تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 216613
تحميل: 39681

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216613 / تحميل: 39681
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

(رجزا من السماء بما كانوا يفسقون) يخرجون عن أمر الله وطاعته.

قال: والرجز الذي أصابهم أنه مات منهم بالطاعون في بعض يوم مائة وعشرون ألفا، وهم من علم الله تعالى منهم أنهم لا يؤمنون ولا يتوبون، ولم ينزل هذا الرجز على من علم أنه يتوب، أو يخرج من صلبه ذرية طيبة توحد الله، وتؤمن بمحمد وتعرف موالاة علي(١) وصيه وأخيه.(٢) .

١٢٩ - ثم قال الله عزوجل:(وإذ استسقى موسى لقومه) قال: واذكروا يا بني إسرائيل إذ استسقى موسى لقومه، طلب لهم السقيا، لما لحقهم العطش في التيه، وضجوا بالبكاء إلى موسى، وقالوا: أهلكنا العطش.

فقال موسى: اللهم بحق محمد سيد الانبياء، وبحق علي سيد الاوصياء وبحق فاطمة سيدة النساء، وبحق الحسن سيد الاولياء، وبحق الحسين سيد الشهداء وبحق عترتهم وخلفائهم سادة الازكياء لما سقيت عبادك هؤلاء.

فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى " اضرب بعصاك الحجر ".

فضربه بها(فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس - كل قبيلة من بني أب من أولاد يعقوب - مشربهم) فلا يزاحم الآخرين في مشربهم.

قال الله عزوجل:(كلوا واشربوا من رزق الله) الذي آتاكموه(ولا تعثوا في الارض مفسدين) ولا تسعوا(٣) فيها وأنتم مفسدون عاصون.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من [أ] قام على موالاتنا أهل البيت سقاه الله تعالى من محبته كأسا لا يبغون به بدلا، ولا يريدون سواه كافيا ولا كاليا(٤) ولا ناصرا.

____________________

(١) " وتعرق الولاية لعلى " أ.

(٢) عنه تأويل الايات: ١ / ٦٣ ح ٤٠، والبحار: ١٣ / ١٨٣ ضمن ح ١٩، والبرهان: ١ / ١٠٣ ضمن ح ١ (٣) " تعثوا " أ، س، قال الراغب في المفردات: ٣٢٤: العيث والعثى يتقاربان نحو جذب وجيذ، الا أن العيث أكثر ما يقال في الفساد الذى يدرك حسا، والعثى فيما يدرك حكما.

(٤) أى حافظا.

(*)

٢٦١

ومن وطن نفسه على احتمال المكاره في موالاتنا جعله الله يوم القيامة في عرصاتها بحيث يقصر كل من تضمنته تلك العرصات أبصارهم عما يشاهدون من درجاتهم(١) وإن كل واحد منهم ليحيط بماله من درجاته، كاحاطته في الدنيا(لما يلقاه)(٢) بين يديه، ثم يقال له: وطنت نفسك على احتمال المكاره في موالاة محمد وآله الطيبين فقد جعل الله إليك ومكنك من تخليص كل من تحب تخليصه من أهل الشدائد في هذه العرصات.فيمد بصره، فيحيط بهم، ثم ينتقد من أحسن إليه أوبره في الدنيا بقول أو فعل أورد غيبة أو حسن محضر(٣) أو إرفاق، فينتقده(٤) من بينهم كما ينتقد الدرهم الصحيح من المكسور.

ثم يقال له: اجعل هؤلاء في الجنة حيث شئت.فينزلهم جنان ربنا.

ثم يقال له: وقد جعلنا لك، ومكناك من إلقاء من تريد في نار جهنم.

فيراهم فيحيط بهم، وينتقدهم من بينهم كما ينتقد الدينار من القراضة.

ثم يقال له: صيرهم من النيران إلى حيث شئت.فيصيرهم حيث يشاء من مضائق النار.

فقال الله تعالى لبني إسرائيل الموجودين في عصر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله : فاذا كان أسلافكم إنما دعوا إلى موالاة محمد وآله فأنتم [الآن] لما شاهدتموهم فقد وصلتم إلى الغرض والمطلب الافضل إلى موالاة محمد وآله، فتقربوا إلى الله عزوجل بالتقرب إلينا

____________________

(١) " درجاته " ب، ط.

(٢) " بما يلقاه من " أ." بما يتلقاه " التأويل، والبرهان." بثقله " ب، س، ط.

(٣) " أحسن محضرا " أ.

(٤) نقدت الدراهم وانتقدتها: اذا أخرجت منها الزيف.

(لسان العرب: ٣ / ٤٢)(٥).

(*)

٢٦٢

ولا تتقربوا من سخطه، ولا تتباعدوا(١) من رحمته بالازورار(٢) عنا.(٣) .

١٣٠ - ثم قال الله عزوجل:(وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد) واذكروا إذ قال أسلافكم: لن نصبر على طعام واحد: المن والسلوى، ولابد لنا من خلط معه.

(فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها.

قال موسى - أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) يريد: أتستدعون الادنى ليكون لكم بدلا من الافضل؟ ثم قال:(اهبطوا مصرا) [من الامصار] من هذا التيه " فان لكم ماسألتم " في المصر.

ثم قال الله عزوجل:(وضربت عليهم الذلة) الجزية اخزوا بها عند ربهم وعند مؤمني عباده، " والمسكنة " هي الفقر والذلة " وباء‌وا بغضب من الله " احتملوا الغضب واللعنة من الله " ذلك بأنهم كانوا " بذلك الذي لحقهم من الذلة والمسكنة واحتملوه من غضب الله، ذلك بأنهم كانوا " يكفرون بآيات الله " قبل أن تضرب عليهم هذه الذلة والمسكنة(ويقتلون النبيين بغير الحق) وكانوا يقتلونهم بغير حق بلا جرم كان منهم إليهم ولا إلى غيرهم " ذلك بما عصوا " ذلك الخذلان الذي استولى عليهم حتى فعلوا الآثام التي من أجلها ضربت عليهم الذلة والمسكنة، وباؤا بغضب من الله [بما عصوا](٤) " وكانوا يعتدون "(أي) يتجاوزون أمر الله إلى أمر إبليس.(٥) .

