تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 216659
تحميل: 39681

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216659 / تحميل: 39681
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

قيل: فمن أعظم الناس حسرة؟ قال: من رأى ماله في ميزان غيره، وأدخله الله به النار، وأدخل وارثه(١) به الجنة.

قيل: فكيف يكون هذا؟ قال: كما حدثني بعض إخواننا عن رجل دخل إليه وهو يسوق(٢) فقال له: يا أبا فلان ما تقول في مائة ألف في هذا الصندوق ما(٣) أديت منها زكاة قط، ولا وصلت منها رحما قط؟ قال: فقلت: فعلام جمعتها؟ قال: لجفوة السلطان، ومكاثرة العشيرة، وتخوف(٤) الفقر على العيال، و لروعة الزمان.

قال: ثم لم يخرج من عنده حتى فاضت نفسه.

ثم قال علىعليه‌السلام : الحمد لله الذي أخرجه منها ملوما [ مليما ](٥) بباطل جمعها، ومن(٦) حق منعها، جمعها فأوعاها، وشدها فأوكاها(٧) ، قطع فيها المفاوز القفار، ولجج البحار أيها الواقف لا تخدع كما خدع صويحبك(٨) بالامس، إن [ من ] أشد الناس حسرة يوم القيامة من رأى ماله في ميزان غيره، أدخل الله عزوجل هذا به الجنة وأدخل هذا به النار(٩)

١٧ - قال الصادقعليه‌السلام : وأعظم من هذا حسرة(١٠) رجل جمع مالا عظيما بكد

____________________

(١) " وراثه " ط.

(٢) السوق: [ بالواو الساكنة ] النزع، كأن روحه تساق لتخرج من بدنه(النهاية: ٢ / ٤٢(٤).

(٣) " قال ما " أ، والمستدرك ولكنه لا يناسب الجواب.

(٤) " ولخوف " ب، ط.

(٥) " مليا " أ، وليس في تنبيه الخواطر.

(٦) " وفى " ط.

(٧) الوكاء: الخيط الذى يشد به الصرة والكيس وغيرهما.(النهاية: ٥ / ٢٢(٢).

(٨) " صاحبك " خ ل.

(٩) عنه تنبيه الخواطر: ٢ / ٩٥، والبحار: ٩٢ / ٢٥١ ضمن ح ٤٨، ومستدرك الوسائل: ٢ / ٦٤٥ باب ٢٣ ح ١.

(١٠) زاد في " ب، ط ": يوم القيامة.

(*)

٤١

شديد، ومباشرة الاهوال، وتعرض الاخطار، ثم أفنى ماله في صدقات ومبرات، وأفنى شبابه وقوته في عبادات وصلوات، وهو مع ذلك لا يرى لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام حقه(١) ، ولا يعرف له من(٢) الاسلام محله، ويرى أن من لا بعشره ولابعشر(٣) عشير معشاره أفضل منهعليه‌السلام يوقف(٤) على الحجج فلا يتأملها، ويحتج عليه بالآيات والاخبار فيأبى إلا تماديا في غيه، فذاك أعظم من كل حسرة يأتي يوم القيامة، وصدقاته ممثلة له في مثال الافاعي تنهشه، وصلواته وعباداته ممثلة له في مثال الزبانية تدفعه حتى تدعه إلى جهنم دعا يقول: يا ويلى ألم أك من المصلين؟ ألم أك من المزكين؟ ألم أك عن أموال الناس ونسائهم من المتعففين، فلماذا دهيت بما دهيت؟ فيقال له: يا شقي ما نفعك ما عملت، وقد ضيعت أعظم الفروض بعد توحيد الله تعالى والايمان بنبوة محمد [ رسول الله(٥) ]صلى‌الله‌عليه‌وآله : ضيعت ما لزمك من معرفة(٦) حق علي بن أبي طالب ولي الله، والتزمت ما حرم الله عليك من الائتمام(٧) بعدو الله.

فلو كان لك بدل أعمالك هذه عبادة الدهر من أوله إلى آخره، وبدل صدقاتك الصدقة بكل أموال الدنيا بل بمل‌ء الارض ذهبا، لما زادك ذلك من رحمة الله تعالى إلا بعدا، ومن سخط الله عزوجل إلا قربا.

(٨) ١٨ - قال الامام الحسن بن علىعليه‌السلام : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قال الله عزوجل: قولوا " إياك نستعين " على طاعتك وعبادتك، وعلى دفع(٩) شرور أعدائك، ورد مكائدهم، والمقام على ما أمرت(١٠) به(١١)

____________________

(١) " حقا " ب، ط.

(٢) " في " البحار:

(٣) " يعشره ولا يعشر " ب، ط والبحار.

(٤) كذا في البحار، وفى الاصل: يواقف، وواقفه على كذا: سأله الوقوف.

(٥) من البحار.

(٦) " مفروض " أ.

(٧) " الاهتمام " ط.

(٨) عنه تنبيه الخواطر: ٢ / ٩٦، والبحار: ٩٢ / ٢٥٢ ضمن ح ٤٨.

(٩) " رفع " ط، والبحار.

(١٠) " أمرتنا " ب، ط.

(١١) عنه البحار: ٩٢ / ٢ د ٢ ضمن ح ٤٨.

(*)

٤٢

أعظم الطاعات

١٩ - وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله عن جبرئيلعليه‌السلام عن الله تعالى [ قال: قال الله عزوجل ](١) : يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاسألوني الهدى أهدكم.وكلكم فقير إلا من أغنيته، فاسألوني الغني أرزقكم.وكلكم مذنب إلا من غفرت(٢) فأسألوني المغفرة أغفر لكم.ومن علم أني ذو قدرة على المغفرة فاستغفرني بقدرتي، غفرت له، ولا ابالي.

ولو أن أولكم وآخركم، وحيكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على إنقاء(٣) قلب عبد من عبادي، لم يزيدوا في ملكي جناح بعوضة.

ولو أن أولكم وآخركم، وحيكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على إشقاء قلب(٤) عبد من عبادي لم ينقصوا من ملكي جناح بعوضة.

