شبهات وردود حول القرآن الكريم

شبهات وردود حول القرآن الكريم10%

شبهات وردود حول القرآن الكريم مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 578

شبهات وردود حول القرآن الكريم
  • البداية
  • السابق
  • 578 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 297433 / تحميل: 13674
الحجم الحجم الحجم
شبهات وردود حول القرآن الكريم

شبهات وردود حول القرآن الكريم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

* * *

والّذي جاء في القرآن بهذا الشأن ليس فيه ما يخالف التوراة جوهريّاً، وجاء تفصيل القصّة في القرآن في سورة الشعراء (١) وأوجزها في سائر السور (٢) وجاء التعبير في هذه الآيات بالبحر وباليمّ وهو: لجّةُ الماء ومعظمُهُ.

لكنْ هناك في التفاسير أمور يبدو عليها بعض الإبهام، فقد ذَكر المفسّرون: أنّ الطُرق التي انفلقت لبني إسرائيل للعبور كانت على عدد أسباطهم اثني عشرَ طريقاً، (٣) الأمر الّذي ليست عبارة القرآن نصّاً فيه بل ولا إشارةً إليه.

وأمّا قوله تعالى: ( فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) (٤) فالمعنى: أنّ البحر انشقّ وتجمّع الماء في كلّ جانبٍ يميناًَ ويساراً كالجبل، والفِرْق - بكسر الفاء - اسم لما انفرق، قال الراغب: الفِرق القطعة المنفصلة، فكلّ جانبٍ من البحر انفصل عن الجانب الآخر وصار كلّ جانب كجبلٍ عظيمٍ.

ولعلّ في قوله تعالى: ( فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً ) (٥) ما يتنافى وقولهم بتعدّد الطرق على عدد الأسباط.

وهكذا نجد أنّ بعض المفسّرين احتمل أنْ يكون المقصود هو نهر النيل؛ بحجّة أنّ العرب تُسمّي الماء العَذِب أيضاً بحراً إذا كثُر، قال الآلوسي: واختلفوا في هذا البحر، فقيل: القُلزم، وكان بين طرفيه أربعة فراسخ!

وقيل: النيل، والعرب تُسمّي الماء المـَلِح والعَذِب بحراً إذا كثُر، ومنه: ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ) (٦) وقال الطبرسي: وهو نهر النيل ما بين أيلة

____________________

(١) الشعراء ٢٦: ٥٢ - ٦٨.

(٢) راجع: سورة البقرة ٢: ٥٠، والأعراف ٧: ١٣٦ - ١٣٨، ويونس ١٠: ٩٠، والإسراء ١٧: ١٠٣ و ١٠٤، وطه ٢٠: ٧٧، والقصص ٢٨: ٣٩ و ٤٠، والزخرف ٤٣: ٥٥ و ٥٦. والدخان ٤٤: ١٧ - ١٣، والذاريات ٥١: ٣٨ - ٤٠.

(٣) راجع: جامع البيان للطبري، ج ١، ص ٢١٩ تجد فيه العجائب والغرائب بهذا الشأن، وراجع أيضاً: مجمع البيان، ج ٧، ص ١٩١.

(٤) الشعراء ٢٦: ٦٣.

(٥) طه ٢٠: ٧٧.

(٦) الرحمان ٥٥: ١٩.

٦١

ومصر، وقيل هو بحر القُلزم ما بين اليمن ومكّة إلى مصر (١) .

ولقد فات هؤلاء أنّ بني إسرائيل أخذوا في طريقهم إلى أرض فلسطين عِبر وادي سيناء، ولم يعترض طريقهم إلى وادي سيناء سوى البحر الأحمر، أمّا النيل فلا مساس له بذلك ولم يكن على جهة مسيرتهم نحو فلسطين؛ إذ كان النيل على جهة الغرب وفلسطين على جهة الشرق حيث توجّه بنو إسرائيل، وليس في طريقهم ما يحول بينهم وبين فلسطين سوى مضيق السويس في نهاية البحر الأحمر.

قصّة العجل والسامري

تَنسب التوراة صُنْعَ العجل إلى هارون بدلَ السامري الّذي يذكره القرآن.

جاء في سِفر الخروج: أنّ موسى (عليه السلام) لمـّا أبطأ على بني إسرائيل طلبوا من هارون أنْ يصنع لهم آلهةً، فأجابهم هارون إلى ذلك، وأخذ أقراط الذهب وصنع منها عجلاً مسبوكاً، وقال: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أَصعَدَتْكَ من أرض مصر. فأصْعَدوا محرّقات وقدّموا ذبائح، وأكلوا وشربوا وقاموا باللعِب حول العجل.

وأخبر الربّ موسى أنّ الشعب قد أفسد، فقد صنعوا عجلاً وسجدوا له... فحميَ غضبُ الربِّ وأراد أنْ يَهلِكَهُم؛ لولا أنّ موسى تشفّع لهم، وكان عندما اقترب إلى المحلّة أبصر العجل والرقص، فحمي غضبُه وطرح اللوحين من يديه وكسرهما، ثُمّ أخذ العجل الذي صنعوا وأحرقه بالنار، وطحنه وذرّاه على الماء وسقاه بني إسرائيل.

وقال لهارون: ماذا صَنَع بك هذا الشعبُ حتّى جلبتَ عليه خطيئةً عظيمةً؟! فاعتذر أنّهم افتقدوك فصنعتُ لهم العجل (٢) .

* * *

ونقرأ في سورة طه:

( وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى * قَالَ

____________________

(١) روح المعاني، ج ١، ص ٢٣٣، وراجع: مجمع البيان، ج ٧، ص ١٩١.

(٢) سِفر الخروج، إصحاح ٣٢ / ١ - ٢٤.

٦٢

فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ * فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي * قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ * أَفَلا يَرَوْنَ أَلاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً *وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى * قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلاّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي * قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً ) (١) .

مواضع الاختلاف بين القرآن والتوراة بشأن العجل

١ - ذكرت التوراة: أنّ الّذي صَنَع العجلَ هو هارون أخو موسى (عليه السلام).

وجاء في سورة طه: أنّه السّامري في ثلاثة مواضع (٢) ، وأنّ هارون أراد منعهم من ذلك فلم يستطع: ( قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٣) .

٢ - وذكرت: أنّ موسى لمـّا حَمَيَ غضبُه طرح اللوحَينِ من يديه وكسرهما.

وجاء في القرآن: أنّه ألقى الألواح (٤) - لكنّها لم تتكسّر - ومِن ثمّ ( وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ) (٥) .

٣ - وذكرت: أنّ موسى أخذ العجل وأحرقه وطحنه وذرّاه في ماءٍ وسقاه بني إسرائيل.

____________________

(١) طه ٢٠: ٨٣ - ٩٧.

(٢) طه ٢٠: ٨٥ و ٨٧ و ٩٥.

(٣) الأعراف ٧: ١٥٠.

(٤) الأعراف ٧: ١٥٤.

(٥) الأعراف ٧: ١٥٤.

٦٣

وجاء في القرآن: أنّه حرّقه ونسفه في اليمّ نسفاً (١) .

٤ - وجاء في القرآن: أنّهم اتّخذوا ( عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ ) (٢) لكنّه لا يكلّمهم ولا يُرجع إليهم قولاً (٣) .

وقد سكتت التوراة عن ذلك.

٥ - وجاء في القرآن قولةُ السامري: ( قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ) (٤) .

وسكتت التوراة عن ذلك.

* * *

وحَسَبَ الأُستاذ عبد الوهاب النجّار أنّ هناك وجهاً سادساً للفرق بين القرآن والتوراة بشأن قصّة العجل، قال: والّذي يظهر من عبارة سِفر الخروج: أنّ ذهاب الشيوخ السبعين كان قبل عبادة العجل، وأمّا القرآن فإنّه يَذكر أنّه ذهب لتلقّي الألواح قبل عبادتهم العجل، وذهب مع الشيوخ السبعين بعد ذلك، وهذا هو المعقول (٥) .

والّذي أوقع الأُستاذ في هذا الوهم أنّه وجد قوله تعالى: ( وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ) (٦) ، بعد قصّة العجل في نفس السورة (٧) .

لكنْ الثَبْتُ الموجود في المـُصحف الشريف لا يَصلح دليلاً على الترتيب في الحوادث التي يذكرها القرآن، بل لا دليل فيه على أنّ النزول كان على نفس ترتيب الثَبت، حسبَما نَبّهنا عليه في الجزء الأَوّل من التمهيد.

من ذلك قصّة ذبح البقرة ثبتت في المـُصحف قبل قصّة درءِ القتل في بني إسرائيل (٨) .

____________________

(١) طه ٢٠: ٩٧.

(٢) الأعراف ٧: ١٤٨، طه ٢٠: ٨٨.

(٣) الأعراف ٧: ١٤٨، طه ٢٠: ٨٩.

(٤) طه ٢٠: ٩٦.

(٥) قصص الأنبياء للنجّار، ص ٢٢٦، وراجع: القصّة في التوراة في سِفر الخروج، إصحاح ٣٢ - ٢٤.

(٦) الأعراف ٧: ١٥٥.

(٧) الأعراف ٧: ١٤٨ - ١٥٤.

(٨) البقرة ٢: ٦٧ - ٧٣.

٦٤

على أنّ في القرآن ما يشهد بوقوع مأساة العجل بعد ذهاب الشيوخ السبعين للميقات:

أوّلاً: أنّ ذهاب الشيوخ السبعين كان حسب الوعد للميقات، وقد صرّحت الآيات بأنّ مأساة العجل وقعت بعد هذا الميقات الذي طال أربعين ليلة.

قال تعالى: ( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ - إلى قوله - وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ ) (١) .

وقال بشأن السبعين رجلاً: ( وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا ) (٢) .

أما فَعْلُ السفهاء الذي يعتذر منه موسى فهو طلبهم الرؤية: ( يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباًٍ مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ) (٣) .

ثانياً: التصريح بذلك في سورة النساء: ( فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) (٤) .

ومن المعلوم أنّ هؤلاء الشيوخ السبعين إنّما صحبوا موسى للميقات؛ لإبلاغ رسالة القوم في طلب الرؤية، ومِن ثَمّ جاء في سورة طه: ( وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى * قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ) (٥) .

* * *

وهكذا جاء في سِفر الخروج (١ ص٢٤):

وقال لموسى اصعد إلى الربّ أنت وهارون وناداب وابيهو وسبعون من شيوخ نبي إسرائيل، واسجدوا من بعيد، ويقترب موسى وحده إلى الربّ وهم لا يقتربون، وأمّا الشعب فلا يصعد معه...

____________________

(١) الأعراف ٧: ١٤٢ - ١٤٨.

(٢) الأعراف ٧: ١٥٥.

(٣) النساء ٤: ١٥٣.

(٤) النساء ٤: ١٥٣.

(٥) طه ٢٠: ٨٣ - ٨٥.

٦٥

ثمّ يَذكر بتفصيلٍ ما جرى بين موسى والربّ وآتاه معالم الشريعة، وكان موسى يكتبها في الألواح... وهكذا يستغرق البيانُ عدّة إصحاحات.