١٣١ - ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا فلا تفعلوا كما فعلت بنو إسرائيل، ولا تسخطوا

____________________

(١) " فتتباعدوا " ب، ص، ط.

(٢) أى بالاعراض والانحراف.

(٣) عنه تأويل الايات: ١ / ٦٤ ح ٤٢، والبحار: ٩٤ / ٨ ح ١٠، والبرهان: ١ / ١٠٣ ضمن ح ١، ومستدرك الوسائل: ١ / ٣٧٢ ح ١٢(قطعة) واثبات الهداة: ١ / ٣٩٢ ح ١٢٦ وج ٣ / ٦٧ ح ٧٤٩(قطعة).

(٤) من البحار.

(٥) عنه البحار: ١٣ / ١٨٤ ضمن ح ١٩، والبرهان: ١ / ١٠٣ ضمن ح ١.

(*)

٢٦٣

نعم الله، ولا تقترحوا على الله تعالى، وإذا ابتلي أحدكم في رزقه أو معيشته بما لا يحب، فلا يحدس(١) شيئا يسأله لعل في ذلك حتفه وهلاكه، ولكن ليقل.

" اللهم بجاه محمد وآله الطيبين إن كان ما كرهته من أمري هذا خيرا لي، وأفضل في دينى، فصبرني عليه، وقوني على احتماله، ونشطني للنهوض بثقل أعبائه وإن كان خلاف ذلك خيرا [لي](٢) فجد علي بن، ورضني بقضائك على كل حال فلك الحمد ".فانك إذا قلت ذلك قدر الله [لك] ويسر لك ماهو خير.(٣) .

١٣٢ - ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عباد الله فاحذروا الانهماك في المعاصي والتهاون بها فان المعاصي يستولي بها الخذلان على صاحبها حتى يوقعه فيما هو أعظم منها، فلا يزال يعصي ويتهاون ويخذل ويوقع فيما هو أعظم مما جنى حتى يوقعه في رد ولاية وصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودفع نبوة نبي الله، ولا يزال أيضا بذلك(٤) حتى يوقعه في دفع توحيد الله، والالحاد في دين الله.(٥) .

١٣٣ - ثم قال الله تعالى: " إن الذين آمنوا " بالله وبما فرض عليهم الايمان به من الولاية لعلي(٦) بن أبي طالب والطيبين من آله.

" والذين هادوا " يعني اليهود " والنصارى " الذين زعموا أنهم في دين الله متناصرون

____________________

(١) " يجرين " ب، ط. " يجذين " خ ل. " ينجذن " البحار. يحدثن " تنبيه الخواطر. " يجزين " س، ص، البرهان. حدس في الامر: ظن، توهم. ونجذه: جربه.

(٢) من تنبيه الخواهر، وفى " أ " على.

(٣) عنه تنبيه الخواطر: ٢ / ١٠٢، والبحار: ٧١ / ١٤٩ ح ٤٦، والبرهان: ١ / ١٠٤ ضمن ح ١.

(٤) " كذلك " أ.

(٥) عنه تنبيه الخواطر: ٢ / ١٠٢(قطعة)، ومستدرك الوسائل: ٢ / ٣١٣ ح ٦.

(٦) " نبوة نبى الله وولاية على " البحار.

(*)

٢٦٤

" والصابئين " الذين زعموا أنهم صبوا(١) إلى دين(الله، وهم بقولهم)(٢) كاذبون.

(من آمن بالله) من هؤلاء الكفار، ونزع عن كفره، ومن آمن من هؤلاء المؤمنين في مستقبل أعمارهم، وأخلص وفي بالعهد والميثاق المأخوذين عليه لمحمد وعلي وخلفائهما الطاهرين(وعمل صالحا) [ومن عمل صالحا] من هؤلاء المؤمنين.

(فلهم أجرهم) ثوابهم(عند ربهم) في الآخرة(ولا خوف عليهم) هناك حين يخاف الفاسقون(ولا هم يحزنون) إذا حزن المخالفون، لانهم لا يعملوا من مخالفة الله(٣) ما يخاف من فعله، ولا يحزن له.

ونظر أمير المؤمنين [علي]عليه‌السلام إلى رجل [فرأى] أثر الخوف عليه، فقال: ما بالك؟ قال: إني أخاف الله.

قال: يا عبدالله خف ذنوبك، وخف عدل الله عليك في مظالم عباده، وأطعه فيما كلفك، ولا تعصه فيما يصلحك، ثم لا تخف الله بعد ذلك، فانه لا يظلم أحدا ولا يعذبه فوق استحقاقه أبدا، إلا أن تخاف سوء العاقبة بأن تغير أو تبدل.

فان أردت أن يؤمنك الله سوء العاقبة، فاعلم أن ما تأتيه من خير فبفضل الله وتوفيقه وما تأتيه من شر(٤) فبامهال الله، وإنظاره إياك، وحلمه عند(٥) قوله عزوجل: " واذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون.ثم توليتم من بعد ذلك فلو لا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين.

ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم

____________________

(١) صبا إلى الشئ يصبو: اذا مال، وقيل: هو مهموز من صبأ اذا خرج من دين إلى دين.

(النهاية: ٣ / ١٠).

(٢) " محمد وهم بقوله " أ.

(٣) " رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله " أ.

(٤) " سوء نهاك الله تعالى عنه " أ." سوء " البحار، البرهان.

(٥) عنه البحار: ٧٠ / ٣٩١ ح ٦٠، والبرهان: ١ / ١٠٤ ضمن ح ١.

(*)

٢٦٥

في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين.فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين": ٦٣ - ٦٦.

