شبهات وردود حول القرآن الكريم

شبهات وردود حول القرآن الكريم10%

شبهات وردود حول القرآن الكريم مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 578

شبهات وردود حول القرآن الكريم
  • البداية
  • السابق
  • 578 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 297415 / تحميل: 13674
الحجم الحجم الحجم
شبهات وردود حول القرآن الكريم

شبهات وردود حول القرآن الكريم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

[6]

قول رسول الله (ص):

(أول من يدخل الجنة: شهيد، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده،

ورجل عفيف متعفف (1) ذو عبادة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام في ذيل الحديث 8. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 20.

كما رواه الشيخ المفيد في أماليه: 99، المجلس 12، الحديث الاول، ووراه العلامة المجلسي في البحار 69: 393، عن صحيفة الرضا عليه السلام ومجالس المفيد وفي 71: 272 و 72: 126، ذيل الحديث السابق (5) عن العيون وفي 74: 144.

والعلامة النوري في مستدرك الوسائل 15: 489 الحديث 5، عن العيون.

ورواه العامة:

الزمخشري في ربيع الابرار 3: 9 بلفظ: (وعبد أحسن).

فقه الحديث:

الاوائل ممن يدخل الجنة - حسب ما ورد في هذا الحديث - ثلاثة فالشهيد - وهو من يقتل في سبيل الله - قد صرح القرآن بدخوله الجنة في آيات وعدد ما لهم من النعيم في بعضها، حيث قال:

( الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء ) (2) .

__________________

(1) في هامش النسخة: (أي متكلف على العفة).

(2) النساء 4 / 69.

٨١

( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبييل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) (1) .

والثاني: العبد المخلص في طاعة ربه، والذي يمحض سيده النصيحة ويعمل بما يرضاه.

والثالث: هو الفقير الذى لا يظهر فقره، وقد مدحه الله تعالى في كتابه العزيز بقوله: ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لا يسألون الناس إلحافا ) (2) وليست العفة وحدها تسبب دخوله الجنة، بل لابد من أن يكون عابدا لله تعالى.

وملاحظة الحديث بصورة عامة تكشف عن أن المحور الاساسي في دخول الجنة هو عبادة الله سبحانه، أما الاخيران فقد صرح فيهما بلزوم العبادة، وأما الاول، فلان الشهيد لا يكون مفتخرا بوسام الشهادة إلا إذا كان في قتله في سبيل الله وطاعته، فتكون الطاعة والعبادة هي السبب في إدخاله الجنة فما هي العبادة؟

ورد في الحديث عن عيسى بن عبد الله قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك ما العبادة؟ قال: (حسن النية بالطاعة من الوجوه التي يطاع الله منها...) (3) .

وفي حديث المعراج: (يا أحمد هل تدري متى يكون العبد عابدا؟ قال لا يا رب، قال إذا اجتمع فيه سبع خصال، ورع يحجزه عن المحارم، وصمت يكفه عما لا يعنيه، وخوف يزداد كل يوم من بكائه، وحياء يستحي مني في الخلاء وأكل ما لابد منه، ويبغض الدنيا لبغضي لها، ويحب الاخيار لحبي إياهم) (4) .

__________________

(1) آل عمران 3 / 169، والبقرة 2 / 154.

(2) البقرة 2 / 273.

(3) الكافي 2: 83.

(4) البحار 77: 30.

٨٢

[7]

قول رسول الله (ص)

أول من يدخل النار: أمير مسلط (1) لم يعدل، وذو ثروة من المال لم يعط المال حقه (2)

وفقير فخور (3) .

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام في ذيل حديث 8 أيضا، ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الحديث 20، وعنه العلامة المجلسي في البحار 69: 393، الحديث 75، عن صحيفة الرضا عليه السلام و 73: 126، الحديث 8، ذيل الحديثين السابقين (5 و 6)، عن العيون، و 73: 290، الحديث 10 و 75: 341 و 96: 13، الحديث 22، عن العيون.

ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 7: 34، الحديث الاول عن كتاب دعائم الاسلام 1: 247.

ورواه من العامة:

الديلمي في الفردوس، الحديث 32 و 33، عن علي، وفيه: (أول من يدخل النار سلطان مسلط لم يعدل). (أول من يدخل النار سلطان جائر وذو إثرة).

فقه الحديث:

الامارة والسلطة على الناس هي من الامور التي لا يحسد عليها الامير

__________________

(1) في هامش صحيفة الرضا، عن بعض النسخ: (إمام متسلط). وفي البحار 69: 393 و 73: 290 و 75: 341: (إمام متسلط).

(2) في الصحيفة: (لم يقض حقه). وفي الهامش، عن بعض النسخ: (لم يعط من المال حقه).

(3) في المستدرك: (ومفتر فاجر). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ، (فقير فجور).

٨٣

فإنها مسؤولية كبيرة تلقى على عاتق الامير المسلط، من تطبيق العدل، ورفع الظلم والاحسان إلى الاخرين. وهذا مما لا يمكن لكل إنسان مسلط إجرائه بحذافيره إلا من عصم الله، خصوصا مع ما يتمتع به من أنانية وجهل وغرور وحرص.

فأي إمير لا يهتم بشؤون المجتمع الذي يحكمه، فإنه يكون أول من يرد النار حسب هذا الحديث الشريف، ومن يدخل النار مقترنا بورود هذا الامير ذو الثروة الذى لم يعط حق المال، من الزكاة والخمس والحقوق اللازمة للثروات.

وأما الفقير الفخور، فإن السر في دخوله النار هو الفخر لا الفقر، وقد ورد الذم في القرآن الكريم لمن كان مختالا فخورا فقال سبحانه، ( إن الله لا يحب كل مختال فخور ) (1) . وفي الحديث: لا حمق أعظم من الفخر، والافتخار من صغر الاقدار. وإن أول من هوى بالفخر هو إبليس. وفي البحار عن أمير المومنين علي عليه السلام: (ما لابن آدم والفخر، أوله نطفة، وآخره جيفة، لا يرزق نفسه، ولا يدفع حتفه) (2) . وإن كان ولابد من الافتخار فليكن الفخر بما ورد في الدعاء والمناجاة مع الله: (إلهي كفى بي عزا أن أكون لك عبدا، وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا).

وفي غرر الحكم عن علي عليه السلام: (ينبغي إن يكون التفاخر بعلى الهمم، والوفاء بالذمم، والمبالغة في الكرم، لا ببوالي الرمم، ورذائل الشيم) (3) .

وفي كتاب الحسين بن سعيد، عن أبي جعفر عليه السلام: (قال: أصل المرء دينه، وحسبه خلقه، وكرمه تقواه، وإن الناس من آدم شرع سواء).

__________________

(1) لقمان: 31 / 18.

(2) البحار 73: 294 و 78.

(3) ميزان الحكمة 7: 419.

٨٤

[8]

قول رسول الله (ص):

(لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن (1) ما حافظ على الصلوات (2) الخمس (3)

فإذا ضيعهن (4) تجرأ (5) عليه (6) وأوقعه (7) [في] (8) العظائم).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 9. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 21، كما رواه في الامالي: 391، الباب 73، الحديث 9، وثواب الاعمال: 274، الحديث 3. ورواه الشيخ الكليني في الكافي 3: 269، الباب 168، الحديث 8. والشيخ الطوسي في التهذيب 2: 236، الحديث 933.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 82: 227، الحديث 54، عن المعتبر، وفي 83: 11، الحديث 12، و 83: 13، الحديث 22، عن العيون وصحيفة

__________________

(1) في البحار 82: 227، عن المعتبر: (من أمر المؤمن). وفي هامش صحيفة الرضا عليه السلام عن بعض النسخ: (من المؤمنين ما حافظوا).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (الصلاة). وفي الوسائل: (مواقيت الصلوات).

(3) في الوسائل زيادة: (لوقتهن).

(4) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ضيعوها).

(5) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (يجرأ). وعن بعضها: (يجرؤ)، وفي المعتبر: (اجترأ عليه). وهنا ينهى الحديث في المعتبر.

(6) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (عليهم).

(7) في الوسائل 3: 18 و 81: (فأدخله في).

(8) من البحار 83: 14، والوسائل 3: 18 و 281 وصحيفة الرضا عليه السلام.

٨٥

الرضا عليه السلام.

ورواه العلامة النوري في المستدرك 3: 30، الحديث 11، عن المحقق في المعتبر، مع اختلاف.

ورواه الحر العاملي في الوسائل 3: 18 الباب 7 من ابواب أعداد الفرائض الحديث 2. بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله (ص): (لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهن، فإذا ضيعهن تجرأ عليه فأدخله في العظائم). كما رواه في 3: 81، بإسناده عن محمد بن ماجيلويه، عن عمه محمد بن علي السكوني، عن ابن فضال، عن سعيد بن غزوان، عن اسماعيل ابن ابي زياد، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله (ص): (لا يزال الشيطان هائبا لابن آدم، ذعرا منه، ما صلى الخمس لوقتهن، فإذا ضيعهن اجترأ عليه فأدخله في العظائم).

قال المحدث العاملي: ورواه البرقي في المحاسن، عن محمد بن علي عن ابن فضال، مثله (1) .

ورواه المحدث العاملي في الوسائل 4: 1016، كتاب الصلاة، الباب الاول من أبواب التعقيب، الحديث 14، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 19061، عن أبي نعيم. ورواه أبو بكر محمد بن الحسين النجار، في أماليه. والرافعي، عن علي بن أبي طالب عليه السلام في التدوين. ورواه الديلمي في الفردوس، الحديث 7591، عن علي عليه السلام.

__________________

(1) انظر المحاسن 1: 82، الحديث 12.

٨٦

[9]

قول رسول الله (ص):

(من أدى (1) فريضة (2)

فله عند الله دعوة مستجابة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 10، ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28 الباب 31، الحديث 22. ورواه الشيخ المفيد في أماليه: 118، الباب 14، الحديث الاول. والشيخ الطوسي في أماليه 2: 608، الباب 26.

ورد معناه في الكافي 3: 498، الباب 27، الحديث 8. والفقيه 2: 62 الباب 112، الحديث 1710.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 82: 207، الحديث 13 عن العيون 2: 28 و 85: 321، الحديث 7: عن العيون 2: 28، الحديث 22 وصحيفة الرضا عليه السلام: 10 وأمالي الطوسي 2: 210 وأمالي المفيد 76 وفي البحار 93: 344، الحديث 8، عن أمالي المفيد: 76.

ورواه المحدث العاملي في الوسائل 4: 1016، كتاب الصلاة، الباب الاول من أبواب التعقيب، الحديث 11، عن جماعة، عن أبي المفضل، عن عبد الله ابن احمد بن عامر الطائي، عن أبيه، عن الرضا عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: (قال رسول الله (ص)...).

__________________

(1) في الوسائل: (من صلى).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فريضته).