ثمّ يقول: ولمـّا رأى الشعب أنّ موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون وقالوا له: قم اصنع لنا آلهةً (١) .

نظرة في قولة السامري

( قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ) (٢) .

زعمت الحشويّة من أَهل الحديث أنّ السامريَّ هذا كان قد وُلِد أيّام فرعون، وكانت أُمّه قد خافت عليه فخلّفته في غارٍ وأطبقت عليه بالحجارة، فوكّل اللّه جبرائيل أنْ يأتيَه فيَغذوه بأصابعه بواحدةٍ لبَناً وبأخرى عسلاً وبثالثةٍ سَمناً، فلم يزل يَكفُله جبرائيل حتّى نشأ وشبّ، وأصبح يعرف جبرائيل بسماته.

ثمّ إنّ فرعون وأصحابه لمـّا هجموا البحر ورأى بني إسرائيل أحجم فرسُه عن الدخول، وعند ذلك تمثّل جبرائيل راكباً فرساً أُنثى في مقدمة فرعون وأصحابه، فلمـّا رآها فرسُ فرعون اقتحم البحر وراءها...

وعند ذلك كان السامريّ قد عرف جبرائيل، ورأى أنّ فرسه كلّما وضع حافره على تراب حصلتْ فيه رجفةٌ وحركةٌ وحياةٌ. فأُلقيَ في رَوعِه: أنّ مِن أثرِ حافر فرس جبرائيل أنْ لا يُقذف في شيء إلاّ حصلت له الحياة؛ ولذلك قبض قبضةً من أثر حافر فرسه وضمّها عنده.

ولمـّا أبطأ موسى في الميقات دعا بني إسرائيل أنْ يأتوا بحُليّهم ليصنع لهم آلهةً، فصاغها عِجلاً وألقى من تلك القبضة فيه، فأصبح ذا حياة يخور كما يخور البقر، وقال: هذا إلهُكم وإله موسى، وأضلّهم عن الطريق.

____________________

(١) سِفر الخروج، إصحاح ٣٢ - ٢٤.

(٢) طه ٢٠: ٩٦.

٦٦

هكذا رَوى الطبري بأسانيده والسيوطي وغيرهما من أرباب النقل في التفسير (١) وزادوا في الطين بلّةً، أنّهم قالوا: إنّ موسى سألَ ربَّه فقال: يا ربّ، مَن أَخارَ العجلَ؟ فقال اللّه: أنا، قال موسى: فمَن أحياه؟ قال اللّه: أنا وأردتُ فتنتَهم، فقال موسى: يا ربّ، فأنت إذن أظللتهم، إنْ هي إلاّ فتنتك (٢) ، وهذا عندما قال اللّه تعالى لموسى: ( وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ) (٣) .

* * *

قال أبو مسلم الأصفهاني: ليس في القرآن تصريح بهذا الّذي ذكره المفسّرون، فهاهنا وجهٌ آخر، وهو: أنْ يكون المراد بالرسول هو موسى (عليه السلام)، وبأثَرِهِ سُنّته ورسمه الّذي أَمر به، فقد يقال: فلان يقْفوا أثرَ فلان ويقبض أَثره إذا كان يَمتثلُ رسمَه.

والتقدير: أنّ موسى (عليه السلام) لمـّا أقبل على السامريّ باللوم والسؤال عن الّذي دعاه إلى إضْلال القوم قال السامريّ: أي عرفتُ أنّ الّذي أَنتم عليه ليس بحقٍّ، وقد كُنت قبضتُ قبضةً مِن أَثرك أيّها الرسول، أي شيئاً من سنُّتك ودينِك، فقذفته أي طرحته... وإنّما أُورِد بلفظ الإخبار عن غائب، كما يقول الرجل لرئيسهِ وهو مواجهٌ له: ما يقول الأمير في كذا، وبماذا يأمر الأمير...

وأمّا دعاؤه موسى (عليه السلام) رسولاً مع جَحدِهِ وكُفرِهِ فعلى مثل ما حَكى اللّه عن المشركين: ( يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) (٤) وإن كانوا لم يؤمنوا بإنزالِ الذِكر عليه.

والإمام الرازي رجّح هذا القول وأيّده بوجوه، قال: إنّ هذا القول الذي ذَكره أبو مسلم ليس فيه إلاّ مخالفة المفسّرين، ولكنّه أقرب إلى التحقيق (٥) .

وهكذا الشيخ المراغي، قال: إنّ موسى لمـّا أقبل على السامريّ باللوم والتعنيف والسؤال عن الأمر الّذي دعاه إلى إضلال القوم ردّ عليه بأنّه كان استنّ بسنّته، واقتفى أثره

____________________

(١) راج: جامع البيان، ج١، ص٢٢٣، والدرّ المنثور، ج٥، ص٥٩٢، وتفسير الصافي للكاشاني، ج١، ص٩٢، وتفسير القمي، ج٢، ص٦٢، وتفسير ابن كثير، ج٣، ص١٦٤، وتفسير البيضاوي، ج٤، ص٢٩.

(٢) راجع: الدرّ المنثور، ج٥، ص٥٩٢، وتفسير الصافي، ج٢، ص٧٥.

(٣) طه ٢٠: ٨٥.

(٤) الحجر ١٥: ٦.

(٥) التفسير الكبير، ج٢٢، ص١١١.

٦٧

وتبع دينه، ثمّ استبان له أنّ ذلك هو الضَلال بعينه، وأنّه ليس من الحقّ في شيءٍ، فطرحه وراءه ظهريّاً وسار على النهج الّذي رأى (١) .

ما كانت صفة العِجل؟

جاء في تفسير ابن كثير وغيره: أنّ السامريّ أُلقي في رَوعِه أنّه لا ينبذ الترابَ الذي أَخذ مِن تحت حافر فرس جبرائيل على شيء، ويقول له كنْ كذا إلاّ كان كما أراد؛ ومِن ثَمّ لمـّا أخذ حُليَّ القوم وألقاها في النار قذف من تلك القبضةِ عليها وقال: كن عِجلاً، فصار عِجلاً ذا لحمٍ وعظمٍ ودمٍ، وجعل يَخور كما يخور وَلدُ البقر (٢) .

وقال بعضهم: إنّه جَعل مؤخّرةَ العِجل على حائط فيه ثُقب، وأقعد هناك مَن يتكلّم مع القوم ليظنّوا أنّ العِجل هُو الّذي يتكلّم معهم (٣) .

كلُّ ذلك مخالف لصريح القرآن؛ حيث إنّه عبّر بالجسد وصفاً للعِجل ( عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ ) ، (٤) وقال: ( أَفَلا يَرَوْنَ أَلاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً ) (٥) ، وقال: ( أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ) (٦) .

على أنّ الروايات بهذا الشأن - في المسائل الثلاث - على ما وردت في التفاسير المـُعتمدة على النقل والأثر كلّها متضاربة ومتعارضة بعضها مع البعض، فضلاً عن مخالفةِ أكثرها لفهمِ العقل الرشيد، ومِن ثَمّ فالإعراض عنها أجدر.

نعم، يبدو أنّ السامريُّ كان صاحبَ صنعة وصياغة الحُلّي، فسَبَك لهم مِن حُليّهم صَنماً بصورةِ عِجلٍ، وقال لهم: هذا إلهكم وإله مُوسى، فعبَّأ فيه مَساماتٍ ومنافذَ للهواء، بحيث يََحدثُ من ذلك صوتُ الخُوار، وهو صوت البقر، وهذا أمرٌ بسيط، ربما تُصنع أمثالُ ذلك لِلُعبة الصبيانِ اليوم وقبلَ اليوم، وليس من الأمر العجيب.

____________________

(١) تفسير المراغي، ج٦، ص١٤٥.

(٢) راجع: تفسير ابن كثير، ج٣، ص١٦٤، والدرّ المنثور، ج٥، ص٥٩٣، وتفسير البيضاوي، ج٤، ص٢٩، وتفسير القمي، ج٢، ص٦٢، وجامع البيان، ج١٦، ص١٤٩، وج ١، ص٢٢٣، وتفسير الميزان، ج١٤، ص٢١١.

(٣) راجع: التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري، ص٢٥١، وبحار الأنوار، ج١٣، ص٢٣١.

(٤) طه ٢٠: ٨٨.

(٥) طه ٢٠: ٨٩.

(٦) الأعراف ٧: ١٤٨.

٦٨

مَن هُو السامريّ؟

ربّما تشككَّ بعض الكتّابِ المسيحيّين (١) في (السامريّ) نسبةً إلى السامرة بلدة كانت في أرض فلسطين بناها (عُمري) رابع مُلوك بني إسرائيل المتأخر عن عهد نبيّ اللّه موسى (عليه السلام) بخمسة قرون! فكيف يكون معاصراً له وقد صنع العِجل كما جاء في القرآن؟

جاء في سِفر الملوك: وفي السنة ٣١ لآسامَلِك يهوذا مَلَك عُمري على إسرائيل ١٢ سنة، مَلَك في ترصة ٦ سنين، واشترى جبل السّامرة من شامر بِوزنتَين من الفضّة، وبَنى على الجبل، ودعا اسم المدينة الّتي بناها باسم شامر صاحب الجبل: السامرة.

وكان ذلك بعد خروج بني إسرائيل من أرض مصر بنحو مِن ثلاث وعشرين وخمسمِئة عام (٢) .

لكنْ السامريُّ لفظةٌ معرّبةٌ وليست على أصالتِها العِبريّة، والشين العِبريّة تُبدّل سيناً في العربيّة كما في (موسى) معرّب (موشي) العبريّة، و(السيع) معرّب (اليشوع) (٣) ، وكما في (السامرة) نسبةً الى اسم صاحب الجبل (شامر).

أمّا السامريُّ - في القرآن - فليس منسوباً إلى بلدة السامرة هذه، وإنّما هي نسبةٌ إلى (شمرون) بلدة كانت عامرةً على عهد نبيّ اللّه موسى ووصيّه يوشع بن نون، والنسبة إليها شمروني عُرّبت إلى سامري، ويُجمع على شمرونيم (سامريّين)، وقد فتحها يوشع وجعلها في سبط (زبولون) كما جاء سِفر اليشوع (٤) وكان المـَلِك عليها حين افتتحها يوشع (مرأون) (٥) .

____________________

(١) مصادر الإسلام لتسدال، ص٣٧ فما بعد، وآراء المستشرقين حول القرآن، ج١، ص٣٥٢.

(٢) قاموس الكتاب المـُقدّس، ص٤٥٩، وراجع: سِفر الملوك، إصحاح ١٦/٢٤.

(٣) قاموس الكتاب المـُقدّس، ص٩٥١.

(٤) راجع: سِفر اليشوع، إصحاح ١١/١، و١٢/٢٠، و١٩/١٥.

(٥) المصدر: ١٢/٢٠.

٦٩

هذا ما حقّقه العلاّمة الحجّة البلاغي (١) .

والسين والشين كانا يتبادلان في العبريّة أيضاً، كان سبط يهوذا يَنطقون بالشين، وسبط افرايمي بالسين في مثل (اليسوع) و(اليشوع) (٢) .