١٣٤ - قال الامامعليه‌السلام : قال الله عزوجل لهم: و [اذكروا] إذ(أخذنا ميثاقكم) وعهودكم أن تعملوا بما في التوراة، وما في الفرقان الذي أعطيته موسى مع الكتاب المخصوص بذكر محمد وعلي والطيبين من آلهما، بأنهم سادة الخلق، والقوامون بالحق واذ أخذنا ميثاقكم أن تقروا به، وأن تؤدوه إلى أخلافكم، وتأمروهم أن يؤدوه إلى أخلافهم إلى آخر مقدراتي في الدنيا، ليؤمنن بمحمد نبي الله، ويسلمن له ما يأمرهم [به] في علي ولي الله عن الله، وما يخبرهم به [عنه] من أحوال خلفائه بعده القوامين بحق الله، فأبيتم قبول ذلك واستكبرتموه.

(ورفعنا فوقكم الطور) الجبل، أمرنا جبرئيل أن يقطع من " جبل فلسطين " قطعة على قدر معسكر أسلافكم فرسخا في فرسخ، فقطعها، وجاء بها، فرفعها فوق رؤوسهم.

فقال موسىعليه‌السلام لهم: إما أن تأخذوا بما امرتم به فيه، وإما أن القي عليكم هذا الجبل.

فالجئوا إلى قبوله كارهين إلا من عصمه الله من العناد، فانه قبله طائعا مختارا.

ثم لما قبلوه،سجدوا وعفروا، وكثير منهم عفر خديه لا لارادة الخضوع لله، ولكن نظر إلى الجبل هل يقع أم لا، وآخرون سجدوا طائعين مختارين.

[ثم قالعليه‌السلام ] فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : احمدوا الله معاشر شيعتنا على توفيقه إياكم، فانكم تعفرون في سجودكم لا كما عفره كفرة بني إسرائيل، ولكن كما عفره خيارهم.

قال الله عزوجل:(خذوا ما آتيناكم بقوة) من هذه الاوامر والنواهي من هذا الامر الجليل من ذكر محمد وعلي وآلهما الطيبين.

(واذكروا مافيه) فيما آتيناكم، اذكروا جزيل ثوابنا على قيامكم به، وشديد عقابنا على إبائكم له.

٢٦٦

(لعلكم تتقون) لتتقوا المخالفة الموجبة للعقاب، فتستحقوا بذلك(١) جزيل الثواب.(٢) .

١٣٥ - قال الله عزوجل [لهم]:(ثم توليتم) يعني تولى أسلافكم(من بعد ذلك) عن القيام به، والوفاء بما عوهدوا عليه.

(فلو لا فضل الله عليكم ورحمته) يعني على أسلافكم، لولا فضل الله عليكم بامهاله إياهم للتوبة، وإنظارهم لمحو الخطيئة بالانابة(لكنتم من الخاسرين) المغبونين، قد خسرتم الآخرة والدنيا، لان الآخرة [قد] فسدت عليكم بكفركم، والدنيا كان لا يحصل لكم نعيمها لاخترامنا(٣) لكم، وتبقى عليكم حسرات نفوسكم وأمانيكم التي قد اقتطعتم دونها.

ولكنا أمهلناكم للتوبة، وأنظرناكم للانابة، أي فعلنا ذلك بأسلافكم فتاب من تاب منهم، فسعد، وخرج من صلبه من قدر أن يخرج منه الذرية الطيبة التي تطيب في الدنيا [بالله تعالى] معيشتها، وتشرف في الآخرة - بطاعة الله - مرتبتها.

وقال الحسين بن على(٤) عليهما‌السلام : أما إنهم لو كانوا دعوا الله بمحمد وآله الطيبين بصدق من نياتهم، وصحة اعتقادهم من قلوبهم أن يعصمهم حتى لا يعاندوه بعد مشاهدة تلك المعجزات الباهرات، لفعل ذلك بجوده وكرمه.

ولكنهم قصروا، وآثروا الهوى بنا(٥) ومضوا مع الهوى في طلب لذاتهم(٦)

____________________

(١) " لذلك " أ.

(٢) عنه تأويل الايات: ١ / ٦٥ ح ٤٣، والبحار: ١٣ / ٢٣٧ ح ٤٧.

(قطعة)، وج ٢٦ / ٢٨٨ ضمن ح ٤٨، والبرهان: ١ / ١٠٦ صدر ح ٩.

(٣) " لاخترامها " أ.اخترمهم الدهر وتخرمهم: استأصلهم.(لسان العرب: مادة خرم).

(٤) " الحسن بن على " ب، ط." على بن الحسين بن على " أ، س، ص.

(٥) " فآثروا اللهو بنا " أ." فآثروا الهوينا " ص، والبحار.

(٦) عنه البحار: ٢٦ / ٢٨٩ ضمن ح ٤٨، والبرهان: ١ / ١٠٦ ضمن ح ٩.

(*)

٢٦٧

١٣٦ - ثم قال الله عزوجل:(ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت) لما اصطادوا السموك(١) فيه(فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) مبعدين عن كل خير(فجعلناها) [أي] جعلنا تلك المسخة التي أخزيناهم ولعناهم بها(نكالا) عقابا وردعا(لما بين يديها) بين يدي المسخة من ذنوبهم الموبقات التي استحقوا بها العقوبات(رما خلفها) للقوم الذين شاهدوهم بعد مسخهم يرتدعون عن مثل أفعالهم لما شاهدوا ماحل بهم من عقابنا(وموعظة للمتقين) يتعظون بها، فيفارقون المخزيات(٢) ويعظون [بها] الناس، ويحذرونهم المرديات.

