تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 216557
تحميل: 39681

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216557 / تحميل: 39681
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

قصة عابد بنى اسرائيل

كان هذا رجل(١) فيمن كان قبلكم في زمان بني إسرائيل - يتعاطى الزهد والعبادة وقد كان قيل له: إن أفضل الزهد، الزهد في ظلم إخوانك المؤمنين بمحمد وعليعليهما‌السلام والطيبين من آلهما، وإن أشرف العبادة خدمتك إخوانك المؤمنين، الموافقين لك على تفضيل سادة الورى محمد المصطفى، وعلي المرتضى، والمنتجبين المختارين للقيام بسياسة الورى.

فعرف الرجل بما كان يظهر [من] الزهد، فكان إخوانه المؤمنون يودعونه فيدعى [بها] أنها سرقت، ويفوز بها، وإذا لم يمكنه دعوى السرقه جحدها وذهب بها.

وما زال هكذا والدعاوى لا تقبل فيه، والظنون تحسن به، ويقتصر منه على أيمانه الفاجرة إلى أن خذله الله تعالى، وفوضعت عنده جارية من أجمل النساء قد جنت ليرقيها برقية فتبرأ، أو يعالجها بدواء، فحمله الخذلان عند غلبة الجنون عليها على وطيها، فأحبلها.

فلما اقترب وضعها جاء‌ه الشيطان، فأخطر بباله أنها تلد وتعرف(٢) بالزنا بها فتقتل، فاقتلها وادفنها تحت مصلاك، فقتلها ودفنها، وطلبها أهلها فقال: زاد بها جنونها فماتت.

فاتهموه وحفروا تحت مصلاه، فوجدوها مقتولة مدفونة حبلى مقربة(٣) فأخذوه وانضاف إلى هذه الخطيئة دعاوى القوم الكثيرة الذين جحدهم، فقويت عليه التهمة وضويق [على الطريق] فاعترف على نفسه بالخطيئة بالزنا بها، وقتلها فملئ بطنه وظهره سياطا، وصلب على شجرة.

فجاء‌ه بعض شياطين الانس وقال له: ما الذي أغنى عنك عبادة من كنت تعبده

____________________

(١) اسمه " برصيصا " كما في رواية ابن عباس.

(٢) " تقرن " أ، س، ص.

(٣) المقرب من الحوامل: التى قرب ولادها.

٦٢١

ومولاة من كنت تواليه من محمد وعلي الطيبين(١) من آلهما الذين زعموا أنهم في الشدائد أنصارك، وفي الملمات أعوانك.

وذهب ما كنت تؤمل هباء‌ا منثورا، وانكشف أحاديثهم لك، وأطماعهم إياك(٢) من أعظم الغرور، وأبطل الاباطيل، وأنا الامام الذي كنت تدعي إليه، وصاحب الحق الذي كنت تدل عليه، وقد كنت باعتقاد إمامة غيري من قبل مغرورا فان أردت أن اخلصك من هؤلاء، وأذهب بك إلى بلاد نازحة(٣) ، وأجعلك هناك رئيسا سيدا فاسجد لي على خشبتك هذه سجدة معترف بأني أنا الملك لا نقادك، لانقذك.

فغلب عليه الشقاء والخذلان، واعتقد قوله وسحد له، ثم قال: انقذني.

فقال له: إني برئ منك، إني أخاف الله رب العالمين.

وجعل يسخر ويطنز به، وتحير المصلوب، واضطرب عليه اعتقاده، ومات بأسوأ عاقبة، فذلك الذي أداه إلى هذا الخذلان(٤) قوله عزوجل: " ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد " ٢٠٧.

٣٦٤ - قال الامامعليه‌السلام : (ومن الناس يشري نفسه)(٥) يبيعها (ابتغاء مرضات

____________________

(١) اقول: لاحظ أن الشيطان هنا هو في مقام الاغواء لمن صلب وبه رمق، فهو بالتالى لابد أن يسالمه ويسايره على ما يدعى اعتقاده من دون أن يجرحه في شئ من ذلك، حتى يقول له "...والطيبين من آلهما الذين زعموا...ذهب ما كنت تؤمل..." فتدبر.

(٢) " اطاعتك اياهم " البحار.

(٣) أى بعيدة.

(٤) عنه البحار: ٧٥ / ٣١٨ ضمن ح ٤١.وقصة العابد مروية في مصادر عديدة كما ذكرنا، فراجع.

(٥) أقول: اتفقت روايات الفريقين على أن الاية نزلت بحق مولانا أمير المؤمنين على بن أبى طالبعليه‌السلام " ليلة المبيت " حين اتفق المشركون على قتل رسول الله صلى اللهعليه وآله فخرج إلى الغار، وباتعليه‌السلام في فراشه، ولبس ثوبه..وهو لا ينافى أن يكون مفهوم الاية عاما لتضم تحت لوائها اولئك المخلصون الذين شروا أنفسهم ابتغاء مرضاة الله، ومصداقه ذيل الاية المباركة " والله رؤف بالعباد " ولا منافات اذن، فتدبر

٦٢٢

الله) عزوجل فيعمل بطاعة الله، ويأمر الناس بها، ويصبر على ما يلحقه من الاذى فيها، فيكون كمن باع نفسه، وسلمها مرضاة الله عوضا منها، فلا يبالى ما حل بها بعد أن يحصل لها رضاء ربها (والله رؤف بالعباد) كلهم.

