شبهات وردود حول القرآن الكريم

شبهات وردود حول القرآن الكريم3%

شبهات وردود حول القرآن الكريم مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 578

شبهات وردود حول القرآن الكريم
  • البداية
  • السابق
  • 578 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 297590 / تحميل: 13676
الحجم الحجم الحجم
شبهات وردود حول القرآن الكريم

شبهات وردود حول القرآن الكريم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

القميص وهو خَرقٌ مطوّق في أسفله.

قال ابن فارس: الفاء والراء والجيم، أصلٌ صحيحٌ يدلّ على تفتّح في الشيء، من ذلك: الفُرجة في الحائط وغيره والشقّ، والفُرُوج: الثُغور التي بين مواضع المـَخافة (١) .

قال: والجيب، جيب القميص (٢) وهو خَرقٌ مستطيل في قدّامه، يقال: جِبْتُ القميص، قَوَّرت جيبه وهو خَرقُه مِن وَسَطه خَرقاً مُستديراً، وفي القرآن: ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) (٣) وهو خَرقٌ في صدر القميص، ويقال: فلانٌ ناصح الجيب أي أمينه (٤) ويقال: طاهر الجيب أي نزيهه.

فالفَرج في هكذا تعابير هي فُرجة القميص أي جيبه، وهو عبارة عن خَرقٌ مطوّق في أسفله، حسب العادة في قمصان العرب، فإحصان الفَرج عبارة عن طهارة الذيل أي نزاهته عن دَنَس الفحشاء (٥) .

وهو استعمال على الأصل العربي القديم والّذي جرى عليه القرآن الكريم على المصطلح الأَوّل، أمّا أخيراً فغُلّب استعماله في سَوءة المرأة وهو استعمال مُستَحدث، لا يُحمل القرآن عليه، قال تعالى: ( وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ ) (٦) ، ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ... وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ ) (٧) كلّ ذلك كناية عن التحفظ على نزاهة الذيل عن دَنَس الفحشاء، وليس اسماً خاصّاً للسَوءة ولا سيّما سَوءة المرأة.

( فَخَانَتَاهُمَا)

قال تعالى ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ) (٨) .

____________________

(١) معجم مقاييس اللغة، ج ٤، ص ٤٩٨.

(٢) المصدر: ج ١، ص ٤٩١ و ٤٩٧.

(٣) النور ٢٤: ٣١.

(٤) لسان العرب، ج ١، ص ٢٨٨.

(٥) ونظيره جاء التعبير في الفارسيّة بـ (باكي دامن).

(٦) الأحزاب ٣٣: ٣٥.

(٧) النور ٢٤: ٣٠ و ٣١.

(٨) التحريم ٦٦: ١٠.

٢٤١

عابوا فَضحَ امرأة هي زوجةُ عبدٍ صالح!

لكن التعبير بالخيانة هنا لا يُراد بها ارتكاب الفحشاء، كلاّ! وإنّما هو مجرّد مخالفة الزوج وإنكار رسالته، قال الفيض الكاشاني: فَخَانَتاهما بالنفاق والتظاهر على الرسولَين (١) .

وهو تعريض ببعض أزواج النبي (صلّى الله عليه وآله) بإفشاء سرّه والتظاهر عليه، كما جاء في صدر السورة؛ ومِن ثَمّ فهو خطاب وعتاب مع تلك الأزواج: ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) (٢) .

قال ابن عبّاس: لم أَزل حريصاً أنْ أسأل عمر عن المرأتَين من أزواج النبيّ اللتَين قال الله بشأنهما: ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما... ) حتّى حجّ عمر وحَجَجتُ معه، فلمـّا كان ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة فتبرّز ثُمَ أتى فصببت على يديه فتوضّأ فقلت: يا أمير المؤمنين، مَن المرأتان من أزواج النبيّ اللتان قال الله بشأنهما ذلك؟ فقال: واعجباً لك يا ابن عبّاس، هما عائشة وحفصة، ثم أنشأ يُحدّثني بحديثهما في ذلك (٣) .

____________________

(١) تفسير الصافي، ج ٢، ص ٧٢٠.

(٢) التحريم ٦٦: ٤.

(٣) راجع: الدرّ المنثور، ج ٨، ص ٢٢٠.

٢٤٢

الباب الثالث

مُوهم الاختلاف والتناقض

( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً )

(النساء ٤: ٨٢)

٢٤٣

كلام عن مُوهم الاختلاف في القرآن

قال تعالى: ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ) (١) تلك مِيزة قرآنيّة: لا يوجد فيه اختلاف؛ حيث صَنَعه تعالى القويم يفترق عمّا يَصنعه البشر ذا نقصٍ وعيب، إذ كلّ يعمل على شاكلته، وقد أخذه الله تعالى دليلاً على الإعجاز الخارق!

وهناك مِن قديمٍ مَن كان يَزعم أنّ في القرآن اختلافاً، ويَرجع عهدُه إلى الصدر الأَوّل حيث رُوي أنّ سائلاً سأل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ذلك، فأجابه الإمام في رحابة صدر وحلّ إشكاله، واستبصر على يديه.

