تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 216655
تحميل: 39681

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216655 / تحميل: 39681
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

لهم خلعهم، وتضعفوها. فيتم لهم ماكان لهم قبل أن يخلعوا عليهم، ويضاعف لهم، وكذلك من بمرتبتهم(١) ممن يخلع عليه على مرتبتهم. وقالت فاطمةعليها‌السلام : يا أمة الله إن سلكا من تلك الخلع لافضل مما طلعت عليه الشمس(١) ألف ألف مرة، وما فضل(٣) فانه مشوب بالتنغيص(٤) والكدر.

(٥) ٢١٧ - قال الحسن بن علىعليهما‌السلام : فضل كافل يتيم آل محمد، المنقطع عن مواليه الناشب في تيه(٦) الجهل - يخرجه من جهله، ويوضح له ما اشتبه عليه - على [فضل] كافل يتيم يطعمه ويسقيه كفضل الشمس على السهى(٧) .

(٨) ٢١٨ - وقال الحسين بن علىعليهما‌السلام : من كفل لنا يتيما قطعته عنا محنتنا(٩) باستتارنا فواساه من علومنا التى سقطت إليه حتى أرشده وهداه، قال الله عزوجل له: يا أيها العبد الكريم المواسي إني أولى بالكرم(١٠) اجعلوا له ياملائكتي في الجنان

____________________

(١) " يليهم " البحار: ٢. وكذا التى تأتى.

(٢) أى الدنيا.

(٣) " أفضل " ب، س، ط.

وأضاف في المحجة والمنية: ما طلعت عليه الشمس.

(٤) " بالتنقيص " أ.

" بالتنقص " ب، ص، ط.

" بالتنغيض " منية المريد.

تنغص العيش: تكدر.

وتنغض الشئ: اهتز واضطرب، تنقص الشئ: أخذ منه قليلا.

(٥) عنه منية المريد: ٣٢، والمحجة البيضاء: ١ / ٣٠، والبحار: ٢ / ٣ ح ٣، وج ٧ / ٢٢٤ ضمن ح ١٤٣.

(٦) أى الواقع فيما لا مخلص منه.

وفى " أ " التائية بدل " الناشب ".

(٧) كوكب خفى من بنات نعش الصغرى.

(٨) عنه منية المريد: ٣٣، والمحجة البيضاء: ١ / ٣١، وعنه في البحار: ٢ / ٣ ح ٤، وعن الاحتجاج: ١ / ٧.

(٩) " محبتنا " خ ل، ط، والبحار: ٢.

" صحبتنا " أ.

" غيبتنا و " البحار: ٨.

قال المجلسى(ره): أى كان سبب قطعه عنا أنا أحببنا الاستتار عنه لحكمة، وفى بعض النسخ " محنتنا " بالنون وهو أظهر.

(١٠) " بهذا الكرم " أ، س، البحار: ٨.

(*)

٣٤١

بعدد كل حرف علمه ألف ألف قصر، وضموا إليها ما يليق بها من سائر النعم(١) .

٢١٩ - وقال على بن الحسينعليهما‌السلام : أوحى الله تعالى إلى موسىعليه‌السلام حببني إلى خلقي، وحبب خلقي إلي.

قال: يا رب كيف أفعل؟ قال: ذكرهم آلائي ونعمائي ليحبوني، فلئن ترد آبقا عن بابي، أوضالا عن فنائي، أفضل لك من عبادة مائة(٢) سنة بصيام نهارها وقيام ليلها.

قال موسىعليه‌السلام : ومن هذا العبد الآبق منك؟ قال: العاصي المتمرد.

قال: فمن الضال عن فنائك؟ قال: الجاهل بامام زمانه تعرفه، والغائب عنه بعدما عرفه، الجاهل بشريعة دينه تعرفه شريعته، وما يعبد به ربه، ويتوصل(٢) [به] إلى مرضاته.

قال علىعليه‌السلام : فابشروا معاشر علماء شيعتنا بالثواب الاعظم، والجزاء(٤) الاوفر(٥) .

٢٢٠ - وقال محمد بن علىعليهما‌السلام : العالم كمن معه شمعة تضئ للناس، فكل من أبصر بشمعته دعا له بخير، كذلك العالم معه شمعة تزيل ظلمة الجهل والحيرة.

فكل من أضاء‌ت له فخرج بها من حيرة أونجى بها من جهل، فهو من عتقائه من النار، والله يعوضه عن ذلك بكل شعرة لمن أعتقه ما هو أفضل [له] من الصدقة بمائة ألف قنطار على غير الوجه الذي أمر الله عزوجل به، بل تلك الصدقة وبال على صاحبها، لكن يعطيه الله ماهو أفضل من مائة ألف ركعة بين يدي الكعبة(٦) .

____________________

(١) عنه منية المريد: ٣٣، والمحجة البيضاء: ١ / ٣١، والبحار: ٨ / ١٨٠ ضمن ح ١٣٧.

وعنه في البحار: ٢ / ٤ ح ٥ وعن الاحتجاج: ١ ٨.

(٢) " ألف " أ." مائة ألف " ط.

(٣) " يتوسل " س، ط، ق، د.

(٤) " الثراء " ب، س، ط.

(٥) عنه منية المريد: ٣٣، والمحجة البيضاء: ١ / ٣١، والبحار: ٢ / ٤ ح ٦.

(٦) عنه منية المريد: ٣٣، والمحجة البيضاء: ١ / ٣١، وعنه في البحار: ٢ / ٤ ح ٧ وعن الاحتجاج: ١ / ٨.

قال المجلسى(ره): لعلهعليه‌السلام فضل تعليم العلم أولا على الصدقة بهذا المقدار الكثير في غير مصرفه لدفع ما يتوهمه عامة الناس من فضل الظلمة الذين يعطون بالاموال المحرمة العطايا الجزيلة على العلماء الباذلين للعلوم الحقة من يستحقه، ثم استدركعليه‌السلام بأن تلك الصدقة وبال على صاحبها لكونها من الحرام، فلا فضل لها حتى يفضل عليها شئ، ثم ذكرعليه‌السلام فضله في عمل له فضل جزيل ليظهر مقدار فضله ورفعة قدره.

