تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 216631
تحميل: 39681

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216631 / تحميل: 39681
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

فاذا قضى شهوته ونهمته وقال: الحمد لله رب العالمين، عادت كما كانت، فطارت في الهواء، وفخرت على سائر طيور الجنة، تقول: " من مثلي وقد أكل مني ولي الله عن أمر الله "(١) .

مدح زيد بن حارثة وابنه

٢٩٣ - قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : معاشر الناس أحبوا موالينا مع حبكم لآلنا(٢) هذا زيد بن حارثة وابنه أسامة من خواص موالينا فأحبوهما، فوالذي بعث محمدا بالحق نبيا لينفعكم حبهما ".

قالوا: وكيف ينفعنا حبهما؟ قال: إنهما يأتيان يوم القيامة علياعليه‌السلام بخلق عظيم من محبيها أكثر من ربيعة ومضر بعدد كل واحد منهم، فيقولان: يا أخا رسول الله هؤلاء أحبونا بحب محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبحبك، فيكتب لهم عليعليه‌السلام جوازا على الصراط، فيعبرون عليه ويردون الجنة سالمين.

وذلك أن أحدا لا يدخل الجنة من سائر امة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلا بجواز من عليعليه‌السلام فان أردتم الجواز على الصراط سالمين، ودخول الجنان غانمين، فأحبوا بعد حب محمد وآله مواليه، ثم إن أردتم أن يعظم محمد [وعلي](٣) عند الله تعالى منازلكم فأحبوا شيعة محمد وعلي، وجدوا في قضاء حوائج(٤) إخوانكم المؤمنين، فان الله

____________________

(١) عنه البحار: ٨ / ٦٨ ح ١٢ وص ١٦٥ ح ٨ قطعة، وج ١٧ / ٢٣٩ - ٢٤٨ ح ٢، وج ٢٢ / ٢٨١ ح ٣٧ قطعة، ج ٣٨ / ٢٠٩ ح ٥ قطعة، واثبات الهداة: ٢ / ١٦١ ح ٦٠٩(قطعة).

ورواه في الاحتجاج: ١ / ٣٧ - ٤٠ باسناده عن الحسن العسكرىعليه‌السلام (مع اختصار في وسطه وآخره) عنه البحار: ١٧ / ٢٤٩ ملحق ح ٢، واثبات الهداة: ٢ / ١٢ ح ٣٠٨ والايقاظ من الهجعة: ١٠٥(قطعة).

(٢) " لنا " ب، س، ط.

(٣) من البحار: ٨.

(٤) " حقوق " ص، د....

٤٤١

تعالى إذا أدخلكم الجنة معاشر شيعتنا ومحبينا(١) نادى مناديه في تلك الجنان: قد دخلتم ياعبادي الجنة برحمتي، فتقاسموها على قدر حبكم لشيعة محمد وعليعليهما‌السلام ، وقضائكم لحقوق إخوانكم المؤمنين.

فأيهم كان للشيعة أشد حبا، ولحقوق إخوانه المؤمنين أحسن قضاء أكانت درجاته في الجنان أعلى(٢) حتى أن فيهم من يكون أرفع من الآخر بمسيرة مائة ألف(٣) سنة ترابيع(٤) قصور وجنان(٥) .

قوله عزوجل: " قل ان كانت لكم الدار الاخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت ان كنتم صادقين ولن يتمنوه ابدا بما قدمت أيديهم والله عليم يالظالمين ولتجدنهم احرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمرو الله بصير بما يعملون ": ٩٤ - ٩٦ ٢٩٤ - قال الامامعليه‌السلام : قال الحسن بن علي بن أبي طالبعليهما‌السلام : إن الله تعالى لما وبخ [هؤلاء] اليهود على لسان رسوله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وقطع معاذيرهم، وأقام عليهم الحجج الواضحة بأن محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله سيد النبيين(٦) وخير الخلائق أجمعين، وأن عليا سيد الوصيين، وخير من يخلفه بعده في المسلمين، وأن الطيبين من آله هم القوام بدين الله والائمة لعباد الله عزوجل، وانقطعت معاذيرهم وهم لا يمكنهم إيراد حجة ولا شيهة، فجاء‌وا(٧) إلى أن كابروا، فقالوا:

____________________

(١) " محبهما " أ.

(٢) " في أعلى جنتى " أ، ط.

(٣) " خمسمائة " البحار.

(٤) كأن المراد بالترابيع: المربعات، فانها أحسن الاشكال، أو كان في الاصل مرابع جمع مربع، وهو منزل القوم في الربيع.

قاله المجلسى(ره).

(٥) عنه البحار: ٨ / ٥٧ ح ٧٣، وج ٢٢ / ١١٤ ح ٨٤(قطعة) وج ٦٩ / ٢٥١ ح ٣١، وغاية المرام: ٢٦٣ ح ٤.

(٦) " الاولين " أ.

(٧) " فلجأوا " البحار: ١٧.

٤٤٢

لاندري ما تقول، ولكنا نقول إن الجنة خالصة لنا من دونك يا محمد ودون علي ودون أهل دينك وامتك(١) وإنا بكم مبتلون [و] ممتحنون، ونحن أولياء الله المخلصون وعباده(٢) الخيرون، ومستجاب دعاؤنا، غير مردود علينا بشئ من سؤالنا ربنا.

فلما قالوا ذلك قال الله تعالى لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :(قل) يا محمد لهؤلاء اليهود:(إن كانت لكم الدار الاخرة) الجنة ونعيمها(خالصة من دون الناس) محمد وعلي والائمة، وسائر الاصحاب ومؤمني الامة، وأنكم بمحمد وذريته ممتحنون، وأن دعاء‌كم مستجاب غير مردود(فتمنوا الموت) للكاذبين منكم ومن مخالفيكم، فان محمدا وعلى وذويهما يقولون: " إنهم هم أولياء الله عزوجل من دون الناس الذين يخالفونهم في دينهم، وهم المجاب دعاؤهم " فان كنتم معاشر اليهود كما تدعون، فتمنوا الموت للكاذبين(٣) منكم ومن مخالفيكم.