ولو أن أولكم وآخركم، وحيكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم، اجتمعوا فتمني كل واحد منهم، ما بلغت من امنيته، فأعطيته لم يتبين ذلك في ملكي، كما لو أن أحدكم مر على شفير البحر، فغمس فيه إبرة ثم انتزعها، وذلك بأني جواد ماجد، واجد، عطائي كلام، وعذابي(٥) كلام، فاذا أردت شيئا فانما أقول له: كن فيكون.

يا عبادي اعملوا أفضل الطاعات وأعظمها لاسامحكم وإن قصرتم فيما سواها واتركوا أعظم المعاصي وأقبحها لئلا اناقشكم في ركوب ماعداها.

إن أعظم الطاعات توحيدي، وتصديق نبي، والتسليم لمن نصبه بعده - وهو علي بن أبي طالبعليه‌السلام - والائمة الطاهرين من نسله صلوات الله عليهم.

____________________

(١) ليس في البحار.

(٢) " غفرته " ب، ط." عافيته " المصادر.

(٣) " اتقاء " أ، في المستدرك." قلب اتقى " بدل انقاء قلب.

(٤) " أشقى قلب " الجواهر.

(٥) " عداتى " البحار، والجواهر.

(*)

٤٣

وإن أعظم المعاصي [ وأقبحها ] عندي الكفر بي وبنبيي، ومنابذة(١) ولي محمد بعده علي بن أبي طالب، وأوليائه بعده.

فان أردتم أن تكونوا عندي في المنظر الاعلى، والشرف الاشرف، فلا يكونن أحد من عبادي آثر عندكم من محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبعده من أخيه عليعليه‌السلام ، وبعدهما من أبنائهما(٢) القائمين بامور عبادي بعدهما فان من كانت تلك عقيدته جعلته من أشراف ملوك جناني(٣) واعلموا أن أبغض الخلق إلى من تمثل بي وادعى ربوبيتي، وأبغضهم إلي بعده من تمثل بمحمد، ونازعه نبوته(٤) وادعاها، وأبغضهم إلي بعده من تمثل بوصي محمد، ونازعه محله وشرفه، وادعاهما، وأبغضهم(٥) إلي بعد هؤلاء المدعين - لماهم به لسخطي متعرضون - من كان لهم على ذلك من المعاونين، وأبغض الخلق إلي بعد هؤلاء من كان بفعلهم من الراضين، وإن لم يكن لهم من المعاونين.

وكذلك أحب الخلق إلي القوامون بحقي، وأفضلهم لدي، وأكرمهم علي محمد سيد الورى، وأكرمهم وأفضلهم بعده(٦) أخو المصطفى علي المرتضى، ثم من بعده من القوامين بالقسط من أئمة الحق، وأفضل الناس بعدهم من أعانهم على حقهم، وأحب الخلق إلي بعدهم من أحبهم، وأبغض أعداء‌هم، وإن لم يمكنه معونتهم(٧) قوله تعالى: " اهدنا الصراط المستقيم "

____________________

(١) " معاندة " ط.

(٢) " أبنائهم " ب، ط." أبدالها " الجواهر.

(٣) " جناتي " أ.

(٤) " بنبوته " أ.

(٥) " وادعاها وأبغض الخلق " أ.

(٦) " بعده على " أ.

(٧) عنه الجواهر السنية: ١٧١ صدر الحديث وص ٢٨٧ ذيله، وتأويل الايات: ١ / ٢٧ ح ٩ وح ١٠، ومستدرك الوسائل: ١ / ٣٦٠ ح ١٠ قطعة.

وروى صدره في مسند أحمد: ٥ / ١٧٧ وسنن الترمذى: ٤ / ٦٥٦ ح ٢٤٩٥، وسنن ابن ماجة: ٢ / ١٤٢٢ ح ٤٢٥٧ بأسانيدهم عن أبى ذر، عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(*)

٤٤

٢٠ - قال الامامعليه‌السلام [ قال الله عزوجل ](اهدنا الصراط المستقيم) أي(١) : أدم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ماضي أيامنا حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا(٢) و(الصراط المستقيم) هو صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الآخرة.

فأما الطريق(٣) المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن العلو، وارتفع عن التقصير واستقام فلم يعدل إلى شئ من الباطل. والطريق الاخر: طريق المؤمنين إلى الجنة الذي هو مستقيم، لا يعدلون عن الجنة إلى النار، ولا إلى غير النار سوى الجنة. [ قال: و ](٤) قال جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام : قوله عزوجل(اهدنا الصراط المستقيم) يقول: أرشدنا للصراط المستقيم، أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك، والمبلغ إلى جنتك(٥) والمانع من أن نتبع أهواء‌نا فنعطب، أو أن نأخذ بآرائنا فنهلك. ثم قال(٦) عليه‌السلام : فان من اتبع هواه، واعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء(٧) العامة تعظمه وتصفه(٨) ، فأحببت لقاء‌ه من حيث لا يعرفني لانظر مقداره ومحله فرأيته في موضع قد أحدق به خلق من غثاء العامة، فوقفت منتبذا(٩) عنهم، متغشيا بلثام أنظر إليه وإليهم، فما زال يراوغهم(١٠) حتى خالف طريقهم ففارقهم، ولم يعد(١١)

____________________

(١) " يقول " ب، ط." قال " المعانى." نقول " البحار.

(٢) " أعمالنا " أ.

(٣) " الصراط " ب، ط، والمعانى.

(٤) من المعانى.

(٥) " دينك " المعانى.

(٦) " قال على " أ.

(٧) " أعناء " تنبيه الخواطر، وكذا التى بعدها.والاعناء: القوم من قبائل شتى.

قال ابن الاثير في النهاية: ٣ / ٣٤٣: ومنه حديث الحسن " هذا الغثاء الذي كنا نحدث عنه " يريد أرذال الناس وسقطهم.