أما الطالبون لرضاه، فيبلغهم أقصى أمانيهم، ويزيدهم عليها ما لم تبلغه آمالهم وأما الفاجرون في دينه فيتأناهم، ويرفق بهم، ويدعوهم إلى طاعته، ولا يقطع من علم أنه سيتوب عن ذنوبه التوبة الموجبة له عظيم كرامته(١) .

ذكر جلاله قدر بلال

٣٦٥ - قال على بن الحسينعليهما‌السلام : وهؤلاء(٢) خيار من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عذبهم أهل مكة ليفتنوهم عن دينهم، منهم بلال، وصهيب، وخباب، وعمار بن ياسر وأبواه: فأما بلال، فاشتراه أبوبكر بن أبي قحافة بعبدين له أسودين، ورجع إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فكان تعظيمه لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام أضعاف تعظيمه لابي بكر.

فقال المفسدون: يا بلال كفرت النعمة، ونقضت ترتيب الفضل، أبوبكر مولاك

____________________

(١) عنه البحار: ٢٢ / ٣٣٨ صدر ح ٥٠، وج ٧٠ / ٢١٧.

(٢) لا يخفى أن لذيل الاية الكريمة معنى عاما، ومفهوما واسعا، ينطبق على غير واحد من المؤمنين وعلى رأسهم أميرهم على بن أبى طالبعليه‌السلام ، ومن ظهر وأتم ما ينطبق عليه سيد الشهداء من الاولين والاخرين " الحسين بن على بن أبى طالب "عليهما‌السلام وأصحابه الذين بذلوا مهجم ابتغاء مرضاة الله تعالى، وهذا لا ينافى أن يكون فضل نزول الاية خاصا بيعسوب الدين أمير المؤمنين، عليه وعلى أولاده المعصومين أفضل صلوات المصلين.

٦٢٣

الذي اشتراك وأعتقك، وأنقذك من العذاب، ووفر(١) عليك نفسك وكسبك، وعلي ابن أبي طالبعليه‌السلام لم يفعل بك شيئا من هذه، وأنت توقر أبا الحسن عليا بما لا توقر أبا بكر، إن هذا كفر للنعمة وجهل بالترتيب.

فقال بلال: أفيلزمني أن أوقر أبابكر فوق توقيري لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قالوا: معاذ الله.

قال: قد خالف قولكم هذا قولكم الاول، إن كان لا يجوز لي أن افضل علياعليه‌السلام على أبى بكر، لان أبابكر أعتقني، فكذلك لا يجوز أن افضل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أبي بكر، لان أبا بكر أعتقني، قالوا: لا سواء إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل خلق الله.

قال بلال ولا سواء أيضا أبوبكر وعلي، إن عليا [هو] نفس أفضل خلق الله، فهو [أيضا] أفضل خلق الله بعد نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأحب الخلق إلى الله تعالى لاكله الطير مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي دعا: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك "(٢) وهو أشبه خلق الله برسول الله لما جعله أخاه في دين الله.

وأبوبكر لا يلتمس [مني] ما تلتمسون، لانه يعرف من فضل عليعليه‌السلام ما تجهلون أي يعرف أن حق علي [علي] أعظم من حقه، لانه أنقذني من رق عذاب الذي لو دام علي وصبرت عليه لصرت إلى جنات عدن، وعلي أنقذني من رق عذاب الابد، وأوجب لي بموالاتي له وتفضيلي إياه نعيم الابد.

____________________

(١) يقال: وفر عليه؟؟ حقه: أعطاه حقه كله، ووفر عرض فلان: صانه ولم يشتمه، وفر العطاء رده " رد " البحار.

" وقر " أ، ط، تصحيف.

ظ (٢) حديث الطير، من الاحاديث المتواترة روته الخاصة والعامة بأسانيد متعددة وألفاظ شتى راجع المجلد الخاص به من عبقات الانوار.ج١.

٦٢٤

فضيلة لصهيب

قالعليه‌السلام : وأما صهيب(١) ، فقال: أنا شيخ كبير لا يضركم كنت معكم أو عليكم فخذوا مالي ودعوني ودينى.

فأخذوا ماله وتركوه فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله [لما جاء إليه]: يا صهيب كم كان مالك الذي سلمته؟ قال: سبعة آلاف.

قال: طابت نفسك بتسليمه؟ قال: يا رسول الله - والذي بعثك بالحق نبيا - لو كانت الدنيا كلها ذهبة حمراء لجعلتها عوضا عن نظره أنظرها إليك، ونظرة أنظرها إلى أخيك ووصيك علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا صهيب قد أعجزت خزان الجنان عن إحصاء مالك فيها بمالك هذا واعتقادك، فلا يحصيها(٢) إلا خالقها.

فضيلة لخباب بن الارت

وأما خباب بن الارت، فكانوا قد قيدوه بقيد وغل(٣) فدعا الله تعالى بمحمد

____________________

(١) هذا يروى عن صهيب - مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أول عهده به أيام حياته - ودرجة جهاده وحبه، والنظر اليه والى وصيه، فكيف بالايمان القلبى برسالته ووصيه.

وهذا الشيخ الكبير - على ما ادعاه - فالى متى بقى وعاش ومتى توفى، وبعد فهل بقى على العهد الذى كان في أيام حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما كان بلال، أو انقلب على عقبيه - كما في ظاهر رواية الكشى: ٣٨ ح ٧٩، والاختصاص: ٦٨، وعليك بمراجعة السند فيهما، وترجمته في كتب التراجم - أو تظاهر به تقية؟ واذا شككت فقف عنده، وذره في بقعة الامكان، ولا تقف ما ليس لك به علم.

