مفهوم التقية في الفكر الاسلامي
0%
مؤلف: السيد هاشم الموسوي
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 55
مؤلف: السيد هاشم الموسوي
تصنيف: الصفحات: 55
المشاهدات: 6288
تحميل: 4534
توضيحات:
مؤلف: السيد هاشم الموسوي
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 55
مؤلف: السيد هاشم الموسوي
مفهوم التقية في الفكر الاسلامي
تأليف
السيد هاشم الموسوي
مفهوم التقية في الفكر الاسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير
( اتَّبعُوا مَآ أُنزِلَ إِليكُم مِّن رَّبِّكُم وَلاَ تتَّبعُوا مِن دُونِهِ أَوليَاءَ قَليلاً مَّا تَذَكَّرونَ ) (1) .
إن دراسة الفكر الإسلامي ومفردات العقيدة دراسة علمية أمينة وفق منهج قرآني دقيق توصلنا إلى معرفة الحقيقة، وتكوين رؤية تشريعية وفكرية
____________________
(1) سورة الأعراف: آية 3.
نقية تساهم في الفكر العقيدي والسياسي والاجتماعي الإسلامي. وتعمل على توحيد المسلمين وإغناء الحياة التشريعة والتربوية في المجتمع الإسلامي.
ومن الواضح لدى كل باحث ومتتبع لحركة الفكر الإسلامي وتطوراته أن هذا الفكر الحضاري قد مر بمراحل عديدة، وأن السياسة والصراع السياسي وسوء الفهم قد تدخلا في توظيف الرؤى العلمية لصالح السلطة الحاكمة ضد القوى المعارضة لها، بغضّ النظر عن صوابها وقيمتها العلمية.
ومن تلك الرؤى التي تدخلت السياسة الذرائعية في تشويهها وشن حملة على الاتجاه المعارض لهذه السياسة بسبب العمل بتشريع إسلامي هو تشريع (التقية) أو قل تشريع الضرورة والدفاع
السلبي تجاه الإرهاب الفكري والسياسي.
لذا ارتأى مركز (الغدير للدرسات الإسلامية) تقديم دراسة تعريفية في مفهوم التقية في الفكر الإسلامي لإزالة الغموض الذي اكتنف هذه المفردة الفكرية، وتوضيح الرؤية والفهم العملي في مدرسة أئمة أهل البيت - مدرسة الشيعة الإمامية - لمفهوم التقية، وقطع الطريق على من يتربصون بوحدة المسلمين الدوائر ويكرِّسون جهدهم في إثارة الشبهات، وتفريق الصف.
سائلين المولى القدير أن يسدّد جهدنا في خدمة الفكر الإسلامي والمساهمة في التعريف به إنه سميع مجيب.
مركز الغدير للدرسات الإسلامية
تقديم
( لا يَتَّخِذِ المُؤمِنُونَ الكافِرِينَ أَوليَاءَ مِن دُونِ المُؤمِنينَ وَمَن يَفعَل ذلكَ فَلَيسَ مِنَ اللهِ فِي شَيءٍ إِلاَّ أن تَتَّقُوا مِنهُم تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفسَهُ وَإلى اللهِ المَصِيرُ ) (1) .
( وَقَالَ رَجُلٌ مُؤمِنٌ مِن آلِ فِرعَونَ يَكتُمُ إِيمَانَهُ... ) (2) .
____________________
(1) سورة آل عمران: آية 28.
(2) سورة المؤمن (غافر): آية 28.
( مَن كَفَرَ باللهِ مِن بَعدِ إيمانِه إِلاَّ مَن اُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنٌّ بالايمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَح بالكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عذابٌ عظيمٌ ) (1) .
إنّ من المفاهيم العقيدية التي اتفق المسلمون جميعاً على ورودها في القرآن الكريم والسنّة المطهّرة هو مفهوم التقية، كما يتبين لنا ذلك من قوله تعالى:( إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) وقوله:( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) وقوله:( يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) .
ومن سيرة الرسول العملية في موقفه من عمّار ابن ياسر، ومع هذا الوضوح والبيان، فإن هذا المصطلح العقيدي، قد اُسيء فهمه، وحاول بعض المغرضين والمسَخَّرين لتفريق الصف الإسلامي أنْ يثير الشبهات ويحاول أن يصوّره نفاقاً فكرياً،
____________________
(1) سورة النحل: آية 106.
وازدواجية غامضة قد أولدها الفكر المتبنى في مدرسة أهل البيتعليهمالسلام عندما لجأ أتباع هذه المدرسة إلى التقية في مراحل الإرهاب والاضطهاد السياسي المرير.
ولايضاح هذا المفهوم وبيان مجالات العمل به سنضعه في دائرة الضوء؛ لتبديد صورة الغموض والشبهة العالقة به.
التقية في اللغة
«الوقاية: حفظ الشيء مما يؤذيه ويضرّه، يقال وقيتُ الشيء أقيه وقاية ووقاء...»(1) .
