شبهات وردود حول القرآن الكريم

شبهات وردود حول القرآن الكريم10%

شبهات وردود حول القرآن الكريم مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 578

شبهات وردود حول القرآن الكريم
  • البداية
  • السابق
  • 578 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 297269 / تحميل: 13671
الحجم الحجم الحجم
شبهات وردود حول القرآن الكريم

شبهات وردود حول القرآن الكريم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل الثاني

ضوابط الحوار وآدابه

١ ـ شروط الحوار

٢ ـ آداب الحوار

١٦١
١٦٢

لما كان الحوار في الواقع الإنساني من الوسائل التي تستخدم لنشر الأفكار والإقتناع بها ؛ كان الهدف منه تعاون أطراف الحوار على معرفة الحقيقة والتوصل إليها ، تبصير كل منهما صاحبه بالأمور التي خفيت عنه حينما أخذ بنظر باحثاً عن الحقيقة ، وذلك باستخدام الحوار البريء من التعصب ؛ الخالي من العنف والإنفصال ، المتمشي وفق الأصول العامة للحوار الهادف البنّاء.

ولا يتحقق هذا الحوار إلا بعد تطبيق ما ذكره العلماء من الضوابط والآداب كما يلي :

١ ـ شروط الحوار :

ذكر العلماء والباحثون أنّ للحوار المّذون به شروطاً ينبغي إتباعها ، خشية أن يتحول إلى مماراة بعيدة عن الوصول إلى الحقيقة ، أو إلى مشاحنات أنانية ، ونحو ذلك مما يفسد القلوب ، ويهيج النفوس ، ويورث التعصب ولا يوصل إلى الحق ، نذكر منها التالي :

١ ـ أن يكون أطراف الحوار على معرفة بقوانين وقواعد الحوار ، متبعين المعايير العقلية والمنطقية ، باسلوب علمي رصين.

٢ ـ أن يكونوا على معرفة بالموضوع الذي يراد التحاور فيه ، بحيث يمكن التكلم بما يتناسب مع طبية المضوع المتحاور فيه ، بحيث لو تكلم أحد الأطراف لم يخبط خبط عشواء ، ولم يناقش في البديهيات بغير علم ، وإذا لُزم بالحق إلتزم به دون مكابرة.

٣ ـ أن يكون الموضوع مهماً ، أو مما يجوز أن تجري فيه المحاورة ضمن قواعد هذا الفن وضوابطه ، فالمفردات والبديهيات الجلية مثلاً ، لا تجري فيها المحاورة أصلا.

١٦٣

٤ ـ أن يكون المحاور متمكناً من الحوار ، بحيث يتمتع بوجهة علمية ومقدرة بيانية ، ومطلعاً على أفكار وآراء خصمه ، مستخدماً الألفاظ المناسبة الجزلة الفخمة ، متجنباً العبارات والألفاظ الركيكة.

وإلى هذا يشير إمامنا الصادق عليه السلام في الحديث التالي :

عن أبي خالد الكابلي ، قال : (رأيت أبا جعفر ـ صاحب الطاق ـ وهو قاعد في الروضة قد قطع أهل المدينة أزراره ، وهو دائب يجيبهم ويسألونه ، فدنوت منه فقلت : إنّ أبا عبد الله نهانا عن الكلام فقال : أمرك أن تقول لي؟ فقلت : لا ، ولكنه أمرني ألا أكَلِّم أحداً.

قال : فاذهب فأطعه فيما أمرك. فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته بقصة صاحب الطاق ، وما قلت له ، وقوله لي : إذهب وأطعه فيما أمرك ، فتبسم أبو عبد الله عليه السلام وقال : يا أبا خالد ، إّ صاحب الطاق يكلّم الناس فيطير وينقض ، وأنت إو قصوك لن تطير)(٢١٢) .

٢ ـ آداب الحوار :

وضع العلماء لفَن آداب البحث والمحاورة جملة من الآداب ، وألزموا المتحاورين بها ، محافظة على سلامة المحاورة ، وتحقيقاً للغرض منها ، نذكر فيما يلي أهمها :

١ ـ أن يجتنب المحاور محاورة ذي هيبة يخشاه ، لئلا يؤثر ذلك عليه ، فيضعفه عن القيام بحجته كما ينبغي.

٢ ـ ألا يظن خصمه أقوى منه بكثير ، حتى لا يتخاذل ويضعف عن تقديم حجته على الوجه المطلوب.

__________________

(٢١٢) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : رجال الكشي ، ج ٢ / ٤٢٤.

١٦٤

٣ ـ ألا يظن خصمه حقيراً ضعيفاً قليل الشأن ، فذلك يقلل من إهتمامه ، فيمكن خصمه الضعيف منه.

٤ ـ ألا يكون في حالة قلق نفسي وإضطراب ؛ أو في حالة نفسد عليه مزاجه الفكري والنفسي ، كأن يكون جائعاً ، أو ظامئاً ، أو نحو ذلك.

٥ ـ أن يتقابل المتحاوران في المجلس ، ويبصر أحدهما الآخر إن أمكن ، ويكونا متماثلين أو متقاربين علماً ومقداراً.

٦ ـ أن يجتنب كلا المتحاورين الهزء والسخرية ، وكل ما يشعر بإحتقار وإزدراء لصاحبه ، أو وسمه بالجهل أو قلة الفهم ، كالتبسم والضحك والغمز واللمز ونحو ذلك ، مما يثير عواطف الغير ، ويؤدي إلى إفساد المحاورة التي ينبغي أن تكون بالتي أحسن.

٧ ـ ألا يرفع صوته فوق المتعارف المألوف ، فإنّ هذا يدل على الشعور بالضعف والشعور بالمغلوبية ، بل ينبغي إلقاء الكلام قوي الأداء ، وإن كان بصوت منخفض هادئ ، فإنّ تأثيره أقوى بكثير من اسلوب الصياح والصراخ.

٨ ـ أن يتجنب ـ حد الإمكان ـ مجادلة طلب الرياء والسمعة ومُؤثر الغلبة والعناد ، فإنّ هذا من جهة يُعديه بمرضه فينساق بالأخير مقهوراً إلى أن يكون شبيهاً به في هذا المرض ، ومن جهة أخرى لا يستطيع الوصول مع مثل هذا الشخص إلى نتيجة مرْضِيّة.

٩ ـ ألا يكون المحاور متسرعاً يقصد إسكات خصمه في زمن يسير ؛ لأنّ ذلك يفسد عليه رويته الفكرية ، ويبعده عن منهج المنطق السديد ، والتفكير في الوصول إلى الحق.

١٦٥

١٠ ـ أن يحترز المحاور عن الإختصار المخل في الكلام ، وعن إطالة الكلام بلا فائدة ترجى من ذلك.

١١ ـ أن يأتي كل من المتحاورين بالكلام الملائم للموضوع ؛ فلا يخرج عما هما بصدده.

١٢ ـ ألا يتعرض أحدهما لكلام خصمه قبل أن يفهم مراده تماماً.

١٣ ـ أن ينتظر كل واحد منهما صاحبه حتى يفرغ من كلامه ، ولا يقطع عليه كلامه قبل أن يتمه.

١٤ ـ الإستعانة بالله عَزّ وجَلّ ، للتوفيق والوصول إلى الحقيقة ، فقد ورد عن إمامنا زين العابدين عليه السلام في الصحيفة السجادية ، من دعائه في مكارم الأخلاق : (اللهُمّ صل على محمد وآله ، واجعل لي يداً على من ظلمني ، ولساناً على من خاصمني ، وظفراً بمن عاندني)(٢١٣) .

وعنه عليه السلام ـ كما في المناجاة (المعروفة بالإنجيلية الطويلة) ـ : وأعوذ بك من دعاءٍ محجوبٍ ، ورجاء مكذوب ، وحياء مسلوب ، وإخاء مَعْبُوب ، وإحتجاج مغلوب ، ورأي غير مصيب)(٢١٤) .

__________________

(٢١٣) ـ زين العابدين ، الإمام علي بن الحسين : الصحيفة السجادية / ١١١ (جمع السيد محمد باقر الأبطحي).

(٢١٤) ـ نفس المصدر / ٤٣٩ ـ ٤٤٠.

١٦٦

الفصل الثالث

الحوار المتعلق بتربة الحسين (عليه السلام)

بحوث تمهيدية :

١ ـ الوحدة الإسلامية.

٢ ـ التقريب بين المذاهب الإسلامية.

٣ ـ دعوة إلى الحوار.

١٦٧
١٦٨

تلعب الشائعات وحجب الحقائق دوراً كبيراً في محاربة الأفكار والمعتقدات ، ولعل مرجع هذه الشائعات ، هي عوامل سياسية ومصلحة نفعية ، ومن بين تلك المعتقدات التي حوربت بهذه الطريقة عقيدة الشيعة الإمامية ، الذين يمثلون فئة كبيرة من المسلمين ، فقد بالغ المغرضون والوضاعون النفعيون ، في تصوير معتقداتهم ، وتحريفها عن واقعها ومدلولها الصحيح. وقد أشار إلى هذه الحقيقة الناصعة ، الدكتور حامد حنفي داود(٢١٥) بقوله : «يخطئ كثيراً من يدّعي أنّه يستطيع أن يقف على عقائد الشيعة الإمامية وعلومهم وآدابهم مما كتبه عنهم الخصوم من العلم والإحاطة ، ومهما أحرزوا من الأمانة العلمية في نقل النصوص والتعليق عليها بأسلوب نزيه بعيد عن التعصب الأعمى. أقول ذلك جازماً بصحة ما أدعي بعد أن قضيت ردحاً طويلاً من الزمن ، أدرس فيه عقائد الأئمة الإثني عشرة بخاصة وعقائد الشيعة بعامة. فما خرجت من هذه الدراسة الطويلة التي قضيتها متصفحاً في كتب المؤرخين والنقاد من علماء أهل السنة بشيء ذي بال. وما زادني إشتياقي إلى هذه الدراسة وميلي الشديد في الوقوف على دقائقها إلا بعداً عنها وخروجاً عما أردت من الوصول إلى حقائقها ذلك لأنّها كانت دراسة بتراء أحلت نفسي فيها على كتب الخصوم لهذا المذهب وهو المذهب الذي يمثل شطر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، ومن ثم اضطررت بحكم ميلي الشديد إلى طلب الحقيقة حيث كانت ، والحكمة حيث وجدت ، والحكمة ضالة المؤمن ، أن أدير دفة دراستي العلمية لمذهب الأئمة الإثني عشر إلى الناحية الأخرى ، تلك هي دراسة المذهب

__________________

(٢١٥) ـ أستاذ الأدب العربي بكلية الألسن العليا ، ورئيس قسم الأدب العربي بجامعة عين شمس ، من رواد الإصلاح ، ودعاة التقريب بين المذاهب الإسلامية.

١٦٩

في كتب أربابه ، وأن أتعرف عقائد القوم مما كتبه شيوخهم والباحثون المحققون من علمائهم وجهابذتهم. ومن البديهي أنّ رجال ال مذهب أشدّ معرفة لمذهبهم من معرفة الخصوم به ، مهما بلغ أولئك الخصوم من الفصاحة والبلاغة ، أو أوتوا حظاً من اللسن والإبانة عما في الشمس»(٢١٦) .

