تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 216627
تحميل: 39681

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216627 / تحميل: 39681
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

تزرون(١) على رب العالمين؟ قال: فسكت القوم بعد أن قالوا: سننظر في امورنا.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للفريق الثالث: لقد ضربتم لنا مثلا، وشبهتمونا بأنفسكم ولا سواء، وذلك أنا عباد الله مخلوقون مربوبون نأتمر له فيما أمرنا، وننزجر عما زجرنا، ونعبده من حيث يريده منا، فاذا أمرنا بوجه من الوجوه أطعناه ولم نتعد إلى غيره مما لم يأمرنا ولم يأذن لنا، لانا لا ندري لعله [ان] أراد منا الاول فهو يكره الثاني، وقد نهانا أن نتقدم بين يديه، فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعنا، ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فأطعنا، فلم نخرج في شئ من ذلك من اتباع أمره، والله عزوجل حيث أمر بالسجود لادم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره، فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه، لانكم لا تدرون لعله يكره ما تفعلون اذ لم يأمركم به.

وقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أرأيتم لو أذن لكم(٢) رجل دخول داره يوما بعينه ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره؟ أو لكم أن تدخلوا دارا له اخرى مثلها بغير أمره؟ أو وهب لكم رجل ثوبا من ثيابه، أو عبدا من عبيده، أو دابة من دوابه، ألكم أن تأخذوا ذلك؟ [قالوا: نعم.

قال:](٣) فان لم تأخذوه(٤) ، أخذتم آخر مثله؟ قالوا: لا، لانه لم يأذن لنا في الثاني كما أذن لنا في الاول.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : فأخبروني الله تعالى أولى بأن لا يتقدم على ملكه بغير أمره أو(٥) بعض المملوكين؟ قالوا: بل الله أولى بأن لا يتصرف في ملكه بغير أمره واذنه.

____________________

(١) اى تعيبون عليه وتضعون من حقه." تزورون " أ، س، ط.

وتزور: قال الزور.

(٢) " أمركم " ص، والبرهان.

(٣) من الاحتجاج.

(٤) " تجدون " ص، ق والبرهان.

(٥) " اذنه أم " ص.

٥٤١

قال: فلم فعلتم، ومتى(١) أمركم أن تسجدوا لهذه الصور؟ قال: فقال القوم: سننظر في امورنا، ثم سكتوا.

وقال الصادقعليه‌السلام : فوالذي بعثه بالحق نبيا ما أتت على جماعتهم ثلاثة أيام حتى أتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأسلموا، وكانوا خمسة وعشرين رجلا من كل فرقة خمسة وقالوا: ما رأينا مثل حجتك يا محمد، نشهد أنك رسول الله(٢) .

٣٢٤ - وقال الصادقعليه‌السلام : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : فأنزل الله:(الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون)(٣) فكان في هذه الاية ردا على ثلاثة أصناف منهم: لما قال:(الحمد لله الذي خلق السموات والارض).

فكان ردا على الدهرية الذين قالوا: الاشياء لابدء لها وهي دائمة.

ثم قال(وجعل الظلمات والنور) فكان ردا على الثنوية الذين قالوا: ان النور والظلمة هما المدبران.

ثم قال(ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) فكان ردا على مشركي العرب الذين قالوا: ان أوثاننا آلهة.

ثم أنزل الله تعالى(قل هو الله أحد) إلى آخرها، فكان فيها ردا على كل

____________________

(١) " من " ص، والبرهان.

(٢) عنه البحار: ٢ / ١٢٦ ملحق ح ٢ قطعة، وج ٧٣ / ٤٠٢ قطعة، والبرهان: ١ / ١٤٣ ضمن ح ١ قطعة وج ٢ / ١١٦ ضمن ح ١، وص ٣٨٨ ح ٢ قطعة، وج ٤ / ١٣ ح ٤ قطعة، وعوالم العلوم / العلم: ٤٤٧ ح ٥٩، وعنه البحار: ٩ / ٢٥٥ - ٢٦٧ ضمن ح ١، وج ٥٧ / ٦٨ ح ٤٥ قطعة، وج ٨٤ / ٧١ ح ٣٠ قطعة، وعن الاحتجاج: ١ / ١٤ - ٢٤ باسناده عن أبى محمد الحسن العسكرىعليه‌السلام ، وأخرج قطعة منه في الوسائل: ٣ / ٢١٩ ح ١٤، ج ٤ / ٩٨٤ ح ٣، والبحار: ٢ / ١٢٥ ح ٢، وعوالم العلوم / العلم: ٤٤٦ ح ٥٨ عن الاحتجاج.

(٣) الانعام: ١.

٥٤٢

من ادعى من دون الله ضدا أو ندا.

قال: فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لاصحابه: قولوا:(اياك نعبد) أي نعبد واحدا لا نقول كما قالت الدهرية: ان الاشياء لابدء لها وهي دائمة، ولا كما قالت الثنوية الذين قالوا: ان النور والظلمة هما المدبران، ولا كما قال مشركو العرب: ان أوثاننا آلهة، فلا نشرك بك شيئا، ولا ندعو(١) من دونك الها كما يقول هؤلاء الكفار، ولا نقول كما قالت اليهود والنصارى: ان لك ولدا، تعاليت عن ذلك [علوا كبيرا].

قال: فذلك قوله:(وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى).

وقال غيرهم من هؤلاء الكفار ما قالوا، قال الله تعالى: يا محمد(تلك أمانيهم) التي يتمنونها بلا حجة(قل هاتوا برهانكم) و(٢) حجتكم على دعواكم(ان كنتم صادقين) كما أتى محمد ببراهينه التي سمعتموها.