(إن كنتم صادقين) بأنكم أنتم المحقون، المجاب دعاؤكم على مخالفيكم، فقولوا: " اللهم أمت الكاذب منا ومن مخالفينا " ليستريح منه الصادقون، ولتزداد حجتكم وضوحا بعد أن قد صحت ووجبت.

ثم قال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ما عرض هذا عليهم: لا يقولها أحد منكم إلا غص بريقه فمات مكانه.

وكانت اليهود علماء(٤) بأنهم هم الكاذبون، وأن محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلياعليه‌السلام ومصدقيهما هم الصادقون، فلم يجسروا أن يدعوا بذلك لعلمهم بأنهم إن دعوا فهم الميتون.

فقال الله تعالى:(ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم) يعني اليهود لن يتمنوا الموت بما قدمت أيديهم من كفرهم بالله، وبمحمد رسول الله ونبيه وصفيه، وبعلي أخي نبيه ووصيه(٥) وبالطاهرين من الائمة المنتجبين.

____________________

(١) " ملتك " أ.

(٢) " عباد الله " ب، س، ص، ط، د.

(٣) " للكاذب " ق، د.

(٤) عالمين " البحار: ١٧.

(٥) " صفيه " ق، د.

٤٤٣

قال الله تعالى:(والله عليم بالظالمين) اليهود أنهم لا يجسرون(١) أن يتمنوا الموت للكاذب، لعلمهم بأنهم هم الكاذبون، ولذلك آمرك أن تبهرهم بحجتك وتأمرهم أن يدعوا على الكاذب، ليمتنعوا من الدعاء، ويتبين للضعفاء أنهم هم الكاذبون، ثم قال: يا محمد(ولتجدنهم) يعني تجد هؤلاء اليهود(أحرص الناس على حياة) وذلك ليأسهم من نعيم الآخرة - لانهماكهم في كفرهم - الذي يعلمون أنه لاحظ لهم معه في شئ من خيرات الجنة.

(ومن الذين أشركوا) قال [تعالى](٢) : هؤلاء اليهود(أحرص الناس على حياة) وأحرص(من الذين أشركوا) على حياة يعني المجوس لانهم لا يرون النعيم إلا في الدنيا، ولا يأملون(٣) خيرا في الآخرة، فلذلك هم أشد الناس حرصا على حياة.

ثم وصف اليهود فقال:(يود - يتمنى - أحدهم لو يعمر ألف سنة وماهو - التعمير ألف سنة - بمزحزحه - بمباعده - من العذاب أن يعمر) [تعميره] وإنما قال:(وما هو بمزحزحه [من العذاب] أن يعمر) ولم يقل:(وما هو بمزحزحه) فقط لانه لو قال(وما هو بمزحزحه [من العذاب] والله بصير) لكان يحتمل أن يكون(وما هو) يعني(٤) وده وتمنيه(بمزحزحه) فلما أراد: وما تعميره، قال:(وما هو بمزحزحه أن يعمر).

ثم قال:(والله بصير بما يعملون) فعلى حسبه يجازيهم ويعدل عليهم ولا يظلمهم(٥) .

٢٩٥ - قال الحسن بن على بن أبى طالبعليهما‌السلام : لما كاعت(٦) اليهود عن هذا

____________________

(١) " يجرؤن " أ.

(٢) من البحار.

(٣) " يؤملون " ق، والبحار.

(٤) " مع " الاصل، والضمير هو لاحدهم، لا أن يتوهم عوده إلى التمنى، وأن يعمر فاعل مزحزحه، أى ما أحدهم ينجيه من النار تعميره.

انظر تفسير البيضاوى: ١ / ١٧٢(٥) عنه البحار: ٩ / ٣٢١ صدر ح ١٥، وج ١٧ / ٢٢٠ ح ٢٤(قطعة) والبرهان: ١ / ١٣١ ح ١.

(٦) كاع عنه: جبن عنه، وهابه.

٤٤٤

التمني، وقطع الله معاذيرها، قالت طائفة منهم - وهم بحضرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد كاعوا، وعجزوا -: يا محمد فأنت والمؤمنون المخلصون لك مجاب دعاؤكم، وعلى أخوك ووصيك أفضلهم وسيدهم؟ ! قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بلى.

قالوا: يا محمد فان كان هذا كما زعمت، فقل لعليعليه‌السلام يدعو الله لابن رئيسنا هذا، فقد كان من الشباب جميلا نبيلا وسيما قسيما(١) ، لحقه برص وجذام وقد صار حمى(٢) لا يقرب، ومهجورا لا يعاشر، يتناول الخبز على أسنة الرماح.فقال رسول صلى الله عليه: ائتوني به.فاتى به، ونظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه [منه] إلى منظر فظيع، سمج، قبيح، كريه، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا حسن ادع الله له بالعافية، فان الله تعالى يجيبك فيه.

فدعا له، فلما كان بعد فراغه من دعائه إذ الفتى قد زال عنه كل مكروه، وعاد إلى أفضل ماكان عليه من النبل والجمال والوسامة والحسن في المنظر.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للفتى: [يا فتى] آمن بالذي أغاثك من بلائك.

قال الفتى: قد آمنت - وحسن إيمانه -.

فقال أبوه: يا محمد ظلمتني وذهبت مني بابني، ليته كان أجذم وأبرص كما كان ولم يدخل في دينك، فان ذلك كان أحب إلى.قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .لكن الله عزوجل قد خلصه من هذه الآفة، وأوجب له نعيم الجنة.

