تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 216562
تحميل: 39681

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216562 / تحميل: 39681
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

ثم نزل إليه سائر الجيش ووقفوا يصلون عليه، ورد عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خيرا ثم قال لهم: حدثوني خبركم وحالكم مع أعدائكم.وكان معهم من أسراء القوم وذراريهم وعيالاتهم وأموالهم من الذهب والفضة وصنوف الامتعة شئ عظيم.

فقالوا: يا رسول الله لو علمت كيف حالنا لعظم تعجبك.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لم أكن أعلم ذلك حتى عرفنيه الآن جبرئيلعليه‌السلام ، وما كنت أعلم شيئا من كتابه ودينه أيضا حتى علمنيه ربي، قال الله عزوجل: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ماكنت تدري ما الكتاب ولا الايمان - إلى قوله - صراط مستقيم)(١) .

ولكن حدثوا بذلك إخوانكم هؤلاء المؤمنين، لا صدقكم [فقد أخبرني جبرئيل بصدقكم] فقالوا(٢) : يا رسول الله، إنا لما قربنا من العدو بعثنا عينا لنا ليعرف أخبارهم وعددهم لنا، فرجع إلينا يخبرنا أنهم قدر ألف رجل، وكنا ألفي رجل، وإذا القوم قد خرجوا إلى ظاهر بلدهم في ألف رجل، وتركوا في البلد ثلاثة آلاف يوهموننا أنهم ألف، وأخبرنا صاحبنا أنهم يقولون فيما بينهم: نحن ألف وهم ألفان ولسنا نطيق مكافحتهم، وليس لنا إلا التحاصن في البلد حتى تضيق صدورهم من منازلتنا، فينصرفوا عنا.

فتجر أنا بذلك عليهم، وزحفنا إليهم، فدخلوا بلدهم، وأغلقوا دوننا بابه، فقعدنا ننازلهم(٣) .

فلما جن علينا الليل، وصرنا إلى نصفه، فتحوا باب بلدهم، ونحن غارون(٤)

____________________

(١) الشورى: ٥٢.

(٢) " فقال " البحار: ٩٧.

(٣) " منازلهم " الاصل.

تصحيف، ونازله في الحرب: نزل في مقابلته وقاتله.

(٤) الغار: الغافل.

٦٤١

نائمون ماكان فينا منتبه إلا أربعة نفر: زيد بن حارثة في جانب من جوانب عسكرنا يصلي ويقرأ القرآن.

وعبدالله بن رواحة في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن.

وقتادة بن النعمان في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن.

وقيس بن عاصم في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن.

فخرجوا في الليلة الظلماء الدامسة(١) ، ورشقونا بنبالهم، وكان ذلك بلدهم، وهم بطرقه ومواضعه عالمون، ونحن بها جاهلون، فقلنا فيما بيننا: دهينا وأوتينا، هذا ليل مظلم لا يمكننا أن نتقي؟؟ النبال، لانا لا نبصرها.

فبينا نحن كذلك إذ رأينا ضوء‌ا خارجا من في(٢) قيس بن عاصم المنقري كالنار المشتعلة.

وضوء‌ا خارجا من في قتادة بن النعمان كضوء الزهرة والمشتري، وضوء‌ا خارجا من في عبدالله بن رواحة كشعاع القمر في الليلة المظلمة.

ونورا ساطعا من في زيد بن حارثة أضوء من الشمس الطالعة.

____________________

(١) دمس الليل أو الظلام: اشتد سواده فهو دامس.

(٢) من كان آمن بالله وقدرته، وآياته، واستمع إلى كتاب الله في آيات موسى: " واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية اخرى " طه: ٢٢.

" ونزع يده فاذا هى بيضاء للناظرين " الاعراف: ١٠٨، الشعراء: ٣٣، فلا شك له في امكان ذلك ببركة نور كتاب الله النازل على الرسول الاعظم والنور الاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، المتجلى في أعمال أصحابه، كما قال في ذيل الحديث: وهذه الانوار بأعمال اخوانكم.وذلك بسبب قراء‌ة القرآن.ألا تنظرون إلى قوله تعالى: " يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم.يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم.

قيل ارجعوا وراء‌كم فالتمسوا نورا.

" الحديد: ١٢ و ١٣.

وقوله تعالى: " ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور " النور: ٢٤.

٦٤٢

وإذا تلك الانوار قد أضاء‌ت معسكرنا حتى أنه أضوء من نصف النهار، وأعداؤنا في ظلمة شديدة، فأبصرناهم وعموا [عنا]، ففرقنا زيد بن حارثة عليهم حتى أحطنا بهم، ونحن نبصرهم، وهم لا يبصروننا، ونحن بصراء، وهم عميان، فوضعنا عليهم السيوف فصاروا بين قتيل وجريح وأسير.

ودخلنا بلدهم فاشتملنا على الذراري والعيال والاثاث [والاموال]، وهذه عيالاتهم وذراريهم، وهذه أموالهم، وما رأينا يا رسول الله أعجب من تلك الانوار من أفواه هؤلاء القوم، التي عادت ظلمة على أعدائنا حتى مكنا منهم.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قولوا الحمد لله رب العالمين على ما فضلكم به من شهر شعبان هذه كانت [ليلة] غرة شعبان، وقد انسلخ عنهم الشهر الحرام، وهذه الانوار بأعمال إخوانكم هؤلاء في غرة شعبان أسلفوا(١) بها أنوارا في ليلتها قبل أن يقع منهم الاعمال.

قالوا: يا رسول الله وما تلك الاعمال لنثابر(٢) عليها؟ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما قيس بن عاصم المنقري، فانه أمر بمعروف في يوم غرة شعبان، وقد نهى عن منكر، ودل على خير، فلذلك قدم له النور في بارحة يومه عند قراء‌ته القرآن.

وأما قتادة بن النعمان، فانه قضى دينا كان عليه في [يوم] غرة شعبان، فلذلك أسلفه الله النور في بارحة يومه.

