السقيفة

السقيفة0%

السقيفة مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 211

السقيفة

مؤلف: العلامة المجدد الشيخ محمد رضا المظفر
تصنيف:

الصفحات: 211
المشاهدات: 41103
تحميل: 11126

توضيحات:

السقيفة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 211 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41103 / تحميل: 11126
الحجم الحجم الحجم
السقيفة

السقيفة

مؤلف:
العربية

المحاورة(١) بين الخليفة عمر بن الخطاب وابن عباس حينما يدعوه الى العمل في حمص، فيقل لأبن عباس:( وفي نفسي شيء لم أره منك وأعياني ذلك) ثم يصرح بذلك الشيء:( اني خشيت ان يأتي علي الذي هو آت وأنت في عملك فتقول: هلم الينا ولا هلم اليكم دون غيركم اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل الناس وترككم).

فيقول ابن عباس: فلم نراه فعل ذلك؟

فقال عمر: والله ما أدري اضن بكم عن العمل، فأهل ذلك انتم، أم اخشى ان تبايعوا بمنزلتكم منه، فيقع العقاب ولا بد من عتاب؟

وعندئذ يمتنع ابن عباس عن قبول العمل ويقول: ان اعمل لك وفي نفسك ما فيها لم ابرح قذى في عينيك.

أليست هذه المحاورة شاهدة على ان الخلفاء هم الذين كانوا يمتنعون عن استعمال بني هاشم خوف ان يستغلوا مناصبهم للدعوة الى أنفسهم؟

وللمجيب ان يجيب، فيقول: ان امتناع الخلفاء عن استعمال علي وبني هاشم ان صح فهو دليل آخر على سيرة الامام معهم، واستعماله خطة يخشون معها ان يأخذ وقومه ناصية الأمر ان تولوا عملا من الأعمال. على انا لا

______________________________

(١) راجع مروج الذهب (٤٢٧:١).

١٦١

نعدم شاهدا على ان عليا هو الذي كان يمتنع عن قبول اعمالهم، فلنستمع الى الحديث الذي جرى بين الخليفتين عمر وعثمان.

يشير عثمان على عمر: (ابعث رجلا أي لحرب فارس له تجربة بالحرب ومضربها.

عمر: من هو؟

عثمان: علي بن ابي طالب!

عمر: فالقه وكلمه وذاكره ذلك، فهل تراه مسرعا اليه؟

( فيخرج عثمان ويلقي عليا، فيذاكره فيأبى علي ذلك ويكرهه).

تأمل استفهام عمر وشكه في قبول علي، ثم امتناع علي وكراهيته للأمر! وما نستنتج من ذلك؟

من هذا وامثاله نعرف ماذا كان علي عليه السلام يتبع في سيرته مع القوم، وما كان يجري عليه في معاملته معهم، حتى كان يخفت صوته في جميع الحروب والمواقف، وكأنه ليس من المسلمين أو ليس موجودا بينهم، وهو منهم في الرعيل الأول، اللهم إلا صوته إذا استشير ونبراس علمه إذا استفتي، حتى اشتهر عن عمر كلمته( لولا علي لهلك عمر) أو( لاكنت لمعضلة ليس لها ابو الحسن).

١٦٢

وتتبع استشاراته واحكامه في كثير من الوقائع يخرج بنا الى موضوع آخر يحتاج الى كتاب آخر.

انتهى

٢٩ جمادي الاولى ١٣٦٨ هـ

١٦٣

١٦٤

على هامش السَّقيفَة

١٦٥

١٦٦

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

بقلم محمد جواد الغبان

تفرض علي الأبوة أن أذهب بين حين وآخر إلى ناحية( الشنافية) لزيارة سيدي الوالد سماحة الشيخ عبد الكاظم الغبان الذي يشغل مركز العالم الديني هناك.

وقبل بضعة أشهر سافرت إلى( الشنافية) فترامى الى سمعي من عامة أهل المدينة مديح وافر وثناء جزيل على مدير جديد في ناحيتهم هو الاستاذ السيد عبد الله الملاح الذي تم نقله الى تلك الناحية قريبا.

