تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 216639
تحميل: 39681

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216639 / تحميل: 39681
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

" بسم الله الرحمن الرحيم "

السورة التي يذكر فيها البقرة(١) .

٣١ - قال الامامعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن هذا القرآن مأدبة(٢) الله تعالى فتعلموا من مأدبة الله عزوجل ما استطعتم، فانه النور المبين، والشفاء النافع [ ف‍ ] تعلموه، فان الله تعالى يشرفكم بتعلمه.

فضل سورة البقرة

تعلموا سورة البقرة، وآل عمران، فان أخدهما بركة، وتركهما حسرة، ولا يستطيعهما(٣) البطلة - يعني السحرة - وإنهما ليجيئان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو عقابتان(٤) أو فرقان(٥) من طير صواف، يحاجان عن صاحبهما، ويحاجهما رب العالمين رب العزة يقولان: يارب الارباب إن عبدك هذا قرأنا، وأظمأنا نهاره، وأسهرنا ليله، وأنصبنا بدنه(٦) يقول الله تعالى: يا أيها القرآن فكيف كان تسليمه لما أنزلته فيك من تفصيل علي ابن أبي طالب أخي محمد رسول الله؟ يقولان: يا رب الارباب وإله الالهة، والاه، ووالى أولياء‌ه، وعادى أعداء‌ه، إذا قدر جهر، وإذا عجز اتقى وأسر(٧) .

____________________

(١) زاد في " ط " بسم الله الرحمن الرحيم.

وذكر في " أ " قبل قوله " بسم الله الرحمن الرحيم ": قوله عزوجل.

(٢) قال ابن منظور في لسان العرب: ١ / ٢٠٦: وفى الحديث عن ابن مسعود " ان هذا القرآن مأدبة الله في الارض..." يعنى مدعاته.

(٣) " لا يستبطيها " أ.

(٤) " غيابتان " س، ص، ط.

(٥) قال ابن الاثير في النهاية: ٣ / ٤٤٠: وفيه " تأتى البقرة وآل عمران كأنهما فرقان." أى قطعتان.

(٦) " بين يديه " ط.

(٧) " أمر " ط." استتر " البحار.

(*)

٦١

يقول الله عزوجل: فقد عمل إذا بكما كما أمرته، وعظم من حقكما ما عظمته.

ياعلي أما تسمع شهادة القرآن لوليك هذا؟ [ ف‍ ] يقول علي: بلى يا رب.

فيقول الله عزوجل: فاقترح له ما يريد.

فيقترح له ما يزيد على أماني هذا القارئ من الاضعاف المضاعفات بما لا يعلمه إلا الله عزوجل.

فيقول الله عزوجل: " قد أعطيته ما اقترحت ياعلي ".

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وإن والدي القارئ ليتوجان بتاج الكرامة، يضئ نوره من ميسرة عشرة آلاف سنة، ويكسيان حلة لا يقوم لاقل سلك منها مائة ألف ضعف ما في الدنيا، بما يشتمل عليه من خيراتها.

ثم يعطي هذا القارئ الملك بيمينه في كتاب، والخلد بشماله في كتاب، يقرأ من كتابه بيمينه: قد جعلت من أفاضل ملوك الجنان، ومن رفقاء [ محمد ](١) سيد الانبياء و [ علي ](٣) خير الاوصياء، والائمة من بعدهما سادة الاتقياء.

ويقرأ من كتابه بشماله: قد أمنت الزوال والانتقال عن هذا الملك، وأعذت من الموت والاسقام وكفيت الامراض والاعلال، وجنبت حسد الحاسدين، وكيد الكائدين.

ثم يقال له: أقرأ [ و ] ارق، ومنزلك(٣) عند آخر آية تقرؤها.

فاذا نظر والداه إلى حليتيهما(٤) وتاجيهما قالا: ربنا أنى لنا هذا الشرف ولم تبلغه أعمالنا؟(فقال لهما كرام ملائكة الله [ عن الله ] عزوجل: هذا لكما لتعليمكما)(٥) ولد كما القرآن(٦)

____________________

(١)، (٢) من البحار.

(٣) " منزلتك " ب، ط.

(٤) " حلتهما " س، ص.والحلية: ما يزين به من المصوغات المعدنية أو الاحجار الكريمة.

(٥) " فيقال لهما: أكرم الله عزوجل هذا لكما بتعليمكما " البحار ٧ ح ٥.

" فقال الله عزوجل لهما: هذا لكما بتعليمكما " البحار: ٧ ح ٩٦.

" فقال لهما: اكرام الله عزوجل هذا لكما بتعليمكما " البحار: ٩٢.

(٦) عنه البحار: ٧ / ٢٩٢ ح ٥، وص ٢٠٨ ح ٩٦(قطعة) وج ٩٢ / ٢٦٧ ح ١٦، ومستدرك الوسائل: ١ / ٢٩٠ باب ٦ ح ٢.

(*)

٦٢

قوله عزوجل: " الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين " ١ و ٢.

٣٢ - قال الامامعليه‌السلام : كذبت قريش واليهود بالقرآن وقالوا: سحر مبين تقوله.

فقال الله عزوجل: " الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين " أي يا محمد هذا الكتاب الذي أنزلته عليك هو [ ب‍ ] الحروف المقطعة التي منها: ألف، لام، ميم وهو بلغتكم وحروف هجائكم، " فاتوا بمثله إن كنتم صادقين " واستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم.

ثم بين أنه لا يقدرون عليه بقوله: " قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا "(١) ثم قال الله عزوجل " الم " هو(٢) القرآن الذي افتتح ب‍ " الم " هو " ذلك الكتاب " الذي أخبرت به موسى، و [ من ] بعده من الانبياء، فأخبروا بني إسرائيل أني سانزل‍ [ ه ] عليك يا محمد، كتابا [ عربيا ] عزيزا، لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.