قال أبوه: يا محمد ماكان هذا لك ولا لصاحبك، إنما جاء وقت عافيته فعوفي وإن كان صاحبك هذا - يعني علياعليه‌السلام - مجابا في الخير فهو أيضا مجاب في الشر فقل له يدعو على بالجذام والبرص، فاني أعلم أنه لا يصيبني، ليتبين لهؤلاء

____________________

(١) أى جميلا.

(٢) أى ممنوع، محظور، وهذه وما بعدها كناية عن ابتعاد الناس عنه خوف العدوى.

٤٤٥

الضعفاء - الذين قد اغتروا بك - أن زواله عن ابني لم يكن بدعائه.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا يهودي اتق الله، وتهنأ بعافية الله إياك، ولا تتعرض للبلاء ولما لا تطيقه، وقابل النعمة بالشكر، فان من كفرها سلبها، ومن شكرها امترى(١) مزيدها.

فقال اليهودي: من شكر نعم الله تكذيب عدو الله المفتري عليه، وإنما اريد بهذا أن اعرف ولدي أنه ليس مما قلت [له] وادعيته قليل ولا كثير، وأن الذي أصابه من خير لم يكن بدعاء علي صاحبك.

فتبسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: يا يهودي هبك قلت أن عافية ابنك لم تكن بدعاء عليعليه‌السلام ، وإنما صادف دعاؤه وقت مجئ عافيته، أرأيت لو دعا عليك عليعليه‌السلام بهذاالبلاء الذي اقترحته فأصابك، أتقول إن ما أصابني لم يكن بدعائه، ولكن لانه صادف دعاؤه وقت [مجئ] بلائي؟ فقال: لا أقول هذا، لان هذا احتجاج مني على عدو الله في دين الله، واحتجاج منه علي، والله أحكم من أن يجيب إلى مثل هذا، فيكون قد فتن عباده، ودعاهم إلى تصديق الكاذبين.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فهذا في دعاء علي لابنك كهو في دعائه عليك، لا يفعل الله تعالى مايلبس به على عباده دينه، ويصدق به الكاذب عليه.

فتحير اليهودي لما أبطلصلى‌الله‌عليه‌وآله شبهته، وقال: يا محمد ! ليفعل علي هذا بي إن كنت صادقا.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : يا أبا الحسن قد أبى الكافر إلا عتوا وطغيانا وتمردا، فادع عليه(٢) بما اقترح، وقل: اللهم ابتله ببلاء ابنه من قبل.

فقالها، فأصاب اليهودي داء ذلك الغلام مثل ما كان فيه(٣) الغلام من الجذام والبرص، واستولى عليه

____________________

(١) يقال: امترى اللبن ونحوه: استخرجه واستدره.

(٢) " الله " س، ص.

(٣) " في " أ، ب، ط.

٤٤٦

الالم والبلاء، وجعل يصرخ ويستغيث ويقول: يا محمد قد عرفت صدقك فأقلني(١) .

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو علم الله صدقك لنجاك، ولكنه عالم بأنك لاتخرج عن هذا الحال إلا ازددت كفرا، ولو علم أنه إن نجاك آمنت به لجاد عليك بالنجاة فانه الجواد الكريم.

قالعليه‌السلام : فبقي اليهودي في ذلك الداء والبرص أربعين سنة آية للناظرين وعبرة للمتفكرين(٢) وعلامة وحجة بينة لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله باقية في الغابرين(٣) وبقي ابنه كذلك معافى صحيح الاعضاء والجوارح ثمانين سنة عبرة للمعتبرين، وترغيبا للكافرين في الايمان، وتزهيدا لهم في الكفر والعصيان.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين حل ذلك البلاء باليهودي بعد زوال البلاء عن ابنه: عباد الله إياكم والكفر لنعم الله، فانه مشوم على صاحبه، ألا وتقربوا إلى الله بالطاعات يجزل لكم المثوبات، وقصروا أعماركم في الدنيا بالتعرض لاعداء الله في الجهاد لتنالوا طول أعمار الاخرة في النعيم الدائم الخالد، وابذلوا أموالكم في الحقوق اللازمة ليطول غناكم في الجنة.

فقام ناس فقالوا: يا رسول الله نحن ضعفاء الابدان قليلو الاموال لا نفي بمجاهدة الاعداء، ولا تفضل أموالنا عن نفقات العيالات، فماذا نصنع؟ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا فلتكن صدقاتكم من قلوبكم وألسنتكم.

قالوا: كيف يكون ذلك يا رسول الله؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما القلوب فتقطعونها(٤) على حب الله، وحب(٥) محمد رسول الله، وحب علي ولي الله ووصي رسول الله، وحب المنتجبين للقيام بدين الله، وحب شيعتهم

____________________

(١) أى اصفح عنى." فاقبلنى " أ." فاقلبنى " خ ل، ط، وقبل الكلام: صدقه.

(٢) " للمعتبرين " ص، والبحار.

(٣) زاد في البحار: وعبرة للمتكبرين.

(٤) " فتقطعوا بها " أ، ط، البرهان.

(٥) " بحب " أ، وكذا بعدها.

٤٤٧

ومحبيهم، وحب إخوانكم المؤمنين، والكف عن اعتقادات العداوة والشحناء والبغضاء.

وأما الالسنة فتطلقونها بذكر الله تعالى بما هو أهله، والصلاة على نبيه محمد(١) وآله الطيبين، فان الله تعالى بذلك يبلغكم أفضل الدرجات، وينيلكم به المراتب العاليات(٢) .

قوله عزوجل: " قل من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك باذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين.

من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فان الله عدو للكافرين ": ٩٧ - ٩٨.

