رسائل الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبدالصمد الحارثى العاملي

رسائل الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبدالصمد الحارثى العاملي0%

رسائل الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبدالصمد الحارثى العاملي مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 414

رسائل الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبدالصمد الحارثى العاملي

مؤلف: الشيخ البهائي
تصنيف:

الصفحات: 414
المشاهدات: 185521
تحميل: 8051

توضيحات:

رسائل الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبدالصمد الحارثى العاملي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 414 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 185521 / تحميل: 8051
الحجم الحجم الحجم
رسائل الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبدالصمد الحارثى العاملي

رسائل الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبدالصمد الحارثى العاملي

مؤلف:
العربية

اذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا وفى خبر آخر اذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر لم يحمل خبثا فان الحنفية قد عنوا فيه و قالوا انه مدنى فلو كان صحيحا لعرفه المالك وعلى تقدير الصحة يمكن حمل القلتين فيه على الكر وقد حمل عليه ما رواه الصدوق ايضا عن الصادقعليه‌السلام انه قال اذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شئ والقلتان جرتان وايد ذلك الحمل بما حكى عن ابن دريد من انه قال القلة من قلل الجر عظيمة تسع خمس قرب وكانه لذلك سميت الحياض التى في الحمامات بالقلتين وحمل عليه ايضا ما رواه الشيخ قدس سره عن زرارة عن ابى جعفرعليه‌السلام قال قلت له رواية من ماء سقطت فيها فارة او جرذ او صعوة ميتة قال اذا تفسخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضأ منها وان كان غير تفسخ فاشرب منه وتوضأ واطرح الميتة اذا اخرجتها طرية وكذلك الجرة وحب الماء والقربة واشباه ذلك من اوعية الماء قال وقال ابوجعفرعليه‌السلام اذا كان الماء اكثر من رواية لم ينجسه شئ تفسخ فيه او لم يتفسخ الا ان يجئ له ريح تغلب على ريح الماء ويؤيد هذا التأويل ما رواه عبدالله بن المغيرة عن بعض اصحابنا عن ابى عبداللهعليه‌السلام قال الكر من الماء نحو حبى هذا واشار إلى حب من تلك الحباب التى تكون بالمدينة وذهب شيخنا المفيد طاب ثراه في المقنعة والسلار على ما حكى عنه إلى ان الكر من الحياض والاوانى كالقليل ينجس بالملاقاة ولم أر مستندا لهما ولبعد ما ذهب اليه قيل مرادهما بالكثرة هنا الكثرة الاضافية العرفية وبالحياض والاوانى التى تتخذ من الجلود لسقى الدواب هى ناقصة عن الكر وهذا التأويل ابعد ثم ان النصوص الدالة على اعتبار الكثرة وكلام اكثر الاصحاب خالية عن التقييد و بتساوى السطوح بل ظاهرهما تقوى كل من العالى والسافل بالآخر اذا كانا ماء واحدا عرفا واعتبر بعضهم التساوى وقيل الاسفل يتقوى بالاعلى والا لزم ان ينجس كل ما يكون تحت النجاسة من الماء المنحدر وان يكون نهرا عظيما و اعلم ان الكرفى النصوص وكلام الاصحاب تحديد ين واختلف في كل منهما على مذاهب الاول تحديده بحسب المساحة والمشهور بينهم اعتبار ثلاثة اشبار ونصف في كل من الجهات الثلاثة ويدل عليه رواية الحسن بن صالح عن ابى عبداللهعليه‌السلام قلت وكم الكر قال ثلاثة اشبار ونصف عمقها في ثلاثة اشبار ونصف عرضها وخبر ابى بصير قال سألت ابا عبداللهعليه‌السلام عن الكر من الماء كم يكون قدره قال اذا كان الماء ثلاثة اشبار ونصف في مثلثه ثلاثة اشبار ونصف في عمقه في الارض فذلك الكر من الماء ودلالة الخبرين اما الاول فمبنى على ان المراد بالعرض فيه السعة الشاملة للطول والعرض كما ذكره في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى " عرضها السموات والارض " وقال بعض المحققين تحديد العرض بماذكر مستلزم لكون الطول من سهو النساخ اوالراوى فقد روى في الاستبصار عن احمد بن محمد عن ابن محبوب عن الحسن بن صالح الثورى عن ابى عبداللهعليه‌السلام قال اذا كان الماء في الركى را لم ينجسه شئ قلت وكم الكر قال ثلاثة اشبار ونصف طولها في ثلاثة اشبار ونصف عمقها في ثلاثة اشبار و نصف عرضها واما الثانى فبناء على كون قولهعليه‌السلام في عمقه في الارض خبرا آخر لكان من غير عاطف وهو الشايع في الاستعمال فالمذكور ان اولا لبيان العرض والطول وهذا لبيان العمق ولكن قدره مسكوت عنه وكانه مبنى على الحوالة اما لو كان بدلا او بيانا لقوله في مثله ثلاثة اشبار فيكون احد البعدين من الطول والعرض مسكوتا

٣٨١

عنه الا ان يراد بالمذكور او لا السعة بتكلف كما عرفت والتكلف هنا اكثر ثم الخبران وان كانا ضعيفين الاول بالحسن بن صالح فانه زيدى تبرى واليه ينسب الصالحية من الزيدية والثانية بعثمان بن عيسى وقد ضعفه الاصحاب لكن الشهرة بين الاصحاب جبرت ضعفهما ثم المشهور ان لفظة في في الخبرين دالة على الضرب وانه عتبر المضروب وهواثنان واربعون شبرا وسبعة اثمان شبر وحكى عن القطب الراوندىرحمه‌الله ان ما بلغت ابعاده الثلاثة عشرة اشبار ونصفا فهو كر وهو مبنى على اعتبار الجمع دون الضرب ويطابق المشهور اذا كان كل من طوله وعرضه و عمقه ثلاثة اشبار ونصفا ويقرب منه تارة ويبعد عنه اخرى وابعد فروضه ما اذا كان احد من ابعاده الثلاثة عشرة ونصفا وكل من الباقين شبرا واعتبر الصدوق واتباعه القميونرضي‌الله‌عنه الثلاثة الاشبار ولم يعتبروا معها النصف لخبر اسماعيل بن جابر وقد سبق وعده في المختلف اقوى وكانه بنى ذلك على حكم اكثر الاصحاب بصحة مستنده بناء على ارادة عبدالله من ابن سنان بقرينة انه رواه الشيخ في التهذيب في باب الاحداث الموجبة للطهارة في ذيل شرح تحديد الكر عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن البرقي عن عبدالله بن سنان عن اسمعيل بن جابر او لما ذكره قبيل هذا من ان اعتبار الارطال يقاربه وفيهما مناقشة اما الاول فلما ذكره جدى قدس سره المحقق المجلسى في شرح الفقيه ان الشيخ رواه ايضا عن كتاب سعد بن عبدالله عن محمد بن سنان عن اسمعيل بن جابر وقال هو الظاهر لكثرة رواية البرقي عنه والظاهر ان هذا السهو يعنى ذكر عبدالله وقع من الشيخ او من محمد بن احمد بان كان في النسخة ابن سنان فتوهم انه عبدالله فذكره بعنوان عبدالله بقرينة رواية الكلينى بعنوان ابن سنان انتهى ويؤيده ما ذكره الغضايرى من ان البرقى يروى عن الضعفاء كثيرا واما الثانى فلما ستعرف عن قريب ان الكر على ذلك القول في غاية النقص عن اعتبار الارطال وان اعتبرناها عراقية وانه على القول المشهور اقرب اليه هذا واصح ما روى في هذا الباب ما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن اسمعيل بن جابر قال قلت لابى عبداللهعليه‌السلام الماء الذى لا ينجسه شئ قال ذراعان في عمقه في ذراع وشبر سعته والظاهر قياسا على ما ذكر شمول السعة للطول والعرض فيكون الكر ستة وثلاثين شبرا ولم ادر قائلا به وهو اقرب إلى القول المشهور من قول القميين وفى شرح الفقيه يمكن حمل خبر الذراعين على خبر القميين بان يقال المراد بالسعة القطر ولهذا اكتفى بها عن العرض والطول فانه بالنسبة إلى الجميع على السواء واذا كان القطر ذراعا ونصفا فنضرب نصف الثلاثة الاشبار في نصف الدائرة واذا كان القطر ثلاثة اشبار يكون الدائرة تسعة اشبار تقريبا فاذا ضرب نصف القطر شبرا ونصفا في نصف الدائرة اربعة ونصف كان الحاصل ستة اشبار وثلاثه ارباع شبر فاذا ضرب الحاصل في اربعة اشبار يصيرسبعة وعشرين شبرا وهو مضروب الثلاثة وكان فيحمل الخبر المشتمل على النصف الذى يحصل منه اثنان واربعون شبرا وسبعة اثمان شبر على الاستحباب وهو احسن من رد الخبرين انتهى وعن ابن الجنيد ان حده قلتان ومبلغه وزنا الف ومأتا رطل وتكسيره بالذراع نحو من ماة شبر وفيه ان هذا التكسير مع عدم استناده إلى مستند ينافر ما اعتبرناه من الوزن على ما ستعرفه ولا يمكن استناده إلى الاحتياط اذ قد يكون الاحتياط في اعتبار الاقل كما لا يخفى على ان الاحتياط ليس