" لاريب فيه " لا شك فيه لظهوره عندهم، كما أخبرهم أنبياؤهم أن محمدا ينزل عليه كتاب لا يمحوه الباطل(٣) يقرأه هو وأمته على سائر أحوالهم.

" هدى " بيان من الضلالة " للمتقين " الذين يتقون الموبقات، ويتقون تسليط السفه(٤)

____________________

(١) الاسراء: ٨٨.

(٢) " أى " البحار: ٩٢

(٣) كذا في المصادر، وفي الاصل والبحار: ١٧: الماء.

قال المجلسىرحمه‌الله : لا يمحوه الماء لعله مخصوص بالقرآن الذى بخط أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أو المراد: عدم محو جميعها بالماء، أو اذا محى بالماء لا يذهب، لانه آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم، وفى بعض النسخ " لا يمحوه الزمان " وهو ظاهر.

(٤) " السفهة " ب، ط.

والسفه: خفة الحلم، أو نقيضه.

(*)

٦٣

على أنفسهم، حتى إذا علموا ما يجب عليهم عمله(١) عملوا بما يوجب لهم رضاء ربهم(٢) .

٣٣ - [ ثم ](٣) قال: وقال الصادقعليه‌السلام ثم الالف حرف من حروف قولك " الله " دل بالالف على قولك: الله.

ودل باللام على قولك: الملك العظيم، القاهر للخلق أجمعين ودل بالميم على أنه المجيد [ الكريم ] المحمود في كل أفعاله.وجعل هذا القول حجة على اليهود.وذلك أن الله تعالى لما بعث موسى بن عمرانعليه‌السلام .

ثم من بعده من الانبياء إلى بني إسرائيل، لم يكن فيهم [ أحد ](٤) إلا أخذوا عليهم(٥) العهود، والمواثيق ليؤمنن بمحمد العربي الامي المبعوث بمكة، الذي يهاجر [ منها ] إلى المدينة، يأتي بكتاب بالحروف(٦) المقطعة إفتتاح بعض سوره، يحفظه [ بعض ] أمته، فيقرؤنه قياما وقعودا ومشاة(٧) وعلى كل حال، يسهل الله عزوجل حفظه عليهم.

ويقرنون(٨) بمحمد أخاه ووصيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام الآخذ عنه علومه التي

____________________

(١) " علمه " س، ط، وبعض المصادر.

(٢) عنه البحار: ١٧ / ٢١٧ ضمن ح ٢١، وقطع في ج ٢ / ٢٤ ح ٣٢ وج ٩ / ١٧٣ ح ١ وج ٧٠ / ٢٦٦ وتنبيه الخواطر: ٢ / ١٠٠ قطعة.

ورواه الصدوق في معانى الاخبار: ٢٤ ضمن ح ٤ باسناده عن محمد بن القاسم..عنه البحار: ١٠ / ١٤ ضمن ح ٨، وج ٩٢ / ٣٧٧ ضمن ج ١٠، واثبات الهداة: ١ / ٣٣٠ ح ٣٥ قطعة، والبرهان: ١ / ٥٤ ضمن ح ٩، وحلية الابرار: ٢ / ٤٨١، ونور الثقلين: ١ / ٢٣ ضمن ح ٧.

(٣) من البرهان.

(٤) من بعض المصادر، وفى الاخرى: قوم.

(٥) " عليه " بعض المصادر.

وفى " ص " من أخذوا.

(٦) " من الحروف " المعانى، " الحروف " التأويل.

(٧) " مساء وصباحا " ب، ط.

(٨) " ويقرنن " أ." يقرن " ص، والبحار: ١٧، وليس في التأويل.

(*)

٦٤

علمها، والمتقلد عنه الامانة التى قلدها، ومذلل(١) كل من عاند محمدا بسيفه الباتر ومفحم(٢) كل من جادله وخاصمه بدليله القاهر، يقاتل عبادالله على تنزيل كتاب الله(٣) حتى يقودهم إلى قبوله طائعين وكارهين.

ثم(٤) إذا صار محمد إلى رضوان الله تعالى، وأرتد كثير ممن كان أعطاه ظاهر الايمان، وحرفوا تأويلاته، وغيروا معانيه، ووضعوها على خلاف وجوهها، قاتلهم بعد [ ذلك ](٥) على تأويله حتى يكون إبليس - الغاوي لهم(٦) - هو الخاسئ الذليل المطرود [ الملعون ] المغلوب.

قال: فلما بعث الله محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله - وأظهره بمكة، وسيره(٧) منها إلى المدينة وأظهره بها - أنزل(٨) عليه الكتاب، وجعل أفتتاح سورته الكبرى ب‍ " الم " يعني الم ذلك الكتاب " وهو ذلك الكتاب الذي أخبرت [ به ] أنبيائي السالفين أني [ س‍ ] أنزله عليك يا محمد " لا ريب فيه ".

فقد ظهر ما أخبرهم به أنبياؤهم(٩) أن محمدا ينزل عليه كتاب مبارك لا يمحوه الباطل(١٠) يقرؤه هو وأمته على سائر أحوالهم.

ثم اليهود يحرفونه عن جهته، ويتأولونه(١١) على غير وجهه، ويتعاطون التوصل إلى علم [ ما ] قد طواه الله عنهم من [ حال ] أجل هذه الامة، وكم مده ملكهم.

____________________

(١) " يذلل " أ.

(٢) " يفحم " أ، والمعانى.

(٣) " محمد " س، ص، التأويل والبحار: ١٧.

(٤) " حتى " ب، ط.

(٥) من المعانى والحلية.

(٦) " بهم " ب، س، ط، والبحار.

(٧) " هاجر " س.

(٨) " ثم أنزل " الاصل والمصادر.وهو تصحيف لان القرآن الكريم نزل بعضه بمكة والاخر بالمدينة.

(٩) " أنبياؤه و " ب، ط.

(١٠) " الماء " الاصل والبحار.وتقدم بيان ذلك.

(١١) " ويأولونه " ب، ط.

