شبهات وردود حول القرآن الكريم

شبهات وردود حول القرآن الكريم10%

شبهات وردود حول القرآن الكريم مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 578

شبهات وردود حول القرآن الكريم
  • البداية
  • السابق
  • 578 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 297356 / تحميل: 13673
الحجم الحجم الحجم
شبهات وردود حول القرآن الكريم

شبهات وردود حول القرآن الكريم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

شُبُهَات وردود

حول القرآن الكريم

تأليف: الأُستاذ محمّد هادي معرفة

تحقيق: مؤسّسة التمهيد - قم المقدّسة

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى مُحمّدٍ وآله الطّاهرين

( ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ )

وبعد، فقد صدق الله وَعدَه إذ قال: ( وَإِنّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (١) .

كان القرآن مُنذ أوّل يومه ولا يزال موضع عناية ذوي الأحلام الراجحة، والنّفوس الطيّبة، مِن علماء ونُبهاء مُلئت بهم الآفاق، كما كان مطمحُ غواية ذوي الأحقاد الرّديئة والأنفس الخبيثة، لم ترعهم شاكلة القرآن الوضيئة، فطَفِقوا يناوئونه في محاولة مستمرّة لغرض الحطّ مِن كرامته الرّفيعة، أو النّقص من دعائمه القويمة وهيهات ( وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (٢) .

وكان مِن مضاعفات تلكمُ المحاولات الفّاشلة، أنْ تراكمت هنّاك (في غياهب التيه) شُبُهاتٍ، هي ظلماتٌ بعضها فوق بعض ( وَمَن لّمْ يَجْعَلِ اللّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ ) (٣) .

____________________

(١) فصّلت ٤١: ٤١ - ٤٢.                           (٢) التوبة ٩: ٣٢.

(٣) النور ٢٤: ٤٠.

٣

والشّبُهات حول القرآن - في قديمها أو الحديث مِنها - تتنوّع إلى أنحاء:

١ - مِنها ما يعود إلى التشكيك في كونه وحياً مباشريّاً، تلقّاه نبيُّ الإسلام من ملكوت أعلى، إمّا لعدم إمكانه؛ نظراً لعدم التّوائم بين عالمـَينِ أحدهما أعلى لطيف والآخر أسفل كثيف! وقد أجبنا على ذلك (١) بإمكان الاتّصال بالجانب الرّوحانيّ - حقيقة الإنسان الذاتيّة - مِن الإنسان، إذا كان قد بلغ الكمال واستعدّ روحيّاً للاتصال بالملأ الأعلى.

وإمّا لزعم أنّها مُلتقطات التقطها نبيُّ الإسلام من أفواه الرجال - أهل الكتاب -، كان يلتقي برجال من أهل الدّيانات المعروفة في جزيرة العرب، في رحلاته وأسفاره إلى مختلف البلاد، بل وفي مكّة والحجاز مِمَن آوى إليها من المعتنقين للمسيحيّة، وأبناء اليهود. ( قَالُوا أَسَاطِيرُ الأُوّلِينَ أكْتَبتَهَا فَهِيَ تُمْلَى‏ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) (٢) .

أضف إليه ما كان يَستلهم من صميم وعيه المـُطعّم بإيحاءات البيئة الّتي كان يعيشها، كان يَستوحيها من داخل ضميره عندما يختلي بنفسه في غار حِراء، فكان يَستصفي أحسنَ ما تلقّاه، ليُبديه وحْياً من الله، وقرآناً نازلاً من السماء.

هكذا فرضوا فيما زعموا من غير بُرهانٍ أتاهم وسنفصّل الكلام في ذلك.

٢ - ومنها زَعْمُ التأثّر بالبيئة وثقافات جاهليّة كانت ساطيةً حينذاك.

حسبوا أنّ في القرآن الشيء الكثير من رسوم وعادات بائدة، كانت قد تَعارفها العرب، وربّما البشريّة يومذاك، وقد خَضع لها القرآن في كثير مِن تعاليمه وبرامجه، والّتي منها ما يبدو غليظاً أو شديداً، أو متجافياً للحكمة ويتعافاه العقل الرشيد، فيما تقدّمت رَكْبُ البشريّة فيما بعد، وأخذوا من عقوبات الإسلام دليلاً على ذلك فيما وهموا!

٣ - ومنها ما حَسِبوه متهافتاً مِن إيهام التّناقض في القرآن، ولو كان مِن عند الله لم يوجد فيه هذا الاختلاف!، هكذا حسبوا حسابهم لا عن مُداقّة!

٤ - ومنها احتمال وجود اللحن في القرآن، إمّا تأريخيّاً أو أدبيّاً، أو متنافياً مع بداهة العلم، فيما توهّموا عِبر الخيال!

____________________

(١) في الجزء الأَوّل من التمهيد.                                    (٢) الفرقان ٢٥: ٥.

٤

٥ - ومنها احتمال التحريف في نصّه الكريم، والّذي يُذْهِب بحجيّته وإمكان الاستناد إليه، فيما حسبه أهل الظاهر المقلّدة، ممّن كانت تهمّهم الرواية وتُعوزهم الدراية!

إلى غير ذلك من تساويل شيطانيّة، حِيكت حول هذا الكتاب الإلهي العزيز الذي ( لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِه تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (١) . ومُنذ أمد غير قصير قُمنا بجمع تلك السفاسف والأقاويل، لنأتي عليها بما أوتينا من حول وقوّة ( مَا تَذَرُ مِن شَيْ‏ءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاّ جَعَلَتْهُ كَالرّمِيمِ ) (٢) وهو توفيق ربّاني نَحمده عليه.

ولننظر فيما سطّروه بهذا الصدد تِباعاً حسبَ الترتيب.

____________________

(١) فصّلت ٤١: ٤٢.                                  (٢) الذاريات ٥١: ٤٢.

٥

الباب الأول

هل للقرآن من مصادر؟

( إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى )

سؤالٌ أثارته شاكلة المستشرقين الأجانب

لكنّه رجع قول قد قاله رجال من قبلهم:

( قَالُوا أَسَاطِيرُ الأُوّلِينَ أكَْتَبتَهَا فَهِيَ تُمْلَى‏ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً )

(الفرقان ٢٥: ٥)

٦

الوحي مصدر القرآن الوحيد!

( إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى )

قال تعالى: ( إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرّةٍ فَاسْتَوَى‏ * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى‏ * ثُمّ دَنَا فَتَدَلّى‏ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى‏ إِلَى‏ عَبْدِهِ مَا أَوْحَى‏ * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى‏ * أَفَتُمارُونَهُ عَلَى‏ مَا يَرَى ) (١) .

كانت الدّلائل على أنّ القرآن كلّه - بلفظه ونَظمه ومحتواه جميعاً - كلام ربّ العالمين، وافرةً وظافرةً، وقد تكفّل عرضها مباحثُ الإعجاز القرآني باستيفاء وإحكام (٢) . كما وأصبحت سفاسف المعاكسين لذلك الاتّجاه الناصع، هباءً منثوراً تذروه عواصف الرياح.

والآن، فلنشهد تَجوالهم الحديث في هذا الميدان الرهيب:

وليُعلم أنّ عمدة مستند القول باستيحاء القرآن تعاليمه الدينيّة من زُبُر الأُوّلين، هو: تواجد التّوافق - نسبيّاً - بين شريعة الإسلام وشرائع سالفة.

لكن هذا لا يجدي نفعاً بعد اعترافنا بوحدة أصول الشرائع، وأنّها جميعاً مُستقاة مِن عينٍ واحدة: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى‏ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللّه ِ ) (٣) .

____________________

(١) النجم ٥٣: ٤ - ٢١.                             (٢) قد استوفينا البحث عنها في التمهيد، ج ٤ و ٥ و ٦.

(٣) آل عمران ٣: ٦٤.

٧

هذا فضلاً عن وجود التّخالف الفاحش بين أكدار أحاطت بتلك الكتب على أثر التّحريف، وقداسةٍ زاكيةٍ حَظي بها القرآن الكريم، ولا يزال مصوناً في حراسته تعالى: ( إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (١)

هذا إجمال الكلام في ذلك ولنَخُض في تفصّيل الحديث:

كتب الكثير مِن الكتّاب المستشرقين عن نبيّ الإسلام والقرآن، حسب أساليبهم في التحقّيق عن سائر الأديان، حيثُ لا يرون لها صلة بوحي السماء، فكان من الطّبيعي في عرفهم، أنْ يلتمسوا من هنا وهناك مصادر، غذّت تلكمُ الشرائع في طول التّأريخ.

وحتّى مَن تظاهر مِنهم بالمسيحيّة يعتنقونها شكليّاً، وليس عن صدق عقيدة.

