السقيفة

السقيفة0%

السقيفة مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 211

السقيفة

مؤلف: العلامة المجدد الشيخ محمد رضا المظفر
تصنيف:

الصفحات: 211
المشاهدات: 43433
تحميل: 12205

توضيحات:

السقيفة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 211 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43433 / تحميل: 12205
الحجم الحجم الحجم
السقيفة

السقيفة

مؤلف:
العربية

ليناهض بهم القوم ومرة يرى وجوب نصرهم ويحشرهم مع أهل الاسلام، أو تراه لو وجد أربعين ذوي عزم ثم ناهض بهم القوم أما كان ذلك هدما للاسلام أو ثلما له، إذ من كان يضمن النصر له فالأمة مجمعة على ان جيش يزيد كان مبطلا وكان جيش الحسين محقا ومع ذلك جاء الباطل وزهق الحق. وإذا صح أن مالكا بن نويرة قد رفض بيعة أبي بكر لأنه لم يرى البيعة إلا لعلي أما تكون الحجة قد قامت بوجود الناصر فلا شك ان مالكا كان من ذوي العزم الذين كان الامام يود وجودهم.

ثم كيف يتفق قوله: (فخشيت إن لم أنصر الاسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما)، مع ما ذهب اليه المؤلف الفاضل من تقاعسه عن نصرة الخلفاء وعدم التعاون معهم إلا بمقدار، فان كل معاونة باليد او باللسان نصر للاسلام وأهله وأي تباطؤ عن ذلك ثلم له.

فلو علم الامام عليه السلام ان الاسلام يعزٌّ بالعمل الفلاني أو القول الفلاني ثم احجم عن الفعل أو القول لكان خاذلا للاسلام ولأهله.

ولم أر في عيوب الناس عيبا

كعيب القادرين على التمام

لذلك فأنا أشك في صحة نسبة الأقوال المذكورة للامام فأبو الحسن أجل في نفسي من ذلك ليس هو دون خالد بن الوليد حين

١٨١

قال وقد عزله عمر عن امرة الجيش:( لم أكن احارب من أجل عمر) فلم يكن الاسلام ملكا لأبي بكر وعمر أو غيرهما حتى يتباطأ أبو الحسن عن نصرتهما.

أما عدم ورود ذكره في الحروب التي جرت على عهد الخليفتين الأولين فلا يدل ذلك على عدم تعاونه معهما تعاونا صادقا تاما في كل ناحية من نواحي العمل وإلا فأين الحروب التي اشترك فيها عمر وعثمان وطلحة والزبير في زمن أبي بكر وهل يدل عدم ذكر اسمائهم على عدم معاونتهم له معاونة صادقة.

وبعد فهذه ملاحظات عابرة أحببت أن ادونها تزجية للوقت وقد يكون لها أجوبة مقنعة أنا أجهلها.

وأرجوا أن تتهيأ لي فرصة الاجتماع بالمؤلف الفاضل الذي أرجو أن تبلغه اعجابي وتحياتي فنتوسع فيما اجملته هنا.

واسلم لمحبك

عبد الله الملاح

الشنافية ٣ ربيع الثاني ١٣٧٣

١٨٢

نص رسالة الشيخ المظفر رداًعلى رسالة الاستاذ الملاح

إلى حضرة الأخ الفاضل عبد الله الملاح المحترم

اهدي تحياتي العاطرة

اطلعني الأخ قرة العين (الغبان) على رسالتكم اليه المؤرخة ٣ ربيع الثاني ١٣٧٣ فقرأت فيها الأدب الجم والتواضع المستحب والرغبة في الركون إلى الانصاف في القول. وهذا ما كنت اتوقعه بعد ان كان قد عرفك إلي (الجواد) من قبل.

ولأجل ان لا تفوتني فرصة التعرف اليك فضلت أن احرر بنفسي الجواب عن رسالتك وسامحني إذا تأخرت اياما اقتضتها طبيعة أشغالنا هذه الأيام.

وقبل كل حديث احببت أن أذكر للأخ ان كل بحث وسؤال يمكن ان يعقب ويجاب عنه إذا استعمل الاسلوب الخطابي بمهارة، عندما تكون العاطفة تأخذ أثرها في الجدل، غير اني ارجو من الله تعالى أن يعصمني ويعصمك من ان تطلع رأسها خلال هذه الأبحاث التي يجب ان يتبع فيها الحق للحق.

