من لا يحضره الفقيه الجزء ٤

من لا يحضره الفقيه10%

من لا يحضره الفقيه مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 558

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 558 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169986 / تحميل: 11085
الحجم الحجم الحجم
من لا يحضره الفقيه

من لا يحضره الفقيه الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

عليهم ان يحلف منهم خمسون رجلا ما قتلنا ولا علمنا له قاتلا، فان فعلوا ادى اهل القرية التى وجد فيهم ديته، وان كان بارض فلاة اديت ديته من بيت المال، فان اميرالمؤمنين عليه السلام كان يقول: لايطل دم امرئ مسلم)(١) .

٥١٨٠ - وسأل سماعة ابا عبدالله عليه السلام (عن رجل يوجد قتيلا في قرية او بين قريتين، قال: يقاس بينهما فأيتهما كانت اليه اقرب ضمنت)(٢) .

٥١٨١ - وروى زرارة عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (انما جعلت القسامة احتياطا للناس لكيما إذا اراد الفاسق ان يقتل رجلا او يغتال رجلا حيث لايراه احد خاف ذلك فامتنع من القتل)(٣) .

باب من لادية له في جراح أو قتل

٥١٨٢ - روى حماد بن عيسى عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض حجراته إذا أطلع رجل في شق الباب وبيد رسول الله صلى الله عليه وآله مذراة(٤) فقال: لو كنت قريبا منك لفقأت به عينك)(٥) .

___________________________________

(١) أطل الدم أهدره وهو الشايع في ابطال الدم، وفى بعض النسخ " لا يبطل دم امرئ مسلم ".

(٢) حمله جمع من الفقهاء على اللوث وهو امارة يظن بها صدق المدعي فيما ادعاه من القتل كوجود ذى سلاح ملطخ بالدم عند قتيل في دمه، وفي النهاية اللوث في القسامة هوأن يشهد شاهد واحد على اقرار المقتول قبل أن يموت ان فلانا قتلني أو يشهد شاهدان على عداوة بينهما أو تهديد منه له ونحو ذلك.

(٣) رواه الكليني والشيخ في الحسن كالصحيح في ذيل خبر عن زرارة.

(٤) المذراة: آلة تذرى بها الحنطة، وفي بعض النسخ بالدال المهملة، والمدارة المشط والقرن، والثاني أنسب إذا كان بمعنى القرن.

(٥) فقأالعين: قلعها، والضمير المجرور اما راجع إلى الاطلاع أى بسبب اطلاعك، أو المراد لفقأت عينك بمافي يدى.

١٠١

٥١٨٣ - وروى القاسم بن محمد الجوهرى على بن ابى حمزة، عن ابى بصير قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل اطلع على قوم لينظر إلى عوراتهم فرموه فقتلوه او جرحوه او فقأوا عينه فقال: لادية له ان رسول الله صلى الله عليه وآله اطلع رجل في حجرته من خلالها فجاء‌ه رسول الله صلى الله عليه وآله بمشقص ليفقأ به عينه(١) فوجده قد انطلق فناداه ياخبيث لو ثبت لى لفقأت عينك به).

٥١٨٤ - وقال ابوجعفر وابوعبدالله عليهما السلام: (من قتله القصاص فلا دية له)(٢) .

٥١٨٥ - وروى هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد قال: قال ابوعبدالله عليه السلام (من بدا فاعتدى فاعتدي عليه فلا قود له).(٣)

٥١٨٦ - وروى العلاء، عن محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام (في الرجل يسقط على الرجل فيقتله، قال: لا شئ عليه)(٤) .

٥١٨٧ - وروى محمد بن الفضيل، عن ابى الصباح الكناني عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (كان صبيان في زمن اميرالمؤمنين عليه السلام يلعبون بأخطار لهم(٥) فرمى احدهم

___________________________________

(١) المشقص - كمنبر -: نصل عريض، أو سهم فيه ذلك.

(٢) روى الكليني ج ٧ ص ١ ٢٩ والشيخ في التهذيب في الحسن كالصحيح عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " أيما رجل قتله الحد في القصاص فلا دية له الخ ".

وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: " من قتله القصاص فلا دية له، راجع التهذيب ج ٢ ص ٥٠٣.

(٣) رواه الكليني والشيخ في الصحيح، والقود - كسب -: القصاص، والخبر محمول على ماإذا اقتصر على ما يحصل به الدفع ولم يتعده.

(٤) محمول على ماإذا كان زلق خطأ بلا اختيار لاما إذا دفعه دافع اذ حينئذ كانت الجنابة عليه ويرجع هو على الدافع، كما يدل عليه صحيحة عبدالله بن سنان التى تأتي تحت رقم ٥٢٠٥ عن أبي عبدالله عليه السلام.

(٥) الخطر - محركة -: الدرة من المنديل يلف ويضرب، وفي الارض، وفي الاصل الرهن وما يخاطر عليه.

١٠٢

بخطره فدق رباعية صاحبه، فرفع ذلك إلى اميرالمؤمنين عليه السلام فأقام الرامي البينة بأنه قد قال: حذار، فدرأ اميرالمؤمنين عليه السلام عنه القصاص، ثم قال: قد اعذر من حذر).

٥١٨٨ - وروى صفوان بن يحيى، عن عبدالله بن سنان قال سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول (في رجل اراد امرأة على نفسها حراما فرمته بحجر فأصابت منه مقتلا، قال: ليس عليها شئ فيما بينها وبين الله عزوجل فان قدمت إلى امام عدل اهدر دمه)(١) .

٥١٨٩ - وروى حماد، عن الحلبى عن ابي عبدالله عليه السلام قال: (ايما رجل عدا على رجل ليضربه، فدفعه عن نفسه فجرحه او قتله فلا شئ عليه)(٢) .

٥١٩٠ - وروى الحسن بن محبوب، عن على بن رئاب، عن ابى بصير قال: (سألت ابا جعفر عليه السلام عن رجل قتل مجنونا، قال: ان كان اراده فدفعه عن نفسه فقتله فلاشئ عليه من قود ولادية، ويعطى ورثته ديته من بيت مال المسلمين، قال: فان كان قتله من غير ان يكون المجنون اراده فلا قود لمن لا يقاد منه(٣) ، وارى ان على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون ويستغفر الله عزوجل ويتوب اليه).

٥١٩١ - وروى جعفر بن بشير(٤) ، عن معلى أبي عثمان عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (سألته عن رجل غشيته دابة فأرادت أن تطأه وخشى ذلك منها فزجر الدابة فنفرت بصاحبها فصرعته فكان جرح او غيره، فقال: ليس عليه ضمان انما زجر عن نفسه وهى الجبار)(٥) .

___________________________________

(١) أي بعد الثبوت أو لعلمه بالواقع، والاول أظهر. (المرآة)

(٢) مروي في التهذيب ج ٢ ص ٥٠٣ في حديث.

(٣) يدل على أن لا يقتل العاقل بالمجنون.

(٤) هو ثقة، والطريق اليه صحيح، والمعلى أبي عثمان أو معلى بن عثمان ثقة، ورواه الشيخ باسناده عن إبن محبوب عن المعلى، عن أبي بصير عنه عليه السلام.

(٥) الجبار - بالضم -: الهدر الذي لا قود فيه.

١٠٣

٥١٩٢ - وروى الحسن بن محبوب، عن ابى ايوب، عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام قال: (عورة المؤمن على المؤمن حرام، وقال: من اطلع على مؤمن في منزله فعيناه مباحتان للمؤمن في تلك الحال، ومن دمر(١) على مؤمن في منزلة بغير اذنه فدمه مباح للمؤمن في تلك الحال، ومن جحد نبيا مرسلا نبوته وكذبه فدمه مباح، قال: فقلت له: أرأيت من جحد الامام منكم ما حاله؟ فقال: من جحد اماما برأ من الله وبرأ منه ومن دينه فهو كافر مرتد عن الاسلام(٢) لان الامام من الله، ودينه دين الله، ومن برأ من دين الله فهو كافر، ودمه مباح في تلك الحال الا ان يرجع ويتوب إلى الله عزوجل مما قال(٣) ، قال: ومن فتك بمؤمن يريد ماله ونفسه فدمه مباح للمؤمن في تلك الحال).

٥١٩٣ - وروى ابن فضال، عن ابن بكير عن ابى عبدالله عليه السلام (في الرجل يقع على الرجل فيقتله فمات الاعلى، قال: لا شئ على الاسفل).

باب القود ومبلغ الدية(٤)

٥١٩٤ - روى هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد قال: (سألت ابا عبدالله عليه السلام عن رجل ضرب بعصا فلم ترفع عنه حتى قتل ايدفع القاتل إلى اولياء المقتول؟

___________________________________

(١) دمر يدمر دمورا: دخل بغير اذن.

(٢) حمل على ما إذا كان الامام الحق مبسوط اليد بيده الولاية والسلطنة فانكاره حينئذ خروج عن طاعة الله عزوجل وانكار لوجوب طاعة أولي الامر المأمور به في الكتاب وهذا بمنزلة الكفر أو الارتداد عن الدين، والمرتد دمه مباح لا حرمة له، وأما الامام الذي يكون في حال التقية ويخفى أمره على أكثر الناس فاثبات الكفر والارتداد لمنكره في غاية الاشكال، واختار السيد المرتضى - على ما هو المحكي عنه - كفر المخالفين وارتدادهم عن الملة ولعل مراده النصاب.

(٣) يدل على قبول توبة الموافق إذا صار مخالفا، ويؤيده قبول أمير المؤمنين عليه السلام توبة الخوارج.

(٤) القود - محركة -: القصاص. (النهاية)

١٠٤

قال: نعم، ولكن لا يترك ان يعبث به(١) ولكن يجاز عليه)(٢) .

