تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 216660
تحميل: 39681

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216660 / تحميل: 39681
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

منها مقعد الرجل من أهله، ارتعدت فرائصها، وقالت لى: " يا عبدالله إني جارية عذراء فلا تفض خاتم الله إلا بأمر الله عزوجل، فانه إنما حملني على أن امكنك من نفسي الحاجة والشدة " فقمت عنها وتركتها وتركت المائة دينار عليها.

اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء ثوابك، وخوف عقابك، فافرج عنا بحق محمد الافضل الاكرم سيد الاولين والآخرين، الذي شرفته بآله أفضل آل النبيين وأصحابه أكرم أصحاب المرسلين وامته خير الامم أجمعين.

قال: فزال الحجر كله، وتدحرج، وهو ينادي بصوت فصيح بين يعقلونه ويفهمونه: بحسن نياتكم نجوتم، وبمحمد الافضل الاكرم سيد الاولين والآخرين(المخصوص بآل أفضل النبيين، وأكرم أصحاب المرسلين)(١) وبخير امة سعدتم ونلتم أفضل الدرجات(٢) .

قوله عزوجل: " بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباؤ بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين ": ٩٠.

٢٧٢ - قال الامامعليه‌السلام : ذم الله تعالى اليهود، وعاب فعلهم في كفرهم بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال:(بئسما اشتروا به أنفهسم) أي اشتروها بالهدايا والفضول(٣) التي كانت تصل إليهم، وكان الله أمرهم بشرائها من الله بطاعتهم له ليجعل لهم أنفسهم والانتفاع بها

____________________

(١) " وبآله أفضل آل النبيين، وبأكرم أصحابه المؤمنين " ب.

(٢) عنه البحار: ٩٤ / ١٣ ضمن ح ١١.

وأورده السيوطى في الدر المنثور: ٤ / ٢١٢ بلفظ آخر ومن طرق متعددة عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٣) أى فضلات المال الزائدة عن الحاجة، أو ما فضل من الغنيمة فلم ينقسم.

٤٠١

دائما في نعيم الآخرة فلم يشتروها، بل اشتروها بما أنفقوه في عداوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليبقى لهم عزهم في الدنيا، ورياستهم على الجهال، وينالوا المحرمات، وأصابوا الفضولات من السفلة وصرفوهم عن سبيل الرشاد، ووقفوهم على طريق الضلالات.

ثم قال عزوجل:(أن يكفروا بما أنزل الله بغيا) أي بما أنزل على موسىعليه‌السلام من تصديق محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بغيا(أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده).

قال: وإنما كان كفرهم لبغيهم وحسدهم له لما أنزل الله من فضله عليه وهو القرآن الذي أبان فيه نبوته وأظهر به آيته ومعجزته.

ثم قال:(فباؤ بغضب على غضب) يعني رجعوا وعليهم الغضب من الله على غضب في أثر غضب، والغضب الاول حين كذبوا بعيسى بن مريم، والغضب الثاني حين كذبوا بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال: والغضب الاول أن جعلهم قردة خاسئين، ولعنهم على لسان عيسىعليه‌السلام والغضب الثاني حين سلط الله عليهم سيوف محمد وآله وأصحابه وامته حتى ذللهم بها فاما دخلوا في الاسلام طائعين، وإما أدوا الجزية صاغرين داخرين(١)(٢) .

٢٧٣ - وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: من سئل عن علم فكتمه حيث يجب إظهاره، ويزول عنه التقية، جاء يوم القيامة ملجما بلجام من النار(٣) .

٢٧٤ - وقال الامامعليه‌السلام : دخل جابر بن عبدالله الانصاري على أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : يا جابر قوام هذه الدنيا بأربعة: عالم يستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم

____________________

(١) دخر: ذل وصغر.

(٢) عنه البحار: ٩ / ١٨٢ ح ١٠، والبرهان: ١ / ١٢٨ ح ١.

(٣) عنه البحار: ٢ / ٧٢ صدرح ٣٧، ج ٧ / ٢١٧ ح ١٢٠، وعوالم العقل والعلم: ٣٠٣ ح ٢٤، وأورده في تنبيه الخواطر: ٢ / ٧ مرسلا عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤٠٢

وغني جواد بمعروفه، وفقير لا يبيع آخرته بدنيا غيره.

يا جابر من كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه.

فان فعل ما يجب لله عليه عرضها للدوام والبقاء، وإن قصر فيما يجب لله عليه عرضها للزوال والفناء.

وأنشأ يقول شعرا:

ما أحسن الدنيا وإقبالها

إذا أطاع الله من نالها

من لم يواس الناس من فضله

عرض للادبار إقبالها

فاحذر زوال الفضل يا جابر

وأعط من(الدنيا لمن)(١) سالها

فان ذي العرش جزيل العطاء

يضعف بالجنة(٢) أمثالها

ثم قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : فاذا كتم العالم(العلم أهله)(٣) وزها(٤) الجاهل في تعلم ما لا بد منه، وبخل الغني بمعروفه، وباع الفقير دينه بدنيا غيره حل(٥) البلاء وعظم العقاب(٦) .

قوله عزوجل: " واذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما انزل علينا ويكفرون بما وراء‌ه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون انبياء الله من قبل ان كنتم مؤمنين ": ٩١.

٢٧٥ - قال الامامعليه‌السلام :(وإذا قيل) لهؤلاء اليهود الذين تقدم ذكرهم:

____________________

(١) " دنياك من " بقية النسخ.وما أثبتناه من د.

(٢) " بالحبة " ق، د.

(٣) " علمه " أ.

(٤) أى تكبر وفخر.

(٥) " جل " ص، البحار: ٢، والعوالم.

(٦) عنه البحار: ١ / ١٧٨ ح ٥٩، وج ٢ / ٧٢ ذ ح ٣٧(قطعة)، وعوالم العقل والعلم: ٢٠١ ح ٢١، وص ٣٠٣ ذ ح ٢٤ قطعة.