غير أنّ المسيحيّة - ولو شكليّاً - كانت من الدّوافع الحافزة للبغي على الإسلام، وللنّظر إليه نظرة سوء، وهذا ما يسمّى بالاستشراق الدِّيني الّذي قام به أبناء الفاتيكان، كان أَوّل روّاده من رجال الكنيسة وعلماء اللاّهوت، حيث ظلّوا المشرفين على هذه الحركة، والمـُسيّرين لها طوال القرنَينِ الأخيرَينِ، وكان الهدف من ذلك:

١ - الطعن في الإسلام وتشويه حقائقه.

٢ - حماية النّصارى من خطر الإسلام، بالحيلولة بينهم، وبين رؤية حقائقه الناصعة وآياته البيّنة اللاّئحة.

٣ - محاولة تنصّير المسلمين، ولا أقلّ من تضعّيف العقيدة في نفوسهم.

أضف إلى ذلك دوافع استعماريّة ثقافيّة وسياسيّة وتجاريّة، تحول دون خلوص مهنة الاستشراق - استطلاع تأريخ الثقافة الشرقيّة بسلام - ومِن ثَمّ فقد أُسيء بهم الظنّ، في كثير ما يبدونه من نظر.

جاء في قصّة الحضارة: وكان في بلاد العرب كثيرون من المسيحيّين، وكان منهم عدد قليلٌ في مكّة، وكان مُحمّد على صلة وثيقة بواحد منهم على الأقل، هو ورقة بن نوفل ابن عمّ خديجة، الّذي كان مُطّلعاً على كُتُب اليهود والمسيحيّين المقدّسة. وكثيراً مّا كان مُحمّد يزور المدينة، الّتي مات فيها والده عبد الله، ولعلّه قد التقى هناك ببعض اليهود وكانوا

____________________

(١) الحجر ١٥: ٩.

٨

كثيرين فيها. وتدلّ كثير من آيات القرآن على إعجابه بأخلاق المسيحيّين، وبما في دين اليهود من نزعة إلى التّوحيد، وبما عاد على المسيحيّة واليهوديّة من قوّة كبيرة؛ لأنّ لكلتيهما كتاباً مقدّساً تعتقد أنّه موحى من عند الله.

قال: ولعلّه قد بدا له أنّ ما يسود جزيرة العرب من شِرك، ومن عبادة للأوثان، ومن فساد خُلُقي، ومن حروب بين القبائل وتفكّك سياسي، نقول: لعلّه قد بدا له أنّ حالَ بلاد العرب إذا قورنت بما تأمر به المسيحيّة واليهوديّة حالٌ بدائيّة، لا تُشرِّف ساكنيها، ولهذا أحسّ بالحاجة إلى دينٍ جديد. ولعلّه أحسّ بالحاجة إلى دين يؤلّف بين هذه الجماعات المتباغضة المتعادية، ويَخلق منها أُمّةً قويّةً سليمةً، دينٌ يسموا بأخلاقهم عمّا أَلِفه البدو من شريعة العنف والانتقام، ولكنّه قائمٌ على أوامر مُنزَّلة لا يُنازع فيها إنسان. ولعلّ هذه الأفكار نفسها قد طافت بعقل غيره من الناس، فنحن نسمع عن قيام عدد من المتنبّئين في بلاد العرب في بداية القرن السابع، وقد تأثّر كثير من العرب بعقيدة المسيح المنتظر التي يؤمن بها اليهود، وكان هؤلاء أيضاً ينتظرون بفارغ الصّبر مجيء رسولٍ من عند الله. وكانت في البلاد شيعة من العرب تُدعى بالحنفيّة أبت أنْ تقرّ بالإلوهية لأصنام الكعبة، وقامت تنادي بإلهٍ واحد، يجب أنْ يكون البشر جميعاً عبيداً له، وأن يعبدوه راضين (هم: ورقة بن نوفل، وعبيد الله بن جحش، وعثمان بن الحويرث، وزيد بن عمرو بن نفيل)، كانوا قد أيقنوا أنّ ما هم عليه من الوثنيّة ليس بشيء، فتفرّقوا في البلاد يلتمسون الحنيفيّة دين إبراهيم (عليه السلام)...

وكان مُحمّد - كما كان كلّ داعٍ ناجح في دعوته - النّاطق بلسان أهل زمانه والمعبّر عن حاجاتهم وآمالهم... (١) .

ويقول الأسقف يوسف درّة الحدّاد: (٢) استفاد القرآن من مصادر شتّى أهمّها الكتاب المقدّس ولا سيّما كتاب موسى، وذلك بشهادة القرآن ذاته:

____________________

(١) ول ديورانت: قصّة الحضارة ج ١٣، ص ٢٣ و ٢٤، ترجمتها العربية.

(٢) مارس رتبة الكهنوتيّة في الكنيسة اللبنانيّة عام ١٩٣٩ م، ثُمّ انقطع زُهاء عشرين عاماً يبحث عن شؤون الإسلام والقرآن على أسلوبه الكهنوتي، حاول التقارن والتقارب بين القرآن وكُتب العهدَين، ليجعل الأخيرة منابع للقرآن ومصادره في كلّ ما ينسبه إلى وحي السماء. توفي سنة ١٩٧٩ م.

٩

( إِنّ هذَا لَفِي الصّحُفِ الأُولَى‏ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ) (١) .

( أَمْ لَمْ يُنَبّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى‏ * وَإِبْرَاهِيمَ الّذِي وَفّى‏ * أَلاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ‏ ) (٢) .

( وَإِنّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوّلِينَ * أَوَلَمْ يَكُن لَهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) (٣) .

قال: فآية مُحمّد الأُولى هي مطابقة قرآنه للكتب السابقة عليه. وآيته الثانية استشهاده بعلماء بني إسرائيل وشهادتهم له بصحّة هذه المطابقة. ولكن ما الصلة بين القرآن وكونه في زُبُر الأوّلين؟! هذا هو سرّ مُحمّد! فيكون مِن ثَمّ أنّه نزل في زُبُر الأوّلين بلُغة أعجميّة يجهلوها، ثُمّ وصل إلى مُحمّد بواسطة علماء بني إسرائيل، فأنذر به مُحمّد بلسان عربيّ مبين.

فأصل القرآن مُنزّلٌ في زُبُر الأوّلين، وهذا يوحي بصلة القرآن بمصدره الكتابيّ زُبُر الأوّلين، أي صُحفهم وكتبهم.

وأيضاً فإنّ شهادة علماء أهل الكتاب بصحّة ما في القرآن، لم تكن إلاّ؛ لأنّهم كانوا شركاء هذا الوحي المولود؛ ذلك لأنّ الوحي التّنزيليّ أمر شخصيّ لا يعرفه غير صاحبه فحسب.

والآية ( وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى‏ إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهذَا كِتَابٌ مُصَدّقٌ لّسَاناً عَرَبِيّاً ) (٤) فيها صراحة بأنّه تتلمذ لدى كتاب موسى وجعله في قالب لسان العرب، الأمر الّذي يجعل من القرآن نُسخة عربيّة مُترجمة عن الكتاب الإمام.

( كِتَابٌ فُصّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ) (٥) التفصّيل هنا يعنى: النّقل من الأصل الأعجمي إلى العربي، فالقرآن موحى، والتفصّيل العربي للكتاب منزّل؛ لأنّ الأصل وحي منزّل... (٦) .

وعلى هذا الغِرار جرى كلّ من (تسدال) و (ماسيه) و(أندريه) و(لامنز) و(جولد تسيهر) و(نولديكه) (٧) إلى أنّ القرآن استفاد كثيراً مِن زُبُر الأوّلين، وحجّتهم في ذلك

____________________

(١) الأعلى ٨٧: ١٨ و ١٩.                            (٢) النجم ٥٣: ٣٦ - ٣٨.

(٣) الشعراء ٢٦: ١٩٦ و ١٩٧.                      (٤) الأحقاف ٤٦: ١٢.

(٥) فصّلت ٤١: ٣.

(٦) دروس قرآنيّة ليوسف درّة الحدّاد، ج ٢، ص ١٧٣ - ١٨٨ (القرآن والكتاب) بيئة القرآن الكتابيّة، فصل ١١ (هل للقرآن من مصادر؟) منشورات المكتبة البوليسيّة - لبنان ١٩٨٢م.

(٧) آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره لعمر رضوان، ج١، صفحات ٢٧٢ - ٢٩٠ و٣٣٥.