وأما عبدالله بن رواحة، فانه كان برا بوالديه، فكثرت غنيمته في هذه الليلة فلما كان من غد، قال له أبوه: إني وأمك لك محبان، وإن امرأتك فلانة تؤذينا وتعنينا(٣) وإنا لا نأمن من أن تصاب في بعض هذه المشاهد، ولسنا نأمن أن تستشهد في

____________________

(١) " ليسلفوا " أ.

السلف: كل عمل صالح قدمته.

(٢) ثابر على الامر: واظب عليه وداومه." لنثاب " البحار.

(٣) " تعنتنا س.

" تعيبنا " البحار: ٢٧.

" تبغينا البحار: ٩٧.

عنى الرجل: آذاه وكلفه ما يشق عليه، عنته: شدد عليه وألزمه ما يصعب عليه أداؤه، ويشق عليه تحمله.

٦٤٣

بعضها، فتداخلنا هذه في أموالك، ويزداد علينا بغيها وعنتها.

فقال عبدالله: ماكنت أعلم بغيها عليكم، وكراهتكما لها، ولو كنت علمت ذلك لابنتها(١) من نفسي، ولكني قد أبنتها الآن لتأمنا(٢) ما تحذران، فما كنت بالذي أحب من تكرهان، فلذلك أسلفه الله النور الذي رأيتم.

وأما زيد بن حارثة الذي كان يخرج من فيه نور أضوء من الشمس الطالعة، وهو سيد القوم وأفضلهم، فقد علم الله ما يكون منه، فاختاره وفضله على علمه بما يكون منه أنه في اليوم الذي ولي هذه الليلة التي كان فيها ظفر المؤمنين بالشمس الطالعة من فيه جاء‌ه رجل من منافقي عسكره(٣) يريد التضريب بينه وبين علي بن أبى طالبعليه‌السلام ، وإفساد ما بينهما فقال [له]: بخ بخ أصبحت لا نظير لك في أهل بيت رسول الله وصحابته هذا بلاؤك، وهذا الذي شاهدناه نورك.

فقال له زيد: يا عبدالله اتق الله، ولا تفرط في المقال، ولا ترفعني فوق قدري، فانك [لله] بذلك مخالف و [به] كافر، وإني إن تلقيت(٤) مقالتك هذه بالقبول لكنت كذلك.

يا عبدالله، ألا احدثك بما كان في أوائل الاسلام وما بعده، حتى دخل رسول الله المدينة(٥) وزوجه فاطمة(٦) عليها‌السلام ، وولد له الحسن والحسينعليهما‌السلام ؟ قال: بلى.

قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان لي شديد المحبة حتى تبناني لذلك(٧) فكنت

____________________

(١) أى طلقتها.

(٢) " لتكفيا " س، ص.

(٣) " عسكرهم " البحار.

(٤) " قبلت " أ، س، ص.

(٥) " دخل رسول الله المدينة مع على " ظ.

(٦) " وزوج الفاطمة " أ، س، ص.

(٧) وكيف لا يكون شديد الحب لزيد هذا ولا يتبناه، ولا يؤويه، وقد آثره على والده، وأخلص في الايمان والحب له، حتى رفضه من كان رؤوفا عليه، وتبرأ منه، فصار كمن كان يتيما لا يجد أباه.

فهل جزاؤه الا أن يتبناه، وهل يؤويه الا من أحس اليتم؟ وقد خاطبه عزوجل بقوله: " ألم يجدك يتيما فآوى...

فأما اليتيم فلا تقهر " الضحى: ٦ - ٩.

٦٤٤

ادعى " زيد بن(١) محمد " إلى أن ولد لعلي الحسن والحسينعليهما‌السلام فكرهت ذلك لاجلهما(٢) ، وقلت - لمن كان يدعوني -: احب أن تدعوني زيدا مولى رسول الله

____________________

(١) اليك هذه الايات: " واذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس، والله أحق أن تخشاه.

فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكى لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم اذا قضوا منهن وطرا، وكان أمر الله مفعولا.ماكان على النبى من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل، وكان أمر الله قدرا مقدورا..ماكان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين..." ٣٧ - ٤٠ " وما جعل أدعياء‌كم أبناء‌كم ذلكم قولكم بأفواهكم...ادعوهم لابائهم هو أقسط عند الله فان لم تعلموا آباء‌هم فاخوانكم في الدين.." الاحزاب: ٤ - ٥.

أقول: والضابط أن من كان أبا أو أخا أو ابنا بالحقيقة، فله أحكام خاصة بين الاب وابنه وبين الاخوين، واذا كان ادعائيا، كأن تبنى رسول الله زيدا، أو قال: أنا وعلى أبوا هذه الامة، أو جعل عليا أخاه، بل نفسه في آية المباهلة " أنفسنا وأنفسكم " فهذا ليس الا ادعاء‌ا وشرافة، ولها أحكامها الخاصة بها، ولا تغير ماكان لها من قبل الا أن تناله يد التنزيل والاعتبار كما ثبت في النسب الرضاعى.

وعلى هذا تزوج النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله من امته، وزوج فاطمة من على (ع) وكذلك الحال في أزواج الادعياء شرعا، وانما كان رسول الله اسوة لكى لا يكون حرج على المؤمنين في أزواج أدعيائهم...والسر في ذلك ماقاله تعالى " ذلك قولكم بأفواهكم ".

(٢) لا عجب من زيد هذا اذ عرف النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخلص في حبه له وآله متفانيا وآثر آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بما نهى النفس عن الهوى متفاخرا.

فكان حقا لهذا المحب الواله الناطق بلسان قلبه أن يستحيى من أن يدعى ب‍ " زيد بن محمد " مضاهيا بالبنوة لريحانتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وابنيه الحسن والحسينعليهما‌السلام كيف لا وان الحسينعليه‌السلام وصفه جبرئيل الامين عن رب العالمين - يوم هبط للتهنئة بميلاده - بأنه سيد الشهداء من الاولين والاخرين.