وعلى ذكر العاطفة فانك رعاك الله بعدما تفضلت من الثناء العاطر على كتاب السقيفة وصاحبه بما يعبر عن سمو نفسك

١٨٣

واخلاقك قلت: (ولكنه آثر ارضاء عقيدته فلم يلتزم بما أوجبه على نفسه اولا من الحياد التام). صحيح إني لم يظهر على بحثي الأخير الحياد التام بل ولا الحياد الناقص، ويجب ان اعترف بذلك، ولكن ما حيلتي إذا كان منطق البحث هو الذي ساقني الى ذلك. فلم أشأ أن اغالط القارئ أو اخادعه فيما توصلت اليه من رأي. ولو كان البحث قد ساقني الى الانحراف عن هذا الطريق لما عدوته. وحينئذ اتبع مسلكا آخر في اسلوب التأليف أو نشره. والله المطلع. على السرائر وهو الشاهد إذا كان ماأمليته بدافع العاطفة ولو بنحو لا شعوري. ولا ابرئ نفسي كما قلت في مقدمة السقيفة إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما عصم الله.

ولا اطيل في المقدمة، فأقول ما عندي باختصار في الأبحاث التي أثرتها

البحث الأول

١ - انك شككت في صحة حديث الغدير، لأن البخاري ومسلماً لم يروياه في كتابيهما. وإني لملتجئ أن اصارحك انه لا يضر هذا الحديث المستفيض بل المتواتر انهما لم يروياه بشخصهما، ولا سيما بعد أن استدركه عليهما الحاكم في المستدرك (١٠٩:٣) و(٣٨١:٤) واكثر من ذلك صححه على شرطهما وكذلك في كنز العمال (٣٩٠:٦).

ثم هل تدري يا أخي كم ترك البخاري ومسلم من احاديث

١٨٤

صحيحة على شرطهما استدركت عليهما؟ ويكفي ان تراجع مستدرك الحاكم. والله اعلم لماذا تركا هذا الحديث ونحوه! وأرجو الاتذهب بك الثقة بصحيحي البخاري ومسلم هذا المذهب. حتى تجعل عدم روايتهما لحديث سببا في الطعن بذلك الحديث. فقد رابني منهما ما يريب كل منصف طالب للحق، فانهما لم يرويا أبدا ولا حديثا واحدا عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، ولئن لم يكن اماما فعلى الأقل هو أوثق وأجل وأعلم فقهاء عصره؟ بل لم يرويا عن أبنائه الأئمة كلهم.وماأقل ما روياه عن آبائه حتى عن علي أمير المؤمنين عليه السلام وهو من تعرف.

هذا كله في وقت قد اكثرا من الرواية عن جماعة كثيرة هم محل الريب بل الطعن فضلاً عن المجهولين. ولو وسع الوقت وهذه الرسالة العابرة لذكرت لك العشرات من هؤلاء الرواة. ولا محيص من أن أذكر لك جماعة منهم على سبيل المثال لتعرف اني على حق فيما قلت ولك علي أن لا أنقل إلا من علماء ورجال من أهل السنة لتطمئن إلى قولهم:

فمن هؤلاء الرواة (احمد بن عيسى المصري) فقد ذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب والذهبي في ميزان الاعتدال: ان ابن معين حلف عن احمد هذا انه كذاب. ونقل في التهذيب عن أبي زرعة انه انكر على مسلم روايته عن احمد هذا في الصحيح قال:( هؤلاء قوم يعني مسلما ونحوه أرادوا التقدم قبل أوانه فعملوا شيئا يتشرفون به) وقال:( يروي يعني مسلما عن احمد في الصحيح ما رأيت أهل مصر يشكون في انه...) وأشار إلى لسانه يعني انه يقول الكذب.

١٨٥

و (منهم) اسماعيل بن عبد الله بن اويس، فقد نقل في هذين الكتابين المتقدمين اعني التهذيب والميزان: (ان ابن معين قال عنه: لايساوي فلسين. وقال ايضا: هو وأبوه يسرقان الحديث) ونقلا غير هذا من الطعون الشديدة فيه.

و (منهم) عبد الله بن صالح المصري طعن فيه في التهذيب والميزان نقلا عن ثقاة العلماء بأنه يكذب وليس بشيء وليس بثقة، وقال في الميزان:( روى عنه البخاري في الصحيح ولكنه يدلسه فيقول عبد الله ولا ينسبه) فانظر واعجب.