١٠

محضر التّشابه بين تعاليم القرآن وسائر الصّحف. فالقصص والحِكم في القرآن هي الّتي جاءت في كُتب اليهود، وكذا قضايا جاءت في الأناجيل وحتّى في تعاليم زرادشت والبرهميّة، في مثل حديث المعراج، ونعيم الآخرة والجحيم، والصراط والافتتاح بالبسملة، والصلوات الخمس وأمثالها مِن طُقُوس عباديّة وكذا مسألة شهادة كلّ نبيّ بالآتي بعده، كلّها مأخوذة من كتب سالفة كانت معهودة لدى العرب.

زعموا أنّ القرآن صورة تلموديّة، وصلت إلى نبيّ الإسلام عن طريق علماء اليهود، وسائر أهل الكتاب ممّن كانت لهم صلة قريبة بجزيرة العرب، فكان مُحمّد (صلّى الله عليه وآله) يلتقي بهم قبل أنْ يُعلن نُبوّته، ويأخذ منهم الكثير من أُصول الشّريعة.

يقول (وِل ديورانت): وجديرٌ بالذكر أنّ الشّريعة الإسلاميّة لها شَبه بشريعة اليهود... ثُمّ جَعل يسرد قضايا مشتركة بين القرآن والعَهدَينِ ويَعدّ منها مسألة التوحيد والنبوّة، والإيمان والإنابة، ويوم الحساب والجنّة والنّار، زاعماً أنّها من تأثير اليهوديّة على دين الإسلام. وكذا كلمة التّوحيد - لا إله إلاّ اللّه - مأخوذة من كلمة إسرائيليّة: أَلا فاسمع يا إسرائيل وحدك، والبسمَلَة مأخوذة أيضاً من تلمود، ولفظة (الرحمان) معرّبة من (رحمانا) العِبريّة... إلى غيرها من تعابير جاءت في الإسلام مُنحدرة عن أصل يهودي، الأمر الّذي جعل البعض يتصوّر أنّ مُحمّداً كان عارفاً بمصادر يهوديّة وكانت هي مستقاه في تأليف القرآن... (١)

شرائع إبراهيميّة منحدِرة عن أصل واحد

نحن المسلمون نعتقد في الشرائع الإلهيّة أجمع أنّها مُنحدِرة عن أصلٍ واحد، ومُنبعِثة من مَنهل عَذبٍ فارد، تهدف جميعاً إلى كلمة التّوحيد وتوحّيد الكلمة، والإخلاص في العمل الصّالح والتحلّي بمكارم الأخلاق، من غير اختلافٍ في الجذور ولا في الفروع المتصاعدة. ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا

____________________

(١) - تاريخ التّمدّن (قصّة الحضارة) الفارسيّة، لمؤلّفه ول ديورانت، مجلّد ٤، ص٢٣٦ - ٢٣٨، عصر الإيمان، الفصل التاسع وراجع قصّة الحضارة، ج١٣، ص ٢٢، فيه إلمامة إلى ذلك.

١١

وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ... ) (١) .

إذنْ، فالدِّين واحد والشّريعة واحدة، والأحكام والتكاليف تهدف إلى غرضٍ واحد وهو كمال الإنسان، ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ) (٢) ، يعني: أنّ الدِّين كلّه - من آدم فإلى الخاتم - هو الإسلام أي التسلّيم للّه والإخلاص في عبادته محضاً.

( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (٣) .

الإسلام هو الدّين الشّامل، فمَن حاد عنه فقد حاد عن الجادّة الوسطى، وضلّ الطريق في نهاية المسير، وهكذا تأدّب المسلمون بالإيمان بجميع الأنبياء من غير ما فارق: ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (٤) .

وهذا منطق القرآن يدعو إلى كلمة التّوحيد وتوحيد الكلمة وأنّ لا تفرقة بين الأديان مادام التّسليم للّه ربّ العالمين؛ وبذلك يكون الاهتداء والاتحاد، وفي غيره الضّلال والشّقاق، ( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ) (٥) .

وفي ذلك ردّ وتشنّيع بشأن اليهود والنصارى، أولئك الّذين يَدعُون إلى الحياد والانحياز ( وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا ) (٦) ، أي قالت اليهود كونوا منحازين على اليهوديّة لا غيرها حتى تهتدوا! وقالت النصارى كونوا حياداً على النّصرانيّة لا غيرها حتى تهتدوا!

والقرآن يردّ عليهم جميعاً، ويدعو إلى الالتفاف حول الحنيفيّة الإبراهيميّة: ( قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (٧) ، ( صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ) (٨) .

نعم، صِبغة اللّه شاملة وكافلة للإسعاد بالبشريّة جمعاء، الأمر الذي يعتنقه المسلمون أجمع، والحمد للّه.

____________________

(١) الشورى ٤٢: ١٣.                                  (٢) آل عمران ٣: ١٩.

(٣) آل عمران ٣: ٨٥.                                  (٤) البقرة ٢: ١٣٦.

(٥) البقرة ٢: ١٣٧.                                     (٦) البقرة ٢: ١٣٥.

(٧) البقرة ٢: ١٣٥.                                     (٨) البقرة ٢: ١٣٨.

١٢

وحدة المنشأ هو السّبب للتّوافق على المنهج

وبعد، فإنّ ائتلاف الأديان السماويّة واتّحاد كلمتها، لابدّ أنْ يكون عن سببٍ معقول، وهذا يحتمل أحد وجوهٍ ثلاثة:

١ - إمّا لوحدة المنشأ؛ حيثُ الجميع منبعث مِن أصلٍ واحد، فكان التّشابه في الفروع المتصاعدة طبيعيّاً.

٢ - أو لأنّ البعض مُتّخذٌ من البعض، فكان التّشاكل نتيجة ذاك التّبادل يداً بيد.

٣ - أو جاء التّماثل عن مصادفةٍ اتفاقيّة وليس عن علّةٍ حكيمة.

ولا شكّ أنّ الأخير مرفوض بعد مُضادّة الصّدفة مع الحِكمة السّاطية في عالم التدبّير.

بقي الوجهان الأوّلان، فلنتساءل القوم: ما بالهم تغافلوا عن الوجه الأَوّل الرّصين، وتواكبوا جميعاً على الوجه الهجين؟! إنّ هذا لشيءٌ مُريب!

هذا، والشّواهد متضافرة، تدعم الشقّة الأُولى لتهدم الأُخرى من أساس:

أوّلاً: صراحة القرآن نفسه بأنّه مُوحى إلى نبيّ الإسلام وحياً مباشريّاً، نزل عليه ليكون للعالمين نذيراً، فكيف الاستشهاد بالقرآن لإثبات خلافه؟! إنّ هذا إلاّ تناقضٌ في الفهم، واجتهاد في مقابلة النصّ الصريح!

ثانياً: معارف فخيمة قدّمها القرآن إلى البشريّة، بحثاً وراء فلسفة الوجود ومعرفة الإنسان ذاته، لم يَكد يدانيها أيّة فكرة عن الحياة كانت البشريّة قد وصل إليها لحدّ ذاك العهد، فكيف بالهزائل الممسوخة الّتي شُحنت بها كُتب العهدَينِ؟!

ثالثاً: تعاليم راقية عرضها القرآن لا تتجانس مع ضآلة الأساطير المـُسطَّرة في كتب العهدَينِ، وهل يكون ذاك الرفيع مستقىً من هذا الوضيع؟!

إلى غيرها من دلائل سوف يوافيك تفصّيلها.

١٣

القرآن يشهد بأنّه مُوحى

وأمّا إنْ كنّا نستنطق القرآن، فإنّه يشهد بكونه مُوحى إلى نبيّ الإسلام مُحمّد (صلّى اللّه عليه وآله)، كما أُوحي إلى النبيّين من قبله: ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً * رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً * لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً ) (١) .

( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) (٢) .

والآيات بهذا الشأن كثيرة ناطقة صريحاً بكون القرآن إلى نبيّ الإسلام وحياً مباشريّاً؛ لينذر قومه ومَن بلغ كافّة.

أمّا أنّه (صلّى اللّه عليه وآله) تلقّاه (التقطه) من كُتب السالفِينَ وتعلّمه من علماء بني إسرائيل فهذا شيءٌ غريب، يأباه نسج القرآن الحكيم.

القرآن في زُبُر الأوّلين

وأمّا ما تذرّع به صاحبنا الأسقف درّة، فملامح الوهن عليّه بادية بوضوح:

قوله تعالى: ( إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ) (٣) .

هذا إشارة إلى نصائح تقدّمت الآية ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) ، وذلك تأكيدٌ على أنّ ما جاء به مُحمّد (صلّى اللّه عليه وآله)، لم يكن بِدعاً ممّا جاء به سائر الرسل ( قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ ) (٤) ، فليس الّذي جاء به نبيّ الإسلام جديداً لا سابقة له في رسالات اللّه، الأمر الّذي يستدعيه طبيعة وحي السماء

____________________

(١) - النساء ٤: ١٦٣ - ١٦٦.

