك ليأكل معي.

أو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعائشة: إنّ عليّاً أحبُّ الرجال إليَّ، وأكرمهم عليَّ، فاعرفي له حقّه، وأكرمي مثواه(2) .

____________________

(1) أكثر المصادر التاريخية.

(2) الرياض النضرة ج2 ص161 ذخائر العقبى 62.

١٩

أو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أحبُّ الناس إليَّ من الرجال علي(1) .

أو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : علي خير مَن أتركه بعدي(2) .

أو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خير رجالكم علي بن أبي طالب، وخير نسائكم فاطمة بنت محمد(3) .

أو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : علي خير البشر، فمَن أبى فقد كفر!(4).

أو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن لم يقل علي خير الناس فقد كفر(5) .

أو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : في حديث الراية المتّفق عليه: لأعطيَّن الراية غداً رجلاً يحبّه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله.

أو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : علي منّي بمنزلة رأسي من بدني أو جسدي(6) .

أو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : علي منّي بمنزلتي من ربّي(7) .

أو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : علي أحبَّهم إليَّ، وأحبَّهم إلى الله(8).

____________________

(1) وفي لفظ: أحب أهلي.

(2) مواقف الأيجي ج3 ص276 مجمع الزوائد ج9 ص113.

(3) تاريخ بغداد للخطيب ج4 ص392.

(4) تاريخ بغداد، كنوز الحقائق، هامش الجامع الصغير، ص16 كنز العمال ج6 ص159.

(5) تاريخ بغداد ج3 ص192 كنز العمال ج6 ص159.

(6) تاريخ بغداد ج7 ص12 الصواعق 75، الجامع الصغير للسيوطي، نور الأبصار: ص80.

(7) السيرة الحلبية ج3 ص391 الرياض النضرة ج2 ص163.

(8) تاريخ بغداد ج1 ص160.

٢٠