٣٨٢

دليلا شرعيا والثانى تحديده بحسب الوزن وقد اتفق الاصحاب على انه الف ومأتا رطل لمرسلة ابن ابى عمير عن بعض اصحابه بناء عن ابى عبداللهعليه‌السلام قال الكر من الماء الف ومأتا رطل ولكن اختلفوا في تفسير الرطل ففسره الشيخان واتباعهما بالعراقي وهو مأة وثلاثون درهما لكون الراوي عراقيا فالظاهر افتاؤهعليه‌السلام اياه بلغته وعادة بلده واورد عليه أن اصحبانا غير منحصر به في العراقيين وان ابن ابى عمير الذى هو عراقى ليس راويا وانما روى عن بعض اصحابنا عنهعليه‌السلام قال ان كان بعض اصحابنا كلام الراوي السابق على ابن ابى عمير ظاهر على عدم دلالته على كون ذلك البعض عراقيا وان كان كلام ابن ابى عمير فلا يدل عليه ايضا لان صاحب الرجل اعم من أهل بلده بل المراد منه انما هو الموافق في المذهب على ان الظاهر انهمعليهم‌السلام انما يفتون على اصطلاح بدهم وربما ايد ذلك التفسير بموافقته للاشبار وسيأتى ما فيه نعم يمكن تأييده بصحيحة محمد بن مسلم عن ابى عبداللهعليه‌السلام انه قال الكر ستمأة رطل بناء على حمل الستمأة على الارطال المكية لان الرطل المكى ضعف العراقى وكأنهعليه‌السلام افتى بذلك لاهل مكة وفسره الصدوقوالسيد رضي ‌الله ‌عنهما بالمدني وهو مأة وخمسة وتسعون درهما لما عرفت من هور كون فتواهمعليهم‌السلام على اصطلاح بلدهم واحتج السيد عليه بالاحتياط وفيه ما عرفت واعلم ان بين التحديدين تفاضلا كثيرا لانه على التحديد بالارطال اذا حمل على العراقية يصير وزن الكر ثمانية وستين منا وربع من بالمن الشاهى الجديد الذى وضع على الف ومأتى مثقال صيرفي وهى الف وستمأة مثقال شرعي بيان ذلك أن الرطل العراقى على المشهور مأه وثلثون درهما وقد ثبت أن عشرة دراهم على وزن سبعة مثاقيل شرعية والمثقال الشرعي ثلاثة ارباع المثقال الصيرفي فمجموع دراهم الارطال اعنى مأة وخمسين وستة ألاف يكون موازيا لمأة وتسعة الاف ومأتى مثقال شرعي ولواحد وثمانين الاف وتسعمأة مثقال صيرفى فاذا قسمت الاول على الف وخمسأة عدد المثاقيل الشرعية للمن الشاهي والثانى على الف ومائتين عدد المثاقيل الصيرفية له خرج ما ذكرناه وان حملت على المدنية يصيرون الكر مأة من ومنين وثلاثة اثمان من بالمن المذكور لان دراهم كل رطل من ارطال الكر على هذا يكون موازيا لمأة وستة وثلثين مثقالا ونصف مثقال شرعي ولمأه واثنين وثلاثة اثمان مثقال صيرفي فإذا حسبت مجموع دراهم الارطال على احد الوجهين وقسمته على الوجه الاول على الف وخمسمأة وعلى الوجه الثانى على الف ومأتين بعدد مثاقيل المن الشاهي يخرج ما ذكرنا وبوجه اخصر نسبته عدد المثاقيل الصيرفية للمن الشاهي إلى المن كنسبة عدد ارطال الكر إلى الكر والعراقي من الارطال ثمانية وستون مثقالا وربع مثقال صيرفي والمدنية مأة واثنان وثلاثة اثمان مثقال صيرفي فعلى اعتبار الارطال العراقية يكون الكر ثمانية وستين منا وربع من وعلى اعتبار المدنية منها يكون مأة من ومنين وثلاثه اثمان من وقد قال بعض المحققين ان الماء الذى يكون شبرا في شبر بشبر أوساط الناس على وزن الفين وثلثمأة وثلاثة واربعين مثقالا صيرفيا وعلى هذا فعلى مذهب القميين يكون الكر ثلاثة وستين الفا ومأتين وستين مثقالا صيرفيا وبالمن الشاهي اثنين وخمسين منا ونصف من ومأتين واحد وستين مثقالا صيرفيا على القول المشهور مأة الف واربعمأة وثمانية

٣٨٣

العروة الوثقى

هذا هو الكتاب المسمى بالعروة الوثقى للامام العلامة والهمام الفهامة افضل المحققين واعلم المدققين شيخنا بهاء الملة والدين

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذى انزل على عبده كتابا الهيا يتفجر من بحاره انهار العلوم الحقيقية تفجيرا وخطابا سماويا تقتبس من انواره اسرار الحكمة التى من اوتيها فقد اوتى خيرا كثيرا واقعد فرسان اللسان عن الجرى على اثره واخرسهم عن معارضة اقصر سورة من سوره فاذعنوا بالعجز عن الاتيان بما يكون لاية من آياته نظيرا وايقنوا انه لو اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولوكان بعضهم لبعض ظهيرا وجعله برهانا باقيا ببقاء الايام والشهور وتبيانا اقيا بارتقاء الاعوام والدهور لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا تطرق اليه التغيير في ذاته ولا وصفه فارجع البصر هل ترى فيه من تفاوتا او نكيرا ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسيرا والصلوة على ارفع الرسل درجة لديه واقربهم منزلة اليه صدر صحيفة المظاهر الربانية ومنبع رحيق الفيوض السبحانية الذى ارسل بالهدى ودين الحق بشيرا ونذيرا واصطفاه بالنبوة قبل ان يخمر طينة آدم تخميرا وآله مصابيح الاسلام ومفاتيح دار السلام ائمة الدين المبين وحجج الله على العالمين الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وجعل مودتهم اجرا لرسالة تنويها بشأنهم وتذكيرا وتبصرة لمن كان سميعا بصيرا اما بعد فان افقر العباد إلى رحمة الله الغني محمد المشتهر ببهاء الدين العاملى وقفة للعمل في يومه لغده قبل ان يخرج الامر من يده يقول ان اهم ما وجهت اليه الهمم وبيضت عليه اللمم واولى ما صرفت في مدارسه الاعمار واحرى ما انقضت في ممارسته اناء لليل والنهار هو العلوم الدينية التى بمداولتها يتحصل الفوز باعظم السعادات والمفاخر وبمزاولتها يتوصل إلى النجاة من كان يؤمن بالله واليوم الآخر وان اعظمها قد رأوا انوارها في سماء الرفعة بدرا هو تفسير كلام الملك العلام الذى هو ملك تلك العلوم بغير كلام اذ منه تفرعت اصولها وتنوعت فصولها واجتنيت اثمارها واجتليت انوارها فلا قسم بالسبع المثاني والقرآن العظيم انه اولى العلوم بوفور التوقير والتعظيم فطوبى لقوم ولو او جوههم شطر مطالبه وتوجهوا تلقاء مدين مآربه فاولئك الذين نالوا من الله كرامة و

٣٨٤

وتوفيقا وانتظموا في سلك الذين انعم الله من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا وان من اعظم نعم الله سبحانه على واتم مننه التى لم ترح متواصلة لدى انه لم أزل منذ بلغت العشرين إلى ان اكملت الخمسين متطلبا لاستكشاف سره المكتوم مترقبا لارتشاف رحيقه المختوم فانفقت كنز الشباب اسبابه وادوانه سيما العلميين الجليلين اللذين لهما به مزيد اعتلاق واختصاص وليس للمتعطشين إلى دلاله عن التبحر فيهما من بد ولا مناص اعنى بهما علم المعانى وعلم البيان اللذين هما الذريعة لمن رام الاطلاع على جواهر اسرار القرآن ولقد امتد فيهما كدى ونصبي حتى امتزج بهما لحمي وعصبي وبلغت منهما بتوفيق الله اقصى مناى ولم اكن قانعا بما يقنع به سواى ولما قضيت من مقدمات علم التفسير وطرى ووجهت إلى الكتب المؤلفة فيه بريد نظرى طفقت اواصل بين عشياتي واسحارى في كل سطر منها شطرا من ليلى او نهارى انظم كل درة من دررها في سلك روحي واعد الضفر بفوائد غورها من اعظم فتوحي معلقا على بعضها حواشى شريفة تذرى نفحاتها بنسمات الازهار وتحكي صفحاتها جنات من تحتها الانهار كما علقته في عنفوان الشباب على تفسير الفاضل البيضاوى من حواش بارعة تسلك بالطالبين طريقا قويما وتهدي الراغبين صراطا مستقيما وتلبد مماهجه المحشون من العجاج من معارك انظارهم وتسكن ما اثاروه من عشير اللجاج في مدارك افكارهم وكما رقمته على بعض مباحث الكشاف ومجمع البيان من فوائد حسان ابهى من ايام الشباب واشهى من وصال الاحباب وكان قد اجتمع إلى على تمادى الايام وتحصل لدى على والى الشهور والاعوام فوائد جليلة لم يجتمع إلى الان في كتاب ولم يطلع عليها الا واحد من اولى الالباب وزوائد جزيلة استنبطها بالعطر الكليل القاصر والفكر العليل الخاسر لم يحم حولها ابناء الزمان ولم يطمثهن انس قبلى ولا جان فاحببت ان اجمع نفايس تلك العرايس في تأليف هذا الفن الشريف يخبر بالسر المخزون في زوايا كنوزه ويظهر درر المكنون من خفايا رموزه يوصل طلاب اسراره إلى اقصاها ولا يغادر من جواهر صغيرة ولا كبيرة الا احصيها متضمنا خلاصة ما ورد في هذا العلم عن سيد المرسلين ونقاوة ما نقل فيه عن الائمة الطاهرين عليه وعليهم افضل صلوات المصلين ومشتملا على صفوة ما وصل الينا عن الصحابة المرضيين والعلماء الماضين والسلف الصالحين رضوان الله عليهم اجمعين وسميته بالعروة الوثقى وارجو ان تكون وسيلة إلى ما هو خير وابقى ثم التمس منكم يا اصحاب الطباع القويمة والاوضاع المستقيمة والخواطر المجتمعة والافكار الغير المتوزعة أن تمنوا على باصلاح الفساد وترويج الكساد واسيال ذيل المسامحة والعفو على ما فيه من الخلل والهفو فان تحقيق غرر الحقايق يتعسر مع تزاحم افواج العوائق والغوص على درر الدقائق تعذر عند تراكم امواج العلائق ومن الله الاستمداد والاستعانة انه ولي التوفيق والاعانة سورة فاتحة الكتاب السورة اما مستعارة من سور المدنية لاحاطتها بما تضمنته من اصناف المعارف والاحكام كاحاطة السور بما يحتوى عليه او مجاز مرسل من السورة بمعنى المرتبة العالية والمنزلة الرفيعة اذ لكل واحدة من السورة