و(منهم) عمران بن حطان السدوسي الخارجي المعروف، وقد روى عنه البخاري وقد أكثر علماء الرجال من الطعن فيه، وهو المادح لابن ملجم بقوله المشهور:

يا ضربة من تقى ما أراد بها

إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

و(منهم) عنبسة بن خالد الذي كان على خراج مصر وكان يعلق النساء بالثدي، فقال عنه يحيى بن كثير كما في التهذيب والميزان:( إنما يحدث عنه مجنون أو أحمق لم يكن موضعا للكتابة عنه).

و(منهم) محمد بن سعيد الكذاب المشهور الذي صلبه أبو جعفر على الزندقة قال في الميزان:( روى عنه ابن عجلان والثوري ومروان الفزاري وابو معاوية والمحاربي وآخرون، وقد غيروا اسمه على وجوه ستراً له وتدليساً لضعفه) إلى أن قال أحد العلماء:( قلبوا اسمه على مائة

١٨٦

اسم وزيادة قد جمعها في كتاب) ثم قال الميزان:( قد اخرج عنه البخاري في مواضع وظنه جماعة).

و(منهم) هشام بن عمار خطيب دمشق ومحدثها وعالمها قيل عنه: انه حدث بأربعمائة حديث لاأصل لها، وقيل عنه غير ذلك.

ومنهم... ومنهم... وما أدري ماذا احصي لك من رواة الصحيحين على هذه الشاكلة. قيل لمسلم كما في التهذيب والميزان بترجمة سويد بن سعيد الهروي -:( كيف استجزت الرواية عن سويد)؟ فقال:( ومن أين آتي بنسخة حفص بن ميسرة!). بالله عليك ايصلح هذا عذرا في الرواية عن الضعفاء ممن اشترط على نفسه انه لا يروي إلا عن ثقة مأمون، وعند جعفر بن محمد الصادق وابنائه وآبائه من العلم والحديث ما طبق الخافقين وما يغنيه عن امثال سويد وحفص؟ أفلا يساوي أهل البيت عنده امثال أولئكم الضعفاء المطعون في صدقهم؟. بالله عليك أيأخذ الانسان المؤمن الموقن دينه من هؤلاء الرواة وأمثالهم ويوثقهم ثم يترك آل البيت! أي عذر يتخذه الانسان يلاقي به ربه يوم الحساب إذا كان ممن يعتقد بالله وبيوم الجزاء ويريد مخلصاً أن يخلص إلى الحق الصريح إلا اذا أراد أن يخادع نفسه أو يداهن في دينه؟

٢ - وأما قولك: (ان في سند الحديث من طعن فيه) فأظن يكفينا مراجعة الجزء الأول من كتاب الغدير لنعرف ان الطعن مهلهل لاسيما بعد أن نعرف ان الحديث ليس له سند واحد يبقى مجال معه للطعن، بل هو مستفيض إن لم يكن متواترأً، على أنه قد روى بسند صحيح على

١٨٧

شرط الشيخين مسلم والبخاري كما نقلت لك عن مستدرك الحاكم وكنز العمال.

٣ - وأما حديثكم عن تدوين الحديث عامة كالقرآن، فان صريح القول فيه عندي الذي ادين به ربي ولا اغالط نفسي انه ثبت من طرق الطرفين الصحيحة(١) التي لاريب فيها ان نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال:( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً. ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض).

فقد قرن الهداية (ابدا) بالتمسك بهما معاً لا بالتمسك بواحد منهما فكل حديث لا يرجع الى الثقل الثاني لا أجد مجالا للتمسك به إلا إذا كنت لا أفهم الكلام العربي المبين أو أغالط نفسي.

دقق النظر ياأخي في هذا الحديث الجليل تجد ما يدهشك في مبناه ومعناه، فما أبعد المرمى في قوله:( لن تضلوا بعدي ابدا) ولكن بشرط إذا تمسكنا بهما(بهما) لا بواحد منهما فقط. وما أوضح المعنى في قوله:( لن يفترقا) فمن فرق بينهما أيجد الهداية يا تٌرى؟

وعلى هذا نستطيع أن نتنبه لماذا لم يأمر صلى الله عليه وآله بتدوين الحديث كالقرآن، فقد كفاه انه(ترك) لنا الثقل الثاني الذي هو عدل القرآن

______________________________

(١) ومسلم قد رواه في صحيحة في فضائل علي من عدة طرق إذا كنت لا تصدق إلا بمسلم والبخاري.

أما البخاري فلم يروه ولكن الحاكم استدركه عليه (١٠٩:٣).