٤٠٣

(آمنوا بما أنزل الله) على محمد من القرآن المشتمل على الحلال والحرام والفرائض والاحكام.

(قالوا نؤمن بما انزل علينا) وهو التوراة(ويكفرون بما وراء‌ه) يعني ما سواه(١) لا يؤمنون به(وهو الحق) والذي يقول هؤلاء اليهود " إنه وراء‌ه " هو الحق ! لانه هو الناسخ للمنسوخ الذي قدمه الله تعالى.

قال الله تعالى:(قل فلم تقتلون) لم(٢) كان يقتل أسلافكم(أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين) بالتوراة، أي(ليس في التوراة الامر)(٣) بقتل الانبياء، فاذا كنتم تقتلون الانبياء، فما آمنتم بما انزل عليكم من التوراة، لان فيها تحريم قتل الانبياء.

وكذلك إذا لم تؤمنوا بمحمد، وبما انزل عليه وهو القرآن - وفيه الامر بالايمان به - فأنتم ما آمنتم بعد بالتوراة(٤) .

٢٧٦ - قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أخبر الله تعالى أن من لا يؤمن بالقرآن، فما آمن بالتوراة، لان الله تعالى أخذ عليهم الايمان بهما، لا يقبل الايمان بأحدهما إلا مع الايمان بالآخر.

فكذلك فرض الله الايمان بولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام كما فرض الايمان بمحمد فمن قال: آمنت بنبوة محمد وكفرت بولاية عليعليه‌السلام فما آمن بنبوة محمد.

إن الله تعالى إذا بعث الخلائق يوم القيامة نادى منادي ربنا نداء تعريف الخلائق

____________________

(١) أى ما سوى التوراة من الكتب المنزلة.

(٢) " أنبياء الله أى فلم كنتم تقتلون، لم " أ.ص والبرهان "...تقبلون ما " ب، س، ط.وما في المتن كما في البحار.

أقول: انما اسند فعل الاسلاف والاباء لهؤلاء الموجودين لانهم مقيمون على مذهبهم وطريقتهم، فكأنهم قد شركوهم في ذلك، أضف اليه أنهم راضون بأفعالهم، والراضى بفعل قوم كالداخل فيه معهم.

(٣) " ليس(ليست / خ ل) التوراة الامرة " أ.

(٤) عنه البحار: ٩ / ١٨٢ ح ١١، والبرهان: ١ / ١٢٩ صدر ح ١.

٤٠٤

في إيمانهم وكفرهم، فقال: " الله أكبر، الله أكبر " ومناد آخر ينادي: " معاشر الخلائق ساعدوه على هذه المقالة ": فأما الدهرية والمعطلة فيخرسون عن ذلك ولا تنطلق(١) ألسنتهم، ويقولها سائر الناس من الخلائق، فيمتاز الدهرية [والمعطلة] من سائر الناس بالخرس.

ثم يقول المنادى: " أشهد أن لا إله إلا الله " فيقول الخلائق كلهم ذلك إلا من كان يشرك بالله تعالى من المجوس والنصارى وعبدة الاوثان فانهم يخرسون فيبينون بذلك من سائر الخلائق.

ثم يقول المنادى: " أشهد أن محمدا رسول الله " فيقولها المسلمون أجمعون ويخرس عنها اليهود والنصارى وسائر المشركين.

في ان علياعليه‌السلام قسيم الجنة والنار

ثم ينادى من آخر(٢) عرصات القيامة: ألا فسوقوهم إلى الجنة [لشهادتهم لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوة](٣) فاذا النداء من قبل الله تعالى: [لا، بل](وقفوهم إنهم مسؤلون)(٤) يقول الملائكة الذين قالوا " سوقوهم إلى الجنة لشهادتهم لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوة ": لماذا يوقفون يا ربنا؟ فاذا النداء من قبل الله تعالى: [قفوهم] إنهم مسؤلون عن ولاية علي بن أبي طالب وآل محمد، يا عبادي وإمائي إني أمرتهم مع الشهادة بمحمد بشهادة اخرى، فان جاء‌وا بها فعظموا ثوابهم، وأكرموا مآبهم(٥) وإن لم يأتوا بها لم تنفعهم الشهادة لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوة ولا لي بالربوبية، فمن جاء بها فهو من الفائزين، ومن لم يأت بها فهو من الهالكين.

____________________

(١) " تنطق " ص، البحار، والبرهان.

(٢) " ينادى مناد آخر من " ص، والبحار.

(٣) من البحار والبرهان.

(٤) الصافات: ٢٤.

(٥) " مأواهم " أ.

٤٠٥

قال: فمنهم من يقول: قد كنت لعلي بن أبي طالب بالولاية شاهدا، ولآل محمد محبا، وهو في ذلك كاذب يظن أن كذبه ينجيه، فيقال له: سوف نستشهد على ذلك عليا.

فتشهد أنت يا أبا الحسن، فتقول: الجنة لاوليائي شاهدة، والنار على أعدائي شاهدة.

فمن كان منهم صادقا خرجت إليه رياح الجنة ونسيمها فاحتملته، فأوردته علالي الجنة وغرفها وأحلته دار المقامة من فضل ربه(١) لا يمسه فيها نصب ولا يمسه فيها لغوب(٢) .

ومن كان منهم كاذبا جاء‌ته(٣) سموم النار وحميمها وظلها الذي هو ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب(٤) فتحمله، فتعرفعه في الهواء، وتورده في نار جهنم.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فلذلك أنت قسيم [الجنة و] النار، تقول لها: هذا لي وهذا لك(٥) .