٣٤٢

٢٢١ - وقال جعفر بن محمدعليهما‌السلام : [علماء] شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا، وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته النواصب.

ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر(١) ألف ألف مرة، لانه يدفع عن أديان محبينا، وذلك يدفع عن أبدانهم(٢) .

٢٢٢ - وقال موسى بن جعفرعليهما‌السلام : فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا المنقطعين عنا وعن(٣) مشاهدتنا بتعليم ماهو محتاج إليه، أشد على إبليس من ألف عابد.

لان العابد همه ذات نفسه فقط، وهذا همه مع ذات نفسه ذات عباد الله وإمائه لينقذهم من يد إبليس ومردته.

ولذلك هو أفضل عند الله من(٤) ألف ألف عابد(٥) .

____________________

(١) الخزر: جيل خزر العيون.وفى حديث حذيفة " كأنى بهم خنس الانوف، خزر العيون " والخزرة: انقلاب الحدقة نحو اللحاظ.

لسان العرب: ٤ / ٢٣٦ لزيادة الاطلاع عليها راجع معجم البلدان: ٢ / ٣٦٧ ففيه تفصيل ذلك.

(٢) عنه منية المريد: ٣٤، والمحجة البيضاء: ١ / ٣١، وعنه في البحار: ٢ / ٥ ح ٨ وعن الاحتجاج: ١ / ٨.

(٣) " من " أ.

(٤) " من ألف عابد و " س، ص، ق، ومنية المريد.وفى المحجة والاحتجاج بلفظ: من ألف ألف عابد وألف ألف عابدة.

(٥) عنه منية المريد: ٣٤.والمحجة البيضاء: ١ / ٣١، وعنه في البحار: ٢ / ٥ ح ٩ وعن الاحتجاج: ١ / ٨.

(*)

٣٤٣

٢٢٣ - وقال على بن موسى الرضاعليهما‌السلام : يقال للعابد يوم القيامة: نعم الرجل كنت همتك ذات نفسك، وكفيت الناس مؤنتك، فادخل الجنة.

ألا إن الفقيه من أفاض على الناس خيره، وأنقذهم من أعدائهم، ووفر عليهم نعم جنان الله، وحصل لهم رضوان الله تعالى.

ويقال للفقيه: يا أيها الكافل لايتام آل محمد، الهادي لضعفاء محبيه ومواليه قف حتى تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلم منك.

فيقف، فيدخل الجنة ومعه فئاما وفئاما(١) - حتى قال عشرا - وهم الذين أخذوا عنه علومه، وأخذوا عمن أخذ عنه إلى يوم القيامة، فانظروا كم فرق(٢) ما بين المنزلتين؟ !(٣) .

٢٢٤ - وقال محمد بن علىعليهما‌السلام : إن من تكفل بأيتام آل محمد المنقطعين عن إمامهم، المتحيرين في جهلهم، الاسراء في أيدي شياطينهم، وفى أيدي النواصب من أعدائنا، فاستنقذهم منهم، وأخرجهم من حيرتهم، وقهر الشياطين برد وساوسهم وقهر الناصبين بحجج ربهم، ودليل أئمتهم، ليفضلون عند الله تعالى على العابد بأفضل المواقع بأكثر من فضل السماء على الارض، والعرش والكرسي والحجب [على السماء] وفضلهم على هذا العابد(٤) كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء(٥) .

٢٢٥ - وقال على بن محمدعليهما‌السلام : لو لا من يبقى بعد غيبة قائمكم(٦) عليه الصلاة

____________________

(١) الفئام - بكسر الفاء -: الجماعة من الناس.وفسر في خطبة أمير المؤمنينعليه‌السلام في يوم الغدير بمائة ألف.

(٢) " صرف " أ، ص، ق والاحتجاج.الصرف: الفضل.

(٣) عنه منية لمريد: ٣٤، والمحجة البيضاء: ١ / ٣٢، وعوالى اللئالى: ١ / ٩١.

والبحار: ٧ / ٢٢٥ ضن ح ١٤٣، وعنه في البحار: ٢ / ٥ ح ١٠ وعن الاحتجاج: ١ / ٩.

(٤) " العباد " الاحتجاج.

(٥) عنه منية المريد: ٣٤، والمحجة البيضاء: ١ / ٣٢، وعنه في البحار: ٢ / ٦ ح ١١ وعن الاحتجاج: ١ / ٩.

(٦) " قائمنا " المحجة.

(*)

٣٤٤

والسلام من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها أولئك هم الافضلون عند الله عزوجل(١) .

٢٢٦ - وقال الحسن بن على(٢) عليهما‌السلام : يأتي علماء شيعتنا، القوامون لضعفاء محبينا وأهل ولايتنا يوم القيامة، والانوار تسطع من تيجانهم، على رأس كل واحد منهم تاج بهاء، قد انبثت تلك الانوار في عرصات القيامة ودورها مسيرة ثلاثمائة ألف سنة.

فشعاع تيجانهم ينبث فيها كلها، فلا يبقى هناك يتيم قد كفلوه، ومن ظلمة الجهل أنقذوه(٣) ومن حيرة التيه أخرجوه، إلا تعلق بشعبة من أنوارهم، فرفعتهم إلى العلو حتى يحاذي بهم فوق الجنان.

ثم تنزلهم(٤) على منازلهم السعدة في جوار أستاديهم ومعلميهم، وبحضرة أئمتهم الذين كانوا يدعون إليهم.

ولا يبقى ناصب من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان إلا عميت عيناه وصمت أذناه، وأخرس لسانه، ويحول عليه أشد من لهب النيران، فيحملهم حتى يدفعهم إلى الزبانية، فيدعوهم(٥) إلى سواء الجحيم(٦) .

وأما قوله عزوجل:(والمساكين) فهو من سكن الضر والفقر حركته.

ألا فمن واساهم بحواشي ماله، وسمع الله عليه جنانه، وأناله غفرانه ورضوانه.

____________________

(١) عنه منية المريد: ٣٥، والمحجة البيضاء: ١ / ٣٢، وعنه في البحار: ٢ / ٦ ح ١٢ وعن الاحتجاج: ١ / ٩.

(٢) زاد في البحار " عن أبيهعليهما‌السلام ".