روى أبو جعفر الصدوق بإسناده المتصل إلى أبي معمر السعداني قال: إنّ رجلاً أتى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي شَكَكت في كتاب الله المـُنزَل قال (عليه السلام): (وكيف شَكَكت في كتاب الله؟!) قال لأنّي وجدتُ الكتاب يُكذّب بعضُه بعضاً فكيف لا أشكّ فيه؟!

فقال الإمام: (إنّ كتاب الله لَيُصدّق بعضُه بعضاً ولا يُكذّب بعضُه بعضاً، ولكنّك لم تُرزق عقلاً تنتفع به، فهات ما شَكَكت فيه)، فجعل الرجل يَسرد آيات زَعَمَهنّ مُتهافِتات

____________________

(١) النساء ٤: ٨٢.

٢٤٤

ويُجيب عليهنّ الإمام على ما سنذكر (١) .

وهكذا روى صاحب كتاب الاحتجاج: أنّ بعض الزنادقة جاء إلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال له: لولا ما في القرآن من الاختلاف والتناقض لدخلتُ في دينِكم. فقال له: (وما هو)؟ فجعل يسرد آيات بهذا الشأن ليأخذ جوابَه الوافي، وشكره أخيراً ودَخل في حظيرة الإسلام (٢) .

وروى عبد الرزّاق في تفسيره بإسناده إلى سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: رأيتُ أشياء تختلف عليّ من القرآن! فقال ابن عباس: ما هو؟ أشكّ؟! قال: ليس بشكٍّ، ولكنّه اختلاف! قال: هات ما اختلفَ عليك من ذلك، فجَعل الرجل يَذكر مواردَ الاختلاف حسب زعمه ويُجيبه ابن عباس تِباعاً، على ما سنورده (٣) .

وحتّى أنّهم زَعموا أنّ ابن عباس توقّف عن الإجابة في بعض هذه الموارد. روى أبو عبيدة بإسناده عن أبي مليكة قال: سأل رجل ابن عباس عن قوله تعالى: ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ ) (٤) وقوله: ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) (٥) فقال ابن عباس: هما يَومان ذَكَرَهما الله تعالى في كتابه! ألله أعلم بهما! (٦) .

لكن ابن عباس قد أجاب عن ذلك إجابةً إجماليّة، وأنّهما يَومان لا يوم واحد؛ ليكون قد عبّر عنهما باختلاف المِقدار، ولعلّه لم يهتدِ إلى تعيين أحدهما عن الآخر وسنذكر تفصيل البيان فيه.

ويظهر من أحاديث صَدرت عن أَئمة السلف أنّ حديث التناقض في آي القرآن كان مُتفشّياً ذلك العهد؛ ومِن ثَمّ ورد ذمّه والذبّ عن سلامة القرآن على لسان الأئمة (عليهم السلام) قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذمّ اختلاف العلماء في الفُتيا:

____________________

(١) راجع: كتاب التوحيد، للصدوق، ص ٢٥٥، رقم ٥، باب الردّ على الثنوية والزنادقة، وأورده المجلسي في كتاب القرآن من البحار، ج ٩٠، ص ١٢٧ - ١٤٢.

(٢) راجع: الاحتجاج للطبرسي، ج ١، ص ٣٥٨ - ٣٥٩؛ وأورده المجلسي في البحار، ج ٩٠، ص ٩٨ - ١٢٧.

(٣) راجع: الإتقان، ج ٣، ص ٧٩، النوع ٤٨.

(٤) السجدة ٣٢: ٥.

(٥) المعارج ٧٠: ٤.

(٦) الإتقان، ج ٣، ص ٨٣.

٢٤٥

(والله سبحانه يقول ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) (١) وفيه تبيان لكلّ شيء، وذكر أنّ الكتاب يصدّق بعضه بعضاً، وأنّه لا اختلاف فيه...) (٢) .

وروى الصدوق بإسناده إلى الإمام أبي عبد اللّه الصادق عن أبيه أبي جعفر الباقر(عليهما السلام) قال: (ما ضَرَبَ رجلٌ القرآن بعضه ببعضٍ إلاّ كفر) (٣) .

ولأبي علي مُحمّد بن المستنير البصري المشتهر بقطرب (ت٢٠٦) - النحوي اللغوي الأديب البارع تلميذ سيبويه ومِن أصحاب الإمام الصادق والرواة عنه - كتاب أفرده بالتصنيف في مُوهم الاختلاف والتناقض في آيات الحكيم.

قال الزركشي: وقد رأيت لقطرب في ذلك تصنيفاً حسناً، جَمَعه على السوَر (٤) ، وكتابه هو المـُسمّى بالردّ على المـُلحدينَ في تشابه القرآن، ذكره القفطي (٥) .

وهكذا في منتصف القرن الثالث أيّام الإمام أبي مُحمّد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) (٢٦٠) نجد فليسوف العراق ابن إسحاق الكندي (٦) قام بتأليف رسالة يَجمع فيها تناقض القرآن، لولا أنّ الإمام العسكري قام في وجهه وأفحم حجّته فتركها.

روى أبو القاسم الكوفي (٧) في كتابه (التبديل) أنّ ابن إسحاق الكندي أخذ في تأليف تناقض القرآن وشَغَل نفسه وتفرّد به في منزله، وأنّ بعض تلامذته دخل يوماً على الإمام الحسن العسكري، فقال له أبو مُحمّد: (أَما فيكم رجل رشيد يَردع أُستاذكم الكندي

____________________

(١) الأنعام ٦: ٣٨.