٣٨٥

الكريمة مرتبة في الفضل عالية ومنزلة في الشرف رفيعة او لانها توجب علو درجته تاليها وسمو منزلته عند الله سبحانه وقيل واوها مبدل من الهمزة اخذا من السؤر بمعنى البقية والقطعة من الشئ واختلفوا في رسمها عرفا فقيل طائفة من القران مصدرة فيه بالبسملة او برائة فاورد على طرده الآية الاولى من كل سورة فزيد متصل آخرها فيه باحديهما فاورد على عكسه سورة الناس فزيد عليه او غير متصل فيه بشئ منه فاستقام كذا قيل ولعله مع هذا عن الاستقامة بمعزل لورود بعض سوره النمل اعنى اوائلها المتصلة بالبسملة آخرها وأواخرها المتصل بها اولها وقيل طائفة من القرآن مترجمة بترجمة خاصة ونقض طرده بآية الكرسى ورد بان المراد بالترجمة الاسم وتلك اضافة محضة لم تبلغ حد التسمية وانت خبير بان القول ببلوغ سورتي الاسرى والكهف مثلا حد التسمية دون آية الكرسى لا يخلو من تعسف والاولى ان يراد بالترجمة ما يكتب في العنوان ومنه ترجمة الكتاب فالمراد به هيهنا ما جرت العادة برسمه في المصحف المجيد عند اول تلك الطائفة من لقبها وعدد آياتها ونسبتها إلى احد الحرمين الشريفين فيسلم الطرد وما يتراء‌ى من فساد العكس لعدم صدق الرسم حينئذ على شئ من السور قبل اعتياد رسم الامور المذكورة في المصاحف فمما لا يخفى وجه التفصي عنه فان قلت قد ذهب جماعة من قدماء الامه إلى ان الضحى والم نشرح سورة واحدة وكذا الفيل والايلاف وهو مذهب جماعة من فقهائنا رضوان الله عليهم فقد انتقض طرد كل من هذين التعريفين بكل واحدة من تلك الاربع قلت هذا القول وان قال به جمع من السلف والخلف الا ان الحق خلافه واستدلالهم بالارتباط المعنوي بين كل وصاحبتها وبقول الاخفش والزجاج ان الجار في قوله عزوجل لايلاف قريش متعلق بقوله جل شأنه فجعلهم كعصف مأكول وبعدم الفصل بينهما في مصحف ابى بن كعب ضعيف لوجود الارتباط بين كثير من السور التى لا خلاف بين الامة في تعددها فليكن هذا من ذاك وكلام الاخفشين لا ينهض حجة في امثال هذه المطالب وتعلق الجار بقوله تعالى فليعبدوا رب هذا البيت الذى لا مانع عنه وعدم الفصل في مصحف ابى لعله سهو منه على انه لا يصلح معارضا لسائر مصاحف الامه واما ما ذكره جماعة من مفسرى اصحابنا الامامية رضوان الله عليهم كشيخ الطائفة ابى جعفر الطوسى في تفسيره المسمى بالتبيان وثقة الاسلام ابى على الطبرسى في تفسيره الموسوم بمجمع البيان من ورود الرواية بالوحدة عن ائمتناعليهم‌السلام فهذه الرواية لم نظفر بها وما اطلعنا عليه من الروايات التى تضمنتها اصولنا لا تدل على الوحدة بشئ من الدلالات بل لعل دلالة بعضها على التعدد اظهر واقصى ما تستنبط منها جواز الجمع بينهما في الركعة الواحدة وهو عن الدلالة على الوحده بمراحل وما تشرفنا بمشاهدته في مشهد مولانا وامامنا ابي الحسن على بن موسى الرضاعليه‌السلام من المصاحف التى قد شاع وذاع في تلك الاقطار ان بعضها بخطهعليه‌السلام وبعضها بخط آبائه الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين يؤيد ما قلناه من التعدد فان الفصل في تلك المصاحف بين كل من تلك السور الاربع وصاحبتها على وتيرة الفصل بين البواقى والله اعلم بحقايق الامور

٣٨٦

فصل فاتحة الشئ اول اجزائه كما ان خاتمته اخرها فهى في الاصل اما مصدر بمعنى الفتح كالكاذبة بمعنى الكذب او صفة والتاء فيها للنقل من الوصفية إلى الاسمية كالذبيحة وقد تجعل للمبالغة كعلامة ثم ان اعتبرت اجزاء الكتاب سور فالاولوية هنا حقيقية وان اعتبرت ايات او كلمات مثلا فمجازية تسمية للكل باسم الجزء واضافة السورة إلى الفاتحة من اضافة العام إلى الخاص كبلدة بغداد واضافة الفاتحة إلى الكتاب من اضافة الجزء إلى الكل كرأس زيد فهما لاميتان وربما جعلت الثاينة بمعنى من التبعيضية تارة والبيانية اخرى والاول وان كان خلاف المشهور بين جمهور النحاة الا انه لا يحوج إلى حمل الكتاب على غير المعنى الشايع المتبادر والثانى بالعكس ثم تسمية هذه السورة بهذا الاسم اما لكونها اول ال سور نزولا كما عليه جمع غفير من المفسرين واما لما نقل من كونها مفتتح الكتاب المثبت في اللوح المحفوظ او مفتتح القرآن المنزل جملة واحدة إلى سماء الدنيا او لتصدير المصاحف بها على ما استقر عليه ترتيب السور القرآنية وان كان بخلاف الترتيب النزولي او لافتتاح ما يقرء في الصلوة من القرآن فهذه وجوه خمسة لتسميتها بفاتحة الكتاب وربما يخدش الرابع منها بتقدم تلك التسمية على هذا الترتيب لوقوعها في الحديث النبوي ووقوعه بعد عصر الرسالة والخامس بان المراد بالكتاب هنا الكل لا البعض وهى في الصلوة فاتحة البعض لا الكل على ان اطلاق الكتاب على البعض من المستحدثات بعد هذه التسمية اذ هو اصطلاح اصولى ويمكن دفع الخدشين اما الاول فبأن تلك التسمية لما كانت مأخوذة من الشارع فلعله سماها بذلك لعلمه بتصدير الكتاب العزيز بها فيما بعد كما يقال من انها سميت بالسبع المثانى بمكة قبل نزولها بالمدينة لعلمه سبحانه بانه سيثني نزولها بها على ان القول بان ترتيب السور القرآنية على هذا النمط مما وقع بعد عصر الرسالة ليس امرا مجمعا عليه بين الامة كيف وبعض السلف مصرون على ان ترتيب المصحف المجيد على ما هو عليه الا ان انما وقع في عصرهصلى‌الله‌عليه‌وآله طبق ما اقتضاه رأيه الاقدس واما الثانى فيتطرق القدح إلى بعض مقدماته وسيما حكاية الاستحداث كيف وتجويزهم كون السورة هى المشار اليه في قوله عزوعلا " ذلك الكتاب " شاهد صدق بخلافه على ان تسميته البعض باسم الكل مجاز شايع لا حجر فيه فلا مانع من ان يكون هذا منه فصل ومن اسمائها ام القرآن وام الكتاب لانها جامعة لاصول مقاصده ومحتوية على رؤس مطالبه والعرب قد يسمون ما يجمع اشياء عديدة اما كما يسمون الجلدة الجامعة للدماغ وحواسه ام الرأس واللواء الذى مجتمع العسكر تحته اما ولانها كا القد لما فصل في القرآن المجيد فكانه نشاء وتولد منها بالتفصيل بعد الاجمال كما سميت مكة المشرفة بام القرى لان الارض دحيت من تحتها ووجه اشتمال هذه السورة الكريمة على مقاصد الكتاب العزيز اما ان تلك المقاصد راجعة إلى امرين هما الاصول الاعتقادية و الفروع العملية او هما معرفة عن الربوبية وذل العبودية واما انها يرجع إلى ثلاثة هى تأدية حمده وشكره جل شأنه والتعبد بامره ونهيه ومعرفة وعده ووعيده واما إلى اربعة هى وصفه سبحانه بصفات الكمال والقيام بما شرعه من وظائف

٣٨٧

الاعمال وتبين درجات الفائزين بالنعم والافضال وتذكر دركات الهاوين في مهاوى الغضب والضلال واما إلى خمسة هى العلم باحوال المبدء والمعاد ولزوم جاده الاخلاص في العمل والاعتقاد والتوسل اليه جل شأنه في طلب الهداية إلى سبيل الحق والسداد والرغبة في الاقتداء بالذين ربحت تجارته باعداد الزاد ليوم التنادر والرهبة في اقتفاء اثر الذين خسروا انفسهم بترك الزاد واهمال الاستعداد ولا مرية في تضمين هذه السورة الكريمة جميع هذه المطالب العظيمة فصل ومن اسمائها السبع المثانى اذ هى سبع آيات اتفاقا وليس في القرآن ما هو كذلك سواها ان غير بعضهم عد التسمية آيه دون صراط الذين انعمت عليهم وبعضهم عكس واما لانها تثنى في كل صلوة مفروضة ولا ترد صلوة الجنازة لانها صلوة مجازية عندنا وما ذكره ثقة الاسلام ابوعلى الطبرسى طاب ثراه في مجمع البيان من انها يثنى قرائتها في كل صلوة فرض ونفل مشكل بالوتر عندنا ولعله قدس سره لم يعتد بها لندرتها وفى كلام صاحب الكشاف لا نها تثنى في كل ركعة وهو بظاهره غير صحيح ووجوه التكلف لتوجيهه مشهورة اجودها حمل الركعة على الصلوة تسمية للكل باسم الجزء ولا يرد عليه الوتر اذ ليست في مذهبه ولا صلوة الجنازة وان جعلت صلوة حقيقته لعدم اطلاقه الركعة عليها واما ما ذكره صاحب تفسير الكبير من انها تثنى في كل ركعة من الصلوة فعجيب ولك ان تجعل لفظة من في كلامه بيانية فيكون غرضه الاشارة إلى توجيه كلام الكشاف لكنه لا يخلو من بعد وليس من دأبه في ذلك الكتاب الاقتصار على امثال هذه الاشارات في امثال هذه المقامات وانما ذلك دأب البيضاوي ومشربه وبين المشربين بون بعيد واما لانها تثنى نزولها فمرة بمكة حين فرضت الصلوة واخرى بالمدينة حين حولت القبلة واما لاشتمال كل من آياتها السبع على الثناء عليه جل شأنه اما تصريحا او تلويحا وهو مبني على ما هو الصحيح من عد التسمية آية منها وعد صراط الذين انعمت عليهم بعضا من السابعة والا فتضمنها الثناء غير ظاهر و اما لتكرر ما تضمنه من المقاصد فالثناء عليه سبحانه قد تكرر في جملتى البسملة والحمد له وتخصيصه عز وعلا بالاقبال عنه وحده والاعراض عما سواه قد تكرر في جملتي العبادة والاستعانة وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم مكرر بصراط الذين انعمت عليهم كما ان سؤال البعد عن الطريق الغير القويم مكرر بذكر المغضوب عليهم و لا الضالين فهذه وجوه خمسة في تسميتها بالسبع المثانى ومن اسمائها سورة الحمد اما لاشتمالها على لفظه كما هو ملحوظ في اسماء سائر السور او لتضمنها هى او كل من آياتها معناه على ما قلناه قبيل هذا فصل هذه الاسماء الخمسة هى اشهر اسماء هذه السورة الكريمة ولها اسماء اخرى متفاوتة في الشهرة اكثرها مستنبط من الحديث تسمى سورة الكنز لما روى عن امير المؤمنينعليه‌السلام انه قال نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش والوافية لانها لا تبعض في الصلوة بخلاف باقى السور عند كثير من الامة والكافية لانها يكفى في الصلوة عن غيرها من السور عند اكثر الامة ولا يكفى عنها غيرها او لانه يترتب عليها ما يترتب على غيرها البركة والفضل وكثير من الآثار من دون عكس وما روى عن النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال ام القرآن عوض عن غيرها وليس غيرها عوضا عنها يحتمل الوجهين