(٢) - الأنعام ٦: ١٩.

(٣) - الأعلى ٨٧: ١٨ و١٩.

(٤) - الأحقاف ٤٦: ٩.

١٤

العامّ وفي كلّ الأدوار، مِن آدم فإلى الخاتم، فإنّ شريعة اللّه واحدة، لا يختلف بعضها عن بعض، فالإشارة راجعة إلى محتويات الكتاب، توالى نزولها حسب توالي بعثة الأنبياء، فالنّصائح والإرشادات تكرّرت مع تكرّر الأجيال، هذا ما تعنيه الآية لا ما زعمه صاحبنا الأسقف!

وهكذا قوله تعالى: ( أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) (١) .

يعود الضمير إلى مَن وقف في وجه الدّعوة مُستهزِئاً، بأنْ سوف يتحمّل آثام الآخرين، إنْ لم يؤمنوا بهذا الحديث، فيردّ عليهم القرآن: ألم يبلغهم أنّ كلّ إنسان سوف يُكافىء حسب عمله، ولا تزرُ وازرةٌ وِزر أُخرى؟ فإنْ لم يَعيروا القرآن اهتماماً فليَعيروا اهتمامهم لما جاء في الصُحُف الأُولى، وَهلاّ بلغهم ذلك وقد شاع وذاع خبره منذ حين؟!، وهكذا سائر الآيات تَروم هذا المعنى لا غير!

( أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) (٢)

وآية أُخرى على صدق الدعوة المـُحمّديّة: أنّ الراسخين في العلم من أهل الكتاب، يشهدون بصدقها ممّا عرفوا من الحقّ:

( لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ (أي من أهل الكتاب) وَالْمُؤْمِنُونَ (أي من أهل الإسلام) يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِك ) (٣) .

( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) (٤) ، وهؤلاء هم القساوسة والرّهبان الّذين لا يستكبرون؛ ومِن ثَمَّ فهم خاضعون للحقّ أين وجدوه، وبالفعل فقد وجدوه في حظيرة الإسلام.

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ (أيّها الكافرون بالقرآن) وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ (ممّن آمن برسالة الإسلام) عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) (٥) .

____________________

(١) النجم ٥٣: ٣٦ و٣٧.

(٢) الشعراء ٢٦: ١٩٧.

(٣) النساء ٤: ١٦٢.

(٤) المائدة ٥: ٨٣.

(٥) الأحقاف ٤٦: ١٠.

١٥

الضمير في قوله (على مثله) يعود إلى القرآن، يعني: أنّ مِنْ علماء بني إسرائيل مَن يشهد بأنّ تعاليم القرآن تماماً مثل تعاليم التّوراة الّتي أنزلها اللّه على موسى؛ ولذا آمن به لِما قد لَمس فيه من الحقّ المتطابق مع شريعة اللّه في الغابرين.

وكثير من علماء أهل الكتاب آمنوا بصدق رسالة الإسلام فور بُلوغ الدعوة إليّهم؛ حيث وجدوا ضالّتهم المنشودة في القرآن فآمنوا به، فكانت شهادة عمليّة إلى جنب تصرّيحهم بذلك علناً على الملأ من بني إسرائيل.

وهذا هو معنى شهادة علماء بني إسرائيل بصدق الدعوة، حيث وجدوها متطابقة مع معايير الحقّ الّذي عندهم، لا ما حسبه صاحبنا الأسقف بعد أربعة عشر قَرناً أنّه مقتبسٌ من كتبهم ومُتلقّى من أفواههم هم!! الأمر الّذي لم يقله أولئك الأنجاب وقد أنصفوا الحقّ الصريح! ( وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ) (١) ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ ) (٢) .

وهذه المعرفة ناشئة عن لمس الحقيقة في الدعوة ذاتها، وِفقاً لمعايير وافتهم على أيدي الرُسل من قبلُ، وقد لمسها أمثال صاحبنا الأُسقف اليوم أيضاً ولكن ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ) (٣) كالذين من قبلهم ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) (٤) ممّن حاول إخفاء الحقيقة - قديماً وحديثاً - فضلّوا وأضلّوا وما كانوا مُهتدين.

مقارنة عابرة بين القرآن وكُتب سالفة مُحرّفة

معارف فخيمة امتاز بها الإسلام

والآن، فلنقارن - شيئاً - بين ما جاء في القرآن من معارف وتعاليم، كانت في قمّة الشّموخ والعَظمة، وبين ما ذكرته سائر الكُتب، أو بلغتها الفكرة البشريّة في قصورٍ بالغ، وليكون برهاناً قاطعاً على أنّ هذا الهزيل، لا يصلح لأنْ يكون مستنداً لذلك الفخيم!

____________________

(١) الأنعام ٦: ١١٤.

(٢) الأنعام ٦: ٢٠.

(٣) النمل ٢٧: ١٤.

(٤) البقرة ٢: ٨٩.

١٦

جلائل صفات اللّه في القرآن

جاء وصفه تعالى في القرآن ما يَفوق الفكر البشري آنذاك، بلْ ولولا القرآن لما تسنّى للبشريّة أنْ تبلغه على مدى الزمان. حيث أدقّ الوصف ما وصف الله نفسه في كلامه العزيز (القرآن الكريم وليس في غيره إطلاقاً).

جاء في سورة الحشر: ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (١) .

وفي سورة التوحيد: ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ * اللّهُ الصّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) (٢) .

وفي سورة الرعد: ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ) (٣) .

وفي سورة الشورى: ( فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (٤) .

وفي سورة البقرة: ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (٥) .

إلى غيرها مِن جلائل صفات زَخَر بها القرآن الكريم، واختلى عنها سائر الكتب، اللّهمّ إلاّ النَزر اليسير، فيا تُرى هل يصلح أنْ يكون هذا النَزر اليسير منشأ لذلك الجمّ الغفير؟!

وكلّ واحدة من هذه الصفات تنمّ عن حقيقة ملحوظة في الذات المقدّسة هي منشأ

____________________

(١) الحشر ٥٩: ٢٤ - ٢٢.

(٢) الإخلاص ١١٢.

(٣) الرعد ١٣: ٩.

(٤) الشورى ٤٢: ١١ و ١٢.

(٥) البقرة ٢: ٢٥٥.

١٧

لآثار وبركات فاضت بها سلسلة الوجود، وقد شرحها العلماء الأكابر مِلء موسوعات كبار.

وصْفُه تعالى كما في التوراة

وأدنى مراجعة لكُتب العهدَينِ تكفي للإشراف على مدى الوهن في وصفه تعالى، بما يجعله في مرتبة أخسّ مخلوق، ويتصرّف تصرّفات لا تليق بساحة قُدسه الرفيع.

تلك قصّة بدء الخليقة جاءت في سِفر التكوين مشوّهة شائنة: تجد الإله الخالق المتعالي هناك، إلهاً يخشى منافسة مخلوقٍ له، فيُدبّر له المكائد في خداعٍ فاضح.

جاء فيها: إنّ الرّبّ الإله لمـّا أسكن آدم وزوجه حوّاء في جنّة عدن، رخّص لهما الأكل من جميع شجر الجنّة، وأمّا شجرة معرفة الخير والشرّ فلا يأكُلا منها، وماكرهما في ذلك قائلاً: (لأنّك - خطاباً لآدم - يوم تأكل منها موتاً تموت) (١) .

وهي كِذبة حاول خداعهما بذلك؛ لئلاّ يُصبحا عارفَينِ كالإله ويُنافسا سلطانه، الأمر الّذي صادَقَهما فيه إبليس وقال لهما: (لن تموتا، بل الله عالم أنّه يوم تأكلان منه، تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشرّ)! (٢)

وحينما أكلا منها تبيّن صدق إبليس وكذب الإله - وحاشاه -، فانفتحت أعينهما وشَعرا بأنّهما عُريانان، فجعلا يَخيطان لأنفسهما مآزر من ورق التّين.

وفي هذا الأثناء جاء الإله يتمشّى بأرجله في الجنّة، إذ سمعا الصوت فاختبآ وراء شجرة؛ لئلاّ يُفتضح أمرهما، وناداهما الربّ: أين أنتما؟ فقال آدم: ها نحن هنا فخشيت لأنّي عريان فاختبأت!

فهنا عرف الربّ أنّهما أكلا من الشجرة، وأصبحا عارفين للخير والشرّ فقال: هو ذا الإنسان قد صار كواحد منّا، والآن لعلّه يمدّ يده، ويتناول من شجرة الحياة ويحيا إلى الأبد، فطردهما مِن الجنّة وأقام حرساً عليها لئلاّ يقربا منها.