ثم قال:(بلى من أسلم وجهه لله) يعنى كما فعل هؤلاء الذين آمنوا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما سمعوا براهينه وحججه(وهو محسن) في عمله لله.

(فله أجره - ثوابه - عند ربه) يوم فصل القضاء(ولا خوف عليهم) حين يخاف الكافرون مما يشاهدونه من العقاب(٣) (ولا هم يحزنون) عند الموت لان البشارة بالجنان تأتيهم(٤) .

قوله عزوجل: " وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين

____________________

(١) " ندعى " البحار.

(٢) " أى " أ.

(٣) " العذاب " ص، الاحتجاج، والبحار.

(٤) عنه البرهان: ١ / ١٤٣ ذ ح ١، وج ٢ / ١١٩ ذ ح ١، وعنه البحار: ٩ / ٢٦٩ ذ ح ١، وعن الاحتجاج: ١ / ٢٤ باسناده عن أبى محمد الحسن العسكرىعليه‌السلام .

٥٤٣

لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون: " ١١٣.

٣٢٥ - قال الامامعليه‌السلام : قال الله تعالى(وقالت اليهود ليست النصارى على شئ) من الدين بل دينهم باطل وكفر،(وقالت النصارى ليست اليهود على شئ) من الدين بل دينهم باطل وكفر(وهم يتلون - اليهود - الكتاب) التوراة.

فقال: هؤلاء وهؤلاء مقلدون بلا حجة وهم يتلون الكتاب فلا يتأملونه ليعملوا بما(١) يوجبه فيتخلصوا من الضلالة.

ثم قال(كذلك قال الذين لا يعلمون) الحق ولم ينظروا فيه من حيث أمرهم الله فقال بعضهم لبعض - وهم مختلفون - كقول اليهود والنصارى بعضهم لبعض، هؤلاء يكفر هؤلاء، وهؤلاء يكفر هؤلاء.

ثم قال الله تعالى(فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) في الدنيا يبين ضلالهم وفسقهم، ويجازي كل واحد منهم بقدر استحقاقه.

وقال الحسن بن علي بن أبي طالبعليهما‌السلام : انما انزلت الاية لان قوما من اليهود، وقوما من النصارى جاء‌وا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا: يا محمد اقض بيننا.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : قصوا علي قصتكم.

فقالت اليهود: نحن المؤمنون بالاله الواحد الحكيم وأوليائه، وليست النصارى على شئ من الدين والحق.

وقالت النصارى: بل نحن المؤمنون بالاله الواحد الحكيم وأوليائه وليست هؤلاء اليهود على شئ من الحق والدين.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كلكم مخطئون مبطلون فاسقون عن دين الله وأمره.

فقالت اليهود: كيف نكون كافرين وفينا كتاب الله التوراة نقرأه؟ وقالت النصارى: كيف نكون كافرين وفينا كتاب الله الانجيل نقرأه؟ فقال رسول

____________________

(١) " ليعلموا ما " أ.

٥٤٤

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : انكم خالفتم أيها اليهود والنصارى كتاب الله ولم تعملوا به، فلو كنتم عاملين بالكتابين لما كفر بعضكم بعضا بغير حجة، لان كتب الله أنزلها شفاء من العمى، وبيانا من الضلالة، يهدي العاملين بها إلى صراط مستقيم، كتاب الله اذا لم تعملوا به كان وبالا عليكم، وحجة الله اذا لم تنقادوا لها كنتم لله عاصين ولسخطه متعرضين.

ثم أقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على اليهود فقال: احذروا أن ينالكم بخلاف أمر الله وبخلاف كتابه ماأصاب أوائلكم الذين قال الله تعالى فيهم(فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم) وأمروا بأن يقولوه.

قال الله تعالى(فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء) عذابا من السماء طاعونا نزل بهم، فمات منهم مائة وعشرون ألفا، ثم أخذهم بعد قباع(١) فمات منهم مائة وعشرون ألفا أيضا، وكان خلافهم أنهم لما بلغوا الباب رأوا بابا مرتفعا فقالوا: ما بالنا نحتاج إلى أن نركع عند الدخول هاهنا، ظننا أنه باب متطامن(٢) لابد من الركوع فيه، وهذا باب مرتفع، والى متى يسخربنا هؤلاء؟ - يعنون موسى ثم يوشع بن نون - ويسجدوننا في الاباطيل، وجعلوا أستاهم نحو الباب، وقالوا بدل قولهم حطة الذي أمروا به: هطا سمقانا(٢) ، يعنون حنطة حمراء، فذلك تبديلهم(٤) .

____________________

(١) قال ابن زكريا: قبع: أصل صحيح يدل على شبه أن يختبئ الانسان وغيره، يقال قبع الخنزير أو غيره اذا أدخل رأسه في عنقه.

وقبع الرجل: أعيا وانبهر، وسمى قابعا لانه يتقبض عند اعيائه عن الحركة.(معجم مقاييس اللغة: ٥(١).

وفى " ص " أخذتهم بعد.

(٢) أى منخفض.

(٣) " حطا شمقاتا " بعض النسخ.وقد تقدم تفصيل القصة ص ٢٥٠.

(٤) عنه البحار: ٩ / ١٨٤ ح ١٤، ج ١٣ / ١٨٥ ح ٢١(قطعة)، والبرهان: ١ / ١٤٣ صدر ح ١.

٥٤٥

٣٢٦ - وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : فهؤلاء بنو اسرائيل نصب لهم باب حطة وأنتم يا معشر أمة محمد نصب لكم باب حطة أهل بيت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمرتم باتباع هداهم ولزوم طريقتهم، ليغفر [لكم] بذلك خطاياكم وذنوبكم، وليزداد المحسنون منكم، وباب حطتكم أفضل من باب حطتهم، لان ذلك [كان] باب خشب، ونحن الناطقون الصادقون المرتضون(١) الهادون الفاضلون، كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " ان النجوم في السماء أمان من الغرق، وان أهل بيتي أمان لامتي من الضلالة في أديانهم، لا يهلكون(فيها مادام فيهم)(٢) من يتبعون هديه(٣) وسنته "(٤) .