(٨) وصف الشئ له وعليه وصفا وصفة: حلاه.(لسان العرب: ٩ / ٣٥(٦).وفى المعانى: وتسفه.

(٩) " فرفعت مستترا " خ ل.

(١٠) " يراوعهم " أ.ريع القوم: تجمعوا.راغ: خدع.

(١١) " يقر " بعض المصادر.

(*)

٤٥

فتفرقت العامة عنه لحوائجهم، وتبعته أقتفي أثره، فلم يلبث أن مر بخباز فتغفله، فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة(١) ، فتعجبت منه، ثم قلت في نفسي: لعله معاملة.

ثم مر بعده بصاحب رمان، فما زال به حتى تغفله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة فتعجبت منه، ثم قلت [ في نفسي ]: لعله معاملة، ثم أقول: وما حاجته [ إذا ](٢) إلى المسارقة؟ ! ثم لم أزل أتبعه حتى مر بمريض، فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه ومضى، وتبعته حتى استقر في بقعة من صحراء فقلت له: يا عبدالله لقد سمعت بك [ خيرا ] وأحببت لقاء‌ك، فلقيتك، لكني رأيت منك ما شغل قلبي، وإني سائلك عنه، ليزول به شغل قلبي.

قال: ما هو؟ قلت: رأيتك مررت بخباز فسرقت منه رغيفين، ثم مررت بصاحب الرمان فسرقت منه رمانتين ! قال: فقال لي: قبل كل شئ حدثني من أنت؟ قلت له: رجل من ولد آدم من امة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال: حدثني(٣) ممن أنت؟ قلت: رجل من أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال: أين بلدك؟ قلت: المدينة.

قال: لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب؟ قلت: بلى.

قال لي: فما ينفعك شرف [ أهلك و ](٤) أصلك مع جهلك بما شرفت به، وتركك علم جدك وأبيك لئلا تنكر ما يجب أن تحمد وتمدح فاعله ! قلت: وما هو؟ قال: القرآن كتاب الله.

قلت: وما الذي جهلت منه؟ قال: قول الله عزوجل: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها "(٥) وإني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين، ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين

____________________

(١) سارقه: اختلس منه على غفلة.

(٢) من المعانى والبحار.

(٣) " لى " ب، ط.

(٤) " جدك " ط.

(٥) الانعام: ١٦٠.

(*)

٤٦

فهذه أربع سيئات، فلما تصدقت بكل واحدة منها كانت أربعين حسنة، فانتقص من أربعين حسنة أربع(حسنات بأربع سيئات)(١) بقي لي ست وثلاثون حسنة.

قلت: ثكلتك امك أنت الجاهل بكتاب الله تعالى، أما سمعت قول الله تعالى: " انما يتقبل الله من المتقين "(٢) إنك لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين، ولما دفعتهما إلى غير صاحبهما، بغير أمر صاحبهما، كنت إنما أضفت أربع سيئات إلى أربع سيئات، ولم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيئات.

فجعل يلاحظني(٣) ، فتركته وانصرفت.

قال الصادقعليه‌السلام : بمثل هذا التأويل القبيح المستنكر(٤) يضلون ويضلون.

وهذا [ نحو ] تأويل معاوية - عليه ما يستحق - لما قتل عمار بن ياسر(ره) فارتعدت فرائص خلق كثير، وقالوا: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عمار تقتله الفئة الباغية.

فدخل عمرو بن العاص على معاوية، وقال: يا أمير المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا.

قال: لماذا؟ قال: لقتل عمار بن ياسر، حيث قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عمار تقتله الفئة الباغية.

فقال له معاوية: دحضت(٥) في قولك، أنحن قتلناه؟ إنما قتله علي بن أبي طالب لما ألقاه بين رماحنا.

فاتصل ذلك بعليعليه‌السلام ، فقالعليه‌السلام : إذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي قتل حمزة(ره) لما ألقاه بين رماح المشركين.

____________________

(١) " حسنات " أ." سيئات " البحار: ٤٧.

(٢) المائدة: ٢٧.

(٣) " بلا خبر " أ." يلاحينى " البحار." يلاحنى " خ، التنبيه.

قال ابن الاثير في النهاية: ٤ / ٢٤١: " عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم " أى فاطنهم وجادلهم.

يقال: لحن فلان في كلامه: إذا مال عن صحيح المنطق

(٤) " المنكرة " أ." المستكره " ب، المعانى.

(٥) أى زلقت.

(*)

٤٧

٢١ - [ ثم ] قال الصادقعليه‌السلام : طوبى للذين هم كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين(١) وتأويل الجاهلين(٢) فقال له رجل: يابن رسول الله إني عاجز ببدني عن نصرتكم، ولست أملك إلا البراء‌ة من أعدائكم، واللعن عليهم، فكيف حالي؟ فقال له الصادقعليه‌السلام : حدثني أبي، عن أبيه، عن جدهعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ أنه ](٣) قال من ضعف عن نصرتنا أهل البيت، فلعن في خلواته أعداء‌نا، بلغ الله صوته جميع الاملاك من الثرى إلى العرش، فكلما لعن هذا الرجل أعداء‌نا لعنا ساعدوه فلعنوا من يلعنه، ثم ثنوا فقالوا: اللهم صل على عبدك هذا، الذي قد بذل ما في وسعه، ولو قدر على أكثر منه لفعل.

فاذا النداء من قبل الله تعالى: قد أجبت دعاء‌كم، وسمعت نداء‌كم، وصليت على روحه في الارواح، وجعلته عندي من المصطفين الاخيار.(٤) قوله عزوجل: " صراط الذين أنعمت عليهم "

٢٢ - قال الامامعليه‌السلام (صراط الذين أنعمت عليهم) أي قولوا: إهدانا صراط

____________________

(١) " المضلين أ.