(*)

٦٥

فجاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم جماعة، فولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علياعليه‌السلام مخاطبتهم فقال قائلهم: إن كان مايقول محمد حقا، فقد علمنا كم قدر ملك أمته، هو إحدى وسبعون سنة: الالف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون.

فقال علىعليه‌السلام : فما تصنعون ب‍ " المص " وقد أنزلت عليه؟ قالوا: هذه إحدى وستون ومائة سنة.

فقال [ عليعليه‌السلام ]: فما تصنعون ب‍ " الر " وقد أنزلت عليه؟.

[ ف‍ ] قالوا: هذه أكثر، هذه مائتان وإحدى وثلاثون سنة.

[ ف‍ ] قال علىعليه‌السلام : فماذا تصنعون ب‍ " المر " وقد أنزلت عليه؟(١) قالوا: هذه أكثر، هذه مائتان، وإحدى وسبعون سنة.

فقال علىعليه‌السلام : فواحدة من هذه ل‍، أو جميعها له؟ فاختلط كلامهم، فبعضهم قال: له واحدة منها، وقال بعضهم: بل يجمع له كلها وذلك سبعمائة وأربع وثلاثون سنة، ثم يرجع الملك إلينا، يعني إلى اليهود.

فقال علىعليه‌السلام : أكتاب من كتب الله عزوجل نطق بهذا، أم آراؤكم دلت(٢) عليه؟ فقال بعضهم: كتاب الله نطق به.

وقال آخرون: بل آراؤنا دلت عليه.

فقال علىعليه‌السلام : فاتوا بكتاب [ منزل ] من عندالله ينطق بما تقولون.

فعجزوا عن إيراد ذلك، وقال للاخرين: فدلونا على صواب هذا الرأي؟ فقالوا: صواب رأينا دليله [ على ] أن هذا الحساب الجمل.

فقال علىعليه‌السلام : وكيف دل على ما تقولون، وليس في هذه الحروف إلا ما أقترحتم بلا بيان !؟ أرأيتم إن قيل لكم: إن هذه الحروف ليست دالة على هذه المدة لملك أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنها دالة على أن عند كل واحد منكم دينا بعدد هذا الحساب دراهم أو دنانير، أو [ على ]: أن لعلي على كل واحد منكم دينا عدد ماله مثل عدد

____________________

(١) " فما تصنعون بما أنزل عليه المر " المعانى والبحار.

(٢) " دلتكم " بعض المصادر.

(*)

٦٦

هذا الحساب، أو على: أن كل واحد منكم قد لعن بعدد هذا الحساب.

قالوا: يا أبا الحسن ليس شئ مما ذكرته منصوصا عليه في " الم " و " المص " و " الر " و " المر ".

فقال علىعليه‌السلام : ولا شئ مما ذكرتموه منصوصا عليه في " الم " و " المص " و " الر " و " المر " فان بطل قولنا(بما قلتم، بطل قولكم بما قلنا)(١) فقال خطيبهم، ومنطيقهم: لا تفرح يا علي بأن عجزنا عن(٢) إقامة حجة(٣) على دعوانا، فأي حجة لك في دعواك إلا أن تجعل عجزنا حجتك، فاذا مالنا حجة فيما نقول ولا لكم حجة فيما تقولون.

قال علىعليه‌السلام : لا سواء، إن لنا حجة هي المعجزة الباهرة.

ثم نادى جمال اليهود: يا أيتها الجمال اشهدي لمحمد ولوصيه.

فنادت(٤) الجمال: صدقت صدقت [ يا علي ] يا وصي محمد، وكذب هؤلاء [ اليهود ].

فقال علىعليه‌السلام : هؤلاء خير من اليهود،(٥) يا ثياب اليهود [ التي عليهم ](٦) اشهدي لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ولوصيه.

فنطقت ثيابهم كلها: صدقت صدقت يا علي، نشهد أن محمدا رسول الله حقا وأنك يا علي وصيه حقا، لم يثبت محمد قدما في مكرمة إلا وطئت على موضع قدمه بمثل مكرمته، فأنتما شقيقان من أشرف(٧) أنوار الله تعالى، [ فميزتما اثنين ](٨) وأنتما في الفضائل شريكان، إلا أنه لا نبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

____________________

(١) " لما قلنا، بطل قولك لما قلت " بعض المصادر.

(٢) " على " أ.

(٣) زاد في بعض المصادر: فيما تقولهن(نقوله).

(٤) " فتبارد " بعض المصادر.

(٥) " جنس من الشهود " س، ص، وبعض المصادر.

(٦) من المعانى والبحار.

(٧) " اشراق " المعانى، والبرهان.

(٨) من المعانى والبحار.

(*)

٦٧

فعند ذلك خزيت(١) اليهود، وآمن بعض النظارة(٢) منهم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وغلب الشقاء على اليهود، وبعض(٣) النظارة الآخرين، فذلك ما قال الله تعالى " لا ريب فيه " إنه كما قال محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووصي محمد عن قول [ محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن قول ] رب العالمين.

ثم قال: " هدى " بيان وشفاء " للمتقين " من شيعة محمد وعلي عليهما الصلاة والسلام.

[ إنهم ](٤) اتقوا أنواع الكفر فتركوها، واتقوا [ أنواع ] الذنوب الموبقات فرفضوها واتقوا إظهار أسرار الله تعالى، وأسرار أزكياء عباده الاوصياء بعد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكتموها.

واتقوا ستر العلوم عن أهلها المستحقين لها، وفيهم نشروها(٥) قوله عزوجل " الذين يؤمنون بالغيب ": ٣

٣٤ - قال الامامعليه‌السلام : ثم وصف هؤلاء المتقين(٦) الذين هذا الكتاب هدى لهم فقال:(الذين يؤمنون بالغيب) يعني بما غاب عن حواسهم من الامور التي يلزمهم الايمان بها، كالبعث [ والنشور ] والحساب والجنة والنار، وتوحيد الله تعالى وسائر ما لا يعرف بالمشاهدة.