أما أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد قال: " من أراد أن يحيا حياتي، وأن يموت مماتي، أن يسكن الجنة(٥) التي وعدني ربي، وأن يمسك قضيبا غرسه بيده وقال له: كن فكان، فليتول علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وليوال وليه، وليعاد عدوه، وليتول ذريته الفاضلين المطيعين لله من بعده، فانهم خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذب(٦) بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي(٧) ، لا أنالهم الله شفاعتي "(٨) .(٩)

____________________

(١) " المؤمنون " ص، والبحار.

(٢) " مادام منهم " البحار.

(٣) هدى هديه: أى سار سيرته.

(٤) وهذا حديث متواتر مشهور روته الخاصة والعامة بألفاظ مختلفة وأسانيد شتى، للاطلاع، انظر احقاق الحق: ٩ / ٢٩٤ - ٣٠٨، وج ١٨ / ٣٢٤ - ٣٣٠.

(٥) " جنة عدن " البحار، والبرهان.

(٦) " المكذبين " ص، والبحار.

(٧) " مسألتى " أ، س، ط.

وزاد في بعض النسخ: ومن عصاهم.

(٨) وهذا أيضا حديث متواتر مشهور روته الخاصة والعامة بأسانيد عديدة، استقصينا بعضها عند تحقيقنا كتاب الامامة والتبصرة: ٤٢ ح ٢٣ وص ٤٥ ح ٢٧، وانظر احقاق الحق: ٥ / ١٠٦ - ١١٠؟؟، وج ٧ / ٢٦٩ وج ١٧ / ٢٤٥ - ٢٤٨، وج ١٨ / ٥٢٦ - ٥٢٧.

(٩) عنه البحار: ٢٣ / ١٢٢ ح ٤٧، والبرهان: ١ / ١٤٤ ذ ح ١.

٥٤٦

٣٢٧ - وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : فكما أن بعض بني اسرائيل أطاعوا فأكرموا، وبعضهم عصوا فعذبوا، فكذلك تكونون أنتم.

قالوا: فمن العصاة يا أمير المؤمنين؟ قالعليه‌السلام : الذين أمروا بتعظيمنا أهل البيت، وتعظيم حقوقنا، فخالفوا(١) ذلك، وعصوا وجحدوا حقوقنا واستخفوا بها، وقتلوا أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذين أمروا بأكرامهم ومحبتهم، قالوا: يا أمير المؤمنين وان ذلك لكائن؟ قالعليه‌السلام : بلى خبرا حقا، وأمرا كائنا، سيقتلون ولدي هذين الحسن الحسينعليهما‌السلام .

ثم قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : وسيصيب [أكثر] الذين ظلموا رجزا في الدنيا بسيوف [بعض] من يسلط الله تعالى عليهم للانتقام بما كانوا يفسقون كما أصاب بني اسرائيل الرجز.

قيل: ومن هو؟ قال: غلام من ثقيف، يقال له " المختار بن أبي عبيد(٢) ".

وقال على بن الحسينعليهما‌السلام : فكان(٣) ذلك بعد قوله هذا بزمان(٤) .

وان هذا الخبر اتصل بالحجاج بن يوسف عليه لعائن الله من قول علي بن

____________________

(١) " فخانوا وخالفوا " البحار.

(٢) " عبيدة نسخ الاصل، وهو تصحيف.

(٣) أى ولد المختار بعد قول أمير المؤمنينعليه‌السلام هذا بزمان.قاله المجلسى ره.

(٤) الظاهر أن ما بعده من كلام، إلى قوله: وقال على بن الحسين، هو ليس من ضمن حديث الامام زين العابدينعليه‌السلام بقرينة عبارة " من قول على بن الحسينعليهما‌السلام " كما أنه لم يصرح بأنه من كلام الامام العسكرىعليه‌السلام لخلوه من لفظ " قال الامامعليه‌السلام " فهل يحتمل غيره؟ فتدبر.

زد على ذلك أن الاحداث التاريخية مشوهة ومرتبكة، فعند التحليل نجد أن التاريخ يشهد بأن ظهور المختار على قتلة الحسين سنة " ٦٤ "، وأن المختار قتل في فتنة ابن الزبير سنة " ٦٧ "، وأن سلطنة عبدالملك بن مروان على العراق كانت بعد قتل ابن الزبير سنة " ٧٣ " وأن توليته للحجاج على العراق سنة " ٧٥ ".فلم يكن المختار في حبس الحجاج أيام عبدالملك بن مروان، وانما حبسه عبيدالله ابن زياد، ولم يزل في الحبس حتى قتل الحسينعليه‌السلام ، ثم بعث إلى زائدة ابن قدامة، فسأله أن يسير إلى عبدالله بن عمر بالمدينة فيسأله أن يكتب إلى يزيد ابن معاوية، فيكتب إلى ابن زياد بتخلية سبيله.

فركب زائدة إلى ابن عمر، فقدم عليه فبلغه رساله المختار، وعلمت صفيه اخت المختار بمحبس أخيها، وهى تحت ابن عمر فبكت وجزعت، فلما راى ذلك عبدالله بن عمر، كتب مع زائدة إلى يزيد بن معاوية: " أما بعد فان عبيد الله بن زياد حبس المختار وهو صهرى.فان رأيت رحمنا الله واياك أن تكتب إلى ابن زياد فتأمره بتخليته فعلت، والسلام ".