وهذا فضل من الله ومقام محمود لاينال الا بهدى الله وتقاه، ولا يطعن بفرية اللسان، وجرحالقلم واللسان.

وفضل زيد هذا لا ينال من فضل أبى الفضل العباس بن على بن أبى طالبعليه‌السلام اذ لا يقول لاخيه - حقا - الا: " سيدى ومولاى " وقد حل بفنائه شهيدا.فيا أيها القارئ الكريم لا تعجب من شدة حب زيد واخلاصه، ولا تقس بنفسك، ولا..ولا..فان هذا كمال الاخلاص والعرفان الذى لا يناله الا من آتاه الله من فضله ورحمته.قال تعالى: " ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ": ق / ٣٧.

٦٤٥

صلى‌الله‌عليه‌وآله فاني أكره أن اضاهي الحسن والحسينعليهما‌السلام ، فلم يزل ذلك حتى صدق الله ظني، وأنزل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله : (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه)(١) .يعني قلبا يحب محمدا وآله، ويعظمهم، وقلبا يعظم به غيرهم كتعظيمهم.أو قلبا يحب به أعداء‌هم، وبل من أحب أعداء‌هم فهو يبغضهم ولا يحبهم.[ومن سوى بهم مواليهم فهو يبغضهم ولا يحبهم].ثم قال: (وما جعل أزواجكم اللاتي تظاهرون منهن امهاتكم وما جعل أدعياء‌كم أبناء‌كم - إلى قوله تعالى - واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)(٢) يعني الحسنعليه‌السلام والحسينعليه‌السلام أولى ببنوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتاب الله وفرضه (من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) إحسانا وإكراما لا يبلغ لك محل الاولاد (كان ذلك في الكتاب مسطورا).

____________________

(١) أقول: لا دلالة على أنه أنزل الله تعالى الاية في خصوص المورد ليكون من شأنه النزول بل يحتمل أن يكون مما أنزل الله نورا - على نحو العموم - ينطبق بما له من المعنى على المورد، فاذا وجد ما في قلبه موافقا لما في كتاب الله تعالى اطمأن به، وان خالفه، فيدعه.

ومنه ماورد في تفسير القمى ص ٥١٤ عن أبى جعفرعليه‌السلام عند تفسيره للاية: لا يجتمع حبنا وحب عدونا في جوف انسان.وان قلت لا يجتمع حب المسلم وحب الكافر في جوف انسان، كان حقا.

(٢) الاحزاب: ٤ - ٦.

٦٤٦

فتركوا ذلك وجعلوا يقولون: زيد أخو(١) رسول الله.

فما زال الناس يقولون لي هذا [وأكرهه] حتى أعاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المؤاخاة بينه وبين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

ثم قال زيد: يا عبدالله إن زيدا مولى علي بن أبي طالبعليه‌السلام كما هو مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا تجعله نظيره، ولا ترفعه فوق قدره، فتكون كالنصارى لما رفعوا عيسىعليه‌السلام فوق قدره، فكفروا بالله [العلي] العظيم.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فذلك فضل الله زيدا بما رأيتم، وشرفه بما شاهدتم.

والذي بعثني بالحق نبيا إن الذي أعده الله لزيد في الآخرة ليصغر(٢) في جنبه ماشاهدتم في الدنيا من نوره، إنه ليأتي يوم القيامة ونوره يسير أمامه وخلفه ويمينه ويساره وفوقه وتحته، من كل جانب مسيرة ألف سنة.

فضائل شهر شعبان

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أولا حدثكم بهزيمة تقع في إبليس وأعوانه(٣) وجنوده أشد مما وقعت في أعدائكم هؤلاء؟ قالوا: بلى يا رسول الله.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي بعثني بالحق نبيا، إن إبليس إذا كان أول يوم من شعبان بث جنوده في أقطار الارض وآفاقها، يقول لهم: اجتهدوا في اجتذاب بعض عباد الله إليكم في هذا اليوم.

وإن الله عزوجل بث الملائكة في أقطار الارض وآفاقها يقول [لهم]: سددوا عبادي وارشدوهم.

فكلهم يسعد بكم إلا من أبي

____________________

(١) قال تعالى - على العموم -: " انما المؤمنون اخوة " الحجرات: ١٠، فالمؤمن أخو المؤمن، وأما عقد المؤاخاة خاصة فكان بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام ، بلا ثالث (انظر البحار: ٣٨ / ٣٣٠ - ٣٤٧ باب ٦(٨).

وأما قول جمع من الناس ذلك، فمحتمل، اذ لم نعثر على صدقه، ولا على كذبه، فاذا شككت، فهو كما قيل: ذره في بقعة الامكان، وليس بحكم شرعى ولا موضوعه.

(٢) " ليقصر " أ.

(٣) " اخوانه " أ، س.

٦٤٧

وتمرد وطغى، فانه يصير في حزب إبليس وجنوده.

إن الله عزوجل إذا كان أول يوم من شعبان أمر بأبواب الجنة فتفتح، ويأمر شجرة طوبى فتطلع أغصانها على هذه الدنيا: [ثم يأمر بأبواب النار فتفتح، ويأمر شجرة الزقوم فتطلع أغصانها على هذه الدنيا] ثم ينادي منادي ربنا عزوجل: يا عباد الله هذه أغصان شجرة طوبى، فتمسكوا بها، ترفعكم إلى الجنة، وهذه أغصان شجرة الزقوم، فاياكم وإياها، لا تؤديكم(١) إلى الجحيم، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فوالذي بعثني بالحق نبيا إن من تعاطى بابا من الخير والبر في هذا اليوم، فقد تعلق بغصن من أغصان شجرة طوبى، فهو مؤديه إلى الجنة، ومن تعاطى بابا من الشر في هذا اليوم، فقد تعلق بغصن من أغصان شجرة الزقوم، فهو مؤديه إلى النار.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فمن تطوع لله بصلاة في هذا اليوم، فقد تعلق منه بغصن.

ومن صام في هذا اليوم فقد تعلق منه بغصن.

