شبهات وردود حول القرآن الكريم

شبهات وردود حول القرآن الكريم10%

شبهات وردود حول القرآن الكريم مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 578

شبهات وردود حول القرآن الكريم
  • البداية
  • السابق
  • 578 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 297512 / تحميل: 13675
الحجم الحجم الحجم
شبهات وردود حول القرآن الكريم

شبهات وردود حول القرآن الكريم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

هذا.. ولسوف نرى أن أحمد أمين المصري يأخذ برأي ابن القفطي هذا. لكنه ينظر فيه إلى خصوص أئمة أهل البيتعليه‌السلام ، كما سيأتي بيانه، وبيان مدى خلطه وفساده في الفصل التالي.

وفيه دلالة على أن الفضل كان مخدوعاً، وعلى أن المأمون لم يكن مخلصاً فيما أقدم عليه..

د ـ : إنه لا بد لنا من الإشارة هنا إلى أن أكثر ثورات العلويين، التي قامت ضد المأمون ـ قبل البيعة للرضاعليه‌السلام طبعاً ـ كانت من بني الحسن، وبالتحديد من أولئك الذين يتخذون نحلة الزيدية، فأراد المأمون أن يقف في وجههم، ويقضي عليهم، وعلى نحلتهم تلك نهائياً، وإلى الأبد، فأقدم على ما أقدم عليه من البيعة للرضاعليه‌السلام بولاية العهد.

هذا.. وقد كانت نحلة الزيدية هذه ـ شائعة في تلك الفترة، وكانت تزداد قوة يوماً عن يوم، وكان للقائمين بها نفوذ واسع، وكلمة مسموعة، حتى إن المهدي قد استوزر يعقوب بن داوود، وهو زيدي، وآخاه، وفوضه جمع أمور الخلافة(١) .

وعلى حد تعبير الشبراوي: (.. فولاه الوزارة، وصارت الأوامر كلها بيديه، واستقل يعقوب حتى حسده جميع أقرانه..)(٢) .

____________

(١) البداية والنهاية ج ١٠ / ١٤٧، وغيره من كتب التاريخ، فراجع فصل: مصدر الخطر على العباسيين.

(٢) الإتحاف بحب الأشراف ص ١١٢.

٢٠١

بل كان: (لا ينفذ للمهدي كتاب إلى عامل، فيجوز، حتى يكتب يعقوب إلى أمينه وثقته بإنفاذه.)(١) .

وقد بلغ من نفوذ يعقوب هذا.. أن قال فيه بشار بن برد أبياته المشهورة، التي قدمناها، والتي يقول فيها: (إن الخليفة يعقوب ابن داوود).

وقد سعي بيعقوب هذا إلى المهدي: وقيل له: (.. إن الشرق والغرب في يد يعقوب، وأصحابه، وإنما يكفيه أن يكتب إليهم ؛ فيثوروا، في يوم واحد، فيأخذوا الدنيا)(٢) .

وذلك لأنه قد: (أرسل يعقوب هذا إلى الزيدية، وأتى بهم من كل أوب، وولاهم من أمور الخلافة في المشرق والمغرب كل جليل، وعمل نفيس، والدنيا كلها في يديه..)(٣) .

وإذا ما عرفنا أن معاوني يعقوب إنما كانوا هم: متفقهة الكوفة، والبصرة، وأهل الشام(٤) .. فإننا نعرف أن الاتجاه الزيدي سوف يؤثر كثيراً، وكثيراً جداً على الثقافة العامة، والاتجاهات الفكرية في ذلك العصر ـ كما حدث ذلك فعلاً.. حتى لقد صرح ابن النديم بأن:

(أكثر علماء المحدثين إلا قليلاً منهم، وكذلك قوم من الفقهاء، مثل: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة كانوا من الشيعة الزيدية.)(٥) وقد صرح المؤرخون أيضاً: بأن أصحاب الحديث جميعهم، قد

____________

(١) الطبري ج ١٠ / ٤٨٦، والكامل لابن الأثير ج ٥ / ٦٠، ومرآة الجنان ج ١ / ٤١٨.

(٢) الكامل لابن الأثير ج ٥ / ٦٦، ٦٧.

(٣) الطبري ج ١٠ / ٥٠٨، طبع ليدن، والوزراء والكتاب للجهشياري ص ١٥٨، والكامل لابن الأثير ج ٥ / ٦٦.

(٤) الطبري، طبع ليدن ج ١٠ / ٤٨٦.

(٥) الفهرست لابن النديم ص ٢٥٣.

٢٠٢

خرجوا مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، أو أفتوا بالخروج معه(١) .

وعلى كل حال.. فإن ما يهمنا بيانه هنا: هو أن المأمون كان يريد

____________

(١) مقاتل الطالبيين ص ٣٧٧، وغيرها من الصفحات، وغيرها من الكتب. ويرى بعض أهل التحقيق: أن المقصود هو جميع أصحاب الحديث في الكوفة. ولكن الظاهر أن المراد: الجميع مطلقاً، كما يظهر من مراجعة مقاتل الطالبيين وغيره.

والأمر الذي تجدر الإشارة إليه هنا: هو أن فرقة من الزيدية، وفرقة من أصحاب الحديث، قد قالوا بالإمامة على النحو الذي يقول به الشيعة الإمامية، عندما جعل المأمون (الرضا)عليه‌السلام ولياً لعهده. لكنهم بعد وفاة الرضاعليه‌السلام رجعوا عن ذلك: قال النوبختي في فرق الشيعة ص ٨٦:

(.. وفرقة منهم تسمى (المحدثة) كانوا من أهل الإرجاء، وأصحاب الحديث، فدخلوا في القول بإمامة موسى بن جعفر، وبعده بإمامة علي بن موسى، وصاروا شيعة، رغبة في الدنيا وتصنعاً. فلما توفي علي بن موسىعليه‌السلام رجعوا إلى ما كانوا عليه.

وفرقة كانت من الزيدية الأقوياء، والبصراء، فدخلوا في إمامة علي بن موسىعليه‌السلام ، عندما أظهر المأمون فضله، وعقد بيعته، تصنعاً للدنيا، واستكانوا الناس بذلك دهراً. فلما توفي علي بن موسىعليه‌السلام رجعوا إلى قومهم من الزيدية.) وقد تقدم قول الشيبي: إنه قد التف حول الرضاعليه‌السلام (المرجئة، وأهل الحديث، والزيدية، ثم عادوا إلى مذاهبهم بعد موته..) وغير ذلك. والذي نريد أن نقوله هنا هو: أن (الإرجاء دين الملوك) على حد تعبير المأمون (على ما نقله عنه في ضحى الإسلام ج ٣ / ٣٢٦)، نقلاً عن طيفور في تاريخ بغداد.

وفي البداية والنهاية ج ١٠ / ٢٧٦: أن المأمون قال للنضر بن شميل: ما الإرجاء؟. قال: (دين يوافق الملوك، يصيبون به من دنياهم، وينقصون به من دينهم) قال: صدقت الخ. وليراجع كتاب بغداد ص ٥١، وعمدة القول بالإرجاء (القديم) هو: المغالاة في الشيخين، والتوقف في الصهرين، فالإرجاء والتشيع، وخصوصاً القول بإمامة موسى بن جعفر، وولده علي الرضا على طرفي نقيض ومن هنا كانت المساجلة الشعرية بين المأمون المظهر لحب علي وولده، وابن شكلة المرجي، يقول المأمون معرضا بابن شكلة:

إذا المرجي سرك أن تراه

يموت لحينه من قبل موته

فـجدد عـنده ذكرى علي

وصل على النبي وآل بيته

أما ابن شكلة فيقول معرضاً بالمأمون:

إذا الشيعي جمجم في مقال

فسرك أن يبوح بذات نفسه

فصل على النبي وصاحبيه

وزيـريه وجاريه برمسه

٢٠٣

= راجع: مروج الذهب ج ٣ / ٤١٧، والكنى والألقاب ج ١ / ٣٣١، وبعد هذا. فإنه لمن غرائب الأمور حقاً، الانتقال دفعة واحدة من القول بالإرجاء إلى التشيع، بل إلى الرفض (وهو الغلو في التشيع حسب مصطلحهم، والذي يتمثل بالقول بإمامة الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام ) وأغرب من ذلك العودة إلى الإرجاء بعد موت علي الرضاعليه‌السلام .

وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى تأثير السياسة والمال في هؤلاء الذين أخذوا على عاتقهم ـ بادعائهم ـ مسؤولية الحفاظ على الدين والذود عن العقيدة، فإنهم كانوا في غاية الانحطاط الديني، يتلونون ـ طمعاً بالمال والشهرة ـ ألواناً، حتى إن ذلك يحملهم على القول بعقيدة، ثم القول بضدها، ثم الرجوع إلى المقالة الأولى، إذا رأوا أن الحاكم يرغب في ذلك، ويميل إليه، ولهذا أسموا بـ‍ (الحشوية) يعني: أتباع وحشو الملوك، وأذناب كل من غلب، ويقال لهم أيضاً (وهم في الحقيقة أهل الحديث): (الحشوية، والنابتة، والغثاء، والغثر) على ما في كتاب: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص ٨٠.

وراجع أيضاً فرق الشيعة، ورسالة الجاحظ في بني أمية، وغير ذلك.

بل لقد أطلق عليهم المأمون نفسه لفظ (الحشوية) في مناقشته المشهورة للفقهاء والعلماء المذكور في العقد الفريد والبحار، وعيون أخبار الرضا وغير ذلك. وقال عنهم الزمخشري في مقام استعراضه للمذاهب والنحل، ومعتنقيها:

وإن قلت من أهل الحديث وحزبه

يـقولون تيس ليس يدري ويفهم

ويقابل كلمة (الحشوية) كلمة (الرافضة) التي شاع إطلاقها على الشيعة الإمامية.

ومعناها في الأصل: جند تركوا قائدهم. فحيث إن الشيعة لم يكونوا قائلين بإمامة أولئك المتغلبين، سموهم ب‍ـ (الرافضة) ولذا جاء في تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٦١: أن معاوية كتب إلى عمرو بن العاص:

 (أما بعد. فإنه قد كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، فقد سقط إلينا مروان في رافضة أهل البصرة الخ..). ومثل ذلك ما في وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ٣٤، فالمراد بكلمة رافضة هنا هو ذلك المعنى اللغوي الذي أشرنا إليه، فسمي الشيعة بالرافضة، لأنهم ـ كما قلنا ـ رفضوا الانقياد لأولئك الحكام المتغلبين.

٢٠٤

= يقول السيد الحميري على ما جاء في ديوانه وغيره ـ يهجو البعض:

أبـوك ابن سارق عنز النبي

وأمـك بـنت أبـي جحدر

ونحن على رغمك الرافضون

لأهـل الـضلالة والـمنكر

ولكن قد جاء في الطبري، مطبعة الاستقامة ج ٦ ص ٤٩٨، والبداية والنهاية ج ٩ ص ٣٣٠، ومقدمة ابن خلدون ص ١٩٨، ومقالات الإسلاميين ج ١ ص ١٣٠، وغاية الاختصار ص ١٣٤: أن سبب تسمية الشيعة بـ‍ (الرافضة) هو أنهم عندما تركوا نصرة زيد بن علي في سنة ١٢٢ ه‍. قال لهم زيد: رفضتموني، رفضكم الله، وهذا كذب راج على بعض الشيعة أيضاً حيث ذكروا وذكر الطبري في نفس الصفحة المشار إليها آنفاً: أن التسمية كانت من المغيرة بن سعيد، لما رفضته الشيعة.. وكانت قضيته سنة ١١٩ ه‍.

ولكن الحقيقة هي أن التسمية بالرافضة كانت قبل سنتي ١٢٢ ه‍ و ١١٩ ه‍. فقد جاء في المحاسن للبرقي ص ١١٩ طبع النجف، باب الرافضة: أن الشيعة كانوا يشكون إلى الباقر المتوفى سنة ١١٤ أن الولاة قد استحلوا دماءهم وأموالهم باسم: (الرافضة) الخ.

وجاء في ميزان الاعتدال طبع سنة ١٩٦٣ م. ج ٢ ص ٥٨٤ بعد ذكره لإسناد طويل أن الشعبي المتوفى سنة ١٠٤ ه‍. قال لأحدهم: (ائتني بشيعي صغير، أخرج لك منه رافضياً كبيراً).

وفي كتاب: روض الأخبار المنتخب من ربيع الأبرار ص ٤٠، أن الشعبي قال: (أحبب آل محمد ولا تكن رافضياً، وأثبت وعيد الله، ولا تكن مرجئياً.). بل لدينا ما يدل على أن تسمية الشيعة بـ‍ (الرافضة) كان قبل سنة المئة، فقد جاء في المحاسن والمساوي للبيهقي ص ٢١٢، طبع دار صادر وأمالي السيد المرتضى ج ١ ص ٦٨ هامش: أن لما أنشد الفرزدق أبياته المشهورة في الإمام زين العابدين، المتوفى سنة ٩٥ ه‍ قال عبد الملك بن مروان المتوفى سنة ٨٦ ه‍ للفرزدق: (أرافضي أنت يا فرزدق؟!). وعلى كل حال: فإن ذلك كله قد كان قبل قضيتي زيد والمغيرة ابن سعيد بزمان بعيد.