فانا رأينا مختلف الرواية، وبعض الطعون على بعض أصحابنا، وأصحابنا رفضوها.

(٢) هذا من فضل الله ورحمته، وكان فضله عظيما، وكم له نظير في المثوبات، ومنه ما آثرناه في فضل صلاة الجماعة اذا كان عددهم كثيرا، والله العالم.

(٣) طوق من حديد يجعل في اليد أو العنق.

٦٢٥

وعلي وآلهما الطيبين، فحول الله تعالى القيد فرسا ركبه، وحول الغل سيفا بحمائل تقلده(١) فخرج [عنهم] من أعمالهم.

فلما رأوا ما ظهر عليه من آيات محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يجسر(٢) أحد أن يقربه، وجرد سيفه وقال: من شاء فليقرب، فاني سألته بمحمد وعليعليهما‌السلام أن لا اصيب بسيفي أبا قبيس(٣) إلا قددته نصفين، فضلا عنكم.

فتركوه فجاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فضيلة لعمار بن ياسر

وأما [أبوعمار] ياسر، وام عمار فقتلا في الله صبرا.

وأما عمار فكان أبوجهل يعذبه، فضيق الله عليه خاتمه في إصبعه(٤) حتى أضرعه(٥) وأذله، وثقل عليه قميصه حتى صار أثقل من بدنات(٦) حديد، فقال لعمار: خلصنى مما أنا فيه، فما هو إلا من عمل صاحبك، فخلع خاتمه من إصبعه وقميصه من بدنه، وقال: البسه، ولا أراك بمكة تفتنها(٧) علي، وانصرف إلى محمد.

فقيل لعمار: ما بال خباب نجا(٨) بتلك الاية، وأبواك أسلما للعذاب حتى قتلا؟ قال عمار: ذلك حكم من أنقذ إبراهيمعليه‌السلام من النار، وامتحن بالقتل يحيى وزكرياعليهما‌السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت من كبار الفقهاء يا عمار.

فقال عمار: حسبي يا رسول الله من العلم معرفتي بأنك رسول رب العالمين، وسيد الخلق أجمعين، وأن أخاك عليا وصيك وخليفتك، وخير من تخلفه بعدك، وأن القول الحق قولك وقوله، والفعل الحق فعلك وفعله، وأن الله عزوجل ما

____________________

(١) قلده السيف: جعل حمالته في عنقه.

(٢) " يجرأ " أ س.

(٣) اسم جبل

(٤) زاد في " أ، ط " وقميصه من بدنه.

(٥) أضرع الرجل: أذله.

(٦) البدن بالتحريك -: الدرع القصير:

(٧) " تضيقها " ط.

(٨) في " ب " الفعل على بناء المجهول، وكذا الذى بعده.

٦٢٦

وفقني لموالاتكما ومعاداة أعدائكما إلا وقد أراد أن يجعلني معكما في الدنيا والآخرة.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هو كما قلت يا عمار، إن الله تعالى يؤيد بك الدين ويقطع بك معاذير الغافلين، ويوضح بك عن عناد المعاندين إذا قتلتك الفئة الباغية على المحقين.

ثم قال له: يا عمار بالعلم نلت ما نلت من هذا الفضل، فازدد منه تزدد فضلا، فان العبد إذا خرج في طلب العلم ناداه الله عزوجل من فوق العرش: مرحبا بك يا عبدي أتدري أية منزلة تطلب؟ وأية درجة تروم؟ مضاهاة(١) ملائكتي المقربين لتكون لهم قرينا؟ لابلغنك مرادك ولاصلنك بحاجتك.

قيل لعلي بن الحسينعليهما‌السلام : ما معنى مضاهاة ملائكة الله عزوجل المقربين ليكون لهم قرينا؟ قال: أما سمعت الله عزوجل يقول (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم)(٢) .

فابتدأ بنفسه، وثنى بملائكته، وثلث باولي العلم الذين هم قرناء ملائكته [أولهم] وسيدهم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وثانيهم عليعليه‌السلام ، وثالثهم (أقرب أهله إليه)(٣) ، وأحقهم بمرتبته بعده.

قال علي بن الحسينعليهما‌السلام : ثم أنتم - معاشر الشيعة العلماء لعلمنا تالون لنا، مقرونون(٤) بنا وبملائكة الله المقربين، شهداء [لله] بتوحيده وعدله وكرمه وجوده، قاطعون لمعاذير المعاندين من عبيده وإمائه، فنعم الرأى لانفسكم رأيتم، ونعم الحظ الجزيل اخترتم، وبأشرف السعادة سعدتم حين(٥) بمحمد وآله الطيبينعليهم‌السلام قرنتم، وعدول الله في أرضه شاهرين بتوحيده وتمجيده جعلتم، وهنيئا لكم، أن محمدا

____________________

(١) " تضاهى " ب، البحار، والعوالم، ضاهى مضاهاة الرجل: شاكله وشابهه.

(٢) آل عمران: ١٨.

(٣) " أهله " البحار.

(٤) " معروفون " أ، ص.

(٥) " و " س.

