تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 216570
تحميل: 39681

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216570 / تحميل: 39681
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

قال: وخلق الذين من قبلكم من سائر أصناف الناس(لعلكم تتقون)(١) قال: لها وجهان:(٢)

____________________

(١) " لعل " لغة للترجى، وفى موارد كلام الله سبحانه للواجب العقلى والشرعى، وقد وردت في مواضع عديدة من القرآن الكريم، مثل قوله: لعلكم تسلمون، تهتدون، تفلحون. فراجع. وفى استعمال لفظ " لعل في الموارد تنبيه على جعل المشيئة لهم في مقام الطاعة والعصيان كما قال سبحانه: " انا هديناه السبيل اما شاكرا أو كفروا " و " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ". وكما في قوله تعالى لموسى في فرعون الذى يعلم حاله وعاقبة أمره " لعله يتذكر أو يخشى " وقد سئل الامام الصادق عنها فقالعليه‌السلام : تذكر وخشى وآمن في وقت لم ينتفع به.أما الاتقاء فأصله: الاوتقاء، ومن وقى الشئ اذا صانه وستره، وتحرز من الاذى والافات قال تعالى: " قوا أنفسكم وأهليكم نارا " " قنا عذاب الجحيم " " وقاهم الله شر ذلك اليوم " " وما لهم من ربهم من واق " فكأن المتقى اذا لبس التقوى من الله في قلبه لبس حرزا ودرعا حصينا مما يخاف ويحذر. والتقوى ضد الفجر والفجور. فراجع المعجم المفهرس(فجر): " ونفس وما سواها فالهمها فجورها وتقواها " " بل يريد الانسان ليفجر أمامه " " أم نجعل المتقين كالفجار " كيف جعل الفجور - من فجر العيون - لطغيان النفس وطاعة الهوى.

(٢) ترى أيكون استعمال لفظ " لعلكم تتقون " لافادة العنيين: " اتقاء الله، واتقاء النار " أو أحدهما مرددا؟ ! أو يمكن أن يكون له مفهوما جامعا ينطبق عليهما بالمطابقة والالتزام؟ أقول: ينبغى ذكر امور: الاول: أن " اتقوا " في كلام الله متعلق بأمرين: " اتقوا الله حق تقاته " ال عمران: ١٠٢، " اتقوا يوما " البقرة: ٤٨، ١٢٣، ٢٨١ " اتقوا النار التى اعدت للكافرين " ال عمران: ١٣١. ولا ريب - حقيقة واعتبارا - أن اتقاء الله بطاعته وعبادته سبب لاتقاء النار والوقاية منها، فاذا لم يصرح بما يتقى، فالمراد هو الاتقاء " مطلقا " الذى ينطبق عليهما موردا وقهرا. الثانى: أن " لعلكم تتقون " متعلقة ظاهرا ب‍ " اعبدوا " دون خلقكم، ونظيره قوله تعالى كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " البقرة: ١٨٣. الثالث: أنه فرق بين أن يقول " اعبدوا ربكم. لعلكم تتقون " أو يقول " ربكم الذى خلقكم. لعلكم تتقون " فالتوصيف ب‍ " ربكم الذى خلقكم " يشعر بالربط بين الخلق و وجوب العبادة، كما صرح به في قوله تعالى " وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون " الذاريات: ٥٦ فاذن يحصل لنا - من مجموع الايات: " اعبدوا ربكم الذى خلقكم. لعلكم تتقون ومن التصريح في " ليعبدون "، وآيات في فضل المتقين، وقوله تعالى: " وينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء " الزمر: ٦١ " فوقاهم الله شر ذلك اليوم " الانسان: ١١ - أن للانسان مراحل من الخلقة إلى استكماله وخلوده في مقام أمين، وأن الله واقيه لا يمسه سوء ولا شر من اليوم الموعود. واجماله أن الله أراد أن يعبد، فخلق الخلق، ثم هداه إلى معرفة ذاته وقدرته وجلاله وألهمه الفجور والتقوى ليكون بالمشيئة: اما شاكرا، واما كفورا، ثم يختار أن يكون عن معرفة وتذلل عبدا لله مطيعا خاضعا، ثم يطيعه لا يعصيه اتقاء بعبادته تسبيبا إلى اتقاء النار التى وعدها الله الكافرين فاذا اتقى ولبس درع التقوى وعبد، فكأنه احترز بحرز لا يمسه سوء. فاذا عرفت ذلك، أقول: " لعلكم تتقون " جامع مطلق لم يخص باتقاء الله أو النار، فله التوجيهان والتوجيه بأيهما صحيح يفيد مفهوما انطباقيا.

فاذا وجه قوله " لعلكم تتقون " - طبقا للموضوع المتسلسل المتقدم - إلى " خلقكم " فالمناسب اتقاء الله بعبادته المستلزم لاتقاء النار. واذا وجه إلى " اعبدوا " فالمناسب اتقاء النار الحاصل بالعبادة المستوجب لما حتم الله على المتقين بقوله " ينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم سوء العذاب ".

١٤١

أحدهما خلقكم، وخلق الذين من قبلكم لعلكم - كلكم - تتقون، أي لتتقوا كما قال الله تعالى: " وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون "(١) والوجه الاخر: اعبدوا [ربكم] الذي خلقكم، والذين من قبلكم، أي اعبدوه

____________________

(١) الذاريات: ٥٦.

(*)

١٤٢

لعلكم تتقون النار " ولعل " من الله واجب لانه أكرم من أن يعني(١) عبده بلا منفعة ويطمعه في فضله ثم يخيبه، ألا تراه كيف قبح من عبد من عباده، إذا قال لرجل: اخدمني لعلك تنتفع بي وبخدمتي، ولعلي أنفعك بها.

