السقيفة

السقيفة0%

السقيفة مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 211

السقيفة

مؤلف: العلامة المجدد الشيخ محمد رضا المظفر
تصنيف:

الصفحات: 211
المشاهدات: 41551
تحميل: 11283

توضيحات:

السقيفة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 211 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41551 / تحميل: 11283
الحجم الحجم الحجم
السقيفة

السقيفة

مؤلف:
العربية

الصحيح الثابت عند اهل الحديث منهم الذي بلغ حد التواتر أو كالمتواتر.

والحق ان لعلي منزلة كبرى عند اخيه وابن عمه، يغبطه عليهما كل مسلم بل حسدوه عليها، ولا ينكرها إلا مكابر، حتى ان ام المؤمنين عائشة (على ما بينها وبين علي ما هو معروف)قالت فيه: (ما رأيت رجلا احب الى رسول الله منه ولا رأيت امرأة كانت احب اليه من امرأته).

وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يمجد ويرحب بصهره عند كل مناسبة من يوم ولد صهره قبل البعثة بعشر سنين الى يوم فاضت نفسه الزكية في حجره. وهذا مما لا يشك فيه مسلم، وإنما الشأن فيما يدل على العهد اليه بالخلافة فلنقرأ بعض الأحاديث الصحيحة المتواترة او المشهورة، ولننظر ماذا سنفهم منها:

١ - لما نزلت الآية الكريمة( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) جمع النبي صلى الله عليه وآله من اهل بيته اربعين رجلا في قصة معروفة - وكان ذلك في مبدأ البعثة فعرض عليهم الاسلام وضمن لمن يؤازره وينصره منهم الاخوة له والوراثة والوزارة والوصاية والخلافة من بعده فأمسكوا كلهم الا عليا، فقد اجابه وحده، فأخذ برقبته، وقال : (ان هذا اخي ووصيي وخليفتي فيكم او من بعدي على اختلاف الروايات فاسمعوا له واطيعوا). فقام القوم يضحك بعضهم الى بعض استهزاء)،

٦١

ويقولون لأبي طالب قد امرك ان تسمع وتطيع لهذا الغلام. يعنون ابنه(١) .

٢ - وفي غزوة الخندق لما برز علي الى عمرو بن عبد ود قال صلى الله عليه وآله فيه: برز الايمان كله الى الشرك كله). وذلك سنة ٥ هـ.

٣ - وفي غزوة خيبر باهى به الذين تراجعوا بالراية فقال: (أني دافع الراية غدا الى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار) فتطاولوا لها، ولكنه دفعها الى علي، وذلك سنة ٧ هـ.

٤ - ولما آخى بين المهاجرين قبل الهجرة وبين المهاجرين والأنصار بعدها بخمسة اشهر، اصطفى عليا لنفسه فآخاه، وقال له: (انت مني بمنزلة هرون من موسى غير انه لا نبي بعدي). ثم لم يزل يكرر هذه الكلمة في مناسبات كثيرة، منها لما سد الابواب الشارعة الى المسجد إلا باب علي، ومنها غزوة تبوك لما خلفه على المدينة سنة ٩ هـ. وفي رواية ابن عباس زيادة (انه لا ينبغي ان اذهب إلا وانت خليفتي)(٢) .

______________________________

(١) من الغريب ما صنعه الاستاذ محمد حسين هيكل. اذ يذكر هذه الحادثة في كتابه (حياة محمد) في الطبعة الاولى ويهملها في الطبعات الاخرى من غير تنبيه.

(٢) وصححها الحاكم في المستدرك والذهبي في تلخيصه.

٦٢

٥ - وقال له: (لايحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق). وبعد ذلك كان يعرف المنافق ببغضه لعلي.

٦ - وقال: (ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله). وبعد ان نفى ذلك عن ابي بكر وعمر قال: (ولكنه خاصف النعل) وكان علي يخصف نعل رسول الله ساعتئذ في الحجرة عند فاطمة.