٦٢٧

لسيد الاولين والآخرين، وأن آل محمد خير آل النبيين، وأن أصحاب محمد الموالين لاولياء محمد وعليعليهما‌السلام ، والمتبرئين من أعدائهما، أفضل صحابة المرسلين، وأن امة محمد الموالين لمحمد وعلي، المتبرئين من أعدائهما، أفضل امم المرسلين وأن الله تعالى لا يقبل من أحد عملا إلا بهذا الاعتقاد، ولا يغفر له ذنبا، ولا يقبل له حسنة، ولا يرفع له درجة إلا به(١) .

قوله عزوجل: " يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين فان زللتم من بعد ما جاء‌تكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم ": ٢٠٨ - ٢٠٩

٣٦٦ - قال الامامعليه‌السلام : فلما ذكر الله تعالى الفريقين:

أحدهما (ومن الناس من يعجبك قوله).

والثاني: (ومن الناس من يشري نفسه) وبين حالهما، دعا الناس إلى حال من رضي صنيعه فقال: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة).يعني في السلم والمسالمة إلى دين إلاسلام كافة جماعة ادخلوا فيه، [وادخلوا] في جميع الاسلام، فتقبلوه واعملوا فيه(٢) ، ولا تكونوا كمن(٣) يقبل بعضه ويعمل به، ويأبى بعضه ويهجره.

قال: ومنه الدخول في قبول ولاية عليعليه‌السلام كالدخول في قبول نبوة [محمد] رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانه لا يكون مسلما من قال: إن محمدا رسول الله، فاعترف به ولم يعترف بأن عليا وصيه وخليفته وخير امته.

____________________

(١) عنه البحار: ١ / ١٨ ح ٦٨ من قوله " ان العبد اذا خرج..." وج ٢٢ / ٣٣٨ ح ٥٠ إلى قوله: " ولا وصلك بحاجتك ".

وعوالم العلوم: ١٤٧ ح ٨١، وسفينة البحار: ١ / ١٠٤ قطعة.

(٢) " لله " البحار: ٣٦.

(٣) " ممن " أ.

٦٢٨

(ولا تتبعوا خطوات الشيطان) من يتخطى بكم إليه الشيطان من طرق الغي والضلال، ويأمركم به من ارتكاب الآثام الموبقات(١) (إنه لكم عد ومبين) إن الشيطان لكم عدو مبين، بعداوته يريد اقتطاعكم عن عظيم الثواب، وإهلاككم بشديد العقاب.

(فان زللتم) عن السلم والاسلام الذي تمامه باعتقاد ولاية عليعليه‌السلام ، ولا ينفع الاقرار بالنبوة مع جحد إمامة عليعليه‌السلام ، كما لا ينفع الاقرار بالتوحيد مع جحد النبوة، إن زللتم.

(من بعد ما جاء‌تكم البينات) من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفضيلته، وأتتكم الدلالات الواضحات الباهريات على أن محمدا الدال على إمامة عليعليه‌السلام نبي صدق، ودينه دين حق.

(فاعلموا أن الله عزيز حكيم) [عزيز] قادر على معاقبة المخالفين لدينه والمكذبين لنبيه لا يقدر أحد على صرف انتقامه من مخالفيه، وقادر على إثابة الموافقين لدينه والمصدقين لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يقدر أحد على صرف ثوابه عن مطيعيه.

حكيم فيما يفعل من ذلك، غير مسرف على من أطاعه وإن أكثر له الخيرات، ولا واضع لها في غير موضعها (وإن أتم له الكرامات)(٢) ، ولا ظالم لمن عصاه وإن شدد عليه العقوبات.

[بعض احتجاجات علىعليه‌السلام يوم الشورى:] قال على بن الحسينعليهما‌السلام : وبهذه الاية وغيرها احتج عليعليه‌السلام يوم الشورى على من دافعه عن حقه، وأخره عن رتبته، وإن كان ما ضر الدافع إلا نفسه، فان علياعليه‌السلام كالكعبة التي أمر الله باستقبالها للصلاة.

____________________

(١) أى المهلكات.

(٢) كذا في " س " وفى غيرها " للكرامات ".

٦٢٩

جعله الله ليؤتم به في امور الدين والدنيا، كما لا ينقص الكعبة، ولا يقدح في شئ من شرفها وفضلها إن ولى عنها الكافرون، فكذلك لا يقدح في عليعليه‌السلام - إن أخره عن حقه - المقصرون، ودافعه عن واجبه الظالمون.

قال لهم عليعليه‌السلام يوم الشورى في بعض مقاله بعد أن أعذر وأنذر، وبالغ وأوضح: معاشر الاولياء العقلاء ألم ينه الله تعالى عن أن تجعلوا له أندادا ممن لا يعقل ولا يسمع ولا يبصر ولا يفهم(١) ؟ أو لم يجعلني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لدينكم ودنياكم قواما؟ أو لم يجعل إلى مفزعكم؟ أو لم يقل لكم: علي مع الحق والحق معه(٢) ؟ أو لم يقل: أنا مدينة العلم(٣) وعلي بابها(٤) ؟ أولا تروني غنيا عن علومكم وأنتم إلى علمي محتاجون؟ أفأمر الله تعالى العلماء باتباع من لا يعلم، أم من لا يعلم باتباع من يعلم؟ يا أيها الناس لم تنقضون ترتيب الالباب(٥) لم تؤخرون من قدمه الكريم الوهاب؟ أو ليس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أجابني إلى مارد عنه أفضلكم: فاطمة لما خطبها؟ أوليس قد جعلني أحب خلق الله [إلى الله] لما أطعمني معه من الطائر(٦) ؟

____________________

(١) زاد في بعض النسخ والبحار: " كما (لا يفهم) نفهم ".