فيخدمه، ثم يخيبه ولا ينفعه، ف‍ [ان] الله عزوجل أكرم في أفعاله، وأبعد من القبيح(٢) في أعماله من عباده(٣) قوله عزوجل: " الذى جعل لكم الارض فراشا والسماء بناء‌ا وأنزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ": ٢٢

٧٢ - قال الامام الحسن بن علىعليهما‌السلام : قال الله عزوجل: " الذى جعل لكم الارض فراشا " جعلها ملائمة لطبائعكم، موافقة لاجسادكم، لم يجعلها شديدة الحمى(٤) والحرارة فتحرقكم، ولا شديدة البرودة(٥) فتجمدكم، ولا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم، ولا شديدة النتن فتعطبكم، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في حرثكم(٦) وأبنيتكم، ودفن(٧) موتاكم، ولكنه عزوجل جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به وتتماسكون، وتتماسك عليها أبدانكم وبنيانكم، وجعل فيها من اللين ما تنقاد به لحرثكم(٨) وقبوركم وكثير من منافعكم.

____________________

(١) قال المجلسى -رحمه‌الله -: بالنون على بناء التفعيل أو الافعال: أى يوقعه في التعب والنصب، وفى بعض النسخ " بالياء " وهو قريب منه، من قولهم أعيى السير البعير أى أكله، والاول أظهر، أقول: لعلها تصحيف " يمنى " من منايمنو منوا الرجل بكذا: ابتلاه واختبره، فالرجل ممنو بكذا.

(٢) " القبح " أ.

(٣) عنه البحار: ٣٨ / ٦٩ ذ ح ٦ قطعة، وج ٦٨ / ٢٨٧ ذ ح ٤٤، والبرهان: ١ / ٦٧ ذ ح ١.

(٤) الحر " ط." الحماء " العيون.

حماء الشمس: شدة حرارتها.

(٥) " البرد والبرودة " ب، ط.

(٦) " حروثكم " ب، س، ط." دوركم " بعض المصادر.

(٧) " قبور " بعض المصادر.

(٨) " لحروثكم " الاصل." لدوركم " بعض المصادر.

(*)

١٤٣

فلذلك(١) جعل(الارض فراشا) لكم.

ثم قال عزوجل:(والسماء بناء‌ا) سقفا من فوقكم محفوظا يدير فيها شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم.

ثم قال عزوجل: " وأنزل من السماء ماء " يعني المطر ينزله من علا(٢) ليبلغ قلل جبالكم وتلالكم وهضابكم وأوهادكم ثم فرقه رذاذا ووابلا وهطلا وطلا(٣) لتنشفه(٤) أرضوكم، ولم يجعل ذلك المطر نازلا عليكم قطعة واحدة فتفسد أرضيكم وأشجاركم وزروعكم وثماركم.

ثم قال عزوجل: " فأخرج به من الثمرات رزقا لكم " يعني مما يخرجه من الارض رزقا لكم " فلا تجعلوا لله أندادا " أى أشباها وأمثالا من الاصنام التي لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر، ولا تقدر على شئ(وأنتم تعلمون) أنها لا تقدر على شئ من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربكم(٥) .

____________________

(١) " فذلك " ب، ط، والبحار: ٦.

(٢) " علاء " أ.

" على " العيون.

" العلى " التوحيد.

" علو " الاحتجاج.

" اعلى " البرهان.

يقال: أتيته من علا: أى من فوق.

(٣) الرذاذ: المطر الضعيف، أو الساكن الدائم الصغار القطر، والوابل: المطر الشديد الضخم القطر، والهطل: المطر الضعيف الدائم، وتتابع المطر المتفرق العظيم القطر، والطل: المطر الضعيف، أو أخف المطر وأضعفه أو الندى أو فوقه ودون المطر.

(٤) " لتشفعه " ط. وهو تصحيف.أصل النشف: دخول الماء في الارض والثوب.يقال: نشفت الارض الماء تنشفه نشفا: شربته.

(٥) عنه البحار: ٣ / ٣٥ ح ١٠، وج ٦٠ / ٨٢ ح ٩، وعن عيون أخبار الرضا: ١ / ١١٢ ح ٣٦ باسناده عن محمد بن القاسم.عن أبى محمد العسكرىعليه‌السلام ، عن آبائه، عن على بن الحسينعليهم‌السلام ، وعن الاحتجاج باسناده عن مهدى بنأبى حرب المرعشى.عن أبى محمد العسكرىعليه‌السلام . ورواه في التوحيد: ٤٠٣ ح ١١ باسناده عن الحسن بن على، عن آبائه، عن على بن الحسينعليهم‌السلام عنه البرهان: ١ / ٦٧ ح ١ وحلية الاولياء: ٢ / ٤٨٠ وعن العيون.

١٤٤

٧٣ - قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قول الله عزوجل:(الذي جعل لكم الارض فراشا): إن الله تعالى لما خلق الماء فجعل عرشه عليه قبل أن يخلق السماوات والارض، وذلك قوله عزوجل:(هو الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام وكان عرشه على الماء)(١) [يعني وكان عرشه على الماء](٢) قبل أن يخلق السماوات والارض.

[قال:] فأرسل الرياح على الماء، فبخر(٣) الماء من أمواجه، وارتفع عنه الدخان وعلا فوقه(٤) الزبد، فخلق من دخانه السماوات السبع، وخلق من زبده الارضين [السبع] فبسط الارض على الماء، وجعل الماء على الصفا، والصفا على الحوت، والحوت على الثور، والثور على الصخرة(٥) التي ذكرها لقمان لابنه [فقال]:(يابني إنها إن تك مثقال

____________________

(١) هود: ٧.

(٢) من البحار.

(٣) " فنجر " ب، ط.

" فتفجر " البحار.

ونجر الماء: أسخنه بالحجارة المحماة.

أقول: ولعلها تصحيف لكلمة " فسجر " وسجر البحر: هاج وارتفعت أمواجه.

(٤) " فوق " البحار.