٣٨٨

وتسمى الشفاء والشافية لما روى عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاتحة الكتاب شفاء من كل داء والاساس لما مر في تسميتها بالفاتحة لقول ابن عباسرحمه‌الله ان لكل شئ اساسا إلى ان قال واساس القرآن الفاتحة وتسمى تعليم المسألة لانه سبحانه علم فيها عبادة أداب السؤال من الثناء على المسئول منه اولا ثم الاخلاص في التوجه اليه والاعراض عما سواه ثم عرض الحاجة عليه وتسمى سورة الصلوة والصلوة ايضا لوجوب قرائتها فيها ولما روى عن النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال قال الله عزوجل قسمت الصلوة بيني وبين عبدي نصفين والمراد بها الفاتحة كما يظهر من تتمة الحديث وقد اختلفوا انها مكية او مدنية والاول هو المروي عن ابن عباسرضي ‌الله ‌عنه ما وقد يستدل عليه بقوله عز وعلا في سورة الحجر " ولقد اتيناك سبعا من المثانى " وهى مكية بنص جماعة من السلف اما ما روى من ان السبع المثانى هي السبع الطوال فلا ينهض لمعارضته الروايات الدالة على انها الفاتحة لكن التعبير ن المستقبل المتحقق الوقوع بالماضي شايع في القرآن المجيد فالاولى الاستدلال بما شاع وذاع من ان الصلوه فرضت بمكة ولم ينقل الينا صلوة خالية عن الفاتحة مع توفر الداعى إلى نقل امثال ذلك والقول بانها مدنية منسوب إلى مجاهد وهو متروك وقيل انها مكية مدنية لنزولها في كل من الحرمين الشريفين كما مر وقد يزيف بان النزول ليس الا الظهور من عالم الغيب إلى عالم الشهادة وهذا مما لا يقبل التكرر ودفعه ظاهر على من عرف حقيقة الوحى والله سبحانه اعلم بحقايق الامور بسم الله الرحمن الرحيم اطبق الامة على انها بعض آية من القرآن ولكن طال تشاجرهم في شأنها اوائل السور الكريمة المصدرة بها في المصاحف المجيدة هل هى هناك جزء من كل واحدة من ترك السور سواء الفاتحة وغيرها او انها جزء من الفاتحة وحدها لا غير او انها ليست جزء من شئ منها بل هى آية قده من القرآن انزلت للفصل بها بين السور او انها لم ينزل الا بعض آية في سورة النمل وليست جزء من غيرها وانما يأتى بها التالى والكاتب في اوائل السور تبركا وتيمنا باسمه جل و علا او انها ايات من القرآن انزلت بعدد السور المصدرة بها من غير ان يكون شئ منها جزء لشئ منها والقول الاول هو مذهباصحابنا رضي ‌الله‌ عنهم وقد وردت به الروايات عن ائمة اهل البيت عليهم‌السلام وعليه فقهاء مكة والكوفة وقرأء‌هما سوى حمزة ووافقهم سعيد بن جبير والزهرى وابن المبارك وقالون من قراء لمدينة وبه قال اكثر الشافعية والقول الثانى هو المختار عند بعض الشافعية والقول الثالث هو الراجح عند متأخرى فقهاء الحنفية وان كان المشهور بين قدمائهم هو القول الرابع وهو الذى قال به قرأ البصرة والشام والمدينة الا قالون وعليه فقهاء هذه الامصار كمالك والاوزاعى ووافقهم حمزة من قرأ الكوفة وقال بعض المتأخرين انه ابا حنيفة لم ينص في البسملة بشئ لكن لما كان كوفيا وقد نص الكوفيين على جزئيتها دونه ظن انها ليست من السورة عنده ولا يخفى ان عدم نصه فيها لا يدل على ما ظن بشئ من الدلالات لاحتمال توقفه في امرها واما القول الخامس فقد نسبه صاحب النشرالى احمد وداود فلا عبرة بما قيل انه مجرد احتمال لم يقل به احد لنا ما روى عن امسلمة رضي ‌الله‌ عنها عن النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قرء سورة الفاتحة وعد بسم الله الرحمن الرحيم " الحمد لله رب العالمين

٣٨٩

أنه وما روى انهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال فاتحة الكتاب سبع آيات اوليهن بسم الله الرحمن الرحيم ولاختلاف ظاهر هذين الحديثين اختلف في انها آيه برأسها ام مع ما بعدها واما الجمع بينهما بان الثانى من قبيل قولنا اول البروج الدرجة الاولى من الحمل واول آيات الفاتحة حرف الباء فهو كماترى وبعضهم روى حديث ام سلمة رضي‌ الله‌ عنها بوجه لا يخالف هذا الحديث هكذا قال قرء برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الفاتحة فعد بسم الله الرحمن الرحيم آية الحمد لله رب العالمين آية الرحمن الرحيم آية مالك يوم الدين آية اياك نعبد واياك نستعين آيه اهدنا الصراط المستقيم ايه صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آية ولنا ايضا ما رواه اصحابنا في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سئلت ابا عبداللهعليه‌السلام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام عن السبع لمثاني و القران العظيم هى الفاتحة قال نعم قلت بسم الله الرحمن الرحيم من السبع قال نعم هى افضلهن وما رووه ايضا في الصحيح من ان يحيى بن عمران الهمدانى كتب إلى ابى جعفر محمد بن على الباقرعليه‌السلام يسئله عن مصلى قرء البسملة في الفاتحة فلما صار إلى السورة ترك البسملة فكتبعليه‌السلام بخطه يعيدها واما الاستدلال على هذا المذهب بالرواية عن ابن عباس رضي ‌الله‌ عنهما انه قال حين ترك الناس البسملة في اوائل السورمن تركها فقد ترك مأة واربع عشرآية من كتاب الله ففيه ما فيه لانها انما يدل على بطلان القول الثانى والثالث والرابع لا على الاول لانطباقها على الخامس على ان في متنها خللا يبعد صدور مثله عن مثله لخلوه برأته عن التسمية فالصواب ثلاث عشرآيه واصلاحه بانه يرى تصديرها بها او نزول الفاتحة مرتين او انه الحق المعدوم بالمتروك تغليبا وتوبيخا او ان غرضه تركها مطلقا حتى من النمل وجعل المتروك منها آيه اما تجوزا او لاستلزام ترك البعض ترك الكل تعسف اذ لو كان رأيه ذلك لنقل كما نقل سائر ارائه في امثال ذلك والتغليب يسقط الاستدلال لاحتماله في اكثر من واحد وجعل ما لا شنعة فيه جزء من التشنيع شنيع والكلام انما هو في اوائل السور فاقحام غيرها مع انها لم يترك فيه لغو لا يليق بمثله واما الاستدلال بالاجماع على ان ما بين الدفتين كلام الله جل وعلا و اتفاق الامة على اثباتها في المصاحف مع مبالغتهم في تجريد القرآن فنعم الاستدلال على ما هو المدعى من جزئيتها للسور المصدرة بها ثم في هذا المقام بحث يحسن التنبيه عليه وهو انه لا خلاف بين فقهائنا رضوان الله عليهم في ان كلما تواتر من القراء‌ات يجوز القراء به في الصلوة ولم يفرقوا بين تخالفها في الصفات او في اثبات بعض الحروف والكلمات كملك ومالك وقوله تعالى " تجرى من تحتها الانهار " باثبات لفظة من وتركها فالمكلف مخير في الصلوة بين الترك والاثبات اذ كل منهما متواتر وهذا يقتضي الحكم بصحة صلوة من ترك البسملة ايضا لانه قد قرء بالمتواتر من قرائة ابى عمرو وحمزة وابن عامر وورش عن نافع وقد حكموا ببطلان صلوته فقد ناقض الحكمان فاما ان يصار إلى القدح في تواتر الترك وهو كما ترى او يقال بعدم كلية تلك القضية ويجعل حكمهم هذا منبها على تطرق الاستثناء اليها فكأنهم قالوا كلما تواتر يجوز القرائة به في الصلوة الا ترك البسملة قبل السورة ولعل هذا هون وللكلام في هذا المقام مجال واسع والله اعلم فصل الباء اما للاستعانة او المصاحبة وربما