(٢) نهج البلاغة، الخطبة ١٨، ص٦١.

(٣) معاني الأخبار، ص١٨٣، طبعة النجف الأشرف.

(٤) راجع: البرهان، ج٢، ص٤٥، والإتقان، ج٣، ص٧٩.

(٥) انظر: إنباء الرواة، ج٣، ص٢١٩.

(٦) هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق من وُلد مُحمّد بن الأشعث بن قيس الكندي فيلسوف العرب في وقته (١٨٣ - ٢٦٠) كان رأساً في حِكمة الأوائل ومنطق اليونان والهيئة والنجوم والطبّ وغير ذلك، وكان له باع أطول في الهندسة والموسيقى، وكان مُتّهَماً في دينه، قال له أصحابه: لو عَمِلت لنا مثل القرآن، فأجابهم على ذلك، فغاب عنهم أيّاماً ثمّ خرج إليهم وأذعن بالعجز، قال: واللّه لا يقدر على ذلك أحد، قال الذهبي: وكان مُتّهماً في دينه، بخيلاً، ساقط المروءة، وله نظم جيّد وبلاغة وتلامذة، همَّ بأنْ يعمل شيئاً مثل القرآن فبعد أيام أذعن بالعجز.

راجع سير أعلام النبلاء للذهبي، ج١٢، ص٣٣٧، ولسان الميزان لابن حجر، ج٦، ص٣٠٥، ودائرة المعارف للقرن العشرين لمـُحمّد فريد وجدي، ج١٠، ص٩٤٤ - ٩٥٣، والمـُنجد في الأعلام، ص٥٩٥.

(٧) هو أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي صاحب كتاب تفسير فرات، كان من أعلام الغيبة الصغرى (٢٦٠ - ٣٢٩)، وفي النُسخة إسقاط (ابن) فصحّحناها بدلائل القرائن.

٢٤٦

عمّا أخذ فيه مِن تشاغله بالقرآن؟! فقال التلميذ: نحن من تلامذته، كيف يجوز منّا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره؟! فقال له أبو مُحمّد: أتؤدّي إليه ما أُلقيه عليك؟ قال: نعم، قال: فَصِر إليه وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله، فإذا وقعت الاُنسة في ذلك فقل له: قد حضرتني مسألةٌ أسألك عنها؟ فإنّه يَستدعي ذلك منك، فقل له: إن أتاك هذا المـُتكلّم بهذا القرآن، هل يجوز أنْ يكون مراده بما تكلّم منه غير المعاني التي قد ظننت أنّك ذهبت إليها؟ فإنّه سيقول لك: إنّه من الجائز، لأنّه رجل يفهم إذا سمع، فإذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعلّه قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه فتكون واضعاً لغير معانيه، فصَار الرجل إلى الكندي وتلطّف إلى أنْ ألقى عليه هذه المسألة، فقال له الكندي: أعد عليَّ، فأعاد عليه، فتفكّر في نفسه ورأى ذلك مُحتملاً في اللغة وسائغاً في النظر، فقال: أقسمت عليك إلاّ أخبرتني من أين لك؟ فقال: إنّه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك، فقال: كلاّ، ما مِثلك مَن اهتدى إلى مثل هذا، ولا ممّن بلغ هذه المنزلة، فعرّفني من أين لك هذا؟ فقال: أمرني به أبو مُحمّد، فقال: الآن جئت به، وما كان ليخرج مثل هذا إلاّ من ذلك البيت، ثمُّ إنّه دعا بالنّار وأحرق جميع ما كان ألّفه في ذلك (١) .

ولابن قتيبة (٢١٣ - ٢٧٦) كلامٌ مسهبٌ في الردّ على الطاعنينَ في القرآن على جهة زعم الاختلاف تعرّض له في كتابه الشهير (تأويل مشكل القرآن) في شرحٍ وتفصيل.

وللشريف الرضي (٣٥٩ - ٤٠٦) بحثٌ لطيفٌ في ذلك عنونه باسم (حقائق التأويل في متشابه التنزيل).

وهكذا القاضي عبد الجبّار المعتزلي (ت٤١٥) فصّل الكلام في (تنزيه القرآن عن المطاعن).

ولقطب الدين الراوندي (ت٥٧٣) في كتابه (الخرائج والجرائح) باب عَقَده للردّ على مطاعن المخالفينَ في القرآن (٢) .

____________________

(١) المناقب لابن شهر آشوب، ج٤، ص٤٢٤، وأورده المجلسي في بحار الأنوار، ج٥٠، ص٣١١ في تأريخ حياة الإمام العسكري (عليه السلام).

(٢) الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي، ج٣، ص١٠١٠.

٢٤٧

ولابن شهر آشوب المازندراني (ت٥٨٨) كتاب قيّم في (متشابهات القرآن ومختلفه).

ولمـُحمّد بن أبي بكر الرازي (ت ٦٦٦) رسالة شريفة أجابَ عن ألف ومئتي مسألة حول شبهات القرآن.

ولجلال الدين السيوطي (ت٩١١) في كتابه (الإتقان) - نوع ٤٨ - بحثٌ مستوفٍ عن مشكل القرآن ومُوهم الاختلاف والتناقض فيه.