(٢) عنه تنبيه الخواطر: ٢ / والبحار: ٩٢ / ٢٥٤ ضمن ح ٤٨(قطعة) وعنه في الوسائل: ٦ / ٣٢٦ ح ٦ وعن معانى الاخبار: ٣٣ ح ٤ باسناده عن محمد بن القاسم...والاحتجاج: ٢ / ١٢٩(قطعة) وعنه في ج ١٨ / ٣١ ح ٩ وعن المعانى والاحتجاج وعيون أخبار الرضا: ١ / ٢٣٨ ح ٦٥(قطعة) وعنه في البحار: ٩٤ / ٩ ح ١ وعن معانى الاخبار(قطعة).

وأخرجه في البحار: ٤٧ / ٢٣٨ ح ٢٣ عن الاحتجاج، وفي البرهان: ١ / ٥٠ ح ٢٣ وص ٥١ ح ٢٤ عن المعانى والعيون.

(٣) من البحار.

(٤) عنه مستدرك الوسائل: ١ / ٣٢٠ باب ١٠ ح ٣(*)

٤٨

الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك.

وهم الذين قال الله تعالى " ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا "(١) وحكى هذا بعينه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: ثم قال: ليس هؤلاء المنعم عليهم بالمال وصحة البدن، وإن كان كل هذا نعمة من الله ظاهرة ألا ترون أن هؤلاء قد يكونون كفارا، أو فساقا؟ فما ندبتم [ إلى ] أن تدعوا بأن ترشدوا إلى صراطهم، وإنما امرتم بالدعاء لان ترشدوا إلى صراط الذين أنعم [ الله ] عليهم: بالايمان بالله، والتصديق برسوله(٢) وبالولاية لمحمد وآله الطيبين وأصحابه الخيرين المنتجبين وبالتقية الحسنة التي يسلم بها: من شر عباد الله،(ومن الزيادة في أيام أعداء الله وكفرهم)(٢) بأن تداريهم فلا تغريهم بأذاك وأذى المؤمنين وبالمعرفة بحقوق الاخوان من المؤمنين فانه ما من عبد ولا أمة والى محمدا وآل محمد(٤) وعادى من عاداهم إلا كان قد اتخذ من عذاب الله حصنا منيعا، وجنة حصينة.

وما من عبد ولا أمة دارى عبادالله بأحسن المداراة، ولم يدخل بها في باطل، ولم يخرج بها من حق إلا جعل الله تعالى نفسه تسبيحا، وزكى عمله، وأعطاه بصيرة على كتمان سرنا، واحتمال الغيظ لما يسمعه من أعدائنا [ و ] ثواب المتشحط بدمه في سبيل الله.

وما من عبد أخذ نفسه بحقوق إخوانه فوفاهم حقوقهم جهده، وأعطاهم ممكنه

____________________

(١) النساء: ٦٩.

(٢) " برسول الله " أ.

(٣) " ومن شر الزنادقة في أيام أعداء الله بكفرهم " ب، ط.

وفي المصادر: آثام بدل " أيام ".

(٤) زاد في الاصل: وأصحاب محمد.

(*)

٤٩

ورضي منهم بعفوهم، وترك الاستقصاء عليهم، فيما يكون من زللهم، وغفرها لهم إلا قال الله عزوجل له يوم القيامة(١) : يا عبدي قضيت حقوق إخوانك، ولم تستقص عليهم فيما لك عليهم، فأنا أجود وأكرم وأولى بمثل ما فعلته من المسامحة والتكرم، فأنا أقضيك اليوم على حق [ ما ] وعدتك به، وأزيدك من فضلي الواسع، ولا أستقصي عليك في تقصيرك في بعض حقوقي.

قال: فيلحقه بمحمد وآله وأصحابه، ويجعله من خيار شيعتهم.

ثم قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لبعض أصحابه ذات يوم: يا عبدالله أحب في الله وأبغض في الله، ووال في الله، وعاد في الله، فأنه لاتنال ولاية الله تعالى إلا بذلك ولا يجد الرجل طعم الايمان، و [ إن ] كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك، وقد صارت مواخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا، عليها يتوادون، وعليها يتباغضون، وذلك لا يغني عنهم من الله شيئا.

فقال الرجل: يا رسول الله وكيف لي أن أعلم أني قد واليت وعاديت في الله ومن ولي الله حتى اواليه؟ ومن عدوالله(٢) حتى اعاديه؟ فأشار له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال: أترى هذا؟ قال: بلى.

قال: [ فإن ] ولي هذا ولي الله فواله، وعدو هذا عدو الله فعاده، ووال ولي هذا، ولو أنه قاتل أبيك وولدك، وعاد عدو هذا ولو أنه أبوك وولدك(٣)

____________________

(١) " يلقاه " المعانى والبحار: ٢٤.

(٢) " عدوه " أ.

(٣) عنه تنبيه الخواطر: ٢ / ٩٨، والبحار: ٦٨ / ٧٨ ح ١٤٠ وج ٧٤ / ٢٢٧ ح ٢٢ وج ٩٢ / ٢٥٥ ضمن ح ٤٨.

وعنه في الوسائل: ١١ / ٤٤٠ ح ٧ وعن معانى الاخبار: ٣٦ ح ٩ وعيون الاخبار: ١ / ٢٢٦ ح ٤١ وأمالى الصدوق: ١٩ ح ٧ وصفات الشيعة: ٨٧ ح ٦٥ وعلل الشرائع: ١٤٠ باب ١١٩ ح ١(باسناده عن محمد بن القاسم..) وعنه في البحار: ٢٤ / ١٠ ح ٢ وعن معانى الاخبار(قطعة)، وج ٢٧ / ٥٤ ح ٨ عنه وعن المعانى والعيون والعلل(قطعة) وج ٦٩ / ٢٣٦ ح ١ عنه وعن العلل والعيون والامالى(قطعة) وأخرجه في البرهان: ١ / ٥١ ح ٢٨ عن ابن بابويه.

وروى الشهيد - قطعة منه - في أربعينه: ح ٢٨ باسناده عن أبى محمد الحسن العسكرى(ع)(*)

٥٠

قوله تعالى غير المغضوب عليهم ولا الضالين ".