٢٧٧ - وقال جابر بن عبدالله الانصارى: ولقد حدثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحضره عبدالله ابن صوريا - غلام أعور يهودي تزعم اليهود أنه أعلم يهودي بكتاب الله وعلوم أنبيائه فسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن مسائل كثيرة يعنته(٦) فيها، فأجابه عنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما لم يجد إلى إنكار شئ منه سبيلا.

فقال له: يا محمد من يأتيك بهذه الاخبار عن(٧) الله؟ قال: جبرئيل.

قال: لو كان غيره يأتيك بها لآمنت بك، ولكن جبرئيل عدونا من بين الملائكة فلو كان ميكائيل أو غيره سوى جبرئيل يأتيك بها لامنت بك.

____________________

(١) " ربى " أ.

(٢) اشارة إلى قوله تعالى في سورة فاطر: ٣٥.

(٣) " أصابه " أ.

(٤) اشارة إلى قوله تعالى في سورة المرسلات: ٣٠ و ٣١.

(٥) عنه البحار: ٧ / ١٨٦ ح ٤٦، وص ٢٧٥ ح ٥٠، وج ٨ / ١٦٦ ح ١١٠، وج ٩ / ١٨٣ ذ ح ١١ والبرهان: ١ / ١٢٩ ح ١.

(٦) أى شدد عليه وألزمه ما يصعب اداؤه ويشق تحمله.

(٧) " من عند " ص.

٤٠٦

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ولم اتخذتم جبرئيل عدوا؟ قال: لانه ينزل(١) بالبلاء والشدة على بني إسرائيل.

ودفع(٢) دانيال عن قتل " بخت نصر " حتى قوى أمره، وأهلك بنى إسرائيل.

وكذلك كل بأس وشدة لا ينزلها إلا جبرئيل، وميكائيل يأتينا بالرحمة.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ويحك أجهلت أمر الله تعالى !؟ وما ذنب جبرئيل إن أطاع الله فيما يريده بكم؟ أرأيتم ملك الموت؟ أهو عدوكم وقد وكله الله بقبض أرواح الخلق الذي أنتم منه؟ أرأيتم الآباء والامهات إذا وجروا(٣) الاولاد الادوية الكريهة لمصالحهم، أيجب أن يتخذهم أولادهم أعداء من أجل ذلك؟ لا، ولكنكم بالله جاهلون، وعن حكمته غافلون، أشهد أن جبرئيل وميكائيل بأمر الله عاملان، وله مطيعان، وأنه لا يعادي أحدهما إلا مكن عادى الآخر، وأن من زعم أنه يحب أحدهما ويبغض الآخر فقد كذب.

وكذلك محمد رسول الله وعلي أخوان، كما أن جبرئيل وميكائيل أخوان، فمن أحبهما فهو من أولياء الله، ومن أبغضهما فهو من أعداء الله، ومن أبغض أحدهما وزعم أنه يحب الآخر فقد كذب، وهما منه بريئان، وكذلك من أبغض واحدا مني ومن علي، ثم زعم أنه يحب الآخر فقد كذب، وكلانا منه بريئان، والله تعالى وملائكته وخيار خلقه منه براء(٤) .

قوله عزوجل: " ولقد جاء‌كم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ": ٩٢

____________________

(١) " نزل " البحار.

(٢) يأتى ص ٤٤٨ وبتفصيله ص ٤٥٤.

(٣) الوجور: الدواء الذى يصب في الفم.

(٤) عنه البحار: ٩ / ٢٨٣ ح ١ وعن الاحتجاج: ١ / ٤٦ باسناده عن الحسن العسكرىعليه‌السلام .

٤٠٧

٢٧٨ - قال الامامعليه‌السلام : قال الله عزوجل لليهود الذين تقدم ذكرهم:(ولقد جاء‌كم موسى بالبينات) الدلالات(١) على نبوته، وعلى ما وصفه من فضل محمد وشرفه على الخلائق، وأبان عنه من خلافة علي ووصيته، وأمر خلفائه بعده.

(ثم اتخذتم العجل - إلها - من بعده) بعد انطلاقه إلى الجبل، وخالفتم خليفته الذي نص عليه وتركه عليكم، وهو هارونعليه‌السلام (وأنتم ظالمون) كافرون بما فعلتم من ذلك(٢) .

حديث الحدائق

٢٧٩ - قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وقد مر معه بحديقة حسنة فقال عليعليه‌السلام : ما أحسنها من حديقة ! فقال: يا علي لك في الجنة أحسن منها.

إلى أن مر بسبع حدائق كل ذلك يقول عليعليه‌السلام : ما أحسنها من حديقة ! ويقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لك في الجنة أحسن منها.

ثم بكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بكاء‌ا شديدا، فبكى عليعليه‌السلام لبكائه، ثم قال: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: يا أخي [يا] أبا الحسن ضغائن في صدور قوم يبدونها لك بعدي.

قال علىعليه‌السلام : يا رسول الله في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك.

قال: يا رسول الله إذا سلم ديني فلا يسوء‌ني ذلك.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لذلك جعلك الله لمحمد تاليا، وإلى رضوانه وغفرانه داعيا، وعن أولاد الرشد والغي بحبهم لك وبغضهم [عليك مميزا] منئبا(٣) وللواء

____________________

(١) " الدالات " س، ص، ق، د، البحار، والبرهان.

والمراد: الايات التسع مثل: اليد البيضاء فلق البحر، الطوفان.

(٢) عنه البحار: ٢٢٨ / ٦٦ ح ٢٦، والبرهان: ١ / ١٣٠ ح ١.

(٣) " مثيبا " ق.

" منيبأ " د.

٤٠٨

محمد يوم القيامة حاملا، وللانبياء والرسل والصابرين(١) تحت لوائي إلى جنات النعيم قائدا.

يا علي إن أصحاب موسى اتخذوا بعده عجلا وخالفوا خليفته، وسيتخذ امتي بعدي عجلا، ثم عجلا، ثم عجلا، ويخالفونك، وأنت خليفتي على هؤلاء، يضاهئون اولئك في اتخاذهم العجل.