٥١٩٥ - وروى الفضل بن عبدالملك عنه عليه السلام انه قال: (إذا ضرب الرجل بالحديدة فذلك العمد، قال: وسألته عن الخطأ الذى فيه الدية والكفارة اهو الرجل يضرب الرجل فلا يتعمد قتله؟ قال: نعم، قلت: فاذا رمى شيئا فاصاب رجلا؟ قال: ذلك الخطأ الذى لايشك فيه وعليه كفارة ودية))(٣) .

٥١٩٦ - وروى النضر، عن عبدالله بن سنان قال: سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول: (قال اميرالمؤمنين عليه السلام في الخطأ شبه العمد ان يقتل بالسوط او بالحجر او بالعصا: (ان دية ذلك تغلظ وهى مائة من الابل فيها اربعون خلفة بين ثنية إلى بازل عامها(٤) وثلاثون حقة وثلاثون ابنة لبون، و الخطأيكون فيه ثلاثون حقة وثلاثون ابنة لبون وعشرون ابنة مخاض وعشرون ابن لبون ذكر، وقيمة كل بعير من الورق مائة وعشرون درهما(٥) او عشرة دنانير، ومن الغنم قيمة كل واحد من الابل عشرون شاة).

___________________________________

(١) أي بأن يقطع أنفه واذنه ويده ورجله مثلا إلى أن يموت. (م ت)

(٢) أي يجهز عليه ويسرع قتله بضرب عنقه.

واجزت على الجريح أجهزت، وفي حديث آخر يأتي وفي الكافي " لا يترك يتلذذ به ولكن يجاز عليه بالسيف " والمشهور بين الاصحاب عدم جواز التمثيل بالجاني وان كانت جنايته تمثيلا أو وقعت بالتغريق والتحريق والمثقل بل يستوفى جميع ذلك بالسيف وقال ابن الجنيد " يجوز قتله بمثل القتلة التي قتل بها " وقال الشهيد الثاني - رحمه الله -: " وهو متجه لولا الاتفاق على خلافه " والخبر يدل على المنع. (المرآة)

(٣) مروي في الكافي ج ٧ ص ٢٧٩ مع اختلاف في اللفظ.

(٤) الخلف - ككتف - وهي الحوامل من النوق، والبازل من الابل الذي تم ثماني سنين ودخل في التاسعة وحينئذ يطلع نابه وتكمل قوته ثم يقال له بعد ذلك بازل عام وبازل عامين، والثنية من الغنم ما دخل في السنة الثالثة ومن البقر كذلك ومن الابل ما دخل في السادسة. (النهاية)

(٥) فتصير اثنى عشر الفا، ويمكن أن يكون في ذلك الوقت قيمة كل دينار اثنى عشر درهما أو عشرة دنانير فيكون ألفا. (م ت)

١٠٥

٥١٩٧ - وسأل معاوية بن وهب اباعبدالله عليه السلام (عن دية العمد فقال: مائة من فحولة الابل المسان(١) فان لم يكن فمكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم).

٥١٩٨ - وروى الحسن بن محبوب، عن خضر الصيرفى، عن بريد العجلى قال: (سئل ابوجعفر عليه السلام عن رجل قتل رجلا متعمدا فلم يقم عليه الحد ولم تصح الشهادة حتى خولط وذهب عقله، ثم ان قوما آخرين شهدوا عليه بعدما خولط انه قتله، فقال: ان شهدوا عليه انه قتله حين قتله وهو صحيح ليس به علة من فساد عقل قتل، وان لم يشهدوا عليه بذلك وكان له مال يعرف دفع إلى ورثة المقتول الدية من مال القاتل(٢) وان لم يترك مالا اعطي الدية من بيت مال المسلمين، ولا يبطل دم امرء مسلم).

٥١٩٩ - وسأل سليمان بن خالد ابا عبدالله عليه السلام (عن رجل استأجر ظئرا فأعطاها ولده فكان عندها، فانطلقت الظئر فاستأجرت اخرى فغابت الظئر بالولد فلا يدرى ما صنع به والظئر لا تكافى(٣) ، قال: الدية كاملة).

٥٢٠٠ - وروى الحسن بن محبوب، عن الحسن بن حى(٤) قال: (سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل وجد مقتولا فجاء رجلان إلى وليه فقال احدهما: انا قتلته عمدا وقال الاخر: انا قتلته خطأ(٥) ، فقال: ان هو أخذ بقول صاحب العمد فليس له على صاحب الخطأ شئ، وان هو اخذ بقول صاحب الخطأ فليس له على صاحب العمد شئ).

___________________________________

(١) المسان: ماكمل له خمس سنين ودخل في السادسة.

(٢) لانه لم يتبين أنه قتله حالة الجنون.

(٣) لانها ماقتلت الولد عمدا حتى تقتل به بل فعلت محرما ان استوجرت بأن ترضعها بنفسها وكذا مع الاطلاق. (م ت)

(٤) يعني الحسن بن صالح بن حي له أصل أو كتاب معتمد على ماقبل، وهو رأس الفرقة الصالحية من الزيدية.

(٥) التقييد بالعمد والخطأ في كل واحد منهما لارتفاع توهم التشريك.

١٠٦

٥٢٠١ - وروى الحسن بن محبوب، عن عبدالرحمن بن الحجاج قال: (سمعت ابن ابى ليلى يقول: كانت الدية في الجاهلية مائة من الابل فأقرها رسول الله صلى الله عليه وآله ثم انه فرض على اهل البقر مائتي بقرة، وفرض على اهل الشاة الف شاة، وعلى اهل الحلل مائة حلة، قال عبدالرحمن: فسألت أبا عبدالله عليه السلام عما رواه ابن ابى ليلى، فقال: كان على عليه السلام يقول: (الدية الف دينار وقيمة الدينار عشرة دراهم، وعلى اهل الذهب الف دينار، وعلى اهل الورق عشرة آلاف درهم، وعشرة آلاف لاهل الامصار، ولاهل البوادى الدية مائة من الابل، ولا هل السواد مائتى بقرة، او الف شاة).

٥٢٠٢ - وسمع كليب بن معاوية ابا عبدالله عليه السلام يقول: (من قتل في شهر حرام فعليه دية وثلث)(١) .

٥٢٠٣ - وروى ابان، عن زرارة انه قال: سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول: (إذا قتل الرجل في شهر حرام صام شهرين متتابعين من اشهر الحرم)(٢) .

٥٢٠٤ - وروى الحسن بن محبوب، عن ابى ولاد قال: (سالت ابا عبدالله عليه السلام عن رجل قتل رجلا مسلماعمدا فلم يكن للمقتول اولياء من المسلمين الا اولياء من اهل الذمة من قرابته، فقال: على الامام ان يعرض على قرابته من اهل بيته الاسلام فمن اسلم منهم فهو وليه يدفع القاتل اليه، فان شاء قتل وان شاء عفا وان شاء اخذ الديه، فان لم يسلم من قرابته احد كان الامام ولى امره ان شاء قتل وان شاء اخذ الدية فجعلها في بيت مال المسلمين لان جناية المقتول كانت على الامام فكذلك تكون ديته لامام المسلمين، قلت: فان عفاعنه الامام؟ فقال: انما هو حق لجميع

___________________________________

(١) تقدم تحت رقم ٥١٦٩.

(٢) مروى في التهذيب ج ٢ ص ٥٠٦ في الموثق كالصحيح وسيأتي بتمامه تحت رقم ٥٢١٢ عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ما يؤيد ذلك وللشيخ كلام نورده هناك.

(٣) إذا لم يكن القاتل معلوما.

١٠٧

المسلمين وانما على الامام أن يقتل أو يأخذ الدية وليس له أن يعفو)(١) .

٥٢٠٥ - وروى ابن محبوب، عن على بن رئاب، عن عبدالله بن سنان عن ابى عبدالله عليه السلام (في رجل دفع رجلا على رجل فقتله(٢) فقال: الدية على الذى وقع على الرجل فقتله لاولياء المقتول، قال: ويرجع المدفوع بالدية على الذى دفعه، قال: وان اصاب المدفوع شئ فهو على الدافع ايضا).

٥٢٠٦ - وروى ابن محبوب، عن ابى ولاد عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (كان اميرالمؤمنين عليه السلام يقول: تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين، وتستأدى دية العمد في سنة)(٣) .

٥٢٠٧ - وروى جعفر بن بشير، عن معلى ابى عثمان عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (سألته عن قول الله عزوجل: (فمن تصدق به فهو كفارة له) قال: يكفر عنه من ذنوبه على قدرما عفا عن العمد)(٤) .

وفي العمد يقتل الرجل بالرجل الا ان يعغو او يقبل الدية، وله ماتراضوا عليه من الدية، وفي شبه العمد المغلظة ثلاث وثلاثون حقة واربع وثلاثون جذعة وثلاث وثلاثون ثنية خلفة طروقة الفحل، ومن الشاة في المغلظة الف كبش إذا لم يكن ابل(٥) .

___________________________________

(١) رواه الكليني والشيخ في الصحيح، وقال سلطان العلماء: جوز ابن ادريس العفو للامام، ويظهر من كلام السيد المرتضى في الشافي أنه يجب على الامام القصاص ولا يجوز أخذ الدية.

(٢) تقدم الكلام فيه ص ١٠٢، وفي الكافي " وفي الكافي " عن على بن رئاب وعبدالله بن سنان ".

(٣) رواه الكليني في الصحيح والمشهور أنه تستأدى دية شبه العمد في سنتين.

(٤) فان عفى مطلقا فكفارة لجميع الذنوب أو كثير منها، وان عفى عن القصاص ورضى بالدية فيقدره، وان عفى عن بعضها فبقدر ماعفى.