وما كان إلا أن اجتمعت بهذا المدير الجديد وتتابعت الاجتماعات بيني وبينه حتى رأيت نفسي منجذبا اليه ومتخذا منه صديقا حميما وأخا كريما لأنني وجدت فيه رجلا متمسكا بالصفات الحميدة والأخلاق الكريمة بالاضافة الى كونه قويا في ادارته نزيها في احكامه ومعاملاته.

١٦٧

ومما لفت نظري من الأخ الاستاذ الملاح أن هوايته المفضلة هي العكوف على العلم والأدب والثقافة فهو لايمضي أوقات فراغه الا بالمطالعة أو البحث والنقاش، وهو في بحثه ونقاشه يمتاز بحرية الرأي وطلب الحقيقة من دون تعصب.

لقد دارت بيني وبينه عدة مباحثات ومناقشات دينية وعلمية وأدبية كان في مقدمتها موضوع ( الامامة) الذي هو نقطة الخلاف بين (السنة والشيعة)، وكنا في بحثنا ومناقشتنا في هذا الموضوع متجردين عن كل عاطفة وتعصب ذميم فوصلنا إلى نتائج حسنة جدا.

وقد أرشدت الاستاذ تتمة لما دار بيننا من المناقشات الى مطالعة كتاب (السقيفة) الذي كتبه استاذنا سماحة العلامة الشيخ محمد رضا المظفر (عميد منتدى النشر).. ذلك الكتاب القيم الذي نفدت طبعته الاولى واعيد طبعه مرة اخرى لأنه الكتاب الوحيد الذي درس موضوع الخلافة الدقيق دراسة مستفيضة على ضوء المنطق المتجرد عن العواطف والمغالطات.

وحين رجعت الى النجف ارسلت نسخة من كتاب (السقيفة) الى الاستاذ الملاح، وبعد بضعة أيام وصلتني منه رسالة يسجل فيها إعجابه بالكتاب وبراعة عرضه وقوة حجته مع إكباره لمؤلفه الكريم، وقد سرد في رسالته المذكورة عدة ملاحظات اعترضته أثناء مطالعته للسقيفة فطلب مني ان

١٦٨

اعرضها على الاستاذ المؤلف ليتفضل بالاجابة عنها، فما كان مني الا أن عرضت الرسالة على استاذنا العميد بعد أن اعطيته لمحة خاطفة عن صديقي الاستاذ الملاح فأبدى الاستاذ المظفر استعداده للجواب عن تلك الملاحظات وتفضل فأفرغ نفسه على كثرة أشغاله ومسؤلياته لكتابة كراس خاص ضمنه أجوبته عنها.

هذا وقد رأيت بملاحظات الاستاذ الملاح وأجوبة استاذنا (العميد) عنها موضوعا رائعا طريفا أهم مميزاته طلب الحقيقة وكشف الواقع عن طريق الدراسة الصحيحة التي يوحيها العقل والمنطق السليم، فوجدت نفسي مدفوعا الى تمثيلها لعالم الطبع والنشر بعد موافقة الطرفين طبعاً خدمة للحقيقة وعرضاً لنماذج من البحث النزيه المتجرد عن الانجراف مع العواطف، لعل اخواننا المسلمين جميعا من سنة وشيعة يسيرون على منوال هذا الكلام البريء والمنطق السليم فيجتمع الشمل وتتوحد الصفوف. وإذا كانوا يرون اجتماع الكلمة ضربا من المستحيل فلا أقل من أن يتركوا التطاحن الذي مزق صفوف الطرفين وأوهى قوى الأسلام الذي يتمثل بكلا الفريقين.

وها أنا ذا الآن أنشر في هذا الكراس نص رسالة الاستاذ الملاح التي تتضمن ملاحظاته مع نص جواب(العميد) عنها. وما أدري عسى الاستاذ الملاح تخطر في ذهنه ملاحظات اخرى بعد ذلك. وإنني أعد القارئ الكريم بعرضها على استاذنا العميد عندما أتلقاها لعلنا نظفر بنشر كراسة ثانية في

١٦٩

هذا الموضوع إكمالا للفائدة المتوخاة والله تعالى من وراء القصد.