[ومن عفا عن مظلمة، فقد تعلق منه بغصن] ومن أصلح بين المرء وزوجه، أو الوالد وولده أو القريب وقريبه أو الجار وجاره(٢) أو الاجنبي أو الاجنبية، فقد تعلق منه بغصن.ومن خفف عن معسر من دينه أوحط(٣) عنه، فقد تعلق منه بغصن.ومن نظر في حسابه فرأى دينا عتيقا قد أيس منه صاحبه، فأداه فقد تعلق منه بغصن.ومن كفل يتيما، فقد تعلق من بغصن.ومن كف سفيها عن عرض مؤمن، فقد تعلق منه بغصن.ومن قرأ القرآن أو شيئا منه فقد تعلق منه بغصن.ومن قعد يذكر الله ونعماء‌ه ويشكره عليها، فقد تعلق منه بغصن.ومن عاد مريضا فقد تعلق منه بغصن.

____________________

(١) " ولا تعود بكم " أ، س، ص، والمستدرك.

(٢) " لقريبه أو الجار والجارة " أ، ص.

(٣) حط الشئ: تركه.

٦٤٨

ومن شيع فيه جنازة، فقد تعلق منه بغصن.ومن عزى فيه مصابا، فقد تعلق منه بغصن.ومن بر والديه أو أحدهما في هذا اليوم فقد تعلق منه بغصن.ومن كان أسخطهما قبل هذا اليوم فأرضاهما في هذا اليوم، فقد تعلق منه بغصن وكذلك من فعل شيئا من [سائر] من أبواب الخير في هذا اليوم، فقد تعلق منه بغصن ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي بعثني بالحق نبيا، وإن من تعاطى بابا من الشر والعصيان في هذا اليوم، فقد تعلق بغصن من أغصان شجرة الزقوم فهو مؤديه إلى النار.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي بعثني بالحق نبيا، فمن قصرفي صلاته المفروضة وضيعها، فقد تعلق بغصن منه.[ومن كان عليه فرض صوم ففرط فيه وضيعه، فقد تعلق بغصن منه].

ومن جاء‌ه في هذا اليوم فقير ضعيف يعرف(١) سوء حاله، وهو يقدر(٢) على تغيير حاله من غير ضرر يلحقه، وليس هناك من ينوب عنه ويقوم مقامه، فتركه يضيع ويعطب، ولم يأخذ بيده، فقد تعلق بغصن منه.

ومن اعتذر إليه مسئ، فلم يعذره، ثم لم يقتصر به على قدر عقوبة إساء‌ته، بل أربى عليه ; فقد تعلق بغصن منه.

ومن ضرب(٣) بين المرء وزوجه، أو الوالد وولده، أو الاخ وأخيه، أو القريب وقريبه، أو بين جارين، أو خليطين أو أجنبيين(٤) فقد تعلق بغصن منه.

ومن شدد على معسر وهو يعلم إعساره، فزاد غيظا وبلاء‌ا، فقد تعلق بغصن منه ومن كان عليه دين فكسره(٥) على صاحبه، وتعدى عليه حتى أبطل دينه، فقد

____________________

(١) " يشكو اليه " البحار: ٨.

(٢) " يقض " أ، س، ص.

(٣) " أفسد " البحار: ٨ وكلاهما بمعنى.

(٤) " اختين " أ، س، والبحار: ٩٧.

(٥) الكسر - من الحساب -: ما لا يبلغ سهما تاما.

والكسر: الجزء.

٦٤٩

تعلق بغصن منه.ومن جفا يتيما وآذاه وتهضم(١) ماله، وفقد تعلق بغصن منه.

ومن وقع في عرض أخيه المؤمن، وحمل الناس على ذلك، فقد تعلق بغصن منه ومن تغنى بغناء حرام يبعث فيه على المعاصي فقد تعلق بغصن منه.ومن قعد يعدد قبائح أفعاله في الحروب، وأنواع ظلمه لعباد الله ويفتخر بها فقد تعلق بغصن منه.ومن كان جاره مريضا فترك عيادته استخفافا بحقه، فقد تعلق بغصن منه.

ومن مات جاره، فترك تشييع جنازته تهاونا به، فقد تعلق بغصن منه.

ومن أعرض عن مصاب، وجفاه إزراء‌ا(٢) عليه، واستصغارا له، فقد تعلق بغصن منه.

ومن عق والديه أو أحدهما، فقد تعلق بغصن منه.

ومن كان قبل ذلك عاقا لهما، فلم يرضهما في هذا اليوم، و [هو] يقدر على ذلك فقد تعلق بغصن منه.

وكذا من فعل شيئا من سائر أبواب الشر، فقد تعلق بغصن منه.

والذي بعثني بالحق نبيا، إن المتعلقين بأغصان شجرة طوبى ترفعهم تلك الاغصان إلى الجنة [وإن المتعلقين بأغصان شجرة الزقوم تخفضهم تلك الاغصان إلى الجحيم].

ثم رفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طرفه إلى السماء مليا، وجعل(٣) يضحك ويستبشر ثم خفض طرفه إلى الارض، فجعل يقطب ويعبس، ثم أقبل على أصحابه فقال: والذي بعث محمد بالحق نبيا، لقد رأيت شجرة طوبى ترتفع [أغصانها] وترفع المتعلقين بها إلى الجنة، ورأيت منهم من تعلق منها بغصن ومنهم من تعلق

____________________

(١) أى غصب.

(٢) " ازدراء " ب، ازدرى واستزرى الرجل: احتقره واستخف به.

(٣) " هو " أ، س، ص.

٦٥٠

منها بغصنين أو بأغصان على حسب اشتمالهم على الطاعات، وإنى لارى زيد بن حارثة قد تعلق بعامة أغصانها فهي ترفعه إلى أعلى عاليها، فلذلك ضحكت واستبشرت ثم نظرت إلى الارض، فوالذي بعثني بالحق نبيا، لقد رأيت شجرة الزقوم تنخفض أغصانها وتخفض المتعلقين بها إلى الجحيم، ورأيت منهم من تعلق بغصن، ورأيت منهم من تعلق منها بغصنين، أو بأغصان، على حسب اشتمالهم على القبائح، وإني لارى بعض المنافقين قد تعلق بعامة أغصانها، وهي تخفضه إلى أسفل دركاتها فلذلك عبست وقطبت(١) .