وللمولى مُحمّد باقر المجلسي (١٠٣٧ - ١١١١) في موسوعته القيّمة (بحار الأنوار، ج٨٩، ص١٤١، وج٩٠، ص٩٨ - ١٤٢) استيعاب شامل لسفاسف أهل الزيغ والباطل حول القرآن الكريم، والردّ عليها فيما ورد في كلام المعصومين والعلماء الأعلام، جزاه اللّه عن الإسلام والقرآن خيراً.

وأخيراً، قام الأُستاذ الشيخ خليل ياسين بتأليف كتاب يحتوى على ١٦٠٠ سؤال وجواب حول مشكل القرآن، أَسماه (أضواء على متشابهات القرآن).

وللعلاّمة الأُستاذ الشيخ جعفر السبحاني تأليفٌ لطيفٌ في التفسير الصحيح لمشكل آيات القرآن الحكيم.

تلك مواقف مشهودة في الدفاع عن قُدسية القرآن الكريم قام بها جهابذة الفنّ والعمدة من العلماء الأعلام، شكر اللّه مساعيهم وأجزل لهم المثوبة وحسن مآب.

السلامة من الاختلاف إعجاز!

وقد أخذه تعالى دليلاً على كون القرآن وَحياً من السماء وليس من صُنع البشر؛ وإلاّ لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً.

ذلك أنّ طبيعة مثل القرآن - وقد نَزل تدريجاً طوال عشرين عاماً في مناسبات مختلفة وفترات متفاوتة ثُمّ جُمع في مكان - أن يقع فيه بعض الاختلاف، لو كان من عند غير اللّه...؛ حيث يَعسر الضبط على البشر في مِثل تلك المـُدّة الطويلة في مثل القرآن

٢٤٨

المتناثر آيه طول سنين، وربّما يختلف النظر لو كان صادراً من إنسان، وهو آخذ في التكامل طول هذه المدّة، فطبيعي أنْ يقع فيه اختلاف، لكن عدم الاختلاف دليلٌ قاطع على أنّه مِن عليمٍ خبير، هو محيط بعلمه ولا يَعزب عن علمه شيء، كما لا يتجدّد له رأي أو يبدو له نظر غير رأيه القديم.

وللعلاّمة السيّد هبة الدين الشهرستاني هنا كلامٌ غريب، قال: إنّ جماعةً مِن المفسّرين قد التبس عليهم أمر المانع بالسبب، فعدّوا سلامة القرآن من التنافي والتنافر، من وجوه إعجازه، في حين أنّ وجود التنافي والتنافر من موانع الإعجاز، وليس انعدامهما والسلامة منهما من أسباب الإعجاز (١) .

ولعلّه رحمه اللّه عدّ السلامة من الاختلاف أمراً عدمياً، فجعل التنافي والتنافر - وهما أمران وجوديّان - من المانع، في حين أنّ السلامة هنا بمعنى الائتلاف وحُسن الوِفاق والمؤكّد للانسجام بين آياته وتعابيره في كافّة السور مكيّتها ومدنيّتها بوئامٍ وانسجام.

الأسباب المـُوهِمة للاختلاف

ذكر الإمام بدر الدِّين الزركشي للاختلاف أسباباً:

الأوّل: وقوع المـُخبَر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتّى، كقوله تعالى في خَلق آدم مرّةً: ( خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ) (٢) ، وأُخرى: ( مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) (٣) ، وثالثة ( مِنْ طِينٍ لازِبٍ ) (٤) ، ورابعة: ( مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ) (٥) .

وهذه الألفاظ مُختلفة ومعانيها في أحوال مختلفة؛ لأنّ الصلصال غير الحمأ، والحمأ غير التراب، إلاّ أنّ مرجعها كلّها إلى جوهر وهو التراب، ومِن التراب تدرّجت هذه الأحوال.

____________________

(١) المعجزة الخالدة للشهرستاني، ص٤٢.

(٢) آل عمران ٣: ٥٩.

(٣) الحجر ١٥: ٢٦.

(٤) الصافّات ٣٧: ١١.

(٥) الرحمان ٥٥: ١٤.

٢٤٩

ومنه قوله تعالى: ( فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ) (١) ، وفي موضع ( تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ) (٢) ، والجانّ الصغير من الحيّات، كان ذلك في ابتداء بعثته (عليه السلام) والثعبان الكبير منها، وكان ذلك لمـّا ألقى عصاه تجاه فرعون وقومه، فاختلف الأحوال.

السبب الثاني: لاختلاف الموضوع، كقوله تعالى: ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ) (٣) ، وقوله: ( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ) (٤) ، مع قوله ( فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ ) (٥) .

قال الحليمي: فتُحمل الآية الأُولى على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل، والآية الأخيرة على ما يَستلزم الإقرار بالنبوّات من شرايع الدِّين وفروعه، وحَمَله غيره على اختلاف الأماكن (أي المواقف على ما أوضحناه) فمَوضع يَسأل ويُناقش، وموضع آخر يَرحم ويَلطف، وموضع يُعنّف ويُوبّخ، وموضع لا يُعنّف...