(٥) هذا كلام المصنف ولم أجد له مستندا، وفيه مايخالف ماتقدم من أسنان الابل في خبر ابن سنان في أول الباب، وظاهر قوله " إذا لم يكن ابل " تعين الابل عند الوجدان.

١٠٨

٥٢٠٨ - وروى ابن محبوب، عن ابى ايوب، عن حريز عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (سألته عن رجل قتل رجلا عمدا فرفع إلى الوالى فدفعه الوالى إلى اولياء المقتول ليقتلوه فوثب عليهم قوم فخلصوا القاتل من أيدى الاولياء فقال: ارى ان يحبس الذين خلصوا القاتل من ايدى الاولياء ابدا حتى يأتوا بالقاتل، قيل له: فان مات القاتل وهم في السجن؟ فقال: ان مات فعليهم الدية يؤدونها إلى اولياء المقتول)(١) .

٥٢٠٩ - وروى هشام بن سالم، عن زياد بن سوقة، عن الحكم بن عتيبة(٢) قال: قلت لابى جعفر عليه السلام: (ما تقول في العمد والخطأ في القتل وفي الجراحات؟ فقال: ليس الخطأ مثل العمد، العمد فيه القتل، والجراحات فيها القصاص، والخطأ في القتل والجراحات فيهما الدية، وقال: ثم قال لى: يا حكم إذا كان الخطأ من القاتل او الخطأ من الجارح وكان بدويا فدية ما جنى البدوي من الخطأ على أوليائه(٣) من البدويين، قال: وإذا كان الجارح قرويا فان دية ما جنى من الخطأ على اوليائه القرويين).

٥٢١٠ - وروى ابن محبوب، عن على بن رئاب، عن زرارة عن ابى جعفر عليه السلام (في رجل أمر رجلا أن يقتل رجلا فقتله، قال يقتل به الذى ولي قتله، ويحبس الذى أمر بقتله في السجن أبدا حتى يموت)(٤) .

٥٢١١ - وروى ابن محبوب، عن على بن رئاب، عن ابى عبيدة قال: (سألت

___________________________________

(١) رواه الكليني في الصحيح أيضا.

(٢) الطريق إلى هشام بن سالم صحيح وهو ثقة، وزياد بن سوقة أيضا ثقة وكلاهما من أرباب الاصول، والحكم بن عتيبة من فقهاء العامة ولم يوثق ولعله لايضر، لصحته عن هشام.

(٣) أى وراثه أوضامن جريرته مع فقد الوراث من النسب " من البدويين " إذا لم يكن له وارث من أهل القرى. (م ت)

(٤) يدل على أنه يحبس الامر إلى أن يموت ويقتل القاتل (م ت).

أقول: رواه الشيخ في الصحيح في التهذيبين والكليني في الكافي.

١٠٩

ابا جعفر عليه السلام عن رجل قتل امه، قال: لا يرثها ويقتل بها صاغرا(١) ، ولا اظن قتله بها كفارة لذنبه).

٥٢١٢ - وروى ابن محبوب، عن على بن رئاب، عن زرارة قال: (سألت ابا جعفر عليه السلام (عن رجل قتل رجلا خطأ في أشهر الحرم، قال: عليه الدية وصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، قلت: ان هذا يدخل فيه العيد وايام التشريق؟ فقال يصومه فانه حق لزمه)(٢) .

٥٢١٣ - وفي رواية ابان، عن زرارة عن ابى عبدالله عليه السلام: (عليه دية وثلث)(٣) .

٥٢١٤ - وروى ظريف بن ناصح، عن على بن ابى حمزة، عن ابى بصيرقال: قال ابوعبدالله عليه السلام: (لو ان رجلا ضرب رجلا بخزفة او بآجرة(٤) فمات كان

___________________________________

(١) أى بدون أن يعطى نصف الدية.

(٢) حكى عن الشيخ - رحمه الله - أنه قال: من قتل في الاشهر الحرم وجب عليه صوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم وان دخل فيها العيد وأيام التشريق لرواية زرارة، والمشهور عموم المنع.

(٣) المذكور في هذا الخبر كما في التهذيب ج ٢ ص ٥٠٦ القتل في الحرم وأصل الخبرهكذا " ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن زرارة قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام رجل قتل في الحرم، قال: عليه دية وثلث ويصوم شهرين متتابعين في أشهر الحرم، قال: قلت: هذا يدخل فيه العيد وأيام التشريق، قال: فقال: يصومه فانه حق لازمه ".

(٤) زاد في الكافي والتهذيب " أو بعود " والخزفة: السفال وحمل على ماإذا قصد القتل بها.

وقال الاستاذ في هامش الوافي: الآلة التي قتل بها قد تكون قتالة عادة بحيث لو ادعى القاتل أنى لم أكن أعتقد أن المقتول يقتل بها لم يقبل منه، وقد تكون بحيث يحتمل عدم القتل به وتقبل دعواه من القاتل، فالاول عمد، والثانى شبه لانه قصد ايذاء المقتول وكان عاصيا بذلك، والخطأ المحض أن لايقصد المقتول أصلا لا قتلا ولا ايذاء، وأما الاجرة والخزفة فليستا آلة قتالة ويصح دعوى عدم ارادة القتل من الضارب، والمقصود في الحديث نفي كونه خطأ على ما يزعمه العامة بل هو عمد وان كان شبيها بالخطأ، وهنا مسألتان الاولى لو رمى بسهم فأصاب المقتل فهو عمد يوجب القود، فمناط العمد أن يفعل القاتل مايحتمل معه الموت وارتكبه الفاعل غير مبال به وان لم يقصد القتل بعينه، الثانية إذا جنى على الطرف وسرى إلى النفس فهو عمد وان لم يكن قصد ماهو في معرض الهلاك.

١١٠

متعمدا).

٥٢١٥ - وروى ابن ابى عمير، عن هشام بن سالم، وغير واحد(١) عن ابى عبدالله عليه السلام انه سئل (عن امرأة أعنف عليها الرجل فزعم انها ماتت من عنفه عليها قال: الدية كاملة ولايقتل الرجل)(٢) .

٥٢١٦ - وفي نوادر إبراهيم بن هاشم (ان الصادق عليه السلام سئل عن رجل أعنف على امرأة، أو امرأة أعنفت على زوجها فقتل أحدهما الاخر، قال: لا شئ عليهما(٣) إذا كانا مأمونين، فان اتهما لزمهما اليمين بالله انهما لم يريدا القتل).

٥٢١٧ - وروى داود بن سرحان عن ابى عبدالله عليه السلام (في رجلين قتلا رجلا قال: ان شاء اولياء المقتول ان يؤدوا دية ويقتلوهما جميعا قتلوهما)(٤) .

٥٢١٨ - وروى سماعة، عن ابى بصير عن ابى جعفر عليه السلام في قوله عزوجل: (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف) ماذاك الشئ؟ قال: هو الرجل يقبل الدية فأمر الله عزوجل الذى له الحق ان يتبعه بمعروف ولا يعسره، وأمر الذى عليه الحق ان لا يظلمه، وان يؤديه اليه باحسان إذا ايسر، فقلت: أرأيت قوله عزوجل (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب اليم) قال: هو الرجل يقبل الدية أو يصالح ثم يجئ بعد فيمثل او يقتل فوعده الله عزوجل عذابا اليما).

٥٢١٩ - وروى داود بن سرحان عن ابى عبدالله عليه السلام (في رجل حمل على رأسه

___________________________________

(١) كأنه سقط هنا " عن سليمان بن خالد "

(٢) محمول على ماإذا لم يقصد القتل.

(٣) أى من القود لكن يلزم الدية لكونه شبه العمد.

(٤) يدل على جواز قتل الاثنين بواحد بعد رد فاضل الدية. (م ت)

١١١

متاعا فأصاب انسانا فمات او كسر منه شيئا، قال: هو مأمون)(١) .

٥٢٢٠ - وروى محمد بن اسلم عن على بن ابى حمزة عن ابى الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: قلت له (جعلت فداك رجل قتل رجلا متعمدا أو خطأ وعليه دين ومال فأراد أولياؤه أن يهبوا دمه للقاتل، فقال ان وهبوا دمه ضمنوا الدين(٢) قلت: فان هم ارادوا قتله، فقال: ان قتل عمدا قتل قاتله وأدى عنه الامام الدين من سهم الغارمين، قلت: فانه قتل عمدا وصالح اولياؤه قاتله على الدية فعلى من الدين؟ على اوليائه من الديه او على امام المسلمين؟ فقاك، بل يؤدون دينه من ديته التى صالحوا عليها أولياؤه فانه احق بديته من غيره)(٣) .

٥٢٢١ - وفي رواية ابن بكير قال: قال ابوعبدالله عليه السلام: (كل من قتل بشئ صغير او كبير بعد ان يتعمد فعليه القود)(٤) .

٥٢٢٢ - وروى البزنطى، عن عبدالله بن سنان عن ابى عبدالله عليه السلام (في رجل ضرب رجلا بعصا على رأسه فثقل لسانه، قال: يعرض عليه حروف المعجم فما أفصح منها فلا شئ فيه، وما لم يفصح به كان عليه الدية وهى ثمانية وعشرون حرفا)(٥) .

___________________________________

(١) الطريق إلى داود بن سرحان صحيح وهو ثقة، ورواه الكليني والشيخ وفي طريقهما سهل بن زياد وهو ضعيف، وفيهما " هو ضامن ". وهو الصواب.

(٢) في بعض النسخ " ضمنوا الدية ".

(٣) يدل على أنه إذا كان على المقتول دين وكان القتل خطأ فلا يجوز أن يهبوا ديته من القاتل لان الدية حقه ولو وهبوا يبقى ذمته مرتهنة بالدين ولو كان القتل عمدا فيجوز لهم القصاص لان وضعه للتشفي أما لو صالحوا حينئذ على مال فيصير في حكم مال الميت ويؤدى منه دينه (م ت).