٣٩٠

رجحت الاولى بكونها اوفق بقوله تعالى " واياك نستعين " وبان جعل الاسم الكريم ذريعة يتوصل بها إلى الفعل يشعر بزيادة مدخليته فيه حتى كأنه لا يتأتى ولا يوجد بدونه والمصاحبة عرية عن ذلك الاشعار والتبرك الذى ربما يتراآى معها مشترك اذ ليس معنى لشئ منهما ولا لازما وانما نشاء من خصوص المادة فان ذكر اسمه سبحانه مثمر للبركة على اى نحو جرى والسورة بجملتها مقولة على السنة العباد ارشادا لهم إلى طريق التبرك باسمائه والحمد على نعمائه والاخلاص في الاقبال عليه وسؤال الهداية من لديه واما متعلق الباء فلك اضماره خاصا او اما فعلا واسما مؤخرا ومقدما ولعل اولى هذه الثمانية اولها اعنى الخاص الفعلى المؤخر فالتقدير باسم الله اقرأ لا ابدأ لان الفعل الذى تلى البسملة وبدء القارئ بها فيه قرائة ولوروده خاصا عند الذكر في قوله تعالى " اقرأ باسم ربك " فكذلك عند الحذف اذ القرآن يفسر بعضه بعضا وفى الحديث ان النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله امر من اوى إلى فراشه ان يقول باسمك وبى وضعت جنبى وبك ارفعه وفى حديث ابى ذروحذيفة رضي ‌الله ‌عنهما انهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان اذا اوى إلى فراشه يقول باسمك اللهم احيى واموت ولان ما يدل على ملابسة الاسم الاقدس المطلق القرائة اولى مما هو صريح في التقييد بابتدائها كيف والاحق بان يقصد بالبسملة الاستعانة عليه هو القرائة بجملتها ليقع باجمعها على الوجه اللايق من حضور القلب وعدم اشتغاله في اثنائها بغير الاقبال على الحق جل شانه وما قيل من اقتضاء اضمار ابدأ العمل بحديث الابتداء لفظا ومعنى وافضاء تقدير اقرء إلى رفض العمل به لفظا فمما لايستحق في مثل هذه المقامات الاصغاء اليه فضلا عن التعويل عليه واما ايثاره على قرائتى فلزيادة التقدير حينئذ ضرورة اضمار الخبر اذ تعلق الظرف بها يمنع جعله خبرا لها على ان تقدير الفاعل بارزا ليس تقديره مستترا و اما تأخير العامل فلما فيه من تقديم ما هو الحقيق بالتعظيم ولاقتضائه قصر الاستعانة والتبرك على اسمه جل وعلا قصرا حقيقيا او اضافيا قلبيا ردا على المشركين في قولهم باسم اللات والعزى وليوافق تقدم الاسم الكريم على ما تلاه تقدم مسماه على ما سواه وكان من حق الباء ان تفتتح وفاقا لسائر اخواتها من التاء والكاف والواو والفاء وغيرها من حروف المعانى التى كثر الابتداء بها وقد منع افرادها ورفضهم الابتداء بالساكن من سكونها الذى هو الاصل في المبنيات عوضوها عنه بالفتحة التى هى اخته في الخفة وانما كسروها لانفرادها من بينهن بلزوم الحرفية والجر فحركوها بالكسرة المناسبة للسكون الذى هو جبلة الحروف مناسبة القلة للعدم ولتكون حركتها موافقة لاثرها كما كسروا لام الامر ولام الجر داخلة على المظهر ليمتاز عن لام الابتداء فيما لم يظهر فيه اثر العامل كالمبنى والتقديرى والموقوف عليه ولم يخشو التباس اللامين الاولين لتمايز مدخوليهما بالفعلية والاسمية ولا لاخيرين حال الدخول على مضمر للتمايز بالاتصال والانفصال واما كسرالجارة لياء المتكلم فللتناسب كما ان فتح لام المستغاث للتميز عن المستغاث له مع ان وقوعه موقع كاف ادعوك قد صيره في حكم المضمر فصل الاسم عند البصيرتين من الاسماء المحذوفة الاعجاز المسكنة (..) بل تخفيفا لكثرة الاستعمال المبدوة حال الاستعمال بهمزة الوصل جريا على ما هو دأبهم من الابتداء بالمتحرك فقرنوها بما يثبت في الابتداء ويسقط في

٣٩١

الوصل قضاء لحق العادة واشتقاقه من السمو لانه رفعه للمسمى واصله سمو كنصف وعضو وعند الكوفيين من السمة واصله وسم فعوضوا عن الواو همزة وصل فلم يكثر اعلاله بحذف لامه واسكان فائه ويشهد للاول اطراد تصريفه جمعا وتصغيرا ونحوهما على اسماء وسمى وسميت دون او سام ووسم ووسمت والقلب مع بعده لا يطرد واما ورود سمى كهدى في قوله والله اسماك شمارا كافلا ينهض شاهدا لمجئ سم بالضم في قوله بسم الذى في كل سورة سمة فلعل هو الوارد هناك ايضا فاعرابه حينئذ ظاهر لا مقدر ويرد على الثانى ان المعهود في كلامهم تعويض الهمزة عن العجز كابن ونظائره لا عن الصدر بل المعهود التعويض عنه بالهاء كالزنة والعدة ونحوهما وقد اشتهر الخلاف في ان الاسم هل هو غير المسمى او عينه ونسب الاول إلى المعتزلة والثانى إلى الاشاعرة وتحير التحاريز في محل البحث بحيث يصير قابلا للنزاع حتى قال بعضهم ان البحث فيه عبث وهو كذلك بحسب الظاهر فانه ان اريد اللفظ فلا مرية في انه غير المسمى اذ لا يشك عاقل في ان لفظ فرس مثلا غير الحيوان الصاهل ولفظ نار غير الجسم المحرق ولا حاجة فيه إلى الاستدلال بتألف الاسم من اصوات غير قارة واختلافه باختلاف الامم وتعدده تارة واتحاده اخرى بخلاف المسمى وان اريد ذات الشئ كما في قولنا الفرس مركوب كان عبارة عن المسمى وان اريد به الصفة كما هو رأى الاشعرى انقسم انقسامها عنده إلى ما هو عين المسمى كالموجود والى ما هو غيره كالخالق والى ما ليس هو ولا غيره كالعالم وقد يقال انه كما قد يعلم ان مراد اللافظ من الاسم اللفظ تارة والمسمى اخرى نحو زيد كلمة وعمرو متكلم فقد لا يعلم ارادته لاحدهما بخصوصه نحو احمد مبارك وخالد ينصرف وخسرو اعجمى عند عدم قرينة حالية او مقالية معينة للمراد فحينئذ فهل يحمل الاسم على اللفظ او على المسمى فهذا هو محل النزاع بين الفريقين هذا واما قوله تعالى " سبح اسم ربك " ووقوع النكاح والطلاق بالحمل على الاسماء فلا يدلان على العينية لوجوب تنزيه اسمائه جل وعلا عن الرفث وسوء الادب واحتمال الاقتحام كما في قول لبيد إلى الحول ثم اسم السلام عليكما وقيام القرينة الصارفة وادخال الباء على الاسم دون لفظ الجلالة للاشعار بانه كما يستعان بذاته سبحانه كما قال جل شأنه " واياك نستعين " كذلك يستعان بذكر اسمه المقدس ولما في قولنا بسم الله الرحمن الرحيم من ابهام قصر الاستعانة والتبرك على هذه الاسماء ولان الشايع لاستعانة على سبيل التبرك ان يكون باسمائه تعالى لا بذاته سبحانه ولانه اوفق بالرد على المشركين في قولهم باسم اللات والعزى واما التعليل بالفرق بين اليمين والتيمن فهو كما ترى ولم يكتبوا الالف على ما هو الرسم لكثرة كتابة بسم الله فناسبها التخفيف بخلاف قوله تعالى " فسبح باسم ربك " فصل فقد اختلف كلام اهل الكمال وتشعبت المذاهب و الاقوال في لفظ الجلالة المقدسة كما اضطرب الانظار والآراء وتاهت افكار العقلاء في مدلولها المحتجب بانوار العظمة والجلال عن خفافش الوهم والخيال فكأنه قد انعكس بعض اشعة المعنى على اللفظ فبهرت ابصار المتطلعين إلى طريقه وتلجلجت السنتهم عند بيانه وتحقيقه فقيل هو لفظ عبرى وقيل سريانى واصله لاها فعرب بحذف الالف الاخيرة وادخال الالف واللام عليه وقيل هو عربى واصله اله حذفت الهمزة وعوضت

٣٩٢

عنها الالف واللام ومن ثم لم يسقطا حال النداء ولا وصلت تحاشيا عن العوض او جزئه وخص القطع به لتمحضها حينئذ في العوضية تحرزا عن اجتماع اداتى التعريف وقيل بل حذفها مقيس على تخفيفها فالتعويض من خواص الاسم المقدس وهو في الاصل اسم جنس يقع على كل معبود ثم غلب على المعبود بالحق واما لفظ الجلالة المقدسة فلم يطلق الا على المعبود بالحق تعالى وتقدس ثم اختلف في اشتقاق الاله فقيل من اله كعبد وزنا ومعنى الهة كعبادة والوهة والوهينه بالضم وهو بمعنى المالوه كالكتاب بمعنى المكتوب وقيل من اله بالكسر بمعنى تحير للحير العقول فيه وقيل بمعنى سكن لان الارواح تسكن اليه والقلوب تطمئن بذكره وقيل بمعنى فزع من امر ترك عليه ومنه الهه غيره اذا ازال فزعه واجاره لان العابد يفزع اليه وهو يحيره في الواقع او في زعمه الباطل وقيل بمعنى اولع اذ العباد مولعون بذكره والتضرع اليه وقيل من وله بالكسر اذا تحير وتحبط عقله وكان اصله ولاه فقلبت الواو همزة لنقل كسرتها وقيل اصل لفظ الجلالة لاه مصدر لاها ولها اذا احتجت وارتفع لانه سبحانه محتجب عن ادراك الابصار والبصاير ومرتفع عن كل شئ وعما لا يليق بعز شأنه وسمو سلطانه وقيل هو علم للذات المقدسة واستدل عليه بوجوه منها انه يوصف ولاه يوصف به ومن ثم جعلوه في قوله تعالى " إلى صراط العزيز الحميد " الله عطف بيان لا نعتا ويرد عليه انه لا يستلزم العلمية ولا ينفى كونه اسم جنس وايضا فالصفات الغالبة تعامل معاملة الاعلام في كثير من الاحكام ومنها انالعرب لم يترك شيئا من الاشياء التى يحتاج في المحاورات إلى التعبير عنها الا وضعت له اسما فكيف ترك موجد الاشياء وخالقها من دون اسم ويرد عليه ما ورد اولا على الاول ومنها انه سبحانه يوصف بصفات خاصة به جل شأنه فلابد له من اسم مختص به تجرى عليه تلك الصفات اذ الموصوف اخص او مساو ويرد عليه ما ورد ثانيا على الاول ومنها انه لو كان وصفا كما يقال من انه موضوع لمفهوم واجب الوجود المنحصر في فرد لم يكن قوله لا اله إلا الله مفيدا للتوحيد مثل لا اله إلا الرحمن اذ قد يكون حينئذ مفيدا لانحصار الاله في هذا المفهوم الكلى ويمكن ان يكون قائله معتقدا ان لذلك المفهوم افرادا كثيرة وربما يعارض بانه لو كان علما لفرد معين من مفهوم واجب الوجود لم يكن قل هو الله احد مفيدا للتوحيد بجواز ان يكون ذلك المفهوم فردان او اكثر في نفس الامر ويكون لفظ الجلالة علما لاحدهما مع انهم جعلوا السورة من الدلايل السمعية للتوحيد ويمكن ان اول هذه السورة انما هو دليل سمعى على الاحدية التى هى عدم قبول القسمة بانجائها واما الواحدية بمعنى نفى الشريك فانما يستفاد من اخرها اعنى قوله جل وعلا " ولم يكن له كفوا احد " وبالنظر إلى ذلك سميت سورة التوحيد فصل وذهب جماعة إلى ان لفظ الجلالة في الاصل وصف لكن لما لم يطلق على غيره جل شأنه اصلا لا في الجاهلية ولا في الاسلام وصار له تعالى كالعلم اجرى مجراه وليس في الحقيقة علما واستدلوا على بطلان القول بالعلمية بوجوه منها ان معنى الاشتقاق هو كون احد اللفظين مشاركا للآخر في المعنى والتركيب هذا حاصل بينه وبين الاصول المذكوره قبيل هذا ومنها انه لو كان علما افاد