(٣) " قد علموه " أ، ب، ط." علموه " س، ق، د.

(٤) " ينزلونهم " ص، منية المريد، المحجة.

(٥) أى فعوهم يدفعا عنيفا وبجفوة.

(٦) عنه منية المريد: ٣٥، والمحجة البيضاء: ١ / ٣٢، والبحار: ٧ / ٢٢٥ ضمن ح ١٤٣ وعنه في البحار: ٢ / ٦ ح ١٣ وعن الاحتجاج: ١ / ١٠.

(*)

٣٤٥

في أن المسكين الحقيقى مساكين الشيعة الضعفاء في مقابلة أعدائهم

٢٢٧ - قال الامامعليه‌السلام : وإن من محبي محمد [وعلي](١) مساكين، مواساتهم أفضل من مواساة مساكين الفقراء، وهم الذين سكنت(٢) جوارحهم، وضعفت قواهم عن مقاتلة(٣) أعداء الله الذين يعيرونهم بدينهم، ويسفهون أحلامهم، ألا فمن قواهم بفقهه وعلمه(٤) حتى أزال مسكنتهم، ثم سلطهم على الاعداء الظاهرين: النواصب وعلى الاعداء الباطنين: إبليس ومردته، حتى يهزموهم عن دين الله ويذودوهم عن أولياء آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .حول الله تعالى تلك المسكنة إلى شياطينهم، فأعجزهم عن إضلالهم.

قضى الله تعالى بذلك قضاء حقا على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) .

٢٢٨ - وقال على بن أبي طالبعليه‌السلام : من قوى مسكينا في دينه، ضعيفا في معرفته على ناصب مخالف، فأفحمه(٦) لقنه الله تعالى يوم يدلى في قبره أن يقول: الله ربي، ومحمد نبيي، وعلي وليي، والكعبة قبلتي، والقرآن بهجتي وعدتي والمؤمنون إخواني.

فيقول الله: أدليت بالحجة، فوجبت لك أعالي درجات الجنة.فعند ذلك يتحول عليه قبره أنزه رياض الجنة(٧) .

٢٢٩ - وقالت فاطمةعليها‌السلام وقد اختصم إليها امرأتان، فتنازعتا في شئ من أمر

____________________

(١) " وآل محمد " البحار.

(٢) " تنكست " أ.نكس الرجل: ضعف وعجز.

(٣) " مقابلة " ب، س، ص، ط، ق، د.

(٤) " وعلمهم " أ، والبرهان.

(٥) عنه تأويل الايات: ١ / ٧٥ ح ٤٩، والبرهان: ١ / ١٢٢ صدر ح ١٧، وعنه في البحار: ٢ / ٧ ضمن ح ١٣ وعن الاحتجاج: ١ / ١٠.

(٦) أى أسكته بالحجة.

(٧) عنه البحار: ٦ / ٢٢٨ ح ٣١، والبرهان: ١ / ١٢٢ ذ ح ١٧.

وعنه في البحار: ٢ / ٧ ح ١٤ وعن الاحتجاج: ١ / ١٠.

(*)

٣٤٦

الدين: إحديهما معاندة، والاخرى مؤمنة، ففتحت على المؤمنة حجتها، فاستظهرت على المعاندة، ففرحت فرحا شديدا.

فقالت فاطمةعليها‌السلام : إن فرح الملائكة باستظهارك عليها أشد من فرحك، وإن حزن الشيطان ومردته بحزنها عنك أشد من حزنها.

وإن الله عزوجل قال للملائكة: أوجبوا لفاطمة بما فتحت على هذه المسكينة الاسيرة من الجنان ألف ألف ضعف ماكنت أعددت لها واجعلوا هذه سنة في كل من يفتح على أسير مسكين، فيغلب معاندا مثل ألف ألف(١) ماكان له معدا من الجنان(٢) .

٢٣٠ - وقال الحسن بن على [بن أبي طالب]عليهما‌السلام - وقد حمل إليه رجل هدية - فقال له: أيما أحب إليك؟ أن أرد عليك بدلها عشرين ضعفا، عشرين ألف درهم، أو أفتح لك بها بابا من العلم تقهر فلان الناصبي في قريتك، تنقذ به ضعفاء أهل قريتك؟ إن أحسنت الاختيار جمعت لك الامرين، وإن أسأت الاختيار خيرتك لتأخذ أيهما شئت قال يابن رسول الله فثوابي في قهري لذلك الناصب، واستنقاذي لاولئك الضعفاء من يده، قدره عشرون ألف درهم؟ قالعليه‌السلام : بل أكثر من الدنيا عشرين ألف ألف مرة ! فقال: يابن رسول الله فكيف أختار الادون ! بل أختار الافضل: الكلمة التي أقهر بها عدو الله، وأذوده عن أولياء الله.

فقال الحسن بن علىعليهما‌السلام : قد أحسنت الاختيار.وعلمه الكلمة(٣) ، وأعطاه عشرين ألف درهم.

فذهب، فأفحم الرجل، فاتصل خبره بهعليه‌السلام ، فقال له إذ حضره:

____________________

(١) " ضعف " خ ل.

(٢) عنه البحار: ٨ / ١٨٠ ضمن ح ١٣٧، وعنه البحار: ٢ / ٨ ح ١٥ وعن الاحتجاج: ١ / ١١.

(٣) " الحكمة " ط.

(*)

٣٤٧

ياعبدالله ما ربح أحد مثل ربحك، ولا اكتسب أحد من الاوداء(١) ما اكتسبت: اكتسبت: مودة الله أولا، ومودة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلىعليه‌السلام ثانيا، ومودة الطيبين من آلهما ثالثا، ومودة ملائكة الله [المقربين] رابعا، ومودة إخوانك المؤمنين خامسا واكتسبت بعدد كل مؤمن وكافر ما هو أفضل من الدنيا [وما فيها ألف] ألف مرة فهنيئا [لك] هنيئا(٢) .

٢٣١ - وقال الحسين بن علىعليهما‌السلام لرجل: أيهما أحب إليك؟ رجل يروم قتل مسكين قد ضعف، تنقذه من يده؟ أو ناصب يريد إضلال مسكين [مؤمن] من ضعفاء شيعتنا تفتح عليه ما يمتنع [المسكين] به منه ويفحمه ويكسره بحجج الله تعالى؟ قال: بل إنقاذ هذا المسكين المؤمن من يد هذا الناصب.