قصة أصحاب السبت

وقال على بن الحسينعليهما‌السلام : كان هؤلاء قوما يسكنون على شاطئ بحر، نهاهم الله وأنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت. فتوصلوا إلى حيلة ليحلوا بها لانفسهم ما حرم الله، فخذوا أخاديد، وعملوا طرقا تؤدي إلى حياض، يتهيأ للحيتان الدخول فيها من تلك الطرق، ولا يتهيأ لها الخروج إذا همت بالرجوع [منها إلى اللجج]. فجاء‌ت الحيتان يوم السبت جارية على أمان الله [لها](٣) فدخلت الاخاديد وحصلت(٤) في الحياض والغدران. فلما كانت عشية اليوم همت بالرجوع منها إلى اللجج لتأمن صائدها، فرامت الرجوع فلم تقدر، وابقيت ليلتها في مكان يتهيأ أخذها [يوم الاحد] بلا اصطياد لاسترسالها(٥) فيه، وعجزها عن الامتناع لمنع المكان لها.

____________________

(١) سماك وسموك جمع سمك، واحدتها سمكة.

(٢) " المحرمات " ب، ص، والبرهان.

(٣) من البحار والبرهان.

(٤) تحصل الشئ: اجتمع وثبت.

(٥) أى استئناسها واطمئنانها.

(*)

٢٦٨

فكانوا يأخذونها يوم الاحد، ويقولون: ما اصطدنا يوم السبت، إنما اصطدنا في الاحد، وكذب أعداء الله بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي عملوها يوم السبت حتى كثر من ذلك مالهم وثراؤهم، وتنعموا بالنساء وغيرهن لاتساع(١) أيديهم به.

وكانوا في المدينة نيفا وثمانين ألفا، فعل هذا منهم سبعون ألفا، وأنكر عليهم الباقون، كما قص الله تعالى(وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر)(٢) الآية.

وذلك أن طائفة منهم وعظوهم وزجروهم، ومن عذاب الله خوفوهم، ومن انتقامه وشديد(٣) بأسه حذروهم، فأجابوهم عن وعظهم(لم تعظون قوما الله مهلكهم) بذنوبهم هلاك الاصطلام(أو معذبهم عذابا شديدا).

فأجابوا القائلين لهم هذا:(معذرة إلى ربكم) [هذا القول منا لهم معذرة إلى ربكم] إذ كلفنا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنحن ننهى عن المنكر ليعلم ربنا مخالفتنا لهم، وكراهتنا لفعلهم.

قالوا:(ولعلهم يتقون) ونعظهم أيضا لعلهم تنجع(٤) فيهم المواعظ، فيتقوا هذه الموبقة، ويحذروا عقوبتها.

قال الله عزوجل:(فلما عتوا) حادوا وأعرضوا وتكبروا عن قبولهم الزجر(عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين)(٥) مبعدين عن الخير، مقصين(٦) .

قال فلما نظر العشرة الآلاف والنيف أن السبعين ألفا لا يقبلون مواعظهم، ولا يحفلون(٧) بتخويفهم إياهم وتحذيرهم لهم، اعتزلوهم إلى قرية اخرى قريبة من قريتهم

____________________

(١) اتسع الرجل: صار ذا سعة وغنى.

(٢) الاعراف: ١٦٣.

(٣) " شدائد " الاصل.

والشدائد: - جمع شدة -: ما يحل بالانسان من مكاره الدهر.

(٤) نجع فيه الخطاب والوعظ: عمل فيه وأثر.

(٥) الاعراف: ١٦٤ - ١٦٦.

(٦) " مغضبين " أ." مقصرين " البرهان: ١.أقصى فلانا عن الشئ: أبعده.

(٧) أى لا يبالون." يخافون " أ، والبرهان: ٢.

(*)

٢٦٩

وقالوا: نكره أن ينزل بهم عذاب الله ونحن في خلالهم.

فأمسوا ليلة، فمسخهم الله تعالى كلهم قردة [خاسئين]، وبقي باب المدينة مغلقا لا يخرج منه أحد [ولا يدخله أحد].

وتسامع بذلك أهل القرى فقصدوهم، وتسنموا(١) حيطان البلد، فاطلعوا عليهم فاذا هم كلهم رجالهم ونساؤهم قردة يموج بعضهم في بعض يعرف هؤلاء الناظرون معارفهم وقراباتهم وخلطاء‌هم، يقول المطلع لبعضهم: أنت فلان؟ أنت فلانة؟ فتدمع عينه، ويؤمي برأسه(بلا، أو نعم).

فما زالوا كذلك ثلاثة أيام، ثم بعث الله عزوجل [عليهم] مطرا وريحا فجرفهم(٢) إلى البحر، وما بقي مسخ بعد ثلاثة أيام، وإنما الذين ترون من هذه المصورات بصورها فانما هي أشباهها، لا هي بأعيانها ولا من نسلها.(٣) .

١٣٧ - ثم قال على بن الحسينعليهما‌السلام : إن الله تعالى مسخ هؤلاء لاصطياد السمك فكيف ترى عند الله عزوجل [يكون] حال من قتل أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهتك حريمه؟ ! إن الله تعالى وإن لم يمسخهم في الدنيا، فان المعد لهم من عذاب [الله في] الآخرة [أضعاف] أضعاف عذاب المسخ.

فقيل له: يا بن رسول الله فانا قد سمعنا منك هذا الحديث فقال لنا بعض النصاب: فان كان قتل الحسينعليه‌السلام باطلا، فهو أعظم من صيد السمك في السبت، أفما كان يغضب الله على قاتليه كما غضب على صيادي السمك؟ قال على بن الحسينعليهما‌السلام : قل لهؤلاء النصاب: فان كان إبليس معاصيه أعظم من

____________________

(١) كل شئ علا شيئا فقد تسنمه.وفى " أ " تسموا.

(٢) جرف - بالفتح - الشئ: ذهب به كله أو معظمه.وفى " س " فجرتهم.

(٣) عنه البحار: ١٤ / ٥٦ ح ١٣، والبرهان: ١ / ١٠٦ ضمن ح ٩، وج ٢ / ٤٢ ح ٣.