٣٩٣

ظاهر قوله تعالى " وهو الله في السموات " معنى صحيحا لاشعاره حينئذ بالمكانية تعالى الله عنها علوا كبيرا خلاف ما لو كان وصفا بمعنى المعبود بالحق وفيه ان الاسم قد يلاحظ معه معنى يصلح به لتعلق الظرف كما لا يلاحظ في حاتم معنى الكرم وفى الاسد معنى الاقدام فليلاحظ هنا المعبود بالحق لاشتهاره سبحانه بذلك في ضمن هذا الاسم المقدس ومنها ان ذاته تعالى من حيث هى من دون اعتبار امر حقيقى او غيره غير معقولة للبشر فلا يمكن ان يدل عليها بلفظ واورد عليها ان اقصى ما يلزم منه عدم تمكن البشر من وضع العلم له جل شانه لا ما هو المدعى من انه ليس له سبحانه علم وقد صح ان اسمائه توقيفية فيجوز ان يصنع هو لذاته المقدسة علما على ان القول بعدم تمكن البشر من وضع العلم محل كلام اذ يكفى في وضع الاسم تعقل المسمى بوجه يمتاز به عما عداه ولقائل ان يقول غرض لمستدل ان وضع العلم بخصوصية الذات المقدسة لا يليق بالحكمة لجريانه مجرى العبث لان الغرض من الوضع هو التفهيم والتفاهم لكن الدلالة على الذات المقدسة بالعلم بحيث يفهم منه معنى العلمى غير ممكنة واحضار المسمى بشخصه في ذهن السامع عند اطلاق العلم مما لاسبيل اليه فيما نحن فيه فانا معاشر البشر لا يخطر ببالنا عند سماع العلم نفس الموضوع له اعنى الذات المقدسة اصلا لتقدسها عن التلوث بالحضور على وجه التشخص في اذهاننا بل لا يتعقله جل شأنه الا بصفات وسلوب واضافات يمكنها فهم معانيها والظاهر ان هذا ليس مختصا بنا بل الملائكة ايضا مشاركون لنا في القصور عن ادراك المعنى العلمى فقد ورد في الحديث ان الله احتجب عن العقول كما احتجب عن الابصار وان الملا الاعلى يطلبونه كما تطلبونه انتم واما حكاية تمكن البشر من وضع العلم للذات المقدسة فلا يخفى ما فيه فانها انما يدرك بمفهومات كلية منحصرة في فرد فيكون اللفظ موضوعا في الحقيقة لمفهوم كلى لا بجزئى حقيقى فلا يكون علما وان جعل المفهوم الكلى آلة للوضع وجعل الموضوع له الخصوصية التى تصدق عليها هذا المفهوم كما قيل في هذاو اسماء الاشارة وما هو من ذلك القبيل فتأمل وتبصر تتمة تفخيم لام الجلالة المقدسة طريقة شايعة لا يجوز خلافها وذلك اذا نضم ما قبلها او انفتح لا اذا انكسر وربما قيل بالتفخيم في الاحوال الثلاثة ونقل ذلك عن بعض القراء وربما اوهمه كلام الكشاف وحذف الالف منها لحن نبطل به الصلوة وانما ورد في الشعر للضرورة ولا ينعقد به اليمين عندنا اذ ليس من الاسماء المختصة ولا الغالبة وفصل بعض الشافعية فقال اما اليمين الصريح وهو عندهم ما ينعقد بمجرد التلفظ بالاسم ولا يحتاج معه إلى ان ينوى الحالف الذات المقدسة كالحلف بالاسماء المختصة به تعالى كالخالق والرحمن فلا ينعقد به واما اليمين الكنايتى وهو عندهم ما يحتاج به إلى النية المذكور كالحلف بالاسماء المشتركة كالحى والسميع والبصير فينعقد معها وامااصحابنا رضي ‌الله‌ عنهم فلا يجوزون الحلف بالاسماء المشتركة الغير الغالبة ويعتبرون القصد المذكور في المختصة الغالبة معا وتفصيل ذلك في الكتب الفقه والله اعلم وبعد الرحمة رقة في القلب وتأثر يقتضي التفضل والاحسان ويوصف بها سبحانه باعتبار غايتها التى هى فعل لا باعتبار مبدائها الذى هو انفعال التنزهه جل شأنه عنه واكثر اسمائه تعالى تؤخذ بهذ الاعتبار كالرحمن الرحيم وهما صفتان مشبهتان من رحم بعد جعله لازما بمنزلة

٣٩٤

الغرايز بنقله إلى رحم بالضم والاظهر منع صرف رحمان لالحاقه بالغالب في بابه لا لتحقق الشرط من انتفاء فعلانة باختصاصه بالله سبحانه لانه عارض مع انتفاء الشرط عند من اعتبر وجود فعلى وهو ابلغ من الرحيم لان زيادة المبانى تنبئ في الاغلب عن زيادة المعانى كما في قطع وقطع وهى هنا اما باعتبار الكم وعليه حملوا ما ورد في الدعاء المأثور يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة لشمول رحمة الدنيا للمؤمن والكافر واختصاص رحمة الآخرة بالمؤمن واما باعتبار الكيفية وعليه حملوا ما ورد في الدعاء ايضا يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا لحسابه نعيم الآخرة باجمعها بخلاف نعيم الدنيا وانت خبير بان زيادة المعنى في المشتق يكون بزيادة مدلوله التضمنى اعنى المعنى المصدرى ولا ريب ان رحمة الآخرة كما هى زائدة على رحمة الدنيا كيفا فهى زائدة عليها كما ايضا لتواترها وعدم انقطاع افرادها بل لا نسبة للمتناهى وهذا تقتضى عدم استقامة الاعتبار الاول في الدعاء الاول لكنهم اعتبروا فيه زيادة افراد متعلق المعنى المصدرى اعنى المرحومين ولعلهم عدوا جميع انواع الرحمة الواصلة إلى الشخص الواحد رحمة واحدة ثم لما كان الرحمن بمعنى البالغ في الرحمة غايتها اختص بالله سبحانه ولم يطلق على غيره لانه هو المتفضل حقيقة ومن عداه طالب بلطفه واحسانه اما ثناء دنيويا او ثوابا اخرويا او ازالة رقة الجنسية او ازاحة خساسه البخل وحب المال ثم هو كالواسطة فان ذات النعمة وسوقها إلى المنعم واقذاره وتمكينه من ايصالها إلى غير ذلك كلها منه جل شأنه وعظم امتنانه و إلى الاختصاص المذكور وشمول المؤمن والكافر يؤمى ما روى عن الامام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام انه قال الرحمن اسم خاص لصفة عامة والرحيم اسم عام لصفة خاصة وتقديمه على الرحيم مع اقتضاء الترقى العكس لتقدم رحمة الدنيا وللمحافظة على رؤس الاى ولانه لاختصاصه بالله سبحانه صار كالواسطة بين العلم و الوصف فناسب توسطه بينهما ولان الملحوظ اولا في باب التعظيم والثناء هو عظايم النعماء وجلائل الآلاء وما عداه يجرى مجرى التتمة والرديف وفى ذكر هذه الاسماء في البسملة التى هى مفتتح الكتاب الكريم حريك لسلسلة الرحمة وتأسيس لمبانى الجود والكرم وتشييد لمعالم العفو والرأفة وايماء إلى مضمون سبقت رحمتى غضبى وتنبيه على ان الحقيق بان يستعان بذكره في مجامع الامور هو المعبود الحقيقى البالغ في الرحمة غايتها والمؤلى للنعم بجملتها عاجلها واجلها جليلها وحقيرها هذا وربما يوجد في كلام بعضهم ان في وصفه جل شأنه بالرحمة الاخروية رد على المعتزلة القائلين بوجوب ايصال الثواب إلى العباد في مقابل سوابق اعمال الخير الصادرة عنهم فان الوجوب عليه جل شأنه لا يجامع التفضل والاحسان الذين هما معنى الرحمة بالنسبه اليه سبحانه و انت خبير بانهم لا يقولون بان جميع ما يصدر عنه تعالى من النعم الاخروية واجب عليه ليلزمهم ان لا يكون جل شأنه متفضلا بشئ منها انما مذهبهم وجوب بعض تلك النعم اعنى التى استحقها المكلفون في مقابلة اعمال الصادرة عنهم والآلام الواصلة اليهم واما باقى انواع النعم واصناف الاحسان التى لا يحصر قدرها ولا يقدر حصرها فهم لا ينكرون انها تفضل منه جل شأنه واحسان وترحم وامتنان وعساك تسمع في هذا كلاما