وقال الدكتور مصطفى الرافعي(٢١٧) : «... أجل ، عن مثل هؤلاء المستشرقين أو أولئك الجهلة والمغرضين أخذ خصوم الشيعة معلوماتهم عن الشيعة ، وأثاروا الكثير من الشبهات حول بعض المعتقدات التي يدينون بها ؛ أو الأحكام الفرعية التي يمارسونها ، فشوهوها وألبسوها لباس العداوة للإسلام حتى ظن معها قصار النظر ومن ليس لديه معلومات واسعة عن فقه الشيعة أنّ أتباع هذا المذهب بسبب إيمانهم بتلك المعتقدات أو ممارستهم لهذه الأحكام ، قد نؤوا عن الحق وجانبوا الصواب وربما بالغوا في التشنيع عليهم فقالوا : أنهم فرقة مرقت من الدين وخرججت من ربقة الإسلام»(٢١٨) .

هذه بعض كلمات الكتاب والباحثين من السنة ، الذين أنصفوا الشيعة الإمامية ، فيما حصل لهم من مظلومية وتشويه لسمعتهم أمام المسلم وغيره؟! والسؤال الذي ينبغي طرحه : ما هو الحل لعلاج هذه المشكلة الخطيرة؟

__________________

(٢١٦) ـ المظفر ، الشيخ محمد رضا : عقائد الإمامية / ٤١ ـ ٤٢ (تقديم).

(٢١٧) ـ كاتب وباحث لبناني ، ولد في طرابلس عام ١٩٢٣ م ، جمع بين الدراسة في الأزهر ـ حيث نال إجازة تخصص في القضاء عام ١٩٤٧ م ـ ، والدراسة في جامعة السوربون بفرنسا ، حيث نال شهادة الدكتوراه في الحقوق عام ١٩٤٨ م ، مثّل لبنان في كثير من المؤتمرات الإسلامية والثقافية ، وله مجموعة من المؤلفات.

(٢١٨) ـ الرافعي ، الدكتور مصطفى : إسلامنا / ١٣١.

١٧٠

لعلّ أهم الحلول التي طرحت لحلّ هذه المشكلة ، هي كالتالي :

١ ـ الوحدة الإسلامية :

والمراد بها إدماج مذهب في مذهب ، أو تغليب مذهب على مذهب ، وممن يرى هذه الفكرة الأستاذ أمين خولي(٢١٩) ، حيث قال : «أنا في العام الماضي تكلمت مع الشيخ محمد تقي الحكيم(٢٢٠) ، وقلت : فلنتنازل نحن السنة وأنتم الشيعة عن بعض الأشياء ، ونتفق على أشياء ونكون يداً واحدة»(٢٢١) .

وهذه الفكرة يصعب تطبيقها ، وقد أجاب عنها السيد مرتضى الرضوي بقوله ـ مخاطباً الأستاذ أمين الخولي ـ : «يا أستاذ ؛ لا يمكن التفاهم والإتفاق على شيء قبل أن نضع رجال الصدر الأول في ميزان الحساب ؛ لأنّهم خَلّفُوا أموراً خلافية كثيرة لا يمكن التغاضي عنها ، وتركها من دون علاج ، وبعد ذلك ، فمن السهل أن نتحد ونتفق على كل شيء. فسكت الأستاذ الخولي»(٢٢٢) .

٢ ـ التقريب بين المذاهب الإسلامية :

قامت مجموعة من أعلام المسلمين ـ ويأتي في طليعتهم الشيخ عبد المجيد سليم ، والشيخ محمود شلتوت ، والشيخ محمد تقي القمي ، والشيخ محمد محمد المدني ـ ، بتأسيس (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) وذلك سنة (١٣٦٦ هـ

__________________

(٢١٩) ـ من كبار الأساتذة وعمالقة الفكر في مصر ، ولد عام ١٩٠٤ م ، من أوائل أساتذة كلية الآداب بجامعة القاهرة ، وصل إلى منصب كرسي الأدب العربي بكلية الآداب بجامعة القاهرة ، كان من أبرز أعضاء المجلس الأعلى لدار الكتب المصرية ، الذي يضم جهابذة رجال الفكر والقلم في مصر.

(٢٢٠) ـ المراد به ، هو سماحة السيد محمد تقي الحكيم ، أحد علماء النجف ، عميد كلية الفقه في النجف الأشرف ، وأستاذ الفقه المقارن في جامعة بغداد ، وعضو المجمع العلمي في العراق ، وعضو مراسل المجمع اللغوي بمصر ، له بعض المؤلفات القيمة. ولد عام ١٣٤١ هـ ، وتوفي عام ١٤٢٣ هـ.

(٢٢١) ـ الرضوي ، السيد مرتضى : مع رجال الفكر في القاهرة / ٥١.

(٢٢٢) ـ نفس المصدر.

١٧١

ـ ١٩٤٧ م) ، في القاهرة ، وكان هدف هذه المجموعة ، عدم إستغلال الفوارق المذهبية ، وما يترتب على ذلك من شق صف المسلمين ، وإضعاف وحدتهم. كما كانت دعوتهم إلى تقريب وجهات النظر ، من خلال إلقاء الضوء على المشتركات بينهم ، وعدم السعي إلى إلغاء بعضها على حساب بعض ، وبعبارة أخرى ، تسعى إلى بقاء المسلمين كل على مذهبه ، وعدم دمجهم في مذهب واحد. وكان من ثمارها ، إصدار مجلة (رسالة الإسلام) صدر العدد الأول منها سنة ١٣٦٨ هـ ، وتوقفت في شهر رمضان سنة ١٣٩٢ هـ ، بعد ما صدر منها ستون عدداً ، إهتمت بأدب التقريب بين المذاهب. وإدخال الفقه الشيعي إلى مواد التدريس في الأزهر الشريف ، كما أصدر شيخ الأزهر محمود شلتوت فتواه بجواز التعبد بالمذهب الجعفري ، ونشرتها مجلة (رسالة الإسلام ـ في العدد الثالث ، من السنة الحادية عشر ، ص ٢٢٨ ـ عام ١٩٥٩).

يقول الشيخ الشعراوي ـ بعد هذه الفتوى : «الشيعة الإمامية الإثني عشرية ، وإمامهم جعفر الصادق ؛ بن محمد ، بن علي زين العابدين ، بن الحسين ، بن علي بن أبي طالب ، وهو أحد أساتذة الإمام ابي حنيفة ، رضي الله عنهم جميعاً ، وهؤلاء الإمامية الجعفرية ؛ الذين نوضح أنهم من أرباب ال مذاهب النقيّة ؛ هم الذين أصدر شيخنا المرحوم شيخ الأزهر محمود شلتوت ، فتواه المشهورة في صحة التعبد على مذهبهم ؛ معلّلاً ذلك بأنّه من المذاهب الإسلامية ، الثابتة الأصول المعروفة المصادر ، المتبعة لسبيل المؤمنين. نعم : لقد أخذنا في مصر طائفة من الأحكام في قوانين الأحوال الشخصية عن الشيعة الإمامية الإثني عشريّة ، ومنها بعض أحكام الطلاق ، والقول بالوصيّة الواجبة

١٧٢

في الميراث»(٢٢٣) . وخلاصة هذه الفكرة ـ على حد تعبير الشيخ كاشف الغطاء (قده)(٢٢٤) . «وليس معنى الوحدة في الأمة أن يهضم أحد الفريقين حقوق الآخر فيصمت ، ويتغلب عليه فيسكت ، ولا من العدل أن يقال للمهضوم إذا طالب بحق ، أو دعا إلى عدل إنك مفرق أو مشاغب ، بل ينظر الآخرون إلى طلبه ، فإن كان حقاً نصروه ، وإذا كان حيفاً أرشدوه وأقنعوه ، وإلا جادلوه بالتي هي أحسن مجادلة الحميم لحميه ، والشقيق لشقيقه ، لا بالشتائم والسباب ، والمنابزة بالألقاب ، فتحتدم نار البغضاء بينهما حتى يكونا لها معغاً حطباً ، ويصبحا معاً للأجنبي لقمة سائغة ، وغنيمة باردة»(٢٢٥) .

وبعد هذا البيان المستفاد من كلمات العلماء والباحثين ، نقول : أنّ الهدف من التقريب بين المذاهب الإسلامية هو الحد من تضييق شقة الخلاف ، وبعض الظروف في عهود غابرة ، ولو قدر لها أن تبحث بحثاً موضوعياً ؛ لوصل الفريقان إلى الوحدة والتعاون المشترك ، في المنافع والفوائد في النهاية.

٣ ـ الدعوة إلى الحوار :

إذا أراد المسلمون تشكيل قوة متحدة متماسكة ، تستطيع أن تفرض إرادتها وإحترامها ، وترفع راية الإسلام فوق ربوع الأرض ؛ فعليهم أن ينبذوا الخلاف بالحوار الهادف المخلص ، وهذه المهمة يتحمل عِبْأَها العلماء ورواد الفكر السلامي ، فقد قام جماعة منهم بالدعوة إلى الحوار ونبذ الخلاف ،

__________________

(٢٢٣) ـ الأهرام ـ السنة ١٠٣ ـ العدد ٣٢٩٣٢.

(٢٢٤) ـ الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (١٢٩٤ هـ ـ ١٣٧٣ هـ) ، من أعلام الشيعة الإمامية ، ومنابع العلم والأدب ودعاة الاصلاح والتقريب بين المذاهب الاسلامية ، من فقهاء العراق.

(٢٢٥) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : أصل الشيعة وأصولها / ٦٦.

١٧٣

وعلى رأسهم العلمان البارزان : السيد عبد الحسين شرف الدين(٢٢٦) ، والشيخ سليم البشري(٢٢٧) .

وقد طَبّق هذا الحوار العلمان المذكوران بروح إتصفت بالنزاهة والطهر ، عَبّر عنها السيد شرف الدين (قده) بقوله : «وما أحسن ما يتعارف به العلماء من الورح النقي ، والقول الرضي ، والخلق النبوي ، ومتى كان العالم بهذا اللباس الأنيق المترف ، كان على خير ونعمة ، وكان ال ناس منه في أمان ورحمة ، لا يأبى أحد أن يفضي إليه بدخيلة رأيه ، أو يبثه ذات نفسه ، ذلك كان علم مصر وإمامها ، وهكذا كانت مجالسنا التي شكرناها شكراً لا إنقضاء له ولا حد»(٢٢٨) .

وقد إستغرق هذا الحوار مائة وإثنتي عشر حلقة ، وكان ذلك في الفترة ما بين ذي القعدة عام ١٣٢٩ هـ ، وجمادي الأولى عام ١٣٣٣ هـ ، وكانت حصيلة هذا الحوار كتب (المراجعات) ، الذي دَوّنه العالم الشيعي السيد عبد الحسين شرف الدين (قده) ، مما جعل لهذا الحوار أثره في العصر الذي جرى فيه والعصور المتأخرة ، بل يعتبر نموذجاً لكل من أراد الحوار الهادف ، وصرخة مدوية في أذن كل سني وشيعي ، أراد الوصول إلى الحقيقة ، أو على الأقل يعرف المذهب الجعفري بحقيقته الناصعة ، ولا يأخذها من كتب وأفواه خصومهم ، الذين لَفّقَوا فيهم التهم والأكاذيب. ومن بين تلك الأكاذيب ، عبادة التربة الحسينية الشريفة ، التي هي موضوع بحثنا.