ألا فمن وافقك وأطاعك فهو معنا في الرفيع الاعلى، ومن اتخذ العجل بعدي وخالفك ولم يتب، فاولئك مع الذين اتخذوا العجل زمان موسى، ولم يتوبوا [فهم] في نار جهنم خالدين مخلدين(٢) .

____________________

(١) " الصائرين " ص، والبحار.

(٢) عنه البحار: ٢٨ / ٦٦ ح ٢٦.

أقول: ان حديث الحدائق هو حديث متواتر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله روته العامة والخاصة بأسانيد متعددة وألفاظ مختلفة، منهم: أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة: ٢ / ٦٥١ ح ١١٠٩.

والحاكم النيشابورى في المستدرك: ٣ / ١٣٩، والخطيب البغدادى في تاريخ بغداد: ١٢ / ٣٩٨، والخوارزمى في مناقبه: ٣٧، وفي مقتل الحسين: ٣٦، وابن الجوزى في تذكرة الخواص: ٤٥، والگنجى في كفاية الطالب: ٢٧٣، والطبرى في الرياض النضرة: ٢١٠، وفى ذخائر العقبى: ٩٠، والحموينى في فرائد السمطين: ١ / ١٥٢ ح ١١٥ والذهبى في ميزان الاعتدال: ٢ / ٣٣١، وفى تلخيص المستدرك(المطبوع بذيل المستدرك: ٣ / ١٣(٩)، والهيثمى في مجمع الزوائد: ٩ / ١١٨، والشافعى في المناقب: ١٦(مخطوط) والشبلنجى في نور الابصار: ٨٨، والهاشمى في أئمة الهدى: ٤٠، والامر تسرى في أرجح المطالب: ٦٦٤، وابن عساكر في تاريخ دمشق: ٢ / ٣٢١ - ٣٢٥ بعدة أسانيد جميعا بالاسانيد عن أبى عثمان النهدى عن علىعليه‌السلام . ورواه أيضا الهيثمى في مجمع الزوائد: ٩ / ١١٨(قال: رواه الطبرانى) والكركى في نفحات اللاهوت: ٨٥، والامر تسرى في أرجح المطالب: ٦٦٤ جميعا بالاسانيد عن ابن عباس.

ورواه المتقى الهندى في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد: ٥ / ٥٣ وفى كنز العمال: ١٥ / ١٤٦ وص ١٥٦ من عدة طرق، والجوهرى في كتاب الزيارات(مخطوط)، والشافعى في المناقب: ١٦(مخطوط) جميعا بالاسانيد عن أنس. والعسقلانى في المطالب العالية: ٤ / ٦٠ من طريق البزار وأبى يعلى عن علىعليه‌السلام وأحمد المصرى في الاعتصام بحبل الاسلام: ١٥٩، والهاشمى الحنفى الهندى في تفريح الاحباب في مناقب الال والاصحاب: ٣٢٣، والنقشبندى في مناقب العشرة: ٢٩ وباكثير الحضرمى في وسيلة المآل: ١٣١(مخطوط) والحيدر آبادى في مناقب على: ٤٦ من طريق الحاكم وأحمد، واللكنهوئى في مرآه المؤمنين: ١١٤ من طريق أبى يعلى. والباغونى في جواهر المطالب: ٣٣، وابن حجر في المطالب العالية: ٤ / ٦٠. وأخرجه ابن شهر اشوب في مناقب آل أبى طالب: ٢ / ١٢١، عن مسند أبى يعلى واعتقاد الاشنهى ومجموع أبى العلاء الهمدانى برواية أنس وأبى برزه وأبى رافع وعن الابانة لابن بطة(رواه من ثلاثة طرق).

أخرجه عن بعض المصادر أعلاه في احقاق الحق: ٦ / ١٨٠ - ١٨١ وج ١٦ / ٥٢٥ - ٥٢٩.

وللحديث مصادر اخرى، فراجع.

٤٠٩

٢٨٠ - قال أبويعقوب(١) : قلت للامامعليه‌السلام : فهل كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولامير المؤمنينعليه‌السلام آيات تضاهي آيات موسىعليه‌السلام ؟ فقال الامامعليه‌السلام : عليعليه‌السلام نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وآيات رسول الله آيات عليعليه‌السلام ، وآيات عليعليه‌السلام آيات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما من آية أعطاها الله تعالى موسىعليه‌السلام ولا غيره من الانبياء إلا وقد أعطى الله محمدا مثلها أو أعظم منها.

واما العصا التي كانت لموسىعليه‌السلام فانقلبت ثعبانا، فتلقفت ما أتته السحرة من عصيهم وحبالهم، فلقد كان لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من ذلك، وهو أن قوما من اليهود أتوا محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله فسألوه وجادلوه، فما أتوه بشئ إلا أتاهم في جوابه بما بهرهم.

فقالوا له: يا محمد إن كنت نبيا فأتنا بمثل عصا موسى.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الذي أتيتكم به أعظم(٢) من عصا موسى، لانه باق

____________________

(١) أى يوسف بن محمد الذى روى التفسير مع ابن سيار.

(٢) " أفضل " البحار.

٤١٠

بعدي إلى يوم القيامة معرض(١) لجميع الاعداء والمخالفين، لا يقدر أحد منهم أبدا على معارضة سورة منه، وإن عصا موسى زالت ولم تبق بعده فتمتحن، كما يبقى القرآن فيمتحن.

ثم إني سآتيكم بما هو أعظم من عصا موسىعليه‌السلام وأعجب.

فقالوا: فأتنا.

فقال: إن موسى كانت عصاه بيده يلقيها، فكانت القبط يقول كافرهم: هذا موسى يحتال في العصا بحيلة.