قال الأُستاذ عبد الوهاب النجّار: ويغلب أن تكون (الشين) في العبريّة (سيناً) في العربيّة، كما كان ينطق بها أيضاً سبط افرايم بن يوسف، وقد كان رجال سبط يهوذا يختبرون الرجل ليعرف أنّه من سبط يهوذا أو افرايمي، فيأمروه أن ينطق بـ (شبولت) (سُنبلة) فإذا قال (سبولت) عُرف أنّه افرايمي.

واحتمل في السامريّ نسبةً إلى شامر أو سامر بمعنى (حارس) (٣) ونُطقُها في العِبريّة (شومير) مأخوذ من (شمر) أي حرس، فقد جاء في سِفر التكوين: فقال الربّ لقابيل: أين هابيل أخوك؟ فأجاب: لا أعلم، وعقّبه بقوله: هَـ شومير أحي أنو أخي؟ يعني: أحارسُ أنا لأخي؟ (٤) وما ذكره الحجّة البلاغي أقرب في النظر.

مَن هُو قارون؟ (٥)

يقول تعالى عنه: ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ ) (٦) .

قارون، هو: قُوْرَح بن يصهار بن قهات بن لاوي من أبناء عمّ موسى وهارون، ثار هو وجماعة من رؤساء بني إسرائيل في مئتين وخمسين شخصاً، وحاولوا مقابلة موسى وهارون؛ لينزعوا زعامة إسرائيل عنهما.

وكان قارون ثريّاً جدّاً ويعتزّ بثَرائه ويَفخر على سائر بني إسرائيل، وكان اُولو

____________________

(١) راجع: كتابه (الهدى إلى دين المصطفى)، ج١، ص١٠٣.

(٢) قاموس الكتاب المقدّس، ص٩٥١.

(٣) ذكر جيمس هاكس في قاموس الكتاب المقدّس، ص٥٣٠، أنّ أحد معنيي (شمرون): كشيكجي (نكهبان) يعني الحارس.

(٤) قصص الأنبياء للنجّار، ص٢٢٤، وراجع: سِفر التكوين، إصحاح ٤.

(٥) من شُبُهات أوردها هاشم العربي في مُلحق ترجمةِ كتاب الإسلام لجرجس سال، ص٣٨١. زاعماً أنّه تناقض في القرآن، فمرّة من قوم موسى وأُخرى مُردِفاً بفرعون وهامان؟!

(٦) القصص ٢٨: ٧٦.

٧٠

البصائر من قومه ينصحونه ويحذّرونه عاقبة ما هو عليه من الخُيَلاء والزهو، فكان يتبجّح ويقول: إنّما أُوتيتهُ على علمٍ عندي، - ويُقال: إنّه كان واقفاً على سرّ الصِناعة أي الكيمياء - (١) فكان يخرج على قومه في زينته مُفتخراً عليهم، ويتحسّره القوم ويقول الضعفاء: ( يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) (٢) ؛ وبذلك كاد أن يتغلّب على موسى وقومه، لولا أنْ خسف اللّه به وبداره الأرض، وبكلّ ما كان يَملكه من كنوزٍ (٣) .

وأمّا قوله تعالى: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ) (٤) . حيث يبدو أنّه كان مع فرعون ومِن قَومه، فالظاهر إرادة أنّه بالذات كان مقصوداً بالإنذار إلى جنب فرعون وهامان من غير أنْ يستدعي ذلك أن يكون منهم، بل معهم في العتوّ والطغيان؛ ولعلّه كان واقفاً بصفّهم إزاء موسى وهارون، قال تعالى: ( وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ ) (٥) ، فقد كان قارون مقصوداً كما كان فرعون وهامان، لعتّوهم واستكبارهم في الأرض جميعاً.

( مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ)

قال تعالى بشأن ضخامة ثراء قارون: ( وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ) (٦) .

قال الطبرسي: (ما) هذه موصولة بمعنى الذي، وَصِلتها: إنّ، مع اسمها وخبرها. أي أعطيناه من الأموال المدّخرة قَدْرَ الذي تُنِيء مفاتحُه العُصبةَ (٧) ، أي يُثْقلُهم حملُه، والعُصبة: الجماعة المـُلتفّة بعضها ببعض، أي المتآزرة على عملٍ ثقيل، أي كان حملُها يُضني بالفئام من أقوياء الناس.

____________________

(١) أي إحالة الفلزّات الخسيسة إلى فلزٍ نفيس هو الذهب، وقد أحاله قوم، لكن الاستمرار في البحث في الذرّة - أو الجوهر الفرد - أصبح أنْ جعله ممكناً، والعلماء جادّون في تفريق أجزاء الذرّة، حتى إذا تَمَّ لهُم ذلك أمكنهم إيجاد أيّ مركّب شاءوا الذهب أو غيره، وحينذاك يكون ما كان يبدو مستحيلاً قد صار جائزاً، قصص الأنبياء للنجّار، ص٢٨٥.

(٢) القصص ٢٨: ٧٩.

(٣) راجع: سِفر الخروج، إصحاح ١٦/١ - ٣٠.

(٤) غافر ٤٠: ٢٣ و٢٤.

(٥) العنكبوت ٢٩: ٣٩.

(٦) القصص ٢٨: ٧٦.

(٧) مجمع البيان، ج٧، ص٢٦٦.

٧١

قال: والمـَفاتح - هنا - الخزائن في قول أكثر المفسّرين، وهو اختيار الزجّاج، كما في قوله سبحانه: ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ ) (١) ، والمـَفاتح، جمع مَفتَح. والمِفتح بكسر الميم: المِفتاح. وبالفتح: الخُزانة، وكلّ خُزانة لصنفٍ من الأشياء أو الأموال، قال الفرّاء في قوله تعالى: ( إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ) : يعني خَزائنُه (٢) .

قال الفرّاء: نَوؤُها بالعُصبة أنْ تُثقلَهم. ومَفاتِحه: خزائنُه. والمعنى: ما إنّ مَفاتِح الكنوز أي خزائنها لتُنِيء العُصبةَ أي تُميلُهم من ثقلها، وإذا أدخلت الباء قلت: تنوءُ بهم (٣) .

قال الشاعر:

إلاّ عصا أَرزَنٍ طارت برايتها

تنوءُ ضربتُها بالكفِّ والعضُدِ (٤)

وفي مسائل نافع بن الأزرق سأل ابن عبّاس: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول امرئ القيس إذ يقول:

تمشي فتُثقِلُها عَجيزَتُها

مشيَ الضعيفِ ينوءُ بالوَسْقِ (٥)

والوَسْق: ستّون صاعاً، حِمل بعيرٍ، وكذا وَقْر النخلة.

ومن الغريب ما نجد هنا مِن أجنبيٍ عن اللغة - هو هاشم العربي - يعترض ويرى أنّ الصواب: ( لتنوء بها الْعُصْبَة ) . (٦) هذا في حين أنّ الزمخشري - وهو البطل الفَحل - يقول: يقال: ناء به الحملُ، إذا أَثقَله حتّى أَمالَهُ (٧) فسواء قلت: ناء به الحِملُ أو ناء بالحِمل فالمعنى واحد، فالمعنى على الأَوّل: مالَ به الحِملُ ثقلاً، وعلى الثاني: مال بالحِمل ثقلاً، وعلى الأَوّل هو على الحقيقة كما جاء في القرآن، وعلى الثاني كنايةً كما جاء في البيت.

حادث نُتُوق الجبل فوقَ رؤوسِ بني إسرائيل

وحادث نُتُوق الجبل - وهو زعزعته من الأعالي، وقد ذكره القرآن، وأنكره بعض

____________________

(١) الأنعام ٦: ٥٩. راجع: مجمع البيان، ج٧، ص٢٦٦.

(٢) المصدر: ج٤، ص ٣١٠.

(٣) معاني القرآن للفرّاء، ج٢، ص٣١٠.

(٤) الهدى إلى دين المصطفى، ج١، ص٣٨٩.

(٥) الدرّ المنثور، ج٦، ص٤٣٨.

(٦) ملحق ترجمة كتاب الإسلام، ٤٢٥ - ٤٢٦.

(٧) الكشّاف للزمخشري، ج٣، ص٤٣٠.

٧٢

المستشرقين؛ بحجّة أنّه لم يأتِ ذكرُه في العهد القديم (١) ، عُورِض أيضاً بأنّه من التعنيف على التكليف (٢) .

وجاء ذِكر هذا الحادث في القرآن في موضعين:

١ - سورة البقرة: ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (٣) .

٢ - سورة الأعراف: ( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (٤) .

ليس في الآيتين سوى اقتلاع جزء عظيم من أعالي الجبل أثناء رجفةٍ أو زلزال، رأَوه بأَعينهم وهم مجتمعون في سَفح الجبل، وانحدر هابطاً ليتوقّف في الأثناء، وكانت وقفته بصورة عموديّة مُطِلاًّ عليهم جانبيّاً فظنّوا أنّه واقع بهم، وصادف ذلك أنْ كان عند أخذ الميثاق منهم على العمل بشريعة التوراة، ولعلّ في هذه المصادفة حِكمةً إلهيةً بالغةً؛ ليُريَهم من آياتٍ كونيّة موجّهة لضمير الإنسان إلى جانب ضَعفِ مقدرته تجاه إرادة اللّه القادر الحكيم.

وهذا من قبيل إراءة المعاجز على أيدي الأنبياء، إيقاظاً للضمير وليس إكراهاً على التسليم.

وفي هذا المقدار من دلالة الآيتَين تَوافق مع ما جاء في العهد القديم.

فقد جاء في سِفر الخروج:

فانحدر موسى من الجبل - الطور - إلى الشّعب، وقَدَّس الشعب وغسلوا ثيابهم، وقال للشعب: كونوا مستعدّين لليوم الثالث، لا تقربوا امرأةً، وحدث في اليوم الثالث لمـّا

____________________

(١) راجع: مصادر الإسلام لتسدال، ص١٤ فما بعد، وآراء المستشرقين حول القرآن، ج١، ص٣٤٨.

(٢) راجع: تفسير المنار، ج١، ص٣٤٠، وتفسير الميزان للطباطبائي، ج١، ص٢٠٠.

(٣) البقرة ٢: ٦٣ و٦٤.

(٤) الأعراف ٧: ١٧١.

٧٣

كان الصباح أنّه صارت رعودٌ وبروقٌ وسَحاب ثقيل على الجبل، وصوتُ بوقٍ شديدٍ جدّاً، فارتعد كلّ الشَّعب الذي في المحلّة، وأخرج موسى الشَّعب مِن المحلّة لملاقاة اللّه، فوقفوا في أسفل الجبل، وكان جبل سَيناء كلّه يُدخّن؛ مِن أجلِ أنّ الربّ نزل عليه بالنار، وصعد دُخانُه كدُخان الأَتون وارتجف كلّ الجبل جدّاً، فكان صوت البوق يزداد اشتداداً جدّاً، موسى يتكلّم واللّه يجيب بصوت (١) .