٧ - وكان عند النبي طاير طبخ له ، فقال: (اللهم آتني بأحب الناس اليك يأكل معي) فجاء علي فأكل معه.

٨ - وقال: (أنا مدينة العلم وعلي بابها).

٩ - وقال: (أقضاكم علي).

١٠ - وقال: (علي مع الحق والحق مع علي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض).

١١ - وأثبت له غير مرة الوراثة والوصاية ، وأوضح انهما وراثة ووصاية نبوة، فقال مرة: (لكل نبي وصي ووارث وإن وصيي ووارثي علي بن ابي طالب)(١) . وقال له علي مرة:

______________________________

(١) راجع ميزان الاعتدال في ترجمة شريك. وقال عن راوية محمد بن حميد الرازي ليس بثقة مع أنه قد وثقه احمد بن حنبل وابو القاسم البغوي والطبري وابن معين وغيرهم. ونقل هذا الحديث عن السيوطي في اللآلئ وعن الحاكم.

٦٣

(ما أرث منك). قال صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما ورث الأنبياء من قبل كتاب ربهم وسنة نبيهم)(١) .

١٢ - وقال سنة ٨هـ :( إن عليا مني وأنا من علي لا يؤدي عني إلا أنا وعلي).

١٣ - وقال:( إن عليا مني وأنا من علي، وهو ولي كل مؤمن بعدي).

١٤ - وقال:( انت ولي كل مؤمن بعدي).

١٥ - وسد ابواب المسجد غير باب علي، فكان يدخل المسجد جنبا، وهو طريقه ليس طريق غيره. قال عمر بن الخطاب:( لقد اعطى علي بن ابي طالب ثلاثا لئن تكن لي واحدة منها أحب الي من حمر النعم: زوجته فاطمة بنت رسول الله، وسكناه المسجد مع رسول الله يحل له ما يحل فيه، والراية يوم خيبر). وكذلك روي عن ابن عمر. ولما روجع النبي في فتح باب علي قال:( إنما أنا عبد مأمور ما امرت به فعلت إن اتبع إلا ما يوحى إلي).

١٦ - ولما آخى النبي بين كل اثنين من المهاجرين، وذلك قبل الهجرة اصطفاه لنفسه فآخاه وقال له فيما قال:( أنت أخي ووارثي. أنت مني بمنزلة هرون من موسى إلا انه لا نبي بعدي). وكذلك صنع وقال لما آخى بين المهاجرين والانصار،

______________________________

(١) راجع كنز العمال(٤١:٥).

٦٤

فاصطفاه لنفسه مع ان كلا منهما من المهاجرين وذلك بعد الهجرة بخمسة اشهر. ولا يزال يدعوه أخي في مناسبات لا تحصى.

١٧ - ويوم الغدير، بعد الرجوع من حجة الوداع سنة ١٠هـ أمر بالصلاة، فصلاها بهجير، وقام خطيبا على مائة الف أو يزيدون، حيث تفترق قبائل العرب. وبعد أن نعى نفسه اليهم ذكر الثقلين كتاب الله وعترته وانهما لن يفترقا ولن يضلوا بالتمسك بهما أبدا، أخذ بيد علي وقال:

أيها الناس ألست أولى منكم بأنفسكم؟

قالوا: بلى يا رسول الله! وكرر السؤال عليهم واجابوا.

ثم قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه( وفي أحاديث كثيرة: من كنت مولاه فعلي وليه). اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيثما دار (فلقيه عمر بن الخطاب فقال له: هنيئا يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة)(١) أو( أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة)(٢) .

______________________________

(١) مسند أحمد (٢٨١:٤) وعن تفسير الثعلبي. وفي الصواعق المحرقة في الشبهة ١١ عن ابي بكر وعمر معا.