فلما قرأه ضحك ثم قال: يشفع أبو عبدالرحمن وأهل ذلك هو..فدعا ابن زياد بالمختار فأخرجه، ثم قال له: قد أجلتك ثلاثا، فان أدركتك بالكوفة بعدها قد برئت منك الذمه.

راجع تاريخ الطبرى: ٤ / ٤٤١، والكامل لابن الاثير: ٤ / ١٦٩.

اقول: فلابد من تحقيق أوسع في هذا الموضوع، فتدبر وكن على بينة، وقف عند الشبهة.

٥٤٧

الحسينعليهما‌السلام فقال: أما رسول الله فما قال هذا، وأما علي بن أبي طالب فأنا أشك هل(١) حكاه عن رسول الله، وأما علي بن الحسين فصبي مغرور، يقول الاباطيل ويغربها متبعوه، اطلبوا الي المختار.

فطلب، وأخذ فقال: قدموه إلى النطع واضربوا عنقه فأتي بالنطع فبسط وأنزل(٢) عليه المختار، ثم جعل الغلمان يجيئون ويذهبون لا يأتون بالسيف.

قال الحجاج: مالكم؟ قالوا: لسنا نجد مفتاح الخزانة، وقد ضاع منا، والسيف في الخزانة.

فقال المختار: لن تقتلني، ولن يكذب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولئن قتلتني ليحييني الله حتى أقتل منكم ثلاثمائة وثلاثة وثمانين ألفا.

____________________

(١) " فيما " ب، ط.

(٢) " أبرك " البحار.

أبركه: أناخه.

٥٤٨

فقال الحجاج لبعض حجابه: أعط السياف سيفك يقتله به.

فأخذ السياف بسيفه فجاء ليقتله به، والحجاج يحثه ويستعجله، فبينا هو في تدبيره اذ عثر(١) والسيف في يده، وأصاب السيف بطنه، فشقه ومات، وجاء بسياف آخر، وأعطاه السيف فلما رفع يده ليضرب عنقه لدغته عقرب وسقط فمات، فنظروا واذا العقرب، فقتلوه.

فقال المختار: يا حجاج انك لن تقدر على قتلي، ويحك يا حجاج أما تذكر ما قال نزار(٢) بن معد بن عدنان لسابور(٣) ذي الاكتاف حين [كان] يقتل العرب، ويصطلمهم فأمر نزار [ولده] فوضعفي زنبيل في طريقه، فلما رآه قال له: من أنت؟

____________________

(١) " اذا عبر " أ." اذا تعسر " ص، ق، د." اذ نعس " ب، س، ط.

(٢) أنت أيها القارئ - الكريم سترى أن سابور أطلق عليه ذلك بقوله " صدق، هذا نزار - يعنى المهزول " فهو نزار، وأنه ابن معد بن عدنان.

هذا وان من واضحات التاريخ أن سابور كان في زمان أولاد اياد بن نزار بن معد بن عدنان لا في عصر نزار بن معد: قال السويدى في سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب ص: ٢٠ - بعد أن ذكر عددا من القبائل والبطون(أياد بن نزار بن معد بن عدنان) -: ..لى أن تكاثر بنو اسماعيل وانفردت مضر برئاسة الحرم، وخرج بنو اياد إلى العراق، وكان لهم في الاكاسرة آثار مشهورة إلى أن غلبهم سابور ذو الاكتاف فأبادهم.

وقال: ولم يشتهر أحد من ولده - أى اياد - بالنسبة اليه، ولذلك جعلهم أكثر النسابين حشرة في مضر...

وذكر المسعودى في مروج الذهب: ان الذى تكلم مع سابور كان اسمه " عمرو بن تميم بن مر " وله يومئذ ثلاثمائة سنة، وكان يعلق في عمود البيت في قفة قد اتخذت له..(انظر مروج الذهب: ١ / ١٨(١) فكان نزارا أى مهزولا.

فالظاهر أنه لم يصرح بالاسم بل اكتفى باسم الصفة التى أطلقها سابور: " نزار " - يعنى مهزول -، فلا قطع بالمناناة، فتدبر.

(٣) " شابور " أ، ص، ط.

٥٤٩

قال: أنا رجل من العرب، أريد أن أسألك لم نقتل هؤلاء العرب ولا ذنوب لهم اليك، وقد قتلت الذين كانوا مذنبين(١) وفي عملك مفسدين؟ قال: لاني وجدت في الكتب(٢) أنه يخرج منهم رجل يقال له " محمد " يدعي النبوة، فيزيل دولة ملوك الاعاجم ويفنيها، فأما أقتلهم حتى لا يكون منهم ذلك الرجل.

[قال:] فقال له نزار، لئن كان من وجدته من كتب الكذابين، فلما أولاك أن تقتل البراء غير المذنبين [بقول الكاذبين]!(٣) وان كان ذلك من قول الصادقين، فان الله سبحانه سيحفظ ذلك الاصل الذي يخرج منه هذا الرجل، ولن تقدر على ابطاله ويجري قضاء‌ه، وينفذ أمره، ولو لم يبق من جميع العرب الا واحد.

فقال سابور: صدق(٤) ، هذا نزار - بالفارسية يعني المهزول -، كفوا عن العرب فكفوا عنهم.

ولكن يا حجاج ان الله قد قضى أن أقتل منكم ثلاثمائة وثلاثة وثمانين ألف رجل، فان شئت فتعاط قتلي، وان شئت فلا تتعاط، فان الله تعالى أما أن يمنعك عني، واما أن يحييني بعد قتلك، فان قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حق لامرية فيه.

فقال للسياف: اضرب عنقه.

فقال المختار: ان هذا لن يقدر على ذلك، وكنت أحب أن تكون أنت المتولي لما تأمره، فكان يسلط عليك أفعى كما سلط على هذا الاول عقربا.