٢٣ - قال الامامعليه‌السلام : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : أمر الله عزوجل عباده أن يسألوه طريق المنعم عليهم، وهم: النبيون والصديقون والشهداء والصالحون وأن يستعيذوا [ به ] من طريق المغضوب عليهم وهم اليهود الذين قال الله تعالى فيهم: " قل هل انبئكم بشر من ذلك مثوبة عندالله من لعنه الله وغضب عليه "(١) وأن يستعيذوا به من طريق الضالين، وهم الذين قال الله تعالى فيهم: " قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل "(٢) وهم النصارى.

ثم قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : كل من كفر بالله فهو مغضوب عليه، وضال عن سبيل الله عزوجل.

وقال الرضاعليه‌السلام كذلك، وزاد فيه، فقال: ومن تجاوز بأمير المؤمنينعليه‌السلام العبودية فهو من المغضوب عليهم ومن الضالين(٣)

٢٤ - وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : " لاتتجاوزوا بنا العبودية، ثم قولوا ماشئتم ولن تبلغوا(٤) وإياكم والغلو كغلو النصارى، فأني برئ من الغالين ".

قال: فقام إليه رجل فقال له: يابن رسول الله صف لنا ربك، فان من قبلنا قد اختلفوا علينا(٥)

____________________

(١)، (٢): ٦٠، ٧٧.

(٣) عنه البحار: ٩٢ / ٢٥٦ ذ ح ٤٨، وتأويل الايات: ١ / ٣٠ ح ١٥ قطعة، وعنه البحار: ٢٥ / ٢٧٣ ضمن ح ٢٠ وعن الاحتجاج: ٢ / ٢٣٣ قطعة.

(٤) قال المجلسى -رحمه‌الله -: أى بعد ما أثبتم لنا العبودية، كل ما قلتم في وصفنا كنتم مقصرين في حقنا، ولن تبلغوا ما نستحقه من التوصيف.

أقول: ان المراد هو استحالة بلوغنا ما يستحقونهعليهم‌السلام أبدا.

وبالحق أقول: وأنى لنا ذلك وقد اصطفاهم الله على الخلق.

(٥) زاد في الاحتجاج " فوصفه الرضاعليه‌السلام أحسن وصف، ومجده، ونزهه عما لا يليق به تعالى " وأسقط كل الخطبة.

(*)

٥١

فقال الرضاعليه‌السلام : إنه من يصف ربه بالقياس، لايزال في الدهر في الالتباس(١) مائلا عن المنهاج، طاغيا(٢) في الاعوجاج، ضالا عن السبيل، قائلا غير الجميل.

ثم قالعليه‌السلام : أعرفه بما عرف به نفسه، أعرفه من غير رؤية، وأصفه بما وصف به [ نفسه ] من غير صورة " لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، معروف بالآيات بعيد بغير تشبيه، ومتدان في بعده بلا نظير، لا يتوهم ديموميته، ولا يمثل بخليقته، ولا يجور في قضيته الخلق إلى ما علم منهم منقادون، وعلى ما سطره في المكنون من كتابه ماضون لا يعملون(٣) بخلاف ما علم منهم، ولا غيره يريدون فهو قريب غير ملتزق، وبعيد غير متقص(٤) ، يحقق ولا يمثل، [ و ] يوحد ولا يبعض، يعرف بالآيات، ويثبت بالعلامات، فلا إله غيره الكبير المتعال فقال الرجل: بأبي أنت وامي يابن رسول الله، فان معى من ينتحل موالاتكم [ و ] يزعم أن هذه كلها صفات عليعليه‌السلام ، وأنه هو الله رب العالمين.

قال: فلما سمعها الرضاعليه‌السلام ارتعدت فرائصه وتصبب عرقا، وقال: سبحان الله [ سبحان الله ] عما يقول الظالمون، والكافرون.

أو ليس علياعليه‌السلام كان آكلا في الآكلين، [ و ] شاربا في الشاربين، وناكحا في الناكحين، ومحدثا في المحدثين؟ وكان مع ذلك مصليا خاشعا [ خاضعا ] بين يدي

____________________

(١) " لازال الدهر في التباس " ط.

(٢) " ظاعنا " ب، ط، خ ل." طاعنا " البحار.وطغى الرجل: أسرف في المعاصى.والظعن: السير.

قال العلامة المجلسى(ره): طاعنا - بالطاء المهملة - ذاهبا كثيرا.

(٣) " يعلمون " الاصل، وهو تصحيف ظاهر.

(٤) من البحار: " منتقص " أ." منقص " ب.وكلاهما تصحيف بقرينة " بعيد ".

والتقصى: بلوغ الغاية في البعد.

ذكره المجلسى(ره) وقال: أى ليس بعده بعدا مكانيا يوصف بذلك أو ليس بعد ينافى القرب.

(*)

٥٢

الله عزوجل ذليلا وإليه أواها(١) منيبا، أفمن [ كان ] هذه صفته يكون إلها؟ ! [ فان كان هذا إلها] فليس منكم أحد إلا وهو إله لمشاركته له في هذه الصفات الدالات على حدوث(٢) كل موصوف بها.

ثم قالعليه‌السلام : حدثني أبي، عن جدي، عن رسول اللهعليه‌السلام أنه قال: ماعرف الله تعالى من شبهه بخلقه، ولا عدله من نسب إليه ذنوب عباده.

فقال الرجل: يابن رسول الله إنهم يزعمون أن علياعليه‌السلام لما أظهر من نفسه المعجزات التي لا يقدر عليها غير الله تعالى دل ذلك على أنه إله، ولما ظهر لم بصفات المحدثين العاجزين لبس بذلك عليهم، وامتحنهم ليعرفوه، وليكون إيمانهم به اختيارا من أنفسم.

فقال الرضاعليه‌السلام : أول ما هاهنا أنهم لا ينفصلون ممن قلب هذا عليهم.