١٨٨

الكريم حسب تعبيره وأمر بالتمسك به مقروناً بالتمسك بالثقل الأول(القرآن)، فهو الذي يكفل لنا دين النبي وقوانينه من وقوع الضلال فيها أبدا(أبدا) ما إن تمسكنا به مع القرآن، وهو الذي يبين لنا كل ما أجمل في القرآن وما نزل من أحكام وما جاء من قوانين لا( الحديث).

ولا يبقى بعد هذا مجال لمن قال أو يقول:(حسبنا كتاب الله) فانه لو كان( حسبنا) وفيه الكفاية لما قرنه النبي بعدله الثقل الثاني. أليس كذلك يا قرة عيني؟

واستطيع ان اخلص من هذا الكلام الى موافقتك (موافقتك أنت) انه لايصح الاعتماد على(الحديث) لانه ليس بعدل للقرآن وإلا لو كان الحديث المعمول به عند الناس طريقا الى اثبات الوحي الإِلهي لكان النبي يأمر كما قلت بتدوينه كما أمر بتدوين القرآن. بل ازيدك بأنه لم يقرن صلى الله عليه وآله الحديث بالقرآن ولم تأت بذلك رواية معتبرة ولا آية، بل اكثر من ذلك قد اخبر عن كثرة الكذابين عليه بعده وحذرنا منهم، ولم يرو عنه انه شجع على الحديث عنه.

وهنا اعيد كلامك السديد فأقول معك: (أفيمكن ان يبني دين موحد على حديث يصدقه اناس ويكذبه آخرون). إذن فليسقط (الحديث) من اعتبارنا جملة، ولكنا إنما نستدل به لنتخذه حجة على من يراه حجة عنده من باب الزام الخصم بما يعترف به، فان تنازل الخصم عن حجية الحديث وانكره جملة، قلنا له: بماذا تثبت تفاصيل الأحتكام وخصوصياتها فان القرآن فيه المجمل والمبين والمتشابه والمحكم والعام والخاص والناسخ والمنسوخ وليس فيه تفاصيل الأحكام

١٨٩

وخصوصياتها، فهذه الصلاة مثلا من أين تعرف أوقاتها وفرائضها وركعاتها وأجزائها وشرائطها ومقدماتها وما يتصل بها من أحكام لا تحصى؟

فهل ترجع إلى اعتبار الحديث مرة اخرى؟

أم تلتجئ عندئذ إلى الاعتراف بالثقل الثاني الذي أرجعنا اليه النبي صلى الله عليه وآله مع القرآن.

أم ماذا؟

٤ - قولك سدد الله قولك:( لايعقل أن يترك أمرها أي الخلافة إلى حديث كحديث الغدير)، فيا قرة العين ليس الأمر منحصراً بحديث الغدير حتى يتم استغرابك فكم هي الأحاديث والآيات كما قرأت بعضها في السقيفة وهي يؤيد بعضها بعضاً ويفسر بعضها بعضاً إذا كان الواحد منها لايكفيك.

أما وصفك لحديث الغدير بأنه (لاتكاد الصحابة تسمعه حتى ينساه أكثرهم ويذهب في تأويله الآخرون مذاهب مختلفة) فاني أجلك من هذا الكلام فانه ما على النبي من ضير أن تنسى حديثه الصحابة أو تتأوله، بل ترك أمر الخلافة إلى الصريح الفصيح من الكلام وبلغهم وإذا كانوا نسوه فالعيب فيهم لا في الحديث، على أنا لابد أن نقول: انهم تناسوه لانسوه، ومن أين علمنا بأنهم نسوه.

وأما الذين ذهبوا المذاهب المختلفة في تأويله فاولئك قوم من المتأخرين وليس هم الصحابة كما يشعر به قولك وذلك لما ضاقوا

١٩٠

ذرعا في الطعن في سنده فاضطروا لتأويله بالتأويلات التي تعرفها.

٥ - وأما آية( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ ) فصحيح ما قلت فيها على ما اعتقد انه لم يعهد التعبير في الكتاب العزيز عن المفرد بالجمع. وازيدك انه لو كان المراد التعبير بالجمع عن المفرد لقال(الذين أقاموا... وآتوا...) . والتعبير المضارع(يقيمون... ويأتون..) دليل على أن المقصود بها قاعدة كلية. وبتعبير منطقي تعرفه إذا كنت درست علم المنطق ان هذه حقيقة معناها ان كل من فرض فيه انه وقع منه هذا العمل أو يقع فهو ولي للمؤمنين ولاية كولاية الله ورسوله، لاقضية شخصية مشار بها إلى شخص أو أشخاص مخصوصين موجودين في الخارج، وإلا لوجب ان يقول بصيغة الماضي أقاموا وآتوا.