فلما هم السياف بضرب عنقه اذا برجل من خواص عبدالملك بن مروان قد دخل فصاح: يا سياف كف عنه ويحك، ومعه كتاب من عبدالملك بن مروان، فاذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد يا حجاج بن يوسف فانه سقط الينا طائر

____________________

(١) " متمردين " ط.

(٢) " الكتاب " البحار.

(٣) ليس في البحار.

(٤) " صدقت " البحار.

٥٥٠

عليه رقعة(١) فيها: أنك أخذت المختار بن أبي عبيد تريد قتله، وتزعم أنه حكى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه سيقتل من أنصار بني أمية ثلاثمائة وثلاثة وثمانين ألف رجل، فاذا أتاك كتابي هذا فخل عنه، ولا تتعرض له الا بسبيل خير فانه زوج ظئر(٢) ابني الوليد ابن عبدالملك بن مروان، وقد كلمني فيه الوليد، وان الذي حكى ان كان باطلا فلا معنى لقتل رجل مسلم بخبر باطل، وان كان حقا فانك لا تقدر على تكذيب قول رسول للهصلى‌الله‌عليه‌وآله ".

فخلى عنه الحجاج، فجعل المختار يقول: سأفعل كذا، وأخرج وقت كذا، وأقتل من الناس كذا، وهؤلاء صاغرون(٣) يعنى بني اميه.

فبلغ ذلك الحجاج، فاخذ وأنزل لضرب العتق؟؟ فقال المختار: انك لن تقدر على ذلك، فلا تتعاط ردا على الله.

وكان في ذلك اذ أسقط طائر آخر عليه كتاب من عبدالملك بن مروان: بسم الله الرحمن الرحيم يا حجاج لا تتعرض للمختار، فانه زوج مرضعة ابني الوليد، ولئن كان حقا فتمنع(٤) من قتله كما منع " دانيال " من قتل " بخت نصر " الذى كان الله قضى أن يقتل بنى اسرائيل.فتركه الحجاج وتوعده ان عاد لمثل مقالته(٥) .فعاد بمثل مقالته، فاتصل بالحجاج الخبر، فطلبه فاختفى مدة ثم ظفر به فاخذ.فلما هم بضرب عنقه اذ قد ورد عليه كتاب من عبدالملك أن أبعث الي المختار.فاحتبسه الحجاج وكتب إلى عبدالملك:

____________________

(١) أى قطعة من ورق.

(٢) " مرضعة " أ، وهكذا ذكر في ثانى كتب عبدالملك وكلاهما بمعنى.

(٣) " ابناء صغرة قمياء " أ: القمئ: الذليل، الصغير.

(٤) " فستمنع " البحار.

(٥) " بمثل ذلك " أ.

٥٥١

كيف تأخذ اليك عدوا مجاهرا يزعم أنه يقتل من أنصار بنى امية كذا وكذا ألفا فبعث اليه عبدالملك: انك(١) رجل جاهل، لئن كان الخبر فيه باطلا فما أحقنا برعاية حقه لحق من خدمنا(٢) ، وان كان الخبر فيه حقا، فانا سنربيه ليسلط علينا كما ربى فرعون موسى حتى تسلط عليه فبعثه اليه الحجاج، فكان من أمر المختار ماكان، وقتل من قتل.

وقال علي بن الحسينعليهما‌السلام لاصحابه وقد قالوا له: يابن رسول الله ان أمير المؤمنينعليه‌السلام ذكر [من] أمر المختار ولم يقل متى يكون قتله ولمن يقتل.

فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : صدق أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟ أولا أخبركم متى يكون؟ قالوا: بلي قال: يوم كذا إلى ثلاث سنين من قوله هذا لهم(٣) ، وسيؤتى برأس عبيدالله بن زياد وشمر بن ذي الجوشن(عليهما اللعنة) في يوم كذا وكذا وسنأكل وهما بين أيدينا ننظر اليهما.

قال: فلما كان في اليوم الذي اخبرهم أنه يكون فيه القتل من المختار لاصحاب بني امية كان علي بن الحسينعليهما‌السلام مع أصحابه على مائدة اذ قال لهم: معاشر اخواننا طيبوا نفسا [وكلوا]، فانكم تأكلون وظلمة بني امية يحصدون.

قالوا: أين؟ قالعليه‌السلام في موضع كذا يقتلهم المختار، وسيؤتى بالرأسين يوم كذا [وكذا](٤) .

فلما كان في ذلك اليوم أتي بالرأسين(٥) لما أراد أن يقعد للاكل، وقد فرغ

____________________

(١) " انه " أ، س.

(٢) " خدمننا " س، ص.

(٣) " قولى هذا " ص، والبحار.

(٤) من البحار والمدينة، بقرينة ما تقدم من اخباره: سيؤتى.في يوم كذا وكذا.

(٥) أقول: لا جدال في أن شمرا قتل بالكلتانية - من أعمال خوزستان - سنة ٦٦ ه‍، قتله " أبوعمرة "، وأن عبيدالله بن زياد قتل في الموصل سنة ٦٧ ه‍، قتله " ابراهيم ابن الاشتر ".وضرورى أن نقل أى من الرأسين إلى المدينة يستغرق فترة زمنية بحكم المسافة البعيدة التى تفصل بينهم، فاذا كان قتل الاول أواخر سنة ٦٦، وكان قتل الثانى أوائل سنة ٦٧.

فلا غبار اذن لان يجمع الرأسان أمام الامام على بن الحسينعليهما‌السلام في المدينة المنورة في يوم واحد بعد أن يكون قد قطع - بكل واحد من الرأسين - تلك المسافة البعيدة، المتباينة.ذكر في بعض الروايات أنه بعث برأس ابن زياد ورأس ابن سعد.وفى اخرى برأس ابن زياد ورأس حصين بن نمير ورأس شرجيل بن ذى الكلاع " لع "..