إن الله تعالى يقول:(ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)(٣) [أي] ومن أحياها وأرشدها من كفر إلى إيمان، فكأنما أحيا الناس جميعا من قبل(٤) أن يقتلهم بسيوف الحديد(٥) .

٢٣٢ - وقال على بن الحسينعليها‌السلام لرجل: أيما أحب إليك: صديق كلما رآك أعطاك بدرة دنانير، أو صديق كلما رآك بصرك بمصيدة من مصائد الشياطين، وعرفك ما تبطل به كيدهم، وتخرق [به] شبكتهم، وتقطع حبائلهم؟ قال: بل صديق كلما رآني علمني كيف أخزي الشيطان عن نفسي وأدفع عني بلاء‌ه(٦) .

قالعليه‌السلام : فأيهما أحب إليك: استنقاذك أسيرا مسكينا من أيدي الكافرين، أو استنقاذك أسيرا مسكينا من أيدي الناصبين؟ قال: يابن رسول الله، سل الله أن يوفقني

____________________

(١) " الاوتاد " أ، الاوداء: جمع: وديد وهو المحب.

(٢) عنه البحار: ٢ / ٨ ح ١٦، عن الاحتجاج: ١ / ١١.

(٣) المائدة: ٣٢.

(٤) بكسر القاف وفتح الباء: أى من جهة قتلهم بالسيوف، ويحتمل فتح القاف وسكون الباء.قاله المجلسى(ره).

(٥) عنه البحار: ٢ / ٩ ح ١٧.

(٦) " بلابله " أ.بلبلة الصدر: وساوسه.

(*)

٣٤٨

للصواب في الجواب.

قالعليه‌السلام : اللهم وفقه.

قال: بل استنقاذي المسكين الاسير من يد الناصب، فانه توفير الجنة عليه، وإنقاذه من النار، وذلك توفير الروح عليه في الدنيا، ودفع الظلم عنه فيها، والله يعوض هذا المظلوم بأضعاف مالحقه من الظلم، وينتقم من الظالم بما هو عادل بحكمه.

قالعليه‌السلام : وفقت لله أبوك ! أخذته من جوف صدري لم تجزم(١) مما قاله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حرفا واحدا(٢) .

٢٣٣ - وسئل الباقر محمد بن علىعليهما‌السلام : إنقاذ الاسير المؤمن من محبينا من يد الناصب يريد أن يضله بفضل لسانه وبيانه أفضل، أم إنقاذ الاسير من أيدي [أهل] الروم؟ قال الباقرعليه‌السلام للرجل: أخبرني أنت عمن رأى رجلا من خيار المؤمنين يغرق وعصفورة تغرق لا يقدر على تخليصهما بأيهما اشتغل فاته الآخر؟ أيهما أفضل أن يخلصه؟ قال: الرجل من خيار المؤمنين.

قالعليه‌السلام : فبعد ما سألت في الفضل أكثر من بعد ما بين هذين، إن ذاك يوفر عليه دينه وجنان ربه، وينقذه من النيران، وهذا المظلوم إلى الجنان يصير(٣) .

٢٣٤ - وقال جعفر بن محمدعليهما‌السلام : من كان همه في كسر النواصب عن المساكين الموالين لنا أهل البيت يكسرهم عنهم، ويكشف عن مخازيهم(٤) ويبين عوراتهم(٥) ويفخم أمر محمد وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، جعل الله همة(٦) أملاك الجنان في بناء قصوره ودوره، يستعمل بكل حرف من

____________________

(١) " تخرم " ص، والبحار.وكلاهما بمعنى، أى لم تقطع، أو تنقص.

(٢) عنه البحار: ٢ / ٩ ح ١٨.

(٣) عنه البحار المتقدم.

(٤) " مجاريهم " أ.

(٥) " عوارهم " ب، ط، ق، د، والاحتجاج.

العورة: كل مكمن للسر، والعوار: العيوب.

(٦) " جمة " أ.الجمة - بفتح الجيم وضمها وتشديد الميم - معظم الشئ أو الكثير منه.

(*)

٣٤٩

حروف حججه على أعداء الله أكثر من [عدد] أهل الدنيا أملاكا، قوة كل واحد تفضل عن حمل السماوات والارضين، فكم من بناء، وكم من [نعمة، وكم من] قصور لا يعرف قدرها إلا رب العالمين؟(١) .

٢٣٥ - وقال موسى بن جعفرعليهما‌السلام : من أعان محبا لنا على عدولنا، فقواه وشجعه حتى يخرج الحق الدال على فضلنا بأحسن صورته، ويخرج الباطل - الذي يروم به أعداؤنا دفع حقنا - في أقبح صورة، حتى يتنبه الغافلون، ويستبصر المتعلمون ويزداد في بصائرهم العاملون(٢) بعثه الله تعالى يوم القيامة في أعلى منازل الجنان، ويقول: يا عبدي الكاسر لاعدائي، الناصر لاوليائي، المصرح بتفضيل محمد خير أنبيائي وبتشريف علي أفضل أوليائي، وتناوي(٣) إلى من ناواهما، وتسمى بأسمائهما وأسماء خلفائهما وتلقب بألقابهما، فيقول ذلك، ويبلغ الله جميع أهل العرصات.فلا يبقى ملك ولاجبار ولا شيطان إلا صلى على هذا الكاسر لاعداء محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ولعن الذين كانوا يناصبونه في الدنيا من النواصب لمحمد وعليعليهما‌السلام (٤) .

٢٣٦ - وقال على بن موسى الرضاعليهما‌السلام : أفضل ما يقدمه العالم من محبينا وموالينا أمامه ليوم فقره وفاقته، وذله ومسكنته، أن يغيث في الدنيا مسكينا من محبينا من يد ناصب عدو لله ولرسوله، يقوم من قبره والملائكة صفوف من شفير قبره إلى موضع محله من جنان الله فيحملونه على أجنحتهم، يقولون: مرحبا طوباك طوباك يا دافع الكلاب عن الابرار، ويا أيها المتعصب للائمة الاخيار(٥) .