ثمّ جاء فيه بعد ذلك:

وكان جميع الشعب يَرَون الرعود والبروق وصوتَ البوق، والجبل يُدخّن، ولمـّا رأى الشعب ارتعدوا ووقفوا من بعيد، وقالوا لموسى: تكلّم أنت معنا فنسمع، ولا يتكّلم معنا اللّه؛ لئلاّ نموت (٢) .

* * *

أمّا اقتلاع الجبل من أصله وبرّمته ورفعه في السماء فوق رؤوسهم، فهذا ما لم يَذكُرْه القرآن، ولا جاء في روايةٍ معتمدةٍ عندنا، وإنّما هو شيء جاء في روايات إسرائيليّة عامّية اغترّ بها بعض المفسّرين من غير تحقيق (٣) .

ففي الدّر المنثور: عن قُتادة ( وإذ نَتَقنا الجَبَل... ) قال: انتزعه اللّه من أصله ثم جعله فوق رؤوسهم، ثم قال: لتأخُذُنّ أمري أو لأَرمينّكم به...

قال مُحمّد رشيد رضا: شايَعَ الأُستاذُ الإمامُ [ مُحمّد عبدَه ] المفسّرين على أنّ رَفْعَ الطُورِ كان آيةً كونيّةً، أي أنّه اُنتُزِعَ مِن الأرض وصَار مُعلّقاً فوقَهم في الهواء، وهذا هو المـُتبادر من الآية بمَعونة السياق، وإنْ لم تكنْ ألفاظُها نصّاً فيه.

وقال في وجه عدم نصّية القرآن في ذلك: إنّ أصلَ النَتق - في اللغة - الزعزعة والزَلزلة، وأمّا الظُلّة فكلّ ما أظلّك وأَطلّ عليك سواء كان فوق رأسك أو في جانبك مرتفعاً له ظلّ، فيُحتمل أنّهم كانوا بجانب الطُور رأوه منتوقاً، أي مرتفعاً مُزَعْزَعاً، فظنّوا أنْ سيقع بهم وينقضّ عليهم.

____________________

(١) سِفر الخروج، إصحاح ١٩/١٥ - ١٩.

(٢) المصدر: ٢٠/ ١٨ - ١٩.

(٣) راجع: الدر المنثور، ج١، ص١٨٤، وج٣، ص٥٩٦، وجامع البيان، ج١، ص٧٤، وتفسير ابن كثير، ج١، ص١٠٤ - ١٠٥، وغيرها من تفاسير معروفة، وراجع أيضاً: التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري، ص٤٢٧، والاحتجاج المنسوب إلى الطبرسي، ج٢، ص٦٥.

٧٤

ويجوز أنّ ذلك كان في أثرِ زلزالٍ تَزعزَعَ له الجبل... وإذا صحّ هذا التأويل لا يكون مُنكِرُ ارتفاع الجبل في الهواء مُكذِّباً للقرآن (١) .

* * *

كما ولم يأتِ في شيء من رواياتٍ صحيحةٍ الإسناد إلى أئمّةِ أهل البيت (عليهم السلام) ما يدلّ على أنّ جبل الطُور اُقتُلِعَ من مكانه فرُفِعَ في السماء فوقَ رؤوس القوم، سِوى ما جاء في تفسيرٍ مجهولٍ منسوبٍ إلى الإمام العسكري (عليه السلام) مِن أنّ اللّه أمر جبرائيل فقطعَ بجناحٍ من أجنحتهِ من جبلٍ من جبال فلسطين على قَدرِ مُعسكرِ موسى(عليه السلام) وكان طوله في عرضه فرسخاً في فرسخ، ثم جاء به فوق المعسكر على رؤوسهم، وقال: إمّا أنْ تَقبلوا ما آتاكم به موسى وإمّا وضعتُ عليكم الجبل فَطَحْطَحْتُكُمْ تَحْتَه...

وفي كتاب الاحتجاج (لم يُعرف مؤلّفه) روى مُرسلاً عن أبي بصير قال: سال طاووس اليماني الإمام مُحمّد بن عليّ الباقر(عليه السلام ٍ) عن طائرٍ طار مرّةً ولم يَطرْ قبلها ولا بعدها، ذكره اللّه في القرآن ما هو؟ (فقال سَيناء، أطاره اللّه على بني إسرائيل حينَ أظلّهم بجناحٍ فيه ألوانُ العذاب، حتّى قِبلوا التوراة...) (٢) .

* * *

إذن، فالروايات من طُرق الفريقَين لا أساس لها، و لا يُمكن الاعتماد عليها في تفسير الذِكر الحكيم؛ ولذا فمن الغريب ما نجده من لجنة علماء الأزهر اعتراضهم على الأُستاذ النجّار في رفضه الأخذ بأقوال المفسّرين هنا، قالوا: لم يَسعْ السيّد رشيداً ومؤلّف هذا الكتاب (أي الأُستاذ النجّار) ما وَسع الأُستاذ الإمام في موافقة جميع المفسرّين على أنّ رَفْعَ الطُور آيةً كونيّةً، أي أنّه اُنتُزِع من الأرض وصار مُعلّقاً فوقهم في الهواء، مع اعتراف الأَوّل (أي السيّد رشيد) بأنّه المـُتبادر من الآيتَين بمعونة السياق، بل أَبْدَيا (رشيد والنجّار) احتمالاً مُختَرَعاً في الآيتين أخرجاهما عن إفادة تلك الآية الكونيّة؛ بحجّة أنّ ألفاظهما

____________________

(١) تفسير المنار، ج١، ص٣٤٢ - ٣٤٣.

(٢) راجع: تفسير البرهان للبحراني، ج١، ص٢٣٣ - ٢٣٤، رقم ٩، وج٣، ص٢٣٤، رقم ١.

٧٥

ليست نصّاً فيما أجمع عليه المفسّرون، وتبعهم عليه الأُستاذ الإمام (١) .

وكذا قَولُ سيّدنا الطباطبائي: هذا التأويل، وَصَرْف الآية عن ظاهرها، والقول بأن بني إسرائيل كانوا في أصل الجبل فزُلزِل وزُعزِع حتّى أطلّ رأسه عليهم فظنّوا أنّه واقع بهم فعبّر عنها برفعه فوقهم أو نتقه فوقهم، مبنيٌ على أصل إنكار المعجزات وخوارق العادات (٢) .

وكلام سيّدنا الطباطبائي هنا يُشعر باعتماده للروايات المأثورة والاستناد إليها في تفسير القرآن بما لا صراحة فيه، بل ولا ظهوراً قويّاً يمكن الاعتماد عليه، وليس ذلك سوى تفسير القرآن بالروايات الضعيفة، الأمر الذي يبدو خلاف مسلكه في التفسير... ولا سيّما إذا لم يكن للروايات أصلٌ معتمد في أحاديث أئمّة أهل البيت (عليهم السلام).

قال - في غير هذا الموضع -: إنّ أخبار الآحاد لا حجّية فيها في غير الأحكام الشرعيّة، فإنّ حقيقة الجعل التشريعي (الحجيّة التعبّديّة لخبر الواحد) معناه: ترتيب أثر الواقع على الحجّة الظاهريّة، وهو متوقّف على وجود أثرٍ عملي للحجّة، كما في الأحكام والتكاليف، وأمّا غير ذلك فلا أثر فيه حتّى يترتّب على جعل الحجيّة، مثلاً: إذا وردت الرواية بأنّ البَسمَلةَ جزءٌ من السورة كان معنى ذلك وجوب الإتيان بها في القراءة في الصلاة.

وأمّا إذا ورد - مثلاً - أنّ السامريُّ كان رجلاً مِن بلدة كذا، وهو خبر ظنّي، كان معنى جعل حجيّته أنْ يُجعل الظنّ بمضمونه قطعاً، وهو حكم تكويني ممتنع وليس من التشريع في شيء (٣) .

قلتُ: والأمر في الآية هنا أيضاً كذلك؛ لأنّ المسألة مسألة فهم المعنى من ظاهر اللفظ، أي إذعان النفس بذلك، الأمر الذي لا مجال للتعبّد فيه، حيث الآية في سورة الأعراف استعملت لفظ النتوق مصحوباً بالتشبيه بالظُلّة ( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ ) . ثم أردفه بقوله: ( وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ ) .

ونَتَقَ الجِرابَ أي نَفَضَه بمعنى: حرّكه ليزولَ عنه الغُبار ونحوه. ونَتقُ الشيء: فتقُه،

____________________

(١) هامش قصص الأنبياء للنجّار، ص٢٣١.

(٢) الميزان، ج١، ص٢٠٠.

(٣) الميزان، ج١٤، ص٢٢٢.

٧٦

زَعزَعه، رفعَه، بسطَه، ونَتَقت المرأة أو الناقة: كَثُر وِلدُها، فهو يُعطي معنى البسط والكثرة والانتشار والتوسّع وإذ كان هناك بسط وتوسّع في أعالي الجبل كان ذلك رفعاً أي ارتفاعاً بالشيء وتعالياً به، وليس قلعاً من مكانه وانتقالاً له إلى محلٍّ آخر في السماء، كما زُعم.

قال الراغب: نَتَقَ الشيءَ: جَذبه ونَزعه حتّى يَسترخي، كنَتقِ عُرَى الحِمل قال تعالى: ( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ ) .

وهذا يُعطي معنى: التَزعزُع في قُلَلِ الجبل وانتزاع صخورٍ عظيمة منها وتَدلّيها جانبيّاً مُطلّةً على القوم وهم في أسفل، وكانت كأظلّةٍ مطلّةٍ عليهم، والأظلّةُ كما تصلح من علوٍّ كذلك تصلح من جانب، وفي كلتا الصورتَين تصدق الفوقيّة.

وبذلك اتّضح معنى قوله تعالى: ( وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ) أي رفعناه جانبيّاً، لا شيء سواه.

قصّة داود وامرأة اُوريّا

جاء في (صموئيل الثاني) الإصحاح ١١:

كان داود أقام في اُرشليم، وكان في وقت المساء، قام وتمشّى على سطح البيت، فرأى امرأةً تستحمُّ، وكانت جميلةً جدّاً، فسأل عنها فقيل له: إنّها بَثْشَبَع بنت أليعام امرأة اُوريّا الحثّى، فأرسل داود إليها وأخذها واضطجع معها فحبلت منه، فكتب داود إلى يوآب قائد معسكره، وأرسله بيد اُوريّا، وكتب فيه أنْ اجعلوا اُوريّا في مقدّمة الجيش ليُقتل، ففعل يوآب ما أمره داود وقُتل اُوريّا.

فلمـّا سمعت امرأة اُوريّا بموت زوجها ناحت عليه، وبعد انقضاء أيّام النياحة أرسل داود فضمّها إلى بيته وجعلها مع نسائه فولدت له ابناً، ومات ذلك الولد... وأمّا الأمر الّذي فعله داود فقَبُح في عينَي الربّ.

وفي الإصحاح ١٢:

وعزّى داود بَثْشَبَع بموت وَلَدها، واضطجع معها ثانيةً فولدت له ابناً فدعا اسمه سليمان، فكان سليمان قد وُلِد مِن امرأةٍ اغتصبها داود من زوجها، وتآمر على قتله!