__________________

(٢٢٦) ـ الشيخ عبد الحسين شرف الدين (١٢٩٠ هـ ـ ١٣٧٧ هـ) من أعلام الشيعة الإمامية ، ومنابع العلم والأدب ودعاة الإصلاح ، والتقريب بين المذاهب الإسلامية ، من فقهاء جبل عامل في لبنان.

(٢٢٧) ـ الشيخ سليم البشري (المالكي) ، ولد في محلة بشر ، بمحافظة البحيرة عام (١٢٤٨ هـ وتوفي عام ١٣٣٥ هـ) تولى مشيخة الأزهر مرتين : الأولى ـ من عام ١٣١٧ هـ إلى عام ١٣٢٠ هـ ، والثانية ـ من عام ١٣٢٧ هـ إلى عام ١٣٣٥ هـ. وفي عهده طبق نظام إمتحان الراغبين في التدريس بالأزهر.

(٢٢٨) ـ شرف الدين ، السيد عبد السحين : المراجعات / ٣٢.

١٧٤

نماذج للحوار في التربة الحسينية

١ ـ السيد الشيرازي مع رجل دين مصري.

٢ ـ السيد سلطان الواعظين مع الشيخ عبد السلام الأفغاني.

٣ ـ الشيخ الأنطاكي مع بعض أعلام السنة.

٤ ـ الدكتور التيجاني مع الشهيد الصدر.

٥ ـ المستر رايلي مع سكرتير وزارة المعارف العراقية.

٦ ـ الأستاذ محمد خير مع خصوم الشيعة.

١٧٥
١٧٦

١ ـ السيد الشيرازي(٢٢٩) مع رجل علم مصري :

قال السيد عبد الله الشيرازي (قده) : «كنت يوماً جالساً في الروضة النبوية المطهرة بعد الفراغ من فريضة الصبح ، قرب المنبر مشغولاً بقراءة القرآن وكان المصحف بيدي ، فجاء رجل شيعي ووقف على يساري وكَبّر للصلاة ، وكان على يميني رجلان من أهل العلم مصريان ـ على الظاهر ـ متكئان على الإسطوانة ، فأدخل المصلي يده في جيبه بعد تكبير الإحرام لإخراج التربة أو الحجر للسجود عليه ، فقال أحدهما للآخر : إنظر إلى هذا العجمي يريد أن يسجد على الحجر. فلما هوى المصلي للسجود بعد ركوعه ، حمل عليه أحدها ليختطف ما في يده ، لكني أمسكت على يده قبل وصولها إلى المصلي ، وقلت : لماذا تبطل صلاة الرجل المسلم ، وهو يصلي مقابل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال : يريد أن يسجد على الحجر. قلت : وأيّ بأس في ذلك؟ وأنا أيضاً أسجد على الحجر.

قال : كيف؟ قلت : هو جعفري ، وهذا هو الصحيح على مذهبنا ، ثم قلت : هل تعرف جعفر بن محمد عليهما السلام؟

قال : نعم. قلت : هو من أهل البيت؟ قال : نعم. قلت : هو رئيس مذهبنا ، ويقول لا يجوز السجود على الفراش أو السجاد ، ويقول : لابد أن يكون السجود على أجزاء الأرض. فسكت قليلاً ، ثم قال : الدين واحد ، والصلاة واحدة. قلت : إذا كان واحداً ، والصلاة واحدة ، فكيف تُصلون

__________________

(٢٢٩) ـ أحد الفقهاء الكبار ، والمراجع العظام ، ولد في شيراز عام ١٣٠٩ هـ ، وهاجر الى النجف الأشرف عام ١٣٣٣ هـ ، حتى أصبح أحد أعلامها ، وفي عام ١٣٩٥ هـ إستقر في مشهد المقدسة ، قائماً بأعباء المرجعية وإدارة حوزتها العلمية ، وتوفي بها عام ١٤٥ هـ ، ودفن بجوار الإمام الرضا (ع).

١٧٧

أنتم السنة في حال القيام على أربعة أشكال من جهة التكتف : فالمالكية يصلون مرسلين الأيدي ، والحنفية يتكتفون ، والشافعية نحو ثالثاً ، والحنبلية نحواً رابعاً ، مع أنّ الدين واحد ، والصلاة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت نحواً واحداً؟!

ولقنته الجواب ، وقلت : غير أنكم تقولون إنّ أبا حنفية هكذا قال : والشافعي هكذا ، والمالكي هكذا ، والحنبلي هكذا ، وصوّرت له بيدي صور الحالات الأربع. قال : نعم.

قلت : جعفر بن محمد الصادق عليه السلام رئيس مذهبنا الذي إعترفت بأنّه من أهل البيت أدرى بما في البيت ، لم يكن أقل من أبي حنفية ، ومن هؤلاء علمنا أنّه لابدّ أن يكون السجود على أجزاء الأرض ، ولا يجوز السجود على الصوف والقطن ، وهذا الإختلاف بيننا وبينكم لا يكون إلا مثل الإختلاف بين أنفسكم في كيفية الصلاة من جهة التكتف وغيرها من سائر الإختلاف بينكم في الفروع ولا يرتبط بالأصول ، ولا يكون مربوطاً بالشرك أصلاً. فصدقني الجالسون من أهل السنة ، حتى صاحب هذا الشخص الذي كان جالساً إلى جانبه ، ولما وجدت الجو مناسباً بعد تصديقه كلامي حملت عليه بالكلام الحاد ، وقلت : أما تستحي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبطل صلاة رجل مسلم يصلي عند قبره ـ صلوات الله عليه وآله ـ بمقتضى مذهبه ، وهو مذهب أهل البيت صاحب هذا القبر ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تهيراً ، ولا يكون قولهم ومذهبهم إلا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومذهبه.

فحمل الجالسون عليه أيضاً بالكلام الخشن ، واعتذروا مني من إعتقادهم بأنّ السجود على التربة أو الحجر شرك من الشيعة. أقول : لا يكاد ينقضي تعجبي من أنّ علماءهم كيف أشربوا في قلوب عوامهم أنّ الجسود على التربة

١٧٨

الحسنية ، أو الحجر ، أو الخشب من سائر أجزاء الأرض شرك بالله ، مع أنّه في حال السجود يذكرون الله تعالى بالتحميد والعلو ، وكثيراً في حال السجود عليها ، يقولون : لا إله إلا الله ، أليس السجود على الحجر الذي هو جزء ـ من ـ الأرض مثل السجدة على نفس الأرض ، أو السجدة على الفراش ، أو الحصير أو السجاد؟ فإذا سجد على الأرض أو الحصير أو السجاد ، هل يكون ذلك بمعنى أنّه عبدها؟ فليكن السجود على الحجر مثل السجود عليها!

وأعجب من أصل الموضوع أنّ لسان أكثرهم عربي ، وهم أعرف بمعاني اللغة وخصوصيات معاني الألفاظ ، فكيف غفلوا أو تجاهلوا عن الفرق بين السجود عليه ، والسجود له؟ والسجدة على شيء سواء كان أرضاً أو حجراً أو فراشاً يحتاج تحقق العبادة معه إلى شيء آخر يكون هو المعبود ، ولا يكون نفس السجود عليه معبوداً وهل رأى أحد وثنياً أو صنمياً في مقام العبادة يضع الصنم على الأرض ويسجد عليه؟

لا والله ، بل يجعلون الأصنام في مقابلهم ويسجدون على الأرض ويخرّون عليها تخضعاً وتخشعاً لها ، فحينئذ المعبود هل الصنم أو ما سجد عليه من الأرض أو الحجر أو الشيء الذي سجد عليه ووقع تحت جبهته بلا إختيار ولا إلتفات أو معهما؟

فيا ليت كان في البين ثالث عارف باللغة يحكم بين الفريقين ، هل السجود لله على أجزاء الأرض عبادة لها وشرك بالله ، أو يكون مثل السجدة على نفس الأرض والمعبود في كليهما هو الله الواحد؟

وإن كان بحمد الله الحاكم موجوداً وهو اللغة. فنرجو ـ من الله ـ أن يتنبّه العلماء والفضلاء منهم إلى هذه النقطة ، وإن لم يكن تجااهلاً ، وينبّهوا عوامهم

١٧٩

إلى عدم نسبة الشرك إلى الشيعة ، لسجودهم على أجزاء الأرض من التربة الحسينية أو الحجر أو الخشب»(٢٣٠) .

٢ ـ السيد سلطان الواعظين(٢١٣) ، مع الشيخ عبد السلام الأفغاني :

قال السيد سلطان الواعظين (طاب ثراه) : «ولكنا إذا خالفنا العامة في صلاتنا ، بأن سجدنا على طينة يابسة فبدل أن يسألونا عن الدليل والسبب ، يتهمونا بعبادة الأصنام ويسمون تلك الطينة التي نسجد عليها بالصنم ، فلماذا هذا الجهل والجفاء؟! ولماذا هذا التفريق بين المسلمين؟!

قال الشيخ عبد السلام : كما قلتم بأنّ مجلسنا هذا إنما إنعقد للتعارف والتفاهم ، وأنا أشهد الله سبحانه بأنّي لم أقصد الإساءة إليكم والتجاسر عليكم ، فإذا صدر مني ما يسوء فسببه عدم إطلاعنا على مذهبكم وعدم مطالعتنا لكتبكم ، فما كنا نعرفكم حق المعرفة ، لأنّا ما عاشرناكم ولا جالسناكم ، وانما سمعنا وصفكم من لسان غيركم وتلقيناها بالقبول من دون تحقيق ، فإلتبست علينا كثير من الحقائق ، ومع تكرار الإعتذار أرجوكم أن تُبينوا لنا سبب سجودكم على الطينة اليابسة؟

قلت : أشكر شعوركم الطيب ، وبيانكم الحلو العذب ، وأشكركم على هذا الإستفهام ؛ لأنّ السؤال والإستفهام أجمل طريقة وأعقل وسيلة لإزاحة أي شبهة وابهام.

__________________

(٢٣٠) ـ الشيرازي ، السيد عبد الله : الإحتجاجات العشرة / ٥٥ ـ ٥٩.

(٢٣١) ـ السيد محمد الموسوي الشيرازي ، المعروف بسلطان الواعظين ، كان من العلماء العاملين ، والخطباء البارعين ، ولد في طهران عام ١٣١٤ هـ. وأخذ المقدمات والأوليات على أساتذتها ، وفي عام ١٣٢٦ هـ. هاجر إلى كربلاء مع والده وحضر على أعلام حوزتها ، حتى برع وكمل في كربلاء ، ثم إتصل بالزعيم الشيخ عبد الكريم الحائري في قم وحضر دروسه ، وتوفي يوم الإثنين ٢٠ شعبان عام ١٣٩١ هـ.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

جيشاً قويّاً لا يُقهر، وأنّه استولى على سرديس (سارد) وبابل، وقضى على حكم الساميّين في غربيّ آسيا، فلم تَقُم له بعدئذٍ قائمة مدى ألف عام كاملة، وضمّ إلى الدولة الفارسيّة كلّ البلاد التي كانت من قبلُ تحت سلطة آشور وبابل وليديا وآسيا الصُغرى، حتى أصبحت تلك الإمبراطوريّة أوسع المـُنظّمات السياسيّة في العالَم القديم ومن أَحسنها حُكماً في جميع عصور التأريخ.