____________________

(١) عنه البحار: ٨ / ١٨٠ ضمن ح ١٣٧، وعنه في البحار: ٢ / ١٠ ح ١٩، وعن الاحتجاج: ١ / ١٢.

(٢) " العالمون " خ ل، والبحار.

(٣) " ينادى " أ، والبحار: ٢، وكذا بعدها أى بصيغة المفرد الغائب.

وناواه: عاداه.

(٤) عنه البحار: ٢ / ١٠ ح ٢٠، وج ٧ / ٢٢٦ ضمن ح ١٤٣.

(٥) عنه البحار: ٧ / ٢٢٦ ضمن ح ١٤٣، وعنه في البحار: ٢ / ١١ ح ٢١، وعن الاحتجاج: ١ / ١٢.

(*)

٣٥٠

٢٣٧ - وقال محمد بن علىعليهما‌السلام : إن حجج الله على دينه أعظم سلطانا يسلط الله بها على عباده، فمن وفر منها حظه فلا يرين أن من منعه ذلك [قد فضله عليه، ولو جعله في الذروة العليا من الشرف والمال والجمال، فانه إن رأى ذلك] كان قد حقر عظيم نعم الله لديه.

وإن عدوا من أعدائنا(١) النواصب يدفعه بما تعلمه(٢) من علومنا أهل البيت لافضل له من كل مال لمن فضل عليه، ولو تصدق بألف ضعفه(٣) .

٢٣٨ - واتصل بأبى الحسن على بن محمد العسكرىعليهما‌السلام (٤) أن رجلا من فقهاء شيعته كلم بعض النصاب فأفحمه بحجته حتى أبان عن فضيحته، فدخل على علي بن محمدعليهما‌السلام وفي صدر مجلسه دست(٥) عظيم منصوب، وهو قاعد خارج الدست، وبحضرته خلق [كثير] من العلويين وبني هاشم، فما زال يرفعه حتى أجلسه في ذلك الدست، وأقبل عليه فاشتد ذلك على أولئك الاشراف: فأما العلوية فأجلوه عن العتاب، وأما الهاشميون فقال له شيخهم: يابن رسول الله هكذا تؤثر عاميا على سادات بني هاشم من الطالبيين والعباسيين؟ فقالعليه‌السلام : إياكم وأن تكونوا من الذين قال الله تعالى فيهم:(ألم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون)(٦) أترضون بكتاب الله عزوجل حكما؟ قالوا: بلى.

قال: أليس الله تعالى يقول:(يا أيها الذين ء‌امنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين ء‌امنوا

____________________

(١) " أعداء الله " أ.

(٢) " يعلمه " أ.

(٣) عنه البحار: ٢ / ١١ ح ٢٢.

(٤) " وقال على بن محمدعليهما‌السلام واتصل به " الاصل، وما في المتن من ق، د، والاحتجاج.

(٥) وهى كلمة فارسية بمعنى: ما يستند عليه الملك.

(٦) آل عمران: ٢٣.

(*)

٣٥١

منكم والذين اوتوا العلم درجات)(١) ، فلم يرض للعالم المؤمن إلا أن يرفع على المؤمن غير العالم، كما لم يرض للمؤمن إلا أن يرفع على من ليس بمؤمن، أخبروني عنه؟ أقال: يرفع الله الذي اوتوا العلم درجات؟ أو قال: يرفع الله الذين اوتوا شرف النسب درجات؟ أو ليس قال الله:(قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)(٢) فكيف تنكرون رفعي لهذا لما(٣) رفعه الله؟ إن كسر هذا لفلان الناصب بحجج الله التي علمه إياها لافضل له من كل شرف في النسب.

فقال العباسي: يا بن رسول الله قد شرفت علينا من هو ذو نسب يقصر بنا، ومن ليس له نسب كنسبنا، ومازال منذ أول الاسلام يقدم الافضل في الشرف على من دونه.

فقالعليه‌السلام : سبحان الله أليس العباس بايع لابى بكر وهو تيمي والعباس هاشمي؟ أو ليس عبدالله بن العباس كان يخدم عمر بن الخطاب، وهو هاشمي وأبوالخلفاء وعمر عدوي؟ وما بال عمر أدخل البعداء من قريش في الشورى ولم يدخل العباس؟ فان كان رفعنا لمن ليس بهاشمي على هاشمي منكرا فأنكروا على العباس بيعته(٤) لابي بكر وعلى عبدالله بن العباس خدمته لعمر بعد بيعته له، فان(٥) كان ذلك جائزا فهذا جائز.فكأنما القم هذا الهاشمي حجرا(٦) .

٢٣٩ - واجتمع قوم من الموالين والمحبين لآل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحضرة الحسن بن عليعليهما‌السلام ، فقالوا: يابن رسول الله إن لنا جارا من النصاب يؤذينا

____________________

(١) المجادلة: ١١.

(٢) الزمر: ٩.

(٣) " كما " ب، ط.

(٤) " بيعته مع قرابته " س.

(٥) في قوله: " فان " اشارة إلى جداله مع العباسى بالاحسن، فلا يخفى لطفه.

(٦) عنه البحار: ٢ / ١٣ ح ٢٥، وعن الاحتجاج: ٢ / ٢٥٩.

وأخرجه في البرهان: ٤ / ٣٠٥ ح ١ وفى حلية الابرار: ٢ / ٤٥٤ عن الاحتجاج.

(*)

٣٥٢

ويحتج علينا في تفضيل الاول والثاني والثالث على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ويورد علينا حججا لا ندري كيف الجواب عنها والخروج منها؟ فقال الحسنعليه‌السلام : أنا أبعث إليكم من يفحمه عنكم، ويصغر شأنه لديكم.

فدعا برجل من تلامذته وقال: مر بهؤلاء إذا كانوا مجتمعين يتكلمون فتسمع إليهم، فيستدعون منك الكلام فتكلم، وأفحم صاحبهم، واكسر عزته(١) وفل(٢) حده ولا تبق له باقية.

فذهب الرجل، وحضر الموضع وحضروا، وكلم الرجل فأفحمه، وصيره لا يدري في السماء هو، أو في الارض؟ [قالوا:] ووقع علينا من الفرح والسرور مالا يعلمه إلا الله تعالى، وعلى الرجل والمتعصبين له من الحزن والغم مثل ما لحقنا من السرور.