وإن الله سوف يقلب خشبا لمحمد ثعابين بحيث لا تمسها يد محمد ولا يحضرها إذا رجعتم إلى بيوتكم واجتمعتم الليلة في مجمعكم في ذلك البيت قلب الله تعالى جذوع سقوفكم كلها أفاعي، وهي أكثر من مائة جذع، فتتصدع(٢) مرارات أربعة منكم فيموتون، ويغشى على الباقين منكم إلى غداة غد، فيأتيكم يهود فتخبرونهم بما رأيتم فلا يصدقونكم، فتعود بين أيديهم، وتملا أعينهم ثعابين كما كانت في بارحتكم، فيموت منهم جماعة، ويخبل(٣) جماعة، ويغشى على أكثرهم.

قال الامامعليه‌السلام : فو الذي بعثه بالحق نبيا لقد ضحك القوم [كلهم] بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يحتشمونه ولا يهابونه، يقول بعضهم لبعض: انظروا ما ادعي؟ وكيف قد عدا طوره؟(٤) فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن كنتم الآن تضحكون، فسوف تكبون وتتحيرون(٥) إذا شاهدتم ما عنه تخبرون(٦) ألا فمن هاله ذلك منكم، وخشي على نفسه أن يموت أو يخبل فليقل: " اللهم بجاه محمد الذي اصطفيته، علي الذي ارتضيته، وأوليائهم الذين من

____________________

(١) " متعرض " ط، البحار، والبرهان.

(٢) تصدع الشئ: تشقق وانشق.

(٣) أى يجن.

(٤) أى جاوز حده.

(٥) " وتحزنون " ق، د.

(٦) " منه تتحيرون " ص، د.

٤١١

سلم لهم أمرهم اجتبيته، لما قويتني على ما أرى ".

وإن كان من يموت هناك ممن(تحييه وتريد إحياء‌ه)(١) فليدع [له] بهذا الدعاء، ينشره الله عزوجل ويقويه.

قالعليه‌السلام : فانصرفوا، واجتمعوا في ذلك الموضع، وجعلوا يهزأون بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وقوله: " إن تلك الجذوع تنقلب أفاعى ".

فسمعوا حركة من السقف، فاذا تلك الجذوع انقلبت أفاعي، وقد ولت(٢) رؤوسها عن الحائط وقصدت نحوهم تلتقمهم، فلما وصلت إليهم كفت عنهم، وعدلت إلى ما في الدار من أحباب(٣) وجرار وكيزان(٤) وصلايات(٥) وكراسي وخشب وسلاليم وأبواب، فالتقمتها وأكلتها.

فأصابهم ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنه يصيبهم، فمات منهم أربعة، وخبل جماعة وجماعة خافوا على أنفسهم، فدعوا بما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقويت قلوبهم.

وكانت الاربعة، أتى بعضهم فدعا لهم بهذا الدعاء، فنشروا، فلما رأوا ذلك قالوا: إن هذا الدعاء مجاب به، وإن محمدا صادق، وإن كان يثقل علينا تصديقه واتباعه أفلا ندعوا به لتلين - للايمان به، والتصديق له، والطاعة لاوامره وزواجره - قلوبنا؟ فدعوا بذلك الدعاء، فحبب الله عزوجل إليهم الايمان وطيبه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر، فآمنوا بالله ورسوله.فلما أصبحوا من غد جاء‌ت اليهود، وقد عادت الجذوع ثعابين كما كانت، فشاهدوها

____________________

(١) " يحبه ويريد حياته " بقية النسخ.وما أثبتناه من ق.

(٢) " دلت " ص، ط." لوت " البحار، والبرهان.

ولى عن الشئ: ابتعد.

دلى: أرسل.

(٣): جمع " حب "، وهى الجرة الكبيرة.

(٤): جمع " كوز " وهو اناء كالابريق، لكنه أصغر منه.

(٥) الصلاية: كل حجر عريض يدق عليه.

٤١٢

وتحيروا، وغلب الشقاء عليهم(١) .

٢٨١ - قالعليه‌السلام : وأما اليد فقد كان لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله مثلها وأفضل منها وأكثر من مرة كانصلى‌الله‌عليه‌وآله يحب أن يأتيه الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وكانا يكونان عند أهليهما أو مواليهما [أو دايتهما](٢) وكان يكون في ظلمة الليل، فيناديهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا محمد، يا أبا عبدالله هلما إلي. فيقبلان نحوه من ذلك البعد وقد بلغهما صوته، فيقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بسبابته(٣) - هكذا - يخرجها من الباب، فتضئ لهما أحسن من ضوء القمر والشمس، فيأتيان، ثم تعود الاصبع كما كانت، فاذا قضى وطره من لقائهما وحديثهما قال: ارجعا إلى موضعكما. وقال بعد بسبابته هكذا، فأضاء‌ت أحسن من ضياء القمر والشمس، قد أحاط بهما إلى أن يرجعا إلى موضعهما، ثم تعود إصبعهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما كانت من لونها في سائر الاوقات(٤) .

٢٨٣ - [قال:] وأما الطوفان الذي أرسله الله تعالى على القبط فقد أرسل الله تعالى مثله على قوم مشركين، آية لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال: إن رجلا من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقال له: " ثابت بن الافلح "(٥) قتل رجلا

____________________

(١) عنه البحار: ١٧ / ٢٦٥ صدر ح ٦ وفى آخره: ومات منهم جماعة، وغلب الشقاء على الاخرين، والبرهان: ٢ / ٢٩ صدر ح ٤ واثبات الهداة: ٢ / ١٥٩ صدر ح ٦٠٧.

(٢) الداية: المرضعة أو القابلة.

(٣) أي يشير بها.

(٤) عنه البحار: ١٧ / ٢٦٧ ضمن ح ٦، والبرهان: ٢ / ٣٠ ضمن ح ٤، واثبات الهداة: ٢/ ١٦٠ ضمن ح ٦٠٧.