(*)

٢٧٠

معاصي من كفر باغوائه، فأهلك الله تعالى من شاء منهم كقوم نوح وفرعون، ولم(١) يهلك إبليس وهو أولى بالهلاك، فما باله أهلك هؤلاء الذين قصروا عن إبليس في عمل الموبقات، وأمهل إبليس مع إيثاره لكشف المخزيات؟(٢) ألا(٣) كان ربنا عزوجل حكيما بتدبيره وحكمه فيمن أهلك، وفيمن استبقى.

فكذلك هولاء الصائدون [للسمك] في السبت، وهؤلاء القاتلون للحسينعليه‌السلام يفعل في الفريقين ما يعلم أنه أولى بالصواب والحكمة، لا يسأل عما يفعل وهم(٤) يسألون(٥) .

١٣٨ - ثم قال على بن الحسينعليهما‌السلام : أما إن هؤلاء الذين اعتدوا في السبت لو كانوا حين هموا بقبيح أفعالهم سألوا ربهم بجاه محمد وآله الطيبين أن يعصمهم من ذلك لعصمهم، وكذلك الناهون لهم لو سألوا الله عزوجل أن يعصمهم بجاه محمد وآله الطيبين لعصمهم، ولكن الله تعالى لم يلهمهم ذلك، ولم يوفقهم له فجرت معلومات الله تعالى فيهم على ماكان سطره في اللوح المحفوظ(٦) .

١٣٩ - وقال الباقرعليه‌السلام : فلما حدث علي بن الحسينعليهما‌السلام بهذا الحديث، قال له بعض من في مجلسه: يا ابن رسول الله كيف يعاقب(٧) الله ويوبخ هؤلاء الاخلاف على قبائح أتى بها(٨)

____________________

(١) " فلم لم " أ، ب، ط.

(٢) " المحرمات " خ ل.

(٣) ألا: حرف يستفتح به الكلام، ويدل على تحقق ما بعده." أما كان " الاحتجاج." والا فان " ب، س، ط.

" أولا فأن " أ.

(٤) " عباده " ب، س، ص، ط، الاحتجاج، والبحار.وهو اقتباس من سورة الانبياء: ٢٣.

(٥) عنه البحار: ١٤ / ٥٨ ضمن ح ١٣ قطعة، والبرهان: ١ / ١٠٧ ضمن ح ٩، وعنه البحار: ٤٥ / ٢٩٥ ح، وعوالم الامام الحسين: ٦١١ ح ٤ وعن الاحتجاج: ٢ / ٤٠.

(٦) عنه البحار: ١٤ / ٥٩ ذ ح ١٣، والبرهان: ١ / ١٠٧ ضمن ح ٩.

(٧) " يجانب " أ، " يعاتب " ص، الاحتجاج، البحار، والعوالم.

(٨) " ما أتاه " أ، ب، س، ط.

(*)

٢٧١

أسلافهم؟ وهو يقول عزوجل:(ولا تزر وازرة وزر اخرى)(١) فقال زين العابدينعليه‌السلام : إن القرآن [نزل](٢) بلغة العرب، فهو يخاطب فيه أهل [هذا] اللسان بلغتهم، يقول الرجل التميمي(٣) - قد أغار قومه على بلد وقتلوا من فيه -: أغرتم على بلد كذا [وكذا] وقتلتم(٤) كذا، ويقول العربي أيضا: نحن فعلنا ببني فلان، ونحن سبينا آل فلان ونحن خربنا بلد كذا، لا يريد أنهم باشروا ذلك، ولكن يريد هؤلاء بالعذل(٥) وأولئك بالافتخار(٦) أن قومهم فعلوا كذا.

وقول الله تعالى في هذه الآيات إنما هو توبيخ لاسلافهم، وتوبيخ العذل على هؤلاء الموجودين، لان ذلك هو اللغة التي بها أنزل القرآن، فلان هؤلاء الاخلاف أيضا راضون بما فعل أسلافهم، مصوبون ذلك لهم، فجاز أن يقال [لهم](٧) : أنتم فعلتم، أي إذ رضيتم بقبيح فعلهم.(٨) قوله عزوجل: " واذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.

قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى قال انه يقول انها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون.

قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال انه يقول انها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين.

قال ادع لنا ربك يبين لنا ما

____________________

(١) الانعام: ١٦٤.

(٢) من الاحتجاج.

(٣) " يقال للرجل التيمى " أ.

(٤) " فعلتم " أ، ص، الاحتجاج، البحار، والعوالم والبرهان.

(٥) أى اللوم.

(٦) " بالامتحان " الاصل.وما في المتن من الاحتجاج والبحار والعوالم والبرهان.

(٧) من البحار والعوالم.

(٨) عنه البرهان: ١ / ١٠٧ ضمن ح ٩، وعنه البحار: ٤٥ / ٢٩٦ ضمن ح ٢، وعوالم الامام الحسين: ٦١٢ ضمن ح ٤ وعن الاحتجاج: ٢ / ٤١.

(*)

٢٧٢

هى ان البقر تشابه علينا وانا ان شاء الله لمهتدون.

قال انه يقول انها بقرة لا ذلول تثير الارض ولا تسقى الحرث مسلمة لاشية فيها قالوا الان جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون.

واذ قتلتم نفسا فادارء‌تم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون " ٦٧ - ٧٣

قصة ذبح بقرة بنى اسرائيل وسببها

١٤٠ - قال الامام: قال الله عزوجل ليهود المدينة: واذكروا(إذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) تضربون ببعضها هذا المقتول بين أظهركم ليقوم حيا سويا باذن الله عزوجل، ويخبركم بقاتله.

وذلك حين القي القتيل بين أظهرهم، فألزم موسىعليه‌السلام أهل القبيلة بأمر الله تعالى أن يحلف خمسون من أماثلهم بالله القوي الشديد إليه [موسى و] بنى إسرائيل، مفضل محمد وآله الطيبين على البرايا أجمعين [إنا] ما قتلناه، ولا علمنا له قاتلا، فان حلفوا بذلك غرموا دية المقتول، وإن نكلوا نصوا على القاتل أو أقر القاتل فيقاد(١) منه فان لم يفعلوا حبسوا في محبس ضنك إلى أن يحلفوا أو يقروا أو يشهدوا على القاتل.