راجع مناقب ابن شهر اشوب: ٤ / ١٤٤، وعوالم الامام الحسينعليه‌السلام : ٦٥٤ وما بعدها(أحوال المختار وما جرى على يديه).

٥٥٢

من صلاته، فلما رآهما سجد وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني، فجعل يأكل وينظر اليهما.

فلما كان في وقت الحلواء لم يؤت بالحلواء لما كانوا قد اشتغلوا عن عمله بخبر الرأسين، فقال ندماؤه(١) : لم نعمل اليوم حلواء؟ فقال علي بن الحسينعليهما‌السلام : لا نريد حلواء أحلى من نظرنا إلى هذين الرأسين؟ !.

ثم عاد إلى قول أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قالعليه‌السلام : وما للكافرين والفاسقين عند الله أعظم وأوفى(٢) .

____________________

(١) أى أصحابه الذين يستأنس بهم، حيث أنهم أشاروا إلى هذا موقف الابتهاج المناسب في عرف العرب لان يصنعوا الحلوى ويقدموها إلى الامام، وما أرادوا أنها لم تصنع داخل بيتهعليه‌السلام مع أنه لم تضرم نار في دور الهاشميين ولم تكتحل هاشمية حتى جئ برأس ابن زياد " لع "، فأجابهمعليه‌السلام ايماء بأن النظر إلى رأسه أحلى.

(٢) عنه البحار: ٤٥ / ٣٣٩ ح ٦، ومدينة المعاجز: ٣٠٥ ح ٨٣، واثبات الهداة : ٤ / ٤٩٦ ح ٢٩٢(قطعة) ومستدرك الوسائل: ٣ / ١٠٧ باب ٢٦ ح ٦ قطعة.

٥٥٣

٣٢٨ - ثم قال امير المؤمنينعليه‌السلام : وأما المطيعون لنا فسيغفر الله ذنوبهم، فيزيدهم احسانا إلى حسناتهم.

قالوا: يا أمير المؤمنين ومن المطيعون لكم؟ قال: الذين يوحدون ربهم، ويصفونه بما يليق به من الصفات، ويؤمنون بمحمد نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويطيعون الله في اتيان فرائضه وترك محارمه، ويحيون أوقاتهم بذكره، وبالصلاة على نبيه محمد وآله [الطيبين] وينفون عن(١) أنفسهم الشح والبخل، فيؤدون ما فرض عليهم من الزكاة ولا يمنعونها(٢) .

قوله عزوجل: " ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها اولئك ماكان لهم ان يدخلوها الا خائفين لهم في الدنيا خزى ولهم في الاخرة عذاب عظيم " ١١٤.

٣٢٩ - قال الامامعليه‌السلام : قال علي بن الحسين(٣) عليهما‌السلام : لما بعث الله محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة وأظهر بها دعوته، ونشر بها كلمته، وعاب أديانهم(٤) في عبادتهم الاصنام، وأخذوه(٥) وأساء‌وا معاشرته، وسعوا في خراب المساجد المبنية - كانت لقوم من خيار أصحاب محمد [وشيعته] وشيعة علي بن أبي طالبعليه‌السلام -.

كان بفناء الكعبة مساجد يحيون فيها ما أمانة المبطلون، فسعى هؤلاء المشركون

____________________

(١) " يتقون على " البحار، والمستدرك.

(٢) عنه البحار: ٦٨ / ١٦٣ ح ١٢، ومدينة المعاجز: ٣٠٦ ذ ح ٨٣، ومستدرك الوسائل: ٢ / ٢٩٧ باب ١٨ ح ٤.

(٣) " الحسين بن على " أ، ص " الحسن بن على " البحار والبرهان.

(٤) " أعيانهم " أ، والبحار.

(٥) " واجدوه " أ، ص، ط، ق، د.

والوجد: الغضب.

٥٥٤

في خرابها، وأذى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وسائر أصحابه، وألجأوه إلى الخروج من مكة إلى المدينة، التفت خلفه اليها فقال: الله يعلم أني أحبك، ولو لا أن أهلك أخرجوني عنك لما آثرت عليك بلدا، ولا ابتغيت عنك بدلا، واني لمغتم على مفارقتك.

فأوحى الله تعالى اليه: يا محمد ان العلي الاعلى يقرأ عليك السلام، ويقول: سأردك إلى هذا البلد ظافرا غانما سالما، قادرا، قاهرا، وذلك قوله تعالى.

(ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد)(١) يعني إلى مكة ظافرا غانما، وأخبر بذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه، فاتصل بأهل مكة فسخروا منه.

فقال الله تعالى لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سوف اظهرك بمكة، واجري عليهم حكمي، وسوف أمنع عن دخولها المشركين حتى لا يدخلها منهم أحد الاخائفا، أو دخلها مستخفيا من أنه ان عثر عليه قتل.

فلما حتم قضاء الله بفتح مكة استوسقت(٢) له أمر عليهم عتاب بن اسيد فلما اتصل بهم خبره قالوا: ان محمد لا يزال يستخف بنا حتى(٣) ولى علينا غلاما حديث السن ابن ثمانية عشر سنة(٤) ، ونحن مشايخ ذوو الاسنان، خدام بيت الله الحرام

____________________

(١) القصص: ٨٥.

(٢) استوسق: اجتمع وانقاد.

(٣) " لقد استخف بنا حين " أ.