٢٩٦ - قال الامامعليه‌السلام : قال الحسن(٣) بن عليعليهما‌السلام : إن الله تعالى ذم اليهود في بغضهم لجبرئيل الذي كان ينفذ قضاء الله فيهم بما يكرهون، وذمهم أيضا وذم النواصب في بغضهم لجبرئيل وميكائيل وملائكة الله النازلين لتأييد علي بن أبي طالبعليه‌السلام على الكافرين حتى أذلهم بسيفه الصارم، فقال: قل يا محمد:(من كان عدوا لجبريل) من اليهود لدفعه عن " بخت نصر " أن يقتله " دانيال "(٤) من غير ذنب كان جناه " بخت نصر "(٥) حتى بلغ كتاب الله في اليهود أجله، وحل

____________________

(١) " محمد وعلى " ب، س، ص، ط.

(٢) عنه مناقب آل أبى طالب: ٢ / ٣٣٥(قطعة)، والبحار: ٩ / ٣٢٣ ضمن ح ١٥، والبرهان: ١ / ١٣٢ ح ٢، ومدينة المعاجز: ٧٤ ح ١٨٧.

(٣) " الحسين " ص، والبحار، وزاد في الاخير: بن أبى طالب.

(٤) تقدم شبيه هذا الادعاء في ص ٤٠٧ ويأتى الكلام عليه في ص ٤٥٤.

(٥) وقد وقع نظير هذا في قصة موسى والخضرعليهما‌السلام في القرآن الكريم في سورة الكهف: ٦٥ - ٨٢: " فانطلقا حتى اذا ركبا في السفينة خرقها...فانطلقا حتى اذا لقيا غلاما فقتله..." ثم ذكر موسىعليه‌السلام تأويل ما لم يستطع صاحبه عليه صبرا فقال: " أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراء‌هم ملك يأخذ كل سفينة غصبا، وأما الغلام فكن أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا.

فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما " إلى أن قال: " وما فعلته عن أمرى ".

اقول: هو في هذا المورد أمر الهى استثنائى، وتفويض ربانى خاص للانبياء والاوصياء الذين آتاهم الله العلم والحكمة من عنده.وكذا الحال في غيره من الموارد ان ثبت حدوثها وتحقق، والا فنذره في بقعة الامكان.

٤٤٨

بهم ما جرى في سابق علمه.

ومن كان أيضا عدوا لجبرئيل من سائر الكافرين، ومن أعداء محمد وعلي المناصبين(١) ، لان الله تعالى بعث جبرئيل لعليعليه‌السلام مؤيدا، وله على أعدائه ناصرا.

ومن كان عدوا لجبرئيل لمظاهرته محمدا وعلياعليهما‌السلام ومعاونته لهما وانفاذه(٢) لقضاء ربه عزوجل في إهلاك أعدائه على يد من يشاء من عباده(٣) .

(فانه) يعني جبرئيل(نزله) يعني نزل هذا القرآن(على قلبك) يا محمد(باذن الله) بأمر الله، وهو كقوله:(نزل به الروح الامين.على قلبك لتكون من المنذرين.بلسان عربي مبين)(٤) .

(مصدقا - موافقا - لما بين يديه) [نزل هذا القرآن جبرئيل على قلبك يا محمد مصدقا موافقا لما بين يديه] من التوراة والانجيل والزبور وصحف إبراهيم وكتب شيث وغيرهم من الانبياء(٥) .

في فضائل القرآن، وفضل تعلمه وتعليمه

٢٩٧ - قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن هذا القرآن هو النور المبين، والحبل المتين، والعروة الوثقى، والدرجة العليا، والشفاء الاشفى، والفضيلة الكبرى، والسعادة

____________________

(١) " الناصبين " ص، ط، البحار، والبرهان.

(٢) " انقياده " أ، ق.

(٣) " لعباده " أ.

(٤) الشعراء: ١٩٣ - ١٩٥.

(٥) عنه البحار: ٩ / ٢٨٤ صدر ح ٢، وج ٣٩ / ١٠٣ صدر ح ١٢، والبرهان: ١ / ١٣٣ صدر ح ١

٤٤٩

العظمى، من استضاء به نوره الله، ومن اعتقد به في(١) اموره عصمه الله، ومن تمسك به أنقذه الله، ومن لم يفارق أحكامه رفعه الله، ومن استشفى به شفاه الله، ومن آثره على ما سواه هداه الله، ومن طلب الهدى في غيره أضله الله، ومن جعله شعاره ودثاره أسعده الله، ومن جعله إمامه الذي يقتدي به ومعوله(٢) الذي ينتهي إليه، أداه الله إلى جنات النعيم، والعيش السليم، فلذلك قال:(هدى) يعني هذا القرآن هدى(وبشرى للمؤمنين) يعني بشارة لهم في الآخرة.

وذلك أن القرآن يأتي يوم القيامة بالرجل الشاحب(٣) يقول لربه عزوجل: [يا رب] هذا أظمأت نهاره، وأسهرت ليله، وقويت في رحمتك طمعه، وفسحت في مغفرتك أمله، فكن عند ظني [فيك] وظنه.

يقول الله تعالى: أعطوه الملك بيمينه، والخلد بشماله، وأفرنوه بأزواجه من الحور العين، واكسوا والديه حلة لا تقوم لها الدنيا بما فيها.

فينظر إليهما الخلائق فيعظمونهما(٤) وينظران إلى أنفسهما فيعجبان منها ويقولان: يا ربنا أنى لنا هذه ولم تبلغها أعمالنا؟ فيقول الله تعالى: ومع هذا تاج الكرامة، لم ير مثله الراؤن، ولا يسمع بمثله السامعون، ولا يتفكر في مثله المتفكرون.

فيقال(٥) : هذا بتعليمكما ولدكما القرآن، وتبصير كما إياه بدين الاسلام ورياضتكما إياه على حب محمد رسول الله وعلي ولي الله، وتفقيهكما إياه بفقههما لانهما اللذان لا يقبل الله لاحد إلا بولايتهما ومعاداة أعدائهما عملا، وإن كان مل‌ء مابين الثرى إلى العرش ذهبا تصدق به في سبيل الله.

____________________

(١) " عقد به " ب، ق، د، والبحار، والبرهان.