فقالوا: يا نبي الله أما وقت(٢) أيماننا أموالنا و [لا] أموالنا أيماننا؟ قال: لا، هكذا حكم الله.

وكان السبب: أن إمرأة حسناء ذات جمال وخلق كامل، وفضل بارع، ونسب شريف وستر ثخين كثر خطابها(٣) ، وكان لها بنو أعمام ثلاثة، فرضيت بأفضلهم علما وأثخنهم

____________________

(١) القود: القصاص وقتل القاتل بدل القتيل.

(٢) " وفت " أ.

يقال: هذا الشئ لا يفى بذاك: أى يقصر عنه ولا يوازيه.

قال المجلسى(ره): استبعاد منهم للحكم عليهم بالدية بعد حلفهم، أى ليس أيماننا وقاية لاموالنا وبالعكس حتى جمعت بينهما.

(٣) خطب الفتاة: دعاها أو طلبها إلى التزوج.

(*)

٢٧٣

سترا، وأرادت التزويج به، فاشتد حسد ابني عمه الآخرين له [غيضا]، وغبطاه عليها لايثارها إياه(١) فعمدا إلى ابن عمهما المرضي، فأخذاه إلى دعوتهما، ثم قتلاه وحملاه إلى محلة تشتمل على أكثر قبيلة في بني إسرائيل، فألقياه بين أظهرهم ليلا.

فلما أصبحوا وجدوا القتيل هناك، فعرف حاله، فجاء ابنا عمه القاتلان له، فمزقا [ثيابهما](٢) على أنفسهما، وحثيا التراب على رؤوسهما، واستعديا عليهم، فأحضرهم موسىعليه‌السلام وسألهم، فأنكروا أن يكونوا قتلوه، أو علموا قاتله. فقال: فحكم الله عزوجل على من فعل هذه الحادثه ما عرفتموه، فالتزموه. فقالوا: يا موسى أي نفع في أيماننا [لنا](٣) إذا لم تدرأ عنا الغرامة الثقيلة؟ أم أي نفع في غرامتنا لنا إذا لم تدرأ عنا الايمان؟ فقال موسىعليه‌السلام : كل النفع في طاعة الله والايتمار لامره، والانتهاء عما نهى عنه.

فقالوا: يا نبي الله غرم ثقيل ولا جناية لنا، وأيمان غليظة ولا حق في رقابنا [لو] أن الله عرفنا قاتله بعينه، وكفانا مؤنته، فادع لنا ربك يبين لنا هذا القاتل لتنزل به ما يستحقه من العقاب، وينكشف أمره لذوي الالباب.

فقال موسىعليه‌السلام : إن الله عزوجل قد بين ما أحكم به في هذا، فليس لي أن أقترح عليه غير ما حكم، ولا أعترض عليه فيما أمر.

ألا ترون أنه لما حرم(٤) العمل في يوم السبت، وحرم لحم الجمل لم يكن لنا

____________________

(١) " من اثرتها اياه " أ، س، ص، ق." من آثرته " ب، ط، د.وما في المتن كما في البحار.

(٢) من البرهان.

(٣) من البحار، ق.

(٤) لقد أشبعنا موضوع تحريم العمل يوم السبت، وتحريم لحم الجمل، دراسة وبحثا وتحليلا في كتابنا " المدخل إلى التفسير الموضوعى للقرآن الكريم حسب التسلسل الطبيعى للموضوع " ج ١ / ٣٦ وج ٢ / ١٦٤ - ١٧٢ فراجع.

ففيه تجد ابطال ما قالته اليهود - كما عن التوراة المحرفة - من أنه تعالى أصابه اعياء ولغوب، فراح يستريح من عمله يوم السبت. تعالى عن ذلك علوا كبيرا، وانما جعلالتحريم من الله على الذين اختلفوا فيه - وقال لا تعدوا في السبت - لبغيهم على الله وافترائهم بالتحريم على أنفسهم ابتداء، فأجابهم الله ابتلاء - ثم أخذهم بما اعتدوا في السبت - وهكذا في تحريم الطيبات. والحاصل أن كليهما كان حلالا من الله، فحرموه على أنفسهم بغيا، ثم حرمه الله عليهم لبغيهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. فراجع البحث بطوله. (*)

٢٧٤

أن نقترح عليه أن يغير ماحكم به علينا من ذلك، بل علينا أن نسلم له حكمه، ونلتزم ما ألزمنا، وهم بأن يحكم عليهم بالذي كان يحكم به على غيرهم في مثل حادثهم فأوحى الله عزوجل إليه: يا موسى أجبهم إلى ما اقترحوا، وسلني أن ابين لهم القاتل ليقتل، ويسلم غيره من التهمة والغرامة، فاني إنما اريد باجابتهم إلى ما اقترحوا توسعة الرزق على رجل من خيار امتك، دينه الصلاة على محمد وآله الطيبين، والتفضيل لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي بعده على سائر البرايا، اغنية في الدنيا في هذه القضية، ليكون بعض ثوابه عن تعظيمه لمحمد وآله.

فقال موسى: يا رب بين لنا قاتله.

فأوحى الله تعالى إليه: قل لبني إسرائيل إن الله يبين لكم ذلك بأن يأمركم أن تذبحوا بقرة، فتضربوا ببعضها المقتول فيحيى فتسلمون لرب العالمين ذلك، وإلا فكفوا عن المسألة ; والتزموا ظاهر حكمي.