(٤) ليس بعجب من نفوس مستكبرة وقلوب ضاله هى أعداء للعلم والفضيله أن تنطق بمثل ذلك، ولنا فيه أمثله جمه: ألم يقال مثل ذلك في اسامة بن زيد عند ما قلده الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قيادة الجيش؟ ومثله في مولانا أمير المؤمنين علىعليه‌السلام ..و..و..وبعد، فمما يؤيد ذلك أن يحيى بن أكثم ولى قضاء البصرة سنة عشرون ونحوها، فاستصغره أهل البصرة، فقالوا: كم سن القاضى؟ فعلم أنه قد استصغر. فقال: أنا أكبر من عتاب بن اسيد الذى وجه به النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله قاضيا على مكة يوم الفتح، وأنا أكبر من معاذ بن جبل الذى وجه به النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله قاضيا على أهل اليمن، وأنا أكبر من كعب بن سور الذى وجه به عمر بن الخطاب قاضيا على أهل البصرة.

فجعل جوابه احتجاجا، تاريخ بغداد: ١٤ / ١٩٩ وفيات الاعيان: ٦ / ١٤٩.

٥٥٥

وجيران حرمه الامن، وخير بقعة له على وجه(١) الارض.

وكتب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعتاب بن اسيد عهدا على [أهل] مكة، وكتب في أوله: [بسم الله الرحمن الرحيم] من محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى جيران بيت الله وسكان حرم الله.

أما بعد، فمن كان منكم بالله مؤمنا، وبمحمد رسول الله في أقواله مصدقا، وفي أفعاله مصوبا، ولعلي أخي محمد رسوله وصفيه ووصيه وخير خلق الله بعده مواليا، فهو منا والينا.

ومن كان لذلك أو لشئ منه مخالفا، فسحقا وبعدا لاصحاب السعير، لا يقبل الله شيئا من أعماله وان عظم وكثر(٢) ويصليه نار جهنم خالد مخلدا أبدا، وقد قلد محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عتاب بن اسيد أحكامكم ومصالحكم، [قد] فوض اليه تنبيه غافلكم، وتعليم جاهلكم، وتقويم أود(٣) مضطر بكم، وتأديب من زال عن أدب الله منكم، لما علم من فضله عليكم من موالاة محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن رجحانه في التعصب لعلي ولي الله فهو لنا خادم، وفي الله أخ، ولاوليائنا موال، ولاعدائنا معاد، وهو لكم سماء ظليلة، وأرض زكية، وشمس مضيئة، وقمر منير، قد فضله الله تعالى على كافتكم بفضل موالاته، ومحبته لمحمد وعلي والطيبين من آلهما

____________________

(١) " ظهر " أ، س.

(٢) " كبر " ص، ق، والبحار.

(٣) أى اعوجاج.

٥٥٦

وحكمته عليكم، يعمل بما يريد الله فلن يخليه من توفيقه كما أكمل [من] موالاة محمد وعلي شرفه وحظه، ولا يؤامر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يطالعه، بل هو السديد(١) الامين، فليعمل المطيع منكم، وليف(٢) بحسن معاملته ليسر بشريف الجزاء، وعظيم الحباء، وليوفر(٣) المخالف له بشديد العقاب، وغضب الملك العزيز الغلاب، ولا يحتج محتج منكم في مخالفته بصغر سنه، فليس الاكبر هو الافضل بل الافضل هو الاكبر، وهو الاكبر(٤) في موالاتنا وموالاة أوليائنا، ومعاداة أعدائنا فلذلك جعلناه الامير لكم والرئيس عليكم، فمن أطاعه فمرحبا به، ومن خالفه فلا يبعد الله غيره.

قال: فلما وصل اليهم عتاب، وقرأ عهده، وقف فيهم موقفا ظاهرا، ونادى في جماعتهم حتى حضروه وقال لهم: معاشر أهل مكة ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رماني بكم شهابا محرقا لمنافقيكم، ورحمة وبركة على مؤمنيكم، وانى أعلم الناس بكم وبمنافقيكم، وسوف آمركم بالصلاة فيقام لها، ثم أتخلف(٥) اراعي الناس، فمن وجدته قد لزم الجماعة التزمت له حق المؤمن على المؤمن، ومن وجدته قد قعد عنها فتشته، فان وجدت له عذرا أعذرته، وان لم أجد له عذرا ضربت عنقه حتما(٦) من الله مقضيا على كافتكم لاطهر حرم الله من المنافقين.

فأما بعد، فان الصدق أمانه، والفجور خيانة، ولن تشيع الفاحشة في قوم

____________________

(١) " السيد " ق، د.

(٢) الامر من وفى." كيف " ق، د، ط.

(٣) " ليتوقى " البحار.

وفر عليه حقه: اعطاه حقه كله.

(٤) " الاكيس " ب، ص، ق، د.

(٥) " أختلف " س، ص، د أى أتردد.

(٦) " حكما " البحار.

٥٥٧

الا ضربهم الله بالذل، قويكم عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه، وضعيفكم عندي قوي حتي آخذ له الحق، اتقوا الله وشرفوا بطاعة الله أنفسكم، ولا تذلوها بمخالفة ربكم.

ففعل والله كما قال، وعدل وأنصف وأنفذ الاحكام، مهتديا بهدى الله، غير محتاج إلى مؤامرة ولا مراجعة(١) .

في عزل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ابابكر بأمر الله

٣٣٠ - ثم بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعشر آيات من سورة " براء‌ة " مع أبى بكر بن أبي قحافة؟ وفيها ذكر نبذ العهود إلى الكافرين، وتحريم قرب مكة(٢) على المشركين.