٨٧

وروى في الحديث 12، عن أبي عبد الله عليه السلام: (ما من مؤمن يؤدي فريضة من فرائض الله إلا كان له عند أدائها دعوة مستجابة).

كما رواه في الوسائل 4: 1016، الحديث 11، عن الامالي. وفي 4: 1015 الحديث 10، عن أمالي ابن الشيخ 1: 295، بإسناده عن الهادي، عن آبائه عليهم السلام وفي 4: 1116، الحديث 10، عن الامالي.

ورواه قطب الدين الراوندي في الدعوات: 27، الحديث 47 وعنه البحار 86: 218، الحديث 34 و 93: 347، الحديث 14، والمستدرك 1، 355 الحديث 8.

وروى نحوه البرقي في المحاسن 1: 50، الحديث 72. وعنه الوسائل 4: 1016، الحديث 12. والبحار 8: 322، الحديث 10.

وأورده الطبرسي في مشكاة الانوار: 112. وابن فهد الحلي في عدة الداعي: 58، وعنه الوسائل 4: 1015، الحديث 9.

والشيخ ورام بن أبي فراس في تنبيه الخواطر 2: 76 و 168.

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 19040، عن الديلمي، عن علي عليه السلام.

والشوكاني في الفوائد المجموعة للشوكاني: 28.

ورواه الديلمي في الفردوس عن سلمان الفارسي، الحديث 5921، وفيه زيادة: (في شهر رمضان).

وابن حجر في لسان الميزان 2: 417.

والطبراني في الكبير بلفظ: (من صلى فريضة فله دعوة مستجابة، ومن ختم القرآن فله دعوة مستجابة).

٨٨

[10]

قول رسول الله (ص):

(العلم خزائن، ومفتاحه (1) السؤال، فاسألوا يرحمكم الله، فإنه يؤجر فيه أربعة:

السائل، والمعلم، والمستمع (2) والمحب لهم (3) ).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 11. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 23. وفي الخصال: 245 الباب 4، الحديث 101، عن ابن المغيرة، بإسناده، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، مع اختلاف ذكرناه في الهامش.

ورواه الكراجكي في كنز الفوائد، 239. والعلامة المجلسي في البحار 1: 196 و 197، الحديث 3، عن صحيفة الرضا عليه السلام. وكنز الفوائد، باختلاف يسير ذكرناه في الهامش. وكذا في 10: 368، الحديث 12.

ورواه البحراني في العوالم 3: 217، الحديث الاول، عن الكنز. وفي الصفخة 219، الحديث 5، عن الخصال. وأورد صدره في منية المريد، 71، عن الصادق عليه السلام، عنه البحار 1: 198، الحديث 7، والعوالم 3: 219، الحديث 7.

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام وكنز العمال: (ومفتاحها) وفي هامش الصحيفة عن (ن): (ومفاتيحه). وعن بعض النسخ: (ومفتاحه). وفي البحار: (ومفاتحه). وفي الخصال: (والمفاتيح).

(2) في كنز العمال: (والمستمع والسامع)

(3) في صحيفة الرضا عليه السلام: (والمحب له). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (والمجيب له).

٨٩

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 28662. عن علي عليه السلام. والزبيدي في إتحاف السادة المتقين 1: 99. والعراقي في المغني عن حمل الاسفار 1: 10. وأبو نعيم في حلية الاولياء 3: 192. والخطابي في إصلاح خطأ المحدثين 2: 85. والسيوطي في الدرر المنتثرة في الاحاديث المشتهرة: 115. والديلمي في الفردوس، الحديث 4192. والرافعي في التدوين 3: 3. وابن حجر في لسان الميزان 2: 417.

فقه الحديث:

من خصوصيات الدين الاسلامي والمذهب الشيعي هو الحث على العلم والتعليم، وهذا الحديث يبين طريقة الاستفادة من العلماء، وهو اقتراح فريد وهام لا يقف على أهميته إلا من واجه الامر بصورة جدية.

فالعالم - وهو الذى أتعب نفسه في تحصيل العلم مثل في الحديث بالكنز والخزينة المحتوية على أنواع التحفيات والذخائر، لا يمكن أن تثار محتوياته كلها - قد يتحير هو عند ما يطلب منه الافادة في نقطة الانطلاق، والموضوع الضروري الذي ينبغي طرحه في هذا المجلس الخاص، أو بالنسبة إلى هذا المستمع بالخصوص.

وقد يكون ما يطرحه من مواضيع لا تفيد السامعين فائدة تامة لبعدها عن واقع حياتهم وحاجتهم الفعلية.

أما لو كان المتعلم هو البادئ بالسؤال والمفترح لموضوع البحث، فإن الفائدة المتوخاة تكون قطعية.

وربما كانت هناك نقاط يستفيدها المسؤول من نفس السائل، فيطرح الجواب بصورة تكون أنفع بحال السائل مما لو كان طرحه ابتداء ومن دون سؤال مسبق.

٩٠

[11]

قول رسول الله (ص):

لا تزال امتي بخير ما تحابوا (1) ، وأدوا الامانة، وأجتنبوا الحرام (2) ، وقروا الضيف (3)

[وأقاموا الصلاة] (4) وآتوا (5) الزكاة، فإذا (6) لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين (7) .

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 12. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 9، الحديث 25. وثواب الاعمال: 300 الحديث الاول. ورواه الشيخ الطوسي في أماليه 2: 260. والسبزواري في جامع الاخبار، الحديث 1052.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 69: 394، الحديث 76. و 405 الحديث 110. و 71: 206 الحديث 11. و 73: 352، الحديث 52. و 74: 392، الحديث 10. و 75: 115، الحديث 7. و 75: 460 الحديث 14. و 82: 207، الحديث 14. و 96: 14، الحديث 23، عن عيون أخبار الرضا عليه السلام،

__________________

(1) في العيون، والبحار: 71 و 73 و 74، والوسائل، زيادة: (وتهادوا).

(2) لم ترد عبارة: (وأدوا الامانة واجتنبوا الحرام) في البحار 69: 405.

(3) في صحيفة الرضا: (واقرؤوا). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (وقروا). وفي بعض النسخ: (ووقروا). وعن بعضها: (وقرؤوا) - من القرى -.

(4) الزيادة من صحيفة الرضا عليه السلام، الحديث 12، والبحار 69: 394 و 71: 206 و 73: 352 و 74: 392 و 75: 460. والمستدرك 16: 258. والوسائل.

(5) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (وأدوا).

(6) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فإن).

(7) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (بالسنين والقحط). وفي البحار 69: 405: (بالسنين والجدب).

٩١

وصحيفة الرضا عليه السلام، وأمالي الطوسي، وجامع الاخبار، مع اختلاف في بعض الموارد. ورواه العلامة النوري في المستدرك 16: 258، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

كما روى معناه المحدث العاملي في الوسائل 11: 202. و 16: 557.

ورواه من العامة:

ابن خزيمة في صحيحه: 339 وابن عبد البر في التمهيد 8: 91. والبخاري في التأريخ الكبير 7: 34.

فقه الحديث:

يؤكد النبي (ص) في هذا الحديث على ستة أشياء، هي اسس سعادة المجتمع وأولها المحبة، فالحب هو أساس الثقة والسبب في التعاون والتآلف بين أفراد المجتمع. وقد ذكر الرسول الاعظم بعض ما يورث المحبة في حديث أورده العلامة المجلسي في البحار (70: 15) فقال (ص): (إرغب فيما عند الله عز وجل يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس).

وروي: (البشر الحسن وطلاقة الوجه مكسبة للمحبة، وقربة من الله) (1) .

وعن الصادق عليه السلام، (ثلاثة تورث المحبة: الدين والتواضع والبذل) (2) .

وأما الخصال الاخرى من أداء الامانة، وإجتناب الحرام، وأضافة الضيوف، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، فأثارها الاجتماعية واضحة.

وكون ترك هذه الامور موجبة للقحط والجدب، يستفاد من قوله تعالى: ( ولو أن أهل القرى آمنوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) (الاعراف: 7 / 96).

__________________

(1) تحف العقول: 217.

(2) البحار 78: 229.

٩٢

[12]

قول رسول الله (ص):

(ليس منا من غش (1) مسلما (2) أو ضره (3) أو ما كره (4) ).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 13. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29، الباب 21 (في ما جاء عن الرضا عليه السلام من الاخبار المجموعة) الحديث 26.

ورواه العلامة المجلسي قدس سره في البحار 10: 367، الحديث 4. وفي 75: 285، الحديث 5، عن العيون. ورواه العلامة الحر العاملي في الوسائل 12: 211، الحديث 12 عن العيون. ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 9: 82، الحديث 9. وفي 13: 201، الحديث 1، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

ورواه الفقيه الايلاقي في جامع الاحاديث بالرقم 379.

هذا وروى معناه في الكافي 5: 160. ومن لا يحضره الفقيه 3: 273 وأمالي الصدوق: 223. وعيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 50. وثواب الاعمال 2: 320. وسلسلة الابريز: 84.

ورواه من العامة:

السيوطي في الجامع الصغير 2: الحديث 7688. وروى معناه الطبراني

__________________

(1) في هامش النسخة: (أي خان).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (مؤمنا).

(3) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (أو غره).

(4) المماكرة: من المكر وهو الخداع.

٩٣

في الكبير: 10234، والصغير 1: 161. وأبو نعيم في حلية الاولياء 4: 188 - 189. والترمذي: 1315. والحاكم في المستدرك 2: 9. وابن ماجه في سننه: 224 و 225. والهيثمي في مجمع الزوائد 4: 78 و 79 و 8: 16. والسنن الصغير للبيهقي 2: 1938. ومسلم في صحيحه: 101 و 102. وابن حبان: 556 و 1107. والخطيب في تأريخه 3: 178. والمتقي في كنز العمال 4: 9503، 9506 و 9975.

فقه الحديث:

النصيحة للمسلمين فريضة لازمة لحفظ العدالة الاجتماعية، وبسط الاعتماد بين أفراد المجتمع، وعند نقشي الغش والاضرار والمكر فإنه يوجب الحقد والعداء والتفرقة بين أفراد المجتمع، فإن الحقيقة لا تبقى خافية إلى الابد، وبمجرد أن تنكشف يتولد البغضاء والتصدي للمقابلة بالمثل والانتقام.. إلى غير ذلك.

وفي حديث: (الغش شيمة المردة، ومن أخلاق اللئام، ومن علامات الشقاء) (1) .

وأما الاضرار بالغير والمكر، فهي كالغش في إيجاد التفرقة والفساد. وقد ورد النهي عن الضرر والضرار في ضمن أحاديث كثيرة، وكتب فيها العلماء رسائل متعددة، وقيل في معنى الضر: أن ينقص الرجل أخاه شيئا من حقه، وفي المكر، إن أصله الخداع (2) .

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: ((لولا أني سمعت رسول الله (ص) يقول: إن المكر والخديعة في النار، لكنت أمكر العرب) (3) .

__________________

(1) ميزان الحكمة 7: 220.