فلما رجعنا إلى الامام قال لنا: إن الذي في السماوات من الفرح والطرب بكسر هذا العدو لله كان أكثر مما كان بحضرتكم، والذي كان بحضرة إبليس وعتاة مردته - من الشياطين - من الحزن والغم أشد مما كان بحضرتهم.

ولقد صلى على هذا [العبد] الكاسر له ملائكة السماء والحجب والكرسي، وقابلها الله بالاجابة، فأكرم إيابه، وعظم ثوابه.ولقد لعنت تلك الاملاك عدو الله المكسور، وقابلها الله بالاجابة فشدد حسابه وأطال عذابه(٢) .

قوله عزوجل: " وقولوا للناس حسنا ".

٢٤٠ - قال الصادق(٤) عليه‌السلام :(وقولوا للناس) كلهم(حسنا) مؤمنهم ومخالفهم:

____________________

(١) " غربه " س، ص، ق، د، والاحتجاج." غرته " البحار.

الغرب: الحدة والمراد: كسر شوكته وبأسه.

(٢) أى كسر.

(٣) عنه البحار: ٢ / ١١ ح ٢٣، وعن الاحتجاج: ١ / ١٢.

(٤) " الامام " البحار: ٧١.

(*)

٣٥٣

أما المؤمنون فيبسط لهم وجهه وبشره.

وأما المخالفون فيكلمهم بالمداراة لاجتذابهم(١) إلى الايمان، فان ييأس(٢) من ذلك يكف شرورهم عن نفسه، وعن إخوانه المؤمنين(٣) .

في مداراة النواصب

٢٤١ - قال الامامعليه‌السلام : إن مداراة أعداء الله من أفضل صدقة المرء على نفسه وإخوانه.

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في منزله إذ أستأذن عليه عبدالله بن ابي بن سلول، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بئس أخو العشيرة، ائذنوا له.فأذنوا له.

فلما دخل أجلسه وبشر في وجهه، فلما خرج قالت له عايشة: يا رسول الله قلت فيه ما قلت، وفعلت به من البشر ما فعلت ! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عويش يا حميراء، إن شر الناس عند الله يوم القيامة من يكرم اتقاء شره(٤) .

٢٤٢ - وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إنا لنبشر(٥) في وجوه قوم، وإن قلوبنا لتقليهم(٦) أولئك أعداء الله نتقيهم على إخواننا، لا على أنفسنا(٧) .

٢٤٣ - وقالت فاطمةعليها‌السلام : البشر في وجه المؤمن يوجب لصاحبه الجنة، والبشر في وجه المعاند المعادي يقي صاحبه عذاب النار(٨) .

____________________

(١) " لاحتدائهم " أ.حدئ عليه واليه حدأ: حدب عليه، وعطف عليه.

(٢) " استتر " أ، والبرهان.واستظهرها في " أ " يئس." بأيسر " البحار: ٧٥.

(٣) عنه البحار: ٧١ / ٣٠٩ وج ٧٥ / ٤٠١ صدر ح ٤٢، والبرهان: ١ / ١٢٢ ح ١٨، ومستدرك الوسائل: ٢ / ٣٧٥ ح ١.

(٤) عنه البحار: ٧٥ / ٤٠١ ضمن ح ٤٢، ومستدرك الوسائل: ٢ / ٣٧٥ ح ٢.

(٥) " لنشكر " ب، ط." لتكشر " ق، د.

(٦) أى لتبغضهم." لتلعنهم " خ ل، والمستدرك.

(٧) و(٨) عنه البحار: المتقدم ومستدرك الوسائل المذكور ح ٣.

(*)

٣٥٤

٢٤٤ - وقال الحسن بن علىعليهما‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الانبياء إنما فضلهم الله تعالى على خلقه أجمعين لشدة مداراتهم لاعداء دين الله، وحسن تقيتهم لاجل إخوانهم في الله(١) .

٢٤٥ - قال الزهرى: كان على بن الحسينعليهما‌السلام : ما عرفت له صديقا في السر ولا عدوا في العلانية، لانه لا أحد يعرفه بفضائله الباهرة إلا ولا يجد بدا من تعظيمه من شدة مداراته وحسن معاشرته إياه، وأخذه من التقية بأحسنها وأجملها.

ولا أحد - وإن كان يريه المودة في الظاهر - إلا وهو يحسده في الباطن لتضاعف فضائله على فضائل الخلق(٢) .

٢٤٦ - وقال محمد بن على الباقرعليهما‌السلام : من أطاب الكلام مع موافقيه ليؤنسهم وبسط وجهه لمخالفيه ليأمنهم على نفسه وإخوانه، فقد حوى من الخير والدرجات العاليه عند الله مالا يقادر قدره غيره(٣) .

٢٤٧ - وقال بعض المخالفين(٤) بحضرة الصادقعليه‌السلام لرجل من الشيعة: ما تقول في العشرة من الصحابة؟ قال: أقول فيهم الخير الجميل(٥) الذي يحط الله به سيئاتي ويرفع به درجاتي.

قال السائل: الحمد لله على ما(٦) أنقذني من بغضك كنت أظنك رافضيا تبغض الصحابة.

فقال الرجل: ألا من أبغض واحدا من الصحابة، فعليه لعنة الله.

قال: لعلك تتأول ما تقول؟(قل: فمن)(٧) أبغض العشرة من الصحابة.

____________________

(١) و (٢) و(٣) عنه البحار المتقدم، ومستدرك الوسائل: ٢ / ٣٧٥ ح ٣، ٤، ٥.

(٤) " المنافقين " أ.

(٥) " الحسن " خ ل.

(٦) " الذى " أ.

(٧) " فيمن " ب، س، والبحار.

(*)

٣٥٥

فقال: من أبغض العشرة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

فوثب الرجل فقبل رأسه، وقال: اجعلني في حل مما قذفتك(١) به من الرفض قبل اليوم.

قال: [اليوم] أنت في حل وأنت أخي.ثم انصرف السائل.