أقول: قوله - رحمه الله - " للتشفي " فيه نظر.

يدل على أنه ان قصد القتل فهو عامد وان لم يكن بشئ يقتل به غالبا. (م ت)

(٥) مروي في الكافي ج ٢ ص ٣٢٢ والتهذيب في الحسن كالصحيح عن عبدالله بن المغيرة، عن عبدالله بن سنان، وفيهما " تسعة وعشرون حرفا " والظاهر أن التصرف من النساخ يناء‌ا على مااشتهر من أن مخرج الهمزة وألف مختلفان فان الهمزة من أقصى الحلق والالف من الجوف، والحق أن الالف لا مدخل للسان فيها.

١١٢

باب من خطأه عمد

٥٢٢٣ - روى الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن ابى بصير عن ابى جعفر عليه السلام قال: (سئل عن الغلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلا فقال: ان خطأ المرأة والغلام عمد(١) ، فان احب اولياء المقتول ان يقتلوهما قتلوهما ويردون على اولياء الغلام خمسة آلاف درهم، وان احبوا ان يقتلوا الغلام قتلوه وترد المرأة على اولياء الغلام ربع الدية، قال: وان احب اولياء المقتول أن يقتلوا المرأة قتلوها ويرد الغلام على اولياء المرأة ربع الدية، قال: وان احب اولياء المقتول ان يأخذوا الدية كان على الغلام نصف الدية وعلى المرأة نصف الدية)(٢) .

٥٢٢٤ - وروى ابن محبوب، عن ابى ايوب، عن ضريس الكناسى قال: (سألت ابا عبدالله عليه السلام عن امرأة وعبد قتلا رجلا خطأ، فقال: ان خطأ المرأة والعبد مثل العمد فإن أحب اولياء المقتول ان يقتلوهما قتلوهما.

قال: وان كان قيمة العبد أكثر من خمسة آلاف درهم ردوا على سيد العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم فان احبوا ان يقتلوا المرأة ويأخذوا العبد فعلوا الا ان يكون قيمته اكثر من خمسة آلاف درهم فيردوا على مولى العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم ويأخذوا العبد أو يفتديه سيده، وان كانت قيمة العبد اقل من خمسة آلاف درهم فليس لهم الا العبد)(٣) .

___________________________________

(١) لا يخفى مخالفته للمشهور بل للاجتماع ويحتمل أن يكون المراد بخطأهما ما صدر عنهما لنقصان عقلهما لا الخطأ المصطلخ.

فالمراد بالغلام الذي لم يدرك: شاب لم يبلغ كمال العقل مع كونه بالغا (المرآة)

(٢) قيل اعراض الاصحاب عن هذا الخبر مع أنه مما رواه ابن محبوب وهو من أصحاب الاجماع يوهن أمر الاجماع.

(٣) رواه الشيخ في الاستبصار ج ٤ ص ٢٨٦ وروى خبر أبي بصير المتقدم بعده وقال: قد أوردت هاتين الروايتين لما تتضمنا من أحكام قتل العمد.

فاما قوله في الخبر الاول " ان خطأ المرأة والعبد عمد " وفي الرواية الاخرى " ان خطأ المرأة والغلام عمد " فهو مخالف لقول الله تعالى لان الله عزوجل حكم في قتل الخطأ بالدية دون القود ولا يجوز أن يكون الخطأ عمدا كما لا يجوز أن يكون العمد خطأ الا ممن ليس بمكلف مثل المجانين ومن ليس بعاقل من الصبيان وأيضا فقد أوردنا في كتاب التهذيب ما يدل على أن العبد إذا قتل خطأ سلم إلى أولياء المقتول أو يفتديه مولاه وليس لهم قتله.

وكذلك قد بينا أن الصبي إذا لم يبلغ فان عمده وخطأه يجب فيهما الدية دون القود، فكيف يجوز أن نقول في هذه الرواية ان خطأه عمد - إلى آخر ماقال -.

١١٣

٥٢٢٥ - وروى أبوأسامة، عن عبدالله بن سنان عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (في امرأة قتلت رجلا متعمدة، فقال: ان شاء أهله أن يقتلوها قتلوها وليس يجنى أحد جناية على أكثر من نفسه)(١) .

٥٢٢٦ - وروى السكونى عن ابى عبدالله عليه السلام (في رجل وغلام اجتمعا في قتل رجل فقتلاه، فقال: قال اميرالمؤمنين عليه السلام: إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه واقتص له، وان لم يكن بلغ الغلام خمسة اشبار فقضى بالدية)(٢) .

باب من عمده خطأ

٥٢٢٧ - وروى الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمار الساباطى عن ابى عبيدة قال (سألت أبا جعفر عليه السلام عن أعمى فقأ عين صحيح متعمدا، فقال: يا أبا عبيدة ان عمد الاعمى مثل الخطأ هذا فيه الدية من ماله، فان لم يكن له مال فان دية ذلك على الامام ولايبطل حق مسلم).

___________________________________

(١) هذا هو المشهور في روايات الاصحاب، والمعروف من مذهبهم لا نعلم مخالفا فيه. (المسالك)

(٢) رواه الكليني بسنده المعروف عن السكوني، وقال في المسالك: بمضمونها أفتى الصدوق المفيد.

والحق أن هذه الروايات مع ضعف سندها شاذة مخالفة للاصول ولما أجمع المسلمون إلا من شذ فلا يلتفت اليها.

١١٤

٥٢٢٨ - وروى اسماعيل بن ابى زياد عن ابى عبدالله عليه السلام (ان محمد بن ابي بكر رضى الله عنه كتب إلى اميرالمؤمنين عليه السلام يسأله عن رجل مجنون قتل رجلا عمدا، فجعل عليه السلام الدية على قومه، وجعل خطأه وعمده سواء).

باب فيمن اتى حدا ثم التجأ إلى الحرم

٥٢٢٩ - وروى ابن عمير، عن هشام بن الحكم عن ابى عبدالله عليه السلام (في الرجل يجنى في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم قال: لا يقام عليه الحد ولا يطعم ولا يسقى(١) ولا يكلم ولا يبايع فانه إذا فعل ذلك به يوشك ان يخرج فيقام عليه الحد، وان جنى في الحرم جناية اقيم عليه الحد في الحرم فانه لم ير للحرم حرمة).

باب حكم الرجل يقتل الرجلين او اكثر والقوم يجتمعون على قتل رجل

٥٢٣٠ - روى القاسم بن محمد، عن ابان، عن الفضيل بن يسار قال: قلت لابى جعفر عليه السلام: (عشرة قتلوا رجلا، قال: ان شاء أولياؤه قتلوهم جميعا وغرموا تسع ديات، وان شاؤوا ان يتخيروا رجلا فيقتلوه قتلوه، وادى التسعة الباقون إلى اهل المقتول الاخير عشر الدية كل رجل منهم، قال ثم ان الوالى يلى ادبهم وحبسهم).

٥٢٣١ - وروى حماد، عن الحلبى عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (قضى على عليه السلام في رجلين امسك احدهما وقتل الاخر، فقال: يقتل القاتل ويحبس الاخر

___________________________________

(١) ظاهره منع الطعام والشراب عنه مطلقا وان كان سد الرمق. (مراد)

١١٥

حتى يموت عما كما حبسه عليه حتى مات غما

٥٢٣٢ - وقال في عشرة اشتركوا في قتل رجل قال: يتخير أهل المقتول فأيهم شاؤوا قتلوه ويرجع أولياؤه على الباقين بتسعة أعشار الدية "(١)

٥٢٣٣ - وقضى أمير المؤمنين عليه السلام " في ستة نفر كانوا في الماء فغرق منهم رجل فشهد منهم ثلاثة على اثنين أنهما غرقاه، وشهد اثنان على ثلاثة أنهم غرقوه فألزمهم الدية جميعا ألزم الاثنين ثلاثة أسهم بشهادة الثلاثة عليهما وألزم الثلاثة سهمين بشهادة الاثنين عليهم(٢)

٥٢٣٤ - وقضى علي عليه السلام(٣) في أربعة نفر أطلعوا في زبية الاسد فخر أحدهم فاستمسك بالثاني، واستمسك الثاني الثالث، واستمسك الثالث بالرابع حتى أسقط بعضهم بعضا على الاسد، فقضى بالاول أنه فريسة الاسد، وغرم أهله ثلث الدية لاهل الثاني وغرم أهل الثاني لاهل الثالث ثلثي الدية، وغرم أهل الثالث لاهل الرابع الدية كاملة "(٤) .

___________________________________

(١) لا خلاف في جواز قتل الجميع ورد ما فضل عن الدية الواحدة (المرآة) والخبر رواه الكليني في الصحيح ج ٧ ص ٢٨٣ عن الحلبى عن أبى عبدالله عليه السلام.

(٢) رواه الكلينى بسنده المعروف عن السكونى، وفى الروضة: هى مع ضعف سندها قضبة في واقعة مخالفة لاصول المذهب فلا يتعدى، والموافق لها من الحكم أن شهادة السابقين ان كانت مع استدعاء الولى وعد التهم قبلت، ثم لا تقبل شهادة الاخرين للتهمة، وان كانت الدعوى على الجميع أو حصلت التهمة عليهم لم تقبل شهادة أحدهم مطلقا ويكون ذلك لوثا يمكن اثباته بالقسامة.

(٣) رواه الكلينى من رواية محمد بن قيس عن أبى جعفر عليه السلام.

(٤) هذا أيضا قضية في واقعة وتوجيهها بأن الاول لم يقتله أحد.