____________________

(١) سِفر التكوين، إصحاح ٢ / ١٧.

(٢) المصدر: ٣ / ٤ و ٥.

١٨

هكذا إله التوراة يخشى منافسة مخلوق صنعه بيده، فيُماكر و يُخاتل كي يصرفه عنها، ويجهل ويكذِّب كِذبةً عارمةً، افتُضِحت لفورها على يد إبليس، منافسه الآخر! الأمر الذي يشفّ عن عجز وضَعف، مضافاً إلى الوهن في التّدبير والعياذ بالله!

* * *

هذا، والقرآن يعلّل المنع (من تناول الشّجرة) بشقاءٍ (عناء في الحياة) سوف ينتظرهما لو أكلا منها، منعاً إرشاديّاً لصالح أنفسهما: ( فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ) (١) ، أي تقع في مَشاقّ الحياة بعد هذا الرّغد في العيش الهنيء.

وإبليس هو الذي ماكَرَهما وكَذّب كِذبته الفاضحة: ( قَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلاّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ) (٢) .

فالّذي كذّب وافتضح هو إبليس، كما جاء في القرآن، على عكس ما جاء في التوراة!

وفارقٌ آخر: كان آدم وحوّاء متلبّسين بلباس يستر سوءاتهما، قبل أنْ يَغويهما الشيطان، لينزع عنهما لباسهما ويريهما سوءاتهما (٣) .

وهذا على عكس التّوراة (المـُصطنعة) تفرضهما عُريانَينِ من غير شُعور بالعَراء، حتّى إذا ذاقا الشجرة، فعند ذلك شعرا بالعَراء وحاولا التستّر بورق الجنّة.

فكان الله قد خلقهما عُريانين من غير أنْ يشعرا بالخجل والحياء كسائر الحيوان، فجاء إبليس ليخرجهما من العَمَه إلى العقل الرشيد!

وفارق ثالث: القرآن يُمجّد الإله برحمته الواسعة على العباد، وحتّى الذين أسرفوا على أنفسهم أنْ لا يقنطوا من رحمة الله ( إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (٤) .

وبالفعل فقد تاب الله على آدم واجتباه، مع ما فَرَط منه من النسيان ومخالفة وصيّة الله ( ثُمَّ

____________________

(١) طه ٢٠: ١١٧.

(٢) الأعراف ٧: ٢٠ - ٢٢.

(٣) إشارة إلى الآية ٢٧ من سورة الأعراف.

(٤) الزمر ٣٩: ٥٣.

١٩

اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ) ، (١) ووعده الرّحمة المتواصلة، والعناية الشاملة طول حياته، وحياة ذراريه في الأرض ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٢) .

وهذا يُعطي امتداد بركات الله على أهل الأرض أبداً، على خلاف ما ذكرته التوراة بامتداد سخطه تعالى على آدم، وجَعْل الأرض ملعونة عليّه، وعلى زوجه وذراريهما عِبر الحياة أبداً (ملعونةٌ الأرض بسببك) (٣) .

نعم كان الإله - حسب وصف القرآن - غفوراً ودوداً رؤوفاً بعباده، وحسب وصف التوراة: حقوداً عنوداً شديد الانتقام!

فأين ذاك التوافق المزعوم، ليجعل مصطنعات اليهود أصلاً تفرّع منه القرآن؟!

الله يصول ويجول ضدّ بني آدم

ومسرحاً آخر تُرينا التوراة كيف حشّد الإله الربّ، جموعه لمكافحة بني آدم: فرّق شملهم وبلبل ألسنتهم، فلا يجتمعوا ولا يَتوازروا، ولا يتعارف بعضهم إلى بعض، ولا يتعاونوا في حياتهم الاجتماعيّة... لماذا؟؛ لأنّه كان - وحاشاه - يخاف سَطوتهم فيثوروا ضدّ مطامع الإله!!

جاء في سِفر التّكوين: كان بنو الإنسان على لسانٍ واحد متفرّقين على وجه الأرض، فحاولوا التجمّع وبناء مدينة في أرض شنعار - بين دجلة والفرات من أرض العراق - (٤) فنزل الربّ لينظر بناء المدينة والبرج - برج بابل - ولكن هابه ذلك وخاف سطوتهم، فعَمد إلى تدمّير المدينة وتفرّيق الألسن، فلا يستطيع أحدهم أن يجتمع مع الآخر ليتفاوض معه، فبدّدهم الربّ من هناك على وجه الأرض ومنعهم من البنيان (٥) .

____________________

(١) طه ٢٠: ١٢٢.

(٢) البقرة ٢: ٣٨.

(٣) سِفر التكوين، إصحاح ٣ / ١٧.

(٤) عرفت باسم بابل عاصمة الكلدانيّين ممّا يلي الحلّة الفيحاء.

(٥) سِفر التكوين، إصحاح ١١.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

(سهل بن أحمد)(١) ، عن محمّد بن محمّد الأشعث، عن موسى بن اسماعيل بن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ)(٢) ، رغم أنف رجل أدرك أبويه عند الكبر، فلم يدخلاه الجنّة، رغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان، ثمّ انسلخ قبل أن يغفر له ».

[ ٨٧٠٤ ] ٢ - السيد فضل الله في نوادره: عن علي بن الحسن الورّاق، عن أبي محمّد، عن اسحاق بن عيسى، عن الحسين بن علي، عن اسماعيل بن سعيد، عن يزيد بن هارون، عن المسعودي، يقول: من قرأ أول ليلة من شهر رمضان( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ) (١) حفظ إلى مثلها من قابل.

[ ٨٧٠٥ ] ٣ - وعن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن عبد الرحمان، عن أبي بكر بن محمّد، عن محمّد بن عمرو بن مذعورة، عن ابي هريرة، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « من صلى في شهر رمضان، في كلّ ليلة ركعتين، يقرأ في كلّ ركعة بفاتحة الكتاب مرّة، وقل هو الله أحد ثلاث مرات، إن شاء صلاهما في أوّل الليل، وإن شاء في آخر

____________________________

(١) في جامع الأحاديث: محمّد بن عبدالله، وفي البحار كما في المتن وكلاهما من مشايخ مؤلف جامع الأحاديث.

(٢) ليس في جامع الأحاديث.

٢ - نوادر الراوندي: النسخة المطبوعة خالية من هذا الحديث، عنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٥٠ ح ١٩.

(١) الفتح ٤٨: ١.

٣ - نوادر الراوندي: النسخة المطبوعة خالية من هذا الحديث، عنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٤٦ ح ١١.

٤٨١

الليل، والذي بعثني بالحق نبيّا، إنّ الله عزّوجلّ يبعث بكلّ ركعة مائة الف ملك، يكتبون له الحسنات، ويمحون عنه السيئات، ويرفعون له الدرجات، واعطاه ثواب من أعتق سبعين رقبة ».

[ ٨٧٠٦ ] ٤ - البحار، عن اعلام الدين للديلمي: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأ في شهر رجب وشعبان وشهر رمضان، كلّ يوم وليلة: فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ بربّ الناس، وقل أعوذ بربّ الفلق، ثلاث مرّات، ويقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، ثلاث مرّات، ثمّ يصلّي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثلاث مرات، ثمّ يقول: اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وعلى كلّ ملك ونبي، ثلاث مرّات، ثمّ يقول: اللّهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات، ثلاث مرّات، ثمّ يقول: أستغفر الله وأتوب إليه، أربعمائة مرة، ثمّ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي نفسي بيده، من قرأ هذه السّور، وفعل ذلك كلّه في الشهور الثلاثة ولياليها، لا يفوتها شئ، لو كانت ذنوبه عدد قطر المطر، وورق الشّجر، وزبد البحر، غفرها الله له، وأنّه ينادي مناد يوم الفطر، يا عبدي أنت ولييّ حقّا حقّا، ولك عندي بكلّ حرف قرأته، شفاعة في الإخوان والأخوات، بكرامتك عليّ، ثمّ قال: والذي بعثني بالحقّ نبيّا، إنّ من قرأ هذه السّور، وفعل ذلك في هذه الشّهور الثّلاثة ولياليها، ولو في عمره مرّة واحدة، اعطاه الله بكلّ حرف سبعين الف حسنة، كلّ حسنة عند الله أثقل من جبال الدّنيا، ويقضي الله له سبعمائة حاجة

____________________________

٤ - البحار ج ٩٦ ص ٣٨١ ح ٧ عن اعلام الدين ص ١١٣.