فقال له الصادقعليه‌السلام : جودت ! لله درك(٢) ، لقد عجبت الملائكة في السماوات من حسن توريتك، وتلطف(٣) بما خلصك، ولم تثلم دينك، وزاد الله في مخالفينا غما إلى غم، وحجب عنهم مراد منتحلي مودتنا في تقيتهم.

فقال بعض أصحاب الصادقعليه‌السلام : يابن رسول الله ما عقلنا من كلام هذا إلا موافقة صاحبنا لهذا المتعنت الناصب؟ فقال الصادقعليه‌السلام : لئن كنتم لم تفهموا(٤) ما عنى فقد فهمناه نحن، وقد شكر الله له.

إن ولينا الموالي لاوليائنا المعادي لاعدائنا إذا ابتلاه الله بمن يمتحنه من مخالفيه وفقه لجواب يسلم معه دينه وعرضه، ويعظم الله بالتقية ثوابه(٥) إن صاحبكم هذا قال: من عاب(٦) واحدا منهم فعليه لعنة الله، أي من عاب واحدا منهم هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وقال في الثانية: من عابهم أو شتمهم(٧) فعليه لعنة الله.

وقد صدق لان من عابهم فقد عابعليه‌السلام ، لانه أحدهم، فاذا لم يعب علياعليه‌السلام ولم يذمه فلم يعبهم، وإنما(٨) عاب بعضهم.

[ولقد كان لحزقيل(٩) المؤمن مع قوم فرعون الذين وشوا به إلى فرعون مثل هذه

____________________

(١) " قدمتك " أ، ب." قرفتك " ط.

قذف الرجل: رماه واتهمه بريبة، وقرف فلانا بكذا: اتهمه به.

(٢) أى لله ما خرج منك من خير.وفى " أ " لله ودك.

(٣) " تلفظك " البحار: ٧١، والبرهان.

(٤) " تفقهوا " أ.

(٥) " ويعصمه الله بالتقية " البرهان.

(٦) " أبغض " ط.وكذا بعدها.

(٧) " سبهم " ب، س، ط.

(٨) " واذا عاب " أ، والمستدرك.

(٩) " لخربيل " س، ص، والبحار: ٧٥ وقصص الراوندى وكذا ما يأتى.

(*)

٣٥٦

التورية، كان حزقيل يدعوهم إلى توحيد الله ونبوة موسى وتفضيل محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على جميع رسل الله وخلقه، وتفضيل علي بن أبي طالبعليه‌السلام والخيار من الائمة على سائر أوصياء النبيين وإلى البراء‌ة من ربوبية فرعون.

فوشى بن الواشون إلى فرعون، وقالوا: إن حزقيل يدعو إلى مخالفتك، ويعين أعداء‌ك على مضادتك.

فقال لهم فرعون: إنه ابن عمي وخليفتي على ملكي(١) وولي عهدي، إن فعل ما قلتم، فقد استحق أشد العذاب على كفره لنعمتي، وإن كنتم عليه كاذبين، فقد استحققتم أشد العذاب(٢) لايثاركم الدخول في مساء‌ته(٣) .

فجاء بحزقيل، وجاء بهم، فكاشفوه، وقالوا: أنت تجحد(٤) ربوبية فرعون الملك وتكفر نعماء‌ه؟ فقال حزقيل: أيها الملك هل جربت علي كذبا قط؟ قال: لا.

قال: فسلهم من ربهم؟ قالوا: فرعون [هذا].

قال لهم: ومن خالقكم؟ قالوا: فرعون هذا.

قال لهم: ومن رازقكم، الكافل لمعايشكم، والدافع عنكم مكارهكم؟ قالوا: فرعون هذا.

قال حزقيل: أيها الملك فاشهدك، و [كل] من حضرك: أن ربهم هو ربي وخالقهم هو خالقي، ورازقهم هو رازقي، ومصلح معايشهم هو مصلح معايشي، لا رب لي ولا خالق ولا رازق غير ربهم وخالقهم ورازقهم.

واشهدك ومن حضرك أن كل رب وخالق ورازق سوى ربهم وخالقهم ورازقهم فأنا برئ منه ومن ربوبيته، وكافر بالهيته.

يقول حزقيل هذا، وهو يعني إن ربهم هو الله ربي " وهو لم يقل: إن الذي قالوا: هو(٥) أنه ربهم هو ربي وخفي هذا المعنى على فرعون ومن حضره وتوهموا أنه يقول: فرعون ربي وخالقي ورازقي.

____________________

(١) " مملكتى " البرهان.

(٢) " العقاب " ب، س، والبحار.

(٣) " مكانه " البحار: ١٣.

(٤) " تكفر " البحار: ٧٥.

(٥) " هم " أ، ق، د.

(*)

٣٥٧

فقال لهم: يا رجال السوء ويا طلاب الفساد في ملكي، ومريدي الفتنة بيني وبين ابن عمي، وهو عضدي، أنتم المستحقون لعذابي لارادتكم فساد أمري وهلاك ابن عمي، والفت(١) في عضدي.

ثم أمر بالاوتاد، فجعل في ساق كل واحد منهم وتد، وفي صدره وتد، وأمر أصحاب أمشاط الحديد، فشقوا بها لحومهم من أبدانهم.

فذلك ما قال الله تعالى:(فوقيه الله) يعني حزقيل(٢) (سيئات ما مكروا) [به

____________________

(١) فت في عضده: أى كسر قوته، وفرق عنه أعوانه.

(٢) روى الراوندى قى قصص الانبياء(مخطوط)، عنه البحار: ١٣ / ١٦٢ ح ٦، قال: حزبيل هو مؤمن آل فرعون أرسل فرعون رجلين في طلبه فانطلقا في طلبه..فلما رآهما أوجس في نفسه خيفة وقال..أسألك يا الهى ان كان هذان الرجلان يريدان بى سوء‌ا فسلط عليهما فرعون، وعجل ذلك، وان هما أرادانى بخير فاهدهما.

فلما دخل حزبيل، قال فرعون، للرجلين: من ربكما؟ قالا: أنت.

فقال لحزبيل: ومن ربك؟ قال: ربى ربهما..فظن فرعون أنه يعنيه، فوقاه الله سيئات ما مكروا، وحاق بآل فرعون سوء العذاب، وسر فرعون.