(٢) " معاده " أ، ط، يقال: عولنا إلى فلان في حاجتنا أى لجأنا وفزعنا اليه فوجدناه نعم المعول.

(٣) " الشاب " أ.

(٤) " فيغبطونهما " ب، ط، د.

(٥) " وقال " أ، " فقال " ب، س، ق، د.

٤٥٠

فتلك من البشارات التي يبشرون بها، وذلك قوله عزوجل:(وبشرى للمؤمنين) شيعة محمد وعلي ومن تبعهم من أخلافهم وذراريهم(١) .

٢٩٨ - ثم قال:(من كان عدوا لله) لانعامه على محمد وعلي وعلى آلهما الطيبين، وهؤلاء الذين بلغ من جهلهم أن قالوا: نحن نبغض الله الذي أكرم محمدا وعليا بما يدعيان.

(وجبريل) ومن كان عدوا لجبريل، لان الله جعله ظهيرا لمحمد وعليعليهما‌السلام على أعداء الله، وظهيرا لسائر الانبياء والمرسلين كذلك.

(وملائكته) يعني ومن كان عدوا لملائكة الله المبعوثين لنصرة دين الله، وتأييد أولياء الله، وذلك قول بعض النصاب المعاندين: برئت من جبرئيل الناصر لعلي و(٢) قوله تعالى(ورسله) ومن كان عدوا لرسل الله موسى وعيسى وسائر الانبياء الذين دعوا إلى نبوة محمد وإمامة علي، وذلك قول النواصب: برئنا من هؤلاء الرسل الذين دعوا إلى إمامة علي.

ثم قال:(وجبريل وميكال) أي من كان عدوا لجبرئيل وميكائيل، وذلك كقول من قال من النواصب لما قال النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله في عليعليه‌السلام : " جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره وإسرافيل من خلفه، وملك الموت أمامه، والله تعالى من فوق عرشه ناظر بالرضوان إليه ناصره ".

قال بعض النواصب: فأنا أبرأ من الله و [من] جبرئيل وميكائيل والملائكة الذين حالهم مع علي ما قاله محمد.

فقال: من كان عدوا لهؤلاء تعصبا على علي بن أبي طالبعليه‌السلام (فان الله عدو للكافرين) فاعل بهم ما يفعل العدو بالعدو من إحلال النقمات وتشديد العقوبات.

____________________

(١) عنه البحار: ٩٢ / ٣١ ح ٣٤، والبرهان: ١ / ١٣٣ ضمن ح ١.

(٢) " وهو " ب، س، ص، ط، البحار، والبرهان.

٤٥١

وكان سبب نزول هاتين الآيتين ما كان من اليهود أعداء الله من قول سئ في جبرئيل وميكائيل [وسائر ملائكة الله] وما كان من أعداء الله النصاب من قول أسوء منه في الله وفي جبرئيل وميكائيل، وسائر ملائكة الله: أما ماكان من النصاب، فهو أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما كان لايزال يقول في عليعليه‌السلام الفضائل التي خصه الله عزوجل بها، والشرف الذي أهله الله تعالى له، وكان في كل ذلك يقول: " أخبرني به جبرئيل عن الله " ويقول في بعض ذلك: " جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، ويفتخر جبرئيل على ميكائيل في أنه عن يمين عليعليه‌السلام الذي هو أفضل من اليسار، كما يفتخر نديم ملك عظيم في الدنيا يجلسه [الملك] عن يمينه على النديم الآخر الذي يجلسه على يساره، ويفتخران على إسرافيل الذي خلفه بالخدمة، وملك الموت الذي أمامه بالخدمة، وأن اليمين والشمال أشرف من ذلك كافتخار حاشية(١) الملك على زيادة قرب محلهم من ملكهم ".

في أن أشرف الملائكة أشدهم حبا لعليعليه‌السلام

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في بعض أحاديثه: إن الملائكة أشرفها عند الله أشدها لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام حبا، وإن قسم الملائكة فيما بينهم: والذي شرف علياعليه‌السلام على جميع الورى بعد محمد المصطفى".

ويقول مرة [أخرى]: " إن ملائكة السماوات والحجب ليشتاقون إلى رؤية علي ابن أبي طالبعليه‌السلام كما تشتاق الوالدة الشفيقة إلى ولدها البار الشفيق آخر من بقي عليها بعد عشرة دفنتهم " فكان هولاء النصاب يقولون: إلى متى يقول محمد: جبرئيل(٢) وميكائيل والملائكة كل ذلك تفخيم لعلي وتعظيم لشأنه؟ ويقول الله تعالى لعلي خاص من دون سائر الخلق؟ برئنا من رب ومن ملائكة ومن جبرئيل وميكائيل هم

____________________

(١) " خاصة " أ.

(٢) " وجبرئيل " أ.

٤٥٢

لعلي بعد محمد مفضلون.وبرئنا من رسل الله الذين هم لعلي بن أبي طالب بعد محمد مفضلون.

وأما ما قاله اليهود، فهو أن اليهود - أعداء الله - لما قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة أتوه بعبدالله بن صوريا، فقال: يا محمد كيف نومك؟ فانا قد اخبرنا عن نوم النبى الذي يأتي في آخر الزمان.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تنام عيني وقلبي يقظان، قال: صدقت يا محمد.

قال: وأخبرني يا محمد الولد يكون من الرجل أو من المرأة؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل، وأما اللحم والدم والشعر فمن المرأة، قال: صدقت يا محمد، ثم قال: فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شئ، ويشبه أخواله ليس فيه من شبه أعمامه شئ؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيهما علا ماؤه ماء صاحبه كان الشبه(١) له.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عمن لا يولد له [ومن يولد له]؟ فقال: إذا مغرت النطفة لم يولد له - أي إذا احمرت وكدرت - فاذا كانت صافية ولد له.

فقال: أخبرني عن ربك ما هو؟ فنزلت(قل هو الله أحد) إلى آخرها.