(٢) وهذا حديث متواتر روته الخاصة والعامة بأسانيد شتى وألفاظ مختلفة يضيق بنا المجال لسردها، استقصيناها عند تحقيقنا كتاب " الاربعين " لمنتخب الدين ح ١٧، انظر البحار: ٣٨ / ٢٦ - ٤٠، واحقاق الحق: ٥ / ٦٢٣ - ٦٣٨، وج ١٦ / ٣٨٥، ٣٩٧.

(٣) " الحكمة " البحار: ٣٦.

(٤) تقدم ص ٤٩٧ بلفظ " مدينة الحكمة " وله بيان، فراجع.

(٥) اللب: العقل الخالص من الشوائب أو ما ذكا من العقل، فكل لب عقل، ولا يعكس.

(٦) راجع المجلد الخاص بحديث الطير من عبقات الانوار.

٦٣٠

أوليس جعلني أقرب الخلق شبها بمحمد نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ أفأقرب الناس به شبها تؤخرون؟ وأبعد الناس به شبها تقدمون؟ مالكم لا تتفكرون ولا تعقلون؟ قال: فما زال يحتج بهذا ونحوه عليهم وهم لا يغفلون(١) عما دبروه، ولا يرضون(٢) إلا بما آثروه !(٣) .

قوله عزوجل: " هل ينظرون الا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضى الامر والى الله ترجع الامور": ٢١٠.

٣٦٧ - قال الامامعليه‌السلام : لما بهرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بآياته، وقطع معاذيرهم بمعجزاته أبى بعضهم الايمان، واقترح عليه الاقتراحات الباطلة [وهي ما] قال الله تعالى: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا)(٤) وسائر ما ذكر في الآية، فقال الله عزوجل: يا محمد (هل ينظرون) أي هل ينظر هؤلاء المكذبون بعد إيضاحنا لهم الآيات، وقطعنا معاذيرهم بالمعجزات (إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) وتأتيهم الملائكة كما كانوا اقترحوا عليك اقتراحهم المحال في الدنيا في إتيان الله الذي لا يجوز عليه الاتيان، و [اقتراحهم] الباطل في إتيان الملائكة الذين لا يأتون إلا مع زوال هذا

____________________

(١) غفل عنه: سها عنه وتركه.

(٢) " يصرون " أ، س، ص.

(٣) عنه البحار: ٣٦ / ١١٠ ح ٥٩، وج ٦٨ / ٢٣٠ قطعة.

(٤) الاسراء: ٩٠ - ٩٢.

٦٣١

التعبد، وحين وقوع هلاك الظالمين بظلمهم و (وقتك هذا وقت تعبد)(١) لا وقت مجئ الاملاك بالهلاك، فهم في اقتراحهم بمجئ الاملاك جاهلون.

(وقضي الامر) أي هل ينظرون إلا مجئ الملائكة، فاذا جاء‌وا وكان ذلك قضي الامر بهلاكهم.

(وإلى الله ترجع الامور) فهو يتولى الحكم فيها، يحكم بالعقاب على من عصاه ويوجب كريم المآب لمن أرضاه(٢) .

٣٦٨ - قال على بن الحسينعليهما‌السلام : طلب هؤلاء الكفار الآيات، ولم يقنعوا بما أتاهم منها بما فيه الكفاية والبلاغ حتى قيل لهم: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله) أي إذا لم يقنعوا بالحجة الواضحة [الدافعة] فهل ينظرون إلا أن يأتيهم الله، وذلك محال، لان الاتيان على الله لايجوز.

وكذلك النواصب اقترحوا على رسول الله في نصب أمير المؤمنين عليعليه‌السلام إماما - واقترحوا - حتى اقترحوا المحال.

وكذلك إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما نص على عليعليه‌السلام بالفضيلة والامامة وسكن [إلى] ذلك قلوب المؤمنين، وعاند فيه أصناف الجاحدين من المعاندين، وشك في ذلك ضعفاء من الشاكين، واحتال(٣) في السلم من الفريقين - من النبي وخيار أصحابه، ومن أصناف أعدائه - جماعة المنافقين، وفاض في صدورهم العداوة والبغضاء والحسد والشحناء حتى قال قائل المنافقين: لقد أسرف محمد في مدح [نفسه ثم أسرف في مدح] أخيه علي وما ذلك من عند رب العالمين، ولكنه في ذلك من المتقولين يريد أن يثبت لنفسه الرئاسة علينا حيا، ولعلي بعد موته.

____________________

(١) " هذا وقت التعبد " البحار.

(٢) عنه البحار: ٩ / ٢٨١ ح ٥.

(٣) " اختال " أ، ص.

الختل " الخداع.

٦٣٢

قال الله تعالى: يا محمد قل لهم: وأي شئ أنكرتم من ذلك؟ هو عزيز(١) حكيم كريم، ارتضى عبادا من عباده، واختصهم بكرامات لما علم من حسن طاعاتهم، وانقيادهم لامره، ففوض إليهم امور عباده، وجعل إليهم سياسة خلقه بالتدبير الحكيم الذي وفقهم له.

أولا ترون ملوك الارض إذا ارتضى أحدهم خدمة بعض عبيده، ووثق بحسن اضطلاعه(٢) بما يندب له(٣) من امور ممالكه، جعل ماوراء بابه إليه، واعتمد في سياسة جيوشه ورعاياه عليه.