(٥) " بن أبي الافلج(الافلح) " أ، ص، ق، البرهان. وقد اختلف في ضبط اسمه، فهو تارة " الافلح "، واخرى " الافلج "، وثالثة " الاقلح " وفى أكثر كتب العامة " ابن أبى الافلح / الاقلح ". أقول: بعد النظر في القصة بطولها يحتمل استنساخ الكتاب تصحيفا واستقاطاولعله كان هكذا: فلما وقع بالمسلمين يوم احد ما وقع - فانصرف المشركون، واشتغل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه، بدفن أصحابه، وبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عاصم ابن ثابت في جماعة إلى بعض الاقوام اجابة لطلبهم في تعليمهم القرآن - قتل عاصم ابن ثابت على ربوة من الارض، فجاء‌ت المرأة أبى سفيان..الخبر. وملخص القصة: أن عاصم بن ثابت قتل من المشركين رجلا هو زوج سلافة بنت سعد، اضافة إلى اثنين من أبنائها الاربعة المقتولين في معركة احد. وكانت سلافة - هذه - قد نذرت: لئن قدرت على رأسه لتشرين في قحف رأسه الخمر.

وجعلت لمن جاء برأسه مائة ناقة، فانتشر عهدها بين القبائل، حتى بعث الرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جماعة فيهم عاصم بن ثابت إلى بعض الاقوام - اجابة لطلبهم في تعليمهم القرآن - فلما وصلوا إلى بطن الرجيع - وهو ماء لهذيل - قتلهم حى منها يقال لهم: بنو لحيان، وأرادوا أن يجتزوا رأس عاصم، فمنعتهم الدبر - النحل - فقالوا: دعوه حتى نمسى فنذهب به.فلما جاء‌وا ليلا بعث الله سيلا، فاحتمله، فذهب به، فلم يصلوه.ذلك أن عاصما قد كان عاهد الله من قبل: أن لا يمس مشركا، ولا يمسه مشرك أبدا في حياته.فمنعه الله بعد وفاته مما امتنع منه في حياته. وسمى بذلك " حمى الدبر " وتلك هى غزوة الرجيع، ولا يخفى أن غزوة احد كانت في شوال لسبع ليال خلون منه، وبعدها عزوة حمراء الاسد لثمان خلون منه، وكلاهما سنة ٣ ه‍، ثم غزوة الرجيع في صفر سنة ٤ ه‍. لزيادة الاطلاع، راجع اعلام الورى: ٨٦، مناقب آل أبى طالب لابن شهر اشوب: ١ / ١٩٤ عنهما البحار: ٢٠ / ١٥٠ ح ١، المغازى للواقدى: ٣٥٦، رجال الشيخ: ٢٥ رقم ٤٩، رسالة الشيخ الحر: ٧٩ رقم ٢٧٦، رجال السيد الخوئى: ٩ / ١٨٤ رقم ٦٠٤٩، اسد الغابة: ٣ / ٧٣، وقال في ص ٧٦ عند ترجمته لعاصم بن عمر العدوى: وامه جميلة بنت ثابت، وقيل: بنت عاصم بن ثابت. سيرة ابن هشام: ٣ / ٧٩ و ١٧٨ - ١٨٠ تاريخ ابن الاثير: ١ / ١٥٦ وص ١٦٨، وغيرها.

٤١٣

٤١٤

من المشركين في بعض المغازي.فنذرت إمرأة ذلك المشرك المقتول: " لتشربن في قحف رأس ذلك القاتل خمرا ".

فلما وقع بالمسلمين يوم احد ما وقع، قتل " ثابت "(١) على ربوة(٢) من الارض فانصرف المشركون، واشتغل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه بدفن أصحابه.

فجاء‌ت المرأة إلى أبى سفيان تسأله أن يبعث رجلا مع عبد لها إلى مكان ذلك المقتول، فيحز(٣) رأسه فيؤتى به لتفي بنذرها، فتشرب في قحفه(٤) خمرا، وقد كانت البشارة(٥) بقتله أتاها بها عبد لها، فأعتقته وأعطته جارية لها، ثم سألت أبا سفيان، فبعث إلى ذلك المقتول مائتين من أصحابه الجلد(٦) في جوف الليل ليحزوا رأسه فيأتونها به.

فذهبوا، فجاء‌ت ريح فدحرجت الرجل إلى حدور(٧) فتبعوه ليقطعوا رأسه.

فجاء من المطر وابل عظيم، فغرق المائتين، ولم يوقف لذلك المقتول ولا لواحد

____________________

(١) زاد في بعض النسخ: هذا.

(٢) الظاهر أن " ربوة من الارض " ليست بجبل احد.واليك استعمالاتها القرآنية: " فاذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت " الحج: ٥، وفصلت: ٣٩." وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين " المؤمنون: ٥٠." كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت اكلها ضعفين " البقرة: ٢٦٥.وهذا ينطبق على بطن الرجيع، وهو ماء لهذيل، حيث قتل عاصم.

(٣) " ليجز " ب، والبرهان." لينحر " ط وكلها بمعنى القطع.

(٤) أى قحفة رأسه.

والقحف - بالكسر -: العظم الذى فوق الدماغ.

(٥) لا جدال أن اتيان خبر قتل رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس بشارة الا عند هذه المرأة التى كانت تترقب هذا الخبر: لتشتفى نفسها وتفى نذرها.

وزاد في بعض النسخ: أتتها.

(٦) أى ذوى القوة والصلابة.

(٧) أى المكان الذى ينحدر منه.

٤١٥

من المائتين على عين ولا أثر، ومنع الله الكافرة مما أرادت.فهذا أعظم من الطوفان آية لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

٢٨٣ - وأما الجراد المرسل على بني إسرائيل، فقد فعل الله أعظم وأعجب منه بأعداء محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانه أرسل عليهم جرادا أكلهم(٢) ولم يأكل جراد موسى رجال القبط، ولكنه أكل زروعهم.