(2) راجع النهاية: لابن الاثير، مادة: (ضرر) و (مكر).

(3) البحار 41: 109.

٩٤

[13]

قول رسول الله (ص):

(قال الله تعالى: يابن آدم، لا يغرنك (1) ذنب الناس عن ذنبك (2)

ولا نعمة الناس عن (3) نعمة الله تعالى عليك

ولا تقنط الناس (4) من رحمة الله (5) وأنت ترجوها لنفسك).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 15، ورواه الشيخ الصدوق رحمه الله في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29، الحديث 27. وأورده العلامة المجلسي في البحار 70: 388، الحديث 55. و 71: 45، الحديث 50. و 73: 359، الحديث 81. وأورده الطبرسي في مشكاة الانوار: 72، عن الباقر، عن النبي (ص) والشيخ ورام في تنبيه الخواطر 2: 77، عن علي، عن النبي (ص).

ورواه من العامة:

الزمخشري في ربيع الابرار 4: 316. وابن عراق في تنزيه الشريعة 2: 344.

__________________

(1) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (لا يغرك).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ذنب نفسك).

(3) في البحار 70: 388: (من).

(4) في هامش الصحيفة: (لم ترد (من نعمة الله عليك، ولا تقنط الناس) في بعض النسخ).

(5) في صحيفة الرضا عليه السلام زيادة: (تعالى عليهم). وفي البحار زيادة: (تعالى). وفي هامش الصحيفة: (لم ترد (عليهم) في العيون والبحار) وعن بعض النسخ: (عليك).

٩٥

[14]

قول رسول الله (ص):

(ثلاثة (1) أخافهن على امتي (2) :

الضلالة بعد المعرفة، ومضلات الفتن، وشهوة (3) البطن والفرج).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 17. وروى هذا الحديث الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29: الباب 31، الحديث 28 والمواعظ: 104، الباب 9، الحديث 1. ومن لا يحضره الفقيه 4: 407، الباب 175، الحديث 5881. ورواه الشيخ المفيد في أماليه: 111، المجلس 13. الحديث الاول. والشيخ الكليني في الكافي 2: 79، الباب 38، الحديث 6. والشيخ الطوسي في أماليه 1: 158، الباب 6، الحديث 15. والعلامة المجلسي في البحار 10: 368، الحديث 15. و 22: 451، الحديث 7، عن العيون، وعن أمالي الشيخ: 97 و 98. وفي البحار 71: 273، الحديث 19، عن المحاسن 1: 295 الحديث 462. ورواه المحدث العاملي في الوسائل 11: 198، كتاب الجهاد الباب 22 من أبواب جهاد النفس، الحديث 5. والعلامة النوري في المستدرك 11: 276، الباب 22 من أبواب جهاد النفس، الحديث 11، عن أمالى المفيد.

ورواه من العامة:

التبريزي في مشكاة المصابيح، الحديث 3712. والمتقي الهندي في كنز العمال،

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام، والبحار: (ثلاث).

(2) في صحيفة الرضا عليه السلام والبحار وكنز العمال زيادة: (من بعدي).

(3) في كنز العمال: (وشهوات).

٩٦

الحديث 43864، عن الديلمي، عن أنس.

فقه الحديث:

الحديث الشريف يبين أمورا هي أعظم الاخطار التي تهدد كيان الامة ويعرف المسلمين ذلك للاجتناب عنها والحذر منها. أولها: الضلالة بعد المعرفة، فإن الهداية الالهية بإرشاد الناس إلى الدين القويم والتمسك بشريعة سيد المرسلين مهدد بميل النفس إلى الضلال والغواية، والشيطان بالمرصاد لكل مؤمن متقي ليلقيه في أحضان الكفر والضلال. فلابد للانسان المسلم من الحذر عن الوقوع في الضلالة بالاستزادة من نور المعرفة، وارتياد مجالس العلم، وطلب الحكمة أينما كانت ليكون على أتم استعداد لمواجهة قوى الكفر والضلال.

وأما الفتن، وهي ثاني الامور التي تهدد كيان المسلم إذا لم يتأهب لها بالتسلح بالعلم والعقيدة الصحيحة. والفتنة لابد منها، فبها يمتاز الصادق في إيمانه عن المتظاهر، والمؤمن عن الكافر، والمستقيم على الهدى عن غيره، قال سبحانه: ( الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) (العنكبوت: 29 / 1).

فالفتنة بالنسبة إلى المؤمن المتقي الثابت تكون كالكير ينفي خبث الحديد وهو تمحيص، وأما بالنسبة إلى من لم يأخذ من الايمان بالحظ الا وفى فقد توجب له الانزلاق والتردي في الضلال والارتداد بعد الهدى، فلا بد قبل أوان الامتحان من الاستزادة بالعلم والمعرفة وتقوية جذور الايمان في القلب، حتى لا يكون الممتحن فيها من الفئة الاخيرة.

وأما شهوة البطن والفرج، فهما من أعظم الفتن التي ابتلي بها الانسان في الدنيا، وهما مصدر كل شر لو لم يتوقى الانسان من شرهما بتهيئة ما يغنيهما من الحلال.

٩٧

[15]

قول رسول الله (ص)

(أتاني ملك فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك (1) السلام، ويقول (2) :

إن شئت جعلت لك بطحاء مكة (3) ذهبا. قال: فرفعت رأسي إلى السماء وقلت (4) :

يا رب (5) أشبع يوما فأحمدك، وأجوع يوما فأسألك).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 76. وروى هذا الحديث الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 30، الباب 31، الحديث 36، كما رواه الشيخ المفيد في أماليه: 124، المجلس 15، الحديث الاول. والسبزواري في جامع الاخبار: 126. والحسين بن سعيد في كتاب الزهد: 52، الحديث 139. وعنه البحار 16: 283، الحديث 130. ومشكاة الانوار: 294. ورواه العلامة المجلسي في البحار 16: 220، الحديث 12، عن العيون، وصحيفة الرضا عليه السلام. وفي 72: 164، الحديث 13، عن العيون.

ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 12: 52 الباب 63 من

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام وكنز العمال: (يقرأ عليك). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (يقرأك).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ويقول لك).

(3) بطحاء مكة، ويقال لها الابطح أيضا، وهو البطح: مسيل واسع فيه رمل ودقاق الحصى.

(4) كذا في أمالي المفيد، وفي الاصل: (فأرفع رأسه إلى السماء فقال). وفي المصادر الاخرى: (فرفع رأسه إلى السماء فقال). وفي البحار (16: 220): (فرفع رأسه إلى السماء وقال). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فرفعت رأسي إلى السماء فقلت).

(5) في كنز العمال: (لا يا رب).

٩٨

أبواب جهاد النفس، الحديث 3، عن كتاب عاصم بن حميد الحناط: 37. وفيه: (جاء إلى رسول الله ملك فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، وهو يقول لك: إن شئت جعلت لك بطحاء مكة رضراض (1) ذهب. قال: فرفع رأسه... الحديث).

ورواه من العامة:

أحمد بن حنبل في المسند 4: 30. والمتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 18616، عن الحسن، عن أمير المؤمنين عليه السلام. والسيوطي في الدر المنثور 5: 338، ورواه الجزري في جامع الاصول 10: 137، ذيل الحديث 7614.

والترمذي في سننه برقم 2348، بلفظ، (عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا...).

فقه الحديث:

النبي (ص) اسوة كل مسلم في كل شئ، وقد اختار الله له أن يكون أعرف الناس بالحقائق، فمن هناك عزف عن المال والذهب وما يتعلق بالدنيا، وانتخب الزهد، ليكون دائم الاتصال بربه، إذا جاع سأله، وأذا شبع شكره.

وهذا تعليم لاتباعه على سلوك نفس الطريق وعدم التكالب على الدنيا، لانه موجب للاعراض عن الاخرة، والغفلة عن الرب تعالى. وقد قال الله تعالى: ( إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى ) (2) ، فالغني موجب للطغيان إلا من عصم الله.

__________________

(1) الرضراض: الحصى أو صغارها، والارض المرضوضة بالحجارة. والمراد دقاق الذهب، أي ما رض منه.

(2) العلق: 96 / 6.

٩٩

[16]

قول رسول الله (ص):

(عليكم بحسن الخلق، فإن حسن الخلق في الجنة [لا محالة] (1) ،

وإياكم وسوء الخلق فإن سوء الخلق (2) في النار لا محالة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 86. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 31، الباب 31، الحديث 41، وعنهما البحار 71: 386، الحديث 31. ورواه الطبرسي في مجمع البيان 5: 333، وعنه البحار 71: 383. ورواه العلامة المجلسي في البحار 10: 369، الحديث 19. والمحدث العاملي في الوسائل 8: 506 الباب 104 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 17 و 11: 324، الباب 69 من أبواب جهاد النفس، الحديث 7.

وورد مرسلا في روضة الواعظين: 441، ومشكاة الانوار: 223.

ورواه من العامة:

الحاكم في المستدرك 1: 23. والديلمي في مسند الفردوس، الحديث 4033، عن علي عليه السلام.

فقه الحديث:

الخلق الحسن مفتاح السعادة والفلاح، ليس في الدنيا فقط، بل هو مفتاح الجنة أيضا.

فصاحب الخلق الحسن كثير الاصدقاء والاعوان والاحبة، وإن كان

__________________

(1) من صحيفة الرضا عليه السلام والمصادر الناقلة لهذا الحديث.

(2) في هامش النسخة: (أي صاحب سوء الخلق).

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

وقد عرفت أنّ سِحرَهم كانت شَعْوذة والأُخْذة بالعين لا غير، فقد ( سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ ) (١) وكانت ( حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ) (٢) ، فقد كان مجرّد تلبيس وتَمويه في الأمر وأَروهم ما كان الواقع خلافه.

وإذا كان هذا (مجرّد التخييل والتمويه) سِحراً عظيماً - والسّحر ما لطُف ودقّ مأخذه - فكيف بغير العظيم الذي هو أخفّ وزناً وأردأ شأناً؟ هذا ما يرسمه لنا القرآن من واقع السحر، وأنّه يخالف تماماً ما كانت العرب تعتقده بشأن السحر وتأثيره في قلب الواقع، فكيف يا ترى مَزعومة مَن زعم أنّ القرآن وافق العرب في عقيدتها أو جاملهم وتماشى معهم في أمرٍ باطل؟!

قال سيّد قطب: وحسبنا أنْ يقرّر القرآن أنّه سحر عظيم، لندرك أيّ سحرٍ كان، وحسبنا أن نعلم أنّهم سحروا أعين الناس وأثاروا الرهبة في قلوبهم (واسترهبوهم) لنتصوّر أيّ سحرٍ كان، ولفظ (استرهب) ذاته لفظ مصوِّر، فهم استجاشوا إحساس الرهبة في الناس وقسروهم عليه قسراً.