والثانى قتله الاول وقتل هو الثالث والربع فقسطت الدية على الثلاثة فاستحق منها بحسب ما جنى عليه والثالث قتله اثنان وقتل هو واحدا فاستحق ثلثين كذلك، والرابع قتله الثلاثة فاستحق تمام الدية تعليل بموضع النزاع اذ لا يلزم من قتله لغيره سقوط شئ من ديته عن قاتله، وربما قيل بأن دية الرابع على الثلاثة بالسوية لاشتراكهم جميعا في سببة قتله وانما نسبها إلى الثالث لان الثاني استحق على الاول ثلث الدية فيضيف اليه ثلثا ويدفعه إلى الثالث فيضيف إلى ذلك ثلثا آخر ويدفعه إلى الرابع وهذا مع مخالفته لظاهر الرواية لا يتم في الاخرين لاستلزامه كون دية الثالث على الاولين ودية الثاني على الاول اذ لا مدخل لقتله من بعده في اسقاط حقه كما مر الا أن يفرض كون الواقع عليه سببا في افتراس الاسد له فيقرب الا أنه خلاف الظاهر كما في الروضة البهية كتاب الديات.

١١٦

٥٢٣٥ - وروي عن عمرو بن أبي المقدام قال: " كنت شاهدا عند البيت الحرام ينادي بابي جعفر الدوانيقي رجل وهو يطوف ويقول يا أمير المؤمنين إن هذين الرجلين طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله فلم يرجع إلى ووالله ما أدري ما صنعا به، فقال لهما: ما صنعتما به؟ فقالا: يا أمير المؤمنين كلمناه ثم رجع إلى منزله، فقال لهما: وافياني غدا عند صلاة العصر في هذا المكان فوافوه صلاة العصر من الغد، فقال لابي - عبدالله عليه السلام وهو قابض على يده: يا جعفر اقض بينهم فقال: اقض بينهم أنت، قال له بحقي عليك إلا قضيت بينهم، قال: فخرج جعفر عليه السلام فطرح له مصلى قصب فجلس عليه ثم جاء الخصماء فجلسوا قدامه فقال للمدعي: ما تقول؟ فقال: يا ابن رسول الله إن هذين طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله ووالله ما رجع إلي وواله ما أدري ما صنعا به، فقال: ما تقولان؟ فقالا: يابن رسول الله كلمناه ثم رجع إلى منزله فقال أبوعبدالله عليه السلام: يا غلام اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل من طرق رجلا بالليل فأخرجه من منزله فهو له ضامن إلا أن يقيم البينة أنه قد رده إلى منزله، يا غلام نح هذا الواحد منهما واضرب عنقه فقال: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله يا غلام نح هذا فاضرب عنقه للآخر، فقال: يا ابن رسول الله والله ما عذبته ولكني قتلته بضربة واحدة فأمر أخاه فضرب عنقه، ثم أمر بالآخر فضرب جنبيه وحبسه في السجن ووقع على رأسه يحبس عمره، يضرب كل سنة خمسين جلدة ".

___________________________________

(١) وجأه باليد والسكين - كوضعه -: ضربه كتوجأه.

١١٧

٥٢٣٦ - وروى السكوني عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " كان قوم يشربون فيسكرون فتباعجوا(١) بسكاكين كانت معهم فرفعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام فسجنهم فمات منهم رجلا وبقي رجلا فقال أهل المقتولين: يا أمير المؤمنين أقدهما بصاحبينا فقال علي عليه السلام للقوم: ما ترون؟ فقالوا: نرى أن تقيدهما فقال علي عليه السلام: لعل ذينك اللذين ماتا قتل كل واحد منهما صاحبه؟ قالوا: لا ندري، فقال علي عليه السلام: بل أنا أجعل دية المقتولين على قبائل الاربعة فأخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين ".

٥٢٣٧ - و " رفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام(٢) ثلاثة نفر واحد منهم أمسك رجلا وأقبل الآخر فقتله، والآخر يراهم، فقضى عليه السلام في صاحب الرؤية أن تسمل عيناه(٣) .

وقضى في الذي أمسك أن يسجن حتى يموت كما أمسكه، وقضى في الذي قتل أن يقتل ".

٥٢٣٨ - و " قضى عليه السلام في رجل أمر عبده أن يقتل رجلا، فقال: وهل عبد الرجل إلا كسيفه وسوطه يقتل السيد به، ويستودع العبد السجن حتى يموت "(٤) .

باب الجراحات والقتل بين النساء والرجال

٥٢٣٩ - روى عبدالرحمن بن الحجاج(٥) عن أبان بن تغلب قال: قلت لابي - عبدالله عليه السلام: " ما تقول في رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة كم فيها؟ قال: عشرة من الابل، قلت: قطع اثنين؟ فقال: عشرون، قلت: قطع ثلاثا؟ قال: ثلاثون، قلت

___________________________________

(١) بعج بطنه بالسكين يبعجه بعجا إذا شقه فهو مبعوج.

(٢) هذا أيضا من رواية السكوني كما تقدم ج ٣ ص ٣٠ وفي الكافى ج ٧ ص ٢٨٨.

(٣) سلمت عينه إذا فقأتها بحديدة محماة.

(٤) تقدم نحوه في كتاب القضاء ص ٣٠ من حديث السكوني.

(٥) رواه الكلينى في الصحيح ج ٧ ص ٢٩٩.

١١٨

قطع أربعا؟ قال: عشرون، قلت، سبحان الله يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون فيقطع أربعا فيكون عليه عشرون ! إن هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممن قاله، ونقول: الذي قاله شيطان، فقال: مهلا يا أبان هكذا حكم رسول الله صلى الله عليه وآله، إن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية(١) ، فإذا بلغت الثلث رجعت المرأة إلى النصف يا أبان إنك أخذتني بالقياس والسنة إذا قيست محق الدين ".

٥٢٤٠ - وسأل جميل، ومحمد بن حمران أبا عبدالله عليه السلام " عن المرأة بينها وبين الرجل قصاص؟ قال: نعم في الجراحات حتى يبلغ الثلث سواء فإذا بلغ الثلث سواء ارتفع الرجل وسفلت المرأة "(٢) .

٥٢٤١ - وروى أبوبصير عن أحدهما عليهما السلام(٣) قال: قلت: " رجل قتل امرأة فقال " إن أراد أهل المرأة أن يقتلوه أدوا نصف ديته وقتلوه وإلا قبلوا الدية "

٥٢٤٢ - وقال الصادق عليه السلام(٤) " في امرأة قتلت زوجها متعمدة، فقال: إن شاء أهله أن يقتلوها قتلوها وليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه ".

٥٢٤٣ - وروى محمد بن سهل بن اليسع، عن أبيه، عن الحسين بن مهران، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته عن امرأة دخل عليها لص وهي حبلى فوقع عليها، فقتل ما في بطنها فوثبت المرأة على اللص فقتلته، فقال: أما المرأة التي قتلت فليس عليها

___________________________________

(١) ظاهر العبارة يدل على أن المرأة تساوى الرجل فيما هو أهل من الثلث دون نفس الثلث لانه جعل نهاية التساوى، وهو المشهور، وقد حمل المساواة على ما إذا كانت الجناية بضربة واحدة فاذا قطع الاربع أربع مرات وجب الاربعون وإذا قطعت بضربة واحدة وجب العشرون وذلك أنه إذا قطع الثلاث وجب عليه الثلاثون، ولا معنى لقطع اصبع اخرى للعشرة الثانية.

(٢) رواه الكلينى في الحسن كالصحيح عن جميل عليه السلام.

(٣) رواه الكلينى في الموثق عنه عن أحدهما عليهما السلام.

(٤) رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن عبدالله بن سنان عنه عليه السلام.

١١٩

شئ، ودية سخلتها على عصبة المقتول السارق "(١) .

باب الرجل يقتل ابنه أو أباه أو أمه

٥٢٤٤ - روى القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " لا يقتل الاب بابنه إذا قتله، ويقتل الابن

بابيه إذا قتل أباه، وقال: لا يتوارث رجلان قتل أحدهما صاحبه "(٢) .

٥٤٤٥ - وروى محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال " في رجل قتل أمه، قال: إذا كان خطأ فإن له نصيبا من ميراثها، وإن كان قتلها متعمدا فلا يرث منها شيئا ".

٥٢٤٦ - وروى عمرو بن شمر، عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام " في الرجل يقتل ابنه أو عبده، قال: لا يقتل به ولكن يضرب ضربا شديدا وينفى من مسقط رأسه ".

٥٢٤٧ - وروى علي بن رئاب، عن أبي عبيدة قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل قتل امه، قال: لا يرثها ويقتل بها وهو صاغر، ولا أظن قتله بها كفارة لذنبه "(٢) .

___________________________________

(١) ضعيف لمقام الحسين بن مهران وسيجيئ في بابه.

(٢) روى الكلينى صدره في الضعيف ج ٧ ص ٢٩٨ وذيله ج ٧ ص ١٤٠ وقال العلامة المجلسى: كان نفى التوارث من الجانبين المتحقق في ضمن حرمان القاتل فقط فان المقتول يرث من القاتل ان مات قبله.

وقال سلطان العلماء: هذا بظاهره يشمل العمد والخطأ ولا خلاف في عدم الارث في العمد إذا كان ظلما، وأما خطأ ففى منعه من الارث مطلقا أو عدم منعه مطلقا أو منعه من الدية خاصة أقوال، ورواية محمد بن قيس الآتية يؤيد القول الثانى فيمكن تخصيص هذا بالعمد.

(٣) تقدم في باب القود ومبلغ الدية.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

4 ـ إنّه تحدّث عمّا يجب أنْ يتّصفَ به الإمام والقائد لمسيرة الاُمّة مِنْ الصفات ، وهي :

أ ـ العمل بكتاب الله.

ب ـ الأخذ بالقسط.

ج ـ الإداناة بالحقّ.

د ـ حبس النفس على ذات الله.