٢٠٥

أن يقضي على الزيدية، ويكسر شوكتهم بالبيعة للإمام الرضاعليه‌السلام بولاية العهد، ولهذا نرى أنه قد طبق اللقب، الذي طالما دعا إليه الزيدية، واعترف به العباسيون، بل ودعوا إليه في بدء دعوتهم ودولتهم، ألا وهو لقب: (الرضا من آل محمد)، طبقه على علي ابن موسىعليه‌السلام ، فسماه: (الرضا من آل محمد)(١) . فأصبحت بذلك حجته قوية على الزيدية، بل لم يعد لهم حجة أصلاً. وأصبح يستطيع أن ينام قرير العين، إذ قد أصبح (الرضا من آل محمد) موجوداً، فالدعوة إلى غيره ستكون لا معنى لها البتة. ولسوف تكون مرفوضة من الناس جملة وتفصيلا. وكان ذلك بطبيعة الحال السبب الرئيسي في إضعاف الزيدية، وكسر شوكتهم، وشل حركتهم.

والذي ساهم إلى حد كبير في إضعافهم، وشل حركتهم، هو اختياره الإمامعليه‌السلام بالذات، حيث إنه الرجل الذي لا يمكن لأحد كائناً من كان أن ينكر فضله، وعلمه، وتقواه، وسائر صفاته ومزاياه، التي لم تكن لأحد في زمانه على الإطلاق، فليس لهم بعد طريق للاعتراض عليه: بأن الذي اختاره لولاية عهده، والخلافة من بعده، ليس أهلاً لما أهله له. ولو أنهم ادعوا ذلك لما صدقهم أحد، ولكانت الدائرة حينئذ في ذلك عليهم، والخسران لهم دون غيرهم.

____________

(١) راجع: الفخري في الآداب السلطانية، ص ٢١٧، وضحى الإسلام ج ٣ ص ٢٩٤، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٢٤٧، والطبري، وابن الأثير، والقلقشندي وأبو الفرج. والمفيد وكل من تعرض من المؤرخين لولاية العهد. بل لقد صرح نفس المأمون بذلك في وثيقة ولاية العهد، وهذا يكفي في المقام.. ولقد قال دعبل:

أيا عجباً منهم يسمونك الرضا

ويـلقاك منهم كلحة وغضون

وهناك نصوص أخرى مفادها: أنه سمي الرضا، لرضا أعدائه، وأوليائه به، وعزى الشيبي في كتابه: الصلة بين التصوف والتشيع ص ١٣٨: عزا رضا أعدائه به إلى قوة شخصيتهعليه‌السلام .. أما نحن فنقول: إنه ليس من اليسير أبداً، أن تنال شخصية رضا كل أحد، حتى أعدائها. اللهم إلا إذا كان هناك سر إلهي، اختصت به تلك الشخصية، دون غيرها من سائر بني الإنسان..

٢٠٦

فذلكة لا بد منها:

هذا.. ولا يسعنا هنا إلا أن نشير إلى أن المأمون، لم يخترع أسلوباً جديداً للتصدي للزيدية، والحد من نفوذهم، وكسر شوكتهم، ببيعته للرضاعليه‌السلام ، إذ أنه كان قد استوحى هذه الفكرة من سلفة المهدي، الذي كان قد استوزر يعقوب بن داوود الزيدي، ليحد من نشاط الزيدية، ويكسر شوكتهم. وكان قد نجح في ذلك إلى حد ما: إذ لا يحدثنا التاريخ عن تحركات زيدية خطيرة ضد المهدي، بعد استيزاره ليعقوب، وتقريبه للزيدية، كتلك الأحداث التي حدثت ضد المنصور، وخصوصاً ثورة محمد وإبراهيم ابني عبد الله. كما يلاحظ أن تقريب العباسيين للزيدية في عصر المهدي، وتسليطهم على شؤون الدولة وإداراتها، لم يؤثر في الوضع العام أثراً يخشاه العباسيون، وذلك بلا شك مما يشجع المأمون على الإقدام على ما كان قد عقد العزم عليه، بجنان ثابت وإرادة راسخة.

يضاف إلى ذلك: أن سهولة إبعاد العباسيين لهم عن مراكز القوة، ومناصب الحكم على يد المهدي نفسه، الذي نكب يعقوب بن داوود، الوزير الزيدي، حيث لم تصاحبه ردة فعل، ولا نتج عنه أية حادثة تذكر ضد العباسيين، لا حقيرة، ولا خطيرة.. هو الذي شجع المأمون على أن يستوحي نفس الفكرة، ويلعب نفس اللعبة، ويتبع نفس طريقة المهدي. في مواجهتهم، وكسر شوكتهم، بالبيعة للرضاعليه‌السلام بولاية العهد بعده. وعلى كل حال، فإن هذا أسلوب قديم اتبعه العباسيون في دعوتهم الأولى أيضاً، حيث بايعوا للعلويين، وأظهروا أن الدعوة لهم وباسمهم..

ثم كانت النتيجة هي ما يعلمه كل أحد، حيث انقلبوا عليهم يوسعونهم قتلاً وعسفاً، وتشريداً عندما خافوهم. فلم يعودوا بحاجة إليهم.

ه‍ ـ : أضف إلى ذلك ما تقدم أن المأمون كان يعلم قبل أي شخص آخر بطبيعة العلاقات التي كانت قائمة بين الأئمةعليهم‌السلام ، وبين الزيدية، حيث إنها كانت على درجة من السوء والتدهور. وكان عدم التفاهم، والانسجام فيما بينهم واضحاً للعيان..

٢٠٧

حتى لقد شكى الأئمةعليهم‌السلام منهم، وصرحوا: بأن الناس قد نصبوا العداوة لشيعتهم، أما الزيدية فقد نصبوا العداوة لهم أنفسهم(١) ، وفي الكافي رواية مفادها: إنه عليه‌السلام قال إنهم قبل أن يصلوا إلى الحكم كانوا لا يطيعونهم فكيف تكون حالهم معهم لو أنهم وصلوا إلى الحكم وتبوءوا كرسي الرئاسة.

وقد رأينا: أن عبد الله بن الحسن، عندما جاء يعرض على الإمام الصادقعليه‌السلام كتاب أبي سلمة، الذي يدعوه فيه للقدوم إلى الكوفة، لتكون الدعوة له، وباسمه، فنهاه الإمامعليه‌السلام عن ذلك ـ رأيناه ـ ينازع الإمام الصادق الكلام، حتى قال له:

____________

(١) راجع: الوافي للفيض ج ١ ص ١٤٣، باب: الناصب ومجالسته.

هذا. ولا يمنع ذلك ما ورد عنهم عليهم‌السلام من أن خروج الزيدية وغيرهم على الحكام يدرؤا به عنهم، وعن شيعتهم: فقد جاء في السرائر قسم المستطرفات ص ٤٧٦ أنه: (ذكر بين يدي أبي عبد الله من خرج من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال عليه‌السلام : ((لا أزال أنا وشيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمد ..)) إلخ وذلك لأن اصطدامهم مع الحكام كان يصرف أنظار الحكام إليهم، ويفسح المجال أمام أهل البيت وشيعتهم إلى حد ما. ولم يكن هناك مجال لاتهام الأئمة وشيعتهم بالتواطؤ معهم، مع ما كان يراه الحكام من عدم الانسجام الظاهر بين الأئمة وبين الزيدية، وغيرهم من الثائرين وسلبية كل فريق منهما تجاه الآخر..

وأخيراً.. فلا بد لنا هنا من الإشارة إلى أن ثورات العلويين، سواء على الحكم الأموي، أو الحكم العباسي، قد ساهمت في أن يبقى حق العلويين في الحكم متحفظاً بقوته وحيويته في ضمير الأمة، ووجدانها. ولم تؤثر عليه حملات القمع والتضليل، التي كان الحكم القائم آنذاك يمارسها ضدهم، وضد هذا الحق الثابت لأهل البيتعليهم‌السلام بالنص.

٢٠٨

(والله، ما يمنعك من ذلك إلا الحسد) إلخ وقد انصرف عبد الله آخر الأمر مغضباً(١) .

ورأينا أيضاً أنه في موقف آخر له مع الإمام الصادقعليه‌السلام يتهمه بنفس هذه التهمة، ويصمه بعين هذه الوصمة، وذلك عندما أرادوا البيعة لولده محمد، وأبدى الإمامعليه‌السلام رأيه في ذلك. ذلك الرأي الذي كشفت الأيام عن صحته وسداده(٢) .

بل لقد كان عيسى بن زيد يقول لمحمد بن عبد الله: (.. من خالفك من آل أبي طالب، فأمكني أضرب عنقه.)(٣) وقد تجرأ عيسى هذا أيضاً على الإمام الصادق بكلام لا نحب ذكره.

وأما موقف محمد بن عبد الله نفسه مع الإمام الصادقعليه‌السلام ، فأشهر من أن يذكر، حيث إنه سجن الإمامعليه‌السلام ، واستصفى أمواله، وأسمعه كلاماً قاسياً، لا يليق بمقام الإمام وسنه(٤) .

إلى آخر ما هنالك مما يدل على كرههم، وحقدهم على الأئمةعليهم‌السلام . أو بالأحرى حسدهم لهم..

____________

(١) راجع: مروج الذهب ج ٣ ص ٣٥٤، ٣٥٥، وغيره من المصادر.

(٢) الصواعق المحرقة ص ١٢١، وينابيع المودة للحنفي ص ٣٣٢، ٣٦١، ومقاتل الطالبيين ص ٢٥٥، ٢٥٦، ٢٧٠، وغير ذلك.. وفي هذا الأخير: أن عبد الله ابن الحسن لم يرض باستدعاء الإمام، ولا وافق عليه، عندما أرادوا البيعة لولده محمد، وبعد أن أقنعوه، وحضر الإمام، جرى بينهما ما جرى.

(٣) قاموس الرجال ج ٧ ص ٢٧٠.

(٤) قاموس الرجال ج ٧ ص ٢٧٠، و ج ٨ ص ٢٤٢، ٢٤٣ والبحار ج ٤٧ ص ٢٨٤، ٢٥٨.

٢٠٩

والمأمون.. كان يعلم بذلك كله، ويدركه كل الإدراك، ولهذا فإننا لا نستبعد أنه ـ وهو الداهية الدهياء ـ قد أراد أيضاً في جملة ما أراد: أن يوقع الفتنة بين آل علي أنفسهم. أي: بين الأئمة، والمتشيعين لهم، وبين الزيدية، ويقف هو في موقف المتفرج المتربص حتى إذا أضعف كل واحد من الفريقين الفريق الآخر، ولم يعد فيهما بقية.. انقض هو عليهما، وقضى عليهما بأهون سبيل.

بل إن بعض الباحثين يرى: أنه أراد من لعبته هذه: (.. ضرباً للثائرين العلويين من إخوة علي بن موسى بأخيهم.)(١) .

ولو أننا استبعدنا كل ذلك، فلا أقل ـ كما قلنا ـ من أن حجته أصبحت قوية على الزيدية، وعلى كل من يدعو إلى (الرضا من آل محمد)، ولم يعد يخشى أحداً منهم، بعد أن أصبح (الرضا من آل محمد) موجوداً.

الهدف التاسع:

كما أنه ببيعته للإمام الرضاعليه‌السلام بولاية العهد، وقبول الإمامعليه‌السلام بذلك.. يكون قد حصل على اعتراف من العلويين، على أعلى مستوى بشرعية الخلافة العباسية، ولقد صرح المأمون بأن ذلك، كان من جملة أهدافه، حيث قال: (.. فأردنا أن نجعله ولي عهدنا، ليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة لنا..) وسنتكلم حول تصريحات المأمون هذه بنوع من التفصيل في فصل: مع بعض خطط المأمون، وغيره إن شاء الله تعالى.

نعود إلى القول: إن تصريح المأمون هذا يعطينا: أن قبول الإمام بأن يكون ولي عهد المأمون، إنما يعني بالنسبة للمأمون: أن الإمام يكون قد أقر بأن الخلافة ليست له دون غيره، ولا في العلويين دون غيرهم، وأنه كما يمكن أن يكون هو جديراً بها، وأهلا لها، وكذلك غيره يمكن أن يكون كذلك. وليتمكن المأمون بذلك من محاربة العلويين بنفس السلاح الذي بأيديهم، وليصير ـ من ثم ـ من الصعب استجابة الناس لهم، إذا دعوا لأية ثورة ضد حكم اعترفوا هم بشرعيته، وأيدوه، وتعاونوا معه من قبل، وعلى أعلى مستوى ومن أعظم شخصية فيهم.

____________

(١) هو الدكتور كامل مصطفى الشيبي في كتابه: الصلاة بين التصوف والتشيع ص ٢١٩.

٢١٠

بل لقد كان يريد أن يحصل من العلويين على اعتراف بأن الحكم حق للعباسيين فقط. أما هم، فليس لهم فيه أدنى نصيب، وما فعله المأمون من إسناد ولاية العهد لواحد منهم، ما كان إلا تفضلاً وكرماً، ومن أجل أن يجمع شمل البيتين العلوي والعباسي، وتصفو القلوب ويمحو ما كان من أمر الرشيد وغيره من أسلافه مع العلويين.

ولقد حاول المأمون أن ينتزع من الإمام اعترافا بأن الخلافة حق للعباسيين، شفاهاً أيضاً فكانت النتيجة عكس ما أراد المأمون، وذلك عندما عرض بالمن على الإمام بأن جعله ولي عهده، فأجابه الإمامعليه‌السلام : بأن هذا الأمر لم يزده في النعمة شيئاً، وأنه وهو في المدينة كانت كتبه تنفذ في المشرق والمغرب.