وعليه فالمقصود بالآية الكريمة ان كل مؤمن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة وهو في حال ركوعه فهو له الولاية العامة التي كولاية الله ورسوله. وعلى هذا تكون الآية كبرى كلية لا يتألف منها وحدها القياس المنطقي ولا تنتج شيئا إلا إذا عرفنا الصغرى لها، ولا يمكن الاستبدال بها وحدها مجردة بدون ضم الصغرى لها، وليس منطوقها إلا كمنطوق القوانين العامة مثل ان يقول القانون (كل من يحمل الشهادة الحقوقية له الحق أن يعين حاكما) فإن هذا القانون لا ينفعنا في معرفة الأشخاص الذين يحملون الشهادة بل لابد من الخارج ان نعرفهم بأشخاصهم لنعطي لهم هذا الحق.

وبهذه المقدمة نخلص إلى معرفة وجه الاستدلال بالآية على ولاية

١٩١

علي، وذلك بضميمة الصغرى أي بضميمة معرفة نزولها، وقد ثبت انها نزلت في علي عندما تصدق بخاتمه وهو في حال ركوعه، فتشخصت هذه القاعدة الكلية فيه باعتبار انها نزلت فيه. ولم يعهد من غيره من الصحابة من آتى الزكاة وهو راكع لاقبله ولابعده، فانحصر هذا الكلي في فرد واحد بحكم نزول الآية فيه.

وأما الحكمة في التعبير بهذه القاعدة الكلية فلبيان ان علياً بالاستحقاق نال هذه المنزلة من الولاية لصدور هذا العمل منه الذي يعطي له هذا الحق، والمفروض انه لم يقع من غيره فتنحصر فيه هذه الولاية من دون باقي الصحابة.

٦ - أما آية(المباهلة) فأظن ان ما ذكرته عنها ستتراجع عنه عندما تعيد التأمل فيه فإنه قول غريب منك مع ذكائك وفطنتك، لأنه واضح ليس المقصود من انه نفسه انه هو على وجه تبطل الاثنينية حتى يترتب عليه انه لايجوز ان يتزوج علي ببنت محمد صلى الله عليه وآله باعتبار انها تكون ابنته ايضا، فان هذا لايتوهمه عاقل ولايتوقف عليه الاستدلال، فان محمداً محمد وعلياً علي هما شخصان اثنان احدهما ابن عم الآخر وأحدهما ولد قبل الآخر ومات قبله، ولكل منهما مميزاته الشخصية التي تختلف عن مميزات شخصية الآخر، بل المقصود انه نفسه تنزيلا أي انه كنفسه وذلك مبالغة في تقاربهما واتحادهما في كثير من الأحكام المنزلة. وذلك يشبه قول الشاعر في مبالغته عن اتحاده مع حبيبه.

أنا من أهوى ومن أهوى أنا

نحن روحان حللنا بدنا

١٩٢

فاذا أبصرتني أبصرته

وإذا أبصرته أبصرتنا

في البحث الثاني

قلت: (إذا صح أن النبي صلى الله عليه وآله قد نص على الأئمة الاثنى عشر بعد ان فقد ابنه ابراهيم) لايا أخي لم يدع أحد أن النص على الأئمة كان بعد فقد ابراهيم ولم يصح فيه حديث، فمن أين جئت بهذا. ولابأس أن ألفت نظرك إلى ان هناك آية قرآنية اخرى نظير التي ذكرتها وهي قوله تعالى:( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) فماذا تقول فيها(١) ؟

وهلا تدري أن النبي لما نزلت هذه الآية( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) جمع عشيرته واستنصرهم وجعل لناصره ان يكون اخاه ووصيه ووارثه وخليفته من بعده وكان علي صبيا فأجابه دونهم فقال في حقه: (إن هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له واطيعوا) فخرجوا يتضاحكون من تأميره هذا الغلام على شيوخ قومه وفيهم

______________________________

(١) وما ذكرت انها آية فلا وجود لها بنصها، وإنما بمضمونها آيات نزلت في نوح وهود وصالح وشعيب ولوط عليهم السلام.والنازلة على لسان نبينا إنما هي آية القربى وآية اخرى في سبأ ٤٧( قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ ) وهما يفسر