٣٩٥

مبسوطا انشاء الله تعالى الحمد هو الثناء على مزية اختيارية من انعام او غيره ولامه جنسية او استغراقية او عهدية اى حقيقة محمد او جميع افراده او الفرد الاكمل منه ثابت لله ثبوتا قصريا كما يفيده لام الاختصاص ولو بمعونة المقام وقد اشتهر امتيازه عن الشكر بمعاكسته في الورود وعموم المتعلق كما اشتهر امتيازه عن المدح بقيد الاختيار ودعوى امتيازه باشعاره بالاتها إلى المثنى عليه دون المدح مما لم يثبت وما جاء في الحديث من نفى الشكر عمن لم يحمد وما ذكروه من ان حمدنا له جل شأنه يشمل الموارد الثلاثة لا يقدحان في الاول كما ان من اشتهر من حمده سبحانه على الصفات الذاتية وما ورد من اثبات المحمودية لغير الفاعل فضلا عن المختار في قوله تعالى " مقاما محمودا " وقولهم عند الصباح يحمد القوم السرى إلى غير ذلك لا يقدحان في الثانى اذ الغرض المبالغة بناء على كون الحمد اكل شعب الشكر واشيعها ومعنى الشمول كون كل من الموارد الثلاثة حامدا له سبحانه بنفسه كما قال تعالى " وان من شئ الا يسبح بحمده " والحمد على الصفات باعتبار الآثار المترتبة عليها او على نفس الذات المقدسة بناء على ما هو التحقيق من العينية او لتنزيلها منزله افعال الاختيارية لاستقلال الذات بها وكونها كافية فيها ومجئ المحمود بمعنى المرضى غير عزيز في اللغة او هو من قبيل صفة الشئ بوصف صاحبه هذا وقد عرفت فيما سبق ان هذه السورة الكريمة مقولة عن السنة العباد ولا ريب ان حمدهم جار على طبق ما يعتقدونه ثناء ويعدونه مدحا وتمجيدا بحسب ما ادت اليه ما لو فاتهم واستقرت عليه متعارفاتهم وهذا يؤذن بتوسيع دائرة الثناء وعدم تضيقها بالقصر على ما هو كذلك بحسب نفس الامر فانما يثنى به عليه سبحانه ربما كان بمراحل عن سرادقات كماله وبمعزل عن ان يليق بكبرياء جلاله لكنه جل شأنه رخص لنا في ذلك وقبل منابذة البضاعة المزجاة لكمال كرمه واحسانه بل اثابنا عليها بوفور لطفه وامتنانه كما انه سبحانه لم يوجب علينا ان صفه الا بمثل الصفات التى الفناها وشاهدناها وكانت بحسب حالنا مزية وبالنسبة الينا كمالا كالكلام والحيوة والارادة والسمع والبصر وغيرها مما احاطت به مداركنا وانتهت اليه طليعة اوهامنا دون ما لم تصل اليه ايدى عقولنا ولا تتخطى إلى عز ساحة اقدام افهامنا وناهيك في هذا الباب بكلام الامام ابى جعفر محمد بن على الباقرعليه‌السلام فقد روى عنه انه قال لاصحابه كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود اليكم ولعل النمل الصغار تتوهم ان لله زبانتين فان ذلك كمالها ويعتقد ان عدمهما نقصان لمن لا يتصف بهما وهكذا حال العقلاء فيما يصفون الله تعالى به والى الله المقرع ومن تأمل هذا الكلام الشريف بعين البصيرة فاحت عليه من ازهاره نفحة قدسية تعطر مشام الارواح ولاحت لديه من انواره شعشعة انسية تحيى رميم الاشباح هذا وانما لم يعامل الحمد هنا معاملة سائر اخويه من المصادر المنصوبة على المفعولية المطلقة بعامل مقدر لا يكاد يذكر نحو شكرا وعجبا وجعل متحلية بحلية الرفع بالابتداء ايثارا للدوام والثبات على التجدد والحدوث و اشعارا بانه حاصل له تعالى شأنه من دون ملاحظة اثبات مثبت وقول قائل احمد الله حمدا ونحوه ومحافظة على بقاء صلاحيته للاستغراق فانها مما يفوت على ذلك التقدير كما لا يخفى رب العالمين اى مالكهم الحقيقى

٣٩٦

والرب اما مصدر بمعنى التربية وهى تبليغ الشئ كماله تدريجا وصف به للمبالغة كالعدل والتجوز اما عقلى او لغوى والمبالغة في الاول اشد وما يظن من انتفائها في الثانى رأسا ليس بشئ اذ التقدير لتصحيح الحمل لا يوجب انتفائها بالكلية وان كنت في مريه من ذلك فانظر إلى حكمهم بان التشبيه المضمر الاداة ابلغ من مذكورها واما صفة مشبهة من ربه تريه بعد نقله إلى فعل بالضم كما سبق مثله في الرحمن ولا اشكال في وصف المعرفة به اذ الاضافة حينئذ حقيقية من قبيل كريم البلد لانتفاء عمل النصب مع ان المراد الاستمرار دون التجدد وسمى به المالك لانه يحفظ ما يملكه ويربيه ولا يطلق على غيره تعالى الا مقيدا كرب الدار او مجموعا كالارباب ولعل النكتة في ذلك هى انه سبحانه هو المربى الحقيقى لكل ما حواه نطاق الامكان وشم رائحة من الوجود وهم باسرهم مربوبون نحطون عن مرتبة تربية الغير فان وجدت من بعضهم بحسب الظاهر تربية فهى في الحقيقة تربية منه جل شأنه اجراها على يده فهو الرب حقيقة واطلاق الرب على غيره مجاز يحتاج إلى قرينة فجعلوا تلك القرينة اما التقييد او الجمع والعالم اسم لما يعلم به الشئ وكثيرا ما يجئ صيغة الفاعل بالفتح اسما للآلة التى يفعل بها الشئ كالخاتم والطابع والقالب لكنه غلب فيما يعلم به الصانع عن شأنه مما اتسم بسمة الامكان اعنى في كل جنس من اجناسه تارة كما يقال عالم الافلاك وعالم العناصر وعليه جرى قوله جل وعلا " وما رب العالمين قال رب السموات و الارض وما بينهما " وفى مجموع تلك الاجناس اجرى كما يقال عالم المخلوقات وعالم الممكنات اعنى جميع ما سوى الله تعالى مجردا او ماديا فلكيا او عنصريا واما اطلاقه على كل واحد من احاد افراد الجنس فهو وان كان مما لا مرية في جوازه اذ ما في خطة الوجود من يفتر ولا قطمير الا وفيه حجج قاطعة على وجود الصانع الخبير الا ان الغلبة م يتفق في غير ذينك المعنيين ولعله في الآية الكريمة بالمعنى الاول اذ هو بالمعنى الثانى لا يجمع لعدم جريان التعدد فيه وانما جمع معرفا باللام للاشعار بشمول ربوبيته جل شأنه جميع الاجناس ثم لما كان مطلقا على الجنس باسره لم يبعد تنزيله منزله الجمع بل قال في مجمع البيان بانخراطه في سلك الجموع التى لا واحد لها كالنفر والجيش و كما يستغرق الجمع المعرف احاد مفرده وان لم يصدق عليها كما قالوه في قوله تعالى " والله يحب المحسنين " كذلك يشمل العالم افراد الجنس المسمى به وان لم يطلق عليها كانها احاد مفرده التقديرى فلفظ العالمين بمنزلة جمع الجمع فكما ان الاقاويل يتناول كل واحد من آحاد الاقوال كذلك هذا اللفظ يتناول كل واحد من آحاد الاجناس وانما جمع بالواو والنون تغليبا لاجناس العقلاء من الملائكة والانس والجن على غيرهم وقيل هو في الاصل اسم لذوي العلم وتناوله لغيرهم بالتبع وقيل للثقلين فقط وعليه جرى قوله سبحانه لها ليكون للعالمين نذيرا وقيل للانس منهم هذا وقد يجعل قوله جل شأنه رب العالمين دليلا على افتقار الممكنات في بقائها إلى المؤثر ويقرر تارة بان الصفة المشبهة تدل على الثبوت والاستمرار فتربيته سبحانه له مستمرة واعظم افرادها ما هو مناط بقية الافراد الاخر اعنى استمرار افاضته نور الوجود عليها إلى الابد الذى يقتضيه حالها وفيه ما لايخفى واخرى بان شمول التربية للممكنات باسرها على ما يفيده تعريف الجمع يعطى ذلك اذ تربية بعضها كبعض الجمادات ليست

٣٩٧

الا استمرار افاضة نور الوجود عليه واختصاصه بذلك دون غيره مما لايقبله العقل السليم واما جعله اشارة إلى الدليل العقلى المشهور في اثبات هذا المرام فهو كما ترى الرحمن الرحيم قد يتمسك بذكرهما من قال بعدم كون البسملة جزء من الفاتحة زاعما لزوم التكرار من دون ثمرة وليس بشئ اذ لو لم يكن فيه الا تشييد مبانى الرحمة والاشعار في مفتتح الكتاب بان اعتناه عزوعلا بها اكثر واشد من الاعتناء ببقية الصفات لكفى كيف وانه لما كان في وصفه سبحانه بكونه ربا للعالمين اشارة إلى المبدء وفى قوله تعالى " مالك يوم الدين " اشارة إلى المعاد ناسب او يتوسط بينهما ما يشير إلى حسن صنعه جل شأنه فيما بينهما وايضا ففيه بسط بساط الرجاء بالتنبيه على ان مالك يوم الجزاء رحمن رحيم فلا تيأسوا ايها المذنبون من صفحه عن ذنوبكم في ذلك اليوم لهائل واستوثقوا برحمته الكاملة ان لا يفضحكم على رؤس الاشهاد يوم تبلى السرائر وايضا فتوسيط هذين الوصفين بين التخصيص بالحمد والتخصيص بالعبادة يتضمن الايماء إلى ان المستأهل للحمد والمستحق للعباده البالغ في الرحمة اقصى غايتها والموت للنعم عاجلها وآجلها جليلها وحقيرها مالك قرأ عاصم والكسائى ويعقوب وخلف و قرأ باقى العشرة ملك يوم الدين وقد يؤيد القرائة الاولى بالانطباق على قوله عز من قائل " يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والامر يومئذ لله " والثانية بانها ادخل في التعظيم وانسب بالاضافة إلى يوم الدين واشد طباقا بقوله جل شأنه " لمن الملك لله الواحد القهار " وانه سبحانه وصف نفسه في خاتمة الكتاب بالملكية بعد وصفه بالربوبية فيناسب الجريان في فاتحة على ذلك المنوال وما يتراآى من خدش هذا الوجه بمخالفته الترتيب النزولى للترتيب الحالى ليس بذاك اذ يكفى سبق علمه عز وعلا باستقرار ترتيب القرآن على ما هو عليه الان والمالك من له التصرف في الاعيان التى في حوزته كيف يشاء والملك من له التصرف في امور العامة بالامر والنهى على بيل الغلبة والاستيلاء والدين الجزاء خيرا كان او شرا ومنه قولهم كما تدين تدان والمروي عن الباقرعليه‌السلام ان المراد به الحساب واضافة اسم الفاعل إلى الظرف لاجرائه مجرى المفعول به توسعا والمراد مالك يوم الامور كلها في ذلك اليوم وسوغ وصف المعرفة به ارادة المضي تنزيلا لمحقق الوقوع منزلة ماوقع على وتيرة ونادى اصحاب الجنة او ارادة الاستمرار الثبوتى بناء على التنزيل المذكور وبقاء ذلك اليوم ابدا وعلى التقديرين فالاضافة حقيقة موجبة للتعريف واما القرائة الثانية فمؤنتها اخف اذ هى من اضافة الصفة المشبهة إلى غير معمولها فهى حقيقية مثل كريم البلد اذ اضافتها اللفظية منحصرة في الاضافة إلى الفاعل لاشتقاقها من اللازم وهذا يصلح مؤيدا خامسا لهذه القرآئة فان قلت لم لم يجعل في القرائة الاولى بدلا ليخف المؤنة ايضا فقد اختار المحققون جواز ابدال النكرة الغير الموصوفة من المعرفة قلنا لان البدل من المقصود بالنسبة والغرض ان الحمد ثابت له جل وعلا اعتبار هذه الصفات وهو يفوت على هذا التقدير كمالا يخفى وتخصيص اليوم بالاضافة مع انه عز سلطانه ملك ومالك بجميع الاشياء في كل الاوقات والايام لتعظيم ذلك اليوم الهائل ولمناسبة الاشارة إلى المعاد كما ان رب العالمين اشاره إلى المبدء وما بينهما اشاره إلى ما بين النشأتين كما مر ولان الملك والملك الحاصلين في هذه النشأتين