ولم تتوفّر هذه الصفات الرفيعة إلاّ في شخصيته الكريمة التي تحكي اتّجاهات الرسول (صلّى الله عليه وآله) ونزعاته.

وتسلّم مسلم هذه الرسالة ، وقد أوصاه الإمام بتقوى الله وكتمان أمره(1) ، وغادر مسلم مكّة ليلة النصف مِنْ رمضان(2) ، وعرج في طريقه على يثرب فصلّى في مسجد الرسول (صلّى الله عليه وآله) وطاف بضريحه ، وودّع أهله وأصحابه(3) ، وكان ذلك هو الوداع الأخير لهم ، واتّجه صوب العراق وكان معه قيس بن مسهر الصيداوي ، وعمارة بن عبد الله السلولي وعبد الرحمن بن عبد الله الأزدي ، واستأجر مِنْ يثرب دليلين مِنْ قيس يدلاّنه على الطريق(4) .

وسارت قافلة مسلم تجذّ في السير لا تلوي على شيء ، يتقدّمها الدليلان وهما يتنكبان الطريق ؛ خوفاً مِن الطلب فضلاً عن الطريق ، ولم يهتديا له وقد أعياهما السير واشتدّ بهما العطش ، فأشارا إلى مسلم بسنن الطريق بعد

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير 3 / 267.

(2) مروج الذهب 2 / 86.

(3) تاريخ الطبري 6 / 198.

(4) الأخبار الطوال / 231 ، تاريخ ابن الأثير 3 / 267.

٣٤١

أنْ بان لهما وتوفيا في ذلك المكان حسبما يقوله المؤرّخون(1) ، وسار مسلم مع رفقائه حتّى أفضوا إلى الطريق ووجدوا ماءً فأقاموا فيه ؛ ليستريحوا ممّا ألمَّ بهمْ مِنْ عظيم الجهد والعناء.

رسالة مسلم للحُسين (عليهما السّلام) :

ويقول المؤرّخون : إنّ مسلم تخوّف مِنْ سفره وتطيّر بعد أنْ أصابه مِن الجهد وموت الدليلين ، فرفع للإمام رسالة يرجو فيها الاستقالة مِنْ سفارته ، وهذا نصها : أمّا بعد ، فإنّي أقبلت مِن المدينة مع دليلين ، فجازا(2) عن الطريق فضلاّ ، واشتدّ عليهما العطش فلمْ يلبثا أنْ ماتا ، وأقبلنا حتّى انتهينا إلى الماء فلمْ ننجُ إلاّ بحشاشة أنفسنا ، وذلك الماء بمكان يدعى (المضيق) مِنْ بطن الخبث ، وقد تطيّرت مِنْ توجّهي هذا ، فإنْ رأيت أعفيتني مِنه وبعثت غيري ، والسّلام.

جواب الحُسين (عليه السّلام) :

وكتب الإمام الحُسين جواباً لرسالة مسلم ندد فيه بموقفه واتّهمه بالجبن ، وهذا نصها : أمّا بعد ، فقد خشيت أنْ لا يكون حمَلَك على الكتاب إليّ في الاستعفاء مِن الوجه الذي وجّهتك له إلاّ الجبن ، فامضِ لوجهك الذي

__________________

(1) الإرشاد / 227.

(2) جازا عن الطريق : أي تركاه خلفهما.

٣٤٢

وجّهتك فيه ، والسّلام(1) .

أضواء على الموضوع :

وأكبر الظنّ أنّ رسالة مسلم مع جواب الإمام مِن الموضوعات ، ولا نصيب لها مِن الصحة ؛ وذلك لما يلي :

1 ـ إنّ مضيق الخبث الذي بعث منه مسلم رسالته إلى الإمام يقع ما بين مكّة والمدينة حسب ما نصّ عليه الحموي(2) ، في حين أنّ الرواية تنصّ على أنّه استأجر الدليلين مِنْ يثرب ، وخرجوا إلى العراق فضلّوا عن الطريق وماتا الدليلان. ومِن الطبيعي أنّ هذه الحادثة وقعت ما بين المدينة والعراق ولمْ تقع ما بين مكّة والمدينة.

2 ـ إنّه لو كان هناك مكان يُدعى بهذا الاسم يقع ما بين يثرب والعراق لمْ يذكره الحموي ، فإنّ السفر منه إلى مكّة ذهاباً وإياباً يستوعب زماناً يزيد على عشرة أيّام ، في حين أنّ سفر مسلم مِنْ مكّة إلى العراق قد حدّده المؤرّخون فقالوا : إنّه سافر مِنْ مكّة في اليوم الخامس عشر مِنْ رمضان وقدم إلى الكوفة في اليوم الخامس مِنْ شوال ، فيكون مجموع سفره عشرين يوماً ، وهي أسرع مدّة يقطعها المسافر مِنْ مكّة إلى المدينة ؛ فإنّ المسافة بينهما تزيد على ألف وستمئة كيلو متر.

وإذا استثنينا مِنْ هذه المدّة سفر رسول مسلم مِنْ ذلك المكان ورجوعه إليه فإنّ مدّة سفره مِنْ مكّة إلى الكوفة تكون أقلّ مِنْ عشرة أيّام ، ويستحيل عادة قطع تلك

__________________

(1) الإرشاد / 226 ، وفي الحدائق الوردية 1 / 117 خرج مسلم مِنْ مكّة حتّى أتى المدينة ، وأخذ منها دليلين ، فمرّا به في البريّة فأصابهما عطش فمات أحد الدليلين ، فكتب مسلم إلى الحُسين يستعفيه ، فكتب إليه الحُسين (عليه السّلام) : «أنْ امضِ إلى الكوفة».

(2) معجم البلدان 2 / 343.

٣٤٣

المسافة بهذه الفترة مِن الزمن.

3 ـ إنّ الإمام اتّهم مسلماً في رسالته بالجبن ، وهو يناقض توثيقه له مِنْ أنّه ثقته وكبير أهل بيته والمبرز بالفضل عليهم ، ومع اتّصافه بهذه الصفات كيف يتّهمه بالجبن؟!

4 ـ إنّ اتّهام مسلم بالجبن يتناقض مع سيرته ؛ فقد أبدى هذا البطل العظيم مِن البسالة والشجاعة النادرة ما يبهر العقول ، فإنّه حينما انقلبت عليه جموع أهل الكوفة قابلها وحدّه مِنْ دون أنْ يعينه أو يقف إلى جنبه أيّ أحد ، وقد أشاع في تلك الجيوش المكثّفة القتل ممّا ملأ قلوبهم ذعراً وخوفاً ، ولمّا جيء به أسيراً إلى ابن زياد لمْ يظهر عليه أيّ ذلّ أو انكسار.

ويقول فيه البلاذري : إنّه أشجع بني عقيل وأرجلهم(1) ، بل هو أشجع هاشمي عرفه التاريخ بعد أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام).

إنّ هذا الحديث مِن المفتريات الذي وضِعَ للحطّ مِنْ قيمة هذا القائد العظيم الذي هو مِنْ مفاخر الاُمّة العربية والإسلاميّة.

في بيت المختار :

وسار مسلم يطوي البيداء حتّى دخل الكوفة فاختار النزول في بيت المختار الثقفي(2) ، وهو مِنْ أشهر أعلام الشيعة وأحد سيوفهم ومِنْ أحبّ الناس وأنصحهم للإمام الحُسين.

__________________

(1) أنساب الأشراف 1 / ق 1.

(2) الإرشاد / 226 ، تاريخ ابن الأثير 3 / 267 ، وقيل : نزل مسلم في بيت مسلم بن عوسجة ، وقيل : نزل في بيت هانئ بن عروة ، جاء ذلك في كلّ مِن الإصابة 1 / 332 ، وتهذيب التهذيب.

٣٤٤

لقد اختار مسلم النزول في بيت المختار دون غيره مِنْ زعماء الشيعة ؛ وذلك لوثوقه بإخلاصه للإمام الحُسين وتفانيه في حبّه ، كما أنّ هناك عاملاً آخر له أهمّيته ، فقد كان المختار زوجاً لعمرة بنت النعمان بن بشير حاكم الكوفة ، ولا شك أنّ يده لنْ تمتد إلى المسلم طالماً كان مقيماً في بيت صهره المختار ، وقد دلّ ذلك على إحاطة مسلم بالشؤون الاجتماعية.

وفتح المختار أبواب داره لمسلم وقابله بمزيد مِن الحفاوة والتكريم ، ودعا الشيعة إلى مقابلته ، فأقبلوا إليه مِنْ كلّ حدب وصوب وهم يظهرون له الولاء والطاعة.

ابتهاج الكوفة :

وعمّت الأفراح بمقدم مسلم جميع الأوساط الشيعية في الكوفة ، وقد وجد منهم مسلم ترحيباً حارّاً وتأييداً شاملاً ، وكان يقرأ عليهم رسالة الحُسين وهم يبكون ويبدون التعطّش لقدومه والتفاني في نصرته ؛ لينقذهم مِنْ جور الاُمويِّين وظلمهم ويعيد في مصرهم حكم الإمام أمير المؤمنين ، مؤسس العدالة الكبرى في الأرض ، وكان مسلم يوصيهم بتقوى الله وكتمان أمرهم حتّى يقدم إليهم الإمام الحُسين.

البيعة للحُسين (عليه السّلام) :

وانثالت الشيعة على مسلم تبايعه للإمام الحُسين (عليه السّلام) ، وكانت صيغة البيعة الدعوة إلى كتاب الله وسنّة رسوله وجهاد الظالمين ، والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين وقسمة الغنائم بين المسلمين بالسويّة ، وردّ المظالم إلى

٣٤٥

أهلها ونصرة أهل البيت (عليهم السّلام) ، والمسالمة لمَنْ سالموا والمحاربة لمَنْ حربوا. وقد شبّه السيّد المقرّم هذه البيعة ببيعة الأوس والخزرج للنّبي (صلّى الله عليه وآله)(1) ، وكان حبيب بن مظاهر الأسدي يأخذ البيعة منهم للحُسين(2) .