ثُمّ حسبنا أنْ نعلم من النصّ القرآني - في سورة طه - أنّ موسى (عليه السلام) قد أوجس في نفسه خيفةً لنتصوّر حقيقة ما كان، ولكن مفاجأة أخرى تُطالع فرعون ومَلأه، وتُطالع السَحَرة الكَهَنة، وتُطالع جماهير الناس في الساحة الكبرى التي شَهِدت ذلك السحر العظيم: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ ) (٣) .

إنّه الباطل ينتفش، ويَسحر العيون، ويَسترهِب القلوب، ويُخيّل إلى الكثير أنّه غالب، وأنّه جارف، وأنّه مُحيق! وما هو إلاّ أنْ يواجه الهادئ الواثقَ، حتّى ينفثئ كالفُقّاعة، ويَنكمش كالقنفذ، وينطفئ كشُعلة الهشيم! وإذا الحقّ راجح الوزن، ثابت القواعد، عميق الجذور، والتعبير القرآني هنا يُلقي هذه الظِلال، وهو يُصوّر الحقّ واقعاً ذا ثقل (فوقع الحقّ)... وثبت، واستقرّ... وذهب ما عداه فلم يَعد له وجود: (وبطل ما كانوا يعملون).

____________________

(١) الأعراف ٧: ١١٦.

(٢) طه ٢٠: ٦٦.

(٣) الأعراف ٧: ١١٧ - ١١٩.

٢٢١

وغُلب الباطل والمـُبطلون وذلّوا وصغروا وانكمشوا بعد الزهو الذي كان يُبهر العيون: ( فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ ) (١) .

قال: فالسحر لا يُغيّر من طبيعة الأشياء، ولا يُنشئ حقيقةً جديدةً لها، ولكنّه يُخيّل للحواسّ والمشاعر بما يريده الساحر، وهذا هو [ واقع ] السحر كما صوّره القرآن الكريم في قصّة موسى (عليه السلام) فلم تنقلب حبالُهم وعصيّهم حيّات فعلاً، ولكن خُيّل إلى الناس أنّها تسعى، وهذه هي طبيعة السحر كما ينبغي لنا أن نُسلّم بها، وهو بهذه الطبيعة يُؤثّر في الناس، ويُنشئ لهم مشاعر وِفق إيحائه، مشاعر تُخيفهم وتُؤذيهم وتُوجّههم الوِجهة التي يُريدها الساحر.

قال: وعند هذا الحدّ نقف في فهم طبيعة السحر والنفث في العُقد، وهي شرّ يُستعاذ منه بالله ويُلجأ إلى حماه (٢) .

سَحَرة بابل

كان المـُجتمع البابلي - على عهد الكلدانيّين - مُجتمعاً فاسداً شاعت فيه الفحشاء والمـُنكرات وراج الفساد والإفساد في الأرض، وكان من أساليب إفسادهم ارتكاب الحِيَل الماكرة والدسائس الخادعة لإيجاد البغضاء والشحناء بين الناس، وبثّ روح سوء الظنّ بين المؤتلفَينِ، بين المرء وزوجه، بين الوالد وَوَلَده، بين الأخوَين، بين الشريكين في صنعةٍ أو تجارة، وذلك عن طريق الوساوس والدسائس والخُدع والنيرنجات، وكان السبب يعود إلى هيمنة الحسد على الناس حينذاك، بما جعلهم يُبغض بعضهم بعضاً ويعمل بعضهم ضدّ البعض في أساليب وحِيَل خدّاعة كلّ يوم في شكل من أشكالها، ويتعاون بعضهم مع بعض في تخطيط هذه الأساليب وتنويعها ( يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ) (٣) ، وإلى ذلك تُشير سورة الناس: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ

____________________

(١) في ظِلال القرآن، المجلّد ٣، ص ٦٠٤، ج ٩، ص ٣٨.

(٢) المصدر: المجلّد ٨، ص ٧٠٩، ج ٣٠، ص ٢٩١.

(٣) الأنعام ٦: ١١٢.

٢٢٢

الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ ) ، الخَنس: العمل في خَفاء وعن وحشة الافتضاح، ومِن ثَمّ إذا أحسّ بالفضح خَنَس أي انقبض وتخفّى بسرعة، فكان الخنّاس هو الذي يعمل في خُبثٍ ولؤم وعن وحشةٍ خشية الافتضاح، فهو يعمل في خُبثٍِ معه ضَعف وجُبن وَوَهن في مَقدرته الماكرة.

فأنزل الله الملكَين هاروت وماروت ببابل يُنبّهان الناس على إفشاء تلك الأساليب الماكرة ويُعلّمانِهم طُرق التخلّص منها والنقض من أثرها، غير أنّ بعض الخُبثاء كانوا يَتعلّمون ما يضرّهم دون ما ينفعهم، ليُفرّقوا بين المرء وزوجه، سوى أنّ الله غالب على أمره وما تشاءون إلاّ أنْ يشاء الله.

يقول الله عن سوء تصرّف بني إسرائيل: ( وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ) (١) .

لقد تركوا ما أنزل الله ونَبذوه وراء ظهورهم، وراحوا يَتَتبّعون ما كان يقصّه الشياطين - والشيطان وَصفٌ لكلّ خبيث سيّئ السريرة - على عهد سليمان وأساليب تضليلهم للناس من دعاوٍ مكذوبة عن سليمان؛ حيث كانوا يقولون إنّه كان ساحراً وإنّه سخّر ما سخّر بسحره، والقرآن ينفي عنه ذلك (وما كفر سليمان) باستعمال السحر الذي هو في حدّ الكفر بالله العظيم، (ولكنّ الشّياطين (خبثاء الجنّ والإنس) كفروا يعلّمون النّاس السّحر) (طُرق الإضلال وأساليب التضليل).

ثُمّ ينفي أنّ السحر مُنزَل من عند الله على الملكَين: هاروت وماروت، اللذين كان مَقرّهما بابل، ويبدو أنّه كانت هناك قصّة معروفة عنهما وكان اليهود أو الشياطين يَدّعون أنّهما كانا يَعرفان السحر ويُعلّمانه للناس، فنفى القرآن هذه الفِرية، وبيّن الحقيقة، وهي أنّ

____________________

(١) البقرة ٢: ١٠٢.

٢٢٣

هذين الملكَين كانا هناك فتنةً وابتلاء للناس، كانا يقولان لكلّ مَن يأتيهما طالباً منهما معرفة طريق التخلّص من براثن الشياطين السَحَرة: لا تَكفر باستخدام تلك الأساليب الماكرة، وقد كان بعض الناس يُصرّ على تعلّم السحر لغرض خبيث على الرغم من تحذيره وتبصيره، ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) ، وهنا يُبادر القرآن فيُقرّر كلّية التصوّر الإسلامي الأساسيّة، وهي أنّه لا يقع شيء في هذا الوجود إلاّ بإذن الله ورعاية مصلحته وحِكمته، فبإذن الله تَفعل الأسباب فعلها وتُنشأ أثارها وتحقّق نتائجها، وإن كانت عاقبة السوء تعود على الزائغين الذين ينحرفون عن الطريق السوي والصراط المستقيم الذي رسمه لهم ربّ العالمين.

ثُمّ يقرّر القرآن حقيقة ما يتعلّمونه بُغية إيقاع الشرّ بالآخرين، إنّه شرّ عليهم وليس خيراً لهم ( وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ) ، وربّما يكفي أن يكون هذا الشرّ هو الكفر والخسران في الآخرة ( وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ) ، فمَن تعلّم شرّاً وحاول الإضرار به يعلم أنْ لا نصيب له في العاقبة، فهو حين يَختاره ويشتريه يَفقد كلّ رصيدٍ له في الآخرة سِوى العقاب، فما أسوأ ما باعوا به أنفسهم وأضاعوا خيرات كانت لهم في عُقبى الدار، ( وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ) لو كان يفقهون وَيَعون واقع الأمر.

النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (١)

النَفث، قَذفُ القليل من الريق، شبيهٌ بالنفخ، وهو أقلّ من التفل، ونَفَث الراقي أو الساحر أن يَنفث بريقه في عُقدٍ يَعقدها بعد كلّ زَمزَمَة يَتزمزم بها؛ ليسحر بها فيما زعموا، والمـُراد به هنا هي النميمة ينفثها النمّامون في العُقد أي في الروابط الودّية ليُبدّدوا شمل الأُلفة بين المتحابَّين: المرء وزوجه، الوالد وولده، الأخوين، المتشاركين في صنعةٍ أو تجارةٍ أو زراعةٍ وغير ذلك ممّا يرتبط وأواصر الودّ بين شخصين أو أكثر، والعرب تُسمّي

____________________

(١) الفلق ١١٣: ٤.

٢٢٤

الارتباط الوثيق بين شيئَين أو شخصَين عُقدة، كما جاء التعبير عن الارتباط بين الزوجين (عُقدة النكاح) قال تعالى: ( وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ) (١) ، ( إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ) (٢) .

ومعنى الآية: ومِن شرّ النمّامين الذين يُحاولون بوساوسهم الخبيثة قطع الأواصر بين المتحابّين، وهذا من التشبيه في الجُمَل التركيبيّة، نظير التشبيه في سورة المـَسد بشأن أُمّ جميل امرأة أبي لهب ( وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ) (٣) ، أي النمّامة؛ حيث النمّام يَحمل على عاتقه حطبَ لهيبِ النفاق والتفرقة بين المتحابّين، وجاء مناسباً مع تكنّي زوجها بأبي لهب، فهي تَحمل حطب هذا اللهب، فكما أنّها لم تكن تَحمل حطباً حقيقةً - كما زعمه بعضهم - لأنّها بنت حرب أخت أبي سفيان وكذا زوجها أبو لهب، كانا من أشراف قريش الأثرياء، غير أنّهما كانا يحملان خُبثا ولؤماً بالِغَين.

فالنميمة تُحوّل ما بين الصديقين من محبّة إلى بغضاء بالدسائس، وهي وسائل خفيّة تشبه السحر الذي هو ما لطُف ودقّ مأخذه، فالنّمام يأتي بكلامٍ يشبه الصدق ويؤثّر في خَلَدِك، كما يفعل الساحر المشعوذ إذا أراد أنْ يَحلّ عُقد المحبّة والوِداد بين كلّ متحابّين، إذ يتزمزم بألفاظٍ ويَعقد عُقدةً وينفثُ فيها، ثُمّ يحلّها إيهاماً للعامّة أنّ هذا حلّ للعُقدة بين الزوجَين أو غيرهما، فهو من التشبيه المحض وليس المقصود ما تفعله السَحَرة بالذات، الأمر الذي يتناسب مع سائر آيات سورة الفلق: ( وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ) ، أي ومِن شرّ الليل إذا دخل وغَمَر كلّ شيءٍ بظلامه، والليل إذا كان على تلك الحال كان مَخوفاً باعثاً على الرهبة والوحشة؛ لأنّه سِتار يختفي في ظلامه ذوو الإجرام إذا قصدوك بالأذى، وعَون لأعدائك إذا قصدوا بكَ الفتك... وهكذا قوله: ( وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ) يعني: شرّ حاسد إذا حاول إنفاذ حسدِه بالسعي والجدّ في إزالة نعمة مَن يحسده، فهو يعمل الحِيَل ويَنصب شباكه؛ لإيقاع المحسود في فخّ الضرر والأذى، يعمل ذلك بأدقّ الوسائل لتنفيذ مكائده.