(٥) الملاحظ: أن الالفاظ التى أطلقها الامام نحو " ثور، حوت " ان هى الا مسميات لحقائق علمية، وظواهر طبيعة، وقوى خفية، قصرت العقول عن ادراك كنهها، ومعرفة فحواها، وسبر غورها إلى الان وانما عبر بهاعليه‌السلام ليتمكن السامع من تناولها على تلك البساطة..أما ترى قوله تعالى " ورفع السماوات بغير عمد ترونها الرعد: ٢.

أهى فعلا على هيئة العمود المعهود؟ ! أهو فعلا " حوت " ذلك الكائن الحى المعروف..؟ أقول: اذا لم تدرك حقيقة تلك " الحقائق " أليس الاولى عدم التعرض لها حتى يتمكن العقل البشرى من استيعابها وعندها يكون لكل " واحدة " حديث. راجع كتابنا " المدخل إلى التفسير الموضوعى للقرآن الكريم ": ١ / ٣٦ ملاحظات حول آيات ترتيب الخلق والصفحات التالية لها.

(*)

١٤٥

حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الارض يأت بها الله)(١) والصخرة على الثرى، ولا يعلم ما تحت الثرى إلا الله.

فلما خلق الله تعالى الارض دحاها من تحت الكعبة، ثم بسطها على الماء، فأحاطت بكل شئ، ففخرت الارض وقالت: أحطت بكل شئ فمن يغلبني؟ وكان في كل أذن من آذان الحوت سلسلة من ذهب مقرونة الطرف بالعرش، فأمر الله الحوت فتحرك(٢) فتكفأت الارض بأهلها كما تتكفأ(٣) السفينة على وجه(٤) الماء [و] قد اشتدت أمواجه لم تستطع الارض الامتناع، ففخر الحوت وقال: غلبت الارض التي أحاطت بكل شئ، فمن يغلبني؟ فخلق الله عزوجل الجبال فأرساها، وثقل الارض بها، فلم يستطع الحوت أن يتحرك، ففخرت الجبال وقالت: غلبت الحوت الذي غلب الارض، فمن يغلبني؟ فخلق الله عزوجل الحديد، فقطعت به الجبال، وليكن عندها دفاع ولا امتناع ففخر الحديد وقال: غلبت الجبال التي غلبت الحوت فمن يغلبني؟ فخلق الله عزوجل النار، فالانت الحديد وفرقت أجزاء‌ه ولم يكن عند الحديد دفاع ولا امتناع.

ففخرت النار وقالت: غلبت الحديد الذي غلب الجبال، فمن يغلبني؟ فخلق الله عزوجل الماء، فأطفأ النار، ولم يكن عندها دفاع ولا امتناع، ففخر الماء وقال: غلبت النار التي غلبت الحديد، فمن يغلبني؟ فخلق الله عزوجل الريح فأيبست الماء، ففخرت الريح، وقالت: غلبت الماء

____________________

(١) لقمان: ١٦.

(٢) " فتحركت " البحار.

وفيه اثبتت الافعال الاتية - المسندة إلى ضمير الحوت - مؤنثة.

(٣) " تكفأت " أ، س.

تكفأ في مشيته: ماد وتمايل.

(٤) " متن " ب، س، ص، ط، والبحار.

(*)

١٤٦

الذي غلب النار، فمن يغلبني؟ فخلق الله عزوجل الانسان فصرف الريح(١) عن مجاريها بالبنيان [ففخر الانسان] وقال: غلبت الريح التي غلبت الماء فمن يغلبني؟ فخلق الله عزوجل ملك الموت، فأمات الانسان، ففخر ملك الموت وقال: غلبت الانسان الذي غلب الريح، فمن يغلبني؟ فقال الله عزوجل: أنا القهار الغلاب الوهاب، أغلبك وأغلب كل شئ، فذلك قوله تعالى(إليه يرجع الامر كله)(٢) .

أركان العرش وحملته

٧٤ - قال: فقيل: يا رسول الله ما أعجب هذه السمكة وأعظم قوتها، لما تحركت حركت الارض بما عليها حتى لم تستطع الامتناع.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أولا أنبئكم بأقوى منها وأعظم وأرحب؟ قالوا: بلى يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال: إن الله عزوجل لما خلق العرش خلق له ثلاثمائة وستين ألف ركن، وخلق عند كل ركن ثلاثمائة وستين ألف ملك، لو أذن الله تعالى لاصغرهم [ف‍](٣) لتقم السماوات

____________________

(١) " الرياح " ب، ص، ط، البحار. والاية: ١٢٣ من سورة هود.

وروى نحوه الكلينى في الروضة: ١٤٨ ح ١٢٩ باسناده عن النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد روى نحو هذا الحديث باسانيد متعددة، تجدها مفصلة في البحار: ٥٧ باب(حدوث العالم) وج ٦٠ باب " الارض وكيفيتها " والظاهر أن العبارات جرت على سبيل الاستعارة التمثيلية لبيان حقيقة: ان الله هو الغالب القاهر لجميع ماسواه، وأنه سبحانه وتعالى بقدرته دفع عادية كل شئ بشئ.

(٢) عنه البحار: ٥٧ / ٨٧ ح ٧٣.

(٣) من البحار، وفى ص: ل‍(*)

١٤٧

السبع والارضين السبع ماكان ذلك بين لهواته(١) إلا كالرملة في المفازة الفضفاضة.

فقال الله تعالى [لهم]: يا عبادي احملوا عرشي هذا، فتعاطوه فلم يطيقوا(٢) حمله ولا تحريكه.

فخلق الله تعالى مع كل واحد منهم واحدا، فلم يقدروا أن يزعزعوه فخلق الله مع كل واحد منهم عشرة، فلم يقدروا أن يحركوه فخلق [الله تعالى] بعدد كل واحد منهم، مثل جماعتهم فلم يقدروا أن يحركوه.