فأمر أبابكر بن أبى قحافة على الحج، ليحج بمن ضمه(٣) الموسم ويقرأ

____________________

(١) عنه البحار: ٢١ / ١٢١ ح ٢٠، والبرهان: ١ / ١٤٤ صدر ح ١، واثبات الهداة: ٢ / ١٦٣ ح ٦١٤(قطعة) ومستدرك الوسائل: ٢ / ١٤٣ باب ١٣ ح ٤.

(٢) لاحظ، ترى بعد قوله: " وفيها..وتحريم قرب مكة " أنها اشارة إلى قوله تعالى - خطابا للمؤمنين - يا أيها الذين آمنوا انما المشركون نجس، فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا،." التوبة: ٢٨.

روى القمى في تفسيره: ٢٥٨ قال: حدثنى أبى عن محمد بن الفضيل، عن الرضاعليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمرنى عن الله أن لا يطوف بالبيت عريان، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام.

فالظاهر أن في الكلام تصحيفا أوسقطا، مرجعه إلى: وتحريم قرب خصوص المسجد الحرام لا كل مكة.

نعم ورد في ذيل الحديث في كتابنا " فمضى علىعليه‌السلام لامر الله ونبذ العهود إلى أعداء الله، وأيس المشركون من الدخول بعد عامهم ذلك إلى حرم الله ".

والظاهر أن هذا من آثار نبذ العهود، وقوله: فاذا انسلخ الاشهر الحرم، فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، فتدبر.

(٣) " معه " ب، س، ص، ق، د.

٥٥٨

عليهم الايات، فلما صدر عنه أبوبكر جاء‌ه المطوق بالنور جبرئيلعليه‌السلام فقال: يا محمد ان العلي الا على يقرأ عليك السلام ويقول: يا محمد انه لا يؤدي عنك الا أنت أو رجل منك، فابعث علياعليه‌السلام ليتناول الايات، فيكون هو الذى ينبذ العهود ويقرأ الايات.

يا محمد ما أمرك ربك بدفعها إلى عليعليه‌السلام ونزعها من أبي بكر سهوا ولا شكا ولا استدراكا على نفسه غلطا ولكن أراد أن يبين لضعفاء المسلمين أن المقام الذي يقومه أخوك عليعليه‌السلام لن يقومه غيره سواك يا محمد وان جلت في عيون هؤلاء الضعفاء من امتك مرتبته وشرفت عندهم منزلته.

فلما انتزع(١) عليعليه‌السلام الايات من يده، لقي أبوبكر - بعد ذلك - رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: بأبي [أنت] وامي(يارسول الله أنت أمرت عليا أن أخذ هذه الايات من يدي)(٢) ؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا، ولكن العلي العظيم أمرني أن لا ينوب عني الا من هو مني، وأما أنت فقد عوضك الله بما قد حملك من آياته وكلفك من طاعاته الدرجات الرفيعة والمراتب الشريفة أما أنك ان(٣) دمت على موالاتنا، ووافيتنا في عرصات القيامة وفيا بما أخذنا به عليك [من] العهود والمواثيق فأنت من خيار شيعتنا وكرام أهل مودتنا.

فسري(٤) بذلك عن أبي بكر.

____________________

(١) " أخذ " ص.

(٢) " أ لموجدة كان نزع هذه الايات منى " ب، س، ص، ق، د، والبحار.

(٣) " ب، س، ص، ط.

أقول: فيا اولى الابصار انظروا: ما أعظم الشرط وأجل الخطر.

أما ترى قوله تعالى " يا نساء النبى لستن كأحد من النساء ان اتقيتن.." الاحزاب: ٣٢.وتقدم ص ٥١٣ مثل ذلك في قوله " ما ان اطاع الله..".

(٤) أى زال ماكان يجده من هم.

٥٥٩

قال: فمضى عليعليه‌السلام لامر الله، ونبذ العهود إلى أعداء الله، وأيس المشركون من الدخول بعد عامهم ذلك إلى حرم الله وكانوا عددا كثيرا وجما غفيرا، غشاه الله نوره، وكساه فيهم هبة وجلالا، لم يجسروا معها على اظهار خلاف ولاقصد بسوء.

قال: فذلك قوله:(ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه).

وهي مساجد خيار المؤمنين بمكة لما منعوهم من التعبد فيها بأن ألجاء‌وا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الخروج عن مكة(وسعى في خرابها) خراب تلك المساجد لئلا تعمر(١) بطاعة الله، قال الله تعالى(أولئك ماكان لهم أن يدخلوها الا خائفين) أن يدخلوا بقاع تلك المساجد في الحرم الا خائفين من عدله(٢) وحكمه النافذ عليهم - أن يدخلوها كافرين - بسيوفه وسياطه(لهم) لهؤلاء المشركين في(الدنيا خزي) وهو طرده اياهم عن الحرم، ومنعهم أن يعودوا اليه(ولهم في الاخرة عذاب عظيم)(٣) .

تخليفهصلى‌الله‌عليه‌وآله علياعليه‌السلام في غزوة تبوك

٣٣١ - وقال [الباقر، عن] على بن الحسينعليهم‌السلام : ولقد كان من المنافقين والضعفاء من أشباه المنافقين مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا قصد إلى تخريب المساجد بالمدينة، وإلى تخريب مساجد الدنيا كلها بما هموا به من قتل [أمير المؤمنين] عليعليه‌السلام بالمدينة، ومن قتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في طريقهم إلى العقبة، ولقد زاد الله تعالى في ذلك السير إلى تبوك في بصائر المستبصرين وفي قطع معاذير

____________________

(١) " يقام فيها " البحار.

(٢) " عذابه " البحار والبرهان.

(٣) عنه البحار: ٣٥ / ٢٩٧ ح ٢١، والبرهان: ١ / ١٤٥ ذ ح ١، ومستدرك الوسائل: ١ / ٢٤١ ح ٦ قطعه.

٥٦٠