قال: ثم أعاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بصره إلى السماء ينظر إليها مليا وهو يضحك ويستبشر، ثم خفض طرفه إلى الارض وهو يقطب ويعبس.

ثم أقبل على أصحابه فقال: يا عباد الله أما لو رأيتم ما رآه نبيكم محمد إذا لاظمأتم لله بالنهار أكبادكم، ولجوعتم له بطونكم، ولاسهرتم له ليلكم، ولانصبتم فيه أقدامكم وأبدانكم، ولانفدتم(٢) بالصدقة أموالكم، وعرضتم للتلف في الجهاد أرواحكم.

قالوا: وما هو يا رسول الله فداؤك الآباء والامهات والبنون والبنات والاهلون والقرابات؟ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي بعثني بالحق نبيا لقد رأيت تلك الاغصان من شجرة طوبى عادت إلى الجنة، فنادى منادي ربنا عزوجل خزانها: يا ملائكتي ! انظروا كل من تعلق بغصن من أغصان طوبى في هذا اليوم، فانظروا إلى مقدار منتهى ظل ذلك الغصن، فأعطوه من جميع الجوانب مثل مساحته قصورا ودورا وخيرات.

فاعطوا ذلك: فمنهم من اعطي مسيرة ألف سنة من كل جانب [ومنهم من اعطي ضعفه] ومنهم من اعطي ثلاثة أضعافه، وأربعة أضعافه، وأكثر من ذلك على قدر [قوة] إيمانهم،

____________________

(١) قطب الرجل: زوى ما بين عينيه وكلح وعبس.

(٢) أنفذ الشئ: أفناه.

٦٥١

وجلالة أعمالهم.

ولقد رأيت صاحبكم زيد بن حارثة اعطي ألف ضعف ما اعطي جميعهم على قدر فضله عليهم في قوة الايمان وجلالة الاعمال، فلذلك ضحكت واستبشرت.

ولقد رأيت تلك الاغصان من شجرة الزقوم عادت إلى جهنم، فنادى منادي ربنا خزانها، يا ملائكتي انظروا من تعلق بغصن من أغصان شجرة الزقوم في هذا اليوم فانظروا إلى منتهى مبلغ حد(١) ذلك الغصن وظلمته، فابنوا له مقاعد من النار من جميع الجوانب، مثل مساحته قصور النيران، وبقاع غيران(٢) ، وحيات، وعقارب، وسلاسل وأغلال، وقيود، وأنكال يعذب بها.

فمنهم من أعد له فيها مسيرة سنة، أو سنتين، أو مائة سنة، أو أكثر على قدر ضعف إيمانهم وسوء أعمالهم.

ولقد رأيت لبعض المنافقين ألف ضعف ما اعطي جميعهم على قدر زيادة كفره وشره، فلذلك قطبت وعبست.

ثم نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أقطار الارض وأكنافها، فجعل يتعجب تارة، وينزعج تارة، ثم أقبل على أصحابه فقال: طوبى للمطيعين كيف يكرمهم الله بملائكته، والويل للفاسقين كيف يخذلهم الله، ويكلهم إلى شياطينهم.

والذي بعثني بالحق نبيا إني لارى المتعلقين بأغصان شجرة طوبى كيف قصدتهم الشياطين ليغووهم، فحملت عليهم الملائكة يقتلونهم ويثخنونهم(٣) ويطردونهم عنهم، فناداهم منادي ربنا: يا ملائكتي ألا فانظروا كل ملك في الارض إلى منتهى مبلغ نسيم هذا الغصن الذي تعلق به متعلق فقاتلوا(٤) الشياطين عن ذلك المؤمن

____________________

(١) " حر " أ، س ص.

(٢) جمع غار (مغارة في الجبل)، وقيل: الجحر الذى يأوى اليه الوحش.

(٣) " يسحطونهم " البحار: ٩٧.

يقال: أثخن في العدو: بالغ وغلظ في قتلهم.

وسحطه: ذبحه ذبحا سريعا.

(٤) " فقابلوا " أ، س، ص.

٦٥٢

وأخروهم عنه، فاني لارى بعضهم، وقد جاء‌ه من الاملاك من ينصره على الشياطين ويدفع عنه المردة.

إلا فعظموا هذا اليوم من شعبان بعد تعظيمكم لشعبان، فكم من سعيد فيه؟ وكم من شقي فيه؟ لتكونوا من السعداء فيه، ولا تكونوا من الاشقياء(١) .

قوله عزوجل: " واستشهدوا شهيدين من رجالكم ": ٢٨٢

٣٧٢ - قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : (شهيدين من رجالكم) قال: من أحراركم من المسلمين [العدول](٢) .

____________________

(١) عنه البحار: ٣ / ٢٦٥ ح ٣٠ قطعة، وج ٨ / ١٦٦ ح ١١١ قطعة، وج ٢٢ / ٧٩ ح ٣١ (قطعة)، وج ٧٦ / ٣٥٧ ح ٢٦ قطعة، وج ٧٩ / ٢٦٢ ح ٨ قطعة، وج ٩٧ / ٥٥ - ٦٥ ح ١، ومستدرك الوسائل: ١ / ٥٩٧ باب ٢٥ ح ١ وج ٢ / ٩٠ باب ١٠٣ ح ١١ قطعة وص ٤٠٩ باب ٢٨ ح ٩ قطعة.

(٢) أقول: يأتى ص ٦٥٦ " فان لم يكونا رجلين فرجل.." قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : كنا نحن مع رسول الله وهو يذاكرنا قوله تعالى: " واستشهدوا شهيدين من رجالكم " قال: أحراركم دون عبيدكم، فان الله تعالى قد شغل العبيد بخدمة مواليهم عن تحمل الشهادات وعن أدائها ".