(٢) تفسير الرازي في قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ. )

٦٥

هذه هي الاحاديث التي أخذناها من الصحيحة، اكتفاء بهذا القليل عن كثير لاتسعه هذه الرسالة. أما الآيات فقد قال ابن عباس:( نزلت في علي ثلثمائة آية من كتاب الله تعالى) ولم يعرف من طريق اهل السنة إلامائة، ونختار منها ثلاث آيات:

١ - آية( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) . وقد نزلت فيه إذ تصدق بخاتمه وهو راكع قي الصلاة، فاثبت الولاية له كولاية الله ورسوله على الناس. وهي مثل الأحاديث التي جعلت له تلك الولاية الالهية.

٢ - آية التطهير، إذ جمع النبي صلى الله عليه وآله عليا وزوجه وابنيهما معه في كساء واحد، فنزلت الآية باذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم، وهذه العصمة التي تشترط في الامامة.

٣ - آية المباهلة، إذ باهل بأهل بيته اولئكم، نصارى نجران في قصة مشهورة، وجعل علي بنص الآية نفسه.

ونحن لما اعتقدنا ان طريقة الاختيار لايصح ان يقال ان النبي عول عليها في تعيين الخليفة من بعده، فمن الضروري ان ينص على واحد من اصحابه، ولكن لم يكن أبا بكر فمن هو إذن؟

ليس هناك شخص ورد فيه ما ورد في علي يصح ان

٦٦

يكون نصا كهذه الأحاديث مع الآيات التي يؤيد بعضها بعضا ويفسر بعضها بعضا: فقد نصت على انه وارث النبي وراثة نبوة، ووصيه، وأخوه، ونفسه، وولي المؤمنين بعده، واولى بهم من انفسهم، ومنزلته منه منزلة هرون من موسى عدا منزلة النبوة، وخليفته من بعده، ويدور معه الحق كيفما دار لن يفترقا، وهو أقصى الأمة، وباب مدينة علمه، المطهر من الرجس.

وهذه صفات لا تكون إلا لامام معصوم وخليفة للنبي يختاره الله ورسوله للأمة. وهل يمكن أن يكون شخص أولى بالمؤمنين من أنفسهم ووليهم بعد النبي وهو سوقة كسائر الناس تجب عليه طاعة غيره والسمع له؟ هيهات!

ولكن كل واحدة من هذه الكلمات التمس لها بعض الباحثين في الامامة تأويلا، احتفاظا بكرامة الصحابة واتقاء من نسبة مخالفة نص النبي اليهم. ونحن نقول لهؤلاء المؤولين إذا كنتم قد عرفتم حسن نوايا هؤلاء الصحابة، وهم في الوقت نفسه مجتهدون على رايكم فلا استغراب في مخالفة الصريح من كلام النبي صلى الله عليه وآله وليس الخطا على المجتهدين بعزيز. ثم انا عرفنا عنهم عدم تعبدهم بالنصوص في كثير من الامور التي تفوت الحصر، كتوقفهم في بعث جيش اسامة وتأميره حتى أغضبوا النبي فقال ما قال وبالأخير امتنعوا عن الخروج حتى قبض، وكاعتراض عمر على صلح

٦٧

الحديبية، وكمنعه من املاء الكتاب الذي قال عنه النبي لن تضلوا بعده ابدا. وما الى ذلك.

فنحن الان بين أمرين إما أن نؤول هذه الأحاديث بما يصح وبما لا يصح واما ان نقول إن اولئك الصحابة قد تأولها لأمر ما. ولا شك ان الثاني أقرب الى البحث العلمي والتفكير الحر المستقيم، لأنا وجدناهم قد تأولوا في حياة النبي النصوص الصريحة التي لاتقبل التأويل كما سمعت بعضها. وهل لمن يحسن الظن بهم إلا ان يعتقد انهم لم يقصدوا مخالفة النبي عصيانا، وانما كانوا يظنون المصلحة فيما ينقدح لهم من رأي، وقد اعتادوا أن يشاورهم في الامور اتباعا لأمر الله تعالى( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) فانسوا التدخل حتى في الشؤن العامة التي يأمر بها النبي ويعقدها.