فقال: لما ظهر منه الفقر والفاقة دل على أن من هذه صفاته وشاركه فيها الضعفاء المحتاجون لا تكون المعجزات فعله، فعلم بهذا أن الذي ظهر منه [ من ] المعجزات إنما كانت فعل القادر الذي لا يشبه المخلوقين، لافعل المحدث المحتاج المشارك للضعفاء في صفات الضعف(٣)

٢٥ - ثم قال الرضاعليه‌السلام : لقد ذكرتني بما حكيته [ عن ] قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقول أمير المؤمنينعليه‌السلام وقول زين العابدينعليه‌السلام : أما قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فما حدثنيه أبي، عن جدي، عن أبيه " [ عن جده ]، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن [ يقبضه ] بقبض العلماء.

____________________

(١) أى كثير الدعاء والتأوه.

(٢) " حداث " أ." حدث " البحار: ٢٥.

(٣) عنه البحار: ٤ / ٣٠٣ ح ٣١(إلى قوله: ذنوب عباده)، وعنه البحار: ٢٥ / ٢٧٤ ضمن ح ٢٠، واثبات الهداة: ٧ / ٤٧١ ح ٦٤، وعن الاحتجاج: ٢٢ / ٢٣٣.

(*)

٥٣

فاذا لم ينزل عالم إلى عالم(١) يصرف عنه طلاب حطام الدنيا وحرامها، ويمنعون الحق أهله، ويجعلونه لغير أهله، اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا(٢) .

٢٦ - وأما قول أمير المؤمنينعليه‌السلام فهو قوله: يا معشر شيعتنا والمنتحلين [ مودتنا ](٣) إياكم وأصحاب الرأي، فانهم أعداء السنن، تفلتت(٤) منهم الاحاديث أن يحفظوها وأعيتهم السنة أن يعوها، فاتخذوا عباد الله خولا(٥) ، وماله دولا، فذلت لهم الرقاب وأطاعهم الخلق أشباه الكلاب، ونازعوا الحق أهله، وتمثلوا بالائمة الصادقين وهم من الجهال والكفار والملاعين، فسئلوا عما لا يعلمون، فأنفوا أن يعترفوا بأنهم لا يعلمون، فعارضوا الدين [ بآرائهم فضلوا وأضلوا.أما لو كان الدين ] بالقياس لكان باطن الرجلين أولى بالمسح من ظاهرهما(٦) .

٢٧ - وأما قول على بن الحسينعليهما‌السلام فانه قال: إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته(٧) وهديه، وتماوت(٨) في منطقه، وتخاضع في حركاته، فرويدا لا يغرنكم، فما أكثر

____________________

(١) قال المجلسى(ره): أى اذا لم يعلم العالم علمه: اما للتقية، أو لعدم قابلية المتعلمين فمات ذلك العالم، صرف طلاب حطام الدنيا الناس عن العلم لقلة أعوان العلم ويمنعون الحق أهله لذهاب أنصار الحق.

(٢) عنه البحار: ٢ / ٨٣ ح.

(٣) قال المجلسى(ره): " المنتحلين مودتنا " فيه تعريض بهم، اذ الانتحال: ادعاء أمر من غير الاتصاف به حقيقة، ويحتمل أن يكون المراد الذين اتخذوا مودتنا نحلتهم ودينهم.

(٤) قال المجلسى(ره): أى فات وذهب منهم حفظ الاحاديث، وأعجزهم ضبط السنة، فلم يقدروا عليه.

(٥) أى خدما وعبيدا.

(٦) عنه البحار: ٢ / ٨٤ ح ٩.

(٧) السمت: الطريق، وهيئة أهل الخير. (قاموس المحيط: ١ / ١٥٠).

(٨) " تمارث " أ." تمارت " الوسائل. مرث الشئ: لينه، ومرث الصبى اصبعه: لاكها.

ومرت الشئ: ملسه. قال ابن الاثير في النهاية: ٤ / ٣٧٠: تماوت الرجل: اذا أظهر من نفسه التخافت والتضاعف من العبادة والزهد والصوم. وقال الفيروز آبادى في قاموس المحيط: ١ / ١٥٨: المتماوت: الناسك المرائى.

(*)

٥٤

من يعجزه تناول الدنيا، وركوب المحارم منها(١) ، لضعف بنيته ومهانته وجبن قلبه فتصب الدين فخا(٢) لها، فهو لا يزل يختل(٣) الناس بظاهره، فان تمكن من حرام اقتحمه.

فاذا وجدتموه يعف من المال الحرام(فرويدا لايغرنكم، فان شهوات الخلق مختلفة، فما أكثر من ينبو عن المال الحرام)(٤) وإن أكثر، ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة، فيأتي منها محرما.

فاذا وجدتموه يعف عن ذلك، فرويدا لا يغرنكم حتى تنظروا ما عقدة(٥) عقله فما أكثر من يترك ذلك أجمع، ثم لا يرجع إلى عقل متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله.

فاذا وجدتم عقله متينا فرويدا لا يغرنكم حتى تنظروا مع هواه يكون على عقله؟ أو يكون مع عقله على هواه؟ وكيف محبته للرئاسات الباطلة وزهده فيها فان في الناس من خسر الدنيا والآخرة بترك(٦) الدنيا للدنيا، ويرى أن لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الاموال والنعم المباحة المحللة، فيترك ذلك أجمع طلبا للرئاسة، حتى إذا قيل له: " إتق الله، أخذته العزة بالاثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد ".(٧)

____________________

(١) " فيها " أ.

(٢) " فجا " أ.والفج: الطريق الواسع.

(٣) " يحيل " أ.ختله يختله: اذا خدعه وراوغه.

(٤) " قلبه " ط.وفى " أ " من بدل " عن ".

قال ابن الاثير في النهاية: ٥ / ١١: نبا عنه بصره: أى تجافى ولم ينظر اليه.

(٥) " عقيدة " ط." عقده " بعض المصادر.

قال المجلسى(ره) " يحتمل أن تكون " ما " استفهامية، والعقدة اسما بمعنى ما عقد عليه فيرجع إلى المعنى الاول، ويحتمل على الاخير أن يكون المراد ثبات عقله واستقراره وعدم تزلزله فيما يحكم به عقله ".