فقال الله عزوجل لجميعهم: خلوه علي أمسكه(٣) بقدرتي.فخلوه، فأمسكه الله عزوجل بقدرته.

ثم قال لثمانية منهم: احملوه أنتم.

فقالوا: [يا] ربنا لم نطقه نحن وهذا الخلق الكثير والجم الغفير، فكيف نطيقه الآن دونهم؟ فقال الله عزوجل: إني(٤) أنا الله المقرب للبعيد، والمذلل للعنيد(٥) والمخفف للشديد، والمسهل للعسير، أفعل ما أشاء وأحكم [ب‍] ما أريد، أعلمكم كلمات تقولونها يخفف بها عليكم.

قالوا: وما هي يا ربنا؟ قال: تقولون:(بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله الطيبين).

فقالوها، فحملوه وخف على كواهلهم كشعرة نابتة على كاهل رجل جلد(٦) قوي.

فقال الله عزوجل لسائر تلك الاملاك: خلوا على(٧) [كواهل] هؤلاء الثمانية عرشي

____________________

(١) " لهاته " ب، س، ط.

قال الجزرى في النهاية: ٤ / ٣٨٤: وفى حديث الشاة المسمومة " فما زلت أعرفها في لهوات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله " جمع لهاة، وهى اللحمات في سقف أقصى الفم.

(٢) " يستطيعوا " ب، س، ط.

(٣) " حتى امسكه " ط.

(٤) " لانى " المصادر.

(٤) " للعبد " أ." للعبيد " البحار.

(٦) من الجلادة والصلابة.

(٧) " عن " التأويل، خطى الامر وتخلى منه وعنه: تركه.

يقال: خلا وأخلى وقيل: يخلو: يعتمد.

(*)

١٤٨

ليحملوه، وطوفوا أنتم حوله، وسبحوني ومجدوني وقدسوني، فاني أنا الله القادر على ما رأيتم و [أنا] على كل شئ قدير(١) .

قصة سعد بن معاذ، وجليل مرتبته

٧٥ - فقال أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أعجب أمر هؤلاء الملائكة حملة العرش في قوتهم وعظم خلقهم ! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هؤلاء مع قوتهم لا يطيقون حمل صحائف تكتب فيها حسنات رجل من أمتي.

قالوا: ومن هو يا رسول الله لنحبه ونعظمه ونتقرب إلى الله بموالاته؟ قال: ذلك الرجل، رجل كان قاعدا مع أصحاب له(٢) فمر به رجل من أهل بيتي مغطى الرأس [ف‍] لم يعرفه.

فلما جاوزه إلتفت خلفه فعرفه، فوثب إليه قائما حافيا حاسرا، وأخذ بيده فقبلها وقبل رأسه وصدره وما بين عينيه وقال: بأبي أنت وأمي يا شقيق رسول الله، لحمك لحمه، ودمك دمه، وعلمك من علمه، وحلمك من حلمه، وعقلك من عقله، أسأل الله أن يسعدني بمحبتكم أهل البيت.

فأوجب الله [له] بهذا الفعل، وهذا القول من الثواب مالو كتب تفصيله في صحائفه لم يطق(٣) حملها جميع هؤلاء الملائكة(٤) الطائفين بالعرش، والاملاك الحاملين له.

فقال له أصحابه لما رجع إليهم: أنت في جلالتك وموضعك من الاسلام، ومحلك عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تفعل بهذا ما نرى؟

____________________

(١) عنه تأويل الايات: ٢ / ٤٦٢ ح ٣٢، والبحار: ٢٧ / ٩٧ صدر ح ٦٠، وج ٥٨ / ٣٣ ح ٥٣، وج ٩٣ / ١٩١ ح ٣٢ قطعة.

(٢) " أصحابه " أ.

(٣) " يمكن " أ.

(٤) " الاملاك " ب، س، ط.

(*)

١٤٩

فقال لهم: أيها الجاهلون وهل يثاب(١) في الاسلام إلا بحب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وحب هذا؟ فأوجب الله [له] بهذا القول مثل ما كان أوجب(٢) له بذلك الفعل والقول أيضا.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ولقد صدق في مقاله لان رجلا لو عمره الله عزوجل مثل عمر الدنيا مائة ألف مرة، ورزقه مثل أموالها مائة ألف مرة، فأنفق أمواله كلها في سبيل الله، وأفنى عمره صائم نهاره، قائم ليله، لا يفتر(٣) شيئا [منه] ولا يسأم، ثم لقي الله تعالى منطويا، على بغض محمد أو بغض ذلك الرجل الذي قام إليه هذا الرجل مكرما، إلا أكبه(٤) الله على منخريه في نار جهنم، ولرد الله عزوجل أعماله عليه وأحبطها.

[قال]: فقالوا: ومن هذان الرجلان يا رسول الله؟ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما الفاعل ما فعل بذلك المقبل المغطي رأسه فهو هذا - فتبادر القوم(٥) إليه ينظرونه، فاذا هو سعد بن معاذ الاوسي الانصاري -.

وأما المقول له هذا القول، فهذا الآخر المقبل المغطي رأسه.فنظروا، فاذا هو على بن أبي طالبعليه‌السلام .

ثم قال: ما أكثر من يسعد بحب هذين، وما أكثر من يشقى ممن يحل(٦) حب أحدهما وبغض الآخر، إنهما جميعا يكونان خصما له ومن كانا له خصما كان محمد له خصما ومن كان محمد له خصما كان الله له خصما [و] فلج عليه وأوجب(الله عليه عذابه)(٧)

____________________

(١) " ثبات " ب، ط.

(٢) " أوجب الله " أ.

(٣) " لا يفطر " البحار.

وفتر: سكن بعد حدة، ولان بعد شدة.

(٤) " لاكبه " ب، ط.

(٥) " فتبادروا " أ، س.

(٦) " ينتحل " ب، س، ص، ط، والبحار.

والحل: الجواز والاختيار.

(٧) " له عذابه عليه " أ.