كلمة عابس الشاكري :

وانبرى المؤمن الفذ عابس بن شبيب الشاكري فأعرب لمسلم عن ولائه الشخصي واستعداده للموت في سبيل الدعوة ، إلاّ إنّه لمْ يتعهد له بإيّ أحد مِنْ أهل مصره قائلاً : أمّا بعد ، فإنّي لا أخبرك عن الناس ولا أعلم ما في أنفسهم وما أغرّك منهم. والله ، إنّي محدّثك عمّا أنا موطّن عليه نفسي. والله ، لاُجيبنَّكم إذا دعوتم ولاُقاتلنَّ معكم عدوكم ، ولأضربنَّ بسيفي دونكم حتّى ألقى الله ، لا أريد بذلك إلاّ ما عند الله.

وقد صدق عابس ما عاهد عليه الله ؛ فلمْ يخن ضميره ففدى بنفسه ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) واستشهد بين يديه في كربلاء. وانبرى حبيب ابن مظاهر فخاطب عابساً قائلاً له : رحمك الله ، فقد قضيت ما في نفسك بواجز مِنْ قولك ، وأنا والله الذي لا إله إلاّ هو على مثل ما أنت عليه.

واندفع سعيد الحنفي فأيّد مقالة صاحبيه(3) ، وهؤلاء الأبطال مِنْ

__________________

(1) الشهيد مسلم بن عقيل / 103.

(2) الحدائق الوردية 1 / 125 مِنْ مخطوطات مكتبة الإمام كاشف الغطاء العامّة.

(3) تاريخ الطبري 6 / 199.

٣٤٦

أنبل مَنْ عرفهم التاريخ صدقاً ووفاءً ، فقد بذلوا أرواحهم بسخاء إلى الإمام الحُسين واستشهدوا بين يديه في كربلاء.

عدد المبايعين :

وتسابقت جماهير الكوفة إلى بيعة الحُسين على يد سفيره مسلم بن عقيل ، وقد اختلف المؤرّخون في عدد مَنْ بايعه ، وهذه بعض الأقوال :

1 ـ أربعون ألفاً(1) .

2 ـ ثلاثون ألفاً ، ومِنْ بينهم حاكم الكوفة النعمان بن بشير(2) .

3 ـ ثمانية وعشرون ألفاً(3) .

4 ـ ثمانية عشر ألفاً ، حسب ما جاء في رسالة مسلم إلى الحُسين ، يقول فيها : وقد بايعني مِنْ أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً فعجل الإقبال(4) .

__________________

(1) شرح شافية أبي فراس 1 / 90 مِنْ مصوّرات مكتبة الإمام الحكيم ، مثير الأحزان لابن نما / 11.

(2) دائرة معارف وجدي 3 / 444 ، حقائق الأخبار عن دول البحار ، روضة الأعيان في أخبار مشاهير الزمان ـ محمد بن أبي بكر المتوفى سنة (730 هـ) / 67 مِنْ مصوّرات مكتبة الحكيم ، مناقب الإمام علي بن أبي طالب / 13 ، وجاء فيه : أنّ النعمان قال : يا أهل الكوفة ، ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أحبّ إليكم مِن ابن بنت بجدل.

(3) تاريخ أبي الفداء 1 / 300.

(4) تاريخ الطبري 6 / 224.

٣٤٧

5 ـ اثنا عشر ألفاً(1) .

رسالة مسلم للحُسين :

وازداد مسلم إيماناً ووثوقاً بنجاح الدعوة حينما بايعه ذلك العدد الهائل مِنْ أهل الكوفة ، فكتب للإمام يستحثّه فيها على القدوم إليهم ، وكان قد كتبها قبل شهادته ببضع وعشرين ليلة(2) ، وهذا نصها : أمّا بعد ، فإنّ الرائد لا يكذب أهله ، وقد بايعني مِنْ أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً(3) فعجّل حين يأتيك كتابي ، فإنّ الناس كلّهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوي(4) .

لقد كتب مسلم هذه الرسالة ؛ لأنّه لمْ يرَ أيّة مقاومة لدعوته ، وإنّما رأى إجماعاً شاملاً على بيعة الإمام وتلهّفاً حارّاً لرؤيته ، وحمل الكتاب جماعة مِنْ أهل الكوفة وعليهم البطل العظيم عابس الشاكري ، وقدم الوفد مكّة المكرّمة وسلّم الرسالة إلى الإمام ، وقد استحثّوه على القدوم إلى الكوفة وذكروا إجماع أهلها على بيعته وما قالاه مسلم مِن الحفاوة البالغة منهم ؛ وعند ذلك تهيأ الإمام إلى السفر للكوفة.

__________________

(1) مروج الذهب 3 / 4 ، الصراط السوي في مناقب آل النّبي / 86 مِنْ مصوّرات مكتبة الإمام الحكيم ، تهذيب التهذيب 2 / 350 ، الإصابة 1 / 332 ، الحدائق الوردية 1 / 117.

(2) أنساب الأشراف 1 / ق 1.

(3) وفي رواية البلاذري (إنّ جميع أهل الكوفة معك).

(4) تاريخ الطبري 6 / 224.

٣٤٨

موقف النعمان بن بشير :

كان موقف النعمان بن بشير(1) من الثورة موقفاً يتّسم باللين والتسامح ، وقد اتّهمه الحزب الاُموي بالضعف ، أو التضاعف في حفظ مصلحة الدولة والاهتمام بسلامتها ، فأجابهم : لأنْ أكون ضعيفاً وأنا في طاعة الله أحبّ إليّ مِنْ أن أكون قويّاً في معصية الله ، وما كنت لأهتك ستراً ستره الله(2) .

وقد أعطى الشيعة بموقفه هذا قوّة وشجعهم على العمل ضد الحكومة علناً ، ولعلّ سبب ذلك يعود لأمرين :

1 ـ إنّ مسلم بن عقيل كان ضيفاً عند المختار ، وهو زوج ابنته عمرة ، فلم يعرض للثوار بسوء رعايةً للمختار.

__________________

(1) النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي ، كان قد ولاّه معاوية الكوفة بعد عبد الرحمن بن الحكم ، وكان عثماني الهوى ؛ يجاهر ببغض علي ويسيء القول فيه ، وقد حاربه يوم الجمل وصفين ، وسعى بإخلاص لتوطيد المُلْك إلى معاوية ، وهو الذي قاد بعض الحملات الإرهابيّة على بعض المناطق العراقيّة. ويقول المحقّقون : إنّه كان ناقماً على يزيد ، ويتمنّى زوال المُلْك عنه شريطة أنْ لا تعود الخلافة لآل علي (عليه السّلام). ومِن الغريب في شأن هذا الرجل أنّ يزيد لمّا أوقع بأهل المدينة وأباحها لجنده ثلاثة أيّام لمْ يثأر النعمان لكرامة وطنه وقومه ، وفي الإصابة 3 / 530 إنّه لمّا هلك يزيد دعا النعمان إلى ابن الزّبير ، ثمّ دعا إلى نفسه فقاتله مروان ، فقُتل وذلك في سنة (65 هـ). وكان شاعراً مجيداً ، له ديوان شعر طُبع حديثاً.

(2) سير أعلام النبلاء 3 / 206.

٣٤٩

2 ـ إنّ النعمان كان ناقماً على يزيد ؛ وذلك لبغضه للأنصار. فقد أغرى الأخطل الشاعر المسيحي في هجائهم ، فثار لهم النعمان كما ألمعنا إلى ذلك في البحوث السابقة ، ولعل لهذا ولغيره لمْ يتّخذ النعمان أيّ إجراء مضاد للثورة.

خطبة النعمان :

وأعطى النعمان للشيعة قوّة في ترتيب الثورة وتنظيماً ، وهيأ لهم الفرص في أحكام قواعدها ممّا ساء الحزب الاُموي ، فأنكروا عليه ذلك وحرّضوه على ضرب الشيعة ، فخرج النعمان وصعد المنبر فأعلن للناس سياسته المتّسمة بالرفق ، فقال بعد حمد الله والثناء عليه : أمّا بعد ، فاتّقوا الله عباد الله ، ولا تُسارعوا إلى الفتنة والفرقة ؛ فإنّ فيها تهلك الرجال وتُسفك الدماء وتُغصب الأموال. إنّي لمْ اُقاتل مَنْ لمْ يُقاتلني ، ولا أثب على مَنْ لا يثب عليّ ، ولا اُشاتمكم ، ولا أتحرّش بكم ، ولا آخذ بالقرف(1) ولا الظنّة ولا التّهمة ، ولكنّكم إنْ أبديتم صفحتكم لي ونكثتم بيعتكم وخالفتم إمامكم ، فوالله الذي لا إله إلاّ هو ، لأضربنّكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولو لمْ يكن منكم ناصر. أما إنّي أرجو أنْ يكون مَنْ يعرف الحقّ منكم أكثر ممّنْ يرديه الباطل(2) .

وليس في هذا الخطاب أيّ ركون إلى وسائل العنف والشدّة ، وإنّما كان فيه تحذير مِنْ مغبّة الفتنة وحبّ للعافية ، وعدم التعرّض لمَنْ لا يثب على السلطة ، وعدم أخذ الناس بالظنّة والتّهمة كما كان يفعل زياد بن أبيه

__________________

(1) القرف : التهمة.

(2) تاريخ ابن الأثير 3 / 267.