كذلك محمد في التدبير الذي رفعه له ربه، وعلي من بعده الذي جعله وصيه وخليفته في أهله، وقاضي دينه، ومنجز عداته، والمؤازر لاوليائه، والمناصب(٤) لاعدائه فلم يقنعوا بذلك، ولم يسلموا وقالوا: ليس الذي يسنده إلى ابن أبي طالبعليه‌السلام بأمر صغير، إنما هو دماء الخلق، ونساؤهم، وأولادهم، وأموالهم، وحقوقهم [وأنسابهم] ودنياهم وآخرتهم، فليأتنا بآية تليق بجلالة هذه الولاية.

احتجاجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لولاية عليعليه‌السلام

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما كفاكم نور علي المشرق في الظلمات الذي رأيتموه ليلة خروجه من عند رسول الله إلى منزله؟ أما كفاكم أن عليا جاز والحيطان بين يديه، ففتحت له وطرقت(٥) ، ثم عادت

____________________

(١) " عظيم " ب، ط، والبحار.

(٢) " اصطناعه " أ، ط." اطاعته " البحار.

يقال: اضطلع بحمله: نهض به وقوى عليه.

(٣) ندب فلانا للامر: دعاه ورشحه للقيام به، وحثه عليه.

(٤) ناصبه مناصبة: عاداه وقاومه." المصائب " أ، س، ص.

(٥) طرق - بتشديد الراء - له: جعل له طريقا.

٦٣٣

والتأمت؟ أما كفاكم يوم غدير خم أن عليا لما أقامه رسول الله رأيتم أبواب السماء مفتحة، والملائكة منها مطلعين تناديكم: هذا ولي الله فاتبعوه، وإلا حل بكم عذاب الله فاحذروه؟ أما كفاكم رؤيتكم علي بن أبي طالبعليه‌السلام وهو يمشي والجبال تسير بين يديه لئلا يحتاج إلى الانحراف عنها، فلما جاز رجعت الجبال إلى أماكنها؟ ثم قال: اللهم زدهم آيات، فانها عليك سهلات يسيرات لتزيد حجتك عليهم تأكيدا.

قال: فرجع القوم إلى بيوتهم، فأرادوا دخولها فاعتقلتهم الارض ومنعتهم، ونادتهم: حرام عليكم دخولها حتى تؤمنوا بولاية عليعليه‌السلام .

قالوا: آمنا.ودخلوا.ثم ذهبوا ينزعون ثيابهم ليلبسوا غيرها، فثقلت عليهم، ولم يقلوها(١) ونادتهم: حرام عليكم سهولة نزعنا حتى تقروا بولاية عليعليه‌السلام .فأقروا، ونزعوها.ثم ذهبوا يلبسون ثياب الليل، فثقلت عليهم ونادتهم: حرام عليكم لبسنا حتى تعترفوا بولاية عليعليه‌السلام .فاعترفوا.

ثم ذهبوا يأكلون، فثقلت عليهم اللقمة، ومالم يثقل منها استحجر في أفواههم، ونادتهم: حرام عليكم أكلنا حتى تعترفوا بولاية عليعليه‌السلام .فاعترفوا.

ثم ذهبوا يبولون ويتغوطون، فتعذبوا، وتعذر عليهم، ونادتهم بطونهم ومذاكيرهم: حرام عليكم السلامة منا حتى تعترفوا بولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

فاعترفوا ثم ضجر بعضهم وقال: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) قال الله عزوجل: (وماكان الله ليعذبهم وأنت فيهم) فان عذاب الاصطلام العام إذا نزل، نزل بعد خروج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من بين أظهرهم، ثم قال الله عزوجل:

____________________

(١) قله - بتشديد اللام - عن الارض: رفعه.

٦٣٤

(وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)(١) يظهرون التوبة والانابة، فان من حكمه في الدنيا يأمرك بقبول الظاهر، وترك التفتييش عن الباطن، لان الدنيا دار إمهال وإنظار، والآخرة دار الجزاء بلا تعبد.

قال: (وماكان الله معذبهم) وفيهم من يستغفر لان هؤلاء لو أن فيهم من علم الله أنه سيؤمن أو أنه سيخرج من نسله ذرية طيبة يجود ربك على اولئك بالايمان وثوابه، ولا يقتطعهم باخترام(٢) آبائهم الكفار، ولولا ذلك لاهلكهم.

فذلك قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كذلك اقترح الناصبون آيات في عليعليه‌السلام حتى اقترحوا مالا يجوز في حكم [الله]، جهلا بأحكام الله، واقتراحا للاباطيل على الله(٣) ..

قوله عزوجل: " سل بنى اسرائيل " الاية إلى قوله " أو ضعيفا " ٢١١ - ٢٨٢ اثنان وسبعون آية تفسيرها مفقود(٤) .

رزقنا الله تمامه بمحمد وآله الطيبين صلوات الله عليهم أجمعين [إلى يوم الدين]

____________________

(١) الايات من سورة الانفال: ٣٢ - ٣٣.

(٢) أى باهلاك.

(٣) عنه البحار: ٩ / ٢٨٢ ذ ح ٥ قطعة، وج ٤٢ / ٤٠ ح ١٤ من قوله " ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما نص على."، واثبات الهداة: ٣ / ٥٧٨ ح ٦٧٤ قطعة، وج ٤ / ٥٩٧ ح ٢٩٣ قطعة.

(٤) " تم ما وجدناه من هذه الايات وتفسيرها " ب.