وفلج على خصمه: غلبه.

(*)

١٥٠

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ياعباد الله إنما يعرف الفضل أهل الفضل.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (لسعد: أبشر)(١) فان الله يختم لك بالشهادة ويهلك بك أمة من الكفرة، ويهتز(عرش الرحمن)(٢) لموتك، ويدخل بشفاعتك الجنة مثل عدد [شعور] الحيوانات كلها.(٣) قال: فذلك قوله تعالى(جعل لكم الارض فراشا) تفترشونها لمنامكم ومقيلكم.

(والسماء بناء) سقفا محفوظا أن تقع على الارض بقدرته تجري فيها شمسها وقمرها وكواكبها مسخرة(٤) لمنافع عباده وإمائه.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تعجبوا لحفظه السماء أن تقع على الارض، فان الله عزوجل يحفظ ما هو أعظم من ذلك.

قالوا: وما هو؟ قال: أعظم من ذلك ثواب طاعات المحبين لمحمد وآله.

ثم قال:(وأنزل من السماء ماء) يعني المطر ينزل مع كل قطرة ملك يضعها في موضعها الذي يأمره به ربه عزوجل.

فعجبوا من ذلك.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أو تستكثرون عدد هؤلاء؟ إن عدد الملائكة المستغفرين لمحبي علي بن أبي طالبعليه‌السلام أكثر من عدد هؤلاء]، وإن عدد الملائكة اللاعنين لمبغضيه أكثر من عدد هؤلاء.

ثم قال الله عزوجل: " فأخرج به من الثمرات رزقا لكم " ألا ترون كثرة [عدد](٥) هذه الاوراق والحبوب والحشائش؟ قالوا: بلى يا رسول الله ما أكثر عددها !

____________________

(١) " أبشر يا على " أ، س، ص.تصحيف ظ.

(٢) روى الصدوق في معانى الاخبار: ٣٨٨ ح ٢٥ عن أبى بصير قال: قلت لابى عبداللهعليه‌السلام : ان الناس يقولون: ان العرش اهتز لموت سعد بن معاذ؟ فقالعليه‌السلام : انما هو السرير الذى كان عليه.

انظر دلائل النبوة: ٤ / ٢٨

(٣) " مثل حيوانات كليب " س.

(٤) " سخرها " أ.

(٥) من البحار.

(*)

١٥١

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أكثر عددا منها ملائكة(١) يبتذلون لآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في خدمتهم، أتدرون فيما يبتذلون لهم؟ [يبتذلون](٢) في حمل أطباق النور، عليها التحف من عند ربهم فوقها مناديل النور، [و] يخدمونهم في حمل ما يحمل آل محمد منها إلى شيعتهم ومحبيهم، وأن طبقا من تلك الاطباق يشتمل من الخيرات على مالا يفي بأقل جزء منه جميع أموال الدنيا.(٢) قوله عزوجل: " وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداء‌كم من دون الله ان كنتم صادقين، فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين، وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجرى من تحتها الانهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذى رزقنا من قبل واتوا به متشابها ولهم فيها ازواج مطهرة وهم فيها خالدون " ٢٣٢٥.

٧٦ - قال الامام(٤) عليه‌السلام : فلما ضرب الله الامثال للكافرين المجاهرين الدافعين لنبوة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله والناصبين المنافقين لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الدافعين ما(٥) قاله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في أخيه علي، والدافعين أن يكون ما قاله عن الله تعالى، وهي آيات محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعجزاته [لمحمد] مضافة إلى آياته التي بينها لعليعليه‌السلام بمكة والمدينة، ولم يزدادوا إلا عتوا وطغيانا قال الله تعالى لمردة أهل مكة وعتاة أهل المدينة:(وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) حتى تجحدوا أن يكون محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأن يكون هذا المنزل

____________________

(١) " الملائكة " أ.

(٢) من البحار.

(٣) عنه تأويل الايات: ١ / ٤١ ح ١٤(قطعة) والبحار: ٢٧ / ٩٧ ح ٦٠، وج ٥٩.

٣٧٩ ح ١٨ قطعة.

(٤) " العالم موسى بن جعفر " أ، س، ص، البحار: ١٧ و ٩٢." العالم " البحار: ٩، والبرهان.

(٥) " أن يكون ما " أ، ص.

(*)

١٥٢

عليه [كلامي، مع إظهاري عليه] بمكة، الباهرات من الآيات كالغمامة التي كانت يظله بها(١) في أسفاره، والجمادات التي كانت تسلم عليه من الجبال والصخور و الاحجار والاشجار، وكدفاعه قاصديه بالقتل عنه، وقتله إياهم، وكالشجرتين المتباعدتين اللتين تلا صقتا فقعد خلفهما لحاجته، ثم تراجعتا إلى مكانهما(٢) كما كانتا، وكدعائه الشجرة فجاء‌ته مجيبة(٣) خاضعة ذليلة، ثم أمره لها بالرجوع فرجعت سامعة مطيعة(فأتوا) يا معشر قريش واليهود(ويا معشر النواصب)(٤) المنتحلين الاسلام، الذين هم منه براء، ويا معشر العرب الفصحاء البلغاء ذوي الالسن.

(بسورة من مثله) من مثل محمد(٥) صلى‌الله‌عليه‌وآله ، رجل(٦) منكم لا يقرأ ولا يكتب ولم

____________________

(١) " مظلة بها(به / خ ل) " أ.

(٢) " أمكنتهما " أ، س، والبحار.

(٣) " مجيئة " أ." فجيئته " ب، ط.وكلاهما تصحيف لما في المتن.

(٤) " والنواصب " أ.

(٥) يجد القارئ اللبيب نظير هذا - بأسطر -: " فاتوا " من مثل هذا الرجل بمثل هذا الكلام " ومثله ضمن ح ٩٢ بلفظ " فاتوا بسورة من مثله، مثل محمد امى لم يختلف قط إلى أصحاب كتب..ثم جاء‌كم بعد بهذا الكتاب ".