ويبدو - على ما نستطيع أن نتصوّره فيما يُحيط به من سُدُم الأساطير - أنّه (كورش) كان أَحبّ الفاتحينَ إلى النُفوس، وأنّه أقام دولته على قواعد من النُبل وكريم السجايا، وأنّ أعداءه كانوا يَعرفون عنه لين الجانب فلم يُحاربوه بتلك القوّة المـُستيئِسة، التي يُحارب بها الرجال حين لا يجدون بُدّاً من أنْ يَقْتُلوا أو يُقْتَلوا...

... وكانت أُولى القواعد السياسيّة التي تقوم عليها دولته: أنْ يَترك للشعوب المختلفة - التي تتألّف دولته منها - حرّيّة العبادة والعقيدة الدينيّة؛ لأنّه كان عَليماً كلّ العِلم بالمبدأ الأَوّل الذي يبني عليه حكم الشعوب، وهو: أنّ الدين أقوى من الدولة، ومن أجل ذلك لا نراه ينهب المـُدن أو يُخرّب المعابد، بل نراه يُبدي كثيراً من الإكبار والمـُجاملة لآلهة الشُعوب المـَغلوبة، ويُسهِم بما له في المحافظة على أَضرحتها... (١)

ويَزيدك نَباهةً بشأن هذا الرجل العظيم، تلك وثائقه بشأن حُقوق الأُمَم:

وثيقة إعلان حقوق الأُمَم

التي أَصدرها كورش الأكبر مُؤسّس الإمبراطوريّة الفارسيّة مُنذ سنة ٢٥٠٠ أي قبل الميلاد بـ ٥٠ عام، وإليك نصّ المنشور الذي أَصدره كورش إثر فتح بابل سنة ٥٣٩ ق. م، وقد نُقش على أُسطوانة من الطين المطبوخ (الفخار) وُجدت سنة ١٦٧٩ م في منطقة (أُور) في مابين النهرين من سهل العراق، وقد كُتبت باللغة البابليّة، والأُسطوانة محفوظة في المتحف البريطاني بلندن:

____________________

(١) المصدر: ص ٤٠٣ - ٤٠٤.

٥٢١

أنا كورش

(أنا كورش مَلِك العالَم، المـَلِك الكبير، المـَلِك المـُقتدر، مَلِك بابل وسومر وأَكد، مَلِك الجوانب الأربعة للعالم، ابن قمبيز (كمبوجيه) المـَلِك الكبير، ملك أنشان (أنزان = خوزستان: عيلام) حفيد مَلِك أنشان الكبير، من أعقاب (جيش بيش) المـَلِك الكبير، مَلِك أنشان، دوحة السلطنة الأبديّة، مَوئل عناية (بعل ونبو) (١) ومَوضع رعايتهما، دخلتُ (تين تير = بابل) بلا حرب ولا مقاومة، فاستَبشَر الناس بي، وارتقيتُ على أَريكة البلاد بسلام، إذ ربط (مَرْدوك) الإله الكبير (٢) قلوب الناس بي، حيث احترمتُ جانبه طيلةَ حياتي... دَخَل جيشي العظيم بابل بكلّ سُهولة، ولم أَسمح لأيّ شخص أنْ يُثير الخوف والرُعب في أَرض (سومر وأكد).

وتأَمّلت الأوضاع وآلمتني مشاهد وَهنِها في بابل، فبذلتُ جهدي في إحياء المـَعابد والهياكل وإصلاح عِمارتها، كما سَعيتُ في الترفيه على أهل بابل ورفع شقاء العيش عنهم، فأصبحوا في ظلّي مُرفَّهينَ ومُتحرِّرينَ من نَير الذلّ الذي كان وَضَعه عليهم سلاطينهم من قبل (يَقصد: نبوكد نصّر وأحفاده). فعَمرتُ البلاد وأصلحتُ شؤون العباد، ومِن ثَمّ ابتهج (مردوك) كبير آلهة بابل بأعمالي وقد أَثنيتُ عليه بكلّ سرور، فغمرني بعنايته الشاملة... أنا كورش الذي أَثنيتُ عليه وكذا ابني قمبيز وكلّ أفراد عسكري، فَشَملنا جميعاً ببركاته.

فملوك العالم، المـُتكّئون على أرائكهم في القصور، كلّهم من البحر الأعلى حتّى البحر الأسفل، ومُلوك المـَغرب الذين يعيشون في الخيام، قَدّموا لي الخَراج والهدايا الكثيرة ولمسوا قَدَميّ وقبّلوهما بكلّ خضوع...

وجَمعتُ شمل الناس وأَحيَيتُ بلادهم وشيّدتُ معابدهم على ما راموا، وأَرجعتُ إليها كلّ ما نُهب منها من مُجوهرات وصور آلهة وأموال، والتي كان (نبونيد) (آخر ملوك بابل، حفيد نبوكد نصّر) قد استلبها ونهبها،

____________________

(١) بعل: اسم للبارئ المـُتعالي عند البابليّين. ونبو: اسم للمـُدبّر الذي يقوم بتدبير العالم عن أمره تعالى.

(٢) اسم لكبير الآلهة في معبد بابل، كان يُمثّل الإله ربّ العالمين.

٥٢٢

فأَعدتُها في أماكنها الآمِنة بكلّ صفاء وخلوص، وبذلك كنتُ قد أرضيتُ خاطر الإله الكبير (مردوك) والذي كان قد غَضَب من أعمال الجبابرة من قبلُ، وأرجو أنْ تبتهل الآلهة التي أرجعتُها إلى أماكنها، إلى الله وملائكته (بعل ونبو) كلّ صباح، ليَدوم عُمُري في عافية. وليقولوا: إنّ كورش ووَلَده قمبيز يُكرِمان من شأن الإله في إكبار وإعظام...) (١) .

وثيقة إعلام تحرير اليهود

التي أَصدرها كورش بشأن بِناء القدس الشريف وإعادة مجدِه وتحرير بني إسرائيل من الأَسر البابلي وتزويدهم بالعدّة والمال، والوثيقة مُسجّلة في سِفر عَزرا، الذي تَزَعَّم اليهود في عودتهم إلى أورشليم وإحياء ما دُرس من آثار الديانة اليهوديّة وصحائفها وكُتبها...

جاء فيه:

(نبّه الربّ روحَ كورش مَلِك فارس، فأَطلق نداءً في كلّ أرجاء مَملكته الواسعة، وكَتَب دستوره العامّ إلى كافّة الشعوب التي تحت حكمه). وهذا هو نصّ المنشور:

(أنا كورش مَلِك فارس، أَرفع ندائي بأنّ الربّ إله السماء، هو الذي مَنحني السلطة على جميع مَمالك الأرض، وأمرني أن أُعيد بِناء بيته في أُورشليم التي في يهوذا، وعليه فأُوجّه ندائي إلى جميع شعوب اليهود الذين يعيشون في ظلّ حكومتي، مَن كان منهم يُريد الهجرة إلى أُورشليم - موطنه الأصل - ويَعمر بيت الإله إله إسرائيل، فالله معه وتحت رعايته، وعلى أولئك الذين يُجاورون أبناء اليهود في أيّ البلاد، عليهم أن يُساعدوا هؤلاء بالزاد والمال وحَمولة الركوب، وهدايا يُقدّمونها إلى بيت الربّ في أُورشليم.

____________________

(١) راجع: الصفحة الأُولى من كتاب (تونس وإيران - قرون من التلاقح الحضاري) تأَليف عدّة أساتذة تونسيّينَ، الدار التونسيّة للنشر، عام ١٩٧١ م (ذو القَرنَينِ القائد الفاتح والحاكم الصالح، ص ٢٣٦ - ٢٣٧)، و (كورش الكبير) (ذو القَرنَينِ)، ص ٥٤ - ٥٥.

٥٢٣

ويقول الأستاذ أبو الكلام آزاد: إنّ أَهمّ شيء في وَصْف ذي القَرنَينِ - حسبما جاء في القرآن الكريم - هو: خُلوص نيّته وطهارة إيمانه بالله، وتمجيده لساحة قُدسه تعالى، وعقيدته بالحياة الأُخرى... فهل هذه الصفات تَتَصادق مع سِمات كورش؟

ولعلّ القرائن والشواهد الراهنة في حياة كورش، تؤيّد جانب الإثبات، وأنّ سِماته نفس السِمات والصفات المذكورة في وصف ذي القَرنَينِ...

وأَولى هذه الشواهد، هي عقيدة اليهود بشأنه، حتّى جَعلوه المـُنجي المنتظر من قِبَل الله، ورفعوه إلى منزلة المسيح، أي الصفوة من أوليائه المـُخلصينَ.

ولا شكّ أنّ اليهود يَصعب عليهم الإيمان برجل هو خارج مَذهبهم في الإيمان بالله تعالى فضلاً عن عابد وَثَن أو ساجد نار...

وأيضاً فمن المقطوع به أنّ كورش كان على دين (زردشت) وهو دين التوحيد والعقيدة بوحي السماء ويوم الجزاء والدعوة إلى الطهارة والقداسة في الحياة... وكان لابدّ أنّ كورش كان يستقي في أخلاقه الكريمة من هذا المـَعين الصافي والضافي بمكارم الأخلاق، والتي منها الدعوة إلى رؤوس الأخلاق الثلاثة:

١ - (هو مت (بندار نيك)): صدق النيّة.

٢ - (هو خت (كفتار نيك)): صدق القول.

٣ - (هو ورشت (كردار نيك)): صدق العمل.

هذا هو أَساس تعاليم زردشت الدينيّة، ومِن مِثل هذه الأخلاق يمكن أن يَتكوّن مَزاج كورش الملكي الفخيم!

قال: فإن كان ذو القَرنَينِ يَدين بدينٍ (مزديسنا) أي بالدِين الزردشتي، ويُثبت له القرآنُ الإيمانَ بالله واليوم الآخر، ليس هذا فحسب، بل يَجعله من المـُلهمين من عند الله، أَفَلا يلزم من هذا أنّ دين زردشت كان ديناً صحيحاً إلهيّاً؟ أجل، يلزم هذا، وليس هنالك ما يحملنا على رفض هذا اللزوم؛ لأنّه قد ثَبت الآن نهائيّاً أنّ دِين وزردشت كان دين

٥٢٤

التوحيد والأخلاق الفاضلة، وأنّ عبادة النار (١) والعقيدة الثنويّة (٢) ليسَتا منه، بل من بقايا مجوسيّة (٣) (مادا) التي اختلطت بالزردشتيّة في العصور التالية (٤) .

ثُمّ يأخذ مولانا أبو الكلام آزاد في الكلام عن ديانة زردشت وأنّها كانت دين توحيد خالص، وكانت دعوتها قائمة على أساس فضيلة الأخلاق والإيمان بيوم الحساب، وكان ازدهار هذه الديانة على عهد الهخامنشيّين كما يبدو من وثائق نَحتها ملوكهم العِظام على صخور الجبال.