٣٩٨

لبعض الناس بحسب الظاهر يزولان ويبطلان في ذلك اليوم وينسلخ الخلائق عنهما انسلاخا بينا وينفرد جل شأنه بهما انفرادا ظاهرا على كل احد وفى اجراء هذه الصفات الاربع عليه تعالى تعليل وتمهيد لما اكتنف بها سابقا ولاحقا من اختصاص الحمد سبحانه وقصر العبادة والاستعانة عليه عز سلطانه دائما ولو بمعونة مقام التمدح إلى ان هذه الصفات هى الموجبة للتخصيص والقصر المذكورين وان من لم يتصف بها لا يستحق ان يحمد فضلا عن ان يعبد وفى ذكرها بعد اسم الذات الدال على استجماع صفات الكمال يلوح بان من يحمده الناس و يعظمونه انما يكون حمدهم وتعظيمهم له لاحد امور اربعة اما لكونه كاملا في ذاته وصفاته واما لكونه محسنا اليهم ومنعما عليهم واما لانهم يوجبون الفوز في الاستقبال والحال بجزيل احسانه وجليل امتنانه عاجلا وآجلا واما لانهم يخافون من قهره وكمال قدرته وسطوته فكانه جل وعلا يقول يا معشر الناس ان كنتم تحمدون وتعظمون للكمال الذاتى والصفاتى فانى انا الله وان كان للاحسان والتربية والانعام فانا رب العالمين و ان كان للرجاء والطمع في المستقبل فانا الرحمن الرحيم وان كان للخوف من كمال القدرة والسطوة فانا مالك يوم الدين هذا وقد يظن ان استحمقاقه جل شأنه للحمد بسبب الرحمة التى هى تفضل واحسان مما لايستقيم على مذهب المعتزلة القائلين بوجوب ايصال الثواب وقد اسلفنا في تفسير آخر البسملة ما يحتم به ماده هذا الظن رأسا فان قلت ان قولهم بوجوب كلما اصلح بحال العباد عليه تعالى ان ينفى التفضل بالكلية اذ لا مزية في ان كل فرد من افراد الاحسانواضاف الامتنان اصلح بحالهم فيكون واجبة عليه جل شأنه فلا يكون متفضلا بشئ منها فلا يستحق الحمد عليها عندهم فقد عاد المحذور قلت انه لم يذهب إلى الكلية الا شرذمة منهم لا يعبأ بهم ولا بكلامهم والمحققون على ان هذه القضية جزئية وقد نبه المحقق الطوسى في التجريد ولم يتنبه لذلك شراح كلامه و الحاصل انهم انما يوجبون الاصلح الذى لو لم يفعله لكان مناقضا لغرضه قالوا لما كان غرضه جل شأنه من اظهار لمعجزة على يد النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله تصديق الخلق فيجب له ان يخلق فيهم ما يبصرونها به به ان كانت من المبصرات او ما يسمعونها به ان كانت من المسموعات لئلا يكون باهمال ذلك مناقضا لغرضه وكذلك لما كان غرضه من خلقنا ان نعبده كما قال عزوعلا " وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون " فيجب عليه ارشادنا إلى ذلك بارسال الرسل صلوات الله عليهم والا لفات الغرض وعلى هذا فقس وحينئذ يبقى الجدال معهم في تعليلهم افعاله تعالى بالاغراض واجرائهم هذه الآية وامثالها من الايات على ظاهرها وسنتكلم فيه في موضع يليق به انشاء الله تعالى على انهم يقولون ان وجوب لشئ لاينافى التفضل به اذ انشاء وجوبه من تفضل سابق كمن الزم نفسه بعهد او يمين ان يتصدق على المسكين الفلانى بمال جزيل فانه اذا اوصل ذلك المال اليه عد في العرف متفضلا عليه ولهذا لو اعرض ذلك المسكين عن حمده و شكره مستندا إلى ان ذلك الاعطاء كان واجبا عليه لاستحق الذم من جميع العقلاء وما نحن فيه من ذلك القبيل فان خلقنا لم يكن واجبا عليه سبحانه لكن لما اوجدنا من كتم (..) فضلا واحسانا والبسنا خلعة الوجود تفضلا و تطولا وامتنانا لنتأهل للقرب من ساحة جلاله ونستعد للاستضائة بانوار جماله وجب بسبب ذلك التفضل

٣٩٩

امور اخر لا يخرجها الوجوب عن كونها تفضلا كما في المثال المذكور ولله المثل الاعلى وبه الاعتصام وبه الرجعى اياك نعبد واياك نستعين اكثر النحاة على ان ايا هو الضمير والكاف والياء والهاء الملحقة بها حروف زيدت لبيان الخطاب والتكلم والغيبة كتاء انت وكاف رايتك بمعنى اخبرنى المزيدة لتأكيد الخطاب وقال الزجاج هو سم مظهر تضاف إلى المضمرات الثلاث واحتج الخليل على الاضافة بقولهم اذا بلغ الرجل الستين فاياه وايا الشواب وهو نعم الشاهد لولا شذوذه وقيل هى الضمائر واى دعامة مخرجة لها عن الاتصال إلى الانفصال وقيل بل المجموع و العبادة على مراتب الخضوع والتذلل ولذلك لا يليق بها الا من كان موليا لاعلى النعم واعظمها من الوجود والحيوة و توابعها ومن قال انها لا يستعمل الا في الخضوع لله تعالى لعله اراد هذا والا فظاهره مصادم لقوله تعالى " وما تعبدون من دون الله حصب جهنم " واما ما رواه عمدة الاسلامرحمه‌الله في الكافى عن ابى جعفر محمد بن على الباقرعليه‌السلام من اصغى إلى ناطق فقد عبده فان كان الناطق يؤدى عن الله فقد عبدالله وان كان يؤدى عن الشيطان فقد عبد الشيطان فلعله ورد على سبيل المبالغة او ان العبادة فيه بمعنى الطاعة وما في مجمع البيان من انكار القول بأنها بمعنى الطاعة لعل المراد به انكار كونها حقيقة فيها فما في الصحاح وغيرها من تفسيرها بالطاعة لا ينافيه كما يظن فان اكثر اللغة كما قيل مجازات والاستعانة طلب المعونة على الفعل اما لتعذر الاتيان به بدونها او لتعسره والمراد هنا طلب المعونة في المهمات وبأسرها او في اداء العباده والقيام بوظائفها من الاخلاص التام وحضور القلب وفى هذا نكتة اوردها في تفسير الكبير هى ان المتكلم لما نسب العبادة إلى نفسه اوهم ذلك تبجحا واعتدادا بما يصدر عنه فعقبه بقوله واياك نستعين يريد ان العباده ايضا لا يتم ولا تستب الا بمعونة منه تعالى وتوفيق وتقديم العباده على الاستعانة يمكن ان يكون للاشارة إلى هذه الثلاثة وللمحافظة على رؤس الاى ولان العبادة من مدلولات الاسم المقدس اذ معناه المعبود بالحق فكانت احق بالقرب منه ولانها مطلوب الله سبحانه من العباد والمعونة مطلوبهم منه فناسب تقديم مطلوبه على مطلوبهم ولان المعونة التامة انما هى ثمرة العباد ونتيجتها كما يظهر من الحديث القدسى ما يتقرب إلى عبدى بشئ احب مما افترضت عليه وانه ليتقرب الي بالنوافل حتى حبه فاذا احببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده الذى يبطش بها الحديث ولانها اشد مناسبة لما تنبئ عن الجزاء والاستعانة اقوى اتصالا بطلب الهداية ولان التخصيص بالعباده أول ما يحصل به الاسلام واما التخصيص بالاستعانة فانما يحصل بعد الرسوخ التام في الدين والترقى في مراتب اليقين فكان احق بالتأخير ولان العبادة وسيلة إلى حصول الحاجة التى هى المعونة وتقديم الوسيلة على طلب الحاجة ادعى إلى الاجابة فهذه وجوه ثمانية لتقديم العباده على الاستعانة فصل وتقديم مفعولى العبادة والاستعانة عليهما للحصر والتعظيم والاهتمام وتقديم ما هو مقدم في الوجود والايماء إلى ان العابد والمستعين ومن يحذو حذوهما ينبغى ان يكون مطمح نظرهم اولا وبالذات هو الحق جل شأنه على وتيرة ما رأيت شيئا الا رأيت الله قبله ثم منه إلى انفسهم لا من حيث انها ذواتها بل من حيث انها ملاحظة له عزوعلا ومنتسبة اليه ثم إلى اعمالهم من العبادة والاستعانة والمناجاة وما

٤٠٠