كما أن المأمون قد قال لحميد بن مهران، وجمع من العباسيين: (.. وليعتقد فيه المفتونون به، بأنه ليس مما ادعى في قليل، ولا كثير، وأن هذا الأمر لنا دونه.) ولسوف يأتي الكلام عن هذه التصريحات إن شاء الله كما قلنا.

وبعد.. فإنه لا يكون من المبالغة في شيء لو قلنا: إن حصول المأمون على اعتراف من العلويين، ومن الإمام الرضاعليه‌السلام خاصة، بشرعية خلافته، وخلافة، بني أبيه أخطر على العلويين من الأسلوب الذي انتهجه أسلافه من أمويين وعباسيين ضدهم،: من قتلهم، وتشريدهم، وسلب أموالهم، إلى غير ذلك مما هو معروف ومشهور.

الهدف العاشر:

يضاف إلى ذلك، أنه يكون قد حصل على اعتراف ضمني من الإمام بشرعية تصرفاته، طيلة فترة ولاية العهد، وليعطي الناس ـ من ثم ـ الصورة التي يريدها عن الحكم والحاكم، وليؤكد للملأ أجمع: أن الحاكم هذا هو سلوكه، وهذه هي تصرفاته: من كان، ومهما كان، وإذن فليس لهم بعد حق في أن يتطلعوا إلى حكومة أحد على أن بها شيئاً جديداً، ولا أن ينظروا إلى جهة على أنها يمكن أن يكون بها المنقذ لهم، والمخرج من الظلمات إلى النور، حتى ولو كانت تلك الجهة هي آل بيت نبيهم، فإنه من الطبيعي أن يتبع السياسيون أساليب، ويتكلموا بأشياء كثيرة، ينسبونها بمجرد وصولهم إلى الحكم، وتسلمهم لازمة السلطة، فإن تلك لا تعدو كونها تكتيكات، ووعودا انتخابية، يحتاجون إليها في ظروف معينة، ثم يستغنون عنها.. كما كانت الحال في وعود المأمون، التي أشرنا إليها فيما تقدم.

٢١١

وهكذا.. فيكون سكوت الإمام في فترة ولاية العهد، عن تصرفات الهيئة الحاكمة، دالا على رضاه بها، ويعتبر إمضاء لها.. وبعد هذا.

فلا يجب أن يكون من العسير على الناس أن يتصوروا طبيعة وماهية حكم الإمام، وكل من يقدر له أن يصل الحكم والسلطان، سواء من العلويين، أو من غيرهم.

وإذا كانت الصورة واحدة، والجوهر واحد، والاختلاف إنما هو فقط في الاسم والعنوان، فليس لهم بعد حق، أو على الأقل ما الداعي لهم، لأن يطلبوا حكماً أفضل، أو حكاماً أعدل، فإنه طلب لغير موجود، وسعي وراء مفقود.

الهدف الحادي عشر:

هذا.. وبعد أن يكون المأمون قد حصل على كل ما قدمناه، وحقن دماء العباسيين، واستوثقت له الممالك، ولم يعد هناك ما يعكر صفو حياته(١) ، وقوي مركزه، وارتفع بالخلافة من الحضيض المهين، الذي أوصلها إليه أسلافه إلى أوج العظمة، والتمكن والمجد. وأعطاها من القوة والمنعة، ووهبها من الحياة في ضمير الأمة ووجدانها ما هي بأمس الحاجة إليه.. ولتتمكن من ثم من الصمود في وجه أية عاصفة، وإخماد أية ثورة، ومقاومة كل الأنواء، وذلك هو حلمه الكبير، الذي طالما جهد في تحقيقه إنه بعد أن يكون قد حصل على كل ذلك وسواه مما قدمناه:

____________

(١) لقد صرح الذهبي في الجزء الأول من كتابه (العبر) بأنه في سنة ٢٠٠ ه‍. استوثقت الممالك للمأمون. وهذه هي نفس السنة التي أتي فيها بالإمامعليه‌السلام من المدينة إلى مرو.. ولكن اليافعي في مرآة الجنان ج ٢ ص ٨: قد جعل ذلك في سنة ٢٠٣: أي في السنة التي تخلص فيها المأمون من الإمام الرضاعليه‌السلام بواسطة السم الذي دسه إليه.. وفي اليعقوبي ج ٢ ص ٤٥٢ طبع صادر: أنه في السنة التي غادر فيها المأمون خراسان: (لم تبق ناحية من نواحي خراسان يخاف خلافها).

٢١٢

يكون قد أفسح لنظام حكمه المجال ـ تلقائيا ـ لتصفية حساباته مع خصومه، أياً كانوا. وبأي وسيلة كانت، وبهدوء، وراحة فكر واطمئنان إن اقتضى الأمر ذلك.

كما أنه يكون قد مهد الطريق لتنفيذ الجزء الثاني ـ ولعله الأهم ـ من خطته الجهنمية، بعيداً عن الشبهات، ودون أن يتعرض لتهمة أحد، أو شك من أحد..

ألا وهو: القضاء على العلويين بالقضاء على أعظم شخصية فيهم. وليكون بذلك قد قضى نهائياً، وإلى الأبد، على أكبر مصدر للخطر، يمكن أن يتهدده، ويتهدد خلافته ومركزه.

إنه يريد زعزعة ثقة الناس بهم، واستئصال تعاطفهم معهم، وليحوله ـ إن استطاع ـ إلى كره ومقت، بالطرق التي لا تمس العواطف والمشاعر، ولا تثير الكثير من الشكوك والشبهات.

يظهر ذلك في محاولاته إسقاط الإمام إجتماعياً، والوضع منه قليلاً قليلاً، حتى يصوره أمام الرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر، وليدبر فيه في نهاية الأمر بما يحسم عنه مواد بلائه.. كما صرح لحميد بن مهران، وجمع من العباسيين، وسنتكلم بنوع من التفصيل عن محاولات المأمون هذه، التي باءت كلها بالفشل الذريع، وعادت عليه بالخسران، لأن الإمامعليه‌السلام كان قد أحبطها عليه، بل لقد كان لها من النتائج العكسية بالنسبة إليه ما جعله يتعجل بتصفية الإمام جسديا، بعد أن أشرف هو منهعليه‌السلام على الهلاك.. بالطريقة التي حسب أنها سوف لا تثير الكثير من الشكوك والشبهات.

ملاحظة لا بد منها:

ومن الأمور الجديرة بالملاحظة هنا: أن المأمون كان يقدر أن مجرد جعل ولاية العهد للإمام، سوف يكون كافيا لتحطيمه إجتماعياً، وإسقاطه نهائياً من أعين الناس، حيث يظهر لهم بالعمل ـ لا بالقول: أن الإمام رجل دنيا فقط، وأن تظاهره بالزهد والتقوى ما هو إلا طلاء زائف، لا واقع له، ولا حقيقة وراءه. ولسوف تكون النتيجة هي تشويه سمعة الإمامعليه‌السلام ، وزعزعة ثقة الناس به، وذلك بسبب الفارق الكبير بالسن، بين الخليفة الفعلي، وبين ولي عهده، إذ إن ولي العهد لا يكبر الخليفة الفعلي بسنتين، أو ثلاثة، أو خمسة، لا.. بل أكثر من ذلك بكثير، إنه يكبره بـ‍(٢٢) سنة،

٢١٣

وإنه لمن الأمور غير الطبيعية أبداً: أن يقبل ولاية العهد، وهو يكبر الخليفة الفعلي بهذا المقدار الكبير من السنين، ولسوف يكون قبوله لها ـ مع هذا الفارق بينهما ـ موجبا لجعله عرضة لشكوك الناس، وظنونهم، ولسوف يتسبب بوضع علامات استفهام كبيرة حوله.. كما كان الحال، بالنسبة لسؤال محمد بن عرفة، وكلام الريان المتقدم.. ولسوف يفسر(١) ذلك من أولئك الذين لا يدركون حقيقة ما يجري، وما يحدث، ـ وما أكثرهم ـ بتفسيرات تنسجم مع رغائب المأمون، وأهدافه. لأنهم سوف يرون أن زهدهعليه‌السلام بالدنيا، ليس إلا ستاراً تختفي وراءه مطامعه فيها، وحبه المستميت لها، حتى إنه ليطمع أن يعيش إلى ما بعد الخليفة الفعلي، الذي هو أصغر من ولده، ويصل إلى الحكم.. وباختصار نقول:

إنه يريد أن: (.. يعتقد فيه المفتونون به بأنه: ليس ما ادعى في قليل ولا كثير.) حسبما صرح به هو نفسه.. وعلى حد قول الإمام نفسه، الذي كان يدرك خطة المأمون هذه: (.. أن يقول الناس: إن علي بن موسى، لم يزهد في الدنيا، بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا بالخلافة؟!.). كما سيأتي.

____________

(١) ولكنا، مع ذلك نجد: أن قسما من أصحاب الرضاعليه‌السلام ، ممن كانوا يراقبون الأحداث بوعي ودراية، كانوا يدركون نوايا المأمون وأهدافه هذه ففي البحار ج ٤٩ ص ٢٩٠، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٩: أنه قد سئل أبو الصلت: (كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا مع إكرامه ومحبته له، وما جعل له من ولاية العهد بعده؟! فقال: إن المأمون كان يكرمه ويحبه لمعرفته بفضله، وجعل له ولاية العهد من بعده، ليري الناس أنه راغب في الدنيا، فلما لم يظهر منه إلا ما ازداد به فضلاً عندهم، ومحلاً في نفوسهم، جلب عليه إلخ.).

٢١٤

وعن الريان قال: دخلت على الرضا، فقلت: يا ابن رسول الله، إن الناس يقولون: إنك قبلت ولاية العهد، مع إظهارك الزهد في الدنيا؟!، فقالعليه‌السلام :((قد علم الله كراهتي..)) (١) وقد أشرنا إلى سؤال محمد بن عرفة، وكلام الريان فيما تقدم.

وعلى أي شيء يبكي المأمون، ومن أجل أي شيء يشقى ويتعب، ويسهر الليالي، ويتحمل المشاق.. إلا على هذا.. إن هذا هو أجل أمنياته وأغلاها.

سؤال وجوابه:

قد يدور بخلد القارئ أن ما ذكرناه هنا: فيما يتعلق بالفارق الكبير بالسن، ينافي ما تقدم من أن المأمون كان يريد الحصول على قاعدة شعبية، والارتفاع بالخلافة من الحضيض الخ.

ولكن الحقيقة هي:

أنه لا منافاة هناك.. ويمكن للمأمون أن يقصد كل ذلك من البيعة، لأن مقدار التفاوت بالسن بين الإمامعليه‌السلام والمأمون، لم يكن مما يعرفه الكثيرون، ولا مما يلتفت إليه عوام الناس في بادئ الأمر، لأنهم يأخذون الأمور على ظواهرها، ولا يتنبهون إلى مثل ذلك، إلا بعد تنبيه وتذكير، فللوهلة الأولى تجوز عليهم الخدعة، ويقدرون خطوة المأمون هذه، وتنتعش الآمال في نفوسهم بالحياة الهنيئة السعيدة، تحت ظلم حكم بدا أنه يتخذ العدل ديدنا، والإنصاف طريقة..

____________

(١) علل الشرايع ص ٢٣٨، والبحار ج ٤٩ ص ١٣٠، وأمالي الصدوق ص ٤٤، ٤٥.

٢١٥

ثم.. وبعد أن يجند المأمون أجهزة إعلامه، من أجل تسميم الأفكار، يجد أن نفوس الناس مهيأة ومستعدة لتقبل ما يلقى إليها. ويكون لديه ـ باعتقاده ـ من الحجج ما يكفي لإسقاط الإمام، وزعزعة ثقة الناس به. ولا يؤثر ذلك بعد ذلك على الحكم، فإن الحكم يكون قد استنفذ أغراضه من البيعة. وحصل على ما يريد الحصول عليه منها.. هذا ولا بد لنا هنا من ملاحظة أن المأمون وأجهزة إعلامه كانوا في مقابل وصم الإمام بالرغبة بالدنيا والتفاني في سبيلها.. يشيعون بين الناس عن المأمون عكس ذلك تمام، فيطلب المأمون من وزيره أن يشيع عنه الزهد، والورع والتقوى(١) .. وأنه لا يريد مما أقدم عليه الأخير الأمة ومصلحتها، حيث قد اختار لولاية عهده أفضل رجل قدر عليه، رغم أن ذلك الرجل هو من ذلك البيت الذي لا يجهل أحد موقفه من حكم العباسيين، وموقف العباسيين منه كما يتضح ذلك من وثيقة ولاية العهد، وغيرها.

رأي الناس فيمن يتصدى للحكم:

لعل من الواضح أن كثيراً من الناس كانوا يرون ـ في تلك الفترة من الزمن ـ لقصر نظرهم، وقلة معرفتهم: أن هناك منافاة بين الزهد والورع، والتقوى، وبين المنصب، وأنهما لا يتفقان، ولا يجتمعان.

____________

(١) تاريخ التمدن الإسلامي ج ٤ ص ٢٦١.

٢١٦

وقد رأينا الكثيرين يمتنعون على تولي المناصب للحكام، لما يرونه من المنافاة المشار إليها.

ولعل سر فهمهم هذا: هو أنهم كانوا قد اعتادوا من الحكام التجاوز على الحقوق، والدماء، والأموال، وعلى أحكام الدين، والنواميس الإنسانية، بشكل عام. والزهد والورع لا يتلائم مع ذلك كله، ولا ينسجم معه.