وسيأتى ما يتوهم معه التناقض والمنافاة في ذيل هذا الحديث وهو: " فاتوا بسورة من مثله يعنى من مثل هذا القرآن من التوراة والانجيل وصحف ابراهيم..فانكم لا تجدون في سائر كتب الله سورة كسورة من القرآن..".

قال المجلسى -رحمه‌الله -: ان هذا الخبر يدل على أن ارجاع الضمير في " مثله " إلى النبى، والى القرآن كليهما، مراد الله تعالى بحسب بطون الاية الكريمة.

أقول: يمكن أن يكون المعنى جامعا يعبر عنه مرة بلفظ الاول، واخرى بالثانى، فلا منافاة وبيانه أن: " فاتوا بسورة من مثل محمد - الامى - من الانبياء أو الخطباء والبلغاء من العرب، فهل تجدون في كتب الانبياء أو كلمات الفصحاء سورة بمثل ما هو في القرآن الذى جاء به محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ حاشا ثم حاشا. وبعد، ففى التفاسير ذكروا احتمالين في ارجاع الضمير إلى محمد أو القرآن، والاصل في ذلك قوله تعالى " من " قبل قوله " مثله "، والاحتمالات فيها أربع: أن تكون زائدة أو للتبيين أو للتبعيض أو للابتداء، فالاول غيرممكن، والثانى بحكمه، والثالث يقتضى وجود " المثل " والامر هو الاتيان بسورة منه، وهذا غير ممكن أيضا، وأما الرابع أى للابتداء، فيكون المعنى: فاتوا بسورة من جانب " مثل " محمد - الامى - لا يقرأ ولا يكتب. وتجدر الاشارة إلى أن هذه الاية تميزت عن غيرها من آيات التحدى بلفظ " من " - مما استوجب التوضيح والتفصيل كما ترى في تفسيرنا هذا - قال تعالى " فليأتوا بحديث مثله " مثله " الطور: ٣٤، و " فاتوا بسورة مثله " يونس: ٣٨. و " فاتو بعشر سور مثله " هود: ١٣ و " قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله " الاسراء: ٨٨ (٦) من مثل رجل " ب، ط.

١٥٣

يدرس كتابا، ولا اختلف إلى عالم ولا تعلم من أحد، وأنتم تعرفونه في أسفاره وحضره بقي كذلك أربعين سنة ثم أوتي جوامع العلم [حتى علم] علم الاولين والآخرين.

فان كنتم في ريب من هذه الآيات فاتوا(١) من مثل هذا الكلام ليبين أنه كاذب كما تزعمون.

لان كل ماكان من عند غير الله فسيوجد له نظير في سائر خلق الله.

وإن كنتم معاشر قراء الكتب من اليهود والنصارى في شك مما جاء‌كم به محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله من شرائعه، ومن نصبه أخاه سيد الوصيين وصيا بعد أن قد أظهر لكم معجزاته التي منها: أن كلمته الذراع المسمومة، وناطقه ذئب، وحن إليه العود وهو على المنبر ودفع الله عنه السم الذي دسته اليهود في طعامهم، وقلب(٢) عليهم البلاء وأهلكهم به، وكثر القليل من الطعام(فاتوا بسورة من مثله) - يعني من مثل [هذا] القرآن - من التوراة والانجيل والزبور وصحف إبراهيمعليه‌السلام والكتب الاربعة عشر(٣) فانكم

____________________

(١) " فاتوا بسورة " البحار: ٩٢.

(٢) " غلب " أ.

(٣) كذا في أكثر نسخ الاصل والبحار، وفى س، والبحار: ٩٢: المائة الاربعة عشر.

وكلاهما تصحيف، فقد روى الصدوق باسناده عن عبيد بن عمير الليثى، عن أبى ذررحمه‌الله - ضمن حديث طويل - انه قال: يا رسول الله كم أنزل الله تعالى من كتاب؟ قال: مائة كتاب وأربعة كتب: أنزل الله تعالى على شيث خمسين صحيفة، وعلى ادريس ثلاثين صحيفة، وعلى ابراهيم عشرين صحيفة، وأنزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان الخبر.

(معانى الاخبار: ٣٣٣ ضمن ح ١، الخصال: ٢ / ٥٢٤ ضمن ح ١٣، عنهما البحار: ١١ / ٣٢ ح ٢.

(٤) وروى مثله المفيد في الاختصاص: ٢٥٨ عن ابن عباس، فراجع.

(*)

١٥٤

لا تجدون في سائر كتب الله سورة كسورة من هذا القرآن.

وكيف يكون كلام محمد المتقول أفضل من سائر كلام الله وكتبه، يا معشر اليهود والنصارى.

ثم قال لجماعتهم: " وادعوا شهداء‌كم من دون الله " ادعوا أصنامكم التي تعبدونها ياأيها المشركون، وادعوا شياطينكم يا أيها النصارى واليهود، وادعوا قرناء‌كم من الملحدين يا منافقي المسلمين من النصاب لآل محمد الطيبين، وسائر أعوانكم(١) على إرادتكم(٢) (إن كنتم صادقين) بأن محمدا تقول هذا القرآن من تلقاء نفسه، لم ينزله الله عزوجل عليه، وأن ما ذكره من فضل عليعليه‌السلام على جميع أمته وقلده سياستهم(٣) ليس بأمر أحكم الحاكمين.

ثم قال عزوجل(فان لم تفعلوا) أي [إن لم تأتوا يا أيها المقرعون بحجة رب العالمين(ولن تفعلوا) أي] ولا يكون هذا منكم أبدا(فاتقوا النار التي وقودها - حطبها - الناس والحجارة) توقد [ف‍] تكون عذابا على أهلها(أعدت للكافرين) المكذبين بكلامه ونبيه، الناصبين العداوة لوليه ووصيه.