٦٣٥

بسم الله الرحمن الرحيم

شئ آخر من تفسير هذه السورة من الامام الحسن بن علي العسكري عليه وعلى آبائه وابنه القائمعليهم‌السلام المنتظر المهدي السلام.

قوله عزوجل: " أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل " إلى آخر الاية: ٢٨٢](١) .

٣٦٩ - قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في قوله عزوجل: (أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل) قال: (ضعيفا) في بدنه لا يقدر أن يمل(٢) ، أو ضعيفا في فهمه وعلمه لا يقدر أن يمل ويميز الالفاظ التي هي عدل عليه وله من الالفاظ التي هي جور عليه أو على حميمه.

(أولا يستطيع أن يمل هو) يعني بأن يكون مشغولا في مرمة(٣) لمعاش، أو تزود لمعاد، أو لذة في غير محرم، فان تلك [هي] الاشغال التي لا ينبغي لعاقل أن يشرع في غيرها.

قال: (فليملل وليه بالعدل) يعني النائب عنه، والقيم بأمره بالعدل، بان لا يحيف على المكتوب له، ولا على المكتوب عليه.(٤)

____________________

(١) " ومما أوصل الينا من هذا التفسير عن هذه السورة أيضا " أ، س، ص.

(٢) أمللت الكتاب على الكاتب املالا: ألقيته عليه، وأمليته عليه املاء‌ا والاولى لغة الحجاز وبنى أسد والثانية لغة بنى تميم وقيس، وجاء الكتاب العزيز بهما " وليملل الذى عليه الحق "، " فهى تملى عليه بكرة وأصيلا " الفرقان: ٥.

(المصباح المنير: ٥٨٠).

(٣) رم رما ومرمة الامر: أصلحه." بدنه " ب.

(٤) عنه البحار: ١٠٤ / ٣٠٤ صدر ح ١٠.

٦٣٦

في اعانة الضعيف

٣٧٠ - قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أعان ضعيفا في بدنه على أمره، أعانه الله تعالى على أمره، ونصب له في القيامة ملائكة يعينونه على قطع تلك الاهوال وعبور تلك الخنادق من النار، حتى لا يصيبه من دخانها ولا سمومها، وعلى عبور الصراط إلى الجنة سالما آمنا.

ومن أعان ضعيفا في فهمه ومعرفته فلقنه حجته على خصم ألد(١) طلاب الباطل، أعانه الله عند سكرات الموت على شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، والاقرار بما يتصل بهما، والاعتقاد له حتى يكون خروجه من الدنيا ورجوعه إلى الله تعالى على أفضل أعماله، وأجل أحواله، فيجئ(٢) عند ذلك بروح وريحان، ويبشر بأن ربه عنه راض، وعليه غير غضبان.

ومن أعان مشغولا بمصالح دنياه أو دينه على أمره حتى لا ينتشر(٣) عليه أعانه الله تعالى يوم تزاحم الاشغال وانتشار الاحوال، يوم قيامه بين يدي الملك الجبار، فيميزه من الاشرار ويجعله من الاخيار(٤) .

في أن أعلم الناس بالقدر أسكتهم عنه

٣٧١ - [قال:] ولقد مر أمير المؤمنينعليه‌السلام على قوم من أخلاط المسلمين ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري، وهم قعود في بعض المساجد في أول يوم من شعبان، إذا هم يخوضون في أمر القدر وغيره مما اختلف الناس فيه، قد أرتفعت أصواتهم

____________________

(١) لد يلد لددا - من باب تعب - اشتدت خصومته فهو ألد والمرأة: لداء، والجمع: لد، " الذى (هو) " أ، س.

" الدين " البحار.

(٢) " فيحيى " ص، والبحار.

(٣) " يتعسر " البحار: ٧٥.

(٤) عنه البحار: ٨ / ١٦٦ صدر ح ١١١ قطعة، وج ٧٥ / ٢١ ح ١٩، وج ١٠٤ - ٣٠٥ ضمن ح ١٠.

٦٣٧

واشتد فيه محكهم(١) وجدالهم، فوقف عليهم، فسلم، فردوا عليه وأوسعوا وقاموا إليه يسألونه القعود إليهم، فلم يحفل بهم، ثم قال لهم - وناداهم -: يا معشر المتكلمين فيما لا يعنيهم ولا يرد عليهم، ألم تعلموا أن لله عبادا قد أسكتتهم(٢) خشيته من غيرعي ولا بكم، وإنهم لهم الفصحاء العقلاء الالباء(٣) العالمون بالله وأيامه(٤) .

ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انكسرت ألسنتهم، وانقطعت أفئدتهم، وطاشت عقولهم، وهامت حلومهم، إعزازا لله، وإعظاما وإجلالا له.

فاذا أفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله بالاعمال الزاكية، يعدون أنفسهم مع الظالمين والخاطئين، وأنهم براء من المقصرين والمفرطين، إلا أنهم لا يرضون لله بالقليل ولا يستكثرون لله الكثير، ولا يدلون(٥) عليه بالاعمال فهم متى ما رأيتهم مهمومون(٦) مروعون، خائفون، مشفقون، وجلون.