ولكن الحقيقة هي: أن لا منافاة بينهما أبداً، فإن الحكم إذا كان وسيلة لإيصال الخير إلى الآخرين، ورفع الظلم عنهم، وإشاعة العدل، إقامة شريعة الله تعالى، فيجب السعي إليه، والعمل من أجله، وفي سبيله.. بل إذا لزم من ترك السعي إليه، تضييع الحقوق، وانهيار صرح العدل، والخروج على أحكام الدين، فإن ترك السعي هذا، يكون هو المنافي للزهد والورع والتقوى..

ولقد قاد النبيعليه‌السلام الأمة، وقبله قادها سليمان بن داوود، وغيره، وبعده الإمام علي بن أبي طالب، وولده الحسن، ثم الحسين، وهكذا..

وحال هؤلاء في الزهد والورع، لا يحتاج إلى مزيد بيان، وإقامة برهان، بل لم يكن على ظهرها أزهد، ولا أتقى، ولا أفضل، ولا أورع منهم، عدوهم يعرف منهم ذلك تماماً كما يعرفه منهم صديقهم. فعدا عن الأنبياء الذين كانوا القمة في الورع والزهد والتقوى، نرى الإمام عليعليه‌السلام قمة في ذلك أيضاً، وقد رقع مدرعته حتى استحيا من راقعها، وكان راقعها هو ولده (الإمام الحسنعليه‌السلام )(١) . وكان يصلي في بيت المال ركعتين شكراً لله، بعد فراغ المال منه. وكان يقول:((إليك عني يا دنيا غري غيري، أبي تعرضت؟!..)) الخ وهو الذي قال فيه عدوه معاوية: (لو كان له بيتان: بيت من تبر، وآخر من تبن، لأنفق تبره قبل تبنه.). إلى غير ذلك مما لا مجال لنا لتتبعه واستقصائه..

____________

(١) راجع: الدرة النجفية ص ٣٠٣، طبعة حجرية.

٢١٧

العلويون يدركون نوايا المأمون:

إن نوايا المأمون تجاه العلويين، ومحاولاته لإسقاطهم إجتماعياً، وابتزازهم سياسياً.. حتى إذا أخفق في ذلك راح يختلهم واحداً فواحداً، كلما واتاه الظرف، وسنحت له الفرصة.. لم يكن العلويون يجهلونها، بل كانوا يدركونها كل الإدراك، ولم تكن تخدعهم تلك الشعارات والأساليب المبهرجة. وحسبنا هنا أن نذكر في مقام التدليل على هذا: أن المأمون كتب لعبد الله بن موسى، بعد وفاة الرضا، يعده بأنه يجعله ولي عهده، ويقول له: (ما ظننت أن أحداً من آل أبي طالب يخافني بعد ما عملته بالرضا).

فأجابه عبد الله يقول: (وصل إلي كتابك، وفهمته، تختلني فيه عن نفسي مثل القانص، وتحتال علي حيلة المغتال، القاصد لسفك دمي. وعجبت من بذلك العهد، ولايته لي بعدك، كأنك تظن: أنه لم يبلغني ما فعلته بالرضا؟! ففي أي شيء ظننت أني أرغب من ذلك؟ أفي الملك الذي غرتك حلاوته؟!.

إلى أن يقول: أم في العنب المسموم الذي قتلت به الرضا؟!).

ويقول له أيضاً ـ والظاهر أنه نص آخر للرسالة ـ: (هبني لا ثأر لي عندك، وعند آبائك المستحلين لدمائنا الآخذين حقنا، الذين جاهروا في أمرنا، فحذرناهم. وكنت ألطف حيلة منهم، بما استعملته من الرضا بنا، والتستر لمحننا، تختل واحداً،

____________

(١) ترجمة الإمام عليعليه‌السلام من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ج ٣ ص ٥٨ ـ ٦٠.

٢١٨

فواحداً منا الخ..)(١) .

ولا بد من ملاحظة: منافاة وعده هذا لعبد الله بن موسى بأن يجعل له ولاية العهد.. للرسالة التي أرسلها إلى العباسيين في بغداد، فور وفاة الرضاعليه‌السلام ، ويعدهم فيها بأن يجعل ولاية العهد فيهم، وسنشير إلى رسالته لهم في فصل: مع بعض خطط المأمون إن شاء الله وعلى كل حال.. فإننا نستطيع أن نفهم من هذه الرسالة التي لعبد الله بن موسى أموراً، نشير إلى بعضها:

أولاً: إن المأمون كان قد جعل ولاية العهد وسيلة لختل الشخصيات التي كان يخشاها، والغدر بها، إذ إن من المقبول والطبيعي ـ كما يرى البعض ـ أن يكون ولي العهد هو الذي يتآمر، ويدبر للتخلص من الخليفة الفعلي، ليختصر المسافة، ويصل إلى الحكم، الذي ينتظر الوصول إليه، والحصول عليه بفارغ الصبر. وليس من الطبيعي، ولا من المقبول أن يتآمر الخليفة على ولي عهده، إلا إذا كان يريد أن يجعل الخلافة لمن هو أعز عليه منه، وهذا ما نفاه المأمون عن نفسه في أكثر من مناسبة.

وهكذا.. فإن النتيجة تكون: أن الخليفة الفعلي يكون آخر من يتهم في ولي العهد، إذا ما راح ضحية التآمر والاغتيال، وعرف الناس ذلك. وهذا بلا شك من جملة ما كان يريده المأمون، ويسعى إليه.

ثانياً: إن المأمون رغم الصعوبات التي واجهها في فترة تولية الرضاعليه‌السلام العهد.. يبدو أنه كان يعتبر نفسه منتصراً وناجحاً في لعبته تلك، ولذلك نرى أنه قد حاول تكرار نفس اللعبة مع عبد الله بن موسى. ولكن يقظة هذا الأخير، الذي كانت ظروفه تختلف عن ظروف الإمامعليه‌السلام قد فوتت عليه الفرصة، وأعادته. بخفي حنين.

____________

(١) مقاتل الطالبيين للأصفهاني ص ٦٢٨، إلى ص ٦٣١، وسنورد الرسالة في أواخر هذا الكتاب إن شاء الله.

٢١٩

كما أننا لا نستبعد أن المأمون قد أراد بالإضافة إلى ذلك التستر على غدره بالرضاعليه‌السلام ، بعد أن كان قد افتضح واشتهر، رغم محاولاته الجادة للتستر والكتمان.

ثالثاً: ما تقدمت الإشارة إليه من أن إكرامه للعلويين، والرضا بهم، والتستر لمحنهم، ما كان منه إلا ضمن خطة مرسومة، وإلا سياسة منه ودهاء، من أجل أن يأمن العلويون جانبه، ويطمئنوا إليه، كما يدل عليه قوله لعبد الله بن موسى: (ما ظننت أحداً من آل أبي طالب يخافني بعد ما عملته بالرضا) وقد قدمنا أنه أشار إلى ذلك أيضاً في كتابه للعباسيين، فلا نعيد..

رابعاً: أنه لم يستطع أن يخفي عن العلويين ـ كما لم يستطع أن يخفي عن غيرهم ـ غدره بالإمام الرضاعليه‌السلام ، وسمه له بالعنب، وكذلك غدره بغيره من العلويين. وسر ذلك واضح، فإن جميع الدلائل والشواهد كانت متوفرة على ذلك، كما سيأتي بيان جانب من ذلك في فصول هذا الكتاب بنوع من التفصيل.

موقف الإمام في مواجهة مؤامرات المأمون:

لقد رأينا كيف أن المأمون أراد من لعبته تلك، التغلب على المشاكل التي كان يواجهها، والاستفادة في تقوية دعائم خلافته، وخلافة العباسيين بشكل عام.. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هو موقف الإمامعليه‌السلام نفسه من لعبة المأمون تلك، وخططه، وأهدافه؟، وهل أفسح المجال للمأمون ليحقق كل ما يريد تحقيقه، ويصل إلى ما

كان يريد الوصول إليه؟.. وهل كانت لديه خطط من نوع معين، وأهداف معينة كان يسعى من أجل الوصول إليها، والحصول عليها؟!.

الحقيقة هي: أن الإمامعليه‌السلام قد استطاع، بما اتبعه من خطة حكيمة، وسلوك مثالي: أن يضيع على المأمون كافة الفرص، ويجعله يبوء بالخيبة والخسران، ويمنى بالفشل الذريع، حتى لقد أشرف المأمون منه على الهلاك، وبدا الارتباك واضحاً في كل تصرفاته، وأقواله، وأفعاله..

وسيأتي في الفصول الآتية في القسمين: الثالث، والرابع بيان بعض ما يتعلق بذلك إن شاء الله.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

النهر بعيداً عن هذا الخليج (١) .

* * *

ثُمّ وبعد أنْ فَرَغ مِن أَمر آسيا الصُغرى - الواقعة في غربيّ البلاد - تَوجّه شمالاً وفي شرقيّ البلاد؛ لإخضاع أَقوام هناك كانوا قد تَعسَّفوا وأَفسدوا في الأرض، فحاربهم مُحاربةً عنيفةً طالت ثَماني سنوات، حتّى سادَ الأَمن على تلك البلاد.

( ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ (شرقيّ البلاد) وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ (وَحْش) لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْر اً)، عن الباقر (عليه السلام): (لم يَعلموا صَنعَة البُيوت) (٢) فلم يَعرفوا بِناية السُقُوف والبُنيان، سِوى اللجوء إلى الأَسراب وغُدران المياه من حرارة الشمس (٣) .

والمنطقة كانت صحراويّةً قاحِلةً مُمتدّةً من شماليّ بحر قزوين حتّى شواطئ المـُحيط الهندي وتشمل بلاد (مكران - سيستان و بلوخستان)، وظلّ كورش يُعالج إخضاع تلك الأقوام خِلال ثمانية أعوام (٤) .

وقد دلّت الدِراسات التي أُجريت على قياس الجنس الإنساني سنة ١٩٠١ م بالهند قبل التقسيم وحين كانت صحراء غيدروسيا (مكران، بلوخستان، سيستان) تابعةً لها على حُدود إيران و أفغانستان، على أنّ السّكّان يَنتمون إلى الجنس التركي الإيراني الذي يَتّسم بقِصَر القامَة على العُموم، ومُعظمهم من ذَوي الرؤوس العريضة، ويَبلُغ قياس مخّهم (٨٠ - ٨١) وأُنوفهم طويلة، وشَعر رأسهم ولحيتهم غَزيرٌ، ولونُ العيون والشعر أَسود غالباً، وبَشَرتهم بَيّنة فاتحة وهي تَميل إلى الدُكْنَة كلّما اقتربنا من الشاطئ...

وهذه سِمات بقايا قبائل بدائيّة شَرِسَة كانت تَعيش بالإقليم منذ (٤٠٠٠) سنة، ويمكن تقسيم سُلالاتهم إلى البلوش - البراهوئي - الهُنود والبَربر.

وقِسمٌ مِن البلوش يَعيش الآن في سَهلِ كججهر حتّى خطّ عرض (٣١) شمالاً، ويَقطن عدد كبير منهم السُهُول الجنوبيّة وشماليّ سندة وناحية يعقوب آباد.

أمّا البراهوئي

____________________

(١) مفاهيم جغرافيّة، ص ٢٣٩ - ٢٤٥.

(٢) مجمع البيان، ج ٦، ص ٤٩١.

(٣) عن الحسن وقتادة وابن جريج، والسَّرَب: الحفير تحتَ الأرض، النَفق.

(٤) راجع: تأريخ إيران، ص ٦٨.

٤٨١

فيتجمَّعون حولَ (كلات) و (كوطة) وتَتَّسع رُقعَة تواجدهم لتَشمل منطقة (ليس بيله).

والراجح أنّ البلوش - كما يقول علماء الأَجناس البشريّة - دَخَلوا صحراء مركان عن طريق كرمان وسجستان وانتشروا سريعاً حتّى حُدود الهند... وإن كان ذلك لا يزيد على درجة التَكهُّن كما قيل، وقد يكون الأَقرب إلى الصواب أنّ مُعظمَهم كانوا من الجنس الهندي...

وأَقدم تَسمية لدينا لهذه المنطقة ما عَثَر عليه المؤرِّخون في نُقُوش بهستون (بيستون)... وهي لفظة مِكيا ( Mekia ) كما ذَكَر لنا هيرودوت... أو لفظة ( Mykians ) أي بلد الميكيان التي كانت ضِمْن ولايات الإمبراطوريّة الفارسيّة الرابعة عشرة.

ويَجمع هيرودوت في كلامه - في مواضع أُخرى - بين الميكيان واليوتيان ( Utians ) والباركانيان ( parikanians ) الذين كانوا مُقاتِلينَ كالباكتيان ( poktans )...

وعَيَّن بطليموس الحُدود بين الهند وفارس بحيث ترك الجزء الشرقي من (سيستان) في الهند... ويقول أرّيان ( Arrian ): إنّ الغيدروسيّينَ أو الكيدروسيّينَ (سُكّان غيدروسيا) كانوا يُقيمون في الوديان الداخليّة إلى الغرب من سيستان، وقد سُمّي الإقليم كلّه باسمهم كدروسيا (كدرسيا) (غدروسيا) ( cadrosia ) كما ذَكَر مولانا أبو الكلام آزاد نفس التَسمية للإقليم...