٧٧

وفي الإصحاح ١٣ و١٤ و١٥:

وجرى بعد ذلك أنّه كان لأبشالوم بن داود أُخت جميلة اسمها ثامار، فعشقها أخوها من غير أُمّها اسمه أمنون بن داود، فاحتال عليها، فتمارَضَ وطلب منها أنْ تُمارضَه، فلمـّا دخلت عليه اضطجع معها، ثُمّ إنّ أخاها أبشالوم تمكنّ بعد سنتين أنْ يَثِبَ على أخيه أمنون فيقلته، وبعد مدّة ثار على أبيه داود، فطارده بجيش عظيم، وفرّ داود من وجهه، ومّما ارتكبه أبشالوم من الشنائع أنْ دَخَلَ على سَراري أبيه أمام جميع بني إسرائيل.

هكذا لعِبت اليهود بقداسة نبيّ اللّه داود (عليه السلام) فوصَمُوه وأهلَ بيته بِأفظع وصَمات منافية للشرفِ والعفّة، فجعلوا منهم أُسرةً تعيثُ في الخطايا والدنَس بكلّ ألوانه!

أمّا القرآن فجاء ليُطهّر ساحة الأنبياء فيصوّر من داود قدّيساً وعبداً منيباً إلى اللّه ( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ) (١) .

( وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) (٢) .

( آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) (٣) .

وقد ذكرنا حديث اختبار داود (عليه السلام) بما يُبرّئ ساحته النزيهة عن أمثال تلك الخرائف الإسرائيليّة عند الكلام عن تنزيه الأنبياء (٤) .

القرآن والأناجيل

زعم (تسدال) أنّ النصرانيّة كانت أحد المصادر التي أخذ منها القرآن، في حين أنّ من هذه المصادر ما لم تكن موثوقة، بل كانت لفِرقٍ شاذّةٍ لها أساطير غريبة اعتمدها القرآن.

وزعم أنّ قصّة مريم وابنها المسيح (عليهما السلام) لم تَرِد في كتب النصرانيّة المعتمدة،

____________________

(١) ص ٣٨: ١٧ - ٢٠.

(٢) ص ٣٨: ٣٠.

(٣) سبأ ٣٤: ١٣.

(٤) في الجزء الثالث من التمهيد.

٧٨

واعتبرها خرافة وهميّة، وحجّته في ذلك عدّة شبَهٍ في ذهنه:

١ - إنّ ولادتها لعيسى، حسبما جاءت في القرآن، أشبه ما يكون بأُسطورة (ميلاد بده) عند الهنود؛ حيث وُلِد (بده) من عذراء لم يمسّها رجال.

٢ - خدمتها للهيكل، مع أنّ هذا لا يجوز للنساء.

٣ - ذَكَر القرآن أنّها أُخت هارون أخي موسى بن عمران - على حدّ فهمه - واعتبر ذلك من الخطأ التأريخي في القرآن.

وهكذا أَنكر كلامَ عيسى في المهد، وكذا المعجزات التي ظهرت على يده ممّا ذكره القرآن، مثل صُنعه من الطين طيراً ثُمّ يكون طيراً بإذن اللّه، وقصّة المائدة التي نزلت من السماء، وصَلْب عيسى(عليه السلام) حيث نفاه القرآن في حين قد أثبته الكتاب المقدّس.

ومثل: نزول عيسى في آخر الزمان، ومسألة التبشير بمَقدَم نبيّ الإسلام حسبما ذكره القرآن، ولم يأتِ في الإنجيل... ونحو ذلك مِن أُمورٍ سردها (تسدال) بهذا الشأن سردَ عاجزٍ سقيمٍ (١) .

الصدّيقة مريم (عليها السلام)

أَنكَر (تسدال) قصّةَ الصّديقة مريم (عليها السلام) أنْ تكون وردت بهذا الشكل في كُتب النصرانيّة المعتمدة، واعتبرها خُرافة.

قال الدكتور رضوان: هذه القصّة من الشهرة والانتشار والبداهة في الوسط المسيحي بمكانٍ، حتّى أنّ فرقة (البربرانيّة) (٢) منهم أَلّهوها وابنها المسيح (عليهما السلام)؛ نظراً لولادتها لابنها بطريقة خارقة للعادة، وقد أشار القرآن الكريم لقضية تأليهِهِم لهما (عليهما السلام) (٣) .

أمّا زعم (تسدال) أنّ القصّة غير موجودة في الكتاب المقدّس فيردّه ما ورد في

____________________

(١) راجع: آراء المستشرقين حول القرآن الكريم، ج١، ص٢٩٠ و٢٩٦.

(٢) جاء في (الفصل في الملل والنحل) لابن حزم، ج١، ص٤٨: ومنهم - طوائف النصارى - البربرانيّة، وهم يقولون: إنّ عيسى وأُمّه إلهان من دون اللّه عزّ وجلّ، وهذه الفرقة قد بادت.

(٣) في قوله تعالى: ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) المائدة ٥: ١١٦ .

٧٩

إنجيل (لوقا) ونصّه: (... أُرسِل جبرائيلُ المـَلاكُ من اللّه إلى مدينةٍ من الجليل اسمها ناصرة، إلى عذراءٍ مخطوبةٍ لرجل من بيت داود اسمه يوسف، واسم العذراء مريم، فدخل إليها المـَلاك وقال: سلامٌ لكِ أيّتها المـُنعَم عليها، الربّ معكِ، مباركةٌ أنتِ في النساءِ، فلمـّا رأته اضطربت من كلامه وفكّرت ما عسى أن تكون هذه التحيّة؟!

فقال لها الملاك: لا تخافي يا مريم؛ لأنّكِ قد وجدتِ نعمةً عند اللّهِ، وها أَنتِ سَتَحبلينَ وتَلدينَ ابناً وتُسمّينَه يسوع، هذا يكون عظيماً، وابنَ العليّ يُدعى، ويُعطيه الربّ الإله كرسيَّ داود أبيه، ويَملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لمـُلكِه نهايةٌ.

فقالت مريم للمـَلاك، كيف يكون هذا وأَنا لستُ أَعرِف رجلاً؟ فأجاب المـَلاك وقال لها: الروح القُدُس يَحلّ عليكِ، وقوّةُ العليّ تُظلّلُكِ، فلذلك أيضاً القدّوس المولود منكِ يُدعَى ابنَ اللّه.

وهوذا (اليصابات) (١) نَسيبتُكِ هي أيضاً حُبلى بابن في شيخوختها، وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوّة عاقراً، لأنّه ليس شيء غير ممكن لدى اللّه. فقالت مريم: هوذا أنا أَمَة الربّ، ليكن لي كقولكَ. فمضى من عندها المـَلاك (٢) .

وجاء في إنجيل (متّى): (أمّا ولادةُ يسوع المسيح فكانت هكذا: لمـّا كانت مريم أُمُّه مخطوبةً ليوسف قبل أن يجتمعا وُجِدت حُبلى مِن الروح القُدس، فيوسف رَجُلُها إذ كان بارّاً ولم يشأ أنْ يشهرها أراد تخليتها سرّاً، ولكن فيما هو متفكّر في هذه الأُمور إذا ملاك الربّ قد ظهر له في حُلُمٍ قائلاً: يا يوسف بن داود لا تخفْ أنْ تأخذ مريم امرأتك؛ لأنّ الّذي حُبِل به فيها هو مِن الروح القُدُس، فسَتلِد ابناً وتدعو اسمه يسوع؛ لأنّه يُخلص شعبَه من خطاياهم) (٣) .

وفي إنجيل برنابا - في الفصل الأَوّل - ما نصّه: (لقد بعث اللّه في هذه الأيام الأخيرة بالمـَلاك جبرائيل إلى عذراءٍ تُدعى مريم من نسلِ داود من سبط يهوذا، بينما كانت هذه

____________________

(١) هي امرأة زكريّا، حَملت بيحيى على أَثر دعاء زوجها (إنجيل لوقا، الإصحاح ١/١٢ - ٢٥)، وجاء ذلك في القرآن في سورة آل عمران ٣: ٣٨، والأنبياء ٢١: ٨٩.

وكانت اليصابات خالة مريم. (قصص الأنبياء للنجّار، ص٣٧٥).

(٢) إنجيل لوقا، الإصحاح ١/٢٦ - ٣٨.

(٣) إنجيل متّى، الإصحاح ١/١٨ - ٢١.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

بيعقوب » قال الرّجل: يا ابن رسول الله، ما الّذي نزل بيعقوب؟ قال: « كان يعقوب النّبيعليه‌السلام ، يذبح لعياله في كلّ يوم شاة، ويقسم لهم من الطّعام مع ذلك ما يسعهم، وكان في عصره نبي من الأنبياء كريم على الله لا يؤبه له، قد أخمل نفسه ولزم السّياحة، ورفض الدّنيا فلا يشتغل بشئ منها، فإذا بلغ من الجهد توخّى دور الأنبياء وأبناء الأنبياء والصّالحين، ووقف لها وسأل ممـّا يسأل السّؤال، من غير أن يعرف به، فإذا أصاب ما يسمك رمقه مضى لمـّا هو عليه، (ولمـّا أغري)(١) ليلة بباب يعقوب وقد فرغوا من طعامهم، وعندهم منه بقيّة كثيرة، فسأل فأعرضوا عنه، فلا هم أعطوه شيئاً ولا صرفوه، وأطال الوقوف ينتظر ما عندهم، حتّى أدركه ضعف الجهد وضعف طول القيام، فخرّ من قامته قد غشي عليه، فلم يقم إلّا بعد هَوِىّ من اللّيل، فنهض لمـّا به ومضى لسبيله، فرأى يعقوب في منامه تلك اللّيلة ملكاً أتاه فقال: يا يعقوب، يقول لك ربّ العالمين: وسعت عليك في المعيشة، وأسبغت عليك النّعمة، فيعتري ببابك نبيّ من أنبيائي كريم عليّ، قد بلغ الجهد فتعرض أنت وأهلك عنه، وعندكم من فضول ما أنعمت به عليكم ما القليل منه يحييه، فلم تعطوه شيئاً ولم تصرفوه فيسأل غيركم، حتّى غشي عليه فخرّ من قامته لاصقاً بالأرض عامّة ليلته، وأنت في فراشك مستبطن متقلّب في نعمتي عليك، وكلاكما بعيني، وعزّتي وجلالي لأبتلينّك ببليّة تكون لها حديثاً في الغابرين، فانتبه يعقوبعليه‌السلام مذعوراً، وفزغ إلى محرابه فلزم البكاء والخوف حتّى أصبح، أتاه بنوه يسألونه ذهاب يوسف معهم » ثمّ ذكر أبو جعفرعليه‌السلام قصّة يوسف بطولها.

____________________________

(١) في المصدر: وأنه أعترى ذات، والظاهر أنّه أصوب إذ أن عراه وأعتراه: غشيه طالباً معروفه (لسان العرب ج ١٥ ص ٤٤).