ومن جهة ثانية نرى امتناع دخول التأويلات التي تسمعها من الباحثين على بعض هذه الأحاديث، منها(حديث الغدير) وهو آخر النصوص وآية( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ ) وحديث (ولي كل مؤمن بعدي). فقد اولوا المولى والولي في كل ذلك بالناصر أو المحب.

وهذا بعيد كل البعد في حديث الغدير، لأن أهل اللغة ان فسرت المولى والولي بالناصر والمحب فقد فسروها بمالك التصرف. وهل تفهم معاني الألفاظ المشتركة إلابقرائنها؟ والقرينة الحالية واللفظية صريحة في هذا المعنى الأخير:

٦٨

فان النبي قام خطيبا على مائة الف او يزيدون بحّر الهجير، وهل يصح عند العقل ان يقف هذا الموقف الخطير وهو يريد أن يفهم الناس أن عليا ناصر للمؤمنين أو محب لهم؟ وأية حكمه في بيان هذا الامر الواضح فتسترعي هذا الاهتمام من النبي الحكيم.

وايضا وبعد ان ينعي نفسه ويذكر الثقلين يأخذ بيد علي ويرفعه اليه حتى يبين بياض ابطيهما. ويستنشدهم: (ألست اولى منكم بأنفسكم). فما هذه التوطئة؟ أكانت كلاما مطروحا لا فائدة فيه ام انها لتوضيح ما سيفرغ عليها فقال:( فمن كنت مولاه فعلي مولاه)؟

لاشك انها قرينة لفظية صريحة في بيان ان عليا مثله اولى من المؤمنين بأنفسهم. والمولى كما قلنا هو(مالك التصرف) أو(الاولى بالشيء منه)، كما تقول: السيد مولى العبد، أي مالك لتصرفه، او انه اولى بالتصرف في شئونه منه.

ولا حاجة الى دعوى ان المولى بمعنى كلمة( الأولى) فقط، حتى يعترض عليها المعترض فيقول: لا يصح أن يقال (مولى منه) كما تقول (اولى منه). بل ان معنى كلمة (المولى) معنى مجموع هذه العبارة ( الاولى بالشيء منه) الذي يساوق معنى مالك التصرف .

ومنها وهو اول النصوص الحديث:( ان هذا أخي

٦٩

ووصي وخليفتي فيكم أو من بعدي فاسمعوا له واطيعوا). وهو حديث ثابت لاشك فيه، فهل تجد عبارة هي أصرح من هذه العبارة للنص على الخليفة والامام؟

ولو قرأنا نص ابي بكر على خليفته لم نر إلا عبارة (إني أمرت عليكم عمر بن الخطاب). وهذه لاتشبه تلك في صراحتها ولا تقاس عليها في قياس، فأين صراحة الامارة من صراحة الخلافة؟ والامارة تكون في الجيش وتكون في كل شىء، والخلافة لفظ كان يجري على لسان النبي والمسلمين ولا يراد منه إلا هذا المعنى فعندما تسمع قوله صلى الله عليه واله وسلم: ( هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنى عشر خليفة كلهم من قريش) لانشك في المراد بكلمة (خليفة) كما لا نشك في كلمة قريش. فلماذا لا نفهم من كلمة (خليفتي) هذا المعنى؟ وهل استعملها في يوم من الايام في معنى آخر؟

والفرق بين نص النبي ونص ابي بكر ان ابا بكر لم يحدث بعده ما ياخذ بالاعناق الى التأويل والتشكيك، لأنه قد عمل به وانتهى كل شىء. اما نص النبي فقد بقى قولا في صدور الرجال وصحائف الكتب ولم يعمل به، فسلبت صراحته وأدخل عليه التأويل احتياطا في حمل الصحابة على أحسن الأعمال. ولئن درىء الطعن عنهم فلا يجلون عن الخطأ، وما هو بعزيز على مثلهم.