وتَتَفرّع من قبائل غيدروسيا جماعات بدائيّة تُسمّى (الأشيوفاكوي) كانت تَقطُن المناطق الصحراويّة المـُطلِّة على المـُحيط الهندي وهم مِن الصيّادينَ القُدامى... ويُمثِّلهم الآن قبائل (الميديّة) وبعض القبائل الأخرى...

وظلّ غيدروسيا (مكران، سيستان، بلوخستان) الاسم المـُعتَرف به - لتلك الصحاري غرب الهند - في الزمن القديم... ومِن النادر أنْ نَعثر على تَسمية هيرودوت (مِكيا) في الكتابات التأريخيّة منسوبة للإقليم...

غير أنّنا لا نَنْكُر بقاء استعمال هذه التَسمية طَوال القُرون السبع الميلاديّة الأَوائل حتّى جاء الفتح الإسلامي للإقليم في العام السابع عشر للهجرة المـُوافِق سنة ٦٣٩ م، فقد

٤٨٢

ذَكَروا لنا أنّهم وَجَدوا الاسم (مكيان) (مكران)، وهو النطق الحالي عند البلوش.

وتقترب الصورة مِن الوُضوح حين فَسَّر (مولسويرث سيكس) ( sykes Moulesworth ) المـَقطع الأخير مِن الاسم مَنطوقاً بالسنسكريتيّة، على أنّه (عرانيا) ومعناها: الأرض القاحِلة.

ويُؤكِّد (هولدخ) أنّ اسم (غيدروسيوي) هو مكران، وهو اسم عشيرة مِن (لس بيلة)... وعشيرة كِدور أو (غيدور) الآن اسم عشيرة ضَئيلة الشأن مِن أَصل هندي لا يزيد عددُ مَن بقي منها حتّى الآن على (٢٠٠٠) نَسَمَة.

وكثيراً ما بَحَث العلماء في أصل اسم (بلوش) وأسماء القبائل والعشائر الرئيسيّة القديمة الجذور، وَيَرون - على الأرجح - أنّ جميع أَسماء القبائل والعشائر الحديثة (الموجودة الآن) ليست إلاّ منسوبةً إلى السَلف وليس الحال كذلك بالنسبة للأسماء الأقدم عهداً مِثل الغيدروسيّين، كما أنّ بعض الأسماء الرئيسيّة الموجودة الآن إمّا أن تكون ألقاباً أو ألفاظاً تَدلّ على المـَدح أو الذمّ.

ومن الواضح أنّ الأرض القاحِلة (غيدروسيا) كانت مأوى لقبائل مُتأخِّرة، لا تَعِرف الزراعة ولا الاستقرار ولا بِناء البُيوت الثابتة حتّى ولا الخِيام، وأنّهم كانوا يعيشون على الجَمْعِ والالتقاط حتّى تحين فُرصة بين وقت وآخر فيُغيرون على حُدود الصحراء المـُتاخِمة للإمارات الفارسيّة في القَرن السادس قبل الميلاد.

والإقليم من الناحية الطبيعيّة جزء من الصحاري الحارّة المـُتاخِمة للمـَدارَينِ والتي يَقُلّ المـُعدّل السنوي للأمطار فيها عن (١٠٠ م. م) (١) ، وهذا لا يَسمح بنُموّ غطاء نباتي واضح، والإقليم مُصاب بالجَفاف مُنذ ما لا يقلّ عن خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، وهو نوع الجَفاف المـُطلق، وربّما لم يَجد السُكّان القُدامى مِن قبائل غيدروسيا البدائيّين (زمن كورش في القَرن السادس قبل الميلاد) إلاّ جُذُور النباتات لالتهامها.

فالبيئة فعلاً تَخلو تماماً إلاّ مِن نباتات تلاءمَت للحياة في الأقاليم المناخيّة أو البيئات التي يَسودها الجَفاف، أو تلك التي لا تَتَمتّع إلاّ بقِسطٍ ضئيل من الرُطوبة مِثل صحراء سيستان ومكران، فهذه

____________________

(١) مفاهيم جغرافيّة، ص ٢٦٩.

٤٨٣

النباتات - بما لها من تركيب خاصّ - تَتَحايل على الحصول على أكبر كميّة مُمكِنة من الماء والاحتفاظ به؛ ومِن ثَمّ كانت الجذور أطولَ وأَكثر تشعُّباً من السِيقان؛ ولذا فقد كانت هذه القبائل تَحفر في الأرض بَحثاً عن هذه الجُذُور لتَقتَاتَ بها.

وعندما كان العَطش يُهدِّد حياة هذه القبائل كانوا يَفتحون جُذُوع بعض النباتات الصحراويّة التي تَتَّصف بالانتفاخ ويَمتصّون ما فيها من ماء مَخزون.

والبيئة - والحال هذه - تَشبه تَماماً ما توحي به الآية الكريمة التي عَبَّرت عن نَمطِ حياة هؤلاء الأَقوام المعيشيّة حيث قال تعالى: ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً ) ، فسبحان الله أصدق القائلين!

وما أَروع دِقّة القرآن وشموليّته ومُعالجته لهذه القضايا، في شكل إشارات عابرة تَترُك للعقل البشري على تَتابُعِ العصور مُهمّةَ الكشفِ والتنقيبِ عن تفصيلاتها واتّخاذ العِبرة والمـُوعِظة الحَسَنة منها!

(ثمّ أَتبع سبباً).

وهي رحلة ثالثة، كانت أُولاها إلى الغرب لإخضاع بلاد ليديا، والثانية نحو الشرق شماليّ بحر قزوين لإخضاع قبائل عُزَّل وَحش لم يَعرفوا حتّى الوِقاء من الشمس، وهذه هي الثالثة نحو الشرق أيضاً، ولكن حيث مُتّجه بلاد قوقاز بين بحر قزوين والبحر الأسود.

( حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ ) بين الجبلَينِ من سِلسلة جبال قوقاز، والسدّ: الجبل الشامخ يَصعُب عبوره كأنّه سدّ حاجز.

( وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا (وراءهما) (١) قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً ) لصُعوبة لُغتهم وَوعورة لَهجَتِهم بحيث لم يَكد يُمكن التفاهم معهم بسُهولة.

ينتهي هذا الطريق الذي سَلَكه كورش، إلى منطقة جبليّة وَعِرة مُتضرِّسة تُمثّل حائِطاً جبليّاً طبيعيّاً عرضيّاً شامخاً، يَحول دون هِجرات الشُعوب المـُتوحِّشة وإغارتها على مَن وراء الحائط الجبلي من شعوب بدائيّة مُستَضعَفة.

____________________

(١) حسبما ذكره الرازي في التفسير الكبير، ج ٢١، ص ١٧٠.

٤٨٤

ولكن الحائِط الجبلي كان مُنثَلِماً مِن وَسَطِه بثَغرة (مضيق جبلي) (١) مُخيفَة، اتّخذها الغُزاة المـُتوحِّشون مَعبَراً نحو الشُعوب المـُسالِمة في ظَهرانَيه، حيث كانت تَتَعرّض باستمرار لهجمات أُولئك البَرابِرة المـُتوحّشينَ.

كان قد قضى المـَلِك الهخامنشي العظيم (كورش) ثماني سنوات (٢) في تأَديب وإخضاع قبائل غيدروسيا الهمجيّة في صحاري سيستان ومكران وبلوجستان، وزَحزَح حُدود الإمبراطوريّة حتّى حُدود نهر (سيحون) حيث بنى مدينةً باسمه على شاطئ هذا النهر، فكانت هذه المدينة تُسمّى إِبّان عصر الإسكندر (المدينة الأقصى الكورشي) ويعتقد أنّها مكان مدينة (أُوراتبّه) الحاليّة.

ووجد كورش أنّه آنَ الأَوان لتأديب الشعوب المـُتوحِّشة، التي كانت تغير عِبر مَضيق داريال في جبال قوقاز على شُعوب إماراته الطيّبة، في آذربيجان وجورجيا وأرمينيا جنوب الحائط الجبلي الرهيب، الذي يُسمّى جبال القوقاز التي تَمتدّ من بحر قزوين في الشرق عند مدينة (دربند) حتّى (سرخوم) على البحر الأسود.

فَتَوجّه إليها سنة ٥٣٧ ق. م، وقضى بالإقليم حوالي تسع سنوات مُتوالية (٣) ، مابين بِناء السدّ عِبر المـَضيق وتأَديب قبائل الأسكوذيّين أو (الماساجيت) أو (يأجوج ومأجوج) على حدِّ تعبير القرآن (٤) .

وحيث إنّ كورش قد وَصَل إلى الحائط الجبلي العظيم (جبال قوقاز) فهذا معناه أنّه عَبَر كردستان وآذربيجان وأرمينيا وجورجيا، وَوَصل إلى أجزاء من داغستان، حتّى مدينة (دربند) وما حولها، وكذلك إقليم أُوسنينا الجنوبيّة، ويكون شمال هذا الحدّ حائط القوقاز الجبلي، ذو فَتحَة في مُنتَصَفه تُسمّى مَضيق (داريال) حيث تُقيم جَماعات يأجوج ومأجوج، وإلى الجنوب من هذا الخطّ الجبلي كانت تُقيم جَماعات مُجرّدة من الحضارة، وَصَفَهم القرآن بقوله: ( لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً ) أي يَعسُر التفاهم معهم، هذا إنْ

____________________

(١) سَنذكُر أنّه مَضيق داريال.

(٢) حسبما ذَكَره حسن بيرنيا: أنّه قضى تَجوالَه العسكري في شرق وشمال إيران لمـُدّة ٨ سنوات، تأريخ إيران، ص ٦٨.

(٣) حسبما ذَكَره الدكتور عبد العليم: أنّه قضى بالإقليم حوالي تسع سنوات، مفاهيم جغرافيّة، ص ٢٧٣، هذا إنْ قُلنا بأنّها كانت بعد فتح بابل كما قيل، تأريخ إيران، ص ٦٨.

(٤) مفاهيم جغرافيّة، ص ٢٧٣.

٤٨٥

فَسَّرنا ( مِنْ دُونِهِمَا ) بما قَبل السّدَّينِ لا الوراء كما سَبَق.

وقد اتّخَذَ كورش طريقَه إليهم مُتوجِّهاً شمالاً عِبر إقليم كردستان الجبلي الوعِر، الذي يَعتلي ظهر المـُرتفعات الآسيويّة وسَلاسل الجبال على مَحاورها المـُنتشِرة في موقع يَضمّ بعضاً من شمال العراق وشرق أو جنوب شرق تركيا وبعضاً من غرب إيران، ويَسكنُه الأَكراد مُنذ سنة (٢٤٠٠ ق. م).

والإقليم به مَعابر مشهورة لمـُرور التجارة بقوافلها وفَيالق الحروب بجحافلِها، وهي مَعابر تَتَّجه على مُحور عام يخدم الصِّلات والعلاقات فيما بين قلب آسيا وشرقها الأقصى وآسيا الصُغرى والشام.

وقد احتَرَف الأَكراد - عَلاوةً على تَمرير التجارة - حِرفَة الرَعي واقتَنَوا قُطعاناً مِن الأَغنام والماعز، وعاشوا عِيشَةَ البَداوة والحركة في حركات فصليّة شِبه مُنتَظَمة سعياً وراء المرعى وتأمين العُشب لقُطعان أَغنامهم.

وعلى ذلك فقد عَبَر كورش إقليماً مُتضرِّعاً وَعِراً غَنيّاً بالموارد الاقتصاديّة المـُتاحة تَكفُل تأَمين إطعام الجيوش الفارسيّة، وانحرف شمالاً بشَرقٍ حتّى بلغَ بُحَيرةَ أَروميّة التي يَصبّ فيها نهر طلخة وهي أَكبر بُحَيرات فارس، وتقع في الشمال الغربي من فارس في إقليم آذربيجان ويبلغ طُولها ١٣٠ كم وأقصى عَرضها بلغ ٥٠ كم، وهي بُحَيرة ضَحْلة قليلة الغَوْر لا يزيد عُمقُها على ٢١ متراً، وعلى صخرة (كورجين) تقع قَلعة قديمة تُشرِف على البُحَيرة قُبالَة شاطئ (سلماس)، ووُجِد فيها نَقشٌ يُشير إلى عَراقتها في القِدَم.

ويَبدو أنّ كورش آثَرَ مُحاذاةَ شواطئ بحر قزوين (خزر) بحيث يكون البحر عن يَمينه وهو مُتَّجه نحو الشمال إلى جبال قوقاز، ومعنى ذلك أنّه سَلَك ضِفاف نهر طلخة نحو الإقليم الساحلي لبحر قزوين.

والإقليم: عبارة عن سُهُول ضَيّقة تَتَّسم بالدِفء؛ لأنّ ارتفاعها قليل وقد يَنخفض دونَ سطح البحر، ويَندُر أنْ يحدث الصَّقيع (الجليد) هناك في الشتاء، كما يَندُر أنْ تَرتفع درجة الحرارة في الصيف عن ٣٢، ولكنْ الرطوبة شديدة، وتَكثُر الأَمطار وتَتَوزَّع على مَدار السَّنة، وبسبب هذه الأَمطار الغزيرة تَنمو الغابات النفضيَّة مثل البَلوط والدردار، وهي التي تَنفُض أي تَسقط أَوراقُها في فصل الشتاء.