ولا يخفى أن التعليل بهذا يقتضى كون " رجالكم " شاملا للعبيد، وأن الاستثناء كان لاجل اشتغالهم بخدمة مواليهم، فكأنه عفى عنهم الامر بتحمل الشهادة وأدائها.

وهذا لا يستلزم أن لا تقبل شهادتهم اذا تحملوا الشهادة وأدوها فانه خلاف السياق والمن.

وأما في سائر الروايات على اختلافها فيصرح بجواز شهادة العبد اذا كان عدلا نعم يعتبر أن تكون شهادته لمواليه، لئلا يكون متهما: روى الكلينى عن ابى جعفرعليه‌السلام ضمن حديث قال: ان علياعليه‌السلام كان قاعدا في مسجد الكوفة فمر به عبدالله بن قفل التميمى ومعه درع طلحة، فقال علىعليه‌السلام : هذه درع طلحة اخذت غلولا يوم البصرة. فقال له عبدالله بن قفل: فاجعل بينى وبينك قاضيك الذى رضيته للمسلمين، فجعل بينه وبينه شريحا.

إلى أن قال لشريح: ثم أتيتك بقنبر فشهد أنها درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة.

فقلت: هذا مملوك ولا أقضى بشهادة مملوك، ولا بأس بشهادة المملوك اذا كان عدلا.

(الكافى: ٧ / ٣٨٥ ح (٥) هذا مع أن ما شهد به أمير المؤمنين حق، واتيانه قنبرا للشهادة تعديل له، وأين هذا من العبيد تحت الموالى متهمون في شهادتهم، ولعله لذلك عفى عنهم.

وعلى كل فتمام البحث في محله، فراجع الوسائل: ١٨ باب ٢٣.

ونظير هذا الحكم في المرحلتين ماكان في صلاة الجمعة على العبد والمرأة والمسافر والمريض والاعمى، فانه لا يجب ابتداء‌ا، ولكن اذا حضروها فانها مجزية.

راجع الوسائل: ٥ / ٢ باب ١، وص ٣٤ باب ١٨، وفيه: سأل ابن أبى ليلى عن الجمعة، هل تجب على العبد والمرأة والمسافر؟ قال: لا.

قال: فان حضر واحد منهم الجمعة مع الامام فصلاها هل تجزيه تلك الصلاة عن ظهر يومه؟ قال: نعم.

عن أبى عبدالله (ع).

٦٥٣

قالعليه‌السلام : استشهدوهم لتحوطوا(١) بهم أديانكم وأموالكم ولتستعملوا أدب الله ووصيته، فان فيهما النفع والبركة، ولا تخالفوهما فيلحقكم الندم، حيث لا ينفعكم الندم.

في من لا يستجاب دعاؤه

ثم قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ثلاثة لا يستجيب الله لهم(٢) بل يعذبهم ويوبخهم:

أما أحدهم فرجل ابتلي بامرأة سوء فهي تؤذيه وتضاره، وتعيب(٣) عليه دنياه، وتنغصها(٤) ، وتكدرها، وتفسد عليه آخرته فهو يقول: اللهم يارب خلصني منها يقول الله تعالى: يا أيها الجاهل قد خلصتك منها، جعلت بيدك طلاقها، والتفصي

____________________

(١) حاطه حوطا: حفظه وتعهده.

(٢) " دعاء‌هم " س.

(٣) " تعيث " س، عاث الشئ: أفسده.

(٤) " تنقصها " أ، والبحار نغص عيشه: كدره

٦٥٤

منها، طلقها(١) وانبذها عند نبذ الجورب الخلق الممزق.

والثاني: رجل مقيم في بلد قد استوبله(٢) ، ولا يحضره، له فيه [كل] مايريده وكل ما التمسه حرمه.

يقول: اللهم [يا رب] خلصني من هذا البلد الذي قد استوبلته.

يقول الله عزوجل: يا عبدي قد خلصتك من هذا البلد، وقد أوضحت لك طريق الخروج منه، ومكنتك من ذلك، فاخرج منه إلى غيره تجتلب عافيتي وتسترزقني.

والثالث: رجل أوصاه(٣) الله تعالى أن يحتاط لدينه بشهود، وكتاب، فلم يفعل ذلك، ودفع ماله إلى غير ثقة بغير وثيقة، فجحده، أو بخسة فهو يقول: اللهم [يارب] رد علي مالي.

يقول الله عزوجل [له]: يا عبدي قد علمتك كيف تستوثق لمالك، ليكون محفوظا لئلا يتعرض للتلف، فأبيت، فأنت الآن تدعوني، وقد ضيعت مالك وأتلفته وخالفت وصيتي، فلا أستجيب لك.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : [ألا] فاستعملوا وصية الله تفلحوا وتنجوا، ولا تخالفوها فتندموا(٤) .

٣٧٣ - ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما إن الله عزوجل كما (أمركم) أن تحتاطوا

____________________

(١) في أكثر النسخ والبحار والبرهان والمستدرك بلفظ " جعلت طلاقها بيدك، والتقصى (والتخلص) منها طلاقها ".

يقال: تفصى من، أو عن الشدة، أو غيرها: تخلص، وتقصى - بالقاف - تباعد.

(٢) استوبل الارض: اذا لم توافقه في بدنه، ولم يستمرئ بها الطعام، وان كان محبا لها.

(٣) " اداه " أ، ص، تقول: استأداه - بالهمز - فاداه - بالمد - أى أعانه وقواه: (٤) عنه البحار: ١٠٤ / ٣٠٥ ضمن ح ١٠، والبرهان ١ / ٢٦٢ ح ٣، ومستدرك الوسائل: ١ / ٣٧٦ باب ٤٧ ح ٤.

٦٥٥

لانفسكم وأديانكم(١) وأموالكم، باستشهاد الشهود العدول عليكم.