____________________

(١) " خرست " بعض المصادر.

(٢) " النصارى " خ ل.والنظارة: القوم ينظرون إلى الشئ.

(٣) " سائر " س، ص.

(٤) من المصادر.

(٥) عنه البحار: ١٧ / ٢١٨ ضمن ح ٢١(إلى قوله: على سائر أحوالهم) وتأويل الايات: ١ / ٣٢ قطعة، وعنه البحار: ٩٢ / ٢١٥ ح ١٨ وعن الاحتجاج ومعانى الاخبار: ٢٥ ضمن ح ٤ باسناديهما عن محمد بن القاسم..

وأخرجه في ص ٣٧٨ ضمن ح ١٠ من البحار المذكور، وحلية الابرار: ٢ / ٤٨٢، والبرهان: ١ / ٥٤ ضمن ح ٩، ونور الثقلين: ١ / ٢٤ ضمن ح ٧ عن معانى الاخبار.

(٦) " المؤمنين " ص.

(*)

٦٨

وإنما يعرف بدلائل قد نصبها الله عزوجل [ عليها ] كآدم، وحواء، وإدريس ونوح، وإبراهيم، والانبياء الذين يلزمهم الايمان [ بهم، و ] بحجج الله تعالى، وإن لميشاهدوهم ويؤمنون بالغيب، وهم من الساعة مشفقون(١)

التوسل إلى الله بمحمد وآله

٣٥ - وذلك أن سلمان الفارسيرضي‌الله‌عنه مر بقوم من اليهود، فسألوه أن يجلس إليهم، ويحدثهم بما سمع من محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في يومه هذا، فجلس إليهم لحرصه على إسلامهم، فقال: سمعت محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إن الله عزوحل يقول: يا عبادي أو ليس من له إليكم حوائج كبار لا تجودون بها إلا أن يتحمل عليكم بأحب الخلق إليكم تقصونها كرامة لشفيعهم(٢) ؟ ألا فاعلموا إن أكرم الخلق علي، وأفضلهم لدي: محمد، وأخوه علي، ومن بعده من الائمة الذين هم الوسائل إلي.

ألا فليد عني من هم بحاجة يريد نفعها، أو دهته داهية يريد كف(٣) ضررها، بمحمد وآله الافضلين الطيبين الطاهرين، أقضلها له أحسن مما يقضيها من تستشفعون إليه بأعز(٤) الخلق عليه.

قالو السلمان وهم(يسخرون و)(٥) يستهزؤن [ به ]: يا أبا عبدالله فما بالك لاتقترح على الله، وتتوسل بهم: أن يجعلك أغنى أهل المدينة؟ فقال سلمان: قد دعوت الله عزوجل بهم، وسألته ما هو أجل وأفضل وأنفع من ملك الدنيا بأسرها: سألته بهم صلى الله عليهم أن يهب لي لسانا لتحميده(٦) وثنائه ذاكرا، وقلبا لآلائه شاكرا، وعلى الدواهي الداهية لي صابرا، وهو عزوجل قد أجابني إلى ملتمسي(٧) من ذلك، وهو أفضل من ملك الدنيا بحذافيرها، وما تشتمل عليه من

____________________

(١) عنه البحار: ٦٨ / ٢٨٥ ح ٤٢، والبرهان: ١ / ٥٦ ح ١١.

(٢) " لشفيعكم " أ." لشيعتهم " البحار: ٩٤.

(٣) " كشف " ص، الوسائل والبحار.

(٤) " بأحب " أ.

(٥) من البحار.

(٦) " لتمجيده " ص، البحار.

(٧) " مسألتى " ب.

(*)

٦٩

خيراتها مائة ألف ألف مرة.

قالعليه‌السلام : فجعلوا يهزؤون به ويقولون: يا سلمان لقد ادعيت مرتبة عظيمة شريفة نحتاج أن نمتحن صدقك من كذبك فيها، وها نحن أولا(١) قائمون إليك بسياط فضاربوك بها، فسل ربك أن يكف أيدينا(٢) عنك.

فجعل سلمان يقول: اللهم اجعلني على البلاء صابرا.

وجعلوا يضربونه بسياطهم حتى أعيوا وملوا، وجعل سلمان لا يزيد على قوله: اللهم اجعلني على البلاء صابرا.

فلما ملوا وأعيوا، قالوا له: يا سلمان ما ظننا أن روحا تثبت في مقرها مع مثل هذا العذاب الوارد عليك، فما بالك لاتسأل ربك أن يكفنا عنك؟ [ ف‍ ] فقال: لان سؤالي ذلك ربي خلاف الصبر، بل سلمت لا مهال الله تعالى لكم، وسألته الصبر.

فلما استراحوا قامرا إليه بعد بسياطهم، فقالوا: لا نزال نضربك بسياطنا حتى تزهق روحك أو تكفر بمحمد.

فقال: ماكنت لافعل ذلك، فان الله قد أنزل على محمد(الذين يؤمنون بالغيب) وإن احتمالي لمكارهكم - لادخل في جملة من مدحه الله بذلك - سهل علي يسير.

فجعلوا يضربونه بسياطهم حتى ملوا، ثم قعدوا، وقالوا: يا سلمان لو كان لك عند ربك قدر لايمانك بمحمد لاستجاب [الله ](٣) دعاء‌ك وكفنا عنك.

فقال سلمان: ما أجهلكم ! كيف يكون مستجيبا دعائي إذا فعل بي(٤) خلاف ما أريد منه، أنا أردت منه الصبر فقد استجاب لي وصبرني، ولم أسأله كفكم عني فيمنعني حتى يكون ضد دعائي كما تظنون.

فقاموا اليه ثالثة بسياطهم، فجعلوا يضربونه وسلمان لا يزيد على [ قوله: ] اللهم صبرني على البلاء في حب صفيك وخليلك محمد.

____________________

(١) " اذا " ب، ط.

(٢) " عذابنا " أ.

(٣) من البحار.