فأين أنتم منهم يا معشر المبتدعين ألم تعلموا أن أعلم الناس بالقدر أسكتهم عنه وأن أجهل الناس بالقدر أنطقهم فيه؟

وجه تسمية شعبان

يا معشر المبتدعين هذا يوم غرة شعبان الكريم سماه ربنا شعبان لتشعب الخيرات فيه، قد فتح ربكم فيه أبواب جنانه، وعرض عليكم قصورها وخيراتها بأرخص

____________________

(١) المحك: المنازعة في الكلام، والتمادى في اللجاجة.

(٢) " أسكنتهم " ب، س.

(٣) جمع لبيب وهو العاقل.

وفى البحار: البلغاء بدل " العقلاء ".

(٤) أيام الله: نعمه ونقمه.

(٥) أى يجترئون، قال المجلسى (ره): أدل عليه أى أوثق بمحبته فأفرط عليه.

" يزالون " أ، س، ص.

(٦) " مغتمون " س،.

" مهيمون " البحار اغتم: حزن، والهيام: الجنون من العشق.

٦٣٨

الاثمان، وأسهل الامور فأبيتموها(١) وعرض لكم إبليس اللعين بشعب شروره وبلاياه فأنتم دائبا(٢) تنهمكون في الغي والطغيان، وتتمسكون بشعب إبليس، وتحيدون عن شعب الخير المفتوح لكم أبوابه.

هذه غرة شعبان، وشعب خيراته الصلاة، والصوم، والزكاة، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبر الوالدين والقرابات والجيران، وإصلاح ذات البين، و الصدقة على الفقراء والمساكين، تتكلفون ما قد وضع عنكم، وما قد نهيتم عن الخوض فيه من كشف سرائر الله التي من فتش عنها كان من الهالكين.

أما إنكم لو وقفتم على ما قد أعده ربنا عزوجل للمطيعين من عباده في هذا اليوم، لقصرتم(٣) عما أنتم فيه، وشرعتم فيما امرتم به.

قالوا: يا أمير المؤمنين وما الذي أعد الله في هذا اليوم للمطيعين له؟ فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لا أحدثكم إلا بما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جيشا ذات يوم إلى قوم من أشداء الكفار، فأبطأ عليه خبرهم، وتعلق قلبه بهم، وقال: ليت [لنا] من يتعرف أخبارهم، ويأتينا بأنبائهم.

بينا هو قائل هذا، إذ جاء‌ه البشير بأنهم قد ظفروا بأعدائهم واستولوا [عليهم] وصيروهم بين قتيل وجريح وأسير، وانتهبوا أموالهم، وسبوا ذراريهم وعيالهم.

فلما قرب القوم من المدينة، خرج إليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأصحابه يتلقاهم، فلما لقيهم ورئيسهم زيد بن حارثة، وكان قد أمره عليهم - فلما رأى زيد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - نزل عن ناقته، وجاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقبل رجله، ثم قبل يده، فأخذه رسول

____________________

(١) " فابتاعوها " أ، والمستدرك.

ابتاع الشئ: اشتراه.

(٢) في حديث البعير الذى سجد لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لصاحبه: انه يشكوا إلى أنك تجيعه وتدئبه.

أى تكده وتتعبه.وكل ما أدمته فقد أدأبته.

(٣) قصر عن الشئ: كف عنه وتركه مع العجز.

٦٣٩

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقبل رأسه.

[ثم نزل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عبدالله بن رواحة فقبل يده ورجله وضمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى نفسه.

ثم نزل إليه قيس بن عاصم المنقري(١) فقبل يده ورجله وضمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إليه].

____________________

(١) تشتمل هذه القصة على ذكر: زيد به حارثة، عبدالله بن رواحة، وقيس بن عاصم المنقرى في غرة شعبان..

وحسب التاريخ المشهور في كتب القوم، قد استشهد الاولان مع جعفر الطيار في غزوة مؤتة في السنة الثامنة من الهجرة النبوية - قبل الفتح - في شهر جمادى الاولى.

وفى كتبهم أيضا: أن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث في المحرم سنة تسع من الهجرة سرية عيينة بن الحصن الفزارى إلى بنى تميم، قدم على أثرها وفد من رؤسائهم فيهم قيس بن عاصم...(طبقات ابن سعد: ٢ / ١٦٠).

قال ابن حجر في الاصابة: ٣ / ٢٥٣: وفد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في وفد بنى تميم فأسلم، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا سيد أهل الوبر..وقال في ص ٢٥٤: وذكر ابن شاهين من طريق المدائنى عن أبى معشر ورجاله قالوا: قدم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قيس بن عاصم ونعيم بن بدر وعمرو بن الاهتم قبل وفد بنى تميم، وكان النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله استبطأ قيس بن عاصم، فقال له عتبة: ائذن لى أن أغزوه فأقتل رجاله وأسبى نساء‌ه.فأعرض عنه، وقدم قيس، فقال النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا سيد أهل الوبر: ثم تقدم فأسلم.

وروى الصدوق (ره) في أماليه: ١٢ ح ٤ وفى معانى الاخبار: ٢٣٣، وفى الخصال: ١ / ١١٤ ح ٩٣ باسناده عن العلاء بن محمد بن الفضل، عن أبيه، عن جده، قال: قال قيس بن عاصم: وفدت مع جماعة من بنى تميم إلى النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله فدخلت وعنده الصلصال بن الدلهمس، فقلت: يا نبى الله عظنا ننتفع بها..

(عنها البحار: ٧١ / ١٧٠ ح (١).والى الان لم نعثر على تحقيق صحيح يرفع التعارض بين ماورد في التفسير والتاريخ فارتقب انا مرتقبون.

٦٤٠