٢٠١

[ ٨٠٣٢ ] ١٠ - عماد الدّين الطبري في بشارة المصطفى: عن أبي البقاء ابراهيم بن الحسين البصري، عن أبي طالب محمّد بن الحسن، عن أبي الحسن محمّد بن الحسين بن أحمد، عن محمّد بن وهبان الدّبيلي، عن عليّ بن أحمد بن كثير العسكري، عن أحمد بن المفضّل أبي سلمة الأصفهاني، عن أبي علي راشد بن عليّ بن وائل القرشي، عن عبدالله بن حفص المدني، عن محمّد بن إسحاق، عن سعيد بن زيد بن أرطأة، عن كميل بن زياد، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال فيما أوصاه إليه: « البركة في المال من إعطاء(١) الزكاة، ومواساة المؤمنين، وصلة الأقربين، وهم الأقربون(٢) يا كميل، زد قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين، وكن بهم أرأف وعليهم أعطف، وتصدّق على المساكين، يا كميل، لا تردّن سائلاً ولو بشقّ تمرة، أو من شطر عنب، يا كميل، الصّدقة تنمى عند الله تعالى » الخبر.

ورواه الحسن بن عليّ بن شعبة في تحف العقول(٣) ، ويوجد في بعض نسخ نهج البلاغة.

[ ٨٠٣٣ ] ١١ - الشيخ ابراهيم الكفعمي في كتاب مجموع الغرائب: عن الجواهر للشّيخ الفاضل محمّد بن محاسن البادرائي، أنّه روى: أنّ عيسىعليه‌السلام قال: من ردّ السائل محروماً، لا تغشى الملائكة بيته سبعة أيّام.

____________________________

١٠ - بشارة المصطفى ص ٢٥.

(١) في المصدر: إيتاء.

(٢) وفيه: الأقربون لنا.

(٣) تحف العقول ص ١١٥.

١١ - مجموع الغرائب:

٢٠٢

[ ٨٠٣٤ ] ١٢ - الشّيخ أبو الفتوح الرّازي في تفسيره: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « للسّائل حقّ وإن جاء على فرس ».

[ ٨٠٣٥ ] ١٣ - وعن الحسين بن عليعليهما‌السلام ، أنّ سائلاً كان يسأل يوماً، فقالعليه‌السلام : « أتدرون ما يقول؟ » قالوا: لا، يا ابن رسول الله قالعليه‌السلام : « يقول: أنا رسولكم إن أعطيتموني شيئاً أخذته وحملته إلى هناك، وإلا أرد إليه وكفّي صفر ».

[ ٨٠٣٦ ] ١٤ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « لو لا أنّ السّائلين(١) يكذبون، ما قدّس من ردّهم ».

[ ٨٠٣٧ ] ١٥ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه كان يقول: « اللّهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين » فقالت له إحدى زوجاته: لم تقول هكذا؟ قال: « لأنهم يدخلون الجنّة قبل الأغنياء بأربعين عاماً، ثمّ قال: أنظري ألّا تزجري المسكين، وإن سأل شيئاً فلا تردّيه ولو بشقّ تمرة، واحبيه وقربيه إلى نفسك، حتّى يقرّبك الله تعالى إلى رحمته ».

[ ٨٠٣٨ ] ١٦ - وروي: أنّ الله تعالى يقول يوم القيامة لبعض عباده: استطعمتك فلم تطعمني، واستقيتك فلم تسقني، واستكسيتك فلم

____________________________

١٢ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٧، وفي ج ٥ ص ٥٤٨، وأخرجه في البحار ج ٩٦ ص ١٧ ح ٢ عن جامع الأخبار ص ١٦٢.

١٣ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٧.

١٤ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٧.

(١) في المصدر: السؤّال.

١٥ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٦.

١٦ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ٢ ص ٢٨١.

٢٠٣

تكسني، فيقول العبد: إلهي أنّه كان، وكيف كان؟ فيقول تعالى: العبد الفلاني الجائع استطعمك فما أطعمته، والفلاني العاري استكساك فما كسوته، فلأمنعنك اليوم فضلي كما منعته.

[ ٨٠٣٩ ] ١٧ - أبو علي محمّد بن همام في كتاب التّمحيص: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « لا يكمل المؤمن إيمانه حتّى يحتوي على مائة وثلاث خصال - إلى أن عدّصلى‌الله‌عليه‌وآله منها - لا يردّ سائلاً، ولا يبخل بنائل ».

[ ٨٠٤٠ ] ١٨ - البحار، عن الديلمي في أعلام الدين: عن أبي أمامة، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « قال الخضرعليه‌السلام : من سُئل بوجه الله عزّوجلّ فردّ سائله، وهو قادر على ذلك، وقف يوم القيامة ليس لوجهه جلد ولا لحم، (إلّا)(١) عظم يتقعقع » الخبر.

[ ٨٠٤١ ] ١٩ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن زيد الشحّام، عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، قال: « ما سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً قطّ، فقال: لا، إن كان عنده أعطاه، وإن لم يكن عنده، قال: يكون إن شاء الله ».

[ ٨٠٤٢ ] ٢٠ - القطب الراوندي في لبّ اللّباب: عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، أنّه خرج ذات يوم معه خمسة دراهم، فأقسم عليه

____________________________

١٧ - التمحيص ص ٧٤ ح ١٧١.

١٨ - البحار ج ١٣ ص ٣٢١ ح ٥٥ عن أعلام الدين ص ١١٢.

(١) في أعلام الدين: ولا.

١٩ - تفسير العياشي ج ١ ص ٢٦١ ح ٢١٢.

٢٠ - لبّ اللباب: مخطوط.

٢٠٤

فقير فدفعها إليه، فلمّا مضى فإذا بأعرابي على جمل، فقال له: اشتر هذا الجمل، قال: « ليس معي ثمنه »، قال: اشتر نسية، فاشتراه بمائة درهم، ثمّ أتاه إنسان فاشتراه منه بمائة وخمسين درهماً نقداً، فدفع إلى البايع مائة، وجاء بخمسين إلى داره، فسألته - أي فاطمةعليها‌السلام - عن ذلك، فقال: « أتجّرت مع الله، فأعطيته واحداً فأعطاني مكانه عشرة ».

[ ٨٠٤٣ ] ٢١ - وعن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « من نهر سائلاً، نهرته الملائكة يوم القيامة ».

٢١ -( باب جواز ردّ السّائل، بعد إعطاء ثلاثة)

[ ٨٠٤٤ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه وقف به سائل وهو مع جماعة من أصحابه، فسأله فأعطاه، ثمّ جاء آخر فسأله فأعطاه ثمّ جاء الثّالث(١) فأعطاه ثمّ جاء الرّابع فقال له: « يرزقنا الله وإيّاك » ثمّ قال لأصحابه: « لو أنّ رجلاً عنده مائة ألف، ثمّ أراد ان يضعها موضعها لوجد ».

[ ٨٠٤٥ ] ٢ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن عجلان، قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام ، فجاءه سائل، فقام إلى مكتل فيه تمر فملأ يده ثمّ ناوله، ثمّ جاء آخر فسأله، فقام فأخذ بيده

____________________________

٢١ - لب اللباب: مخطوط.

الباب - ٢١

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٥ ح ١٢٦٦.

(١) في المصدر زيادة: فسأله.

٢ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٨٩ ح ٥٩، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٦٩ ح ٥٩.

٢٠٥

فناوله، ثمّ جاء آخر فسأله، فقال: « رزقنا الله وإيّاك »(١) .

٢٢ -( باب عدم جواز الرّجوع في الصّدقة، وحكم صدقة الغلام)

[ ٨٠٤٦ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « إذا تصدّق الرّجل بصدقة، لم يحلّ له أن يشتريها، ولا أن يستوهبها، ولا أن يملكها، بعد أن تصدّق بها، إلّا بالميراث، فإنّها(١) إن دارت له بالميراث حلّت له ».

[ ٨٠٤٧ ] ٢ - ابن شهر آشوب في المناقب: عن كتاب الفنون، قال: نام رجل من الحاجّ في المدينة فتوهّم أنّ هميانه سرق، فخرج فرأى جعفر الصّادقعليه‌السلام ، مصلّيا ولم، يعرفه فتعلّق به وقال له: أنت أخذت همياني، قال: « ما كان فيه؟ » قال: ألف دينار، قال: فحمله إلى داره، ووزن له ألف دينار، وعاد إلى منزله ووجد هميانه، فرجع(١) إلى جعفرعليه‌السلام معتذراً بالمال فأبى قبوله، وقالعليه‌السلام : « شئ خرج من يدي لا يعود إليّ » (إلى أن)(٢)

____________________________

(١) ورد في هامش الطبعة الحجرية، منه (قدّه) ما نصّه: « هذا الخبر رواه الكليني في الكافي ج ٤ ص ٥٥ ح ٧ بإسناده عن عجلان كما في الأصل، وفيه أنهم كانوا أربعة أعطى ثلاثة منهم وردّ الرابع فالظاهر أنّه سقط في نسخة العياشي جملة أخرى، والله العالم ».

الباب - ٢٢

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٩ ح ١٢٧٥.

(١) في الطبعة الحجرية « فانهما » وما أثبتناه من المصدر.

٢ - المناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ٢٧٤.

(١) في المصدر: فعاد.

(٢) ليس في المصدر.

٢٠٦

قال: فسأل(٣) الرّجل، فقيل: هذا جعفر الصّادقعليه‌السلام ، قال: لا جرم هذا فعال مثله.

[ ٨٠٤٨ ] ٣ - السيّد عليّ بن طاووس في مهج الدّعوات: نقلاً من كتاب عتيق، حدّثنا محمّد بن أحمد بن عبدالله بن صفوة، عن محمّد بن العبّاس العاصمي، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، عن أبيه، عن محمّد بن الرّبيع الحاجب، عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام - في حديث طويل - أنّه قال: « إنّا أهل بيت لا نرجع في معروفنا » الخبر.

٢٣ -( باب استحباب التماس الدّعاء من السّائل، واستحباب دعاء السّائل لمن أعطاه)

[ ٨٠٤٩ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « لا تستخفوا بدعاء المساكين للمرضى منكم، فإنّه يستجاب لهم فيكم، ولا يستجاب لهم في أنفسهم ».

[ ٨٠٥٠ ] ٢ - الشّيخ المفيد في الاختصاص: عن القاسم، عن بريد العجلي، عن أبيه، قال: دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام ، فقلت له: جعلت فداك، قد كان الحال حسنة، وإنّ الأشياء اليوم متغيّرة، فقال: « إذا قدمت الكوفة فاطلب عشرة دراهم، فإن لم تصبها فبع وسادة من وسائدك بعشرة دراهم، ثمّ ادع عشرة من أصحابك واصنع لهم طعاماً، فإذا أكلوا فاسألهم فيدعوا الله لك » قال: فقدمت الكوفة فطلبت عشرة دراهم فلم أقدر عليها، حتّى بعت

____________________________

(٣) وفيه: فسأل عنه.

٣ - مهج الدعوات ص ١٩٦.

الباب - ٢٣

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ١٣٦ ح ٤٧٨.

٢ - الاختصاص ص ٢٤.