٤٨٦

وظلّ كورش مُحاذياً شاطئ بحر قزوين حتّى وصلَ إلى نهر أَطلق عليه اسمَه (كورش) أي سائرس (سيروس) (١) ، والإقليم جُزء من آذربيجان الشرقيّة التي تقع في الجنوب الشرقي من قفقاسيا وتشمل سُهُول نهر (كورا) المـُنخَفِضة والتي تُحيط بها الجبال مِن كلِّ الجهات، فلا تَنفتح إلاّ من جهة الشرق حيث بحر قزوين.

وهذه الجبال هي القفقاز من الشمال، وأرمينيا من الغرب، وجبال آذربيجان الشرقيّة من الجنوب، وتجري المياه نحو هذه السُهُول من جميع الأطراف من الجبال المـُحيطة بها، وتكون شَديدةَ الانحِدار، لقِصر المـَسافة التي تَقطعها، فتَحفر أَوديةً واسعةً سَحيقةً، تُعتَبر من مراكز الزراعة في الإقليم، وأَمطار هذه السُهُول نادرة لانحصارها بين المـُرتفعات التي تَحجُب الأَمطارَ عنها مِمّا يَجعلها جافّةً، ولكن هذا الجَفاف يُعوَّض بالمياه المـُتدفِّقة التي تجري مِن المـُرتفعات.

وأَشهر هذه المجاري وأَطولها نهر (كورا) الذي يجري من جورجيا (كرجستان) ويَمرّ من عاصمتها تَفليس، ثُمّ يدخل أَراضي آذربيجان حيث يَرفِدُه نهر (أيورا) المـُنساب أيضاً من جورجيا، ويَتّجه النهر نحو الجنوب الشرقي حتّى يَصبّ في البحر.

وعليه فكان العائِشونَ في المـَنطقة في رفاهيّة من العيش، حيث خُصُوبة الأرض ووِفْرَة المياه، آمِنينَ مُطمئنّينَ سِوى ما كان يُهدِّدهم أَقواهم وحشيّةً كانوا يَسكُنون وراء الجبال فربّما أَغاروا عليهم بين حين وآخر، ولم يكن التهديد لسُكّان تلك المناطق الشاطئيّة وحدها من القبائل الوحشيّة، بل كان يَشمل سُكّان أرمينيا وجورجيا أيضاً.

من هم يأجوج ومأجوج؟

عنوان أَطلقه القرآن الكريم على السُلالات البشريّة المـُتوحِّشة في عصر ذي القَرنَينِ.

( قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ

____________________

(١) والآن يُسمّى نهر كورا، كما يأتي.

٤٨٧

أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً... ) (١) .

والجغرافيّة البشريّة تُحاول وضع تصوّر مُحدَّد لأنماط الاستيطان البشري لتلك الجماعات وتدرس تسلسلهم في قائمة الأجناس البشريّة، وتُحدّد الحقبة الحضاريّة - من عُمر البشريّة - التي كانوا يعيشون أًثناءها.

تَذكر بعض الدراسات أنّ أصل يأجوج ومأجوج من أولاد يافث بن نوح، وأنّ التَسمية مأخوذة من أَجيج النار وهو: ضَوءها وشَرَرها، عنوان مُستعار يُشير إلى كثرتهم وشدّتهم.

وذَكَر بعض المـُدقّقينَ في البحث عن تأصيلهم: أنّ أصلَ المـُغول والتَّتَر من رجل واحد يقال له: (ترك)، وهو نفس الذي سَمّاه أبو الفِداء باسم (مأجوج)، فيظهر من هذا القول أنّ المـُغول والتَّتَر هم المـَقصودونَ بيأجوج ومأجوج، وهم كانوا يَشغلون الجزء الشمالي من آسيا، تمتدّ بلادهم من (التبّت والصين) إلى المحيط المـُنجمد الشمالي، وتنتهي غرباً بما يلي بلاد (التركستان) (٢) .

وكلمة (تَتَر) تُكتب تاتار وتُكتب تتار، وهي اسم لشعب يختلف مدلوله باختلاف العصور، وقد ورد في الكتابات الاُورخونيّة التركيّة التي يرجع تأريخها إلى القَرن الثامن، ذَكَر طائفتَينِ من القبائل التَّتَريّة، وهما (التتر الثلاثون) و(التتر التسعة)، ولكن (طومسون) ( Thomson ) يَرى أنّ التتار اسم يُطلق حتى في ذلك العصر على المـُغول أو فريق منهم، وليس الشعب التركي!

ويقول: إنّ هؤلاء التتار كانوا يَعيشون على وجه التقريب في الجنوب الغربي من بُحيرة بيكال حتى كرولين (٣) ، ويقول: إنّ التُرك أُخرجوا مِن منغوليا ليَحلّ محلّهم المـَغول، حينما قامت إمبراطوريّة قره خِطائي (٤) ، وقد صَحبت بعض العشائر التَتَريّة قبائل التُرك حين خرجت من منغوليا وسارت معها مُتّجهة من أواسط آسيا

____________________

(١) الكهف ١٨: ٩٤.

(٢) انظُر: الشيخ طنطاوي جوهري في تفسيره، ج٩، ص٢٠٣ - ٢٠٤.

(٣) نهر كورا ( Koura ) في قفقاسيا يَصبّ في غرب بحر قزوين.

(٤) اسم أَطلقته المصادر الإسلاميّة مُنذ القرن ١١م على بعض شُعوب الصين المغول، أَسّس زعيمهم (آبااُوكي) سُلالة (لياد) الصينيّة، أُجبروا على مغادرة الصين ١١٢٥م فاصطدموا بالدول الإسلاميّة المجاورة، صَدّهم الإيلخانيّون.

٤٨٨

صوبَ الغرب.

وجاء في أخبار الغزوات المغوليّة التي تمّتْ في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) أنّ الغُزاة كانوا يُعرفون (في الصين - والعالم الإسلامي - والروسيا - وغرب أُوربا) باسم التتر وهي بالصينيّة: تاتا.

وقد أَطلق ابن الأثير (ت ٦٣٠هـ) هذا الاسم (التتر) على أَسلاف (جنكيزخان) وأنّهم نوع كثير من التُرك، وكانت مساكنهم جبال طمغاج من نحو الصين (١) .

وقد قُسِّمت عدّة شعوب باسم التتر في خطاي والهندوستان وجين ماجين، وبين القرقيز وفي كلارا (بولندا) وباشقرد (المجر) وفي سهوب (دشت) قفجاق، وفي البلاد الشماليّة بين البدو، ولا يزال يُطلق على جميع الشعوب التركيّة حتّى اليوم اسم التتار.

ويظهر أنّ الشُعوب التي انحدرت من أصل مغولي وتتحدُّث بالمغوليّة كانت تُسمّى نفسها باسم التتر، ولكن حلّ محلّ هذا الاسم بعد عهد جنكيزخان في منغوليا وآسيا الوسطى اسم (مَغُول) وهو الاسم الذي استعمله رسميّاً جنكيزخان.

وقد ورد هذا الاسم في المصادر الإسلاميّة (مُغُل) و(مَغُول)، وكذلك يُنطق سلالة المـُغول في أفغانستان الذين احتفظوا بلغتهم حتى اليوم بهذا الاسم (مُغُل).

وكان هؤلاء التتر أثناء غزو تيمور يعيشون عِيشة البدو الرُحَّل فيما بين أماسيّة وقيساريّة، ويتراوح عددهم بين ثلاثين ألفاً وأربعين ألف أُسرة (٢) .

وقد اتّسع مدلول كلمة (تتر) باعتباره اسم شعب يتكلّم التركيّة في حوض نهر (ثولغا) من قازان (٣) حتّى آستراخان (٤) وشبه جزيرة القرم وجزء من سيبريا، أي في المكان الذي حَدّده القرآن خَلف السدَّينِ أي وراء حاجز جبال القوقاز وبحر قزوين والبحر الأسود.

____________________

(١) راجع: الكامل في التأريخ، ج١٢، ص٣٦١ (أحداث سنة ٦١٧).

(٢) اُنظر: ظفرنامه - الطبعة الهنديّة - كلكتا، سنة ١٨٨٨، ج٢، ص٥٠٢ وما بعدها، وكذلك أبن عربشاه، طبعة مانجر، ج٢، ص٣٣٨ وما بعدها (مفاهيم جغرافية، ص٢٨٥ - ٢٨٦).

(٣) هي عاصمة جمهورية التتر المستقلّة شرقي مسكو.

(٤) مدينة ومرفأ على مَصبّ نهر ثولغا في بحر قزوين، أسّسها المـَغول.

٤٨٩

وهم الذين سَكنوا هذه المناطق قبل الميلاد وعُرفوا بالوحشيّة والإغارة على المـُسالِمينَ، وكلّ الأبحاث العلميّة الحديثة تؤكّد على أنّ الشعب الذي يتحدّث بالتركيّة في آستراخان على بحر قزوين شمال جبال القوقاز، من سُلالات التَتَر القُدامى الذين كانوا يَغيرون عِبر مَضيق داريال الجبلي في جبال القوقاز، على شعوب جورجيا وأرمينيّة وآذربيجان، وهم يُقيمون الآن في السُفوح الشماليّة لجبال القوقاز، ويُطلق عليهم (ششن أنفوشيا)، وينتمي سُكّان كبرداي أو قبرطاي أَيضاً إلى الجنس التَتَري وهم مُبالِغون في عصبيّتهم ويَتفاخرون بها أَشدّ المـُفاخرة وينظرون إلى جميع العناصر المجاروة لهم من شركسيّة وغيرها نظرةً فيها شيء من الاحتقار، وجميع هذه القبائل تُسمّى تَتَر في آسيا.

ويرى أبو الكلام آزاد أنّ كلمتَي يأجوج ومأجوج تَبدوان كأنّهما عِبريّتان، ولكنّهما في الأصل والواقع أجنبيّتان اتَّخذتا الصورة العِبريّة، فهما تُنطَقان باليونانيّة كوك ( Gog ) وماكوك ( Magog )، ) ويبدو أنّ فِرعاً منهم سكن ما وراء القوقاز في القرن السابع قبل الميلاد وعاصر، كورشُ غارةً من غاراتهم (٢) ، وسنذكره.

وقد حدَّد مولانا أبو الكلام، الأدوار السبعة لخروج يأجوج ومأجوج كالتالي:

الدور الأَوّل منها كان قبل ٥٠٠٠ سنة وقد اندفعت هذه القبائل نحو الجنوب الغربي من سيبريا إلى هِضاب وسط آسيا (منغوليا).

الدور الثاني ويبدأ ما بين ١٥٠٠ - ١٠٠٠ق. م، وفيه كانت تَتَابع مَوجات المغوليّة من أقصى الشمال الشرقي نحو سُهول الصين وهِضاب وسط آسيا ومنغوليا والتركستان الغربيّة وزونغاريا.

الدور الثالث وصلت جحافل المـَغول حوالي ١٠٠٠ ق. م، إلى منطقة بحر قزوين والبحر الأسود وشمال القوقاز وحوض نهر الدانوب والفلجا. وظهرت قبائل (سي تهين) على مسرح التأريخ سنة ٧٠٠ ق. م، وهاجمت مناطق آسيا الغربيّة.

____________________

(١) وإذا كان حرف ( g ) ينطق بـ (جي)، فلفط القرآن أقرب تعبيراً بالكلمة: جاج وماجاج!

(٢) كورش الكبير لأبي الكلام آزاد، ترجمة باستاني باريزي، ص٢٧١.

٤٩٠

الدور الرابع - جعله أبو الكلام سنة ٥٠٠ ق. م، حيث برز كورش كأَعظم مُلوك العالَم قاطبةً، فقد أخضع ميديا وليديا وبابل والشام وجميع المـَمالك الشرقيّة حتّى نهر السند وسيحون.

وبذلك توقّف سيلُ قبائل (سي تهين) وخصوصاً بعد أنْ أَقام كورش سدّ داريال في جبال القوقاز.

الدور الخامس تزعزع أَمن الصين بجحافل جديدة من قبائل المـَغول الهمجيّة ويَطلق الصينيّون على هؤلاء المـُتوحّشين اسم (هيونغ نو) وقد تَحوَّر فيما بعد وصار (هون)، ولم يجد إمبراطور الصين بُدّاً من تشييد سور الصين الحجري العظيم، لصدّ هجمات هذه القبائل.

وبذلك توقّف غزو قبائل (هون) لسُهول الصين بعد بناء السور، ولكن ذلك جعلهم يتوجّهون نحو أواسط آسيا من جديد.

وفي الدور السادس تَجمَّع شَمل هذه القبائل في أُوربا تحت قيادة (آتيلا) وقَضَوا على الإمبراطوريّة الرومانيّة في القَرن الرابع الميلادي.

وكان الدور الأخير هو هجوم جنكيزخان على الحضارة الإسلاميّة من منغوليا في القَرن الثاني عشر للميلاد وخرَّبت بغداد (١) .

ويَذكر المؤرّخون أنّ هذه القبائل كثيراً ما أَفسدت في الأرض وبَطشت بالآمِنينَ، وهدّمت حضارات وأَراقت دماءً وحرّقت زروعاً ومُدناً، وكم أهلكوا الحَرث والنسل؟! فهم إذن مُفسِدون في الأرض بنصّ القرآن - أَصدق الحديث - وشهادة التأريخ.

* * *

إنّ منطقة بحر قزوين والبحر الأسود وجبال القوقاز كانت مستقرّاً لجماعات من المـَغول والتُرك من فجر التأريخ، وتتار شبه جزيرة القرم حول البحر الأسود، والأتراك والمـَجريونَ والفنلنديون، هم المـُتخلِّفون من ذرّيتهم في المنطقة، ولم يكن هؤلاء يَقنعون

____________________

(١) كورش كبير، ص٢٧٤ - ٢٧٦.