____________________

(١) البقرة ٢: ٢٣٥.

(٢) البقرة ٢: ٢٣٧.

(٣) المسد ١١١: ٤.

٢٢٥

فكما أنّ الآيتين (السابقة واللاحقة) استعاذة بالله من مكائد أهل الزيغ والإفساد، كذلك هذه الآية ( النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ) هي مكائد يَرتكبها أهل النمائم لإيقاع الأذى، شُبِّهوا بالسّاحرات يَنفثنَ في العُقد.

فالاستعاذة منهم جميعاً إلى الله المستعان لإحباط مساعيهم وردّ مكائدهم في نحورهم، وهو الملجأ والمعين.

قال سيّد قطب: والنفّاثات في العقد: السواحر الساعيات بالأذى عن طريق خِداع الحواسّ، وخِداع الأعصاب، والإيحاء إلى النفوس والتأثير في المشاعر، وهُنّ يَعقدنَ العُقد في نحو خيطٍ أو منديلٍ ويَنفثن فيها كتقليد من تقاليد السحر والإيحاء، قال: والسحر لا يغيّر من طبيعة الأشياء، ولا يُنشئ حقيقةً جديدةً لها، ولكنّه يُخيّل للحواسّ والمشاعر بما يريده الساحر (١) .

قال شيخ الطائفة أبو جعفر مُحمّد بن الحسن الطوسي (قدس سره): ولا يجوز أن يكون النبيّ (صلّى الله عليه وآله) سُحِر، على ما رواه القصّاص الجُهّال؛ لأنّ مَن يُوصف بأنّه مسحور فقد خَبِل عقله، وقد أنكر الله تعالى ذلك في قوله: ( وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَّسْحُوراً ) (٢) .

وهكذا قال العلاّمة الطبرسي في تفسيره للسورة عند الكلام عن شأن النزول (٣) .

وقال الأستاذ مُحمّد عبده: قد رَوَوا هنا أحاديث في أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) سَحَره لبيد بن الأعصم، وأثّر سحره فيه حتّى كان يُخيّل إليه أنّه يفعل الشيء وهو لا يفعله، أو يأتي شيئاً وهو لا يأتيه، وأنّ الله أنبأه بذلك، وأُخرجت موادّ السحر من بئرٍ، وعُوفي ممّا كان نزلَ به من ذلك ونزلت هذه السورة!

ولا يخفى أنّ تأثير السحر في نفسه عليه الصلاة والسلام ماسّ بالعقل آخذ بالروح، فهو ممّا يُصدّق قول المشركين فيه:) إِن تَتَّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَّسْحُوراً ) .

والذي يجب علينا اعتقاده أنّ القرآن المتواتر جاء بنفي السحر عنه عليه الصلاة

____________________

(١) في ظِلال القرآن، المجلّد ٦، ص ٧٠٩، ج ٣٠، ص ٢٩١، وقد نقلنا تمام كلامه آنفاً.

(٢) تفسير التبيان، ج ١٠، ص ٤٣٤، والآية ٨ من سورة الفرقان، وفي سورة الإسراء ١٧: ٤٧: ( وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً ) .

(٣) مجمع البيان، ج ١٠، ص ٥٦٨.

٢٢٦

والسلام؛ حيث نَسب القول بإثبات حصوله له إلى المشركين ووبّخهم على ذلك.

والحديث - على فرض صحّته - من أحاديث الآحاد التي لا يُؤخذ بها في العقائد، وعصمة الأنبياء عقيدة لا يؤخذ فيها إلاّ باليقين.

على أنّ سورة الفَلق مكّية نزلت بمكة في السنين الأُولى، وما يزعمونه من السحر إنّما وقع في المدينة في السنين الأخيرة حيث اشتدّ العداء بين اليهود والمسلمين فهذا ممّا يُضعف الاحتجاج بالحديث ويُضعف التسليم بصحّته (١) .

قال سيّد قطب: هذه الروايات تُخالف أصل العصمة النبويّة في الفعل والتبليغ، ولا تستقيم مع الاعتقاد بأنّ كلّ فعل من أفعاله (صلّى الله عليه وآله) أنّه مسحور، وتكذيب المشركين فيما كانوا يدّعونه من هذا الإفك؛ ومِن ثَمّ نستبعد هذه الروايات، وأحاديث الآحاد لا يُؤخذ بها في أمر العقيدة، والمـَرجع هو القرآن، والتواتر شرط للأخذ بالأحاديث في أصول الاعتقاد، وهذه الروايات ليست مِن المتواتر، فضلاً عن أنّ نزول هاتَين السورتَين في مكّة هو الراجح، ممّا يُوهن أساس الروايات الأخرى (٢) .

وقد استوفينا الكلام حول مَزعومة سحر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وتفنيد رواياته بصورة مستوعبة، فراجع (٣) .

ظواهر روحيّة غريبة

إنّه ما يَزال مُشاهداً في كلّ وقت أنّ بعض الناس يَملكون خصائص لم يكشف العلم عن حقيقتها بعد، لقد سُمّي بعضها بأسماء من غير أنْ يُحدّد كنهها ولا معرفة طُرقها، هذه ظاهرة (التيليباثي) - التَخاطر من بعيد - ما هو؟ وكيف يتمّ؟ كيف يملك إنسانٌ أنْ يتلقّى فكرةً من إنسانٍ آخر على أبعاد وفواصل لا رابط بينهما سِوى هذا الاتّصال الروحي

____________________

(١) ملخّص كلامه على ما جاء في تفسير المراغي، ج ١٠، ص ٢٦٨، وراجع: تفسير جزء عمّ لمـُحمّد عبده، ص ١٨١ - ١٨٣.

(٢) في ظِلال القرآن، المجلّد ٨، ص ٧١٠، ج ٣٠، ص ٢٩٢.

(٣) في الجزء الأَوّل من التمهيد.

٢٢٧

الغريب؟! وربّما تُتلقّى الفكرة مِن كائنٍ حيٍّ وراء سِتار الغيب، إمّا فكرة طيّبة - وهي نفثة روح القُدس - أو فكرة خبيثة تَنبثُها شياطين الجنّ، وإلى هذا الأخير جاءت الإشارة في قوله تعالى: ( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ) (١) ، وهكذا تتبادل الأفكار الذميمة بين شياطين الجنّ والإنس: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ) (٢) .

وهذا السُبات المغناطيسي (هبنوتزم) أو التنويم الصناعي يَتمّ بسيطرة إرادة إنسان على إرادة آخر كان قد نوّمه بطريقة غير عادية، قالوا: إنّ في الإنسان سيّالاً مغناطيسياً لا يُعرف كُنهه يَنبعث منه بالإرادة ويؤثّر على الأشياء أو الأشخاص تأثيراً خاصّاً، فقد يُلقّنه بأن يُوقع في وهمه فيقتنع هذا اقتناعاً تامّاً، أو استخراج الروح من الجسد ليأخذ بالتَجول والإطّلاع على غيوب، وربّما استُخدم هذا السيّال المغناطيسي في الطبّ وفي معالجة قسم من الأمراض المستعصية، لكن لم يُحدّد إلى اليوم ما هو؟ وكيف يتمّ؟ وكيف يقع أنْ تسيطر إرادة على إرادة؟ أو ينفعل شيء بتأثير قوّة الإرادة؟

وهكذا تحضير الأرواح - حسبما يُسمّونه اليوم - يقوم على أساس اتصالٍ روحيٍّ بكائنات حيّة وراء سِتار الغيب، أمّا ما هذه الكائنات الحيّة؟ وكيف يتمّ هذا الاتصال؟ وهل هو اتصال بأرواح فارقت أجسادها بالموت أم هي غيرها؟ الأمر الذي بقي مجهولاً لم يُقطع بشيءٍ منه.

حكى لي زميلنا العلاّمة الشيخ مهدي الآصفي أنّ جماعةً مِن مزاولي هذا الفنّ طلبوا إليه أنْ يشهد جلسةً يَتمّ فيها هذا العمل، قال: وبعد أعمال وأطوار قاموا بها طلبوا إليّ رغبتي في إحضار روحٍ من الأرواح، فرغبتُ أنْ يَحضر روح الشيخ الأعظم المحقّق الأنصاري (قدس سره) فلمـّا حضر - وِفق إخبارهم - قالوا: ماذا تبتغي السؤال منه؟ فطلبت إليهم أنْ يسألوه عن مسألةٍ أصوليّة عريقة كان الشيخ هو مُبدِعها وهي مسألة (الحكومة والورود) في دلائل الأحكام، فرغبتُ أنْ يشرحها بنفسه؛ حيث الاختلاف كثير في تفسيرها، وعند

____________________

(١) الأنعام ٦: ١٢١.

(٢) الأنعام ٦: ١١٢.

٢٢٨

ذلك قالوا: إنّ الرّوح قد سخط مِن هذا السؤال وترك الجلسة وذهب مغضباً!

نعم، لا نَنكر إمكان ذلك إجماليّاً، ولكن هل هذا الأمر يتمّ بهذه التوسعة؟ وهل هذه الأرواح هي أرواح الأموات أم غيرها؟ الأمر الذي لا يُمكن البتّ فيه، غير أنّ هذه وأمثالها مظاهر روحيّة غريبة، وهي في جميع أنحائها وأشكالها لا تمسّ قضية السحر حسبما كان يزعمه الأقدمون - من الاستعانة بأرواح الأفلاك والكواكب وتسخيرها - أو حسبما راج عند أوساط السُذّج الأوهام اليوم وربّما بعد اليوم مادام لم تكتمل العقول (١) .

كلامٌ عن إصابة العين

قالوا: وممّا نجد القرآن متأثّراً بالبيئة العربيّة الجاهلة اعترافه بإصابة العين في مواضع:

الأَوّل: قوله تعالى - حكاية عن يعقوب (عليه السلام) -: ( وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) (٢) ، قيل: خاف عليهم إصابة العين؛ لأنّهم كانوا ذوي جمالٍ وهيبةٍ وكمالٍ، وهم إخوة أولاد رجلٍ واحد (٣) .

الثاني: قوله تعالى: ( وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ) (٤) ، قيل: يُزلقونك بمعنى يُصيبونك بأعينهم، قال الطبرسي: والمفسّرون كلّهم على أنّه المراد من الآية (٥) .

الثالث: قوله تعالى: ( وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ) (٦) ، قيل: أي مِن شرّ عينه (٧) ، وعن ابن أبي عمير رفعه قال: أَما رأيته إذا فَتَح عينَيه وهو يَنظر إليك هو ذاك (٨) .