النجف الأشرف ٢ رجب ١٣٧٣ هـ

محمد جواد الغبان

١٧٠

نص رسالة الاستاذ عبد الله الملاح حول كتاب السقيفة

أخي الكريم الاستاذ محمد جواد الغبان لا حرمت اخوته تحية وشوقا

دعني أشكر لك قبل كل شيء هذه الاخوة الصادقة وحسن ظنك بي فأنا اعتقد انني لا أستحق منك كل هذا الاطراء إنما هي نفسك النبيلة تريك الناس في صورة نفسك. لوددت اني احقق ظنك في والله المسؤول ان يلهمنا الصواب ويهدينا الى أحسن الأخلاق انه لايهدي لأحسنها إلا هو.

أشكر لك أيها الأخ الكريم هديتك الممتعة كتاب السقيفة فقد أمضيت بقراءته وقتاً سعيداً وكنت أود ان ادون لكم رأيي حوله بعد انتهائي من قراءته ولكن حال دون ذلك ذهابي الى بغداد.

كتاب السقيفة كتاب ممتع جداً يدل على سعة علم مؤلفه الفاضل وتمكنه من الاسلوب العلمي العصري ولو التزم بما جاء في المقدمة لكان خير كتاب أخرج للناس ولكنه آثر ارضاء عقيدته فلم يلتزم بما أوجبه على نفسه اولا من الجهاد التام، وكنت أود ان اطلع على كتاب (رد على السقيفة) لأطلع على المآخذ التي أخذها على المؤلف. وسأورد باختصار

١٧١

كل ما عن لي عند مطالعة الكتاب، ولعل بعض ما أورده لا يخرج عن حدود السؤال الذي لا أحسن الاجابة عنه فاذا كان عندك أو عند المؤلف جواب شاف له فأرجو التفضل بعدم حرماني من فائدته.

١ - يرى المؤلف استبعاد سكوت النبي عن أمر الخلافة وتوكيل ذلك إلى اختيار الأمة. لما في ذلك من توقع حدوث الاختلاف كما حصل فعلا وأنا أسأل فأين النص الصريح إذن على تعيين أحد بالذات؟

ستقول دون شك: أفليس في حديث الغدير كفاية؟

إن حديث الغدير لم يؤمن بصحته كل الناس من المسلمين، وبعض من آمن بصحته فسره على غير تفسير الشيعة مستفيدا من دلالة كلمة المولى على معاني مختلفة، وأنا شخصياً أرى تفسير كلمة المولى بغيرالتفسير الذي فسرته الشيعة في حديث الغدير تمحل وسخف.

ولكن في نفسي شيء كثير من الحديث فان البخاري ومسلم لم يرويا الحديث، وفي سنده من طعن فيه، ولكنني لا أهتم لذلك فان كتب الشيعة ترويه بسند صحيح وهم ليسوا أقل حرصا على دينهم من السنة، ولكني سأطرح النقل هنا وأعتمد على العقل فقط.

يقول القرآن:( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) .

١٧٢

ويعتقد السنة والشيعة ان جميع ما صح عن النبي يجب الأخذ به باعتباره وحيا من الله ولكننا نرى ان النبي أمر بكتابة القرآن علما منه بأن كل ما اعتمد في حفظه على الذاكرة اعتوره النسيان أو التحريف بزيادة أو نقصان ولم نسمع انه أمر أحدا بكتابة الحديث فاذا كان الحديث وحيا من الله كالقرآن فلماذا لم يكن قرآنا؟ وأي فرق بين وحي الحديث ووحي القرآن؟

إن عدم تدوين الحديث أدى إلى الاختلاف الذي نراه الآن فليس من حديث صح عند السنة إلا وجد فيه الشيعة مجالا للطعن والعكس صحيح أفيمكن أن يبنى دين موحد على حديث يصدقه اناس ويكذبه آخرون، ولكن الفرق الاسلامية كلها متفقة على أن القرآن الذي بين أيديها صورة صحيحة للوحي المنزل على رسول الله ولا عبرة ببعض الأقوال المنسوبة إلى اناس زعموا ان القرآن قد حذف منه كل ما كان فيه مدح لآل البيت.