قال: فاعلموا بعجزكم عن ذلك أنه من قبل الله تعالى ولو كان من قبل المخلوقين(٤) لقدرتم على معارضته.

فلما عجزوا بعد التقريع والتحدي، قال الله عزوجل(قل لئن اجتمعت الانس

____________________

(١) " اخواتكم " س

(٢) " أرائكم " البحار: ١٧.

(٣) زاد في " ب "(وتتوسلون إلى الله بمثل توسلهما ليسد فاقتكم ويجبر كسركم ويسد خلتكم.

فقالوا: اللهم اليك التجأنا وعلى فضلك اعتقدنا فازل فقرنا وسد خلتنا بجاه محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم).والظاهر أنها من اضافات ناسخ " ب " ولا علاقة لها بالمتن.

(٤) " خلق الله " ب، ط.

(*)

١٥٥

والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)(١)

قصة الغمامة

٧٧ - قال الحسن بن علىعليه‌السلام : فقلت لابي " علي بن محمد "عليهما‌السلام : كيف كانت هذه الاخبار في هذه الآيات التي ظهرت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة والمدينة؟ فقال: يا بني استأنف لها النهار.

فلما كان في الغد، قال: يا بني أما الغمامة فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يسافر(٢) إلى الشام مضاربا لخديجة بنت خويلد، وكان من مكة إلى بيت المقدس مسيرة شهر فكانوا في حمارة القيظ(٣) يصيبهم حر تلك البوادي، وربما عصفت عليهم فيها الرياح وسفت عليهم الرمال والتراب.

وكان الله تعالى في تلك الاحوال يبعث لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غمامة تظله فوق رأسه تقف بوقوفه، وتزول بزواله، إن تقدم تقدمت، وإن تأخر تأخرت، وإن تيامن تيامنت، وإن تياسر تياسرت، فكانت تكف عنه حر الشمس من فوقه، وكانت تلك الرياح المثيرة لتلك الرمال والتراب، تسفيها(٤) في وجوه قريش ووجوه رواحلهم(٥) حتى إذا دنت من محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله هدأت وسكنت، ولم تحمل شيئا من رمل ولا تراب، وهبت عليه ريحا باردة لينة، حتى كانت قوافل قريش يقول قائلها: جوار محمد أفضل من خيمة.

فكانوا يلوذون به، ويتقربون إليه فكان الروح يصيبهم بقربه، وإن كانت الغمامة

____________________

(١) عنه البحار: ٨ / ٢٩٩ ح ٥٤ قطعة، وج ٩ / ١٧٥ ح ٤، وج ١٧ / ٢١٤ ضمن ح ٢٠، وج ٩٢ / ٢٨ ضمن ح ٣٣ والبرهان: ١ / ٦٧ ح ١، والاية الاخيرة من سورة الاسراء: ٨٨.

(٢) " سائر " أ.

(٣) " حارة القيظة "

(٤) " تنسفها " أ.سفت وأسفت الريح التراب: ذرته أو حملته.

(٥) " رواحلها " أ، س.

(*)

١٥٦

مقصورة عليه.وكان إذا اختلط بتلك القوافل غرباء، فاذا الغمامة، تسير في موضع بعيد منهم.

قالوا: إلى من قرنت(١) هذه الغمامة فقد شرف وكرم.

فيخاطبهم أهل القافلة: انظروا إلى الغمامة تجدوا عليها اسم صاحبها، واسم صاحبه وصفيه وشقيقه.

فينظرون فيجدون مكتوبا عليها: " لا إله إلا الله محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أيدته بعلي سيد الوصيين، وشرفته بآله(٢) الموالين له ولعلي وأوليائهما، والمعادين لاعدائهما " فيقرأ ذلك، ويفهمه من يحسن أن يكتب، ويقرأ من لايحسن ذلك(٣)

تسليم الجبال والصخور والاحجار عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله

٧٨ - قال على بن محمدعليهما‌السلام : وأما تسليم الجبال والصخور والاحجار عليه فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما ترك التجارة إلى الشام، وتصدق بكل ما رزقه الله تعالى من تلك التجارات، كان يغدو كل يوم إلى حراء يصعده، وينظر من قلله إلى آثار رحمة الله وأنواع عجائب رحمته(٤) وبدائع حكمته، وينظر إلى أكناف السماء وأقطار الارض والبحار، والمفاوز، والفيافي، فيعتبر بتلك الآثار، ويتذكر بتلك الآيات، ويعبدالله حق عبادته.

فلما استكمل أربعين سنة [و](٥) نظر الله عزوجل إلى قلبه فوجده أفضل القلوب

____________________

(١) " قربت " أ.

(٢) " بأصحابه " الاصل ومدينة المعاجز واثبات الهداة.وما في المتن من البحار.

وتشرف القصر: صار ذا شرف، وهى ما أشرف من البناء.

(٣) عنه البحار: ١٧ / ٣٠٧ صدر ح ١٥، ومدينة المعاجز: ١٦٨، واثبات الهداة: ٣ / ٥٧٤ ح ٦٦٢.

(٤) " رحمة الله " أ.

(٥) من البحار.

(*)

١٥٧

وأجلها، وأطوعها وأخشعها وأخضعها، أذن لابواب السماء ففتحت، ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ينظر إليها، وأذن للملائكة فنزلوا ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ينظر إليهم، وأمر بالرحمة فانزلت(١) عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمد وغمرته، ونظر إلى جبرئيل الروح الامين المطوق بالنور، طاووس الملائكة هبط إليه، وأخذ بضبعه(٢) وهزه وقال: يا محمد اقرأ.

قال: وما أقرأ؟ قال: يا محمد(اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق - إلى قوله - مالم يعلم)(٣) ثم أوحى [إليه] ما أوحى إليه ربه عزوجل، ثم صعد إلى العلو، ونزل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله من(٤) الجبل وقد غشيه من تعظيم جلال الله، وورد عليه من كبير(٥) شأنه ماركبه به(٦) الحمى والنافض.