الثالث: لاختلافهما في جهتَي الفعل، كقوله تعالى: ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ) (٦) ، أُضيف القتل إليهم على جهة المباشرة، ونفاه عنهم باعتبار التأثير؛ ولهذا قالوا: إنّ الأفعال مخلوقة للّه تعالى وإن كان منتسبةً إلى الآدميّين على جهة الإرادة والاختيار، فنفي الفعل بإحدى الجهتين لا يعارضه إثباته بالجهة الأخرى.

وكذا قوله: ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ) (٧) أي ما رَمَيت تأثيراً إذ رميت مباشرةً.

الرابع: لاختلافهما في الحقيقة والمجاز، كقوله: ( وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ) (٨) أي سُكارى من الأهوال مجازاً، لا من الشراب حقيقة، وقوله: ( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ) (٩) ، فقد وافته المنيّة فكان كالأموات وإن لم يمت حقيقةً.

____________________

(١) الشعرا ٢٦: ٣٢.

(٢) القصص ٢٨: ٣١.

(٣) الصافّات ٣٧: ٢٤.

(٤) الأعراف ٧: ٦.

(٥) الرحمان ٥٥: ٣٩.

(٦) الأنفال ٨: ١٧.

(٧) الأنفال ٨: ١٧.

(٨) الحجّ ٢٢: ٢.

(٩) إبراهيم ١٤: ١٧.

٢٥٠

ومثله في الاعتبارَين قوله: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) (١) ، وقوله: ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ) (٢) ، وقوله: ( وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) (٣) .

الخامس: بوجهَين واعتبارَين، وهو الجامع للمفترقات، كقوله: ( فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) (٤) ، ( خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ) (٥) .

قال قطرب: (فبصرك) أي عِلمـُك ومعرفتك بها قوية، مِن قولهم: (بَصُر بكذا وكذا) أي عِلم، وليس المراد رؤية العين.

قال الفارسي: ويدلّ على ذلك قوله ( فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ ) .

وكقوله تعالى: ( وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ) (٦) ، مع قوله: ( فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ) (٧) ، فيجوز أن يكون قد اعتقد من نفسه أنّه الربّ الأعلى وسائر الآلهة تحته ومُلكاً له.

وقوله تعالى: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ) (٨) ، مع قوله: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) (٩) ، فقد يُظنّ أنّ الوَجَل خلاف الطمأنينة، وجوابه: أنّ الطمأنينة إنّما تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد، والوَجَل يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى فتُوجل القلوب لذلك، وقد جمع بينهما في قوله ( تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) (١٠) ، فإنّ هؤلاء قد سَكَنت نفوسهم إلى معتقدهم ووثِقوا به، فانتفى عنهم الشكّ (١١) .

وبعد فإليك مواضع من القرآن زعموا فيها اختلافاً:

____________________

(١) البقرة ٢: ٨.

(٢) الأنفال ٨: ٢١.

(٣) الأعراف ٧: ١٩٨.

(٤) ق ٥٠: ٢٢.

(٥) الشورى ٤٢: ٤٥.

(٦) الأعراف ٧: ١٢٧.

(٧) النازعات ٧٩: ٢٤.

(٨) الرعد ١٣: ٢٨.

(٩) الأنفال ٨: ٢.

(١٠) الزمر ٣٩: ٢٣.

(١١) راجع: البرهان، ج٢، ص٥٤ - ٦٥ مع تصرّف وتلخيص.

٢٥١

( هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ)

سؤال:

قال تعالى: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) (١) .

وهذا عامّ، لكن وَرَد في كثير من الآيات ما يبدو منه التخصيص، كقوله تعالى: ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) ، (٢) وقوله: ( وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ) (٣) ، وقوله: ( هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (٤) ، قوله: ( وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (٥) ، قوله:) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (٦) وقوله: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) (٧) ، وقوله: ( تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ ) (٨) ، إلى غيرها مِن آيات تنمّ عن اختصاص هدى القرآن بفئات من الناس دون الجميع، فما وجه التوفيق؟

جواب:

هناك فَرق بين اللام للغاية كما في الآية الأُولى، ولام العاقبة وهي التي جاءت في سائر الآيات هنا.

لاشكّ أنّ القرآن نزل لغايةٍ هي هداية الناس أجمع، غير أنّ الذين ينفعهم وينتفعون به في عاقبة الأمر هم المتّقون المـُتعهِّدون في ذات أنفسهم، فكأنّهم هم الغاية دون أولئك الغوغاء من الناس الهمج غير المـُبالينَ ممّن يقضون حياتهم في غفلةٍ وعمهٍ وعماء.

قال تعالى: ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ) (٩) ، ( لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) (١٠) .

____________________

(١) البقرة ١: ١٨٥.

(٢) البقرة ٢: ٢.

(٣) المائدة ٥: ٤٦.

(٤) الأعراف ٧: ٢٠٣.

(٥) يوسف ١٢: ١١١.

(٦) الجاثية ٤٥: ٢٠.

(٧) النحل ١٦: ٨٩.

(٨) لقمان ٣١: ٢ و٣.

(٩) البقرة ٢: ١٢١.

(١٠) النساء ٤: ١٦٢.

٢٥٢

وقال: ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) (١) ، ( كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) (٢) ، ( فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ) (٣) ، ( الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) (٤) .

ومِن ثَمّ فإنّ القرآن جاء بياناً للناس أجمع، غير أنّ الذين تقع بهم النصيحة هم المتّقون، كما قال تعالى ( هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ) (٥) .

( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)

سؤال:

قال تعالى: ( وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) (٦) .

وقال: ( وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) (٧) .

وقال: ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ) (٨) .

وقال: ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاّ مَا سَعَى ) (٩) .

الأمر الذي يَرضيه العقل الرشيد وتقتضيه الحِكمة البالغة: (لا يُؤخذ الجار بذنب الجار)! ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) (١٠) ( لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) (١١) ، ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ ) (١٢) .

لكن مع ذلك وَرَد ما يُناقضه ظاهراً في قوله تعالى: ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً

____________________

(١) الأنفال ٨: ٥٥.

(٢) يونس ١٠: ٣٣.

(٣) النحل ١٦: ٢٢.

(٤) الأنعام ٦: ١٢ و٢٠.

(٥) آل عمران ٣: ١٣٨.

(٦) الأنعام ٦: ١٦٤.

(٧) الإسراء ١٧: ١٥.

(٨) فاطر ٣٥: ١٨.

(٩) النجم ٥٣: ٣٧ - ٣٩.

(١٠) المدّثر ٧٤: ٣٧.

(١١) البقرة ٢: ٢٨٦.

(١٢) النور ٢٤: ١١.

٢٥٣

الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ) (١) .

كما أنّ التناقض بادٍ على ظاهر قوله تعالى: ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) (٢) .

فكيف التوفيق؟

جواب:

حَملُ الوِزر إنّما هو بتخفيف كاهِل صاحبه، فمَن يَحمل مِن أوزار أحد إنّما يُخفّف مِن ثِقل كاهله، هذا هو معنى حَملُ الوِزر، أمّا إذا لم يُخفِّف فلا تَحمُّل مِن الوزر شيئاً.

وصريح القرآن أنّ كل إنسان إنّما يتحمّل مسؤولية نفسه ولا يتحمّل مسؤولية غيره فيما عَمِل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٣) .

لكن هناك في الدُعاة إلى حقّ أو باطل شأنٌ آخر، فهم شركاء فيما عَمِل المتأثِّرون بالدعوة، إنْ خيراً أو شرّاً، مثوبةً أو عقوبةً.

روى الصدوق بإسناده إلى الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: (أيّما عبدٍ مِن عباد اللّه سنّ سُنةَ هدىً كان له أجرٌ مثلُ أجر مَن عَمِل بذلك من غير أنْ ينقص من أُجورهم شيء، وأيّما عبدٍ من عباد اللّه سنّ سُنةَ ضلال كان عليه مثل وِزر مَن فعل ذلك من غير أنْ ينقص مِن أوزارهم شيء) (٤) .

قال رسول اللّه (صلّى اللّه وعليه وآله): (إذا ماتَ المؤمنُ انقطعَ عملُه إلاّ مِن ثلاث: صدقةٍ جارية، أو عِلمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له) (٥) .

فلا يَحمل أحدٌ ذنبَ غيره، ولا يُخفّف عليه من وطئته، وإنْ كان يَشرُكُه فيما عَمِل وفيما يترتّب عليه من المثوبة أو الإثم من غير أنْ ينقصه شيئاً.

____________________

(١) النحل ١٦: ٢٥.

(٢) العنكبوت ٢٩: ١٢ و١٣.

(٣) المائدة ٥: ١٠٥.

(٤) ثواب الأعمال للصدوق، ص١٣٢.

(٥) عوالي اللآلي لابن أبي جمهور الإحسائي، ج٢، ص٥٣، رقم ١٣٩.

٢٥٤

فمعنى ( يَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ ) أنّهم يَحملون أثقالَ أنفسِهم مع أثقالٍ أُخر، وهي مِثل أوزار ما عَمِل التابعون وليست نفس أوزارهم، إذ لا ينقص مِن وزرِ الآثم شيء، وكلّ إنسانٍ رهينٌ بما اكتسب.

وكذا قوله: ( وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ ) أي مِن مِثل أوزارهم وليست نفس أوزارهم، إذ لكلّ امرئٍ ما اكتسب من الإثم، ولا مُوجب للتخفيف عنه مادام آثماً مَبغوضاً عليه.

( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً)

سؤال:

قال تعالى: ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ... ) (١) .

فقد جاء النهي صريحاً عن موادّة مَن حادّ اللّه ورسوله ولو كان أحد الوالدَينِ أو الأقربينَ، الأمر الذي يتنافى وترخيص مُصاحبة الوالدَينِ المشرِكَينِ مُصاحبةً بالمعروف في قوله تعالى: ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ) (٢) .

جواب:

هناك فَرق بائن بين الموادّة التي هي عَقْدُ القلب على المحبّة والوِداد الذاتي وبين المصاحبة بالمعروف التي هي المـُداراة والمجاملة الظاهريّة في حُسن المعاشرة مع الوالدَينِ، وربّما كانت عن كراهةٍ في القلب، فمِن أدب الإسلام أن يأخذ الإنسان بحُرمة والدَيه وكذا سائر الأقربينَ وإنْ كان يُخالفهم في العقيدة.

فحُسن السلوك شيءٌ والرباط النفسي شيء آخر، فربّما لا رباط بين الإنسان وغيره نفسياً وإن كان يُداريه في حُسن المعاشرة أدباً إسلامياً إنسانياً شريفاً، وليس مع الأقرباء فحسب بل مع الناس أجمع، الأمر الذي يُؤكِّد عليه جانب تأليف القلوب مشروعاً عامّاً.