٤٨٢

عند نزعه، وسبعمائة حاجة في القبر، وسبعمائة حاجة عند خروجه من قبره، ومثل ذلك عند تطاير الصّحف، ومثله عند الميزان، ومثله عند الصراط، ويظلّه تحت ظلّ عرشه، ويحاسبه حسابا يسيرا، ويشيّعه سبعون الف ملك إلى الجنّة، ويقول الله تعالى: خذها لك في هذه الأشهر(١) ، ويذهب به إلى الجنّة، وقد أعدّ له ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ».

[ ٨٧٠٧ ] ٥ - الكافي: عن محمّد بن عيسى، بإسناده عن الصالحينعليهم‌السلام ، قال: تكرّر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، هذا الدّعاء ساجدا وقائما، [ وقاعداً ](١) وعلى كلّ حال، وفي الشهر كلّه، وكيف أمكنك، ومتى حضرك من دهرك، تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى، والصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللّهمّ كن لوليّك فلان بن فلان، هذه الساعة، وفي كلّ ساعة، وليّا، وحافظا، وناصرا، ودليلا، وقائدا، وعينا، حتّى تسكنه أرضك طوعا، وتمتّعه فيها طويلا ».

ورواه الكفعمي في مصباحه: مثله، باختلاف يسير(٢) .

[ ٨٧٠٨ ] ٦ - القطب الراوندي في لبّ اللباب: وأمّا ما رواه العامة، عن جعفر، عن آبائه، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنّ من صلى ليلة سبع وعشرين، ركعتين يقرأ في كلّ ركعة: فاتحة الكتاب، وإنّا أنزلناه مرة، وقل هو الله أحد خمسا وعشرين مرة، فإذا سلّم استغفر مائة

____________________________

(١) في نسخة: هذا الشهر.

٥ - الكافي ج ٤ ص ١٦٢ ح ٤.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) مصباح الكفعمي ص ٥٨٦.

٦ - لب اللباب: مخطوط.

٤٨٣

مرّة، وصلى على النبي وآله مائة مرة، فقد أدرك ليلة القدر »، فإنّ هذه الرواية، لا تنافي ما صحّ من أنّ ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين، لأنّ هذه الرواية تختصّ بمن فاته ليلة ثلاث وعشرين، فأدرك ليلة سبع وعشرين.

[ ٨٧٠٩ ] ٧ - وفيه: روي أنّ الملائكة إذا ما سلّموا ليلته على المنتبهين الذّاكرين، ثمّ يرجعون إلى السماء، يأمرهم الله تعالى بالانصراف إلى الأرض، حتّى يسلّموا على النائمين من المؤمنين، على كلّ واحد سبعين سلاما.

[ ٨٧١٠ ] ٨ - وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « أتدرون لم سمّي شعبان شعبان؟ لأنّه يتشعب منه خير كثير لرمضان، وإنّما سمّي رمضان رمضان، لأنّه ترمض فيه الذنوب - أي تحرق - وقال: إنّ لله في كلّ يوم جمعة، ستمائة الف عتيق من النار، كلهم قد استوجبوها، وفي كلّ ساعة من ليل أو نهار من شهر رمضان، الف عتيق من النار، كلّهم قد استوجبوها، وله يوم الفطر مثل ما أعتق في الشهر والجمعة ».

[ ٨٧١١ ] ٩ - الصدوق في الأمالي، وفضائل الأشهر الثلاثة: عن صالح بن عيسى العجلي، عن محمّد بن علي بن علي، عن محمّد بن الصلت، عن محمّد بن بكير، عن عباد المهلبي، عن سعد بن عبدالله، عن هلال بن عبدالله(١) ، عن علي بن زيد بن جدعان(٢) ، عن

____________________________

٧، ٨ - لب اللباب: مخطوط.

٩ - أمالي الصدوق ص ١٩١ ح ١، فضائل الاشهر الثلاثة ص ١١٢.

(١) في الأمالي: عبد الرحمن.

(٢) في الطبعة الحجرية: يعلى بن زيد بن جذعان، والصواب أثبتناه من المصدر « راجع تهذيب التهذيب ج ٨ ص ٣٢٢ ».

٤٨٤

سعيد بن المسيّب، عن عبد الرحمان بن سمرة، قال: كنّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: « رأيت البارحة عجائب » فقلنا يا رسول الله، وما رأيت؟ حدّثنا [ به ](٣) فداك أنفسنا وأهلونا وأولادنا. فقال:

« رأيت رجلاً من أُمتي، قد أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه برّه بوالديه فمنعه منه - إلى أن قال - ورأيت رجلاً من أُمّتي يلهث عطشا، كلّما ورد حوضا منع منه، فجاءه صيام شهر رمضان فسقاه وأرواه ».

[ ٨٧١٢ ] ١٠ - وفي الأمالي: عن علي بن أحمد الدقاق، عن محمّد بن جعفر الأسدي، عن سهل بن زياد، عن عبد العظيم بن عبدالله الحسني، عن أبي محمّد الحسن العسكريعليه‌السلام ، قال: « قال موسىعليه‌السلام : إلهي فما جزاء من صام شهر رمضان لك محتسبا؟ قال: يا موسى، اقيمه يوم القيامة مقاما لا يخاف فيه، قال: إلهي، فما جزاء من صام شهر رمضان يريد به الناس؟ قال: يا موسى ثوابه كثواب من لم يصمه ».

____________________________

(٣) أثبتناه من المصدرين.

١٠ - أمالي الصدوق ص ١٧٤.

٤٨٥

٤٨٦

أبواب بقيّة الصوم الواجب

١ -( باب حصر أنواع ما يجب منه)

[ ٨٧١٣ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « واعلم أنّ الصوم على أربعين وجها: فعشرة (منها واجب)(١) ، كوجوب شهر رمضان، وعشرة أوجه منها صيامهنّ حرام، وأربعة عشر وجها منها، صاحبها فيها بالخيار، إن شاء صام، وإن شاء أفطر، وصوم الإذن على ثلاثة أوجه، وصوم التّأديب، ومنها صوم الإباحة، وصوم السفر والمريض، وأمّا صوم الواجب: فصوم شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين - يعني لمن افطر يوماً من شهر رمضان عمدا متعمّدا - وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ، لمن لم يجد العتق واجب، من قول الله:( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ) (٢) وصيام شهرين في كفّارة الظهار، (لمن لم يجد العتق، واجب من)(٣) قول(٤) الله:( فَمَن لَّمْ يَجِدْ

____________________________

أبواب بقية الصوم الواجب

الباب - ١

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

(١) في المصدر: واجبة فيها.

(٢) النساء ٤: ٩٢.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) في المصدر: وقال.

٤٨٧

فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ) (٥) أو صيام(٦) ثلاثة أيام في كفّارة اليمين، واجب لمن لم يجد الإطعام، قال الله تعالى:( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ) (٧) كلّ ذلك متتابع ليس بمفترق، وصيام من كان به أذى من رأسه، واجب قال الله تبارك وتعالى:( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٨) فصاحب هذه بالخيار، فإن شاء صام ثلاثة أيّام، وصوم دم المتعة واجب، لمن لم يجد الهدي، قال الله تبارك وتعالى:( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ) (٩) وصوم جزاء الصيد واجب، قال الله تبارك وتعالى:( أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا ) (١٠) وأروي عن العالم أنّه قال: أتدرون كيف يكون عدل ذلك صياما؟ فقيل له: لا، فقال: يقوّم الصّيد قيمة، ثمّ يشتري بتلك القيمة البرّ، ثمّ يكال ذلك البرّ أصواعا، فيصوم لكلّ نصف صاع يوما، وصوم النّذر واجب، وصوم الاعتكاف واجب ».

ورواه الصدوق في الهداية(١١) : عن الزهري، أنّه قال: دخلت على علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فقال لي: « يا زهري من أين جئت؟ » فقلت: من المسجد، فقال: « فيم كنتم؟ » قلت: تذاكرنا أمر الصوم، فاجتمع رأيي ورأي أصحابي، على أنّه ليس شئ من الصوم بواجب، إلّا صوم شهر رمضان، فقال: « يا زهري ليس

____________________________

(٥) المجادلة ٥٨: ٤.

(٦) في المصدر: وصيام.

(٧) المائدة ٥: ٨٩.

(٨، ٩) البقرة ٢: ١٩٦.

(١٠) المائدة ٥: ٩٥.

(١١) الهداية ص ٤٨.

٤٨٨

كما قلتم، إنّ الصوم على أربعين وجها » الخ.

وفي المقنع: اعلم أنّ الصوم على أربعين وجها وساق مثله(١٢) .