فقال ابن صوريا: صدقت [يا محمد] خصلة بقيت إن قلتها آمنت بك واتبعتك: أي ملك يأتيك بما تقوله عن الله؟ قال: جبرئيل.

قال ابن صوريا: ذلك عدونا من بين الملائكة، ينزل بالقتال والشدة والحرب ورسولنا ميكائيل يأتي بالسرور والرخاء، فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك آمنا بك لانه كان يشدد(٢) ملكنا، وجبرئيل كان يهلك ملكنا فهو عدونا لذلك.

فقال له سلمان الفارسىرضي‌الله‌عنه : وما بدء عداوته لكم؟ قال: نعم يا سلمان عادانا مرارا كثيرة، وكان من أشد ذلك علينا أن الله أنزل

____________________

(١) " أشبه " أ.

(٢) " يمسك " س، " يسدد " ق، د.شدده: قواه.

٤٥٣

على أنبيائه أن بيت المقدس يخرب على يد رجل يقال له: " بخت نصر " وفى زمانه اخبرنا بالحين(١) الذي يخرب فيه، والله يحدث الامر بعد الامر فيمحو مايشاء ويثبت.

فلما بلغ ذلك الحين الذي يكون فيه هلاك بيت المقدس بعث أوائلنا رجلا من أقوياء بني إسرائيل وأفاضلهم - كان يعد من أنبيائهم - يقال له " دانيال " في طلب " بخت نصر " ليقتله(٢) .

____________________

(١) من البحار، وفى الاصل: بالخبر، وكذا في الموضع التالى.

(٢) تقدم ما يشابه ذلك في ص ٤٠٧ وص ٤٤٨، ويأتى في ذيل الاية: ١١٣، ويؤيد ذكر هذه المحاججة بطريق آخر عن ابن عباس، حيث رواها الواحدى في أسباب النزول: ١٨، البيضاوى في أنوار التنزيل: ١ / ١٧٢، أبوالسعود في تفسيره: ١ / ١٣٢، أبوالفتوح الرازى في تفسيره: ١ / ٢٦٢، الفخر الرازى في تفسيره: ٣ / ١٩٤، والبغوى في تفسيره: ١ / ٩٦ - واللفظ له - قالوا: قال ابن عباسرضي‌الله‌عنه : ان حبرا من أحبار اليهود، يقال له عبدالله بن صوريا قال للنبىصلى‌الله‌عليه‌وآله : اى ملك يأتيك من السماء؟ قال: جبريل.

قال: ذلك عدونا من الملائكة، ولو كان ميكائيل لامنا بك، ان جبريل ينزل العذاب والقتال والشدة وانه عادانا مرارا، كان أشد ذلك علينا أن الله تعالى أنزل على نبينا: أن بيت المقدس سيخرب على يد رجل يقال له: بختنصر، وأخبرنا بالحين الذى يخرب فيه، فلما كان وقته بعثنا " رجلا من أقوياء بنى اسرائيل " في طلبه ليقتله، فانطلق حتى لقيه ببابل غلاما مسكينا فأخذه ليقتله، فدفع عنه جبريل، وكبر بختنصر وقوى وغزانا وخرب بيت المقدس، فلهذا نتخذه عدوا.

فأنزل الله هذه الاية.

وغير خفى أنه لم يصرح باسم " دانيال " في هذه المصادر بل اصطلح عليه: " رجلا من أقوياء بنى اسرائيل ".

وقد تبين لنا أن فيما ارخ في كتب السيرة والتاريخ من قصة بختنصر ودانيال اختلاف شديد وأقول متضاربة، كما صرح بذلك ابن الاثير في الكامل: ١ / ١٠٤، والطبرى في تاريخه: ١ / ٣٨٧، والشيخ المجلسى في البحار: ١٤ / ٣٥٥.

ولعل منشأ ذلك طول الفترة التاريخية المبهمة التى جرت فيها هذه الاحداث، حيثتبلغ ستمائة سنة تقريبا.

وأيضا تشابه أحداث ووقائع غزو بختنصر لبنى اسرائيل.

أضف إلى ذلك ثالثا: وجود ملكين باسم بختنصر: الاول: بختنر الاكبر الذى غزا بنى اسرائيل وقتلهم عند قتلهم نبيهم شعيا في عهد أرميا الذى كان معاصرا لدانيال.

الثانى: بختنصر بن ملتنصر بن بختنصر الاكبر، حيث قام في السنة الثالثة عشرة من ملكه بغزو بنى اسرائيل في بيت المقدس وقتل منهم سبعين ألفا على دم يحيى بن زكريا، كما صرح بذلك المسعودى في اثبات الوصية: ٨٤، وقد ذكروا أن بين عهد ارميا وقتل يحيى أربعمائة واحدى وستون سنة.

٤٥٤

فحمل معه وقر(١) مال لينفعه في ذلك، فلما انطلق في طلبه لقيه ببابل غلاما ضعيفا مسكينا ليس له قوة ولا منعة، فأخذه صاحبنا ليقتله، فدفع عنه جبرئيل وقال لصاحبنا: إن كان ربكم هو الذي أمره بهلاككم، فان الله لا يسلطك عليه، وإن لم يكن هذا فعلى أي شئ تقتله؟ فصدقه صاحبنا، وتركه ورجع إلينا فأخبرنا بذلك، وقوي " بخت نصر " وملك وغزانا وخرب بيت المقدس، فلهذا نتخذه عدوا، وميكائيل عدو لجبرئيل.