٧٠

على انا لا نريد ان ندخل في البحث عما يجب أن يقال في عذر الأصحاب، وانما الغرض أن نفهم مدى دلالة هذا الحديث في نفسه قاطعين النظر عن كل ما صدر عن الاصحاب، فلا نجد كلمة هي أوضح وأصرح من كلمة (وصيي) وكلمة (خليفتي)، ثم تعقيبهما بالأمر بالسمع والطاعة.

وينسق عليه حديث رقم(١١): (لكل نبي وصي ووارث وان وصيي ووارثي علي بن أبي طالب). ويعلم من هذا بصراحة انها وصاية نبوة لا وصاية اعتيادية، ووراثة نبوة على نسق الوصاية لا وراثة مال أو عقار، فان عليا ابن عمه وابن العم لا يرث مع البنت، ولا معنى لوراثة النبي لأنه نبي غير ان يكون بمنزلته في الولاية العامة ووجوب السمع والطاعة، أما العلم فكل المسلمين ورثوه منه فلا اختصاص لعلي إلا أن يراد من العلم معنى آخر لا يشترك فيه الناس، وهو الذي يكون من مختصات النبوة، فيكون على المقصود أدل وأدل.

أما باقي الأحاديث فلو لم يكن كل واحد منها نصا على امامته، فعلى الاقل انها بمجموعها مع ما تقدم من النصوص تكون نصا على امامته، فعلى الأقل انها بمجموعها مع ما تقدم من النصوص تكون نصا لا يقبل الاحتمال والتأويل، لاسيما بعد أن بينا فساد القول بتشريع ايكال الأمر الى اختيار الأمة

٧١

وقلنا انه لا بد ان يكون واحد من الأصحاب قد نص على خلافته النبي صلى الله عليه وآله .

لاتزال هناك شبهة مستعصية على الباحثين، ولا يزال يكررها الكتاب حتى يومنا هذا. وهي: ان هذه الأحاديث لو كانت للنص على خلافته، كما تقوله الشيعة، فلماذا لم يتمسك بها هو، ويحتج بها على القوم لو كانوا قد اخذوا حقه؟ ولماذا لم يحتج بها اصحابه أو باقي المسلمين في اجتماع السقيفة؟

والحق انها شبهة قوية هي أقوى متمسك لأنكار النص، بل ليس شىء غيرها يستحق ان يذكر في معارضة تلك النصوص، فيلجىء الى تأويلها وتفسيرها على غير وجهها.والباحثون اجابوا عنها بعدة امور يطول علينا استقصاؤها، ولكن الذي يرضي نفسي وادين به ربي ان اقرر ما يلي:

ان مولانا امير المؤمنين لما انتهى الأمر بالناس الى مبايعة ابي بكر خليفة، فهو قد أمسى بين أمرين لا ثالث لهما: اما ان يستسلم للأمر الواقع، فيترك كل مطالبة علنية صريحة ابقاء لكلمة الاسلام. واما ان يجاهد حتى يثبت حقه، وهو نفسه قال:( وطفقت ارتئي بين ان اصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء). ولما اختار الأمر الاول وهو أعرف بما اختار إذ يقول:( فرأيت ان الصبر على هاتا احجى) فلم يبق وجه لمطلبته العلنية بالخلافة، وقد طوى عنها كشحا

٧٢

وأسدل دونها ثوبا. ولو انه كان يعلن بالمطلبة فلا بد ان يتبعها بالسعي الى تنفيذها مهما أوتي من حول وقوة، وفي ذلك تطويح بكلمة الاسلام وبنائه السامق وسيأتي تمام البحث في الفصل الرابع. اما اصحابه فله تبع، وفي السقيفة قال الانصار كلهم أو بعضهم:(لا نبايع إلا عليا) ولكنها كلمة ذهبت في فضاء التأريخ منسية وقد عالجناها في غير موضع من هذا الكتاب كما يأتي.