تلك وثائق داريوش - الذي تَسنّم الحكم بعد كورش بثمان سنوات - تتجلّى على صفاح الجبال الشامخة قبل ألفين وخمسمِئة عام، جاء في إحداها:

(هو الله العظيم)، (آهورا مزدا)، (٥) خالق السماوات والأرض وخالق الإنسان ومنحه لَذّات الحياة، والذي أكرم داريوش بكرامة المـُلك والسلطنة على مَملكة واسعة الأرجاء، ومَنحه برجال أكفاء وأفراس جياد...).

وجاء في أخرى:

____________________

(١) لم تكن هناك عبادة نار بمعنى قداستها، بل جُعل حريم لها حفاظاً على الإبقاء لإشعالها لغرض استفادة العموم منها في حوائجها اليوميّة، حيث كان إيقاد النار على العامّة صعباً، فجعلوا مكاناً خاصاً لإشعالها ليل نهار في خِدمة الناس؛ ولئلاّ يتعرّض السَفَلة لإطفائها فرضوا لها حريماً وفرضوا حرمتها لذلك محضاً، بلا أن يكون ذلك قداسة أو عبادة.

فلم يكن المجوس يوماً ما يُقدّسون أو يعبدون النار، نعم كانوا يأخذون بجانب حرمتها لغرض الخدمات العامّة تسهيلاً على الناس في حوائجهم... وقد ظلّت هذه العادّة مستمرّة حتى الأيّام التي لم تَعد حاجة إلى ذلك؛ تقليداً لسُنّة السَلف محضاً.

يقول الفردوسي في ذلك:

مكوئي كه آتش برستان بُدَنْد

برستنده نيك يزدان بُدَنْد

(لا تقل إنّهم عَبَدة النار

إنّما هم عَبَدةٌ صالحون لله تعالى)

(٢) لا أساس للعقيدة الثنويّة في مبدء الوجود، وإنّما هو إله واحد (آهورا مزدا) هو خالق كلّ شيء، وبما أنّه خير محض، فكلّ مخلوقاته خير، نعم كانت الشرور بفعل (أهرِيمن) (الشيطان) الذي هو فاعل الشرور بتسويلاته، لا أنّه خالقها.

وقد صرّح زردشت بأن ليس هناك إلهاً هو خالق الشرور، بل هناك مَظهرٌ للشرور سَمّاه (انكره مي نيوش) وتحوّل إلى (آنرومين) وأخيرا إلى (أهرِمَن)، هو الشيطان الرجيم عند المسلمين، ذو القَرنَينِ، ص ٢٥٧ - ٢٦٠.

(٣) مجوس، لفظة عِبرية عربيّة، مُعرّب (موغوش) (موكوش - بالكاف الفارسيّة) أي (مغ) و (موبدان) يُطلق على سَدَنة المعابد وبيوت النار عند المجوس، وراج استعماله على كلّ مَن اعتنق المجوسيّة.

(٤) كورش الكبير (ذو القَرنَينِ)، ص ٢٤٦ - ٢٥٤.

(٥) يعني: الإله الحكيم. راجع: تأريخ جامع أديان، جان بي ناس، ترجمة علي أصغر حكمت، ص ٤٥٦.

٥٢٥

(يقول الملك داريوش: (آهورا مزدا) هو الذي مَنحني بفضله المـُلك وغمرني بتوفيقه لإشادة مَباني العدل وسيادة الصُلح والأَمن في كلّ البلاد وفي كلّ أصقاع الأرض... فيا آهورا مَزدا! أَعنّي وأَهلي وكلّ أهل الأرض الذين جَعلتَهم تحت سلطاني؛ لنكون في حمايتك وحراستك، ربّ كما دعوتك فاستجب لي دعائي...).

وفي ثالثة:

(أيّها الإنسان، أقول لك ما أمرني الإله (آهورا مزدا): كُن على الصراط المستقيم ولا تَحِد عنه شيئاً، ولا تظنّ بأحد ظنَّ سوء، ومِن الأجرام والآثام فاحترز وكُن على حذر...).

يقول الأستاذ آزاد: ولا تنسَ أنّ داريوش هو من بني أعمام كورش، وتَسنّمَ الحكم بعده بثماني سنوات، ومِن ثَمّ فما يقوله داريوش، هو في الحقيقة لسان حال سَلفه كورش، وكلّ ما ذَكره داريوش وتَضرّع إلى الله مُبتهلاً: أنّ توفيقاته على القيام بمهامّ الأمور إنّما هي بفضله ورحمته تعالى... أَفهل لا يكون ذلك مُتصادقاً مع ما ذَكره القرآن الكريم عن لسان ذي القَرنَينِ: ( هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي! ) (١) .

وقد مرّ عليك منشور كورش بشأن الأَسرى اليهود وإعادة بناء الهيكل في أُورشليم: (هكذا قال كورش مَلِك فارس: جميع مَمالك الأرض دفعها لي الربّ إله السماء، وهو أوصاني أن أبني له بيتاً في أورشليم التي في يهوذا...) (٢) .

هنا ملحوظة

إنّ كارثة الإسكندر المقدوني الفظيعة، والتي أُصيبت بها إمبراطوريّة فارس ذاك العهد، هي بعينها ككارثة بخت نصّر الفجيعة، والتي أُصيب بها القدس وجامعة اليهود في حينها... فقد أبادت وكسحت كلّ معالم الحضارة في المنطقة، ومزّقتها شرَّ مُمَزَّق، فلم تبقَ

____________________

(١) الكهف ١٨: ٩٨. راجع: كورش الكبير (ذو القَرنَينِ)، ص ٢٦٢ - ٢٦٣.

(٢) سِفر عَزرا - الإصحاح الأَوّل.

٥٢٦

لها أثراً يُذكر، ليس في المدنيّة فحسب بل وحتّى وثائق الديانة السائدة هناك ذهبت أدراج الرّياح.

يقول الأُستاذ آزاد: في الحقيقة يجب أن لا ننسى الغزو الإسكندري لم يكن ليُبيد دولة الفُرس وحدها، بل وشمل المـُقدّسات الدينيّة فمَزّقها... وفي رواية قديمة جاء: أنّ كتاب زردشت كان يحوي على اثني عشر ألف ورقة مَكتوباً عليها بالذهب (١) ، وهذا وإن كان مُبالغاً فيه، غير أنّ هذا الكتاب بجملته قد احترق حين هجم الإسكندر في ضمن سائر الكُتب والصحائف... على غِرار ما أُصيبت التوراة بحملة بخت نصّر!

ومِن ثمَّ عاملهم نبيّ الإسلام (صلّى اللّه عليه وآله) معاملة أهل الكتاب، وقال: (سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب) (٢) ، وعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (إنّي أعلم ما عليه المـَجوس، عندهم شريعة يَعملون بها، وكتاب يُؤمنون به، فعامِلوهم مُعاملة أَهل الكتاب...) (٣) .

* * *

بقي هنا سؤال: كيف يُثني رجل التوحيد على آلهة عُبّاد الوثن - كما عرفت في منشور بابل - لو كان كورش ذلك العبد الصالح (ذا القَرنَينِ) الذي يصفه القرآن؟!

لكن يجب أن لا ننسى أنّ رجال الحِكمة يرون الإنسان - على مُختلف شُعوبه - إنّما يَرنو بفطرته الذاتيّة إلى خالقه المـُتعالي، هادفاً ذلك الجمال الأوفى، حتّى ولو اختلفت التعابير وتنوّعت الأساليب:

عباراتُنا شتّى وحُسنك واحد

فكلٌّ إلى ذاك الجمال يُشير

وحتّى الوثني إنّما يهدف الزُلفى إلى الله تعالى، وقد جَعل الوثن رمزاً يهديه إلى ذلك

____________________

(١) جاءت هذه الرواية في (دين كُرْت)، كورش الكبير، ص ٢٦٤، وفي مروج الذهب، ج ١، ص ٢٢٩، أنّ هذا الكتاب في اثني عشر ألف مجلّد بالذهب، فيه وَعد ووعيد وأمر ونهي وغير ذلك من الشرائع والعبادات فلم تَزل المـُلوك تعمل بما في هذا الكتاب إلى عهد الإسكندر فأَحرق بعض هذا الكتاب.

وهكذا ورد في كتاب النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) إلى مشركي قريش بشأن المجوس، راجع: الكافي، ج ٣، ص ٥٦٨، رقم ٤.

(٢) رواه البيهقي في السُنن الكبرى، ج ٩، ص ١٨٩ - ١٩٠.

(٣) روى البيهقي قريباً منه، ج ٩، ص ١٨٨ - ١٨٩، وراجع: كتاب الخراج لأبي يوسف، ص ١٢٩.

٥٢٧

المقصد الأعلى والمطلوب الأوفى، قالوا: ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) ! (١)

ومِن ثَمّ نرى كورش عند ما يتكلّم مع بني جِلدَته وفي أوساط توحيدية خالصة، يَذكر الإله تعالى ويَصفه بأَسمى تمجيد: (آهورا مَزدا) يعني الخالق الحكيم، ربّ العالمين، ربّ السماوات والأرض ومدبّرهما (٢) .

وهو عند ما يَعلن بمشروعه الفخيم بشأن إطلاق سَراح بني إسرائيل والتعبئة، لإعادة بناء القدس الشريف وإحياء معالم دين اليهود المـُتمزّق، نراه يُعبّر عنه سبحانه بـ (يَهُوَه) على حدّ تعبير اليهود أنفسهم، يُريدون ذاته المقدّسة، خالق السماوات والأرض ومدبّرهما (٣) .

وهو كذلك عندما يَصف الإله المـُتعالي بلسان البابليينَ، لكنّه يَصفه وصفاً لا ينطبق إلاّ على اللّه سبحانه، وإن كان التعبير مُنساقاً حسب مصطلح المنطقة، فهو يُعبّر بـ (مردوك) - وِفق تعبير أهل بابل - ولكن يَصفه بعظمة ربّ الأرباب وإله العالمينَ، وهكذا عَبَّر عنه بـ (بَعْل) بمعنى الربّ الأعلى والسيّد المالك إله السماوات.

وقد كان البابليّون يَرون من (مردوك) مُمثّل الإله رب العالمين (٤) .

هذا، مضافاً إلى ما يراه المؤرّخون من أنّ هذا المنشور المـَلكي كان قد نُظّم بمعونة كِبار الكَهَنة وعلى وِفق آداب ومراسيمهم الدينيّة، والذي جاء تعقيباً على منشور سابق كَتبه الكَهَنة أنفسهم ترحيباً بجانب المـَلِك الفاتح النبيل (٥) .

فلا غَرْو أن نجد فيه تعابير تتّفق مع رسوم البابليّينَ محضاً... أمّا المعنى والمـُحتوى فمُحتمل التأويل.

* * *

والسؤال الأخير: حتّى ولو كانت الشواهد وَفيرة على أنّ كورش هو ذو القَرنَينِ

____________________

(١) الزمر ٣٩: ٣.

(٢) تأريخ جامع أديان، ص٤٥٦ - ٤٥٧.

(٣) إيران باستان، كتاب ٢، كورش، لحسن بيرنيا، ج٢، ص٤٠١.

(٤) راجع: دائرة المعارف الإسلاميّة، ج٣، مادة بعل، وإيران باستان، ج١، ص١١٤ و١١٩ وج٢، ص٣٨٦ - ٣٨٧.

(٥) راجع: إيران باستان، ج٢، ص٣٩١.