(٦) " يترك " ب، ط، والبحار.

(٧) اشارة لقوله تعالى في سورة البقرة: ٢٠٦.

(*)

٥٥

فهو يخبط [ خبط ](١) عشواء، يقوده أول باطل إلى أبعد غايات الخسارة، ويمد يده(٢) بعد طلبه لما لا يقدر [عليه](٣) في طغيانه، فهو يحل ما حرم الله، ويحرم ما أحل الله لايبالي ما فات من دينه إذا سلمت له رئاسته(٤) التي قد شقى من أجلها.فاولئك [ مع ] الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعدلهم عذابا مهينا.

ولكن الرجل كل الرجل، نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعا لامر الله، وقواه مبذولة في رضاء الله تعالى، يرى الذل مع الحق أقرب إلى عز الابد من العز في الباطل، ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرائها يؤديه إلى دوام النعم في دار لا تبيد ولا تنفد، وإن كثير ما يلحقه من سرائها إن اتبع هواه يؤديه إلى عذاب لا انقطاع له ولا زوال.

فذالكم الرجل نعم الرجل، فبه فتمسكوا، وبسنته فاقتدوا، وإلى ربكم فبه فتوسلوا، فانه لا ترد له دعوة، ولاتخيب له طلبة(٥)

٢٨ - ثم قال الرضاعليه‌السلام : إن هؤلاء الضلال الكفرة ما أتوا(٦) إلا من جهلهم بمقادير أنفسهم، حتى اشتد إعجابهم بها، وكثر تعظيمهم لما يكون منها، فاستبدوا بآرائهم الافسدة، واقتصروا على عقولهم المسلوك بها غير السبيل الواجب، حتى استصغروا

____________________

(١) من البحار: ويقال ذلك لمن يتصرف في الامور على غير بصيرة.

(٢) " يمد به " تنبيه الخواطر." يمد ربه " بعض المصادر.

قال المجلسى(ره): " ويمده ربه أى يقويه، من مد الجيش وأمده اذا زاده وقواه، أى بعد أن طلب مالا يقدر عليه من دعوى الامامة، ورئاسة الخلق، وافتاء الناس فعجز عنها لنقصه وجهله استحق منع لطفه تعالى عنه، فصار ذلك سببا لتماديه في طغيانه وضلاله ".

(٣) من البحار.

(٤) " الرئاسة " أ.

(٥) عنه تنبيه الخواطر: ٢ / ٩٨، والبحار: ٢ / ٨٤ ح ١٠، وفى ص ٨٥ ح ١١ عن الاحتجاج: ٢ / ٥٢، وعنه الوسائل: ٥ / ٣٩٤ ح ١٤ وعن الاحتجاج، وأخرجه في البحار: ٧٤ / ١٨٤ ح ١ عن الاحتجاج.

(٦) على بناء المجهول أى: ما اهلكوا.

قاله المجلسى(ره).

(*)

٥٦

قدر الله، واحتقروا أمره، وتهاونوا بعظيم شأنه.

إذ لم يعلموا أنه القادر بنفسه، الغني بذاته الذي ليست قدرته مستعارة، ولا غناه مستفادا، والذي من شاء أفقره، ومن شاء أغناه، ومن شاء أعجزه بعد القدرة وأفقره بعد الغنى.

فنظروا إلى عبد قد اختصه [ الله ](١) بقدرته ليبين بها فضله عنده، وآثره بكرامته ليوجب بها حجته على خلقه، وليجعل ما آتاه من ذلك ثوابا على طاعته، وباعثا على اتباع أمره، ومؤمنا عباده المكلفين من غلط من نصبه عليهم حجة، ولهم قدوة فكانوا كطلاب ملك من ملوك الدنيا، ينتجعون فضله، ويؤملون نائله، ويرجون التفيؤ(٢) بظله، والانتعاش بمعروفه، والانقلاب إلى أهليهم بجزيل عطائه الذي يغنيهم عن(٣) كلب الدنيا، وينقذهم من التعرض لدني المكاسب، وخسيس المطالب فبيناهم يسألون عن طريق الملك ليترصدوه، وقد وجهوا الرغبة نحوه، وتعلقت قلوبهم برؤيته إذ قيل: أنه سيطلع عليكم في جيوشه ومواكبه وخيله ورجله.

فاذا رأيتموه فأعطوه من التعظيم حقه، ومن الاقرار بالمملكة(٤) واجبه، وإياكم أن تسموا باسمه غيره، أو تعظموا سواه كتعظيمه، فتكونوا قد بخستم الملك حقه وأزريتم(٥) عليه، واستحققتم بذلك منه عظيم عقوبته.

فقالوا: نحن كذلك فاعلون جهدنا وطاقتنا.

فما لبثوا أن طلع عليهم بعض عبيد الملك في خيل قد ضمها إليه سيده، ورجل(٦) قد جعلهم في جملته، وأموال قد حباه بها، فنظر هؤلاء وهم للملك طالبون، فاستكثروا ما رأوا بهذا العبد من نعم

____________________

(١) من المصادر.

(٢) " الدنيا " ط.

(٣) " يعينهم على " الاحتجاج والبحار.

(٤) " بالملك له " ب، ط.

(٥) " أرذيتم " أ." أذريتم " ط.أزرى عليه عمله: عابه عليه، والازراء: التحقير، وأرذاه: نبذه.

(٦) الرجل - بكسر الراء -: الطائفة من الشئ.جمعها: أرجال.(لسان العرب: ١١ / ٢٧(٢).

(*)

٥٧

سيده، ورفعوه عن أن يكون هو المنعم عليه بما وجدوا معه(١) ، فأقبلوا إليه يحيونه تحية الملك، ويسمونه باسمه، ويجحدون أن يكون فوقه ملك أو له مالك.