(٤) " لى " أ.

(*)

٧٠

فقالوا له: يا سلمان ويحك أو ليس محمد قد رخص لك أن تقول كلمة الكفر [ به ] بما تعتقد ضده للتقية من أعدائك؟ فما بالك لا تقول(ما يفرج عنك)(١) للتقية؟ فقال سلمان: إن الله تعالى قد رخص لي في ذلك ولم يفرضه علي، بل أجاز لي(٢) أن لا أعطيكم ما تريدون، وأحتمل مكارهكم، وأجعله أفضل المنزلتين، وأنا لا أختار غيره.

ثم قاموا إليه بسياطهم، وضربوه ضربا كثيرا، وسيلوا دماء‌ه، وقالوا له - وهم ساخرون -: لا تسأل الله كفنا عنك، ولا تظهر لنا ما نريد منك لنكف به عنك، فادع علينا بالهلاك إن كنت من الصادقين في دعواك أن الله لا يرد دعاء‌ك بمحمد وآله الطيبين [ الطاهرين ].

فقال سلمان: إني لاكره أن أدعو الله بهلاككم مخافة أن يكون فيكم من قد علم الله أنه سيؤمن بعد، فأكون قد سألت الله تعالى اقتطاعه عن الايمان.

فقالوا: قل: اللهم أهلك من كان في معلومك(٣) أنه يبقى إلى الموت على تمرده، فانك لا تصادف بهذا الدعاء ما خفته.

قال: فانفرج له حائط البيت الذي هو فيه مع القوم، وشاهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول: يا سلمان ادع عليهم بالهلاك، فليس فيهم أحد يرشد، كما دعا نوحعليه‌السلام على قومه لما عرف أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن.

فقال سلمان: كيف تريدون أن أدعو عليكم بالهلاك؟ فقالوا: تدعو الله [ ب‍ ] أن يقلب سوط كل واحد منا أفعى تعطف رأسها، ثم تمشش(٤) عظام سائر بدنه.

____________________

(١) " ما نقترح(به) عليك " س، ص، البحار.

(٢) " أجازنى " ب، ط

(٣) " علمك " خ ل.

(٤) مشش وتمشش العظم: مصه واستخرج منه المخ.

(*)

٧١

فدعا الله بذلك، فما من سياطهم سوط إلا قلبه الله تعالى عليهم أفعى لها رأسان تتناول برأس [ منها ](١) رأسه، وبرأس آخر يمينه التي كان فيها سوطه، ثم رضضتهم ومششتهم(٢) وبلعتهم والتقمتهم.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في مجلسه: معاشر المؤمنين إن الله تعالى قد نصر أخاكم سلمان ساعتكم هذه على عشرين من مردة(٣) اليهود والمنافقين، قلبت سياطهم أفاعي رضضتهم ومششتهم، وهشمت عظامهم والتقمتهم، فقوموا بنا ننظر إلى تلك الآفاعي المبعوثة لنصرة سلمان.

فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه إلى تلك الدار، وقد اجتمع إليها جيرانها من اليهود والمنافقين لم سمعوا ضجيج القوم بالتقام الافاعي لهم، وإذا هم خائفون منها نافرون من قربها.

فلما جاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرجت كلها [ من ](٤) البيت إلى شارع المدينه، وكان شارعا ضيقا، فوسعه الله تعالى، وجعله عشرة أضعافه.

ثم نادت الافاعي: السلام عليك يا محمد يا سيد الاولين والآخرين، السلام عليك يا علي يا سيد الوصيين، السلام على ذريتك الطيبين الطاهرين الذين جعلوا على الخلق قوامين، هانحن سياط هؤلاء المنافقين [ الذين ] قلبنا الله تعالى أفاعي بدعاء هذا المؤمن " سلمان ".

[ ف‍ ] قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الحمدلله الذي جعل [ من أمتي ] من يضاهي بدعائه - عند كفه، وعند انبساطه - نوحا نبيه.

____________________

(١) من البحار.

(٢) " هششتهم " أ وكذا التى بعدها.

هششت الورق أهشه هشا: خبطته بعصا، ومنه قوله عوجل " وأهش بها على غنمى " أى أضرب بها الشجر اليابس ليسقط ورقها فترعاه غنمه.(لسان العرب: ٦ / ٣٦.(٥).

(٣) " فرقة " ب، ط.

(٤) من البحار، وفى " أ ": اليه عن، وفى " ب، ط " عن.

(*)

٧٢

ثم اندت الافاعي: يا رسول الله قد اشتد غضبنا(١) على هؤلاء الكافرين، وأحكامك وأحكام وصيك علينا جائزة في ممالك رب العالمين، ونحن نسألك أن تسأل الله تعالى أن يجعلنا من أفاعي جهنم التي نكون فيها لهؤلاء معذبين كما كنا لهم في هذه الدنيا ملتقمين.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قد أجبتكم إلى ذلك، فالحقوا بالطبق الاسفل من جهنم بعد أن تقذفوا ما في أجوافكم من أجزاء أجسام هؤلاء الكافرين ليكون(٢) أتم لخزيهم، وأبقى للعار عليهم إذا كانوا بين أظهرهم مدفونين، يعتبر(٣) بم المؤمنون المارون بقبورهم يقولون: هؤلاء الملعونون المخزيون(٤) بدعاء ولي محمد: سلمان الخير من المؤمنين.

فقذفت الافاعي ما في بطونها من أجزاء أبدانهم، فجاء أهلوهم فدفنوهم، وأسلم كثير من الكافرين، وأخلص كثير من المنافقين، وغلب الشقاء على كثير من الكافرين والمنافقين، فقالوا: هذا سحر مبين.