والكلام هنا من جهتَين، الأُولى: هل القرآن تعرّض لتأثير العين، سواء كان حقّاً أم

____________________

(١) راجع في ذلك كلّه: الإنسان روح لا جسد، للأستاذ رؤوف عبيد، في ثلاث مجلّدات ضخام، وغيره ممّن كتبوا في هذا الشأن وهي كثيرة جدّاً.

(٢) يوسف ١٢: ٦٧.

(٣) مجمع البيان: ج ٥، ص ٢٤٩.

(٤) القلم ٦٨: ٥١ - ٥٢.

(٥) مجمع البيان، ج ١٠، ص ٣٤١.

(٦) الفلق ١١٣: ٥.

(٧) مجمع البيان، ج ١٠، ص ٥٦٩.

(٨) معاني الأخبار للصدوق، ص ٢١٦، طبع النجف.

٢٢٩

باطلاً؟ الثانية: هل للعين تأثير سوءٍ ذاتي مع قطع النظر عمّا جاء في القرآن؟

أمّا الجهة الأُولى فليس في ظاهر تعبير القرآن ما يَدلّ على ذلك:

أمّا قولة يعقوب لبنيه: ( لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ... ) فإنّما كانت في عودتهم إلى مصر بعد سفرتهم الأُولى التي رجعوا منها خائبين، فلو كان يخاف عليهم العين لأمرهم بذلك في المرّة الأُولى بل وفي كلّ سفرةٍ وحلّ وارتحال، فيمنعهم أنْ يترافقوا في الأسفار على الإطلاق، ولا خصوصية لهذه المرّة من الدخول على يوسف.

قيل: إنّما قال لهم ذلك - في هذه المرّة - ليَستخبر من حالة العزيز حين يَدخل عليه كلّ أخٍ له، فيَستعلم من تأثير كلّ واحدٍ عند الدخول عليه حالته الخاصّة، وما يظهر على أسارير وجهه وحركات عينيه حين رؤية شقيقه من أُمّه بنيامين (١) ، ولعلّ يعقوب استشعر من ردّ العزيز إخوته ليأتوا بأخٍ آخر لهم من أبيهم، أنّه هو يوسف، فحاول بهذه التجربة معرفة شخصية العزيز ولعلّه يوسف نفسه، الأمر الذي لا يَعلم إذا دخلوا عليه كلّهم جماعةً واحدةً؛ ومِن ثَمّ لمـّا دخل عليه أخوه بنيامين آواه وأفشى نفسه لديه، الأمر الذي يدلّ على دخوله عليه لوحده، فقد تحقّق تدبير يعقوب في تفرّسه.

وهذا يدلّ على فراسة يعقوب القوية، حيث يقول عنه تعالى: ( وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍْ لِّمَا عَلَّمنَاهُ ) (٢) أي ذو فراسةٍ قوية.

قال إبراهيم النخعي - وهو تابعيّ كبير -: إنّ يعقوب (عليه السلام) كان يَعلم بفراسته بأنّ العزيز هو ابنه يوسف إلاّ أنّ الله لم يَأذن له في التصريح بذلك، فلمـّا بعث أبناءه إليه أَوصاهم بالتفرقة عند الدخول وكان غرضُه أن يصل بنيامين وحده إلى يوسف في خلوةٍ من سائر إخوته (٣) .

وقوله تعالى: ( مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ) (٤) يعني: إنّ هذا التدبير الذي قام به يعقوب لم يكن يُغيّر من المصلحة التي رعاها الله بشأنه،

____________________

(١) راجع: تفسير المراغي، ج ١٣، ص ١٦.

(٢) يوسف ١٢: ٦٨.

(٣) راجع: التفسير الكبير، ج ١٨، ص ١٧٤، والدرّ المنثور، ج ٤، ص ٥٥٧.

(٤) يوسف ١٢: ٦٨.

٢٣٠

ولكن كانت تلك بُغية أملٍ في نفس يعقوب، قضاها الله رعايةً لجانبه العزيز على الله.

وممّا يُبعّد إرادة إصابة العين - إضافة على ما ذكرنا - أنّ التحرّز من ذلك لا يتوقّف على الدخول من أبوابٍ متفرّقة، بل يكفي الدخول متعاقبين وفي فترات، ثُمّ إنّهم كانوا يدخلون مصر في جمعٍ غفيرٍ من رِفقة القافلة الحاشدة بالأحمال والأثقال، فكيف يَعرف الناس أنّ هؤلاء إخوة مِن أبٍ واحد؟

وكذا قوله تعالى: ( وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ... ) .

الزَلَق: الزلّة، وأَزلقه: أزلّه ونحّاه عن مكانه، والمـَزلق: المكان الذي يَنزلق عليه ولا يمكن الثبات عليه.

والإزلاق بالأبصار، تَحديق النظر إليه نظر ساخط شديد السُخط بحيث يكون مُرعباً يُوجب الوحشة والتراجع عمّا هو فيه خوفاً من إيقاع الأذى به.

و(إنْ) مخفّفة من المثقلة، أي كاد أنْ يزلّوك عن موضعك بشدّة السُخط والإرعاب والإرهاب، البادي ذلك من تحديق نظرهم المـُغضب إليك.

أي إنّهم لشدّة عداوتهم وبغضائهم ينظرون إليك نظراً شَزراً (١) حتّى ليكادون يزلّون قدمك بغضاً فتصدع حين سمعوك تتلو كتاب الله وتنبذ أصنامهم (٢) .

وهذا نظير قوله تعالى: ( وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا ) (٣) .

يقال: فزّه واستفزّه أي أزعجه.

فهذه النظرات الشَّزرة تكاد تؤثّر في موقف الرسول الصَلب فتجعله يَزلّ ويزلق ويفقد توازنه وثباته على الأمر، وهو تعبير فائق عمّا تَحمِله هذه النظرات العدائيّة من غيظٍ وحنقٍ وشرٍّ ونقمةٍ وضغن وحُمّى وسمّ ( لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ) ، مصحوبة هذه النظرات المسمومة المحمومة بالسبّ القبيح والشتم البذيء والافتراء الذميم ( وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ) (٤) .

ويَدلّنا على عدم إرادة إصابة العين في هذه الآية الكريمة بالذات أنّ إصابة العين

____________________

(١) يقال: شَزَر إليه أي نظر إليه بجانب عينه مع إعراضٍ أو غضب.

(٢) راجع: تفسير المراغي، ج٢٩، ص٤٧.

(٣) الإسراء ١٧: ٧٦.

(٤) في ظِلال القرآن، المجلّد ٨، ص٢٤٣، ج٢٩، ص٦٧.

٢٣١

إنّما تكون عند الإعجاب بشيء لا عند التنفّر والانزجار، والآية تصرّح بأنّهم كادوا يُزلِقونه لمـّا سمعوا الذِكر، ماقتينَ عليه نافرينَ منه، فجعلوا يَسلقونه بالسِّباب والشتم ويَرمونه بالجنون، فكيف والحال هذه يحسدونه فيُصيبونه بأعينهم؟! الأمر الذي لا يلتئم وسياق الآية الكريمة.

قال الزجّاج: معنى الآية، أنّهم ينظرون إليك عند تلاوة القرآن والدعاء إلى التوحيد نظر عداوةٍ وبغضٍ وإنكارٍ لِما يسمعونه وتعجّبٍ منه، فيَكادون يصرعونك بحدّة نظرهم ويُزيلونك عن موضعك، وهذا مُستعمل في الكلام، يقولون: نظر إليَّ فلان نظراً يَكاد يصرعني ونظراً يكاد يأكلني فيه، وتأويله كلّه أنّه نظر إليَّ نظراً لو أمكنه معه أكلي أو يصرعني لفعل (١) .

وهكذا قال الجبائي: إنّ القوم ما كانوا ينظرون إلى النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) نظر استحسان وإعجاب بل نظر مقتٍ ونقص (٢) .

وهكذا قوله: ( وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ) (٣) - في سورة الفلق - أي إذا حاول السعي وراء حسده لغرض إيقاع الأذى والضرر بالمحسود، أي استعذ باللّه مِن شرّ الحاسد إذا حاول إنفاذ حسده، بالسعي والجدّ في إزالة نعمة مَن يحسده، فهو يعمل الحِيَل وينصب شباكه؛ لإيقاع المحسود في الضرر والخسران، وربّما بأدقّ الوسائل والذرائع، وليس في الاستطاعة الوقوف على ما يُدبّره مِن مكائد إلاّ أنْ يُستعان عليه بربّ الفلق أي مُسبِّب الفرج والخلاص مِن كيد الكائدين، والإحباط من مساعيهم الخبيثة (٤) .

نظرة فاحصة عن إصابة العين

أمّا الجهة الأُخرى - وهو البحث عن إصابة العين ومدى تأثيرها السيئ في النفوس والأموال - فقد شاع الإشفاق منها في أوساط بدائيّة وربّما في أوساط متحضّرة أيضاً،

____________________

(١) مجمع البيان، ج١٠، ص٣٤١.

(٢) بحار الأنوار، ج٦٠، ص٣٩.

(٣) الفلق ١١٣: ٥.

(٤) راجع: تفسير المراغي، ج٣٠، ص٢٦٨ - ٢٦٩، وتفسير جزء عمّ للشيخ مُحمّد عَبده، جزء عمّ، ص١٨٣ - ١٨٤.

٢٣٢

وفي ذلك نوع من الاعتراف بحقيقتِهِ إجمالياً، وربّما علّلوه بتعاليل تبدو طبيعيّة ترجع إلى نفس العاين، قالوا: هي تَشعشُعات تَمَوجيّة تنبعث من عين الرائي الذي أعجبه شيء على أثر انفعاله النفسي الخاصّ والأكثر إذا كان عن حسدٍ خبيث، وربّما من غير شعور بهذا الانفعال النفسي المفاجئ في غالب الناس، وهي خاصّية غريبة قد توجد شديدة في البعض وخفيفة في الآخرين.

وهذه التَشعشُعات السامّة تشبه التيّارات الكهربائيّة تؤثّر في المـُتكهرب بها تأثيراً بالفعل، الأمر الذي يكون طبيعياً وليس شيئاً خارقاً، وإن كان لم يُعلم كُنهُها ولا عُرفت حدودها ومشخّصاتها، ولا إمكان مقابلتها مقابلة علميّة فيما سوى الدعاء والصدقة والتوكّل على اللّه تعالى.

قال الشيخ ابن سينا: إنّ لبعض النفوس تأثيراً في الخارج من بدنه بتعلّق روحاني كتعلّقه ببدنه (١) .

وقال أبو عثمان الجاحظ: لا يُنكر أنْ ينفصل من العين الصائبة إلى الشيء المـُستَحسَن أجزاء لطيفة متّصلة به وتؤثّر فيه، فيكون هذا المعنى خاصّية في بعض الأعيُن كالخواصّ للأشياء (٢) .