٤٩١

بالموارد الطبيعيّة المـُتاحة لهم في الأرض التي احتلّوها، وإنّما كان مَضيق داريال مَعبَراً لهم إلى حضارات العالم القديم في غرب آسيا، وما زالت سُلالاتهم حتّى اليوم تُقيم في المنطقة، وإن اتّخذوا أَسماء جديدة، فالجركس مثلاً اسم عام يُطلق على هؤلاء الأقوام.

وكانت هذه القبائل المـُتوحّشة زَمن كورش تسكن المـُنحدَرات الشماليّة والجنوبيّة لسلاسل جبال قوقاز ولكن في أقصى الغرب، أي الضِفة اليسرى لنهر قوبان وروافده وشاطئ البحر الأسود حتّى نهر شخة، وما تزال البقية منهم في القوقاز وما والاها.

* * *

وهناك للشيخ طنطاوي حديث مع عالِم من أُمّة يأجوج ومأجوج، يقول: كان أَوّل ما ألّفتُ كتاباً من كُتبي، كان انتشاره وترجمته في بلاد (روسيا) بناحية (قازان) وما والاها، حيث تُرجِمت تلك الكُتب باللغة القازانية، وكانت مقالة (يأجوج ومأجوج) نَشَرتها في أواخر القرن التاسع عشر بمجلّة (الهلال)، ثمّ أُعيد نشرها بزيادة تحقيق في جريدة (المؤيّد) المـُنتشِرة إذ ذاك في أقطار العالم الإسلامي في نحو العشر سنين الأُولى من القرن العشرين.

يقول: بينما أنا بالمدرسة الخديويّة أُدرِّس اللغة العربيّة، إذ قابلني تلميذ فقال: قد قابلني الأُستاذ عبد اللّه بوبي من مدينة (أوفا) ببلاد روسيا ويُريد مَوعداً للمـُقابلة بالمـَنزل، فعيّنتُ له مَوعداً ليلاً، فلمـّا حضر خاطبني باللغة العربيّة الفُصحى، وأَوّل ما بادرَني به أنْ قال: عرفتُك من مؤلّفاتك وقرأتُ في (المؤيّد) أنّك تقول: إنّنا من (يأجوج ومأجوج)، وهذه المـَقالة ترجمتُها بلُغتنا ولم أُطلِع عليه الشيوخ الكِبار؛ لظنّهم أنّ هذا كُفرٌ، وقد جهلوا أَصلنا، وإنّنا نحن المـَغول (يأجوج ومأجوج) والتتر فريق من تلك الأُمَم، فأنا والشبّان جميعاً فَهِمنا مقالك... (١)

* * *

ومن الغريب وليس بعجيب تصريح (جنكيزخان) بأنّ قومه المـُغُل والتُرك (التتار)

____________________

(١) تفسير الشيخ طنطاوي، ج٩، ص٢٠٨ - ٢٠٩.

٤٩٢

هم قوم (يأجوج ومأجوج) الذين حدَّثَ عنهم القرآن وحذَّر بطشَهم.

جاء في كتاب بَعَثه إلى محمّد خوارزم شاه يُؤنبِّه على تَعسُّفه في سياسته الغاشمة وقتله الوُدَعاء من أصحابه (التجّار المغل) ونَهب أَموالهم زوراً (١) ، مُتوعّداً له شرّ الانتقام إن هو لم يَتَلافَ الخَرق قبل تَوسُّعها.

جاء في الكتاب: (... كيف تجرّأتم على أصحابي ورجالي وأَخذتهم تجارتي ومالي، وهل وَرَد في دينكم أو جازَ في اعتقادكم ويقينكم أنْ تُريقوا دّم الأبرياء أو تَستحلّوا أموال الأتقياء أو تُعادوا مَن لا عاداكم وتُكدِّروا صفوَ عيش مَن صادقكم وصافاكم، أَتُحرّكون الفتنة الخامدة وتُنبّهون الشُرور الكامنة! أَوَ ما جاءكم عن نبيّكم... أنْ تمنعوا عن السفاهة غوّيَكم وعن ظلم الضعيف قويَّكم؟! أَوَ ما أَخبركم مُرشدوكم ومُحدّثوكم عنه قوله: اُتركوا التُرك ما تَركوكم؟! وكيف تُؤذون الجار وتُسيئون الجِوار ونبيّكم قد أَوصى بهم... فَتلافوا هذا التَلف قبل أنْ ينهض داعي الانتقام وتقوم سوق الفتنة ويظهر مِن الشرّ ما بَطَنَ ويَروج بحر البلاء ويَموج، وينفتح عليكم سدّ (يأجوج ومأجوج) وسينصر اللّه المظلوم، والانتقام من الظالم أمر معلوم، ولابدّ أنّ الخالق القديم والحاكم الحكيم يُظهر سرّ ربوبيّته وآثار عدله في بريّته، فإنّ به الحَول والقوّة ومنه النُصرة مرجوّة، فلتَروُنّ من جزاء أفعالكم العَجَب، وليَنسلُنّ عليكم يأجوج ومأجوج من كلّ حَدب... (٢)

____________________

(١) ذَكَر ابن الأثير أنّ جنكيزخان المعروف بتموجين كان قد فارق بلاده، وسار إلى نواحي تركستان، وسيّر جماعةً مِن التُجّار والأتراك ومعهم شيء كثير من النُّقرة والقندر (حيوان بحري يُصنع من جلده الفرو) وغيرهما، إلى بلاد ما وراء النهر (سمرقند وبخارا) ليشتروا به ثياباً للكسوة.

فوصلوا إلى مدينة مِن بلاد التُرك تُسمّى (اُوترار) وهي آخر ولاية خوارزم شاه، وكان له نائب هناك، فلمـّا ورد عليه هذه الطائفة من التتر أَرسلَ إلى خوارزم شاه يُعلِمه بوصولهم ويَذكر له ما معهم من الأموال، فبعث إليه خوارزم شاه يأمرهم بقتلهم وأَخْذ ما معهم من الأموال وإنفاذه إليه، فقتلهم وسيَّر ما معهم وكان شيئاً كثيراً، فلمـّا وصل إلى خوارزم شاه فرّقه على تُجّار بُخارى وسمرقند وأخذ ثمنه منهم.

وسُرعان ما نَدم خوارزم شاه على صنيعه هذا وأَشغل فكره فَهَمَّ بمهاجمة جنكيزخان قبل أنْ يُهاجمه في جُموعه وعساكره التي أَخبر جواسيسه عنها بأنّها لا تُحصى، فاستشار أُمراءه في ذلك، وبينما هم كذلك إذ ورد رسول جنكيزخان ومعه جماعة يُهدّد خوارزم شاه ويقول: تقتلون أصحابي وتُجّاري وتأخذون مالي منهم! استعدّوا للحرب فإنّي واصل إليكم بجمع لا قِبَلَ لكم به، لكن خوارزم شاه بدل أنْ يَستميل جنكيزخان من صنيعه هذا القبيح، أَمر بقتل الرسول وحَلق لُحى الجماعة الذين كانوا معه وأَعادهم إلى صاحبهم جنكيزخان يُخبرونه بما فَعل ويقولون له: إنّ خوارزم شاه يقول لك: أنا سائر إليك ولو أنّك في آخر الدنيا حتّى أفعل بك كما فعلتُ بأصحابك... الكامل في التأريخ، ج١٢، ص٣٦١ - ٣٦٤.

(٢) تفسير الشيخ طنطاوي، ج٩، ص٢٠٤.

٤٩٣

وأيضاً كان بين مَمالك مُغُل ومَمالك خوارزم منطقة وسيعة يَحكمها أُمراء (قراختائيان) وكان ما وراء النهر (سمرقند وبخارا) تحت سُلطتهم وكانت الفاصل الحاجز بين المـُغُل والخوارزميّة، فعَمَد المـَلِك مُحمّد خوارزم شاه إلى فَتحِها وإلحاقِها بممالكه الوسيعة الأمر الذي تحقّق سنة ٦٠٧هـ.

وفي سنة ٦١٢هـ زَحَف خوارزم شاه من مدينة (جند) نحو مساكن قبائل (قبجاق) فَواجَه أفواجَ (جوجي) ابن جنكيزخان، وهذا وإنْ سامَحَه وأَخبره أنّه لم يأتِ للحرب سِوى إخماد نائرة بعض البُغاة، لكن المـَلِك مُحمّد خوارزم شاه لغروره عَزَم على مُقاتلتهم، سِوى أنّ (جوجي) غادَرَ المحلّ ليلاً وأخبر أَباه بمُفاجئة المـَلِك الخوارزمي وأنّه عازم على مُقاتلتهم بالذات، فكان أَوّل بادرة حدثت بين الدولتَينِ (١) .

ويُضيف الشيخ طنطاوي هنا: أنّ المـَلِك الخوارزمي لمـّا غزا بلاد ما وراء النهر، سُرت السرائر، وابتهجت القلوب بهذا الفتح، وكان إذ ذاك في (نيسابور) عالِمان فاضلان فأقاما العزاء على الإسلام وبَكيا، فَسُئلا عن ذلك فقالا: وأَنتم تَعدّون هذا الثَلم فَتحاً وتَتَصوّرون هذا الفساد صُلحاً، وإنّما هو مبدأ الخروج وتسليط العلوج وفتح سدّ يأجوج ومأجوج، ونحن نُقيم العزاء على الإسلام والمسلمين وما سيحدث من هذا الفتح من الحَيف على قواعد الدين ( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) (٢) .

قال الطنطاوي: فهذا تصريح من هذَينِ العالِمَينِ بما أوردناه بشأن يأجوج ومأجوج وأنّهم من أقوام التتر، وانظر كيف ظهر صِدق كلامهما في حينه وظهر التتر وأَفنَوا المسلمينَ وماجَ الناس بعضهم في بعض (٣) ، ( حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) (٤) .

____________________

(١) راجع: تأريخ إيران، ص ٤٠٤ - ٤٠٥.

(٢) ص ٣٨: ٨٨.

(٣) تفسير الشيخ طنطاوي، ج٩، ص٢٠٥.

(٤) الأنبياء ٢١: ٩٦.

٤٩٤

يأجوج ومأجوج في التأريخ

وهكذ جاء لفظ يأجوج ومأجوج في الأَسفار القديمة وفي التأريخ، تعبيراً عن أُمّة مُتوحِّشة يَموج بعضهم في بعض، ويكونون خطراً بين حين وآخر يُهدّد الأُمَم المـُتحضِّرة المـُجاورة لها وحتّى غير المـُجاورة إلى حدّ بعيد.

جاء في سِفر التكوين عند ذِكر وُلد نوح وأحفاده: (بنو يافث: جومر وماجوج وماداي) (١) .

وفي سِفر حزقيال، يَتحدّث عن جوج، أرض ماجوج، وأنّهم يُفسدون في الأرض وأنْ سَوف يَذلّ بهم جبابرة الأرض (٢) .

وذكر جيمس هاكس: أنّ السوريّين - في القُرون الوسطى - سَمّوا قبائل التتر بمأجوج، وكانت العرب تعتبر السُهول الواقعة بين البحر الأسود وبحر قزوين ببلاد يأجوج ومأجوج، وفي أيام حزقيال كانت الأقوام السكيتيّة في الشمال الغربي من آسيا وراء جبال قوقاز معروفين بأقوام مأجوج، وفي عام (٦٢٩ ق.م) انسالوا بجُموعهم نحو مدينة (ساردس) عاصمة ليديا، وتَغلّبوا عليها، واستولوا عام (٦٢٤ ق.م) على مُلك ماديا (سياكرس)، وأَخذوا بالهُجوم نحو مصر، لولا أنْ واجَهَهم المـَلِك (بساميتخس) بالهدايا الكثيرة ليُقنعهم بالرجوع إلى أوطانهم.

وحزقيال يَصفهم بالفروسيّة والقدرة على ضَرْب الكتائب بما يَفوقون سائر الأُمّم، وهكذا وَصَفهم مؤرّخو يونان القُدامى (٣) .

وليهرودوت حديث عن هذه الأقوام يَتوافق مع حديث حزقيال (٤) .

وله أيضاً حديث عن أقوام وَحْش كان مسكنهم وراء جبال قوقاز، سَمّاهم (ما ساكت) (ما ساجيت = massagetes ) = (ماجوج) وقال عنهم: أنّهم أصحاب فروسيّة وشجاعة فائقة، ويَعتبرهم البعض أنّهم من أفخاذ الأقوام السكائيّة (الكسكيتيّة) (٥) حسبما

____________________

(١) سِفر التكوين ١٠: ٣، أخبار الأيّام الأُوَل ١: ٥.

(٢) سِفر حزقيال، إصحاح ٣٨.

(٣) قاموس الكتاب المقدس، حرف م، ص٧٧٥.

(٤) تأريخ هيرودوت، ص٦٢.

(٥) المصدر: ص٩٨.

٤٩٥

جاء في كلام حزقيال.

ومِن ثَمّ جاء قول المـُؤرّخين بأنّ هذه القبائل التي سُمّيت (ميكاك) عند اليونان و(منكوك) عند الصينيّين هي (يأجوج ومأجوج) التي ذُكرت في القرآن (١) .