«ووقى الشيء وقياً ووقاية وواقية: صانه عن الأذى وحماهُ... والتقية الخشية والخوف.
والتقية - عند بعض الفرق الإسلامية -: «اخفاء الحق ومصانعة الناس في غير دولتهم تحرّزاً من التلف»(2) .
«تقاة» أصله وقاة، فأُبدلت الواو المضمومة تاء استثقالاً لها، لأنهم يفرّون منها إلى الهمزة تارة، وإلى التاء تارة اُخرى...
ووزن تقاة فُعَلَة، مثل تُؤَدة، وتخمة ونكأة وهي مصدر اتقى تقاة، وتقية، وتقوى، واتقاء»(3) .
____________________
(1) الراغب الاصفهاني / المفردات في غريب القرآن.
(2) المعجم الوسيط.
(3) الطوسي / التبيان في تفسير القرآن 2: 434.
وهكذا يتضح لنا معنى التقية في اللغة: وهو حفظ الشيء ووقايته من الضرر.
التقية في الاصطلاح
إن مصطلح التقية، هو مصطلح إسلامي قد نطق به الوحي لفظاً ومعنى، مقترناً بحادثة مُفسرة. قال تعالى:
( لا يَتَّخِذِ المؤمنونَ الكافرينَ أولياءَ مِن دونِ المؤمنينَ ومَنْ يفعلْ ذلكَ فليسَ مِنَ اللهِ في شيءٍ إلاّ أنْ تَتَّقوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وإلى اللهِ المصيرُ ) (1) .
عند تفسير الشيخ الطوسي لهذه الآية قال: «روى
____________________
(1) سورة آل عمران: آية 28.
الحسن أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب رسول اللهصلىاللهعليهوآله فقال لأحدهما أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، قال: أفتشهد أني رسول الله؟ قال: نعم، ثمّ دعا بالآخر فقال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، فقال له: أفتشهد أنّي رسول الله؟ قال: إني أصم - قالها ثلاثاً، كل ذلك تقية - فتقوّلَ ذلك، فضرب عنقه فبلغ ذلك(1) فقال: أما هذا المقتول فمضى على صدقه وتقيته، وأخذ بفضله فهنيئاً له، وأما الآخر فقبل رخصة الله، فلا تبعة عليه»(2) .
ثمّ علّق الشيخ الطوسي على هذه الرواية قائلاً: «فعلى هذا، التقية رخصة، والإفصاح بالحق فضيلة.
____________________
(1) يعني بلغ النبيَّ محمداًصلىاللهعليهوآله .
(2) الطوسي / التبيان في تفسير القرآن 2: 435.
وظاهر أخبارنا يدل على أنها واجبة، وخلافها خطأ»(1) .
أما القرطبي فقد فسّر آية التقية بقوله: «( إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) . قال معاذ بن جبل ومجاهد: كانت التقية في جِدّة الإسلام قبل قوّة المسلمين؛ فأما اليوم فقد أعزّ الله الإسلام أن يتقوا من عدوّهم. قال ابن عباس: هو أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا يُقتل ولا يأتي مَأْثَماً. وقال الحسن: التقية جازئة للإنسان إلى يوم القيامة، ولا تقية في القتل. وقرأ جابر بن زيد ومجاهد والضحاك:( إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) وقيل: إن المؤمن إذا كان قائماً بين الكفّار فله أن يداريهم باللسان إذا كان خائفاً على نفسه وقلبُه مطمئن بالإيمان. والتقية لا تحِلّ إلاّ مع خوف القتل أو القطع أو الإيذاء العظيم. ومن أُكره على الكفر فالصحيح أنّ له أن يتصلّب ولا يجيب إلى
____________________
(1) المصدر السابق.
التلفظ بكلمة الكفر؛ بل يجوز له ذلك على ما يأتي بيانه في النحل»(1) .
حيث فسّر قوله تعالى:( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) (2) بقوله: «هذه الآية نزلت في عمّار بن ياسر في قول أهل التفسير؛ لأنه قارب بعض ما ندبوه إليه. قال ابن عباس: أخذه المشركون وأخذوا أباه وأمَّه سُمَيّة وصُهَيباً وبلالاً وخَبّاباً وسالماً فعذّبوهم، ورُبطت سُمَية بين بعيرين ووُجِئَ قُبُلها بحربة، وقيل لها إنك أسلمت من أجل الرجال؛ فقتلت وقتل زوجها ياسر، وهما أول قتيلين في الإسلام. وأما عَمَّار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مُكْرَهاً، فشكا ذلك إلى رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، فقال له رسول اللهصلىاللهعليهوآله : «كيف تجد قلبك»؟ قال: مطمئن بالإيمان. فقال رسول
____________________
(1) القرطبي / الجامع لأحكام القرآن 4: 38.
(2) سورة النحل: آية 106.