فأقبل عليهم العبد المنعم عليه، وسائر جنوده، بالزجر والنهي عن ذلك، والبراء‌ة مما يسمونه به، ويخبرونهم بأن الملك هو الذي أنعم بهذا عليه، واختصه به، وأن قولكم [ ب‍ ] ما تقولون يوجب عليكم سخط الملك وعذابه، ويفيتكم(٢) كلما أملتموه من جهته، وأقبل هؤلاء القوم يكذبونهم ويردون عليهم قولهم.

فما زال كذلك حتى غضب [ عليهم ] الملك لما وجد هؤلاء قد سموا(٣) به عبده وأزروا عليه في مملكته، وبخسوه حق تعظيمه، فحشرهم أجمعين إلى حبسه، ووكل بهم من يسومهم سوء العذاب.

فكذلك هؤلاء وجدوا أمير المؤمنينعليه‌السلام عبدا أكرمه الله ليبين فضله، ويقيم حجته فصغر عندهم خالقهم أن يكون جعل عليا [ له ] عبدا، وأكبروا عليا أن يكون الله عزوجل له ربا، فسموه بغير اسمه، فنهاهم هو وأتباعه من أهل ملته وشيعته وقالوا لهم: يا هؤلاء إن عليا وولده عباد مكرمون، مخلوقون مدبرون لا يقدرون إلا على ما أقدرهم الله عليه رب العالمين، ولا يملكون إلا ما ملكهم [ الله ] لا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا، ولا قبضا ولا بسطا ولا حركة ولا سكونا إلا ما أقدرهم الله عليه وطوقهم، وإن ربهم وخالقهم يجل عن صفات المحدثين، ويتعالى عن نعوت المحدودين.

وإن من اتخذهم - أو واحدا منهم - أربابا من دون الله فهو من الكافرين، وقد ضل سواء السبيل.

____________________

(١) كذا في الاحتجاج، وفى غيره: معه عبدا.

(٢) قال المجلسى(ره): يفيتكم على بناء الافعال من الفوت وفى بعض النسخ " يفوتكم " بمعنى: يوجب..وأن يفوتكم.

(٣) " ساؤا " ط." سووا " الاحتجاج." ساووا " البحار.

(*)

٥٨

فأبى القوم إلا جماحا(١) وامتدوا في طغيانهم يعمهون، فبطلت أمانيهم، وخابت مطالبهم وبقوا في العذاب الاليم(٢) .

٣٠ - قال الامام أبومحمد الحسنعليه‌السلام : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : فاتحة(٣) الكتاب هذه أعطاها الله محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمته، بدأ فيها بالحمد لله والثناء عليه، ثم ثنى بالدعاء لله عزوجل ولقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: قال الله عزوجل: قسمت الحمد بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل: اذا قال العبد:(بسم الله الرحمن الرحيم) قال الله عزوجل: بدأ عبدي باسمي حق علي أن أتم‍ [ م ] له أموره، وأبارك له في أحواله.

فاذا قال:(الحمدلله رب العالمين) قال الله عزوجل: حمدني عبدي، وعلم أن النعم التي له من عندي، وأن البلايا التي اندفعت عنه فبتطو لي أشهدكم ياملائكتي أني أضيف له نعيم الدنيا إلى نعيم الآخرة، وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا.

فاذا قال:(الرحمن الرحيم) قال الله عزوجل: شهد لي عبدي بأني الرحمن الرحيم، أشهدكم لاوفرن من رحمتي حظه، ولا جزلن من عطائي نصيبه.

فاذا قال:(مالك يوم الدين) قال الله تعالى: أشهدكم كما اعترف بأني أنا المالك [ ل‍ ](٤) يوم الدين، لا سهلن يوم الحساب عليه حسابه، ولاتقبلن حسناته ولاتجاوزن عن سيئاته.

____________________

(١) جمع الرجل: اذا ركب هواه، وأسرع إلى الشئ، فلم يمكن رده.

(٢) عنه البحار: ٢٥ / ٢٧٣ ضمن ح ٢٠.وعن الاحتجاج: ٢ / ٢٣٢، وأخرجه في اثبات الهداة: ٧ / ٤٧٠ ح ٢ عن الاحتجاج.

(٣) " لما فرغ من تفسير فاتحة " الاصل.ولعله من اضافات النساخ.

(٤) من البحار: ٨٥.

(*)

٥٩

فاذا قال العبد: " إياك نعبد " قال الله تعالى: صدق عبدي إياي يعبد اشهدكم لا ثيبنه على عبادته ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي.

فاذا قال: " واياك نستعين " قال الله عزوجل: بي استعان عبدي؟ وإلي التجأ أشهدكم لا عينه [ على أمره ولا غيثنه ] في شدائده، ولآخذن بيده يوم(١) نوائبه.

فاذا قال: " اهدنا الصراط المستقيم " إلى آخرها قال الله عزوجل: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل [ و ] قد استجبت لعبدي، وأعطيته ما أمل، وأمنته مما منه وجل.

قيل: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن(بسم الله الرحمن الرحيم) أهي من فاتحة الكتاب؟ فقال: نعم، كان(٢) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقرؤها ويعدها آيه منها، ويقول: فاتحة الكتاب هي السبع المثاني، فضلت ب‍(بسم الله الرحمن الرحيم) وهي الآية السابعة منها.(٣)

____________________

(١) " في " أ.

(٢) " فان " أ.

(٣) عنه البحار: ٨٥ / ٥٩ ح ٤٧ وعن عيون أخبار الرضا: ١ / ٢٣٤ ح ٥٩(باسناده عن محمد بن القاسم.

إلى قوله: هى السبع المثانى) وعنه البحار: ٩٢ / ٢٢٦ ح ٣ وعن أمالى الصدوق: ١٤٧ ح ١ وعن العيون، وعنه في ص ٢٢٧ ح ٤ من البحار المذكور(ذيله) وعنه الوسائل: ٤ / ٧٤٧ ح ١٠ وعن العيون(قطعة) وعنه مستدرك الوسائل: ١ / ٣٠٥ باب ٤٤ ح ١ وعن العيون الامالى.

وأخرجه في الجواهر السنية: ١٣٤ عن العيون والامالى(قطعة).

(*)

٦٠