فذلك ما حكى الله عزوجل:(وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم - أي سيأمركم - أن تذبحوا بقرة) إن أردتم الوقوف على القاتل، وتضربوا المقتول ببعضها ليحيى ويخبر بالقاتل(قالوا - يا موسى - أتتخذنا هزوا) [و] سخرية؟ تزعم أن الله يأمرنا أن نذبح بقرة، ونأخذ قطعة من ميت، ونضرب بها ميتا، فيحيى أحد الميتين بملاقات بعض الميت الآخر

٢٧٥

[له]، فكيف يكون هذا؟(قال - موسى - أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) أنسب إلى الله تعالى مالم يقل لي، وأن أكون من الجاهلين، اعارض أمر الله بقياسي على ما شاهدت، دافعا لقول الله عزوجل وأمره.

ثم قال موسىعليه‌السلام : أو ليس ماء الرجل نطفة ميتة(١) ، وماء المرأة كذلك، ميتان يلتقيان فيحدث الله تعالى من التقاء الميتين بشرا حيا سويا؟ أو ليس بذوركم(٢) التي تزرعونها في أرضيكم تتفسخ وتتعفن وهي ميتة، ثم يخرج الله منها هذه السنابل الحسنة البهيجة وهذه الاشجار الباسقة المونقة؟ فلما بهرهم موسىعليه‌السلام قالوا له: يا موسى(ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) [أي] ما صفتها لنقف عليها.

فسأل موسى ربه عزوجل، فقال:(إنها بقرة لا فارض) كبيرة(ولا بكر) صغيرة [لم تغبط](٣) (عوان) وسط(بين ذلك) بين الفارض والبكر(فافعلوا ما تؤمرون) إذا امرتم به.

(قالوا - يا موسى - ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها) أي لون هذه البقرة التي تريد أن تأمرنا بذبحها.

____________________

(١) أى الظاهر في عصرهم، والا ففي الحقيقة وعصر العلم هى ذرات حية كشف عنها العلم الحاضر ويمكن مشاهدتها بالمجهر، وقد أشار اليها عزوجل في قوله: " خلق الانسان من نطفة " النحل: ٤.

(٢) " زروعكم " أ.

(٣) ليس في البحار.

وفي ب، وخ ل البرهان " تفرض " بدل تغبط.

يقال: غبط الشاة اذا لمس منها الموضع الذى يعرف به سمنها من هزالها(النهاية: ٣ / ٣٤(١).

والظاهر أنه كناية عن حداثة سنها وعدم انتقالها من شخص لاخر خلال عمليات بيع وشراء.

وفرضت البقرة: طعنت في السن.

(*)

٢٧٦

قال [موسى] - عن الله بعد السؤال والجواب -(إنها بقرة صفراء فاقع) حسن الصفرة(١) ليس بناقص يضرب إلى البياض، ولا بمشبع يضرب إلى السواد(لونها) هكذا فاقع(تسر - البقرة - الناظرين) إليها لبهجتها وحسنها وبريقها.

(قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) ما صفتها؟ [يزيد في صفتها].

(قال - عن الله تعالى - إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الارض) لم تذلل لاثارة الارض(٢) ولم ترض(٣) بها(ولا تسقي الحرث) ولا هي مما تجر الدلاء، ولا تدير النواعير قد أعفيت من ذلك أجمع(مسلمة) من العيوب كلها، لا عيب فيها(لاشية فيها) لا لون فيها من غيرها.

فلما سمعوا هذه الصفات قالوا: يا موسى [أ](٤) فقد أمرنا ربنا بذبح بقرة هذه صفتها؟ قال: بلى.

ولم يقل موسى في الابتداء(إن الله قد أمركم) لانه لو قال: إن الله أمركم(٥) لكانوا إذا قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ماهي وما لونها [وما هي] كان لا يحتاج أن يسأله - ذلك - عزوجل، ولكن كان يجيبهم هو بأن يقول: أمركم ببقرة، فأي شئ وقع عليه اسم بقرة فقد خرجتم من أمره إذا ذبحتموها.

____________________

(١) " حسنة لون الصفراء " أ.

(٢) أثاروا الارض: أى قلبوها للزراعة وعمروها بالفلاحة.

(٣) " تربص " خ ل.

ابل رضارض: راتعة، كانها ترض العشب.

والرض: دق الشئ.

وتربص بالمكان: لبث.

(٤) من البحار، ق، د.

(٥) " يأمركم " البحار.

قال المجلسى(ره): حاصله أنهعليه‌السلام حمل قوله تعالى " ان الله يأمركم " على حقيقة الاستقبال، ولذا فسره بقوله سيأمركم، فوعدهم أولا بالامر، ثم بعد سؤالهم وتعيين البقرة أمرهم، ولو قال موسى أولا بصيغة الماضى " أمركم أن تذبحوا لتعلق الامر بالحقيقة، وكان يكفى أى بقرة كانت..أقول: للشريف المرتضى مجلس في تأويل هذه الاية.

راجع أماليه: ٢ / ٣٦.

(*)

٢٧٧

قال: فلما استقر(١) الامر عليهم، طلبوا هذه البقرة فلم يجدوها إلا عند شاب من بني إسرائيل أراه الله عزوجل في منامه محمدا وعليا وطيبي ذريتهما، فقالا له: إنك كنت لنا [وليا] محبا ومفضلا، ونحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدنيا، فاذا راموا شراء بقرتك فلا تبعها إلا بأمر امك، فان الله عزوجل يلقنها ما يغنيك به وعقبك.

ففرح الغلام، وجاء‌ه القوم يطلبون بقرته، فقالوا: بكم تبيع بقرتك هذه؟ قال: بدينارين، والخيار لامي.

قالوا: قد رضينا [بدينار].

فسألها، فقالت: بأربعة.

فأخبرهم فقالوا: نعطيك دينارين.

فأخبر امه، فقالت: بثمانية(٢) فما زالوا يطلبون على النصف، مما تقول امه، ويرجع إلى امه، فتضعف الثمن حتى بلغ ثمنها مل‌ء مسك(٣) ثور أكبر ما يكون ملؤه(٤) دنانير، فأوجب لهم البيع.