____________________

(١) المجادلة ٥٨: ٢٢.

(٢) لقمان ٣١: ١٥.

٢٥٥

( إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ)

سؤال:

قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ) (١) ، كيف يلتئم مع قوله: ( أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ) ؟! (٢) .

جواب:

في الآية الثانية تقدير، أي أَمَرناهم بالصلاح والرَّشاد فَعَصوا وفَسَقوا عن أمر ربّهم، وهذا كما يقال: أَمَرتُه فعصى، أي أَمَرتُه بما يُوجب الطاعة لكنّه لم يُطِع وتمرّد عن امتثال الأمر وعن الطاعة.

وإليك الآية بكاملتها:

قال تعالى - بشأن الأُمَم الذين عُوقبوا بسُوء أعمالِهم -: ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ) (٣) .

تلك سُنّة الله جَرت في الخَلق: أنْ لا عقوبة إلاّ بعد البيان، ولا مُؤاخذة إلاّ بعد إتمام الحجّة، ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (٤) ... ثُمّ جاءت تلك الآية ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ ) تفريعاً على هذه الآية؛ لتكون دليلاً على أنّ العقوبة إنّما تقع بعد البيان.

فمعنى الآية - على ذلك -: أنّ كلّ قرية إذا حقّ عليها العذاب فإنّما هو؛ بسبب طغيانهم وعصيانهم بعد البيان وبعد أَمرِهم بما يُسعدهم، لكنّهم بسوء اختيارهم شَقوا وعَصَوا، فجاءهم العذاب على أثر الطغيان والفُسوق والعصيان.

وإنّما ذَكَر المـُترفون بالخصوص؛ لأنّهم رأس الفساد والأُسوة التي تَقتدي بها العامّة في سوء تصرّفاتهم في الحياة.

قال الطبرسي - في أحد وجوه تفسير الآية -: إنّ معناه: وإذا أردنا أنْ نُهلك أهلَ قريةٍ - بعد قيام الحجّة عليهم وإرسال الرسل إليهم - أمرنا مترفيها أي رؤساءها وساداتها

____________________

(١) الأعراف ٧: ٢٨.

(٢) الإسراء ١٧: ١٦.

(٣) الإسراء ١٧: ١٦.

(٤) الإسراء ١٧: ١٥.

٢٥٦

بالطاعة واتّباع الرُسل، أمراً بعد أمرٍ، نكرّره عليهم، وبيّنة بعد بيّنة، نأتيهم بها إعذاراً للعُصاة وإنذاراً لهم وتوكيداً للحجّة، ففسقوا فيها بالمعاصي وأبَوا إلاّ تمادياً في العصيان والكفران.

قال: وإنّما خصّ المترفون وهم المـُنعَّمون والرؤساء بالذِكر؛ لأنّ غيرهم تَبَعٌ لهم، فيكون الأمر لهم أمراً لأَتباعِهم.

قال: وعلى هذا، فيكون قوله: (أمرنا مترفيها) جواباً لـ (إذا)، وإليه يؤول ما روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير: أنّ معناه: أمرناهم بالطاعة فعصوا وفسقوا، ومِثله: أمرتك فعصيتني، ويشهد بصحّة هذا التأويل الآية المتقدّمة عليها، وهي قوله: ( مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (١) .

أَلف سَنة أو خمسون أَلف سَنة

سؤال:

قال تعالى: ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) (٢) ، وقال: ( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) (٣) .

ما هذا اليوم؟ وما مقداره، ألف سنة أو خمسون ألف سنة؟

جواب:

قال القمي في تفسير الآية الأُولى: يعني الأمور التي يُدبّرها والأمر والنهي الذي أَمر به وأعمال العباد، كلّ ذلك يَظهر يوم القيامة فيكون مقدار ذلك اليوم ألف سنة مِن سنيّ الدنيا (٤) .

وروى الكليني في الكافي عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إنّ للقيامة خمسين موقفاً، كلّ موقف مقام ألف سنة) ثم تلا الآية الثانية (٥) .

____________________

(١) مجمع البيان، ج ٦، ص ٤٠٦.

(٢) السجدة ٣٢: ٥.

(٣) المعارج ٧٠: ٤.

(٤) تفسير القمي، ج ٢، ص ١٦٨.

(٥) تفسير الصافي، ج ٢، ص ٧٤٣.

٢٥٧

إذن، فلا مُنافاة بين الآيتين، فإنّ أعمال العباد وكلّ شؤون الحياة الدنيا بما فيها مِن تدابير إلهية وأَمر ونهي وتشريع وما عَمِل العباد من خير وشرّ فإنّها تظهر يوم القيامة في أَوّل موقف من مواقفها، ومِقدارُه ألف سنة ممّا يَعُدّون، أمّا كل شؤون الحياة في عالم الوجود فإنّها تظهر في طول أمد القيامة ومِقدارُه خمسون ألف سنة حسب مواقفِها الخمسين.

وبذلك صحّ المأثور عن ابن عباس: أنّهما يومان من أيام الله، أي بُرهتان من الزمان بُرهة أُولى في ألف سنة، وبُرهة أُخرى شاملة في خمسين ألف سنة (١) .

( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)

سؤال:

قال تعالى: ( قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْن ِ . .. وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ... ) (٢) .

وقال: ( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا... وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ) (٣) .

وقال: ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) (٤) ، وقد تكرّر ذلك في سبعِ مواضع مِن القرآن.

والسؤال هنا من وجهين:

الأوّل: دلّت الآية الأُولى على أنّ الأرض خُلقت قَبل السماء، في حين أنّ الآية الثانية نصّت على أنّ الأرض بعد ذلك دَحاها.

الثاني: ظاهر دلالة الآية الأُولى هو أنّ خِلقة السماوات والأرض وما فيها وقعت في ثمانية أيّام، في حين أنّ الآية الأخيرة ونظيراتها دلّت على وقوع ذلك في ستّة أيّام، فكيف التوافق؟

____________________

(١) الإتقان، ج ٣، ص ٨٣.

(٢) فصّلت ٤١: ٩ - ١٢.

(٣) النازعات ٧٩: ٢٧ - ٣٠.

(٤) السجدة ٣٢: ٤.

٢٥٨

جواب:

دلّت الآية على أنّ الأرض ذاتها خُلقت قَبل السماء وإنْ كان دَحوها أي بسطها وتسطيح قِشرتها قد تأخّر بعد ذلك بأيّام.

وهذه الأيّام هي من أيّام الله التي يَعلم هو مَداها، وليست مِن أيّام الناس، وقد خُلقت الأرض في يومَين، وجعل فيها الرواسي وقدّر فهيا الأقوات أيضاً في يومَين، فهذه أربعة أيّام، تمّت بها خِلقة الأرض وما فيه من جبالٍ وأرزاقٍ وبركات، ثُمّ استوى إلى السماء فخلقهنّ في يومَين، فتلك ستة أيام على ما جاء في آيات أُخرى.

وهذا كما يُقال: سرتُ من البصرة إلى الكوفة في يومَين، وإلى بغداد في أربعة أيّام، أي من البصرة إلى بغداد، باندراج اليومَين اللذين سار فيهما إلى الكوفة.

وهناك تفسير آخر للآية لعلّه أدقّ، يَجعل الأربعة الأيام ظرفاً لتقدير الأقوات إشارةً إلى فصول السَّنة الأربعة، حيث فيها تتقدّر أرزاق الخلائق والأنعام والبهائم والدوابّ، ذَكَره عليّ بن إبراهيم القمي في تفسيره للآية، قال: يعني في أربعة أوقات، وهي التي يُخرج الله فيها أقوات العالم من الناس والبهائم والطير وحشرات الأرض، وما في البرّ والبحر مِن الخَلق والثمار والنبات والشجر، وما يكون فيه مَعاش الحيوان كلّه، وهو الربيع والصيف والخريف والشتاء... ثُمّ جَعَل يَذكر كيفية تقدير هذه الأقوات في كلٍّ من هذه الفصول (١) .

وقد ارتضاه العلاّمة الطباطبائي واعتمده في تفسيره (٢) .

فمعنى الآية - على ذلك -: أنّ الله خَلق الأرض في دورتَين، وجعل فيها رواسي وبارك فيها، وقدّر أقواتها حسب فصول السنة، وهكذا قضى السماوات سبعاً في دورتَين، فهذه أربعة أدوار ذَكَرَتهُنّ الآية: دورتان لخِلقة الأرض، ودورتان لجعل السماوات سبعاً، وبقيت دورتان لخِلقة أصل السماء وما بينها و بين الأرض من أجرام كانت الآية ساكتةً عنهما؛ ومِن ثَمّ فهي لا تتنافى وآيات أُخرى ذَكَرنَ ستة أدوار لخِلقة الأرض والسماء وما بينهما.

____________________

(١) تفسير القمي، ج٢، ص٢٦٢.

(٢) الميزان، ج١٧، ص٣٨٧.

٢٥٩

تساؤل بعضهم بعضاً

سؤال:

قال تعالى: ( فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ ) (١) .

وقال: ( وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ) (٢) .

وقال: ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ ) (٣) .

وقال: ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ ) (٤) .

وقال: ( يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ) (٥) .

هذا مع قوله: ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ) (٦) .

وقوله: ( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ) (٧) .

وقوله: ( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (٨) .

وقوله: ( وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ * قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) (٩) .

وقوله: ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) (١٠) .

فهل يُسألون عن ذنبٍ أو لا يُسألون؟ وهل يَتساءلون فيما بينهم ويتعارفون أم لا يَتساءلون؟ فكيف التوفيق؟!

جواب:

هناك في الوَقفة الأُولى يوم الحشر تكون الوَقعة شديدة ( يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ

____________________

(١) الرحمان ٥٥: ٣٩.

(٢) القصص ٢٨: ٧٨.

(٣) المؤمنون ٢٣: ١٠١.

(٤) القصص ٢٨: ٦٥ و٦٦.

(٥) المعارج ٧٠: ٨ - ١٠.

(٦) الصافّات ٣٧: ٢٤.

(٧) الأعراف ٧: ٦.

(٨) الحجر ١٥: ٩٢ و٩٣.

(٩) الصافّات ٣٧: ٢٧ - ٢٩.

(١٠) يونس ١٠: ٤٥.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578