اريد ان اخلص من هذه المقدمة الى القول بأن امر الخلافة وهي من الاهمية بحيث صورها مؤلف السقيفة الفاضل لا يعقل ان يترك أمرها الى حديث كحديث الغدير لا تكاد الصحابة تسمعه حتى ينساه أكثرهم ويذهب في تأويله الآخرون مذاهب مختلفه، أفما كان ينبغي والأمر بهذه الأهمية ان ينزل فيها قرآنا. صحيح (ان الله لايسأل عما يفعل وهم

١٧٣

يسألون) ولكن منطق الحوادث يدلنا على ان امراً كهذا لا سيما إذا أخذنا عقيدة اللطف الإلهي بنظر الاعتبار لم يكن ينبغي ان يسكت عنه القرآن وقد نزل في أشياء أقل أهمية من هذا بكثير، أما الآيات التي أوردها المؤلف( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) فلا أظن ان من له أقل المام باسلوب القرآن يرى قصر الذين آمنوا على علي(رض) فإن الله لم يشر الى واحد بلفظ الجمع وقد خاطب النبي بقوله( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ) . وبقوله:( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) . وقال:( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ الخ ) . ثم شيء آخر لابد من الاشارة اليه وهو لوصح ان النبي جعل عليا عليه السلام نفسه حقيقة في آية المباهلة كيف جازله تزويجه من ابنته.

٢ - إذا صح ان النبي صلى الله عليه وآله قد نص على الائمة الاثنى عشر بعد ان فقد ابنه ابراهيم وحزن عليه حزنا شديدا ترتب على ذلك اتهام النبي بأنه إنما قام بالدعوة لحصر الملك والخلافة في نفسه وفي أحفاده من بعده وهو ما يتناقض الآية القرآنية( قللَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الله ) .

٣ - حديث الغدير وقع بعد منصرف النبي من حجة الوداع ووفاته صلى الله عليه وآله في أواخر صفر أو أوائل ربيع الأول من نفس السنة فيكون بين سماع الحديث والوفاة نحو شهرين وهي مدة قصيرة فاذا كان عدد الذين سمعوا حديث الغدير سبعين

١٧٤

الفا يزيدون أو ينقصون قليلا فلا بد ان يكون الأنصار الذين اجتمعوا في السقيفة من جملة من سمع الحديث وهم لم يكونوا ممن انامهم عمر مغناطيسيا بنفيه الموت عن رسول الله لأنهم ساعة الاحتضار كانوا مجتمعين في السقيفة كما يدل على ذلك مجئ معن بن عدي وعويم بن ساعدة إالى عمر وابي بكر في دار النبي صلى الله عليه وآله ولم يكن بين الأنصار وبين علي عليه السلام ترات فإذا كانت قريش لم تشأ أن تجمع لبني هاشم بين النبوة والخلافة وإذا كان علي عليه السلام قد وتر أكثرهم فان الأنصار لم يكونوا يريدون غير رضا رسول الله فما بالهم ولم يمض على سماعهم حديث الغدير غير ايام قليلة لا يقوم واحد منهم وقد تنازعوا أمر الخلافة ورشحوا لها مرشحيها يذكرهم بالحديث وبأن أمر الخلافة قد فرغ منها وقد عين رسول الله لها بأمر ربه عليا.

أما ما أورده المؤلف الفاضل من تطاول الأنصار للخلافة بعد تيقنهم من انصرافها عن مستحقها علي عليه السلام لما يعلمون من حسد العرب له وقريش خاصة فلا يمكن ان يقبله العقل لأن استحالة نصب علي للخلافة للأسباب المذكورة إذا كانت لم تغب عن فطنة الأنصار فقد كان الأولى ان لا تغيب عن فطنة رسول الله وهو المؤيد بالوحي فلا يأمر امته بأمر يعلم سلفا انهم لا يطيعون فيه فيعرضهم بذلك الى غضب الله وتذهب جهوده طيلة حياته في هدايتهم سدى.

١٧٥

أما قول أحد الأنصار:( لانبايع إلا عليا) فلا يخرج عن كونه ترشيحا لعلي من قبل أحد المسلمين ولا ينكر أحد أهلية علي عليه السلام لهذا الترشيح إذ ان الرجل لم يحتج بحديث الغدير أو آية قرآنية دالة على وجوب نصب علي.