٢ -( باب أنّ من وجب عليه صوم شهرين متتابعين، فافطر لعذر بنى، ولغير عذر استأنف، إلّا أن يصوم شهرا ومن الثّاني ولو يوماً فيبني)

[ ٨٧١٤ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « متى وجب على الإنسان صوم شهرين متتابعين، فصام شهرا وصام من الشهر الثاني أياما، ثمّ أفطر، فعليه أن يبني عليه ولا بأس، وإن صام شهرا أو أقلّ منه، ولم يصم من الشهر الثاني شيئا، عليه أن يعيد صومه، إلّا أن يكون قد أفطر لمرض، فله أن يبني على ما صام، لأنّ الله حبسه ».

[ ٨٧١٥ ] ٢ - كتاب عاصم بن حميد الحنّاط: عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام ، عن رجل جعل عليه صوم شهرين متتابعين، فصام شهرا ثمّ مرض، هل يعيده؟ قال: « نعم، أمر الله حبسه ».

[ ٨٧١٦ ] ٣ - وعن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام ، عن المرأة يجب عليها صوم شهرين متتابعين، قال: « تصوم، فما حاضت فهو يجزيها ».

____________________________

(١٢) المقنع ص ٥٥.

الباب - ٢

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٦. ٢،

٣ - كتاب عاصم بن حميد الحنّاط ص ٣٢.

٤٨٩

٣ -( باب وجوب صوم النّذر)

[ ٨٧١٧ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وصوم النّذر واجب ».

[ ٨٧١٨ ] ٢ - فرات بن ابراهيم الكوفي، بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام ، قال: « مرض الحسن والحسينعليهما‌السلام ، مرضا شديدا، فعادهما سيّد ولد آدم، محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعادهما أبو بكر وعمر، فقال عمر لعليّعليه‌السلام : يا أبا الحسن، إن نذرت لله نذرا واجبا، فإنّ كلّ نذر لا يكون لله فليس فيه وفاء، فقال عليعليه‌السلام : إن عافى الله ولديّ ممـّا بهما، صمت لله ثلاثة أيّام متواليات، وقالت فاطمةعليها‌السلام ، مثل مقالة عليعليه‌السلام » الخبر، وله طرق كثيرة.

[ ٨٧١٩ ] ٣ - الصدوق في الهداية: عن علي بن الحسينعليهما‌السلام ، أنّه قال للزّهري: « وصوم النّذر واجب » الخبر.

[ ٨٧٢٠ ] ٤ - وفي المقنع: فإن نذر أن يصوم يوماً معروفا أو شهراً معروفا، فعليه أن يصوم ذلك اليوم و(١) ذلك الشهر، فإن لم يصمه أو صامه فأفطر، عليه(٢) الكفّارة.

____________________________

الباب - ٣

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

٢ - تفسير فرات الكوفي ص ١٩٦.

٣ - الهداية ص ٤٩.

٤ - المقنع ص ١٣٨.

(١) في المصدر: أو.

(٢) وفيه: فعليه.

٤٩٠

٤ -( باب وجوب صوم كفّارة النّذر وقضائه، وقدر الكفّارة)

[ ٨٧٢١ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « فإن أفطر (يوم صوم)(١) النّذر، فعليه الكفّارة شهرين متتابعين، وقد روي أنّ عليه كفّارة يمين ».

[ ٨٧٢٢ ] ٢ - الصدوق في المقنع: فإن نذر رجل أن يصوم يوما، فوقع ذلك اليوم على أهله، فعليه أن يصوم يوماً بدل يوم، ويعتق رقبة مؤمنة.

٥ -( باب وجوب كفّارة مخيّرة بقتل الخطأ، وكفّارة الجمع بقتل العمد، وأنّ القاتل في الأشهر الحرم، يصوم شهرين منها، وحكم دخول العيد وأيّام التّشريق)

[ ٨٧٢٣ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « كفّارة القتل، عتق رقبة، أو صوم شهرين متتابعين، إذا لم يجد ما يعتق، أو إطعام ستّين مسكينا، إن لم يستطع الصّوم ».

[ ٨٧٢٤ ] ٢ - احمد بن محمّد بن عيسى في نوادره: عن فضالة بن أيّوب، والقاسم بن محمّد، عن ابان بن عثمان، عن زرارة والحسين بن سعيد، عن أحمد بن عبدالله، عن أبان، عن زرارة، قال: سمعت

____________________________

الباب - ٤

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٦.

(١) في الطبعة الحجرية (يوما صومه) وما أثبتناه من المصدر.

٢ - المقنع ص ١٣٨.

الباب - ٥

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٤١٣ ح ١٤٤٣.

٢ - نوادر أحمد بن عيسى ص ٦١.

٤٩١

أبا جعفرعليه‌السلام يقول: « إذا قتل الرّجل في شهر حرام، صام شهرين متتابعين من أشهر الحرم »، فتبسّمت وقلت له: يدخل ها هنا شئ، قال: « أدخلني(١) »، قلت: العيد والأضحى وأيّام التّشريق، قال: « هذا حقّ لزمه فليصمه » قال أحمد بن عبدالله في حديثه: ليعتق أو يصوم.

٦ -( باب وجوب التّتابع: في صوم كفّارة اليمين، والظّهار، والقتل، والإفطار، وبدل الهدي، وأحكام كفّارات الحجّ)

[ ٨٧٢٥ ] ١ - دعائم الإسلام: عن علي، ومحمّد بن علي بن الحسين، وجعفر بن محمّدعليهم‌السلام ، أنّهم قالوا: « صيام كفّارة اليمين، ثلاثة أيّام متتابعات، لا يفرّق(١) بينها ».

[ ٨٧٢٦ ] ٢ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال: « صيام الظّهار، شهران متتابعان، كما قال الله عزّوجلّ ».

[ ٨٧٢٧ ] ٣ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن علي بن جعفر، عن أخيه(١) موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، قال: سألته عن صوم

____________________________

(١) في نسخة: أدخله، منه قدّه.

الباب - ٦

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ١٠٣.

(١) في الطبعة الحجرية: لا فرق، وما أثبتناه من المصدر.

٢ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٢٧٩.

٣ - تفسير العيّاشي ج ١ ص ٩٣ ح ٢٤١.

(١) في الطبعة الحجرية « عمّن أخبره، عن »، وما أثبتناه من المصدر هو الصواب « راجع معجم رجال الحديث ج ١١ ص ٢٨٥ ورجال النجاشي ص ١٧٦ وغيرهما ».

٤٩٢

الثلاثة أيّام في الحجّ والسّبعة، ايصومها متوالية أم يفرّق بينها؟ قال: « يصوم الثّلاثة لا يفرّق بينها، (والسبعة لا يفرق بينها)(٢) ، ولا يجمع الثلاثة والسبعة(٣) ».

[ ٨٧٢٨ ] ٤ - وعن الزهري، عن علي بن الحسينعليهما‌السلام ، قال: « صيام شهرين متتابعين من قتل خطأ، لمن لم يجد العتق واجب، قال الله تعالى:( وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً ) (١) » الآية.

الصدوق في الهداية(٢) والمقنع(٣) : عنهعليه‌السلام ، مثله.

فقه الرضا(٤) عليه‌السلام : مثله.

٧ -( باب أنّ من نذر أن يصوم حتّى يقوم القائمعليه‌السلام ، لزمه ووجب عليه صوم ما عدا الأيّام المحرّمة)

[ ٨٧٢٩ ] ١ - محمّد بن ابراهيم النّعماني في كتاب الغيبة: حدّثنا محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن

____________________________

(٢) ما بين القوسين ليس في المصدر.

(٣) وفيه زيادة: جميعاً.

٤ - تفسير العيّاشي ج ١ ص ٢٦٦ ح ٢٣١.

(١) النساء ٤: ٩٢.

(٢) الهداية ص ٤٩.

(٣) المقنع ص ٥٦.

(٤) فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

الباب - ٧

١ - الغيبة ص ٩٤ ح ٢٦.

٤٩٣

شمّون، عن عبدالله بن عبد الرحمان الأصمّ، عن كرام، قال: حلفت فيما بيني وبين نفسي، ان لا آكل طعاما بنهار، حتّى يقوم قائم آل محمّدعليهم‌السلام ، فدخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام ، فقلت له: رجل من شيعتك جعل لله عليه أن لا يأكل طعاما(١) أبدا، حتّى يقوم قائم آل محمّدعليهم‌السلام ، فقال: « صم يا كرام، ولا تصم العيدين، ولا ثلاثة أيّام التّشريق، ولا إذا كنت مسافرا » الحديث.

٨ -( باب أنّ من نذر أن يصوم حينا، وجب عليه صوم ستة أشهر، ومن نذر أن يصوم زمانا، وجب عليه صوم خمسة أشهر)

[ ٨٧٣٠ ] ١ - العيّاشي في تفسيره: عن اسماعيل بن زياد السكوني، عن جعفر بن محمّد(١) عليهما‌السلام ، أنّ علياعليه‌السلام ، قال في رجل نذر أن يصوم زمانا، قال: « الزّمان خمسة أشهر، والحين ستّة أشهر، لأن الله يقول:( تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ) (٢) ».