وذلك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان في بعض أسفاره إلى الشام، وقد تبعه مائتان من يهودها في خروجه عنها وإقباله نحو مكة، يريدون قتله، مخافة أن يزيل الله دولة اليهود على يده، فراموا قتله، وكان في القافلة فلم يجسروا(٣) عليه.

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أراد حاجة أبعد واستتر بأشجار ملتفة(٤) أو بخربة بعيدة فخرج ذات يوم لحاجته فأبعد وتبعوه، وأحاطوا به، وسلوا سيوفهم عليه، فأثار(٥) الله تعالى من تحت رجل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك الرمل جرادا، فاخترشتهم(٦) وجعلت تأكلهم، فاشتغلوا بأنفسهم عنه.

فلما فرغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حاجته، وهم يأكلهم الجراد، رجعصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أهل القافلة، فقالوا [له: يا محمد] ما بال الجماعة خرجوا خلفك ولم يرجع منهم أحد؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : جاء‌وا يقتلونني فسلط الله عليهم الجراد فجاء‌وا، فنظروا إليهم فبعضهم قد مات، وبعضهم قد كاد يموت، والجراد يأكلهم، فما زالوا ينظرون

____________________

(١) عنه البحار: ١٧ / ٢٦٧ ضمن ح ٦، والبرهان: ٢ / ٣٠ ضمن ح ٤، واثبات الهداة: ٢ / ١٦٠ ضمن ح ٦٠٧.

(٢) " لاكلهم " ب، س، ط.

(٣) " يجترؤا " أ.وكلاهما بمعنى واحد.

(٤) " متباعدة " ب، س، ص، د.

" تكنفه " الحلية، والبحار.

كنف الشئ: صانه وحفظه.

(٥) " فأبان " ب، س، ط.

(٦) " فاحترشهم " س، د.

" فاجترشهم " ص.

" فاحتوشتهم " البحار والبرهان.

" فأجرشهم " ق.

خرشه وحرشه: خدشه، واحتوش القوم فلانا: جعلوه وسطهم.

٤١٦

إليهم حتى أتى الجراد على أعيانهم(١) فلم تبق منهم شيئا(٢) .

٢٨٤ - وأما القمل فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما ظهر بالمدينة أمره، وعلا بها شأنه حدث يوما(٣) أصحابه عن امتحان الله عزوجل للانبياءعليهم‌السلام وعن صبرهم على الاذى في طاعة الله، فقال في حديثه: إن بين الركن والمقام قبور سبعين نبيا ما ماتوا إلا بضر الجوع والقمل.

فسمع ذلك بعض المنافقين من اليهود، وبعض مردة كفار قريش فتآمروا(٤) بينهم [وتوافقوا:] ليلحقن محمدا بهم، فليقتلنه بسيوفهم حتى لا يكذب.

فتآمروا بينهم - وهم مائتان - على الاحاطة به يوم يجدونه من المدينة [خاليا] خارجا.

فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يوما خاليا، فتبعه القوم، فنظر أحدهم إلى ثياب نفسه وفيها قمل، ثم جعل بدنه وظهره يحك من القمل، فأنف منه أصحابه، واستحيا فانسل عنهم، فأبصر آخر ذلك من نفسه فانسل فما زال كذلك حتى وجد ذلك كل واحد من نفسه فرجعوا.

ثم زاد ذلك عليهم حتى استولى عليهم القمل، وانطبقت حلوقهم(٥) فلم يدخل فيها طعام ولا شراب، فماتوا كلهم في شهرين، منهم من مات في خمسة أيام، ومنهم من مات في عشرة أيام وأقل وأكثر، ولم يزد على شهرين حتى ماتوا بأجمعهم بذلك القمل والجوع والعطش.

____________________

(١) " أعينهم " أ، ص.وكلاهما جمع " عين ".

(٢) عنه البحار: ١٧ / ٢٦٨ ضمن ح ٦، والبرهان: ٢ / ٣٠ ضمن ح ٤، وحلية الابرار: ١ / ٣٦ واثبات الهداة: ٢ / ١٦٠ ضمن ح ٦٠٧.

(٣) " بها " أ.

(٤) أى فتشاوروا.

(٥) كذا في أكثر النسخ والبحار والبرهان." حلقومهم " ب، ط.

وفي البحار / خ ل بلفظ " ونقبت حلقومهم ".

٤١٧

فهذا القمل الذي أرسله الله على أعداء محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله آية له(١) .

٢٨٥ - وأما الضفادع، فقد أرسل الله مثلها على أعداء محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لما قصدوا قتله فأهلكهم الله بالجرذ، وذلك أن مائتين بعضهم كفار العرب، وبعضهم يهود، وبعضهم أخلاط من الناس اجتمعوا بمكة في أيام الموسم، وهموا أنفسهم ليقتلن محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله فخرجوا نحو المدينة، فبلغوا بعض تلك المنازل، وإذا هناك ماء في بركة أو حوض أطيب من مائهم الذي كان معهم، فصبوا ماكان معهم، وملاوا رواياهم ومزاودهم(٢) من ذلك الماء وارتحلوا، فبلغوا أرضا ذات جرذ(٣) كثيرة، فحطوا رواحلهم عندها فسلطت على مزاودهم ورواياهم وسطايحهم(٤) الجرذ فخرقتها وثقبتها، وسالت مياهها في تلك الحرة(٥) فلم يشعروا إلا وقد عطشوا ولا ماء معهم.

فرجعوا القهقرى إلى تلك الحياض التي كانوا تزودوا منها تلك المياه، وإذا الجرذ قد سبقتهم إليها، فثقبت أصولها وسالت في الحرة مياهها.

فوقفوا(٦) آيسين من الماء وتماوتوا، ولم ينقلب(٧) منهم أحد إلا واحد كان لا يزال يكتب على لسانه محمدا، وعلى بطنه محمدا، ويقول: يا رب محمد وآل محمد

____________________

(١) عنه البحار: ١٧ / ٢٦٨ ضمن ح ٦ والبرهان: ٢ / ٣١ ضمن ح ٤.