٤ - استدل المؤلف الفاضل بتأمير اسامة بن زيد وتخلف وجوه المهاجرين وفيهم ابو بكر وعمر وأبو عبيدة عن اللحاق بجيشه على الرغم من تشديد النبي عليهم في الخروج على رغبة الرسول في إبعاد من يطمع في الخلافة عن المدينة وفي تهيئة المسلمين لقبول( قاعدة الكفاية).

إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم تكن تأخذه في الحق لومه لائم وهذا التدبير أشبه بتدبير الضعفاء منه بتدبير الأنبياء فمن كان يدري النبي وقد تمت البيعة لعلي في غياب جيش اسامة ووجوه المهاجرين والأنصار ان القائد وجيشه وقد علموا بوفاة النبي وبالغاية التي ارسلوا من أجلها في ذلك الظرف الحرج وبنفاذ المؤامرة في تعيين علي للخلافة، من كان يدريه انهم لا يولون الخلافة من يريدون وليس في عنقهم بيعة لأحد ثم يحتلون المدينة بالقوة ويعود التدبير الذي ظنه المؤلف الفاضل حكيما شرا على المسلمين جميعاً فان من يخالف أمر النبي وهو في المدينة لا يعجزه ان يخالفه وهو في جيش يؤيده في رأيه.

إن حياة الرسول صلى الله عليه وآله كلها تدل على أنه لم يكن يرهب القوة في سبيل نشر الدعوة وتبليغ أوامر الله فقد كان في مكة

١٧٦

وحيدا وفي قريش أمثال عمر وأبي لهب وأبي جهل فلم يمنعه ذلك من تسفيه أحلامهم والكفر بآلهتهم وفعل كل مامن شأنه استجلاب غضبهم فاذا كان الله قد أمره بقوله:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) بتعيين علي للخلافة فلا عمر ولا غيره كان يمكن ان يحول بين رسول الله وتنفيذ أمر الله وما كان يمكن أن يترك النبي تنفيذ هذا الأمر الذي فيه صلاح الدين وبقاؤه إلى أحاديث تحمل معاني مختلفة وتدابير يذهب في تأويلها كل واحد مذهبا فأمر الخلافة كما تعتقدون من اسس الدين فكان يجب وقد علم النبي بدنو أجله وعلم كذلك لما ينتظر امته من فتن كقطع الليل المظلم ورأى مواقع الفتن خلال بيوت المدينة كمواقع القطر يجب وقد علم كل ذلك أن يأخذ البيعة لعلي في حياته ويتخذ من التدابير ما يحول بين امته وبين الفتن وهو قد بعث رحمة للعالمين وإلا فليس نبي اضيع جهدا منه فقد اذهب حياته في هدى امة ما لبثت ان أخذت طريقها من بعده الى النار.

٥ - حديث (هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ابدا). لاشك في وضعه أبدا على الرغم من رواية ائمة الحديث له إذ لايخلو أن يكون ما أراد النبي كتابته حديثا أو قرآنا وقد ظل النبي ثلاثاً وعشرين سنة يتحدث ويوحى اليه بالقرآن فلم نره أمر بكتابة شيء من الحديث أما القرآن فلم يكن النبي يقول( هلموا أكتب لكم) بل كان يخبرهم بنزول

١٧٧

الوحي عليه ويأمر كتبة الوحي بتدوين ما نزل عليه فاذا كان ما أراد يكتبه قرآناً فلماذا لم يدع كتبة الوحي ليضيفوه الى القرآن أو لماذا لم يتله على الحاضرين على انه قرآن كما كان يفعل فيحفظه عنه الصحابة كما كانوا يحفظون عنه القرآن فلا يتأتى لأحد الشك فيه ولم يكن لعمر حق منع الوحي من النزول ولم ينكر أحد جواز نزول الوحي على النبي في مرضه. أما إذا كان حديثا فمتى يا ترى أمر النبي بكتابة الحديث وما الحاجة الى كتابة هذا الكتاب إذا كان كل مافيه هو التأكيد على امامة علي عليه السلام؟ ألم يسبق أنَ نص النبي على امامته يوم الغدير ومن نسى حديث الغدير أو أنكره على قرب العهد به فهو لما في الكتاب المزمع كتابته أشد نسيانا ونكرانا.