١٩٣

ابوه. بالله عليك كم سبقت هذه الواقعة في الزمن مولد ابراهيم. وتأمل في صبي لم يبلغ الحلم يقال له هذا القول من نبي لايقول إلا عن وحي. أهذا جد أم هزل؟. تأمل في هذا وحكم وجدانك واعرضه على انصافك وأوله ماشئت أن تأوله فانك لامحالة ستجد هذا الصبي أكبر من أن يقاس إلى الناس وقد أمر من يومه ذاك في مبدأ البعثة، ثم فكر في قول من يقول انه لاقيمة لاسلامه يومئذ وهو لم يبلغ الحلم كم يبلغ من درجة الانصاف وقول العدل وقوة الحجة.

في البحث الثالث

١ - ذكرت ان الأنصار ساعة الاحتضار كانوا مجتمعين في السقيفة وجعلت دليلك مجيء معن وعويم إلى دار النبي لاخبار أبي بكر وعمر. ولكن الدعوى منك غريبة لاشاهد لها من التأريخ، والدليل أغرب، لأنه في ساعة الاحتضار كان أبو بكر في السنح وما جاء الى المدينة إلا بعد ان بلغه وفاة النبي فجاء إلى دار النبي فكشف عن وجهه صلى الله عليه وآله وسلم على ما ذكره بعض المؤرخين ثم ذهب إلى المسجد حيث وجد عمراً يخطب الناس بأن النبي لم يمت، ومن المسجد بعد أن هدأت سورة عمر ذهبوا إلى دار النبي ولابد أن الأنصار حينئذ انسلوا إلى سقيفتهم.

٢ - استغربت من الأنصار أن يتنكروا للنص على علي، ولكن

______________________________

احداهما الاخرى، ويدلان على انه صلى الله عليه وآله سأل اجرا هو المودة في القربى، ولكنه للمسلمين أي نفعه لهم.

١٩٤

اعتقد ياعزيزي لو انك رجعت الى ماذكرته في السقيفة عن دوافعهم على تنكيرهم لكان لك مقنعاً كافياً.

وأما قولك: (فقد كان الأولى أن لا تغيب عن فطنة رسول الله وهو المؤيد بالوحي فلا يأمر بأمر امته يعلم سلفاً بأنهم لا يطيعون فيه فيعرضهم بذلك إلى غضب الله...) فاني أقول كيف يغيب عن فطنتك قوله تعالى:( فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) . وقوله:( إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ ) . وقوله:( فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَـسَرَاتٍ ) وأمثال ذلك في القرآن كثير. وفي الحقيقة ان الرسول عليه ان يبلغ الأمر الإلهي وليس عليه أن لا يطيعه الناس. ولا يصح أن يتنازل عنه لمجرد انه يعلم سلفا انهم لايطيعونه. وإلا لوجب ان يترك كثيرا من الأحكام كلها لأنه يعلم سلفا انهم كلهم أو بعضهم لا فرق لايطيعونه. ومن المواقع التي يعلم سلفا انهم لايطيعونه فيها ومع ذلك بلغها قوله تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) فانه اجمع المفسرون وأهل الحديث انه لم يعمل بهذا الحكم إلا علي عليه السلام(١)

يا عزيزي إن الله تعالى يقول:( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) ثم يقول عن المؤمنين بالخصوص:( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّـهِ إِلَّا وَهُم مُّـشْرِكُونَ ) فاذا كان تعالى يعلم سلفاً ورسوله يعلم سلفاً ان الناس اكثرهم لا يؤمنون وأن يؤمنون اكثرهم في ايمانهم مشركون، فيكون على قولك ارسال الرسل وتبليغ الأحكام للناس من قبلهم تعريضاً

______________________________

(١) هذا الحديث مما ترك روايته البخاري ومسلم أيضاً واستدركه عليهما =

١٩٥

لاكثر الناس واكثر المؤمنين منهم إلى غضب الله وتذهب جهود الرسل في هدايتهم سدى.

أهذا هو المنطق ياقرة عيني؟ أيترك الله دينه واحكامه لسواد عيون الناس لأنه يعلم سلفاً انهم يعصونه؟ لا يا أخي إن الحق يجب ان يبين والحكم يجب ان يوضح سواء أطاع الناس أم عصوا وما على الرسول إلا البلاغ.