فكذلك قد احتاط على عباده ولهم(٢) في استشهاد الشهود عليهم فلله عزوجل على كل عبد رقباء من خلقه، ومعقبات من بين يديه، ومن خلفه، يحفظونه من أمر الله ويحفظون(٣) عليه ما يكون منه: من أعماله، وأقواله، وألفاظه، وألحاظه، فالبقاع التي تشتمل عليه شهود ربه له أو عليه، والليالي والايام والشهور شهود عليه أو له، وساير عباد الله المؤمنين شهود له أو عليه، وحفظته الكاتبون أعماله شهود له أو عليه، فكم يكون يوم القيامة من سعيد بشهادتها له، وكم يكون يوم القيامة من شقي بشهادتها عليه.

إن الله عزوجل يبعث يوم القيامة عباده أجمعين وإماء‌ه، فيجمعهم في صعيد واحد فينفذهم(٤) البصر، ويسمعهم الداعي، ويحشر الليالي والايام، وتستشهد البقاع والشهور على أعمال العباد، فمن عمل صالحا شهدت له جوارحه وبقاعه، وشهوره، وأعوامه

____________________

(١) " ديونكم " ب، ط.

(٢) كذا في الاصل، وفى البحار: لكم.

(٣) " يحيطون " أ، س.

(٤) قال الجزرى في النهاية: ٥ / ٩١: وفى حديث ابن مسعود " انكم مجموعون في صعيد واحد، ينفذكم البصر " يقال: نفذنى بصره، اذا بلغنى، وجاوزنى، وأنفذت القوم، اذا خرقتهم، ومشيت في وسطهم، فان جزتهم حتى تخلفهم قلت: نفذتهم، بلا ألف، وقيل: يقال فيها بالالف.

قيل: المراد به ينفذهم بصر الرحمن حتى يأتى عليهم كلهم.

وقيل: أراد ينفذهم بصر الناظر، لاستواء الصعيد.

قال أبوحاتم: أصحاب الحديث يروونه بالذال المعجمة، وانما هو بالمهملة: أى يبلغ أولهم وآخرهم.

حتى يراهم كلهم ويستوعبهم، من نفذ الشئ وأنفدته.

وحمل الحديث على بصر المبصر أولى من حمله على بصر الرحمن، لان الله عزوجل يجمع الناس يوم القيامة في أرض يشهد جميع الخلائق فيها محاسبة العبد الواحد على انفراده، ويرون مايصير اليه.

ومنه حديث أنس " جمعوا في صردح ينفذهم البصر، ويسمعهم الصوت ".

٦٥٦

وساعاته، وأيامه وليالي الجمع وساعاتها وأيامها، فيسعد بذلك سعادة الابد ومن عمل سوء‌ا شهدت عليه جوارحه، وبقاعه، وشهوره، وأعوامه، وساعاته [وأيامه] وليالي الجمع وساعاتها وأيامها، فيشقى بذلك شقاء الابد.

ألا فاعملوا [اليوم] ليوم القيامة، وأعدوا الزاد ليوم الجمع يوم التناد، وتجنبوا المعاصي، فبتقوى الله يرجى الخلاص، فان من عرف حرمة رجب وشعبان، ووصلهما بشهر رمضان شهر الله الاعظم، شهدت له هذه الشهور يوم القيامة، وكان رجب وشعبان وشهر رمضان شهوده بتعظيمه لها.

وينادى مناد: يا رجب ويا شعبان ويا شهر رمضان كيف عمل هذا العبد فيكم؟ وكيف كانت طاعته لله عزوجل(١) ؟ فيقول رجب وشعبان وشهر رمضان: يا ربنا ما تزود منا إلا استعانة على طاعتك، واستمدادا [لمواد] فضلك، ولقد تعرض بجهده(٢) لرضاك، وطلب بطاقته محبتك.

فيقول للملائكة الموكلين بهذه الشهور: ماذا تقولون في هذه الشهادة لهذا العبد؟ فيقولون: يا ربنا صدق رجب وشعبان وشهر رمضان، ما عرفناه إلا متقبلا(٣) في طاعتك مجتهدا في طلب رضاك، صائرا فيه إلى البر والاحسان، ولقد كان بوصوله إلى هذه الشهور فرحا مبتهجا وأمل فيها رحمتك، ورجلى فيها عفوك ومغفرتك، وكان عما منعته فيها ممتنعا، وإلى ما ندبته إليه فيها مسرعا، لقد صام ببطنه، وفرجه، وسمعه، وبصره، وسائر جوارحه [ويرجو درجة] ولقد ظلمأ في نهارها، ونصب في ليلها، وكثرت نفقاته فيها على الفقراء والمساكين، وعظمت أياديه وإحسانه إلى عبادك، صحبها أكرم صحبة، وودعها أحسن توديع، أقام بعد انسلاخها عنه على طاعتك، ولم يهتك عند إدبارها ستور حرماتك، فنعم العبد هذا.

____________________

(١) " كان في طاعة الله " أ، س.

(٢) " بحمده " أ.

(٣) تقبل العمل التزمه." متقلبا " البحار.

٦٥٧

فعند ذلك يأمر الله تعالى بهذا العبد إلى الجنة، فتلقاه الملائكة بالحباء والكرامات ويحملونه على نجب(١) النور، وخيول البراق(٢) ويصير إلى نعيم لا ينفد، ودار لا تبيد ولا يخرج سكانها، ولا يهرم شبانها، ولا يشيب ولدانها، ولا ينفد سرورها وحبورها ولا يبلى جديدها، ولا يتحول إلى الغموم سرورها، لا يمسهم فيها نصب، ولا يمسهم فيها لغوب، قد أمنوا العذاب، وكفوا سوء الحساب، كرم منقلبهم ومثواهم(٣) .

٣٧٤ - قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في قوله عزوجل: (فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) قال: عدلت امرأتان في الشهادة برجل واحد، فاذا كان رجلان، أو رجل وامرأتان، أقاموا الشهادة قضي بشهادتهم.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : كنا نحن مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - وهو يذاكرنا بقوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) قال: أحراركم دون عبيدكم(٤) فان الله تعالى قد شغل العبيد بخدمة مواليهم عن تحمل الشهادات وعن أدائها، وليكونوا من المسلمين منكم فان الله عزوجل [إنما] شرف المسلمين العدول بقبول

____________________

(١) النجيب من الابل: القوى منها، الخفيف السريع.