فقال سلمان: يا ابن صوريا بهذا العقل المسلوك به غير سبيله ضللتم، أرأيتم أوائلكم كيف بعثوا من يقتل " بخت نصر " وقد أخبر الله تعالى في كتبه على ألسنة رسله أنه يملك ويخرب بيت المقدس؟ وأرادوا تكذيب أنبياء الله في أخبارهم واتهموهم [في أخبارهم] أو صدقوهم في الخبر عن الله، ومع ذلك أرادوا مغالبة الله، هل كان هؤلاء ومن وجهوه إلا كفارا بالله؟ وأي عداوة يجوز أن يعتقد لجبرئيل وهو يصد عن مغالبة الله عزوجل، وينهى عن تكذيب خبر الله تعالى؟ فقال ابن صوريا: قد كان الله تعالى أخبر بذلك على ألسن أنبيائه، ولكنه

____________________

(١) الوقر - بالكسر -: الحمل الثقيل.

٤٥٥

يمحو ما يشاء ويثبت.

قال سلمان: فاذا لا تثقوا(١) بشئ مما في التوراة من الاخبار عما مضى وما يستأنف فان الله يمحو ما يشاء ويثبت، وإذا لعل الله قد كان عزل موسى وهارون عن النبوة وأبطلا في دعواهما لان الله يمحو ما يشاء ويثبت، ولعل كل ما أخبراكم أنه يكون لا يكون، وما أخبراكم أنه لا يكون يكون، وكذلك ما أخبراكم عما كان لعله لم يكن، وما أخبراكم أنه لم يكن لعله كان، ولعل ما وعده من الثواب يمحوه ولعل ما توعده من العقاب يمحوه، فانه يمحو ما يشاء ويثبت، إنكم جهلتم معنى يمحو الله ما يشاء ويثبت.فلذلك أنتم بالله كافرون ولاخباره عن الغيوب مكذبون، وعن دين الله منسلخون.

ثم قال سلمان: فاني أشهد أن من كان عدوا لجبرئيل، فانه عدو لميكائيل، وإنهما جميعا عدوان لمن عاداهما، سلمان لمن سالمهما.

فأنزل الله عزوجل [عند ذلك] موافقا لقول سلمان(ره)(قل من كان عدوا لجبريل) في مظاهرته لاولياء الله على أعداء الله، ونزوله بفضائل علي ولي الله من عند الله(فانه نزله) فان جبرئيل نزل هذا القرآن(على قلبك باذن الله) بأمر الله(مصدقا لما بين يديه) من سائر كتب الله(وهدى) من الضلالة(وبشرى للمؤمنين) بنبوة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وولاية عليعليه‌السلام ومن بعده من الائمة بأنهم أولياء الله حقا إذا ماتوا على موالاتهم لمحمد وعلي وآلهما الطيبين.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا سلمان إن الله صدق قيلك ووثق(٢) رأيك، وإن جبرئيل عن الله تعالى يقول: يا محمد، سلمان والمقداد أخوان متصافيان في ودادك ووداد علي أخيك ووصيك وصفيك، وهما في أصحابك(٣) كجبرئيل وميكائيل في

____________________

(١) " تيقنوا " أ، ط.

(٢) " وفق " س، ص، ق، د، والبحار: ٩ و ٢٢.

(٣) " أصحابكما " ص.

٤٥٦

الملائكة [عدوان لمن أبغض أحدهما، ووليان لمن والاهما، ووالى محمدا وعليا و] عدوان لمن عادى محمدا وعليا وأولياء‌هما(١) ولو أحب أهل الارض سلمان والمقداد كما يحبهما ملائكة السماوات والحجب والكرسي والعرش لمحض(٢) ودادهما لمحمد وعلي وموالاتهما لاوليائهما ومعاداتهما لاعدائهما لما عذب الله تعالى أحدا منهم بعذاب البتة(٣) .

٢٩٩ - قال الحسن(٤) بن علىعليهما‌السلام : فلما قال ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في سلمان والمقداد، سر به المؤمنون وانقادوا، وساء ذلك المنافقين فعاندوا وعابوا، وقالوا: يمدح محمد الاباعد ويترك الادنين من أهله لا يمدحهم ولا يذكرهم.

فاتصل ذلك برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: ما لهم - لحاهم(٥) الله يبغون للمسلمين السوء؟ وهل نال أصحابي ما نالوه من درجات الفضل إلا بحبهم لي ولاهل بيتي؟ والذي بعثني بالحق نبيا إنكم لن تؤمنوا حتى يكون محمد وآله أحب إليكم من أنفسكم وأهليكم وأموالكم ومن في الارض جميعا.ثم دعا بعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام فغمتهم(٦) بعباء‌ته القطوانية.

ثم قال: هؤلاء خمسة لاسادس لهم من البشر.

ثم قال: أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالهم.

____________________

(١) زاد في " أ ": ووليان لمن والاهم، وأسقط مابين.

(٢) أى لخالص.

(٣) عنه البحار: ٩ / ٢٨٥ ضمن ح ٢، وج ٣٩ / ١٠٦ ضمن ح ١٢(قطعة)، والبرهان: ١ / ١٣٤ ضمن ح ١، وعنه البحار: ٢٢ / ٣٢٧ ح ٣٤، وج ٦٠ / ٣٣٦ ح ٩(قطعة) وعن الاحتجاج: ١ / ٤٨ باسناده عن أبى محمد العسكرىعليه‌السلام وأخرجه في البرهان: ٤ / ٥٢٣ ح ١(قطعة)، واثبات الهداة: ١ / ٣٦١ ح ٧٢(قطعة) عن الاحتجاج.

(٤) " الحسين " س، والبحار.

(٥) أى لعنهم وقبحهم." نحاهم " ص.

(٦) " فغطاهم " خ ل، ط.وكلاهما بمعنى، وفى البحار، ق، د: " فعمهم ".

عم القوم بالعطية: شملهم.

٤٥٧

فقالت(١) أم سملة ورفعت جانب العباء لتدخل، فكفها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: لست هناك وإن كنت في خير وإلى خير.فانقطع عنها طمع البشر.

وكان جبرئيل معهم، فقال: يا رسول الله وأنا سادسكم؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم أنت سادسنا.