٢٠٧

وسادة لي بعشرة دراهم كما قال، وجعلت لهم طعاماً، ودعوت أصحابي عشرة، فلمّا أكلوا سألتهم أن يدعوا الله لي، فما مكثت حتّى مالت إليّ(١) الدّنيا.

٢٤ -( باب استحباب المساعدة على إيصال الصّدقة والمعروف إلى المستحقّ)

[ ٨٠٥١ ] ١ - الصّدوق في الخصال: عن حمزة بن محمّد العلوي(١) ، عن عليّ بن ابراهيم، عن أبيه، عن جعفر الأشعري، عن عبدالله بن ميمون القداح، عن الصّادقعليه‌السلام ، عن آبائه، عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « الدّال على الخير كفاعله ».

[ ٨٠٥٢ ] ٢ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من شفع شفاعة حسنة أو أمر بمعروف، فإن الدّال على الخير كفاعله ».

[ ٨٠٥٣ ] ٣ - القطب الرّاوندي في لبّ اللّباب: قال: روي أنّ الصّدقة لتجري على سبعين رجلاً، تكون أجر آخرهم كأوّلهم.

____________________________

(١) في المصدر عليّ.

الباب - ٢٤

١ - الخصال ص ١٣٤ ح ١٤٥.

(١) كذا في المصدر، وفي النسخة الحجرية « حمزة بن الحسن العلوي » راجع معجم رجال الحديث ج ٦ ص ٢٧٨ و ٢٨١، ومجمع الرجال ج ٧ ص ٢٣٦.

٢ - الجعفريات ص ١٧١.

٣ - لب اللباب: مخطوط.

٢٠٨

[ ٨٠٥٤ ] ٤ - ابن أبي جمهور في درر اللآلي: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « الخازن الأمين الذي يؤدّي ما ائتمن به، طيبة به نفسه فإنّه أحد المتصدّقين ».

[ ٨٠٥٥ ] ٥ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « صدقة المرأة من بيت زوجها، غير مسرفة ولا مضرّة، مع علم عدم كراهيّة، لها أجر وله مثلها، لها بما أنفقت، وله بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك ».

٢٥ -( باب مواساة المؤمن في المال)

[ ٨٠٥٦ ] ١ - جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات: عن الصّادقعليه‌السلام ، أنّه قال: « أشدّ الأعمال ثلاثة: إنصاف النّاس من نفسك، حتّى لا ترضى لهم إلّا ما ترضى به لها منهم، ومواساة الأخ في الله(١) ، وذكر الله على كلّ حال ».

[ ٨٠٥٧ ] ٢ - وعن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: قلت: ما أشدّ ما عمل العباد؟ قال: « إنصاف المرء من نفسه، ومواساة المرء أخاه، وذكر الله على كلّ حال » الخبر.

[ ٨٠٥٨ ] ٣ - الصّدوق في مصادقة الإخوان: عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : « إختبر شيعتنا في خصلتين، فإن كانتا

____________________________

٤ - درر اللآلي ج ١ ص ١٤.

٥ - درر اللآلي ج ١ ص ١٥.

الباب - ٢٥.

١ - الغايات ص ٧٣.

(١) في المصدر: المال.

٢ - الغايات ص ٧٤.

٣ - مصادقة الإخوان ص ٣٦ ح ٢.

٢٠٩

فيهم (وإلّا فاغرب ثمّ اغرب)(١) ، قلت: ما هما؟ قال: المحافظة على الصّلاة(٢) ، والمواساة للإخوان وإن كان الشّئ قليلاً ».

[ ٨٠٥٩ ] ٤ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال: « المواساة أفضل الأعمال، وقال(١) : أحسن الإحسان مواساة الإخوان ».

[ ٨٠٦٠ ] ٥ - الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب المؤمن: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « يجئ أحدكم إلى أخيه، فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه »، فقلت: ما أعرف ذلك فينا، قال: فقال أبو جعفرعليه‌السلام : « فلا شئ إذاً »، قلت: فالهلكة إذاً؟ قال: « إنّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد ».

[ ٨٠٦١ ] ٦ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سيّد الأعمال ثلاث: إنصاف النّاس من نفسك ومواساة الأخ في الله، وذكرك الله تعالى في كلّ حال ».

[ ٨٠٦٢ ] ٧ - أصل من أصول القدماء: قال: دخل رجل إلى جعفر بن

____________________________

(١) في المصدر: وإلّا فأعزب ثمّ أعزب.

(٢) في المصدر: الصلوات في مواقيتهن.

٤ - درر الحكم ودرر الكلم ص ٤٧ ح ١٣٥٩.

(١) نفس المصدر ص ١٨٤ ح ١٩٧.

٥ - المؤمن ص ٤٤ ح ١٠٣.

٦ - الجعفريات ص ٢٣٠.

٧ - أصل من أصول القدماء.

٢١٠

محمّدعليهما‌السلام ، وقال: يابن رسول الله، ما المروّة؟ قال: « ترك الظّلم ومواساة الإخوان في السّعة » الخبر.

[ ٨٠٦٣ ] ٨ - دعائم الإسلام: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، أنّه أوصى لبعض(١) شيعته فقال: يا معشر شيعتنا، اسمعوا وافهموا وصايانا وعهدنا إلى أوليائنا، اصدقوا في قولكم، وبرّوا في أيمانكم لأوليائكم واعدائكم، وتواسوا بأموالكم، وتحابّوا بقلوبكم » الخبر.

وباقي أخبار الباب، يأتي في أبواب العشرة من كتاب الحجّ.

٢٦ -( باب استحباب الإيثار على النّفس ولو بالقليل، لغير صاحب العيال)

[ ٨٠٦٤ ] ١ - الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب المؤمن: عن سماعة، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: سألناه عن الرّجل لا يكون عنده إلّا قوت يومه، ومنهم من عنده قوت شهر، ومنهم من عنده قوت سنة، أيعطف من عنده قوت يوم على من ليس عنده شئ؟ ومن عنده قوت شهر على من دونه؟ والسّنة(١) على نحو ذلك؟ وذلك كلّه الكفاف الذي لا يلام عليه، فقالعليه‌السلام : « هما أمران، أفضلهم(٢) فيه أحرصكم على الرّغبة فيه والأثرة على نفسه، إنّ الله عزّوجلّ

____________________________

٨ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٦٤.

(١) في المصدر: بعض، والظاهر هو الصحيح.

الباب - ٢٦

١ - المؤمن ص ٤٤ ح ١٠٢.

(١) في المصدر: ومن عنده قوت سنة على من دونه.

(٢) وفيه: أفضلكم.

٢١١

يقول:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (٣) وإلّا لا يلام عليه، اليد العليا خير اليد السّفلى، ويبدأ بمن يعول ».

[ ٨٠٦٥ ] ٢ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال: « قد فرض الله التّحمل على الأبرار في كتاب الله »، قيل: وما التّحمل؟ قال: « إذا كان وجهك آثر من(١) وجهه التمست له، وقال في قول الله عزّوجلّ:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (٢) وقال: لا تستأثر عليه بما هو أحوج إليه منك ».

[ ٨٠٦٦ ] ٣ - سبط الشّيخ الطّبرسي في مشكاة الأنوار: عن الصّادقعليه‌السلام ، أنّه سئل: ما أدنى حقّ المؤمن على أخيه؟ قال: « أن لا يستأثر عليه بما هو أحوج إليه منه ».

[ ٨٠٦٧ ] ٤ - وعن أنس [ قال ](١) : أنّه أهدي لرجل من أصحاب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رأس شاة مشوي فقال: إنّ أخي فلاناً وعياله أحوج إلى هذا حقّاً، فبعث [ به ](٢) إليه، فلم يزل يبعث به واحد بعد واحد، حتّى تداولوا بها سبعة أبيات، حتّى رجعت إلى الأوّل، فنزل( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ

____________________________

(٣) الحشر ٥٩: ٩.

٢ - المؤمن ص ٤٤ ج ١٠٤.

(١) في الطبعة الحجرية « عن » وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الحشر ٥٩: ٩.

٣ - مشكاة الأنوار ص ١٩٢.

٤ - مشكاة الأنوار ص ١٨٨.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) أثبتناه ليستقيم المعنى.

٢١٢

نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٣) وفي رواية: فتداولته تسعة أنفس، ثمّ عاد إلى الأوّل.

[ ٨٠٦٨ ] ٥ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « ثلاثة من حقائق الإيمان: الإنفاق من الإقتار، والإنصاف من نفسك، وبذل السّلام لجميع العالم ».

[ ٨٠٦٩ ] ٦ - زيد الزرّاد في أصله: قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : نخشى أن لا نكون مؤمنين، قال: « ولم ذاك؟ » فقلت: وذلك أنّا لا نجد فينا من يكون أخوه عنده آثر من درهمه وديناره، ونجد الدّينار والدّرهم آثر عندنا من أخ قد جمع بيننا وبينه موالاة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال: « كلّا، إنّكم مؤمنون ولكن لا تكملون إيمانكم حتّى يخرج قائمنا، فعندها يجمع الله أحلامكم فتكونون مؤمنين كاملين، ولو لم يكن في الأرض مؤمنون كاملون، إذاً لرفعنا الله إليه، وأنكرتم الأرض وأنكرتم السّماء، [ بل ](١) والذي نفسي بيده، إنّ في الأرض في أطرافها مؤمنين، ما قدر الدّنيا كلّها عندهم يعدل جناح بعوضة - إلى أن قالعليه‌السلام - هم البررة بالإخوان في حال اليسر والعسر، والمؤثرون على أنفسهم في حال العسر، كذلك وصفهم الله فقال:( وَيُؤْثِرُونَ ) (٢) الآية - إلى أن

____________________________

(٣) الحشر ٥٩: ٩.

٥ - الجعفريات ص ٢٣١.

٦ - أصل زيد الزرّاد ص ٦.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) الحشر ٥٩: ٩.

٢١٣

قال - حليتهم طول السكوت بكتمان السّر، والصّلاة، والزّكاة، والحجّ، والصوم: والمواساة للإخوان في حال اليسر والعسر » الخبر.

[ ٨٠٧٠ ] ٧ - وفيه: قال زيد: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: « خياركم سمحاؤكم، وشراركم بخلاؤكم، ومن خالص الإيمان البرّ بالإخوان، وفي ذلك محبّة من الرّحمان، ومرغمة من الشّيطان، وتزحزح عن النّيران ».

[ ٨٠٧١ ] ٨ - الشّيخ الطّوسي في أماليه: بإسناده عن أبي ذر رحمه الله، عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: « جهد من مقل إلى فقير (في سرّ)(١) ».

كتاب الغايات(٢) لجعفر بن أحمد القمي: مثله.

[ ٨٠٧٢ ] ٩ - وعن أبي بصير، عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال: قلت: ما أفضل الصّدقة؟ قال: « جهد المقلّ، أما سمعت الله يقول:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (١) ويرى هيهنا فضلاً ».

[ ٨٠٧٣ ] ١٠ - محمّد بن علي بن شهر آشوب في المناقب: قال: روى جماعة عن عاصم بن كليب، عن أبيه واللّفظ له، عن أبي هريرة: أنّه جاء

____________________________

٧ - أصل زيد الزراد ص ٢.