ثم أقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على سلمان فقال: يا أبا عبدالله(٥) أنت من خواص إخواننا المؤمنين، ومن أحباب قلوب ملائكة الله المقربين، إنك في ملكوت السماوات والحجب والكرسي والعرشي ومادون ذلك إلى الثرى، أشهر في فضلك عندهم من الشمس الطالعة في يوم لا غيم فيه(٦) ولا قتر، ولا غبار في الجو، أنت من أفاضل الممدوحين بقوله: " الذين يؤمنون بالغيب "(٧)

____________________

(١) " غيضنا " ص.

(٢) " فيكون " أ.

(٣) " يعير " أ.

(٤) " المجزيون " ب، ط.

(٥) " يا عبدالله " أ.كانت كنيته(رض): أبوعبدالله.

(٦) " به " ب، ط.

(٧) عنه البحار: ٢٢ / ٣٦٩ ح ٩، وفى ج ٧٥ / ٤١٣ ح ٦٣ مجملا، واثبات الهداة: ٢ / ١٥٤ ح ٥٩٥ قطعة.

وعنه في الوسائل: ٤ / ١١٤١ ح ٨، والبحار: ٩٤ / ٩٢ ح ٢٠ وعن عدة الداعى: ١٥١(قطعة).

وأورد قطعة منه في تنبيه الخواطر: ٢ / ١٠٠، وارشاد القلوب: ٢ / ٤٢٤.

(*)

٧٣

قوله عزوجل: " ويقيمون الصلوة ومما رزقناهم ينفقون ": ٣

٣٦ - قال الامامعليه‌السلام : ثم وصفهم بعد [ ذلك ] فقال(ويقيمون الصلاة) يعني باتمام ركوعها وسجودها، وحفظ مواقيتها وحدودها، وصيانتها عما يفسدها وينقضها(١) .

٣٧ - ثم قال [ الامام ]عليه‌السلام : حدثني أبي، عن أبيهعليهما‌السلام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان من خيار أصحابه [ عنده ] أبوذر الغفاري، فجاء‌ه ذات يوم فقال: يا رسول الله إن لي غنيمات(٢) قدر ستين شاة، أكره أن أبدو(٣) فيها، وافارق حضرتك وخدمتك، وأكره أن أكلها إلى راع فيظلهما(٤) ويسئ رعايتها(٥) فكيف أصنع؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أبد فيها.

[ فبدا فيها ] فلما كان في اليوم السابع جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أباذر.

فقال: لبيك يا رسول الله.

قال: ما فعلت غنيماتك؟ فقال: يا رسول الله إن لها قصة عجيبة.

[ ف‍ ] قال: وما هي؟ قال: يا رسول الله بينا أنا في صلاتي إذ عدا(٦) الذئب على غنمي، فقلت: يا رب صلاتي، يا رب غنمي، فآثرت صلاتي على غنمي فأخطر الشيطان ببالي " يا أباذر أين أنت إن عدت(٧) الذئاب على غنمك وأنت تصلي فأهلكتها كلها، وما يبقى لك في الدنيا ما تتعيش(٨) به "؟ فقلت للشيطان: يبقى لي توحيد الله تعالى، والايمان بمحمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وموالاة أخيه سيد الخلق بعده علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وموالاة الائمة الهادين الطاهرين من

____________________

(١) عنه البحار: ٨٤ / ٢٣١ صدر ح ٥، وفيه(كما في س، ص): يفسدها أو ينقصها.

(٢) " غنما " أ.

(٣) " ابدء‌ه " ب." أبدأ " ط.وأبدو: أخرج إلى البادية.

(٤) " فيضلها " أ.

(٥) " رعيها " ب، ط.

(٦) " غدا " أ. قال ابن الاثير في النهاية: ٣ / ١٩٣: وفيه " ماذئبان عاديان أصابا فريقة غنم " العادى: الظالم، وقد عدا يعدو عليه عدوانا.

(٧) " غدت " أ.

(٨) " تعيش " أ، البحار: ٨٤.

(*)

٧٤

ولده، ومعاداة أعدائهم، وكلما فات من الدنيا بعد ذلك جلل(١) فأقبلت على صلاتي، فجاء ذئب، فأخذ حملا وذهب به وأنا أحس به، إذا أقبل على الذئب أسد فقطعه نصفين، واستنقذ الحمل ورده إلى القطيع، ثم ناداني(٢) : يا أباذر أقبل على صلاتك، فان الله تعالى قد وكلني بغنمك إلى أن تصلي.

فأقبلت على صلاتي، وقد غشيني من التعجب مالا يعمله إلا الله تعالى حتى فرغت منها، فجاء‌ني الاسد وقال لي: إمض إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره أن الله تعالى قد أكرم صاحبك الحافظ لشريعتك، ووكل أسدا بغنمه يحفظها.فتعجب من [ كان ] حول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : صدقت يا أباذر، ولقد آمنت به أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين(صلوات الله عليهم أجمعين).

فقال بعض المنافقين: هذا بمواطاة(٣) بين محمد وأبي ذر، يريد أن يخدعنا بغروره.

واتفق منهم عشرون رجلا وقالوا: نذهب إلى غنمه، وننظر إليها، وننظر إليه(٤) إذا صلى، هل يأتي الاسد ويحفظ(٥) غنمه، فيتبين بذلك كذبه.

فذهبوا ونظروا و [ إذا ] أبوذر قائم يصلي، والاسد يطوف حول غنمه ويرعاها ويرد إلى القطيع ما شذ عنه منها، حتى إذا فرغ من صلاته ناداه الاسد: هاك قطيعك مسلما، وافر العدد سالما.(٦) ثم ناداهم الاسد: [ يا ] معاشر المنافقين أنكرتم لو لي محمد وعلي وآله الطيبين والمتوسل إلى الله تعالى بهم أن يسخرني [ الله ](٧) ربي لحفظ عنمه، والذي

____________________

(١) " سهل " ب، ط.وجلل: هين يسير.والجلل من الاضداد، يكون للحقير والعظيم.

(٢) " نادى " ب، ط.

(٣) " لمواطاة " البحار.

(٤) " إلى أبى ذر " ب، ط.

(٥) " لحفظ " أ.