في البحث الرابع

قلت عن بعث اسامة: (ان رسول الله صلى الله عليه وآله لم تكن تأخذه في الحق لومة لائم وهذا التدبير أشبه بتدبير الضعفاء). وأقول: نحن بعد أن تثبت عندنا النصوص على علي فانا نعرف كيف لم تكن تأخذ ه

في الحق لومة لائم، فقد بين وأوضح وكرر وأكد، ولكنه بعد ان اتضح لديه ان كل هذه التأكيدات والبيانات ستخالف على كل حال وان هناك جماعة سوف لاتطيع الأمر في علي فأراد أن يبعدهم عن المدينة بهذه الطريقة. وليس هذا من تدبير الضعفاء بل من التدبير الحكيم بعد أن نعرف ملابسات الواقعة كما أوضحناها في كتاب السقيفة.

نعم نتصوره من تدبير الضعفاء إذا نحن أنكرنا تلك النصوص على علي وتصريحات النبي في حقه وأنكرنا ان المسلمين يوم

______________________________

= الحاكم على شرطهما (٤٨٢:٢) مع الاجماع على نقله فلماذا تركه الشيخان؟

١٩٦

الغدير سلموا عليه بأمرة المؤمنين. نعم إذا انكرنا تلك النصوص جملة وتصورنا أن النبي أراد البيعة لابن عمه سراً فدبر ذلك التدبير الخفي لأبعاد خصومه فلا نتصور النبي حينئذ وحاشاه إلا جباناً ضعيفاً يريد أن يخاتل المسلمين في ابن عمه ولكن ياأخي كل هذا التدبير إنما يكون مقبولا حكيما إذا كان قد وقع بعدما اعلن أمر ابن عمه فلم تنفع معهم كل تلك التوضيحات وعلم اصرارهم على المخالفة فأرسل هذا البعث، وإن لم ينفذوه فقد أقام به الحجة البالغة عليهم، والا فلماذا خالفوا أمره فيه ولماذا تباطؤا واعترضوا على تأمير اسامة؟ وقد بسطنا كل ذلك في كتاب السقيفة.

ولايشك التاريخ في وقوع البعث ولا في تأخر المبعوثين عن تنفيذه ولا في تألم النبي منهم وغضبه عليهم واصراره عليه مرة اخرى. ولا يصح تفسير ذلك بغير ما ذكرنا إلا إذا كنا ننكر النصوص على علي جملة، فهذا أمر آخر ولا كلام لنا مع هذا المنكر فان مثله لايستطيع أن يستسيغ هذا التفسير قطعاً.

أما تقديرك أن جيش اسامة هذا لورجع بعد ان يفتح وقد وجد الأمر قد تم لعلي قد ينتقض فيحارب من في المدينة، فهذا احتمال من الجائزان يقع وأن لا يقع، ولكن لو وقع منهم فانهم يكونون كأهل الردة الخارجين على امام زمانهم يحاربون وتكون الحجة عليهم لاسيما مع سبق النصوص وبيعتهم لعلي يوم الغدير ولم يبق مجال للتأويل أو تجاهل النص على علي بعد تمام البيعة له.

في البحث الخامس

انك تشك في صحة حديث الكتاب الذي أراد النبي أن

١٩٧

يكتبه. وأنا أقول لا مجال لهذا الشك بعد ثبوته برواية أهل الحديث والتاريخ والتفسير. ولابد من التسليم به بعد ان كان متواتر النقل أو في حكم المتواتر. وأما ما ذكرت من سبب الطعن فيه ففيه كثير من فضول القول فيما يتعلق باحتمال انه كان قرآنا فانه ليس مجال لهذا الاحتمال ولا يتصوره أحد بل هو كتاب أراد أن يسجله للمسلمين لئلا يضلوا بعده فأبوا لأنفسهم هذه النعمة. وكونه بادرة لم يسبق لها مثيل منه صلى الله عليه وآله فهو صحيح ولكن لايوجب ذلك انكار للحديث وهل تعجب من النبي ان يصنع شيئا لم يسبق له نظير لاسيما وانها بادرة تقع في اخريات ايامه قصد بها أن يفارق امته عن شئ يسد عليهم باب الخلاف والضلال. ان النبي اعظم من ان تستكثر عليه مثل هذه البادرة.