٥٢٨

المذكور في القرآن، وأنّه هو الذي بنى السدّ الحديدي العظيم... فمِثل هذا المشروع الجَلل، والذي كان - على الفرض - من أَكبر مفاخر الأُسرة الهخامنشيّة ولا سيّما كورش رأس السلسلة... فلما لم يذكره المؤرّخونَ، ولم يَلهج به أبناء الفُرس المـُتعصّبينَ على مفاخرهم في التأريخ، وهلاّ ذَكره كورش في مفاخره ضِمن سائر مفاخره والذي هو أعظمها وأجلّها... ولِمَ لمْ يعرفه العرب عنه ذلك وكانوا مُولعينَ بذِكر تأريخ الفرس وبطولاتهم، ولا ننسى أنّ قَصص الفرس كانت منتشرةً بين العرب، وكان لهم أنصار بينهم، وقد تأثّروا بأدبهم ورواياتهم وقَصصهم الشعبيّة...؟! (١) .

والإجابة على ذلك واضحة لمـَن سَبر تأريخ ذلك العهد وما اعتورته من خُطوب وأحداث كادت تكسح بكلّ آثاره وتذروها ذروَ الريح العقيم. إنّ ما حدث بعد عهد الهخامنشيينَ من هجمات الإسكندر المقدوني العَمياء، لم يدعِ شيئاً من معالم الحضارة قبلها إلاّ طَمسته وعملت في إمحائها عن صفحة الوجود، عملاً مستمّراً طول أَحقاب، بحيث أنست كلّ معالم التأريخ وآثار المدنيّة العظيمة والتي شيّدتها الحُكماء والنُبلاء من ذي قَبل.

وفي العهد الساساني قامت حركة لإحياء التراث القديم، ولكن من غير جدوى وبعد عهد طويل، وإنّما هي مقتطفات من أفواه الرجال وفيها الكثير من التحريف والتحوير، فهي بأن تكون صورة ممسوخة، أشبه منها أن تكون حقائق ناصعة.

تلك كانت مَغبّة أجرام قام بها الإسكندر وأخلافه (السلوكيّون) حوالي قرن، ومِن بعدهم (الأشكانيّون) طيلة خمسة قرون، حتّى جاء دور الساسانيّينَ؛ ليقوموا بإحياء التراث القديم من جديد.

الأمر الذي جعل صفحة التأريخ خِلواً من ذِكر تلكم الآثار الجليلة والتي كان من حقّها الخلود مع الأبد.

وحتى أنّ أبناء الفُرس لم يَكد يعرف منهم شيئاً من جلائل آثار كورش وأعقابه،

____________________

(١) ذو القَرنَينِ القائد الفاتح والحاكم الصالح، ص٢٤٣ - ٢٤٤.

٥٢٩

فضلاً عن غيرهم من عرب الجزيرة.

وأمّا أنّ كورش نفسه، لِمَ لمْ يَذكر ضِمن مفاخره بناء ذلك السدّ العظيم، فالأمر أيضاً واضح، بعد أن عَلِمنا أنّ بناء السّدّ كان من أُخريات أَعماله الضخمة، والذي كان حتفه فيه ولم يُمهله الأَجل لتسجيله، كما سَجّل غيره من أعمال...

والعُمدة في التدليل على عمليّة السدّ على يد كورش، ما ذكره الأُستاذ خضر بهذا الشأن، قال:

(وقد رأينا خلال السرد التأريخي أنّ القبائل المغوليّة كانت لا تَتَكاسل عن الانقضاض على مناطق آسيا الغربيّة خلال القرن السادس قبل الميلاد، وكلّ صفحات التأريخ تذكر لنا أنّ ثَمّة تَوقّف مفاجئ حدث في عمليّة تدفّق هذه القبائل البدائيّة المتوحّشة، وتُشير أصابع الدقّة التأريخيّة نحو الحُقبة التي ظهر فيها كورش الأخميني أو الهخامنشي (١) .

... هذا بعد أنْ لم نَعرف في التأريخ القديم ما يصلح تفسيراً تطبيقيّاً للآية سِوى ما عرفناه بشأن كورش العظيم، فلعلّه هو ذو القَرنَينِ الذي جاء ذِكره في القرآن - حيث الأكثر انطباقاً عليه - واللّه العالم بحقيقة الحال.

سدّ مأرب العظيم!

وحيث جرى الحديث عن سدّ ذي القَرنَينِ، كان المـُناسب التحدّث عن سدّ مأرب وقد اشتبه الأمر على بعضهم فحسبه هو المنسوب إلى ذي القَرنَينِ.

قال الحموي: هو بين ثلاثة جبال يَصبّ ماء السيل إلى موضع واحد، وليس لذلك الماء مَخرج إلاّ من جهة واحدة، فكان الأَوائل قد سدّوا ذلك الموضع بالحجارة الصُلبة والرصاص (الصاروج) فيجتمع فيه ماء عيون هناك، مع ما يفيض من مياه السيول، فيصير خلف السّدّ كالبحر، فكانوا إذا أرادوا سقي زروعهم فتحوا من ذلك السّدّ بقَدَر حاجتهم

____________________

(١) مفاهيم جغرافية، ص٣١٢.

٥٣٠

بأبواب مُحكَمة وحركات مُهندَسة، فيَسقون حسب حاجتهم ثُمّ يسدّونه إذا أرادوا... (١)

وذكر البيروني (٣٦٢ - ٤٤٠) - في الآثار الباقية -: أنّه قيل: هو شمر يرعش الحميري، وسُمّي بذلك لذؤابتينِ كانتا تَنُوسان على عاتقيه، وقد بَلغ مشارق الأرض ومغاربها وجابَ شمالها وجنوبها ودوّخ البلاد وأخضع العباد، وبه يفتخر أحد مَقاول اليمن وهو أبو كرب أسعد بن عمرو الحميري في شعره الذي يقول فيه:

قد كان ذو القَرنَينِ قبلي مُسلماً

مَلِكاً علا في الأرض غير مُعبَّدِ

بَلَغ المشارق والمغارب يبتغي

أسبابَ مُلكٍ من كريم سيِّدِ

فرأى مَغيب الشمس وقتَ غروبها

في عين ذي حماءٍ وثأطٍ حَرمدِ

مِن قبله بلقيسُ كانت عَمَّتي

حتى تَقضَّى مُلكها بالهُدهُدِ (٢)

ورجّح البيروني هذا القول ورآه أقرب الأقاويل، فإنّ الأذواء كانوا من اليَمن، كذي المنار وذي الأذعار وذي الشناتر وذي نؤاس وذي جدن وذي يزن، وأخباره مع هذا تُشبه ما حُكي عنه في القرآن... (٣)

وشمر يرعش هذا هو أَوّل مُلوك حمير من الطبقة الثانية، كانت مدّة مُلكه (٢٧٥ - ٣٠٠ م).

وأسعد أبو كرب هو سابع مُلوكهم من نفس الطبقة (٣٨٥ - ٤٢٠ م) (٤) .

ولعلّ الأمر اشتبه على البيروني؛ إذ الذي يفتخر به أسعد أبو كرب، هو ثاني مُلوك حِميَر من هذه الطبقة، واسمه (الصعب) الملقّب بذي القَرنَينِ عندهم وقد ملك سبأ وريدان وحضرموت (٣٠٠ - ٣٢٠ م). وبه افتخرت العرب الأوائل في أشعارها وخُطَبها، منها خُطبة قُسّ بن ساعِدة الأيادي (٥) المعروفة:

____________________

(١) معجم البلدان، ج٥، ص٣٥.

(٢) في لفظ الأبيات اختلاف مع ما سبق نَقله، والصحيح ما أثبتناه هناك.

(٣) الآثار الباقية عن القرن الخالية، تحقيق وتعليق برويز أذكائي، ص٤٧ - ٤٨، وراجع: البداية والنهاية، ج٢، ص١٠٥.

(٤) العرب قبل الإسلام لجرجي زيدان، ص١٤٣.

(٥) خطيب جاهلي مات حدود (٦٠٠ م) كان يُضرب به المـَثَل في البلاغة وحُسن البيان، يُقال: إنّه كان من نصارى نجران، وكان يَعِظ قومه في سوق عُكاظ.

٥٣١

(يا معشر أياد! أين الصعب ذو القَرنَينِ، مَلَك الخافِقَينِ، وأَذلّ الثَقَلينِ، وعُمِّر أَلفين، ثُمّ كان ذلك كلحظة عين...).

وأنشد ابن هشام للأعشى:

والصَعبُ ذو القَرنَينِ أَصبح ثاوياً

بالحِنوِ في جَدَث أُمَيم مُقيمِ

قوله بالحِنو، يريد: حِنو قراقر، الذي مات فيه ذو القَرنَينِ بالعراق (١) .

وسننبّه: أنّ تلك الأبيات وهذه الخطبة من مختلقات الأَواخر، وليس عليها صِبغة جاهليّة قديمة.

وأغرب منه ما ذَكَره المـُفجَّع في أخبار مُلوك اليمن، قال: لمـّا مات (ياسر يُنعم) (٢٥٠ - ٢٧٥ م) آخر مُلوك حِمير من الطبقة الأُولى، قام مِن بعده (شمر يرعش) (٢٧٥ - ٣٠٠ م) - أَوّل مُلوكهم من الطبقة الثانية - فجمعَ جنوده وسار في (٠٠٠/٥٠٠) خمسمِئة ألف رجل حتّى وَرَد العراق، فأعطاه (يشتاسف) (عامل ملوك الفرس على العراق) الطاعة... فسار لا يَصدّه شيء نحو بلاد الصّين، فلمـّا صار بالصغد تَحصَّن أَهلها بمدينة (سمرقند) فاستنزلهم من غير أمان وقتل منهم مَقتلة عظيمة وأمر بالمدينة فهُدِمت، فسُمّيت: شمركند، فعرّبتها العرب (سمرقند)، ولكنّه مات هو وجنوده في طريقهم إلى الصّين...

فبقيت سمرقند خراباً إلى أن مَلَك (تُبَّع الأقرن) (ثالث ملوك حمير بعد شمر يرعش - على رواية حمزة الأصفهاني) فتجهّز نحو الصّين، فوَرد العراق، فأعطاه (بهمن بن اسفنديار) الطاعة، حتّى وصل إلى سمرقند فوجدها خراباً فأمر بعِمارتها، وسار حتّى أتى بلاداً واسعة فبنى (التبّت)، ثمّ قصد الصين فقتل وسبى وأَحرق، وعاد إلى اليمن مُظفّراً... وعن الأصمعي: على باب سمرقند نُقوش وكتابات تُعيّن أبعاد البلاد عنها... (٢)

____________________

(١) الروض الأنف للسهيلي، ج٢، ص٥٩.

(٢) أورده ياقوت في معجم البلدان بشأن مدينة سمرقند، ج٣، ص٢٤٧ - ٢٤٨، وراجع: العرب قبل الإسلام، ص١٢٣ و١٤٣ - ١٤٤.

٥٣٢

وهكذا ذَكر ابن خلدون: أنّ شَمَرْ يرعش (٢٧٥ - ٣٠٠ م) - سُمّي بذلك؛ لارتعاشٍ كان به - ويُقال إنّه وطئ أَرض العراق وفارس وخراسان وافتتح مدائنها وخَرّب مدينة الصغد (١) وراء جيحون، فقالت العجم (شَمَركَنْد) أي شمرخرّب، وبنى مدينةً هناك باسمه وعرّبته العرب فصار (سَمَرقَند).