ثم من هو عمر هذا الذي يأمر وينهى ولا يستطيع أحد مخالفته حتى رسول الله يمنعه عمر من أن يرشد المسلمين إلى أهم أمر من أمور الدين بعد التوحيد.

لقد كان عند رسول الله صلى الله عليه وآله علي وعبد الله بن العباس وغيرهما من وجوه بني هاشم ولم يزد عمر على أن رأى رأيا حين قال: (إن الرجل قد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله). فلو كان الأمر من الأهمية بحيث كان ابن عباس يبكي حتى يبل الحصباء كلما ذكر ذلك لكان وجب أن يأمر رسول الله باخراج عمر من عنده ويصر على املاء ما أراد املاءه بمحضر ممن يثق بأمانتهم ولو كان الأمر متعلقا بأمرجوهري من

١٧٨

امور الدين لما جاز الله أن يعدل عن تبيانه لمجرد اعتراض عمر وإلا لترتب على ذلك ان النبي صلى الله عليه وآله كتم كثيرا مما كان يريد تبليغه خشية عمر وغيره ولا أظن أن مؤمنا يقول بذلك.

٦ - إن ما نسب الى الامام علي عليه السلام بعد تمام البيعة لأبي بكر يدل دلالة صريحة على عدم ثبوت حديث الغدير آنذاك فان قول الامام: (احتجوا بالشجرة واضاعوا الثمرة). وقوله لأبي بكر: (أفسدت علينا أمرنا ولم تستشر ولم ترع لنا حقا) لايدل إلا على انه كان يرى نفسه أحق بالخلافة من أبي بكر وليس ذلك بعجيب، فعلي من عرفه المسلمون ربيب رسول الله وزوج الزهراء وأبو الحسنين وأتقى الناس لله فلا غرو إذا رأى نفسه أحق بالخلافة من غيره ولكن اعتقاد الاحقية في الخلافة شيء وعد استخلاف غيره إغتصاباً لحقه ومروقاً من الدين شيء آخر فاننا لازلنا نرى ترأس المفضول على الأفضل في جميع الأزمان والسلطة كالرزق حظوظ وحتى في أيامنا ليس انتخاب نائب عن منطقة على فرض حرية الانتخاب دليلا على ان المنتخب هو خير أهل المنطقة.

ثم ما معنى انصراف وجوه الناس عنه بعد موت الزهراء عليها السلام فاذا كان قد اجتمع اليه قبل موت الزهراء إنما اجتمع لأنه آمن بحديث الغدير واعتقد ان البيعة لغيره ضلال لما جاز أن يتغير بموت الزهراء وإلا لثبت أن إجتماعه

١٧٩

إلى علي عليه السلام لم يكن من أجله هو ولا ايمانا بوجوب امامته بل اكراما للزهراء فلما دعاها ربها الى جواره انتفى السبب الذي كان يربطه بعلي.

ثم انظر رحمك الله إلى قول الامام: (فنظرت فاذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم على الموت). كيف يعقل ان امة قال الله فيها( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ) تعلم من أمر دينها ان عليا أمامها لايجوز العدل عنه إلى غيره ولا يتم الايمان إلا بأمامته لا يبقى فيهم من ينهي عن المنكر وأي منكر أعظم من مخالفة صريح أمر النبي والعدول بالخلافة الى غير مستحقها حتى لم يبق منهم من يؤيد عليا غير اهل بيته وليتني اعلم فيم باع كل هؤلاء الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه مرارا وتكرارا دينهم، أمن أجل سواد عيني أبي بكر وعمر فقط أو يكون بغض علي قد بلغ بهم حدا هوٌّن عليهم دخول النار؟

٧ - ألا ترى تناقضا بين قولي الامام: (لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم)، وبين قوله: (فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام يدعون الى محق دين محمد فخشيت ان لم أنصر الاسلام وأهله ان ارى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكلم).

فهو عليه السلام يود مرّة لو يجد أربعين ذوي عزم

١٨٠