يقول وقد اشتد عليه مايخافه من تكذيب قريش في خبره، ونسبتهم إياه إلى الجنون، [وأنه] يعتريه شيطان(٧) وكان من أول أمره أعقل خليقة(٨) الله، وأكرم براياه وأبغض الاشياء إليه الشيطان وأفعال المجانين وأقوالهم.

فأراد الله عزوجل أن يشرح صدره، ويشجع قلبه، فأنطق الجبال والصخور والمدر، وكلما وصل إلى شئ منها ناداه: [السلام عليك يامحمد] السلام عليك يا ولي الله، السلام عليك يارسول الله، السلام عليك يا حبيب الله، أبشر فان الله عزوجل قد فضلك وجملك وزينك وأكرمك فوق الخلائق أجمعين من الاولين والآخرين لا يحزنك قول(٩) قريش: إنك مجنون، وعن الدين مفتون، فان الفاضل من فضله

____________________

(١) " فنزلت " أ.

(٢) " بضبعيه " ب، س، ص، ط. والضبع: وسط العضد أو الابط.

(٣) العلق: ١ - ٥.

(٤) " عن " الاصل.

(٥) " كبرياء " ب، س، ص، ط.

(٦) " له من " ب، ط.

(٧) " الشياطين " أ.

(٨) " خلق " البحار والحلية. والخليقة: ما خلقه الله.

(٩) " أن يقول " أ، س.

(*)

١٥٨

[الله] رب العالمين، والكريم من كرمه(١) خالق الخلق أجمعين، فلا يضيقن صدرك من تكذيب قريش وعتاة العرب لك، فسوف يبلغك ربك أقصى منتهى الكرامات ويرفعك إلى أرفع الدرجات.

وسوف ينعم ويفرح(٢) أولياء‌ك بوصيك علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وسوف يبث علومك في العباد والبلاد، بمفتاحك وباب مدينة علمك(٣) علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وسوف يقر عينك ببنتك(٤) فاطمةعليها‌السلام ، وسوف يخرج منها ومن علي: الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وسوف ينشر في البلاد دينك، وسوف يعظم اجور المحبين لك ولاخيك، وسوف يضع في يدك لواء الحمد، فتضعه في يد أخيك علي، فيكون تحته كل نبي وصديق وشهيد، يكون قائدهم أجمعين إلى جنات النعيم.

فقلت في سري: يارب من علي بن أبي طالب الذي وعدتني به؟ - وذلك بعد ما ولد عليعليه‌السلام وهو طفل - أو هو(٥) ولد عمي؟ وقال بعد ذلك لما تحرك علي قليلا(٦) وهو معه: أهو هذا؟ ففي كل مرة من ذلك أنزل عليه ميزان الجلال، فجعل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في كفة منه ومثل له عليعليه‌السلام وسائر الخلق من امته إلى يوم القيامة [في كفة](٧) فوزن بهم فرجح.

ثم أخرج محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله من الكفة وترك علي في كفة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله التي كان فيها فوزن بسائر امته، فرجح بهم، فعرفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعينه وصفته.

ونودي في سره: يا محمد هذا علي بن أبي طالب صفيي(٨) الذي اؤيد به هذا الدين، يرجح على جميع امتك بعدك.

____________________

(١) " أكرمه الله " أ.

(٢) " تنعم وتفرح " أ.

(٣) " حكمتك " أ، والبحار.

(٤) " تقر عينك بنتك " ط.

(٥) " أهو " البحار: ١٨.

(٦) " وليدا " البحار: ١٨.

(٧) من البحار.

(٨) " الصفى " ب، ط.

(*)

١٥٩

فذلك حين شرح الله صدري بأداء الرسالة، وخفف عني مكافحة الامة وسهل علي مبارزة(١) العتاة الجبابرة من قريش(٢) .

حديث الدجاجة المشوية

٧٩ - قال على بن محمدعليهما‌السلام : وأما دفع الله القاصدين لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قتله وإهلاكه إياهم كرامة لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتصديقه إياه فيه، فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان وهو ابن سبع سنين بمكة، قد نشأ في الخير نشوء‌ا لانظير له في سائر صبيان قريش، حتى ورد مكة قوم من يهود الشام فنظروا إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشاهدوا نعته وصفته، فأسر بعضهم إلى بعض [و] قالوا: هذا والله محمد الخارج في آخر الزمان، المدال على اليهود وسائر [أهل] الاديان، يزيل الله تعالى به دولة اليهود، ويذلهم ويقمعهم، وقد كانوا وجدوه في كتبهم [النبي] الامي الفاضل الصادق فحملهم الحسد على أن كتموا ذلك، وتفاوضوا في أنه ملك يزال.

ثم قال بعضهم لبعض: تعالوا نحتال [عليه] فنقتله، فان الله يمحو مايشاء ويثبت لعلنا نصادفه ممن يمحو، فهموا بذلك، ثم قال بعضهم لبعض: لا(٣) تعجلوا حتى نمتحنه ونجربه بأفعاله، فان الحلية قد توافق الحلية، والصورة قد تشاكل الصورة، إن ما وجدناه في كتبنا أن محمدا يجنبه ربه من الحرام والشبهات.

فصادفوه وآلفوه(٤) وادعوه إلى دعوة، وقدموا إليه الحرام والشبهة، فان انبسط

____________________

(١) " مبادرة " أ.

(٢) عنه البحار: ١٧ / ٣٠٩ ضمن ح ١٥، وج ١٨ / ٢٠٥ ح ٣٦ ومدينة المعاجز: ٧٣ وحلية الابرار: ١ / ٣٧.

(٣) " فلا " أ.

(٤) " ألقوه " ب، ط، والبحار، آلفه: عاشره وآنسه.

(*)

١٦٠