٨ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ١٥٣.

(١) كان في الطبعة الحجرية « محتال ».

(٢) الغايات ص ٦٨.

٩ - الغايات ص ٧٧.

(١) الحشر ٥٩: ٩.

١٠ - مناقب ابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٤.

٢١٤

رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فشكا إليه الجوع، فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أزواجه، فقلن: ما عندنا إلّا الماء، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من لهذا الرّجل اللّيلة؟ » فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « أنا يا رسول الله » فأتى فاطمةعليها‌السلام وسألها: « ما عندك يا بنت رسول الله؟ فقالت: ما عندنا إلّا قوت الصّبية، لكنّا نؤثر ضيفنا به، فقالعليه‌السلام : يا بنت محمّد نوّمي الصّبية، واطفئي المصباح، وجعلا يمضغان بألسنتهما، فلمّا فرغا من الأكل أتت فاطمةعليها‌السلام بسراج، فوجدت الجفنة مملوّة من فضل الله، فلمّا أصبح صلى مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا سلّم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من صلاته، نظر إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وبكى بكاءً شديداً وقال: « يا أمير المؤمنين، لقد عجب الرّب من فعلكم البارحة، إقرأ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (١) » أي مجاعة الخبر.

[ ٨٠٧٤ ] ١١ - وعن محمّد بن العتمة(١) ، عن أبيه، عن عمّه، قال: رأيت في المدينة رجلاً على ظهره قربة وفي يده صحفة، يقول: « اللّهم وليّ المؤمنين(٢) وجار المؤمنين، اقبل قرباني اللّيلة، فما أمسيت أملك سوى ما في صحفتي وغير ما يواريني، فإنّك تعلم إنّي منعت نفسي [ مع شدّة ](٣) سغبي، أطلب القربة إليك غنماً، اللّهم فلا تخلق وجهي ولا تردّ دعوتي » فأتيته حتّى عرفته فإذا هو عليّ بن أبي طالب

____________________________

(١) الحشر ٥٩: ٩.

١١ - مناقب ابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٦، وعنه في البحار ج ٤١ ص ٢٩.

(١) في المصدر: الصمة.

(٢) في المصدر زيادة: وإله المؤمنين.

(٣) أثبتناه من المصدر.

٢١٥

عليه‌السلام ، فأتى رجلاً فأطعمه.

[ ٨٠٧٥ ] ١٢ - الشّيخ أبو الفتوح الرّازي في تفسيره: عن شقيق بن سلمة، عن عبدالله بن مسعود، قال: صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة صلة العشاء، فقام رجل من بين الصّف، فقال: يا معاشر المهاجرين والأنصار، أنا رجل غريب فقير، وأسألكم في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاطعموني، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أيّها الحبيب لا تذكر الغربة، فقد قطعت نياط قلبي، أمّا الغرباء فأربعة، قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: مسجد ظهراني قوم لا يصلّون فيه، وقرآن في أيدي قوم لا يقرؤون فيه، وعالم بين قوم لا يعرفون حاله ولا يتفقّدونه، وأسير في بلاد الرّوم بين الكفّار لا يعرفون الله، ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من الذي يكفي مؤونة هذا الرّجل؟ فيبوّئه الله في الفردوس الأعلى، فقام أمير المؤمنينعليه‌السلام وأخذ بيد السائل، وأتى به إلى حجرة فاطمةعليها‌السلام ، فقال: يا بنت رسول الله، انظري في أمر هذا الضّيف، فقالت فاطمةعليها‌السلام : يا ابن العمّ، لم يكن في البيت إلّا قليل من البرّ، صنعت منه طعاماً، والأطفال محتاجون إليه، وأنت صائم، والطّعام قليل لا يغني غير واحد، فقال: أحضريه، فذهبت وأتت بالطّعام ووضعته، فنظر إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام فرآه قليلاً، فقال في نفسه: لا ينبغي أن آكل من هذا الطّعام، فإن أكلته لا يكفي الضيف، فمدّ يده إلى السّراج يريد أن يصلحه فأطفأه، وقال لسيّدة النّساءعليها‌السلام : تعلّلي في إيقاده، حتّى يحسن الضّيف أكله ثمّ إثتيني به، وكان أميرالمؤمنينعليه‌السلام يحرّك فمه المبارك، يري الضّيف أنّه يأكل ولا يأكل، إلى أن فرغ الضّيف من

____________________________

١٢ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ٥ ص ٢٨٩.

٢١٦

أكله وشبع، وأتت خير النّساءعليها‌السلام بالسّراج ووضعته، وكان الطّعام بحاله، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام لضيفه: لم ما أكلت الطّعام؟ فقال: يا أبا الحسن أكلت الطّعام وشبعت، ولكنّ الله تعالى بارك فيه، ثمّ أكل من الطّعام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وسيّدة النّساء، والحسنانعليهم‌السلام ، وأعطوا منه جيرانهم، وذلك ممـّا بارك الله تعالى فيه، فلمّا أصبح أمير المؤمنينعليه‌السلام أتى إلى مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي، كيف كنت مع الضّيف؟ فقال: بحمد الله - يا رسول الله - بخير، فقال: إنّ الله تعالى تعجّب ممـّا فعلت البارحة، من إطفاء السّراج والامتناع من الأكل للضّيف، فقال: من أخبرك بهذا؟ فقال: جبرائيل، وأتى بهذه الآية في شأنك( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) (١) الآية ».

[ ٨٠٧٦ ] ١٣ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنّه رأى يوماً جماعة فقال: « من أنتم؟ » قالوا: نحن قوم متوكّلون، فقال: « ما بلغ بكم توكّلكم؟ » قالوا: إذا وجدنا أكلنا، وإذا فقدنا صبرنا، فقالعليه‌السلام : « هكذا يفعل الكلاب عندنا »، فقالوا: كيف نفعل يا أمير المؤمنين؟ فقال: « كما نفعله، إذا فقدنا شكرنا، وإذا وجدنا آثرنا ».

____________________________

(١) الحشر ٥٩: ٩.

١٣ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ٥ ص ٢٩٠.

٢١٧

٢٧ -( باب استحباب تقبيل الإنسان يده بعد الصّدقة، وتقبيل ما تصدّق به، وشمّه بعد القبض، وتقبيل يد السّائل)

[ ٨٠٧٧ ] ١ - الشّيخ في مجالسه: عن أحمد بن عبدون، عن عليّ بن محمّد بن الزّبير، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن العبّاس بن عامر، عن أحمد بن رزق الغمشاني، عن أبي أسامة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: « كان عليّ بن الحسينعليهما‌السلام يقول: الصّدقة تطفئ غضب الرّب، قال: وكان يقبل الصّدقة قبل أن يعطيها السّائل، قيل له: ما يحملك على هذا؟ قال: فقال: لست أقبل يد السّائل، إنّما أقبل يد ربي، إنها تقع في يد ربي، قبل أن تقع في يد السّائل ».

٢٨ -( باب استحباب القرض للصّدقة، وصدقة من عليه قرض، واستحباب الزّيادة في قضاء الدين)

[ ٨٠٧٨ ] ١ - كتاب جعفر بن محمّد بن شريح الحضرمي: عن ذريح المحاربي، قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : « أتى رجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من عنده سلف؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله، وأسلفه أربعة أوساق، ولم يكن له غيرها، فأعطاها السائل، فمكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما شاء الله، ثمّ أنّ المرأة قالت لزوجها: أما

____________________________

الباب - ٢٧

١ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٨٥.

الباب - ٢٨

١ - بل كتاب محمّد بن المثنى الحضرمي ص ٨٣.

٢١٨

آن لك أن تطلب سلفك، فتقاضي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال: سيكون ذلك، ففعل ذلك الرّجل مرّتين أو ثلاثاً، ثمّ أنّه دخل ذات يوم عند اللّيل، فقال له ابن له: جئت بشئ؟ فإنّي لم أذق شيئاً اليوم، ثمّ قال: والولد فتنة، فغدا الرّجل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: سلفي، فقال: سيكون ذلك، فقال: حتّى متى سيكون ذلك؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من عنده سلف؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فأسلفه ثمانية أوساق، فقال الرّجل: إنّما لي أربعة، فقال له: خذها، فأعطاها إيّاه ».

[ ٨٠٧٩ ] ٢ - إبن شهر آشوب في المناقب: قال: روت الخاصّة والعامّة، عن الخدري: أنّ عليّاًعليه‌السلام أصبح ساغباً، فسأل فاطمةعليها‌السلام طعاماً، فقالت: « ما كان إلّا ما أطعمتك منذ يومين، آثرت به على نفسي وعلى الحسن والحسين » - إلى أن قال - فخرج واستقرض من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ديناراً، فخرج يشتري به شيئاً، فاستقبله المقداد قائلاً: ما شاء الله، فناوله عليّعليه‌السلام الدينار، ثمّ دخل المسجد فوضع رأسه ونام الخبر.

وهذا الخبر، رواه جماعة من أصحابنا، بألفاظ مختلفة، أجمعها وأطولها ما رواه الشّيخ أبوالفتوح الرّازي(١) في تفسيره، وقد أخرجناه في كتابا المسمّى بالكلمة الطّيبة.

____________________________

٢ - المناقب لابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٦.

(١) تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٤٦٣.

٢١٩

٢٩ -( باب تحريم السّؤال من غير احتياج)

[ ٨٠٨٠ ] ١ - الشيخ الطوسي في مجالسه: عن الحسين بن إبراهيم، عن محمّد بن وهبان، عن أحمد بن إبراهيم، عن الحسن بن علي الزّعفراني، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : « يا محمّد، لو يعلم السّائل ما في المسألة، ما سأل أحد أحداً، ولو يعلم المعطي ما في العطيّة، ما ردّ أحد أحداً - قال: ثمّ قال لي - يا محمّد، أنّه من سأل وهو بظهر(١) غنى، لقي الله مخموشاً وجهه ».

[ ٨٠٨١ ] ٢ - القطب الرّاوندي في الخرائج: روى أنّ رجلاً جاء إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: ما طعمت طعاماً منذ يومين، فقال: « عليك بالسّوق » فلمّا كان من الغد، دخل فقال: يا رسول الله، أتيت السّوق أمس فلم أصب شيئاً، فبتّ بغير عشاء، قال: « فعليك بالسّوق » فأتى بعد ذلك أيضاً، فقال: « عليك بالسّوق » فانطلق إليها، فإذا عير قد جاءت وعليها متاع فباعوه بفضل دينار، فأخذه الرّجل وجاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: ما أصبت شيئاً، قال: « بل أصبت من عير آل فلان شيئاً » قال: لا، قال: « بلى، ضرب لك فيها بسهم، وخرجت منها بدينار » قال: نعم، قال: « فما حملك على أن تكذب؟ » قال: أشهد أنّك صادق، ودعاني إلى ذلك إرادة أن أعلم، أتعلم ما يعمل النّاس؟ وأن أزداد خيراً إلى

____________________________

الباب - ٢٩

١ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٧٧.

(١) في المصدر: يظهر غنى.

٢ - الخرائج والجرايح ص ٨٠ باختلاف يسير.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578