قال - في كتاب الحيوان بصدد التحرّز من أعين ذوي الشره والحِرص ونفوسهم -: كان علماء الفُرس والهند وأطبّاء اليونان ودُهاة العرب وأهل التجربة من نازلة الأمصار وحذّاق المتكلّمين يَكرهون الأكل بين يدي السباع، يَخافون نفوسَها وعيونَها؛ للّذي فيها من الشَرَه والحرص والطلب والكَلَب، لِما يتحلّل عند ذلك من أجوافها من البخار الرديء، وينفصل من عيونها من الأُمور المفسدة، ما إذا خالطت طبائع الإنسان نقضته؛ ولذلك كانوا يكرهون قيام الخدم بالمذابّ (مُطرِدة الذُّباب) والأشربة على رؤوسهم وهم يأكلون، مخافة النفس والعين، وكانوا يأمرون بإشباعهم قبل أنْ يأكلوا، وكانوا يقولون في السنّور

____________________

(١) في النمط الأخير من كتاب الإشارات (هامش مجمع البيان، ج٥، ص ٢٤٩).

(٢) مجمع البيان، ج٥، ص٢٤٩، تفسير سورة يوسف، ولعلّه أخذه من الشريف الرضي في كتابه المجازات النبويّة، ص٣٦٩، بتغيير يسير سوف ننقله.

٢٣٣

والكلب إما أنْ تَطرده قبل أن تأكل، وإمّا أنْ تشغله بشيء يأكله ولو بعَظمٍ يُطرح له.

قال: ورأيت بعض الحكماء وقد سقطت من يده لقُمة، فرفع رأسه فإذا عينُ غلامٍ تُحدّق نحو لقُمته، وهو يزدرد ريقه لتحلّب فمه من الشهوة، وكان ذلك الحكيم جيّد اللقم طيّب الطعام، ويضيّق على غلمائه.

وقالت الحكماء: إنّ نفوس السِّباع وأعينها في هذا الباب أردأ وأخبث لفرط شَرَهِها وشرّها، قال الجاحظ: بين هذا المعنى وبين قولهم في إصابة العين الشيء العجيب المستحسن شِركةً وقرابةً، ذلك أنّهم قالوا: قد رأينا أُناساً يُنسب إليهم ذلك، ورأيناهم وفيهم من إصابة العين مقدار مِن العدد، لا نستطيع أن نجعل ذلك النسق من باب الاتفاق، وليس إلى ردّ الخبر (العين حقّ) سبيل، لتواتره وترادفه؛ ولأنّ العيان قد حقّقه والتجربة قد ضُمّت إليه.

قالوا: ولولا فاصل ينفصل من عين الرائي المـُعجَب إلى الشيء المـُعجَب به - حتّى يكون ذلك الداخل عليه هو الناقض لقُواه - لَما جاز أنْ يَلقى المصاب بالعين مكروهاً مِن قِبَل العاين، مِن غير تماسّ ولا تصادم ولا رابط يربط أحدهما بالآخر.

قال الأصمعي: رأيتُ رجلاً عَيوناً (الشديد الإصابة بالعين) كان يَذكر عن نفسه أنّه إذا أعجبه الشيء وَجَد حرارةً تخرج من عينه (١) .

وأضاف الجاحظ - ردّاً على مَن زعم أن الاعتراف بصحّة إصابة العين ينافي التوحيد -: أنّ الاعتراف بالطبائع اعترافُ بسُنّة الله الجارية في الخَلق والتدبير، وليس أمراً خارجاً عن طَوع إرادته تعالى، قال: ومَن زَعم أنّ التوحيد لا يَصحّ إلاّ بإبطال حقائق الطبائع فقد حَمَلَ عجزَه على الكلام في التوحيد، وإنّما يأنس منك المـُلحِد إذا لم يدعك التوفّر على التوحيد إلى بخس حقوق الطبائع؛ لأنّ في رفع أعمالها رفع أعيانها، وإذا كانت الأعيان هي الدالّة على اللّه فرفعت الدليل فقد أبطلت المدلول عليه (٢) .

____________________

(١) الحيوان للجاحظ، ج٢، ص٢٦٤ - ٢٦٩، تحقيق يحيى الشامي، مع بعض التعديل حسب نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج، ج١٩، ص٣٧٦ - ٣٧٧.

(٢) المصدر: ص٢٦٦.

٢٣٤

وللسيّد الشريف الرضي (قدس سرّه) كلام لطيف عند شرحه لقول النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله): (العين حقّ تَستَنزل الحالقَ) (١) ، قال: وهذا مجاز، والمراد أنّ الإصابة بالعين مِن قوّة تأثيرها وتحقّق أفاعيلها كأنّها تستهبط العالي من ارتفاعه، وتَستَقلِقُ (أي تُزحزح) الثابت بعد استقراره، والحالق، المكان المرتفع من الجبل وغيره، فجعل عليه الصلاة والسلام العين كأنّها تحطّ ذروة الجبل مِن شدّة بطشها وحدّة أَخذها.

وقد تناصرت (تضافرت) الأخبار بأنّ الإصابة بالعين حقّ (٢) ، والذي يقوله أصحابنا: إنّ اللّه سبحانه يفعل المصالح بعباده على حسب ما يَعلمه مِن الصلاح لهم في تلك الأفعال التي يفعلها والأَقدار التي يُقدّرها، وإذا تقرّرت هذه القاعدة، فغير ممتنع أنْ يكون تغييره تعالى نعمة زيدٍ مصلحةً لعمروٍ، وإذا كان تعالى يعلم من حال عمروٍ أنّه لو لم يَسلب زيداً نعمته ويَخفض منزلته، أقبل على الدنيا بوجهه، ونأى عن الآخرة بعِطفه، وأقدم على المغاوي وارتكس في المهاوي، وإذا سَلبَ سبحانه نعمةَ زيدٍ للعلّة الّتي ذكرناها عوّضه عنها وأعطاه بدلاً منها عاجلاً أو آجلاً، وإذا كان ذلك كما قلنا - وقد رُوي عنه (صلّى اللّه عليه وآله) ما يدلّ على أنّ الشيء إذا عَظُم في صدور العباد وضع اللّه قَدْرَه وصغّر أمره - (٣) لم يُنكر تغيير حال بعض الأشياء عند نظر بعض الناظرين إليه واستحسانه له وعِظَمِه في صدره وفخامته في عينه، كما رُوي أنّه (صلّى اللّه عليه وآله) قال - لمـّا سُبِقَت ناقَتُه العَضباء (٤) وكانت إذا سوبق بها لم تُسبَق -: (ما رَفَعَ العبادُ من شيء إلاّ وضع اللّه منه) (٥) .

____________________

(١) حديث متواتر، رواه الفريقان بعدّة أسانيد وفي مختلف الألفاظ والعبارات، راجع: مسند أحمد، ج١، ص٢٧٤، وسائر المسانيد الستّ: وبحار الأنوار، ج٦٠، ص٢٥ - ٢٦، وسائر الكتب الحديثيّة المعتبرة.

(٢) وقد عقد العلاّمة المجلسي في بحاره باباً في ذلك، راجع: ج٦٠، كتاب السماء والعالم.

(٣) إشارة إلى ما رواه أحمد في مسنده الآتي وفي النهج: (ما قال الناس لشيء طوبى له إلاّ وقد خبأَ الدهر له يومَ سوء).

قصار الحِكم، رقم ٢٨٦، ص٥٢٦. وفي نوادر الراوندي، ص١٢٨: (ما رفع الناسُ أبصارَهم إلى شيء إلاّ وَضَعه اللّه) وراجع: بحار الأنوار، ج٦٠، ص٢٧.

(٤) العَضباء: الناقة المشقوقة الأُذُن، وكان هذا الاسم لقباً لناقة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) ولم تكن مشقوقة الأُذُن، قال الزمخشري: ناقة عَضباء، قصيرة اليد.

(٥) روى أحمد في مسنده، ج٣، ص١٠٣ و٢٥٣ وغيره أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) كانت له ناقة تُسمّى العَضباء، وكانت لا تُسبَق في مسابقةٍ، حتّى جاء أعرابيّ على قعودٍ (ما اُعدّ للحمل والركوب من الدوابّ ومن الإبل ما تجاوز السنتين ولم يبلغ الستّ) فسبقها، فشُقّ ذلك على المسلمين، فلمـّا رأى ما في وجوههم قال: (إنّ حقّاً على اللّه أنْ لا يرفع شيئاً في الدنيا إلاّ وضعه)، والحديث منقول في الكتب بألفاظ مختلفة.

٢٣٥

فيمكن أنْ يتأوّل قوله عليه الصلاة والسلام: (العينُ حقّ) على هذا الوجه، ويجوز أنْ يكون ما أَمر به المستحسن للشيء عند رؤيته له من إعاذته باللّه والصلاة على رسول اللّه (١) قائماً في المصلحة مقام تغيير حالة الشيء المستحسن، فلا تغيّر عند ذلك؛ لأنّ الرائي قد أظهر الرجوع إلى اللّه سبحانه والإخبات له، وأعاذ ذلك المرئي به، فكأنّه غير راكنٍ إلى الدنيا ولا مغترٌّ بها ولا واثقٌ بما يرى عليه أحوال أهلها.

قال: ولعمرو بن بحر الجاحظ في الإصابة بالعين مذهبٌ انفرد به، وذلك أنّه يقول: إنّه لا يُنكر أن ينفصل من العين الصائبة إلى الشيء المستحسن أجزاءٌ لطيفة فتؤثّر فيه وتَجني عليه، ويكون هذا المعنى خاصّاً ببعض الأَعيُن كالخواصّ في الأشياء، قال: وعلى هذا القول اعتراضات طويلة وفيه مطاعن كثيرة... (٢)

وهذا الكلام نقلناه بطوله لما فيه مِن فوائد جمّة وتنبيهٌ على أنّ مِن حِكمته تعالى القيام بمصالح العباد، فربّما يحطّ من هيمنة المعيون كي لا يطغى العاين فيَخرج عن حدّه، ثُمّ إنّه تعالى يُعوّض المعيون بما يسدّ خلّة الضرر الوارد به، وقد يكون ذلك في مصلحة المعيون لتكون كفّارةً لِما فَرَط منه من الغلوّ أو التفريط بشأن العاين، لكن هذا لا ينافي ما علّل به ابن سينا أو الجاحظ في بيان السبب الطبيعي الواقع تحت إرادة اللّه الحكيمة.

وهكذا ذهب المتأخّرون في بيان التعليل الطبيعي لإصابة العين وِفق ما أودع اللّه من خصائص في طبيعة الأشياء.

قال سيّد قطب: والحسد انفعالٌ نفسي إزاء نعمة اللّه على بعض عباده مع تمنّي زوالها، وسواء أَتبَع الحاسد هذا الانفعال بسعي منه لإزالة النعمة تحت تأثير الحقد والغيظ، أو وَقَف عند حدّ الانفعال النفسي، فإنّ شرّاً يمكن أنْ يُعقّب هذا الانفعال.