(٢) كذا في " ب "، وفى غيرها " البريق "، وفى البحار " النواق "، وفى المستدك: " البلق ".

البراق " مشتقة من البرق - الذى يلمع في الغيم - وهو الدابة التى ركبهاصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة الاسراء كما ذكر في الحديث، سمى بذلك لنصوع لونه وشدة بريقه، وقيل: سرعة حركته، شبهه فيها في البرق.وبلق بلقا، وابلو لق: كان في لونه سواد وبياض.

والابرق: ما اجتمع فيه سواد وبياض.

والنوق: بياض فيه حمرة يسيرة.

(٣) عنه البحار: ٧ / ٣١٥ ح ١١، وج ٩٧ / ٣٨ ح ٢٣، ومستدرك الوسائل: ١ / ٥٩٨ باب ٢٦ ح ١.

(٤) قد تقدم الكلام حوله ص ٦٥١ فراجع.

٦٥٨

شهاداتهم، وجعل ذلك من الشرف العاجل لهم، ومن ثواب دنياهم قبل أن يصلوا إلى الآخرة إذ جاء‌ت امرأة، فوقفت قبالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقالت: بأبي أنت وامي يا رسول الله أنا وافدة النساء إليك، ما من امرأة يبلغها مسيري هذا إليك إلا سرها ذلك، يا رسول الله، إن الله عزوجل رب الرجال والنساء، وخالق الرجال والنساء، ورازق الرجال والنساء، وإن آدم أبوالرجال والنساء، وإن حواء ام الرجال والنساء، وإنك رسول الله إلى الرجال والنساء.

فما بال امرأتين برجل في الشهادة والميراث؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : [يا] أيتها المرأة إن ذلك قضاء من ملك [عدل، حكيم] لا يجور، ولا يحيف، ولا يتحامل، لا ينفعه ما منعكن، ولا ينقصه مابذل لكن، يدبر الامر بعلمه، يا أيتها المرأة لانكن ناقصات الدين والعقل.

قالت: يا رسول الله وما نقصان ديننا؟ قال: إن إحداكن تقعد نصف دهرها لا تصلي بحيضة(١) ، وإنكن تكثرن اللعن، وتكفرن النعمة(٢) تمكث إحداكن عند الرجل عشر سنين فصاعدا يحسن إليها، وينعم عليها، فاذا ضاقت يده يوما، أو خاصمها قالت له: ما رأيت منك خيرا قط.

فمن لم يكن من النساء هذا خلقها فالذي يصيبها من هذا النقصان محنة عليها لتصبر فيعظم الله ثوابها، فابشري.

ثم قال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما من رجل ردي إلا والمرأة الرديه أردى منه، ولامن امرأة صالحة إلا والرجل الصالح أفضل منها، وما ساوى الله قط امرأة برجل إلا ما كان من تسوية الله فاطمة بعليعليهما‌السلام وإلحاقها به وهي امرأة تفضل نساء(٣) العالمين،

____________________

(١) زاد في بعض النسخ والبحار: ١٠٤: عن الصلاة لله.

(٢) " العشير " س، والوسائل.

(٣) " بأفضل رجال " ب، والبحار." تفضل رجال " ط.

٦٥٩

وكذلك ما كان من الحسن والحسين وإلحاق الله إياهما بالافضلين الاكرمين لما أدخلهم في المباهلة.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فألحق الله فاطمة بمحمد وعلي في الشهادة، وألحق الحسن والحسين بهمعليهم‌السلام ، قال الله عزوجل: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاء‌ك من العلم فقل تعالوا ندع أبناء‌نا وأبناء‌كم ونساء‌نا ونساء‌كم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)(١) .

فكان الابناء الحسن والحسينعليهما‌السلام جاء بهما رسول الله، فأقعدهما بين يديه كجروي الاسد وأما النساء فكانت فاطمةعليها‌السلام جاء بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأقعدها خلفه كلبوة الاسد وأما الانفس فكان علي بن أبي طالبعليه‌السلام جاء به رسول الله، فأقعده عن يمينه كالاسد، وربض هوصلى‌الله‌عليه‌وآله كالاسد، وقال لاهل نجران: هلموا الآن نبتهل(٢) ، فنجعل لعنة الله على الكاذبين.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) : اللهم هذا نفسي وهو عندي عدل نفسي، اللهم هذه [نسائي] أفضل نساء العالمين، وقال: اللهم هذان ولداي وسبطاي، فأنا حرب لمن حاربوا، وسلم لمن سالموا، ميز الله بذلك الصادقين من الكاذبين(٤) .

____________________

(١) آل عمران: ٦١.

(٢) " نتباهل " ب، والبحار.

(٣) زاد في " ب، ط " لعلىعليه‌السلام .

(٤) أجمعت الخاصة والعامة على أن الخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام هم المخصوصون بهذه الاية الشريفة، وتواترت بذلك أحاديثهم بألفاظ مختلفة، وأسانيد شتى، يضيق المجال لذكرها، استقصيناها جميعا في كتابنا " فهرس الايات المؤولة " قيد التحقيق إلى الطبع وراجع في ذلك: أمالى الصدوق: ٤٢٢ ضمن ح ١، وأمالى الطوسى: ١ / ٢٦٥ و ٢٧٨ و ٣١٣، والاختصاص للمفيد: ١٠٩ - ١١٣، تفسير فرات: ١٤ - ١٧ وص ٢٧، وتفسير القمى: ٩٤، وتفسير العياشى: ١ / ١٧٧ ح ٥٨ و ٥٩، واحقاق الحق: ٣ / ٤٦ - ٦٢ وج ٤ / ٤٦١ و ٤٦٢ وج ٩ / ٧٠ - ٩١ وج ١٤ / ١٣١ - ١٤٧، فراجع.

٦٦٠