[ ٨٧٣١ ] ٢ - الجعفريات: اخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد،(١) عن عليعليهم‌السلام ، أنّه قال فيمن نذر أن يصوم زمانا، قال: « الزّمان خمسة أشهر ».

____________________________

(١) في المصدر زيادة: بنهار.

الباب - ٨

١ - تفسير العيّاشي ج ٢ ص ٢٢٤.

(١) في المصدر زيادة: عن أبيه.

(٢) ابراهيم ١٤: ٢٥.

٢ - الجعفريات ص ٦٢.

(١) في المصدر زيادة: عن أبيه.

٤٩٤

٩ -( باب أنّ من نذر صوما معيّنا فعجز، وجب عليه أن يتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام)

[ ٨٧٣٢ ] ١ - الصدوق في المقنع: فإن نذر رجل أن يصوم كلّ سبت، أو احد، أو سائر الأيام، فليس له أن يتركه إلّا من علّة، وليس عليه صومه في سفر ولا مرض، إلّا أن يكون نوى ذلك، فإن أفطر من غير علّة، تصدّق مكان كلّ يوم على عشرة مساكين.

١٠ -( باب أنّ من نذر صوم أيّام معيّنة في الشهر، فاتّفق في السّفر، لم يجب صومها ولا قضاؤها، وأنّه لا يجب التتّابع في صوم النّذر، إلّا مع الشّرط فيه)

[ ٨٧٣٣ ] ١ - الصدوق في المقنع: فإن نذر أن يصوم يوماً بعينه ما دام حيا، فوافق ذلك اليوم عيد فطر، أو أضحى، أو ايّام التّشريق، أو سافر، أو مرض، فقد وضع الله عنه الصّيام في هذه الأيام كلّها، ويصوم يوماً بدل يوم.

____________________________

الباب - ٩

١ - المقنع ص ١٣٧.

الباب - ١٠

١ - المقنع ص ١٣٧.

٤٩٥

٤٩٦

أبواب الصوم المندوب

١ -( باب استحباب صوم كلّ يوم، عدا الأيام المحرّمة)

[ ٨٧٣٤ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا ابي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وكّل الله تعالى ملائكة بالدعاء للصّائمين ».

[ ٨٧٣٥ ] ٢ - وبهذا الإسناد قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نوم الصّائم عبادة، ونفسه تسبيح ».

[ ٨٧٣٦ ] ٣ - وبهذا الإسناد قال: « قيل يا رسول الله: ما الّذي يباعد الشّيطان منّا؟ قال: الصوم لله يسوّد وجهه، والصّدقة تكسر ظهره، والحبّ في الله عزّوجلّ، والمواظبة على العمل، تقطع دابره(١) ،

____________________________

أبواب الصوم المندوب

الباب - ١

١، ٢ - الجعفريات ص ٥٨.

٣ - الجعفريات ص ٥٨.

(١) دابر الشئ: آخره (لسان العرب - دبر - ج ٤ ص ٢٧٠) وقوله تعالى:( فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) أي أهلك آخر من بقي منهم (مجمع البحرين ج ٣ ص ٢٩٧).

٤٩٧

والاستغفار يقطع وتينه(٢) ».

[ ٨٧٣٧ ] ٤ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال: « ثلاثة من روح الله: التّهجّد في الليل بالصلاة، ولقاء الإخوان، والصوم ».

[ ٨٧٣٨ ] ٥ - وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « لكلّ شئ زكاة، وزكاة الأبدان الصيام ».

[ ٨٧٣٩ ] ٦ - وعن عليعليه‌السلام ، أنّه قال: « سبع من سوابق الإيمان، فتمسكوا بهنّ: شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وحبّ أهل بيت نبيّ الله حقّا (حقّا)(١) ، من قبل القلوب لا الزّحم بالمناكب، ومفارقة القلوب، والجهاد في سبيل الله، والصيام في الهواجر، وإسباغ الوضوء في السبرات(٢) ، والمحافظة على الصلوات، وحج(٣) بيت الله الحرام ».

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « نوم الصائم عبادة، ونفسه تسبيح ».

[ ٨٧٤٠ ] ٧ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « يقول الله عزّ

____________________________

(٢) الوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه (لسان العرب - وتن - ج ١٣ ص ٤٤١). ٤،

٥ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٩.

٦ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٩.

(١) ليس في المصدر.

(٢) السَّبَرات: جمع سبرة، وهي شدّة البرد (مجمع البحرين ج ٣ ص ٣٢٢).

(٣) في المصدر: والحجّ إلى.

٧ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٧٠.

٤٩٨

وجلّ: الصوم لي وأنا أُجزي به، وللصّائم فرحتان. فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربّه، والذي نفس محمّد بيده، لخلوف فم الصّائم، أطيب عند الله من ريح المسك ».

[ ٨٧٤١ ] ٨ - أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي في كتاب التّحصين: نقلاً عن الشيخ ابي محمّد جعفر بن أحمد بن علي القمّي، في كتابه المنبئ عن زهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: حدّثنا أحمد بن علي بن بلال، قال: حدّثنا عبد الرحمان بن حمدان قال: حدّثنا الحسن بن محمّد، حدّثنا ابو الحسن بشر بن أبي بشر البصري، قال: أخبرني الوليد بن عبد الواحد، قال: حدّثنا حنّان البصري، عن اسحاق بن نوح، عن محمّد بن علي، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قال: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأقبل على أُسامة بن زيد، فقال: « يا أُسامة، عليك بطريق الحقّ، وإيّاك وأن تختلج دونه، بزهرة رغبات الدّنيا، وغضارة نعيمها، وبائد(١) سرورها، وزائل عيشها » فقال اسامة: يا رسول الله، ما أيسر ما ينقطع به ذلك الطّريق؟ قال: « السّهر الدّائم، والظمأ في الهواجر(٢) ، وكفّ النفس عن الشهوات، وترك اتّباع الهوى، واجتناب أبناء الدّنيا، يا أُسامة، عليك بالصوم فإنّه قربة إلى الله، وليس شئ أطيب عند الله من ريح فم صائم، ترك الطّعام والشّراب لله ربّ العالمين، وآثر الله على ما سواه، وابتاع آخرته بدنياه، فإن استطعت أن يأتيك الموت، وانت

____________________________

٨ - التحصين ص ٨.

(١) البائد: المنقطع، وبادَ الشئ: انقطع وذهب (لسان العرب ج ٣ ص ٩٧).

(٢) الهاجرة: نصف النهار عند اشتداد الحرّ والجمع هواجر. (مجمع البحرين - هجر - ج ٣ ص ٥١٦).

٤٩٩

جائع وكبدك ظمآن فافعل، فإنّك تنال بذلك اشرف المنازل، وتحلّ مع الأبرار والشهداء والصّالحين » الخبر.

[ ٨٧٤٢ ] ٩ - مصباح الشّريعة: قال الصادقعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الصّوم جنّة - أي ستر - من آفات الدّنيا، وحجاب من عذاب الآخرة - إلى ان قال - وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : [ قال الله تعالى: ](١) الصوم لي وأنا أُجزي به، فالصوم يميت مراد(٢) النّفس، وشهوة الطّبع الحيواني، وفيه صفاء(٣) القلب، وطهارة الجوارح، وعمارة الظّاهر والباطن، والشكر على النّعم، والإحسان إلى الفقراء، وزيادة التّضرع والخشوع والبكاء، وحبل الالتجاء إلى الله، وسبب انكسار الشهوة(٤) ، وتخفيف السّيئات، وتضعيف الحسنات، وفيه من الفوائد ما لا يحصى، وكفى بما ذكرناه منه، لمن عقله، ووفق لاستعماله ».

[ ٨٧٤٣ ] ١٠ - الحسن بن أبي الحسن الديلمي في إرشاد القلوب: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال في ليلة المعراج: « يا ربّ ما أوّل العبادة؟ قال: أوّل العبادة الصّمت والصوم، قال: يا ربّ وما ميراث الصوم؟ قال: يورث الحكمة، والحكمة تورث المعرفة، والمعرفة تورث اليقين، فإذا استيقن العبد، لا يبالي كيف أصبح، بعسر أم بيسر، وإذا كان العبد في حالة الموت،

____________________________

٩ - مصباح الشريعة ص ١٣٣.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) في المصدر: هوى.

(٣) وفيه: حياة.

(٤) في الطبعة الحجرية (الهمة) وما أثبتناه من المصدر.

١٠ - إرشاد القلوب ص ٢٠٣.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578