(٢) الرواية جمعها روايا: الدابة يستقى عليها أو المزادة من ثلاثة جلود فيها الماء.

قال ابن الاثير في النهاية: ٢ / ٢٧٩: الروايا من الابل: الحوامل للماء، واحدتها راوية فشبهها بها، ومنه سميت المزادة " راوية "، وقيل: بالعكس، انتهى.

وقال ابن منظور في لسان العرب: ١٤ / ٣٤٦: والوعاء الذى يكون فيه الماء انما هى المزادة، سميت رواية لمكان البعير الذى يحملها.

(٣) زاد في البرهان " وضفادع " وكذا بعدها.

(٤) السطيحة: المزادة أو أصغر منها.

(٥) الحرة - بفتح الحاء وتشديد الراء -: الارض ذات حجارة نخرة.

(٦) " فرجعوا " أ، " فوقعوا " ص، ق، د والبرهان.

(٧) انقلب: انكب ورجع.

٤١٨

قد تبت من أذى محمد، ففرج عنى بجاه محمد وآله محمد ".

فسلم، وكف الله عنه العطش، فوردت عليه قافلة، فسقوه وحملوه وأمتعة القوم وجمالهم، وكانت [الجمال] أصبر على العطش من رجالها فآمن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تلك الجمال والاموال له(١) .

٢٨٦ - قالعليه‌السلام : وأما الدم فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله احتجم مرة، فدفع الدم الخارج منه إلى أبي سعيد الخدرى وقال له: غيبه.فذهب، فشربه(٢) .

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ماذا صنعت به؟ قال: شربته يا رسول الله.

قال: أولم أقل لك غيبه؟ فقال: قد غيبته في وعاء حريز(٣) .

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إياك وأن تعود لمثل هذا، ثم أعلم أن الله قد حرم على النار لحمك ودمك لما اختلط بلحمي ودمي.

____________________

(١) عنه البحار: ١٧ / ٢٦٨ ضمن ح ٦، والبرهان: ٢ / ٣١ ضمن ح ٤.

(٢) تذكر لنا الروايات أن جمعا من الصحابة كان قد شرب الدم بعد احتجام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففى طب الائمة: ٦٩:...قال أبوطيبة، حجمت رسول الله صلى الله على وآله...وشربت دمه.

وفى رواية الكافى: ٥ / ١١٦ " مولى بنى بياضة " وفى تبرك الصحابة: ١٥، والسيرة الحلبية: ٢ / ٢٤٨، والاصابة: ٢ / ٦، والاستيعاب(المطبوع بهامش الاصابة): ٢ / ٧٢، واسد الغاية: ٢ / ٢٤٧، والرصف: ١٤١ وكنز العمال: ١٩ / ١٩٩ وج ٢٠ / ١٠ " سالم الحجام ".

وفى اسد الغاية: ٤ / ٢٨١، وعمدة الاخبار: ١٥٩، والسيرة الحلبية: ٢ / ٢٤٧، والاصابة: ٣ / ٣٤٦، وسيرة دحلان: ٢ / ٢٥٧، والمغازى للواقدى: ١ / ٢٤٧، والرصف: ٨٧، جميعا أنه شرب " مالك بن سنان بن عبيد الانصارى الخزرجى " والد أبى سعيد الخدرى دمهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أقول: لعله سقط من الراوى أو الناسخ كلمة " والد "، أو أن الابن كذلك شرب منه والله العالم.

(٣) أى الحصين، يقال: هذا حرز حريز.

٤١٩

فجعل أربعون من المنافقين يهزأون برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويقولون " زعم أنه قد أعتق " الخدرى " من النار لاختلاط دمه بدمه، وما هو إلا كذاب مفتر ! أما نحن فنستقذر دمه.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما إن الله يعذبهم بالدم ويميتهم به، وإن كان لم يمت القبط.

فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى لحقهم الرعاف الدائم، وسيلان دماء من أضراسهم فكان طعامهم وشرابهم يختلط بالدم(١) فيأكلونه، فبقوا كذلك أربعين صباحا معذبين ثم هلكوا(٢) .

٢٨٧ - وأما السنين ونقص من الثمرات فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا على مضر فقال: " اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف ".

فابتلاهم الله بالقحط والجوع، فكان الطعام يجلب إليهم من كل ناحية، فاذا اشتروه وقبضوه لم يصلوا به إلى بيوتهم حتى يتسوس(٣) وينتن ويفسد، فيذهب أموالهم، ولا يجعل(٤) لهم في الطعام نفع حتى أضربهم الازم(٥) والجوع الشديد العظيم حتى أكلوا الكلاب الميتة، وأحرقوا عظام الموتى فأكلوها، وحتى نبشوا عن قبور الموتى فأكلوهم، وحتى ربما أكلت المرأة طفلها، إلى أن مشى جماعة(٦) من رؤساء قريش إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا: يا محمد هبك عاديت الرجال، فما بال النساء والصبيان والبهائم؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنتم بهذا معاقبون، وأطفالكم وحيواناتكم [بهذا] غير معاقبة بل هي معوضة(٧) بجميع المنافع حين يشاء ربنا في الدنيا والآخرة، وسوف يعوضها

____________________

(١) " بذلك " ب، س، ط.

(٢) التخريجة السابقة.

(٣) أى يقع فيه السوس، وهو دود يقع في الطعام والخشب، ونحوها.

(٤) " يحصل " البحار، والبرهان.

(٥) جمع أزمة.وهى الشدة والضيقة والقحط.واستظهرها في " ص ": الالام.

(٦) " جماعات " ب، ط.

(٧) " معرضة " ب، س، د.

يقال عرضه من ماله بكذا: عوضه منه به.

٤٢٠