٧٣

٧٤

الفصل الثاني : تدبير النبي لمَنع الخِلاَف

(أ - بعث اسامة)

٧٥

-١-

مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرضه الذي انتقل به الى الرفيق الأعلى، فوجس منه خيفة الفراق، وهو يعلم ان امته على شفا جرف هار من بحر للفتن متلاطم، والعرب مغلوبة على أمرها تحرق الارم عليه وعلى قومه واهل بيته، وتنتهز الفرصة للوثوب لأخذ ثأرها وهو على حذر منهم، والمنافقون بالمرصاد بين ظهراني المسلمين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويعدون من اصحابه وهو على المسلمين منهم احذر، وليس عهد دحرجة الدباب في العقبة ببعيد. واكثر من ذلك هذه الأخبار ترد بخروج الأسود العنسي ومسيلمة يدعيان النبوة فتتكاثر أتباعهما.

ما أشد حال النبي وحزنه، وهو يستدبر امة هذه حالها وهي تستقبل الفتن كقطيع الليل المظلم كما في الحديث. وقد رأى مواقع الفتن خلال بيوت المدينة كمواقع القطر في حديث آخر(١) .

ولكنه في هذا الموقف الدقيق مع ذلك يرمي بجيشه

______________________________

(١) صحيح مسلم ١٦٨:٨ باب نزول الفتن.

٧٦

اللجب الى مكان سحيق، إذ يعقد اللواء بيده للشاب اسامة بن زيد أميرا على الجيش بعد يوم واحد من ابتداء شكاته، بعد ان كان امرهم بالبعث قبل ابتداء مرضه. ثم يضم تحت لوائه شيوخ المهاجرين والانصار وجلتهم ووجوههم منهم ابو بكر(١) وعمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وابو عبيدة وسعد بن ابي وقاص واسيد بن حضير وبشر بن سعد وغيرهم، ليحارب بهم اهل أبي بناحية البلقاء من ارض الشام اولئك قتلة ابي اسامة زيد من الروم.

ثم يشدد في الخروج ويلعن المتخلف منهم ويغضب ذلك الغضب لتباطؤ القوم ولغطهم حول تأمير فتى يافع على

______________________________

(١) صرح بدخول ابي بكر في البعث اكثر المؤرخين، منهم ابن سعد في طبقاته (٤٦:٤)و(١٣٦:٤) وابن عساكر في التهذيب (٣٩١:٢)و(٢١٥:٣) وصاحب كنز العمال (٣١٢:٥). وصاحب تاريخ الخميس (١٧٢:٢) واليعقوبي في تاريخه (٩٣:٢) وابن ابي الحديد (٢١:٢) ومحمد حسين هيكل من المتأخرين في حياة محمد (٤٦٧) وغيرهم مما لا يحصى ولم نجد تصريحا ولا تلويحا لأحد من المؤرخين بخروجه من جيش اسامة وانما يكتفي بعضهم بقول (وجوه المهاجرين) وما يؤذي هذا المعنى بدون تصريح باسم أحد، ولكن بعض المؤلفين الجدليين حاول انكار دخوله من غير حجة ظاهرة.

٧٧

شيوخ المسلمين، فيقول:( ان تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة ابيه من قبل وإيم الله ان كان لخليقاً للامارة وان ابنه من بعده لخليق للامارة).

-٢-

لشد ما يعتلج العجب في نفوس المتفكرين من هذا الحادث، فيعجب الانسان.