ذكر الأُستاذ أبو الكلام آزاد: أنّ لفظتَي يأجوج ومأجوج، يبدو في صِيغتهما أنّهما عِبريّتان، في حين أنّها أَعرق وذواتا أَصل غير عِبراني. وقد عَبَّر اليونان عنهما (كوك) ( Gog ) و(ماكوك) ( Magog )، وهكذا جاءَتا في التَرجمة السبعينيّة للتوراة، ومنها تَسرَّب إلى اللغات الأُوربيّة.

وقد أُطلق على أقوام وَحْش كانوا يسكنون مُنذ (٦٠٠ ق.م) ما وراء جبال قوقاز، عُرفوا باسم (التَتَر) وبلادهم حسب تعبير الصينيّين معروف باسم (منغوليا)، وهذه القبائل قد أُطلق عليهم (المنغول) (المغول)، والمصادر الصينيّة تُعطينا أنّ أصل هذه الكلمة هي: (منكوك) أو (منجوك)! وهذا قريب من الكلمة في صيغتها العِبريّة (مأجوج) وعند اليونان (ميكاك).

وفي تأريخ الصين نجد الحديث عن قبيلة أُخرى باسم (يوشي) ( Yuechi )، والظاهر أنّ الكلمة حُرّفت فيما بعد في صورة (يأجوج) العِبريّة، وجاءت في تعبير الإفرنج: (يوئه جي) (٢) .

إذن فالتعابير الواردة في التأريخ القديم (تأريخ هيرودوت): (ماساكيت) (ماساجيت)، وعند اليونان: (كوك) و(ماكوك)، وطِبقاً للتوراة: (جوج) و(ماجوج)، وعند الصينيّين: (منكوك) أو (منجوك)، و(يوشي) (ياجوج)، وعند الإفرنج: (يوئه جي)... كلّها تَنمّ عن أصل هذه الكلمة تَعبيراً عن أقوام وَحش هَمَج كانوا خَطراً على البلاد، وجاء التعبير عنهم في القرآن بـ (يأجوج ومأجوج) وأنّهم مُفسدون في الأرض.

وقد التَمَس أهل البلاد الخِصبة من كورش (ذي القرنين) أنْ يَجعل لهم سدّاً يَمنعهم عن هَجمات تلك الأقوام.

____________________

(١) مفاهيم جغرافيّة، ص٣١٣.

(٢) كورش الكبير، ص٢٧١ - ٢٧٣.

٤٩٦

أين السدّ وأين موضعه الآن؟

سَبق أنْ دلّت الشواهد على أنّ موضعه هي الثَغرة في ثنايا جبال قوقاز، كانت تَعبُرها أقوام وَحْش للإغارة على المـُسالمينَ في الأرض. وعُرِفت الثغرة باسم مضيق (داريال) حسبما مرَّ، وهي بالقُرب من مدينة (تفليس) عاصمة (كرجستان).

لَمَسنا من المفاهيم القرآنيّة المـُفسَّرة أن لم يكن من سبيل - في القَرن السادس قبل الميلاد - إلى الأمان للشُعوب المـُسالِمة البدائيّة الضعيفة جنوب جبال القوقاز (في آذربيجان وجورجيا وأرمينيّة وسواحل جنوب بحر قزوين) إلاّ بتشييد سدّ منيع يَحكم إغلاق الثغرة بين شطرَي جبال قوقاز، ويَحول دونَ عبور القبائل المغوليّة (القديمة المـُتوحِّشة) للمسلك الجغرافي الوحيد نحو تلِكُم الشُعوب المـُستضعَفَة.

ويبدو أنّ الحائط الجبلي المذكور في القرآن كان مُمتدّاً امتداداً عَرضيّاً كبيراً يُفضي من جانبَيه إلى بحرَينِ لا يُمكن عُبورهما (بحر قزوين في الشرق والبحر الأسود في الغرب)؛ لذلك عَرَض القوم البدائيّون الضُعفاء في جنوب جبال قوقاز على ذي القَرنَينِ (كورش) بناء سدٍّ يُوقف زَحف المـُتوحّشين تماماً.

وقبل أنْ نتحدّث عن سدّ ذي القَرنَينِ وأنّه هل هو سدّ كورش الذي بناه على أقوم استحكام، ممّا يتطّلب تقدُّماً حضارياً من حيث الإمكانيّات التي قدّمها كورش لانجاز هذا المشروع الجَلَل والذي يُعدّ آية في تأريخ البشريّة الصناعيّة والهندسيّة والعلميّة... لابدّ أنْ نُلقي ضوءً على المـَقدِرات الفنيّة يومذاك ولا سيّما في بلاد فارس على عهد كورش أي قبل الميلاد ببِضع قُرون.

التحضّر البشري في عهد ذي القَرنَينِ

يقول الدكتور عبد العليم - أُستاذ الجغرافيا المـُساعِد في جامعة ابن سعود ويحمل شهادة زَمالة الجغرافيّين الملكيّة - لندن -: دراسة جغرافيّة منطقة السّدّ، دراسة جيولوجيّة واقتصاديّة لمعرفة إمكانيّاتها الطبيعيّة والإمكانات البشريّة التي كان من المفروض

٤٩٧

تَوفُّرها للوفاء باحتياجات السّدّ التي طلبها ذو القَرنَينِ، ودراسة مدى التَحضّر البشري حينذاك.

بالنظر إلى الآية الكريمة ( فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ) (١) نرى أنّ الإمكانيّات التي قدّمها كورش لإتمام السّدّ هي: الخُبرَة والمـُهندسينَ والإشراف، وأمّا الإمكانيّات التي طلبها من سُكّان المنطقة فكانت تنحصر في:

١ - القوّة البشريّة (العَمّالة).

٢ - خامات الحديد.

٣ - الفحم أو الخشب لصَهر الحديد.

٤ - خامات النُحاس.

٥ - عددٍ مّا من حيوانات الجرّ والحَمل.

٦ - استهلاك العُمّال والمـُهندسينَ من طعام وشراب ومأوى.

ولنا أنْ نتساءل: هل كانت (فارس) على درجة من التحضّر والتقدّم بما يُوفّر الخُبرَة الهندسيّة لتشييد السُدود والأعمال العُمرانيّة الضَخمة؟

لفارس، حضارتها الخاصّة بها بلا شكّ، ولكن مصر الفرعونيّة - بشهادة التأريخ - قَدَّمت لها أعظم مدرسة في التشييد والبِناء والصناعة. لقد قدّمت مصر - وكانت على اتّصال وثيق ببلاد الشرق الأدنى منذ ٤٠٠٠ سنة - للحضارة الفارسيّة العلوم الرياضيّة والهندسيّة والطبّ والفَلَك وتعبيد الطُرُق والكتابة والتقويم والساعات والورق وفنّ المكتبات وحفظ الوثائق، والأثاث الدقيق والمصقول، وفنّ التلوين.

ولم تقتبس فارس من حضارة مصر فقط، وإنّما نَقلت أيضاً - زَمن الهخامنشيّين - من بابل كثيراً من العلوم والفنون والصناعات، وهكذا من اليونان استخدموا مهندسينَ كِباراً لفنّ النحت وبِناء القُصور الشامخات والأَعمدة الرفيعة والأقواس من الرُخام

____________________

(١) الكهف ١٨: ٩٥ - ٩٦.

٤٩٨

والأحجار الثمينة (١) ، ولا نَنكُر أنّهم - أي الفُرس - أَضافوا إلى ما أَخذوه وخَلَّفوا لنا حضارةً راقيةً، هي مَزيج من حضارات العالَم القديم مصر - بابل - يونان.

وإجابة على السؤال، يُمكن القول: إنّ الفُرس - في عصر الهخامنشيّين - امتازوا بمهارتهم في فنّ العِمارة والبِناء، يشهد بذلك كلّ ما اكتشفه علماء الآثار هناك من أَبنية تَدلّ على عَظَمة التصميم الهندسي، ودقّة اختيار الموادّ الخام، وتطويعها للغرض الإنشائي المـَنشود، فقد أَخذ البنّاءون الفُرس يَتعلّمون فنّ المِعمار من الشُعوب التي خَضَعت لهم (سومر - آشور - كلدان - يونان) وسُرعان ما استوعبوا أَسراره.

ومَن ينظر إلى مقبرة وقُصور كورش، ودارا الأَوّل، وخِشَيارْشا الأَوّل، يُدرك عُمق تأثّر المِعمار الفارسي بما يُحيط به من أَنماط في مصر ويونان وبابل وميديا وليديا... ونُدرك نحن ذلك إذا فَحصنا جيّداً ما شيّده كورش في (باساركاد) (٢) رُغم تَهدُّمها، فالواقع أنّها صور من الرَوعة والجمال ترسم ملامح الفنّ الفارسي الهخامنشي مُنذ أربعة وعشرين قَرناً، وتزداد صورُ الرَوعة إشراقاً إذا فحصنا (نقش رستم) بالقُرب من (برسبوليس) (٣) والآثار الموجودة في هذه المدينة.

بالإضافة إلى ذلك تُوجد أَبنية فارسيّة قُدّر لها أنْ تَفلت مِن مَخالب الحروب والدمار والغارات والسَرِقات وتقلّبات الأجواء، وهي تتمثّل في مجموعة من حُطام القُصور، وبقاياها موجودة حتى الآن في العواصم الفارسيّة القديمة مثل (بارساركاد) و(برس بوليس) و(اكبتانا - همدان).

وهي جميعها تُفيد في دراسة مراحل تَطوّر فنّ التشييد والبِناء في تلك المـَرحلة من حكم الهخامنشيّين لفارس، وتؤكّد أنّ الهخامنشيّين تَتَلمذوا على حضارات أُمَم مُجاورة وأحسنوا التَلمـَذة وأجادوها في كلّ الحقول، سواء أكانت الصناعات المختلفة أو التكنيك

____________________

(١) تأريخ إيران، ص١٢٥.

(٢) جاء تعريبه: (بازارجاد)، هي مدينة ضخمة بقيت آثارها الفخيمة في مشهد مرغاب، عاصمة الهخامنشيّين القديمة، واقعة على بُعد ١٨ فرسخاً في الشمال الشرقي من شيراز، وبها مقبرة كورش الكبير قائمة إلى اليوم وفيها عُثِر على تمثال كورش الحجري الشهير.

(٣) تخت جمشيد. وتُسمّيه اليونان: (برس بليس).

٤٩٩

أو تعبيد الطُرُق أو الإنشاءات المِعماريّة والفنّية والجسور والسدود.

وكلّها اتّسمت بطابع الأصالة في التخطيط وحُسن التنفيذ بما يُمكن أنْ يجعلنا نقول: إنّ الفُرس صَنعوا ممّا نقلوه رمزاً شاهداً على اتّجاههم الخاصّ وأُسلوبهم المـُتطوِّر.

ويبدو ممّا بقي من آثار حجريّة ودَرَج وأعمدة وأقواس، وتماثيل الحيوانات المـُجسّمة، وبقايا البِناء الذي خَلّد فيه كورش ذِكرى انتصاره على الميديّين، درجة كفاءة التَحضّر الفارسيّ آنذاك، ويبدو أيضاً ممّا بقي من آثار أنّ صوراً قد نُحتت مِن الحجر في هذا المكان من (مشهد مرغاب) ولكنّها خَرُبت، وأنّ نقشاً يُظنّ أنّه لكورش قد دُرِس، وعلى مَقربة من هذا البِناء بِناء عظيم من الحَجَر يقع في ستّ مُدرجات وقد عُرف هذا البِناء اليوم باسم قبر أُمّ سُليمان، ويعتقد المحقّقون أنّه قبر كورش، كما عُثِر على مَقربة منه نقش ترجمته: (أنا كورش المـَلِك الهخامنشي...).

وفي باساركاد تِمثال بارز مَنحوت من الحَجَر يُصوّر شخصاً واقفاً مادّاً يده إلى الأَمام وله جناحان وأجنحة شبيهة بتماثيل الآشوريّين، إلاّ أنّ لِحيته فارسيّة وتاجه مصري وثيابه عيلاميّة (- وهو تِمثال كورش، حسبما استقرّ عليه الرأي أخيراً - ويَنطبق على ذي القَرنَينِ الذي جاء وَصْفه في القرآن وفي العهد القديم، باعتبار أنّ لتاجه قَرنَينِ، أحدهما إلى الأَمام والآخر إلى الخلف) (١) ، هذا عَلاوة على الكثير مِن الحَفريّات التي تَدلّ على أنّ الخرائب هي آثار مدينة عامِرة وعريقة مُوغِلة في القِدَم، لم يبقَ منها سِوى خرائب وآثار قُصور وأَبنية كثيرة فَخمة بقيت الأجزاء الحجريّة منها، يَدلّك على فَخَامتها تلك الدَرَج وهي مِئة وست درجات في عَرض سبعة أَذرع تتصاعد إلى قاعة فسيحة عليها مِئة عمود من الرُخام وبعضها قائمة حتّى اليوم.

وعلى أجنحة الدَرَج تماثيل وتصاوير رجال مَنحوتة على الحَجَر وكان سرير المـَلِك يَحمله ٢٨ مُجسّمة حجريّة، رمزاً إلى مُمَثّلي المـَمالك التي سخَّرها داريوش، وهو جالس على السرير ويرى مِن خَلفه رجل يُظنّ أنّه خشيارشا، كما عَثَر المنقّبون في

____________________

(١) ولعلّه صُنع بأَمره، تَيمّناً بما فاتَحَه دانيال من الرؤيا التي كان قد رآها وهو في أَسر البابليّين، لغت نامه دهخدا، حرف الذال، ص ١١٥٦٩، ذو القَرنَينِ الثاني.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578