فارتقى السماوات، وقد كساه الله من زيادة الانوار ماكادت الملائكة لا تبينه حتى قال: بخ بخ من مثلي؟ أنا جبرئيل سادس محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

وذلك مافضل الله به جبرئيل على سائر الملائكة في الارضين والسماوات(٢) .

قال: ثم تناول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن بيمينه والحسين بشماله، فوضع هذا على كاهله الايمن، وهذا على كاهله الايسر، ثم وضعهما على الارض، فمشى بعضهما إلى بعض يتجاذبان، ثم اصطرعا، فجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول للحسن: " إيها(٣) [يا] أبا محمد " فيقوى الحسن، ويكاد يغلب الحسين [ثم يقوى الحسينعليه‌السلام فيقاومه].

فقالت فاطمةعليها‌السلام : يا رسول الله أتشجع الكبير على الصغير؟ فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا فاطمة أما إن جبرئيل وميكائيل كما(٤) قلت للحسن: " إيها [يا] أبا محمد " قالا للحسين: " إيها [يا] أبا عبدالله " فلذلك تقاوما وتساويا - أما إن الحسن والحسين حين(٥) كان يقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للحسن: " إيها أبا محمد " ويقول جبرئيل: " إيها أبا عبدالله " لو رام كل واحد منهما حمل الارض بما عليها من جبالها وبحارها وتلالها، وسائر ما على ظهرها لكان أخف عليهما من شعرة على أبدانهما، وإنما تقاوما لان كل واحد منهما نظير الآخر - هذان قرتا عيني، هذان

____________________

(١) أى فأقبلت." فقامت " البحار." فقالت فاطمة " ب، ط، وهو تصحيف، واسم ام سلمة: هند،(٢) تقدم حديث العباء‌ة ص ٣٧٦.

(٣) ايه: اسم فعل للاستزادة من حديث أو فعل.

(٤) " كلما " ط، ق، والبحار.

(٥) " لما " س، والبحار.

٤٥٨

ثمرتا فؤادي، هذان سندا ظهري، هذان سيدا شباب أهل الجنة من الاولين والآخرين وأبوهما خير منهما، وجدهما رسول الله خيرهم أجمعين.

فلما قال ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قالت اليهود والنواصب: إلى الآن كنا نبغض جبرئيل وحده، والآن قد صرنا نبغض ميكائيل أيضا لادعائهما لمحمد وعلي إياهما ولولديه(١) .

فقال الله عزوجل:(من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فان الله عدو للكافرين "(٢) .

قوله عزوجل: " ولقد أنزلنا اليك آيات بينات ومايكفر بها الا الفاسقون ": ٩٩

٣٠٠ - قال الامامعليه‌السلام قال الله تعالى:(ولقد أنزلنا إليك) يا محمد(آيات بينات) دالات على صدقك في نبوتك، مبينات عن إمامة علي أخيك ووصيك وصفيك موضحات عن كفر من شك فيك أو في أخيك، أو قابل أمر كل واحد منكما بخلاف القبول والتسليم.

ثم قال:(وما يكفر بها) بهذه الآيات الدالات على تفضيلك وتفضيل علي بعدك على جميع الورى(إلا الفاسقون) [الخارجون](٣) عن دين الله وطاعته، من اليهود الكاذبين، والنواصب المتسمين بالمسلمين(٤) .

____________________

(١) " لولديهما " ب، ص.

(٢) عنه البحار: ٣٩ / ١٠٦ ذ ح ١٢.

(٣) كذا استظهرها في " س "، وكما في البحار.

(٤) عنه البحار: ٩ / ٣٢٦ صدر ح ١، والبرهان: ١ / ١٣٥ ح ١.

٤٥٩

قصة اسلام عبدالله بن سلام(١)

٣٠١ - قال الامامعليه‌السلام (٢) : قال علي بن الحسن زين العابدينعليه‌السلام وذلك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (لما آمن به عبدالله بن سلام بعد مسائله التي سألها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وجوابه)(٣) إياه عنها قال له: يا محمد بقيت واحدة، وهي المسألة الكبرى والغرض الاقصى: من الذي يخلفك بعدك، ويقضي ديونك، وينجز عداتك، ويؤدي أماناتك ويوضح عن آياتك وبيناتك؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أولئك أصحابي قعود، فامض إليهم فسيدلك(٤) النور الساطع في دائرة غرة ولي عهدي وصفحة خديه، وسينطق طومارك بأنه هو الوصي، وستشهد جوارحك بذلك فصار عبدالله إلى القوم فرأى علياعليه‌السلام يسطع من وجهه نور يبهر نور الشمس ونطق طوماره وأعضاء بدنه كل يقول: يابن سلام هذا علي بن أبي طالبعليه‌السلام المالئ جنان الله بمحبيه، ونيرانه بشانئيه، الباث دين الله في أقطار الارض وآفاقها، والنافي للكفر عن نواحيها وأرجائها.فتمسك بولايته تكن سعيدا، واثبت على التسليم له تكن رشيدا.

فقال عبدالله بن سلام: [يا رسول الله هذا وصيك الذي وعد في التوراة] أشهد

____________________

(١) وهو من يهود بنى قينقاع، كان حبرهم وأعلمهم، وكان اسمه الحصين، فلما أسلم سماه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله " عبدالله ".

انظر سيرة ابن هشام: ٢ / ١٦٢ و ١٦٣ ومواضع اخر منه.

(٢) زاد بعدها في " أ، ط ": ذلك الايات الدالات على نبوة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وولاية علىعليه‌السلام كثيرة أحدها قوله تعالى " انما وليكم الله ورسوله...الاية إلى قوله تعالى فان حزب الله هم الغالبون " المائدة: ٥٥، ٥٦.

(٣) " اذا عارض وتحدى عبدالله بن صوريا وأتىصلى‌الله‌عليه‌وآله بجوابه " خ ل.

(٤) " فسترى " خ ل.

٤٦٠