أقول: يجوز عند الجمع بين هذه الرواية وغيرها(انظر تخريجات الحديث) القول بأنه لم يقتل في هذه المرحلة - أى في بدء الوشاية - بل كان يحاجهم ويقول كما قال تعالى " يا قوم مالى أدعوكم إلى النجاة وتدعوننى إلى النار، تدعوننى لاكفر بالله واشرك به ماليس لى به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار - إلى أن قال تعالى - انا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد " غافر: ٤١ - ٥١.

فالقتل أولا كان من نصيب اولئك الساعين به، وانما قتل في مرحلة اخرى عند ما حان أجله، فقد روى الكلينى في الكافى: ٢ / ٢١٥ ح ١ عن الصادقعليه‌السلام أنه قال في قوله تعالى " فوقاه الله.

" والله لقد سطوا عليه وقتلوه، ولكن أتدرون ما وقاه؟ وقاه أن يفتنوه في دينه.

وروى القمى في تفسيره: ٥٨٦ عنهعليه‌السلام أنه قال " والله لقد قطعوه اربا، ولكن وقاه الله أن يفتنوه في دينه ".

فمن المحتمل أنه قد وشى به أكثر من مرة، للتأثير عليه حتى يشرك ويكفر بالله، لكنه في كل مرة كان ينجو بدينه ونفسه - بوقاية الله ونصرته - حتى حان حينه، فقطعوه اربا دون أن يفتنوه عن دينه.

٣٥٨

لما وشوا به إلى فرعون ليهلكوه](وحاق بآل فرعون) [حل بهم](سوء العذاب)(١) وهم الذين وشوا بحزقيل إليه لما أوتد فيهم الاوتاد ومشط عن أبدانهم لحومها بالامشاط(٢) .

٢٤٨ - وقال رجل لموسى بن جعفرعليها‌السلام من خواص الشيعة - وهو يرتعد بعد ما خلا به-: يا بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما أخوفني أن يكون فلان بن فلان ينافقك في إظهاره اعتقاد وصيتك وإمامتك؟ ! فقال موسىعليه‌السلام : وكيف ذاك؟ قال: لاني حضرت معه اليوم في مجلس فلان - رجل من كبار أهل بغداد - فقال له صاحب المجلس: أنت تزعم أن موسى بن جعفرعليه‌السلام إمام دون هذا الخليفة القاعد على سريره؟ فقال له صاحبك هذا: ما أقول هذا، بل أزعم أن موسى بن جعفرعليه‌السلام غير إمام وإن لم أكن أعتقد أنه غير إمام، فعلي وعلى من لم يعتقد ذلك لعنة الله، والملائكة والناس أجمعين.

فقال له صاحب المجلس: جزاك الله خيرا، ولعن [الله] من وشى بك.

قال له موسى بن جعفرعليه‌السلام : ليس كما ظننت، ولكن صاحبك أفقه منك، إنما قال: إن موسى غير إمام، أي إن الذي هو غير(٣) إمام فموسى غيره، فهو إذا إمام فانما أثبت بقوله هذا إمامتي، ونفى إمامة غيري.

____________________

(١) غافر: ٤٥.

(٢) عنه البحار: ٧٥ / ٤٠٢ ضمن ح ٤٢، والبرهان: ٤ / ٩٨ ح ٣، ومستدرك الوسائل: ٢ / ٣٧٥ ح ٦، وعنه في البحار: ١٣ / ١٦٠ ح ١، وعن الاحتجاج: / ١٣١ باسناده عن العسكرىعليه‌السلام ، وأخرجه في البحار: ٧١ / ١١ ح ٢٢ عن الاحتجاج.

(٣) " عندك " البحار: ٧٥، والمستدرك.

(*)

٣٥٩

يا عبدالله متى يزول عنك هذا الذي ظننته بأخيك هذا من النفاق: تب إلى الله.ففهم الرجل ما قاله، واغتم وقال: يابن رسول الله مالي مال فارضيه به، ولكن قد وهبت له شطر عملي كله من تعبدي، ومن صلاتي عليكم أهل البيت، ومن لعنتي لاعدائكم.

قال موسى بن جعفرعليه‌السلام : الآن خرجت من النار(١) .

٢٤٩ - وقال(٢)

____________________

(١) عنه البحار: ٧٥ / ٤٠٣ ضن ح ٤٢، والمستدرك: ٢ / ٣٧٦ ح ٧، وأخرجه في البحار: ٧١ / ١٤ ح ٢٨ عن الاحتجاج: ٢ / ١٦٩ باسناده عن العسكرىعليه‌السلام .

(٢) أقول: انظر من أول البحث إلى آخره حول مداراة النواصب، تجد:

أ - قال الامامعليه‌السلام : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ب - وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام ..

ج - وقالت فاطمةعليها‌السلام ..

د - وقال الحسن بن علىعليهما‌السلام ..

ه‍ - قال الزهرى: كان على بن الحسين..

و - وقال بعض المخالفين بحضرة الصادقعليه‌السلام ..فقال الصادقعليه‌السلام ..

ز - وقال رجل لموسى بن جعفرعليهما‌السلام ..قال له موسى بن جعفرعليهما‌السلام ..

ح - وقال(...) عند الرضاعليه‌السلام ..فقال الرضاعليه‌السلام .

ط - قال: وقال رجل لمحمد بن علىعليهما‌السلام .فقال محمد بن علىعليهما‌السلام ...

ى - قال أبويعقوب وعلى - راويا هذا الكتاب بألفاظه أو مضمونه -: حضرنا عند الحسن بن على أبى القائمعليهم‌السلام .فقال له بعض أصحابه..فقال له الحسن بن علىعليهما‌السلام ..ثم أنهعليه‌السلام بعد ماذكر أحاديث النبى والائمةعليهم‌السلام ختم الكلام حول الموضوع بحديث من نفسه.

فالظاهر أن الراوى للكتاب يقول: قالعليه‌السلام - بهذا المضمون -: كان جماعة من الناس عند الرضاعليه‌السلام ، فدخل اليه رجل، فقال له..ويدل على ذلك قوله بعد ذلك: " قال ": وقال رجل لمحمد بن علىعليهما‌السلام ..

(*)

٣٦٠