ثم ذبحوها، وأخذوا قطعة وهي عجز(٥) الذنب الذي منه خلق ابن آدم، وعليه يركب إذا اعيد خلقا جديدا، فضربوه بها، وقالوا: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما أحييت هذا الميت، وأنطقته ليخبرنا عن قاتله.

فقام سالما سويا وقال: [يا نبي الله] قتلني هذان ابنا عمي، حسداني على بنت عمي فقتلاني، وألقياني في محلة هؤلاء ليأخذا ديتي [منهم].

فأخذ موسىعليه‌السلام الرجلين فقتلهما، وكان قبل أن يقوم الميت ضرب بقطعة من البقرة فلم يحي، فقالوا: يا نبي الله أين ما وعدتنا عن الله عزوجل؟ فقال موسىعليه‌السلام : [قد] صدقت، وذلك إلى الله عزوجل.

____________________

(١) أى: ثبت عليهم.

(٢) " بمائة " س، ق، د والبحار.

(٣) أى جلد.

(٤) كذا في البحار.

وفى الاصل: ملاء.وليس في التأويل.

(٥) " عجب " البحار.وهو أصل الذنب عند رأس العصعص.

(*)

٢٧٨

فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى إني لا اخلف وعدي، ولكن ليقدموا للفتى ثمن بقرته مل‌ء مسكها دنانير ثم احيي هذا.

فجمعوا أموالهم، فوسع الله جلد الثور حتى وزن ما ملئ به جلده فبلغ خمسة آلاف ألف دينار.

فقال بعض بني إسرائيل لموسىعليه‌السلام - وذلك بحضرة(١) المقتول المنشور المضروب ببعض البقرة -: لا ندري أيهما أعجب: إحياء الله هذا وإنطاقه بما نطق(٢) أو اغناؤه لهذا الفتى بهذا المال العظيم ! فأوحى الله إليه: يا موسى قل لبني إسرائيل: من أحب منكم أن اطيب في الدنيا(٣) عيشه، واعظم في جناني محله، وأجعل لمحمد وآله الطيبين فيها منادمته، فليفعل كما فعل هذا الفتى، إنه كان قد سمع من موسى بن عمرانعليه‌السلام ذكر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وآلهما الطيبين، فكان عليهم مصليا، ولهم على جميع الخلائق من الجن والانس والملائكة مفضلا، فلذلك صرفت إليه هذا المال العظيم ليتنعم(٤) بالطيبات ويتكرم بالهبات والصلاة، ويتحبب بمعروفه إلى ذوي المودات، ويكبت(٥) بنفقاته ذوي العداوات.

قال الفتى: يا نبي الله كيف أحفظ هذه الاموال؟ أم كيف أحذر من عداوة من يعاديني فيها، وحسد من يحسدني لاجلها؟ قال: قل عليها من الصلاة على محمد وآله الطيبين ما كنت تقوله قبل أن تنالها، فان الذي رزقكها بذلك القول مع صحة الاعتقاد يحفظها عليك أيضا(بهذا القول مع صحة الاعتقاد)(٦) .

____________________

(١) " بمحضر " أ.

المحضر: المشهد.

(٢) " قال لبني اسرائيل " أ.

(٣) " دنياه " أ، والبرهان.

(٤) " لينتفع " ب، ط، د.

(٥) " يكب " ب، ط.

كبته كبتا: أذله، أهانه.

وكب الرجل: صرعه.

(٦) " ويدفع عنك " البرهان.

(*)

٢٧٩

فقالها الفتى فما رامها حاسد [له] ليفسدها، أو لص ليسرقها، أو غاصب ليغصبها، إلا دفعه الله عزوجل عنها بلطف من ألطافه(١) حتى يمتنع من ظلمه اختيارا أو منعه منه بآفة أو داهية حتى يكفه عنه، فيكف أضطرارا.

[قالعليه‌السلام :] فلما قال موسىعليه‌السلام للفتى ذلك وصار الله عزوجل له - لمقالته - حافظا، قال هذا المنشور: اللهم إني أسألك بما سألك به هذا الفتى من الصلاة على محمد وآله الطيبين والتوسل بهم أن تبقيني في الدنيا متمتعا بابنة عمي وتجزي(٢) عني أعدائي وحسادي، وترزقني فيها [خيرا](٣) كثيرا طيبا.

فأوحى الله إليه: يا موسى إنه كان لهذا الفتى المنشور بعد القتل ستون سنة، وقد وهبت له بمسألته وتوسله بمحمد وآله الطيبين سبعين سنة تمام مائة وثلاثين سنة صحيحة حواسه، ثابت فيها جنانه(٤) ، قوية فيها شهواته، يتمتع بحلال هذه الدنيا ويعيش ولا يفارقها ولا تفارقه، فاذا حان(٥) حينه [حان حينها] وماتا جميعا [معا] فصارا إلى جناني، وكانا زوجين فيها ناعمين.

ولو سألني - يا موسى - هذا الشقي القاتل بمثل ما توسل به هذا الفتى على صحة اعتقاده أن أعصمه من الحسد، وأقنعه بما رزقته - وذلك هو الملك العظيم - لفعلت.

ولو سألني بذلك مع التوبة من صنعه أن لا أفضحه لما فضحته، ولصرفت هؤلاء عن اقتراح إبانة القاتل، ولاغنيت هذا الفتى من غير [هذا الوجه بقدر] هذا المال أوجده(٦) .

____________________

(١) " بلطيفة من لطائفه " أ، ب، س، ط.

(٢) " تخزى " البحار: ١٣.

(٣) من البحار، وفى التأويل بلفظ: منها أولادا.

(٤) الجنان - بفتح الجيم -: القلب.

(٥) " جاء " أ.

الحين: الموت والهلاك.

وحان: قرب وقته.

(٦) أوجد الله فلانا: أغناه وقواه.

وفى " أ ": الذى أوجده.

(*)

٢٨٠