(٦) " سالم الاهل " أ، س.

(٧) من البحار.

(*)

٧٥

أكرم محمدا وآله الطيبين الطاهرين لقد جعلني الله طوع يدي أبي ذر حتى لو أمرني بافتراسكم وهلاككم لاهلكتكم(١) ، والذي لا يحلف بأعظم منه لو سأل الله بمحمد وآله الطيبين صلوات الله عليهم أن يحول البحار دهن زنبق وبان(٢) والجبال مسكا وعنبرا وكافورا، وقضبان الاشجار قضب الزمرد، والزبرجد لما منعه الله تعالى ذلك.

فلما جاء أبوذر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له رسول الله: يا أباذر إنك أحسنت طاعة الله، فسخر الله لك من يطيعك في كف العوادي عنك، فأنت من أفضل من مدحه الله عزوجل [ ب‍ ] أنه يقيم الصلاة.(٣) قوله عزوجل: " ومما رزقناهم ينفقون ".

٣٨ - قال الامامعليه‌السلام : يعني(ومما رزقناهم) من الاموال، والقوى في الابدان والجاه، والمقدار.

(ينفقون): يؤدون من الاموال الزكوات، ويجودون بالصدقات، ويحتملون الكل(٤) يؤدون الحقوق اللازمات: كالنفقة في الجهاد إذا لزم، وإذا استحب، وكسائر النفقات الواجبات على الاهلين وذوي الارحام القريبات(٥) والآباء والامهات وكالنفقات المستحبات على من لم يكن فرضا عليهم النفقة من سائر القرابات، وكالمعروف بالاسعاف والقرض، والاخذ بأيدي الضعفاء والضعيفات.

ويؤدون من قوى الابدان المعونات كالرجل يقود ضريرا، وينجيه من مهلكة أو يعين مسافرا أو غير مسافر على حمل متاع على دابة قد سقط عنها، أو كدفع عن

____________________

(١) " لاهلكتم " أ.

(٢) " ذيبق وبان " أ." زنبق ولبان " البحار: ٨٤.

والزنبق: دهن الياسمين.

والبان: شجر ثمرته تشبه قرون اللوبياء، يؤخذ من حبه دهن طيب.

(٣) عنه البحار: ٢٢ / ٣٩٣ ح ١، ج ٨٤ / ٢٣١ ضمن ح ٥، ومدينة المعاجز: ٦٧ ح ١٦٠.

وأورد قطعة منه في تنبيه الخواطر: ٢ / ١٠١، وارشاد القلوب: ٢ / ٤٢٥.

(٤) الكل - بفتح الكاف -: المشقة.

(٥) " والقرابات " أ.

(*)

٧٦

مظلوم [ قد ] قصده ظالم بالضرب أو بالاذى.

ويؤدون الحقوق من الجاه بأن يدفعوا به عن عرض من يظلم بالوقيعة فيه، أو يطلبوا حاجة بجاههم لمن [ قد ] عجز عنها بمقداره.فكل هذا إنفاق مما رزقه الله تعالى(١)

في أن الاعمال لا تقبل الا بالولاية

٣٩ - قال الامامعليه‌السلام : أما الزكاة فقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أدى الزكاة إلى مستحقها، وقضى الصلاة على حدودها، ولم يلحق بهما من الموبقات ما يبطلهما جاء يوم القيامة يغبطه كل من في تلك العرصات حيت يرفعه نسيم الجنة إلى أعلى غرفها وعلاليها(٢) بحضرة من كان يواليه من محمد وآله الطيبين الطاهرين.

ومن بخل بزكاته وأدى صلاته، فصلاته محبوسة دوين السماء إلى أن يجئ [ حين ](٣) زكاته، فان أداها جعلت كأحسن الافراس مطية لصلاته، فحملتها إلى ساق العرش فيقول الله عزوجل: سر إلى الجنان، واركض فيها إلى يوم القيامة، فما انتهى إليه ركضك، فهو(كله بسائر ما تمسه لباعثك)(٤) فيركض فيها على أن كل ركضة مسيرة سنة في قدر لمحة بصره من يومه إلى يوم القيامة، حتى ينتهي [ به ] إلى حيث ما شاء الله تعالى، فيكون ذلك كله له، ومثله عن يمينه وشماله، وأمامه وخلفه، وفوقه وتحته.

وإن بخل بزكاته ولم يؤدها، أمر بالصلاة فردت إليه، ولفت كما يلف الثوب

____________________

(١) عنه البحار: ٩٦ / ١٦٨ ح ١٤، والوسائل: ١٥ / ٢٣٨ ح ٢(قطعة).

(٢) علالى: جمع علية - بضم العين وكسرها - الغرفة.وفى البحار: ٩٦: عاليها.

(٣) " خبر " ب، والبحار: ٩٦.

(٤) " لك كله بسائر ما تمنيته لباعثك " س، ص." كله يمينه ويساره لك " ب، ط.

(*)

٧٧

الخلق، ثم يضرب بها وجهه، ويقال [ له ]: يا عبدالله ما تصنع بهذا دون هذا؟ قال: فقال أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أسوأ حال هذا [ والله ] ! قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أولا أنبئكم بمن هو أسوا حالا من هذا؟ قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: رجل(١) حضر الجهاد في سبيل الله تعالى، فقتل مقبلا غير مدبر، والحور العين يتطلعن(٢) إليه، وخزان الجنان يتطلعون [ إلى ] ورود روحه عليهم [ وأملاك السماء ] وأملاك الارض يتطلعون [ إلى ] نزول حور العين إليه، والملائكة خزان الجنان، فلا يأتونه(٣) فتقول ملائكة الارض حوالي ذلك المقتول: ما بال الحور [ العين ](٤) لا ينزلن إليه؟ وما بال خزان الجنان لا يردون عليه؟ فينادون من فوق السماء السابعة: يا أيتها الملائكة، انظروا إلى آفاق السماء [ و ] دوينها.