ويقال: إنّه الذي قاتل (قُباذ) (٢) مَلِك الفارس وأَسره! وأنّه الذي حَيّر (الحيرة) (٣) وكان مُلكه (١٦٠) سنة، وذَكر بعض الأخباريّينَ أنّه مَلَك بلاد الروم! وأنّه استعمل عليهم (ماهان قيصر)، ذكر ذلك ولم يُعلّق شيئاً...! (٤) .

لكنّه في المقدّمة يأتي عليها ويذروها ذرواً، ويجعلها أوهاماً خرافيّة هي أشبه بقَصص شعبية أساطيريّة، يقول: ومن الأخبار الواهية ما ينقلونه عن التبابعة مُلوك اليمن وجزيرة العرب، أنّهم كانوا يغزون من قُراهم بجيوش حافلة إلى أقاصي البلاد، ويدوّخون المعمورة كلّها بحملات متتالية، وأنّ ذا الإذعار من ملوكهم غزا المـَغرب ودوّخه، وكذلك ياسر ابنه بَلغ وادي الرمل في بلاد المغرب، وأنّ تُبَّع الآخر وهو أسعد أبو كرب، مَلِك الموصل وآذربيجان ولقى التُرك فهَزَمهم وأَثخن ثُمّ غزاهم ثانية وثالثة، وأغزى بعد ذلك ثلاثةً من بنيه: بلاد فارس، وإلى بلاد الصغد من بلاد أُمَم التُرك وراء النهر، وإلى البلاد الروم، فمَلَك الأوّل البلاد إلى سمرقند وقطع المغازة إلى الصين فوجد أخاه الثاني قد سبقه إليها، فأَثخنها في بلاد الصين ورَجعا جميعاً بالغنائم، وتركوا ببلاد الصين قبائل من حِمير، فهم

____________________

(١) صُغد: منطقة واسعة، قصبتها سمرقند، وهي قُرى متّصلة خلال الأشجار والبساتين من سمرقند إلى بخارى، من أزهى بلاد العالم وأجملها، قال الحموي: هي من أطيب أرض اللّه، كثيرة الأشجار، غزيرة الأنهار، متجاوبة الأطيار... معجم البلدان، ج٣، ص٤٠٩.

(٢) ولعلّه والد أنوشيروان الملك الساساني، كان مدّة (٤٨٧ - ٥٣١ م) وتُوفّي مُوفّقاً في أمره عن عمر جاوز الثمانين، كان قد عَمَر البلاد وأشاد كثيراً من المـُدن في حياته وفوّض المـُلك إلى ابنه أنوشيروان بسلام. تأريخ إيران، ص٢٠٥ - ٢٠٩.

(٣) مدينة كانت عامرةً قرب الكوفة بالعراق، كانت قاعدةَ مُلك الملوك اللخميّين (المناذرة). كان اللخميّون عُمّال الفرس على أطراف العراق، كما كان الغساسنة عُمّال الروم على مشارف الشام، وكان أَوّل من حَكم العراق آل تنوخ ومنهم جذيمة الأبرش وصار الحُكم بعده إلى =

٥٣٣

بها إلى هذا العهد، وبلغ الثالث إلى قسطنطينيّة فَدَرسها (هَدمها ومحى أَثرها نهائيّاً) ودوّخ بلاد الرّوم ورجع...

قال: وهذه الأخبار كلّها بعيدة عن الصحّة، عريقة في الوَهم والغَلط، وأشبه بأحاديث القَصَص المـُوضوعة... ثُمّ أخذ في التدليل على بطلانها بأساليب النقد النزيه... (١)

وهكذا يقول الدكتور السيد سالم - في حديثه عن تأريخ جاهليّة العرب -: (لا شكّ أنّ ما رواه العرب عن فتوحاته لا يعدو قَصصاً خرافيّة. والثابت أنّه (تُبَّع الأكبر - شمر يرعش) انتصر على مناطق من بلاد العرب الجنوبيّة وأنّه تغلّب على قبائل تهامة التي كانت تسكن على ساحل البحر الأحمر...) (٢) .

وهكذا يستبعد الدكتور (هبو) تلك الأخبار عن ملوك التبابعة، يقول: (فعصرُ التبابعة عند العرب من أزهى العصور وأَكثرها لخيالهم الخِصب، إذ يرون القَصص الخياليّة والأساطير عن قوّتهم وعظمتهم، فينسبون إليهم غزو أفريقيا والهند والصين وإخضاع فارس وبلاد ما وراء النهر ومصر والمغرب... ممّا دعا ابن خلدون إلى وصف هذه الروايات بالوهم والغلط...) (٣) .

* * *

تلك أساطير بائدة أو شئت فقل قَصص شعبيّة حاكتها أوهام خيال هي أشبه بطيف أحلام.

إنّ سبأ كانت في أَوّل أمرها إمارة أو مَشيخة صغيرة تَحكم ناحية من اليمن، ثُمّ أخذت تتّسع حتّى شملت اليمن كلّه وحضرموت وتهامة، هذا فحسب ولم تتعدّ حدود اليمن في يوم من الأيّام.

كانت عاصمة سبأ مدينة مأرب حتى نهاية القرن الثالث للميلاد، ثمّ حَلّت محلّها

____________________

= ابن أُخته عمرو بن عديّ وهو من آل نصر فرع من لخم؛ ولذلك فإنّ هذه الدولة تسمّى دولة آل نصر، أو آل لخم، أو آل عمرو بن عديّ، أو مُلوك الحيرة، أو المناذرة - باعتبار خمسة من ملوكهم سُمّوا بالمنذر. وآخرهم المنذر المغرور - وكان المناذرة قد تَنصّروا على مَذهب النساطرة. كانت مدّة مُلكهم ٣٦٠ سنة (٢٦٨ - ٦٢٨ م). وقصبة ملكهم جميعاً الحيرة، على ثلاثة أميال من مكان الكوفة على ضفة الفرات الغربيّة في حدود البادية، وتقع الآن في الجنوب الشرقي من النجف الأشرف، ولم تكن للحيرة وملوكهم أيّ صلة بملوك حِمير اليمنيّين، العرب قبل الإسلام. ص٢٢١ - ٢٢٣.

(٤) تأريخ ابن خلدون، ج٢، ص٥٢.

(١) مقدمة ابن خلدون، ص ١٢ - ١٤.

(٢) راجع: كتابه (تأريخ العرب في عصر الجاهليّة)، ص١٤٠ - ١٥٣، ط ١٩٧١م، وكتابه الآخر (تأريخ العرب قبل الإسلام)، ص٥٥، ودراساته في تأريخ العرب قبل الإسلام، ج١، ص١١٤ - ١٢٧، فهي نفس الأبحاث مكرّرة في الكُتب الثلاثة. (ذو القَرنَينِ لمـُحمّد خير رمضان، ص١٨١، الهامش).

(٣) تأريخ العرب قبل الإسلام الدكتور أحمد ارحيّم هبو، ص١٣٢ - ١٣٣. راجع: مُحمّد خير رمضان، ص١٨٢.

٥٣٤

مدينة ظفار. ولذلك أسباب سياسيّة واقتصاديّة ذَكرها المؤرّخون.

يقول جرجي زيدان: أَخبار اليمن - على ما ترويه العرب - أكثرها مُبالغ فيها، وبعضها أقرب إلى الخرافات منه إلى الحقائق... كغزو شمر يرعش المشرق فدوّخ خراسان وهَدم مدينة الصُّغد وبنى سمرقند... وأنّ أسعد أبو كرب غزا الصين والتُرك، وغير ذلك ممّا يُخالف العقل فضلاً عن نُصوص التأريخ العامّة... (١)

وقد نبّهنا أنّ الأبيات المنسوبة إلى تُبّع أو أسعد أبي كرب، تبدو مُختلقة وأنّها من صُنع بعض أبناء اليمن بعد ظهور الإسلام؛ إذ ملامح الاقتباس من القرآن عليها لائحة، والمنسوب إلى قسّ بن ساعدة، خُرافة مفتعلة لا يعتريها شكّ!

مَن الذي بنى سدّ مأرب؟

أمّا ومَن الذي بنى سدّ مأرب، الذي حطّمه سَيلُ العَرِم، على ما جاء ذِكره في القرآن الكريم؟

مأرب، وتُسمّى أيضاً (سبأ) هي أشهر مُدُن اليمن القديمة، ويَلوح أنّ لفظها آرامي الأصل، مركّب من (ماء) و(رأب) أي الماء الكثير أو السيل الكبير، ويُؤخذ ممّا عُثر عليه من أنقاضها أنّها كانت مستديرة الشكل، قطرها نحو كيلومتر، يُحدق بها سور منيع له بابانِ، أحدهما شرقيّ والآخر غربيّ، وبجانب الباب الغربيّ، كتابة تفسيرها: أنّه من بِناء يثعمر بيين بن سمهعلي ينوف مكرب سبأ، وفي وسطها آثار هيكل يُسمّيه أهل تلك الناحية الآن: هيكل سليمان.

وكان السيل في وادي (أذنة) يجري في شرقيّها، ليَسقي مابين يديها وما حولها، فتصير كأنّها في جنان وغياض، غير ما كان فيها من الأبنية الضخمة من الرخام.

قال الطمحان يذكر مأرب:

أما ترى مأرِباً ما كان أَحصَنَه

وما حواليه من سُور وبُنيانِ

____________________

(١) العرب قبل الإسلام لجرجي زيدان، ص١٢٢ - ١٢٦.

٥٣٥

وقال علقمة يصف بناياتها:

ومنّا الذي دانتْ له الأرضُ كلّها

بمأرب يُبنى بالرُخام دياراً

وبذلك جاء تصديق قوله تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ... )

( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ... ) (١) .

* * *

أمّا السّدّ، فقد كثُر في بلاد اليمن بناء الأسداد، وهي جدران ضخمة كانوا يُقيمونها في عرض الأودية لحجز السيول وخزن المياه ورفعها، لريّ الأرضينَ المرتفعة، كما يُفعل اليوم في بناء الخزّانات، وإنّما عَمَد السبأيون إلى بناء الأسداد؛ لقلّة الأنهار ومجاري المياه في بلادهم (بل في الجزيرة كلّها) مع رغبتهم في إحياء زراعتها، فلم يَدعوا وادياً يمكن استثمار جانبيه بالماء إلاّ حجزوا سيله بسدّ، فتكاثرت الأسداد بتكاثر الأودية التي تكثر فيها السيول، حتى تجاوزت المئات، وقد ذَكر الهمداني في (يحصب العلوّ) من مخاليف اليمن وحده ثمانين سدّاً، وكانوا يُسمّون كلّ سدّ باسم خاص به.

وإلى ذلك أشار شاعرهم:

وبالبقعةِ الخضراء من أرض يَحصب

ثمانون سدّاً تقذف الماء سائلاً

وأشهر أسداد اليمن (العَرِم) وهو سدّ مأرب الشهير، هو أعظم أسداد بلاد العرب وأشهرها، وقد كثُر ذِكره في أخبار العرب وأشعارهم على سبيل العِبرة؛ لما أصاب مأرب بانفجاره، وإليه أشار القرآن في سورة سبأ.

( فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ

____________________

(١) سبأ ٣٤: ١٥ و١٨.

٥٣٦

( وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ...

فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) (١) .

أمّا موضع هذا السدّ، ففي الجنوب الغربي من مأرب سلسلة جبال هي شِعاب من جبل السراة الشهير، تمتدّ مئاتٍ من الأميال نحو الشرق الشمالي، وبين هذه الجبال أودية تصبّ في كبير يُعبّر عنه العرب بالميزاب الشرقيّ، وهو أعظم أودية الشرق، تمييزاً له عن ميزاب (مور) أعظم أودية الغرب المنشعبة من جبل السراة المذكور.

وشِعاب الميزاب الشرقيّ كثيرة تتّجه في مصابّها ومنحدراتها نحو الشرقيّ الشماليّ، وأشهر جبالها ومواضعها في ناحية (رداع العرش) و(ردمان) و(قَرَن) والجبال المشرفة على (سويق)، وفي ناحية (ذمار بلد عنس) جميعاً.

فشِعاب هذه المواضع وأوديتها، إذا أمطرت السماء تجّمعت فيها السيول، وانحدرت حتى تنتهي أخيراً إلى وادي (أذنة) وهو يعلو نحو (١١٠٠متر) عن سطح البحر، فتسير فيه المياه نحو الشرق الشمالي، حتى تنتهي إلى مكانٍ قبل مدينة مأرب بثلاث ساعات، هو مضيق بين جبلينِ، يُقال لكل منها: (بلق) (٢) ، يُعبّر عن أحدهما بالأيمن وعن الآخر بالأيسر، والمسافة بينهما (٦٠٠) ستمِئة خُطوة أو (ذراع) ويُسمّيها الهمداني: (مأذمي مأرب) يجري السيل الأكبر بينهما من الغرب الجنوبي إلى الشرقيّ الشماليّ في وادٍ هو وادي أذنة.

واليمن مثل سائر بلاد العرب، ليس فيها أَنهر، وإنّما يَستقي أهلها من السيول التي تجتمع من مياه المطر، فإذا أمطرت السماء فاضت السيول وزادت مياهها عن حاجة الناس، فيذهب معظمها ضياعاً في الرمال، فإذا انقضى فصل المطر ظمئ القوم وجفّت أَغراسهم، فكانوا إمّا في غريق أو حريق، وقلّما ينتفعون حتى أيّام السيول من استثمار البقاع المرتفعة (الهضبات) عن منحدرات الجبال، وكان قد يفيض السيل حتى يسطو على

____________________

(١) سبأ ٣٤: ١٦ و١٩.

(٢) يقال: بَلَق السيل الأحجار بَلْقاً وبلوقاً: جرفها، وقد كانت السيول جَرفت طرفَي سفح الجبلينِ، فسُمّيا: البَلَقين.

٥٣٧

المـُدن والقرى، فينالهم من أذاه أكثر ممّا ينالون من نفعه، فساقتهم الحاجة إلى استنباط الحيلة في اختزان المياه ورفعه إلى مستوى الهضبات وتوزيعه على قَدر الحاجة، فاختار السبأيّون المضيق بين جبلي (بلق) وبنوا في عَرضه سوراً عظيماً عُرف بسدّ مأرب أو سدّ العَرِم؛ لريّ ما يجاور مدينتهم (مأرب) من السهول والهضبات.

والجبلان المذكوران، بعد أن يتقاربا عند مضيق بلق، ينفرجان ويتّسع الوادي بينهما، وعلى ثلاث ساعات منهما نحو الشمال الشرقي من مدينة مأرب أو سبأ، في الجانب الغربي أو الأيسر من وادي أذنة، فإذا جرى السيل حاذى بابها الشرقي، وبين المضيق والمدينة متّسع من الأرض تبلغ مساحة ما يحيط به من سفوح الجبال نحو (٣٠٠) ميل مربّع، كانت جرداء قاحلة، فأصبحت بعد تدبير وإلجام المياه بالسدّ غياضاً وبساتين على سفحي الجبلينِ، وهي المعبّر عنها بالجنّتين بالشمال واليمين أو بالجنّة اليمنى والجنّة اليسرى، على ما جاءت الإشارة إليه في القرآن.

والسدّ المشار إليه عبارة عن حائط ضخم أقاموه في عَرض الوادي، على نحو (١٥٠) ذراعاً نحو الشمال الشرقي من المضيق، سمّوه (العَرِم)، وهو سدّ أصمّ طوله من الشرق إلى الغرب نحو (٨٠٠) ذراع، وعلوه بضعة عشر ذراعاً، وعرضه (١٥٠) ذراعاً، لا يزال ثُلُثه الغربي أو الأيمن باقياً إلى اليوم.

ويظهر ممّا شاهدوه في جزئه الباقي أنّه مبنيّ من التراب والحجارة ينتهي أعلاه بسطحينِ مائِلَينِ على زاوية منفرجة، تكسوهما طبقة من الحصى كالرصيف يمنع انجراف التراب عند تدفّق المياه.

فالعَرِم يقف في طريق السيل كالجبل المـُستعرض ويصدّه عن الجري، فتجتمع مياهه وترتفع ارتفاعاً عالياً يفي بريّ المرتفعات.

وقد جعلوا طرفي السدّ عند الجبلينِ أبنية من حجارة ضخمة متينة، فيها منافذ ينصرف منها الماء إلى إحدى الجنّتين اليمنى أو اليسرى.

فأنشأوا عند قاعدة الجبل الأيمن بناءينِ بشكل المخروط المقطوع، علوّ كلّ منهما

٥٣٨

بضعة عشر ذراعاً، سمّوهما الصَدفينِ، إحداهما قائم على الجبل نفسه، والآخر إلى يساره، وبينهما فُرجة عَرضها خمسة أذرع، وقاعدة الأيمن منهما تعلو قاعدة الأيسر بثلاثة أذرع، والأيسر مبنيّ من حجارة منحوتة، يمتدّ منه نحو الشمال والشرق جدار طوله ٤٠ ذراعاً ينتهي في العرم نفسه ويندغم فيه، وعلوّ الجدار المذكور مثل علوّ الصدف ومثل علوّ العَرِم.

وفي جانب كلّ من الصدَفينِ، عند وجهيهما المتقابلينِ، ميزاب يقابل ميزاباً في الصدف الآخر، والميزابان مُدرّجان، أي في قاع كلّ منهما دَرجات من حجارة كالسُّلَّم، الدرجة فوق الأخرى، ونظراً لشكل الصدَفينِ المخروطَينِ، ولِما يقتضيه شكل الميزاب السُلّمي، أصبحت المسافة بينهما عند القاعدة أقصر منها عند القمّة.

ويظهر من وضع المخروطَينِ أو الصدفَينِ على هذه الصورة، أنّ أصحاب ذلك السدّ كانوا يستخدمون المسافة بينهما مَصرفاً يسيل منه الماء إلى سفح جبل بلق الأيمن فيسقي الجنّة اليمنى، وأنّهم كانوا يقفلون المصرف بعوارض ضخمة من الخشب أو الحديد، تنزل في الميزابَينِ عرضاً، وكلّ عارضة في درجة، فتكون العارضة السفلى أقصرها جميعاً فوقها عارضة أطول منها فأطول إلى العليا وهي أطولها جميعاً.

والظاهر أنّ تلك العوارض كانت مصنوعة على شكل تتراكب فيه أو تتداخل، حتّى يتألّف منها باب متين يسدّ المصرف سدّاً محكماً يمنع الماء مع الانصراف إلاّ عند الحاجة.

فإذا بلغ الماء في علوّه إلى قمّة الصدفينِ رفعوا العارضة العليا، فيجري الماء على ذلك العلوّ إلى سفح الجبل في أقنية مُعدَّة لذلك، ونُقَرٌ أو أحواضٌ لخزن الماء أو توزيعه في سفح ذلك الجبل، فلا يزال الماء ينصرف حتى يهبط سطحه إلى مساواة العارضة الثانية فيقف، فمتى أرادوا ريّاً آخر نزعوا عارضة أُخرى، وهكذا بالتدريج وعلى قدر الحاجة.

وفي الطرف الأيسر من العَرِم - وهو الغربي الذي ينتهي بالجنّة اليسرى - كالحائط - دعوناه السدّ الأيسر - عَرضه عند قاعدته (١٥) ذراعاً، وطوله نحو (٢٠٠) ذراع، وبجانبه من اليمين مخروطانِ أو صَدفانِ أَيمنانِ، أحدهما مُتّصل بالعَرِم نفسه والآخر بينه

٥٣٩

وبين السدّ الأيسر، فيتكوّن من ذلك مَصرفان، مثل المصرف الأيمن، لكلّ منهما ميزابان مُدرّجان متقابلان، تنزل فيهما العوارض وتُنزع حسب الحاجة لصرف الماء إلى الجنّة اليسرى، وينتهي العَرِم من حدّه الغربي بحائط مِنجليّ الشكل مبنيّ بحجارة منحوتة صُلبة، لعلّه الذي وصفه الهمداني: العضاد.

فكان السيل إذا جرى في وادي أذنة حتى تجاوز المضيق بين جبلي بلق، صدّه العَرِم عن الجري فيتعالى ويتحوّل جانب منه نحو اليسار إلى السدّ الأيسر، فإذا أرادوا ريّ الجنّة اليُمنى رفعوا من العوارض بين الصدفينِ الأيمنينِ على قدر الحاجة، وإذا أرادوا ريّ الجنّة اليسرى صرفوا الماء من المصرفينِ بنفس الطريقة، فيجري الماء في أقنية وأحواض في سفح الجبل الأيسر حتّى يأتي مأرب؛ لأنّها واقعة إلى اليسار من السدّ.

* * *

وأمّا مَن هو الذي بنى السدّ (سدّ مأرب العظيم)... ومتى؟

فقد عثر المنقّبون في أنقاض سدّ مأرب على نُقوش كتابية بالحرف المسند (الخطّ الحميري) استدلّوا منها على بانيه، أهمّها نقشانِ، أحدهما على الصَدف الأيمن المـُلاصق للجنّة اليمنى، تفسيره: (أنّ يثعمر بيين بن سمه على ينوف مكرب سبأ، خرق جبل بلق وبنى مصرف رَحِب لتسهيل الرّيّ)، والآخر على الصَدف الآخر، تفسيره: (أنّ سمه على ينوف مكرب سبأ اخترق بلق وبنى مصرف رحب لتسهيل الرّيّ).

(سمه على) هذا هو والد (يثعمر) المذكور، وكلّ منهما بنى صدفاً أو حائطاً، وكلاهما من أهل القرن الثامن قبل الميلاد... فهما مُؤسِّساه، ولم يتمكّنا من إتمامه، فأَتمّه خلفاؤهما، وبنى كُلٌّ منهم جزءً ونُقش اسمه عليه، فعلى المخروط أو الصَدف في اليسار نَقش قرأوا منه: (كرب إيل بيين بن يثعمر مكرب سبأ بنى...)، وعلى جزء آخر من السدّ اسم (ذَمَر على ذَرَح مَلِك سبأ)، وفي محلّ آخر اسم (يَدَع إيل وتار)، وعلى السدّ الأيسر مما يلي الجنّة اليسرى عدّة نُقوش بمِثل هذا المعنى... ممّا يدلّ هذا السدّ لم يَستأثر

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578