وأما قولك: (ثم من هو عمر هذا الذي يأمر وينهي ولايستطيع أحد مخالفته) فهذا صحيح ولكن عمر لم يمنعه بقوة سيف أوسيطر على المسلمين أو على النبي وإنما منعه لأنه ألقى شبهة تثير الخلاف مدى الدهر وهي ان النبي كان يهجر أو غلبه الوجع ما شئت فعبر، وأقل الناس يستطيع ان يصنع ذلك لاسيما إذا وجد أعوانا وانصارا وبالفعل قد وجد عمر اولئك الأعوان إذ رأينا المسلمين الحاضرين قد اختلفوا على فرقتين، فبطل مفعول الكتاب الذي كان المقصود منه أن لايضلوا بعده أبدا كيف وقد صار هو نفسه موضوعاً للنزاع والجدال والنبي حاضر بينهم وامام عينيه حتى أغضبوه وقال: (قومواعني ولا ينبغي عند نبي نزاع). ولا يريد النبي أن ينفذ مثل هذا بقوة السيف أو العشيرة فان طبيعة الموضوع تأبى ذلك لأن هذا يزيد في الخلاف ويعقده.

١٩٨

نعم صحيح قولك: (ولم يزد عمر على ان رأى رأيا حين قال: ان الرجل قد غلبه الوجع...) ولكن هذا الرأي لابد أن يحول دون تنفيذ الكتاب لأن طبيعة الموضوع تقتضي أن يحول هذا الرأي دونه كما قلنا، فنعرف السر في عدوله صلى الله عليه وآله عن تنفيذ الكتاب ونعرف كيف جاز له العدول عنه.

وما أدري أي أمر جوهري أعظم من كتاب يؤمن الناس من الضلال ابدا، وهل المقصود من الدين شيء فوق هذا، حتى تقول أنت: (ولو كان الأمر متعلقا بأمر جوهري من امور الدين...)

وبذلك البيان تعرف ياأخي مدى قولك بالأخير (وإلا لترتيب على ذلك ان النبي صلى الله عليه وآله كتم كثيرا مما كان يريد تبليغه خشية عمر وغيره ولاأظن مؤمنا يقول بذلك) فاني اكرر القول بأن النبي انما عدل عنه لاخشية من عمر وغيره ولكن الشبهة التي أثارها وتقبلها بعض الحاضرين بالفعل فاختلفوا بحضوره لاتبقى مجالا للكتاب، لأنه بالعكس سيكون سببا للضلال والخلاف ابدا الدهور بعد ان كان المقصود منه تأمين البشر من الضلال، فلابد أن يعدل عنه روحي فداه، ولاينفع معه التدبير باخراج عمر ولا أي تدبير آخر حتى بقتله كما تقول، لأن الشبهة قد وقعت رضوا أم أبوا، وكل قول وفعل حينئذ من النبي بعد هذا يكون موضعا لهذه الشبهة بأنه من الهجر وغلبة الوجع. وحق لابن عباس وغير ابن عباس بعد هذا أن يبكي ويبكي بل حق له أن تتفطر كبده ألماً لفوات هذه النعمة الكبرى التي لا تعادلها نعمة، مهما كان مقصود

١٩٩

النبي من ذلك البيان الذي لا يضلون بعده أبدا سواء كان هو النص على علي أو على أي شيء آخر.

ونحن رجحنا ان يكون المقصود هو النص على علي للدلائل والاشارات التي ذكرناها في كتاب السقيفة ومن جملتها قول عمر: (حسبنا كتاب الله) الذي هو صريح في ان ما يريد ان يبينه النبي هو عدل للقرآن، ويسرع إلى أذهاننا حينئذ حديث الثقلين وانه هو المستهدف في البيان والمنع منه.

ثم انك تسأل عن الحاجة إلى الكتاب بعد نص الغدير وغيره، فان الحاجة اليه ما كان يستشعره النبي من عزم جماعة على تجاهل تلك النصوص كما وقع فعلا. وأما قولك: (ومن نسي حديث الغدير وانكره على قرب العهد به فهو لما في الكتاب المزمع كتابته أشد نسيانا ونكرانا) فاني لم استطيع فهمه ولم اعرف فيه وجه كون الكتاب أشد نسيانا، فان ما هو مكتوب أثبت مما ينقل على الأفواه وكيف يتطرق اليه النسيان أو النكران وهو حجة ثابته مكتوبة، على انه لو وقع يكون أقرب عهداً إلى الناس من حديث الغدير لو كان بعد العهد هو السبب في النسيان أو النكران كما اردت ان تقول.

في البحث السادس

١ - قلت: (إن ما نسب إلى الامام... يدل دلالة صريحة على عدم ثبوت حديث الغدير) وأنا استميحك عذرا إذا قلت لك: إن كلامك هذا غير فني فان ما ذكرته من قولي الامام: (احتجوا

٢٠٠