(اولا) ان تسند قيادة اعظم جيش اسلامي يومئذ، في ذلك الظرف الدقيق الذي وصفناه، في مرض النبي، الى شاب يافع لم يتجاوز العشرين من سنيه(على جميع التقادير)، وهو لم يجرب الحروب بعد وبالأصح لم تسند اليه قيادة من هذا النوع ولا من نوع آخر. والجيش معبأ لجهاد اقوى اعداء الاسلام في ذلك الموقع البعيد عن العاصمة الاسلامية.

(ثانيا)- أن يؤمر هذا الفتى، مع ذلك، على شيوخ المسلمين الذين فيهم قواد الحروب ورؤساء القبائل واصحاب النبي الذين يرون لأنفسهم مقاما اسمى ومنزلة رفيعة. ويرشحون انفسهم لمنصب هو أعظم كثيرا من منصب قائدهم الصغير هذا.

(ثالثا)- ان يتباطأ المسلمون عن الالتحاق بهذا البعث بالرغم على اصرار النبي وتشديده النكير على المتخلفين ولعنه

٧٨

اياهم. ويكفي ان نعرف ان البعث وقع قبيل شكاته أو في أولها وقد استدامت علته اربعة عشر يوما (على اوسط التقادير). وفي كل هذه المدة الطويلة يثاقل القوم عن الخروج. وقد عسكر قائدهم الفتى بالجرف، وهو عن المدينة بفرسخ واحد (بعد ان عقد النبي له الراية بيده الشريفة) ينتظر جيشه المتمرد ان يجتمع اليه، فتخلق الاشاعات عن حال النبي فيرجع اسامة الى المدينة برايته فيركزها على باب النبي، ولكن الرسول في كل مرة يأمره بالعودة ويحث القوم على الالتحاق به. ولكنه في اليوم الاخير يرجع مرتين في المرة الاولى يأمره النبي بالسير قائلا:( اغد على بركة الله تعالى) فيودعه ويخرج، وفي المرة الثانية يرجع ومعه عمر وأبو عبيدة فيجد النبي يجود بنفسه، ثم يلتحق بالرفيق الاعلى.

فماذا دهى المسلمين حتى خالفوا الصريح من أمر النبي هذه المدة الطويلة من غير حياء منه ولا خجل ولا خوف من الله ورسوله وتوطنوا على غضبه ولعنهم جهارا، أتراهم استضعفوا النبي وهو مريض شاك فتمردوا عليه، أم ماذا؟

(رابعا)- ان ينكر هؤلاء المسلمون على نبيهم تأميره لهذا الفتى، ثم لا يرتدعون ان نهاهم عن ذلك. وليس لهم على كل حال حق هذا الانكار اذا كانوا حقا قد تغذوا بتعالَيم

٧٩

الأسلام وعرفوا ان النبي لاينطق عن الهوى وما كان لهم الخيرة.

(خامسا)- ان النبي قد علم بقرب أجله ويعلم ان الفتن قد أقبلت كقطع الليل المظلم، فكيف يبعد جيشه وقوته عن العاصمة ومركز الدعوة، بل كيف يخلي المدينة من شيوخ المهاجرين والانصار وزعمائهم واهل الحل والعقد منهم.

فلا بد أن يكون كل ذلك لأمر ما عظيم، اكثر من هذه الظواهر التي يتصورها الناس.

-٣-

فهل نجد حلا لهذه المشاكل تطمئن اليه النفس الحرة، بعد عرفاننا للنبي وعظمته وانه لا يفعل ولا يقول إلا عن وحي وسر إلهي.

لم يصح عندنا تفسير لمشاكل هذا الحادث إلا بأن نقول انه صلى الله عليه وآله اراد:

(اولا)- ان يهيىء المسلمين لقبول (قاعدة الكفاية) في ولاية امورهم، من ناحية، عملية، فليست الشهرة ولا تقدم العمر هما الأساس لاستحقاق الامارة والولاية، فاذا قال عن اسامة مؤ كدا جدارته بالقسم ولام التأكيد:( وايم الله ان كان لخليقا للامارة يعني زيدا- وان ابنه لخليق للامارة).

٨٠