قال: ونحن مضطرّون أنْ نطامن من حدّة النفي لِما لا نعرف من أسرار هذا الوجود وأسرار النفس البشريّة وأسرار هذا الجهاز الإنساني، فهنالك وقائع كثيرة تَصدر عن هذه الأسرار، ولا نملك لها حتّى اليوم تعليلاً، هنالك مثلاً التخاطر على البُعد، وكذلك التنويم

____________________

(١) قال رسول الله (صلّى اللّه عليه وآله): (مَن أَعجَبَه من أخيه شيءٌ فليذكر اللّه في ذلك، فإنّه إذا ذُكر اللّه لم يضرّه)، والأحاديث بهذا المعنى كثيرة، راجع: بحار الأنوار، ج٦٠، ص٢٥.

(٢) المجازات النبويّة للسيّد الشريف الرضي، ص٣٦٧ - ٣٦٩، رقم ٢٨٥.

٢٣٦

المغناطيسي وقد أصبح الآن موضعاً للتجربة المتكرّرة المثبتة، وهو مجهول السرّ والكيفيّة، وغير التخاطر والتنويم كثير من أسرار الوجود وأسرار النفس وأسرار هذا الجهاز الإنساني.

فإذا حَسَد الحاسدُ ووجّه انفعالاً نفسيّاً معيّناً إلى المحسود فلا سبيل لنفي أثر هذا التوجيه لمجرّد أنّ ما لدينا من العلم وأدوات الاختبار لا تصل إلى سرّ هذا الأثر وكيفيّته، فنحن لا ندري إلاّ القليل في هذا الميدان، وهذا القليل يُكشَفُ لنا عنه مُصادفةً في الغالب، ثُمّ يستقرّ واقعةً بعد ذلك، فهنا شرٌّ يُستعاذ منه باللّه (١) .

هل تأثّر القرآن بالشعر الجاهلي؟

من طريف ما يُذكر بهذا الشأن ما زَعَمه بعض المـُستشرقين الأجانب أنّ القرآن ضَمّن بعض آياتٍ تعابير اقتبسها من أبياتٍ شعريّةٍ جاهليّة!

فالدكتور (سنكلر تسديل Thusdale ) صاحب كتاب (مصادر الإسلام) يَروي شُبُهات الناقدينَ للقرآن الكريم، ومنها هذه الأبيات:

دنت الساعةُ وانشقّ القمر (٢)

عن غزالٍ صادَ قلبي ونَفَر

أَحورٌ قد حُرت في أوصافهِ

ناعسُ الطرفِ بعينَيه

حور مرّ يوم العيدِ في زينتِهِ

فرَماني فتعاطى فَعَقر (٣)

بسهامٍ من لحاظٍ فاتكٍ

تركتني كهشيمِ المحتظرِ (٤)

ويَتخذ منها قرينةً على اقتباس القرآن بعض الآيات من أشعار الجاهليّين! ويَضيف إلى هذه الأبيات أبياتاً أُخرى كقول القائل:

أَقبلَ والعُشّاق مِن خلفه

كأنّهم من حَدَب ينسلون (٥)

وجاء يوم العيد في زينةٍ

لمثل ذا فليعمل العاملون (٦)

____________________

(١) في ظِلال القرآن، المجلد ٨، ص٧١٩ - ٧١١، ج٣٠، ص٢٩٢ - ٢٩٣.

(٢) مُقتبس من سورة القمر ٥٤: ١.

(٣) مُقتبس من سورة القمر ٥٤: ٢٩.

(٤) مُقتبس من سورة القمر ٥٤: ٣١.

(٥) مُقتبس من سورة الأنبياء ٢١: ٩٦.

(٦) مُقتبس من سورة الصافّات ٣٧: ٦١.

٢٣٧

قال: ومِن الحكايات المـُتداولة في عصرنا الحاضر أنّه لمـّا كانت فاطمة بنت مُحمّد (صلّى اللّه عليه وآله) تتلو هذه الآية وهي ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) سمعتها بنت امرئ القيس وقالت لها إنّ هذه القطعة من قصائد أبي أخذها أبوك وادّعى أنّ اللّه أنزلها عليه (١) .

لكنّ الذي يُكذّب هذه الأسطورة أنّ امرئ القيس مات سنة ٥٤٠م أي قبل مولد النبيّ (٥٧٠م) بثلاثين سنة، فلو كنّا نعلم أنّ فاطمة (عليها السلام) وُلدت بعد البعثة (٦٠٩م) بخمس سنين (٦١٤م) نَعرف مدى خُرافة هذه الأكذوبة! إذ لابدّ لفاطمة لو فُرض أنّها أرادت قراءة القرآن في محفل عامّ أنْ تبلغ عشر سنين مثلاً، فلو فرضنا أنّ بنت امرئ القيس عند وفاة أبيها كانت بلغت عشر سنين أيضاً فيكون عمرها عند سماع قراءة بنت النبي (صلّى اللّه عليه وآله) قد بلغ أربع وتسعين سنة!! إذ ولادتها حينئذٍ تكون سنة ٥٣٠م وعام سماعها ٦٢٤م، وقلّ مَن يعيش في هذه السنّ من نساء الجاهليّة؟!

والمـُرجّح أنّ هذا التضمين الشعري مُقتبس من القرآن على يد بعض أهل المـُجون، وكم له مِن نظير، ويشهد لذلك ذِكر العيد في هذه الأبيات الخاص بالعهد الإسلامي المتأخّر، ولا سابق له قبل الإسلام (٢) .

وللاقتباس عرضٌ عريض سواء في الشعر أم النثر، وهو إمّا مقبول أو مردود على الشرح التالي:

الاقتباس

الاقتباس تَضمين الشعر أو النثر بعض القرآن، لا على أنّه منه، بأنْ لا يقال فيه: قال اللّه تعالى ونحوه، وقد شاع الاقتباس منذ الصدر الأَوّل وراج بين مَن تأخّر عنهم وعُدّ من المـُحسِّنات البديعيّة، وفي كثير من الخُطب والأدعية فضلاً عن الشعر تضمينات مُقتبسة مِن القرآن الكريم، لها رواء وبهاء وارتفاع شأن الكلام.

____________________

(١) كتاب (مصادر الإسلام) لتسديل، ص٢٥ - ٢٩، من ترجمته العربيّة.

(٢) كما ولم يذكره صاحب ديوان امرئ القيس.

٢٣٨

وفي شرح بديعيّة ابن حجّة: الاقتباس ثلاثة أقسام: مقبول ومباح ومردود،

فالأوّل: ما كان في الخُطب والمواعظ والعهود.

والثاني: ما كان في القول والرسائل والقصص.

والثالث: على ضربَين:

أحدهما: ما نَسبه اللّه إلى نفسه، ونعوذ باللّه ممّن ينقله إلى نفسه، كما قيل عن أحد بني مروان أنّه وقّع على مطالعة فيها شكاية عمّاله ( إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ) ! (١) .

والآخر: تضمين آية في معنى هزل، ونعوذ باللّه من ذلك، كقوله:

أوحى إلى عُشّاقه طرفَه

( هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ) (٢)

ورِدفُه يَنطق مِن خلقه

( لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ ) (٣)

قلت: والأبيات التي ذَكرها (تسديل) من هذا القبيل، أي القسم الممنوع من الاقتباس.

ومن القسم الجائز ما رواه البيهقي في (شُعَب الإيمان) عن شيخه أبي عبد الرحمان السلمي قال: أنشدنا أحمد بن مُحمّد ابن يزيد لنفسه:

سلْ اللّهَ من فضله واتقِه

فإنّ التُقى خيرُ ما تَكتَسِب

ومَن يتّقِ اللّه يصنع له

( وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) (٤)

وذَكَر الزركشي للطرطوشي:

رحل الظاعنون عنكَ وأَبقَوا

في حواشي الأحشاء وجداً مُقيماً

قد وَجَدنا السلام برداً سلاماً

إذ وَجَدنا النوى عذاباً أليماً

قال: وثَبُتَ للشافعي:

أنلني بالذي استقرضت خطّاً

وأَشهد معشراً قد عاينوهُ

فإنّ اللّه خلاّق البرايا

عَنَت لجلال هيبتِهِ الوجوهُ

____________________

(١) الغاشية ٨٨: ٢٥ و٢٦.

(٢) المؤمنون ٢٣: ٣٦.

(٣) مقتبس من سورة الصافّات ٣٧: ٦١، راجع: الإتقان للسيوطي، ج٢، ص٣١٤ - ٣١٥.

(٤) الطلاق ٦٥: ٣، راجع: الإتقان، ج٢، ص٣١٦.

٢٣٩

يقول ( إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ) (١)

وذكر السبكي في طبقاته في تَرجمة أبي منصور البغدادي من كِبار الشافعيّة قوله:

يا مَن عدى ثُمّ اعتدى ثُمّ اقترف

ثُمّ انتهى ثُمّ ارعوى ثُمّ اعترف

أبشر بقول اللّه في آياته

( إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ ) (٢)

قال جلال الدين السيوطي: هذا وما قَبلَه ليس من الاقتباس، للتصريح بأنّه قول الله (٣) .

هل في القرآن تعابير جافية؟

زَعموا أنّ في القرآن تعابير جافية لا تتناسب وأدب الوحي الرفيع؛ وذلك في مثل التعبير بالفَرج وهو اسم لسَوءة المرأة، والتعبير بالخيانة بشأن أزواج أنبياء الله، وهو فَضح امرأة تكون في حَصَانة زوجٍ كريم، والتعبير باخسَؤُوا والتشبيه بالحِمار والكلب، وكذا سائر التعابير الغليظة الجافّة في مثل ( تَبَّتْ ) ، (٤) و ( امْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ) (٥) ، والدعاء بالشرّ ( قَاتَلَهُمُ اللّهُ ) (٦) ... ومن أمثال هذا القبيل قد توجد في القرآن ممّا لا يوجد نظيره في غير من الكُتُب ذات الأدب الرفيع.

لكنّه زَعمٌ فاسدٌ ناشٍ عن الجهل بمصطلح اللغة ذلك العهد، وخلط القديم بالجديد من الأعراف، وإليك تفصيل الكلام عن ذلك:

( الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا)

جاء هذا التعبير في القرآن في موضعَين (٧) فعابوا التصريح بسَوءة المرأة!

لكنّه تعبير كنائي وليس بصريح؛ حيث المراد مِن الفَرج هنا هو خصوص جيب

____________________

(١) البقرة ٢: ٢٨٢، راجع: البرهان للزركشي، ج ١، ص ٤٨٢ - ٤٨٣.

(٢) الأنفال ٨: ٣٨.

(٣) الإتقان، ج ١، ص ٣١٥ - ٣١٦.

(٤) المسد ١١١: ١.

(٥) المسد ١١١: ٤.

(٦) التوبة ٩: ٣٠، المنافقون ٦٣: ٤.

(٧) في سورة الأنبياء: ٩١: ( وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا ) ، والتحريم: ١٢: ( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا ) .

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578