فينظرون، فاذا توحيد هذا العبد [ المقتول ] وإيمانه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصلاته وزكاته، وصدقته، وأعمال بره كلها محبوسات دوين السماء، وقد طبقت(٥) آفاق السماء كلها - كالقافلة العظيمة قد ملات ما بين أقصى المشارق والمغارب، ومهاب الشمال والجنوب - تنادي أملاك تلك الافعال(٦) الحاملون لها، الواردون بها: ما بالنا لا تفتح لنا أبواب السماء لندخل إليها بأعمال هذا الشهيد؟ فيأمر الله عزوجل بفتح أبواب السماء، فتفتح، ثم ينادي هؤلاء الاملاك: ادخلوها إن قدرتم.

فلا تقلها أجنحتهم، ولا يقدرون على الارتفاع بتلك الاعمال فيقولون: يا ربنا لانقدر على الارتفاع بهذه الاعمال.

____________________

(١) " من " ب، ط.

(٢) " يطلبن " ب، ط." يطلعن " س، ص البحار.

(٣) " ينزلون عليه " س.

(٤) من البحار والبرهان.

(٥) " طيفت " أ.

طبق الشئ: عم.

(٦) " الاثقال " ب، ط، والبحار: " الاعمال " البرهان.

(*)

٧٨

فيناديهم منادي ربنا عزوجل: يا أيتها الملائكة لستم حمالي هذه الاثقال [ الصاعدين بها ] إن حملتها الصاعدين بها مطاياها التي ترفعها إلى دوين العرش، ثم تقرها في درجات الجنان.

فتقول الملائكة؟ يا ربنا ما مطاياها؟ فيقول الله تعالى: وما الذي حملتم من عنده؟ فيقولون: توحيده لك، وإيمانه بنبيك.

فيقول الله تعالى: فمطاياها موالاة علي أخي نبيي، وموالاة الائمة الطاهرين، فان أتيت فهي الحاملة الرافعة الواضعة(١) لها في الجنان.

فينظرون فاذا الرجل مع ما له من هذه الاشياء، ليس له موالاة علي بن أبي طالب والطيبين من آله، ومعاداة أعدائهم.

فيقول الله تبارك وتعالى للاملاك الذين كانوا حامليها: اعتزلوها(٢) ، والحقوا بمراكزكم من ملكوتي ليأتها من هو أحق بحملها، ووضعها في موضع استحقاقها.فتلحق تلك الاملاك بمراكزها المجعولة لها.

ثم ينادى منادي ربنا عزوجل: يا أيتها الزبانية تناوليها، وحطيها(٣) إلى سواء الجحيم، لان صاحبها لم يجعل لها مطايا من موالاة علي والطيبين من آلهعليهم‌السلام .

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ]: فتناول(٤) تلك الاملاك، ويقلب الله عزوجل تلك الاثقال أوزارا وبلايا على باعثها لما فارقتها مطاياها من موالاة أمير المؤمنينعليه‌السلام ونادت تلك الملائكة إلى مخالفته لعليعليه‌السلام ، وموالاته لاعدائه(٥) فيسلطها الله عزوجل وهي في صورة الاسود على تلك الاعمال، وهي كالغربان

____________________

(١) " الموصلة " ص.

(٢) " انزلوها " ص.

(٣) " ضعيها وحطيها " أ." ضعيها " ص، والبرهان.

(٤) " فتنادى " ب، ط، التأويل، البحار، والبرهان.

(٥) بمعنى أن تلك الزبانية تنادى الملائكة بأن هذا مخالف لعلى وموال لعدوه.

(*)

٧٩

والقرقس(١) فتخرج من أفواه تلك الاسود نيران تحرقها، ولا يبقى له عمل إلا أحبط ويبقى عليه موالاته لاعداء عليعليه‌السلام وجحده ولايته، فيقره ذلك في سواء الجحيم فاذا هو قد حبطت أعماله، وعظمت أوزاره وأثقاله.

فهذا أسوأ حالا من مانع الزكاة الذي يحفظ(٢) الصلاة(٣) .

مستحق الزكاة، وعدم جواز دفعها إلى المخالف

٤٠ - قال: فقيل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فمن يستحق الزكاة؟ قال: المستضعفون من شيعة محمد وآله الذين لم تقو بصائرهم.

فأما من قويت بصيرته، وحسنت بالولاية لاوليائه والبراء‌ة من أعدائه معرفته، فذاك أخوكم في الدين، أمس بكم رحما من الآباء والامهات المخالفين(٤) فلا تعطوه زكاة ولا صدقة، فان موالينا وشيعتنا منا، وكلنا كالجسد الواحد يحرم على جماعتنا الزكاة والصدقة، وليكن ما تعطونه إخوانكم المستبصرين: البر، وارفعوهم عن الزكوات والصدقات، ونزهوهم عن أن تصبوا عليهم أوساخكم، أيحب أحدكم أن يغسل وسخ بدنه، ثم يصبه على أخيه المؤمن؟ إن وسخ الذنوب أعظم من وسخ البدن، فلا توسخوا بها إخوانكم المؤمنين.

ولا تقصدوا أيضا بصدقاتكم وزكواتكم [ المخالفين ] المعاندين لآل محمد، المحبين لاعدائهم، فان المتصدق على أعدائنا [ كان ] كالسارق في حرم ربنا عزوجل وحرمي.

قيل: يا رسول الله فالمستضعفون من المخالفين الجاهلين، لاهم في مخالفتنا مستبصرون

____________________

(١) هو مايشبه البق، وقيل: البعوض الصغار.

(٢) " التى تحبط " ب، ط، والبرهان.

(٣) عنه تأويل الايات: ١ / ١٧١ ح ٥، والبحار: ٢٧ / ١٨٧ ح ٤٦، ج ٩٦ / ٨ ح ٤(قطعة) والبرهان: ٣ / ١٦٠ ح ٧.

(٤) " أما المخالف " ب، ط." أما المخالفون " الوسائل.وكلاهما لايناسب السياق.

٨٠