٣٥٠

والي العراق. وعلّق أنيس زكريا على خطاب النعمان بقوله :

ولنا مِنْ خطبه ـ أيّ خطب النعمان ـ في الكوفة برهان آخر على أنّه كان يرى الفتنة يقظى ولا بد أنْ تشتعل ، وإنّه لنْ يهاجم القائمين بها قبل أنْ يهاجموه ، فجعل لأنصارها قوّة وطيدة الأركان ويداً فعالة في ترتيب المؤامرة وتنظيمها على الأسس المتينة(1) .

سخط الحزب الاُموي :

وأغضبت سياسة النعمان عملاء الحكم الاُموي ، فانبرى إليه عبد الله بن مسلم الحضرمي حليف بني اُميّة ، فأنكر خطّته قائلاً : إنّه لا يصلح ما ترى إلاّ الغشم(2) ، وإنّ هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوّك رأي المستضعفين!(3) .

ودافع النعمان عن نفسه بأنّه لا يعتمد على أيّة وسيلة تبعده عن الله ، ولا يسلك طريقاً يتجافى مع دينه ، وقد استبان للحزب الاُموي ضعف النعمان وانهياره أمام الثورة.

اتصال الحزب الاُموي بدمشق :

وفزع الحزب الاُموي مِنْ تجاوب الرأي العام مع مسلم واتّساع نطاق الثورة ، في حين أنّ السلطة المحليّة أغضّت النظر عن مجريات الأحداث

__________________

(1) الدولة الاُمويّة في الشام / 41.

(2) الغشم : الظلم.

(3) تاريخ ابن الأثير 3 / 267.

٣٥١

وقد اتّهمتها بالضعف أو بالتواطؤ مع الثوار ، وقام الحزب الاُموي باتّصال سريع بحكومة دمشق ، وطلبوا منها اتّخاذ الإجراءات الفورية قبل أنْ يتّسع نطاق الثورة ، ويأخذ العراق استقلاله وينفصل عن التبعية لدمشق.

ومِنْ بين الرسائل التي وفدت على يزيد رسالة عبد الله الحضرمي ، جاء فيها : أمّا بعد ، فإنّ مسلم بن عقيل قدم الكوفة وبايعته الشيعة للحُسين بن علي ، فإنْ كان لك بالكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قويّاً ينفّذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوّك ؛ فإنّ النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعّف(1) .

وتدعو هذه الرسالة إلى إقصاء النعمان عن مركزه ، واستعمال شخص آخر مكانه قوي البطش ؛ ليتمكن مِن القضاء على الثورة ، فإنّ النعمان لا يصلح للقضاء عليها. وكتب إليه بمثل ذلك عمارة بن الوليد بن عقبة وعمر بن سعد.

فزع يزيد :

وفزع يزيد حينما توافدت عليه رسائل عملائه في الكوفة بمبايعة أهلها للحُسين ، فراودته الهواجس وظلّ ينفق ليله ساهراً يطيل التفكير في الأمر ؛ فهو يعلم أنّ العراق مركز القوّة في العالم الإسلامي وهو يبغضه ويحقد على أبيه ، فقد أصبح موتراً منهم لما صبّوه عليه مِن الظلم والجور ، وإنّ كراهية أهل العراق ليزيد لا تقلّ عن كراهيتهم لأبيه ، كما إنّه على

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير 3 / 267.

٣٥٢

يقين أنّ الأغلبية الساحقة في العالم الإسلامي تتعطّش لحكم الإمام الحُسين ؛ لأنّه المثل الشرعي لجدّه وأبيه ولا يرضون بغيره بديلاً.

استشارته لسرجون :

وأحاطت الهواجس بيزيد وشعر بالخطر الذي يهدّد مُلْكه فاستدعى سرجون الرومي ، وكان مستودع أسرار أبيه ومِنْ أدهى الناس ، فعرض عليه الأمر ، وقال له : ما رأيك إنّ حُسيناً قد توجّه إلى الكوفة ، ومسلم بن عقيل بالكوفة يبايع للحُسين ، وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيئ ، فما ترى مَنْ أستعمل على الكوفة؟

وتأمّل سرجون وأخذ يطيل التفكير ، فقال له : أرأيت أنّ معاوية لو نُشر أكنت آخذاً رأيه؟ فقال يزيد : نعم. فأخرج سرجون عهد معاوية لعبيد الله بن زياد على الكوفة ، وقال : هذا رأي معاوية وقد مات ، وقد أمر بهذا الكتاب(1) .

أمّا دوافع سرجون في ترشيح ابن زياد لولاية الكوفة فهي لا تخلو مِنْ أمرين :

1 ـ إنّه يعرف قسوة ابن زياد وبطشه وأنّه لا يقوى أحد على إخضاع العراق غيره ؛ فهو الذي يتمكّن مِن القضاء على الثورة بما يملك مِنْ وسائل الإرهاب والعنف.

2 ـ إنّه قد دفعته العصبية القومية لهذا الترشيح ؛ فإنّ ابن زياد رومي.

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير 3 / 268.

٣٥٣

ولاية ابن زياد على الكوفة :

وكان يزيد ناقماً على ابن زياد كأشدّ ما تكون النقمة ، وأراد عزله عن البصرة(1) ؛ وذلك لمعارضة أبيه في البيعة له ، إلاّ إنّه استجاب لرأي سرجون ؛ فقد رأى فيه الحفاظ على مصلحة دولته ، فعهد له بولاية الكوفة والبصرة ، وبذلك فقد خضع العراق بأسره لحكمه ، وكتب إليه هذه الرسالة : أمّا بعد ، فإنّه كتب إليّ شيعتي مِنْ أهل الكوفة يخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشقّ عصا المسلمين ، فسرْ حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتّى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه ، والسّلام.

وأشارت هذه الرسالة إلى مدى قلق السلطة في دمشق وفزعها مِنْ مسلم بن عقيل ، وقد شدّدت على ابن زياد في الإسراع بالسفر إلى الكوفة لإلقاء القبض عليه.

وتنصّ بعض المصادر أنّ يزيد كتب إلى ابن زياد : إنْ كان لك جناحان فطر إلى الكوفة(2) ، وهذا ممّا ينبئ عن الخوف الذي ألمّ بيزيد مِنْ الثورة في العراق. وحمل مسلم بن عمرو الباهلي العهد لابن زياد بولاية الكوفة مع تلك الرسالة.

ويقول المؤرّخون : إنّ الباهلي كان مِنْ عيون بني اُميّة في الكوفة ومِنْ أهمّ عملائهم ، كما كان مِنْ أجلاف العرب ، وهو الذي ضنّ على مسلم أنْ يشرب جرعة مِن الماء حينما جيء به أسيراً إلى ابن زياد.

__________________

(1) البداية والنهاية 8 / 152.

(2) سير أعلام النبلاء 3 / 201.

٣٥٤

وتسلّم ابن زياد مِن الباهلي العهد له بولاية الكوفة وقد طار فرحاً ؛ فقد تمّ له الحكم على جميع أنحاء العراق بعد ما كان مهدّداً بالعزل عن ولاية البصرة ، وقد سرّ ما خولته دمشق مِن الحكم المطلق على العراق.

وبما سوّغت له مِن استعمال الشدّة والقسوة وسفك الدماء لكلّ مَنْ لا يدخل في طاعة يزيد أو يشترك بأيّة مؤامرة ضدّه ، وكان هذا التفويض المطلق في استعمال القسوة على الناس ممّا يتّفق مع رغبات ابن زياد وميوله ؛ فقد كان مِنْ عوامل استمتاعاته النفسية حبّ الجريمة والإساءة إلى الناس ، وعدم التردّد في سفك الدماء.

خطبة ابن زياد في البصرة :

وتهيأ ابن زياد لمغادرة البصرة والتوجّه إلى الكوفة ، وقبل مغادرته لها جمع الناس وخطب فيهم خطاباً قاسياً ، جاء فيه : إنّ أمير المؤمنين يزيد ولاّني الكوفة وأنا غاد إليها الغداة. فوالله ، إنّي ما تقرن بي الصعبة ولا يقعقع لي بالشنآن ، وإنّي لنكل لمَنْ عاداني وسمّ لمَنْ حاربني ، أنصف القارة مِنْ راماها.

يا أهل البصرة ، قد استخلفت عليكم عثمان بن زياد بن أبي سفيان ، وإيّاكم والخلاف والإرجاف ، فوالله الذي لا إله غيره ، لئن بلغني عن رجلٍ منكم خلاف لأقتلنّه وعرينه(1) ووليّه ، ولآخذنّ الأدنى بالأقصى حتّى تسمعوا لي ، ولا يكون فيكم مخالف ولا مشاق أنا ابن زياد أشبه

__________________

(1) العرين : الجماعة.

٣٥٥

بين مَنْ وطأ الحصا ، ولمْ ينتزعني شبه خال ولا ابن عم(1) .

ما أهون سفك الدماء عند اُولئك البرابرة الوحوش مِنْ ولاة بني اُميّة! لقد تحدّث الطاغية عن نفسيته الشريرة التي توغّلت في الإثم ، فهو يأخذ البريء بالسقيم والمقبل بالمدبر والأدنى بالأقصى ، ويقتل على الظنّة والتهمة كما كان يفعل أبوه زياد ، الذي أشاع القتل في ربوع العراق.

سفر الطاغية إلى الكوفة :

وسار الخبيث الدنس مِن البصرة متّجهاً إلى الكوفة ؛ ليقترف أعظم موبقة لمْ يقترفها شقي غيره ، وقد صحبه مِنْ أهل البصرة خمسمئة رجل فيهم عبد الله بن الحارث بن نوفل وشريك بن الأعور الحارثي(2) ، وهو مِنْ أخلص أصحاب الإمام الحُسين ، وقد صحب ابن زياد ليكون عيناً عليه ويتعرّف على خططه ، وقد صحب ابن زياد هذا العدد ليستعين بهم على بثّ الإرهاب وإذاعة الخوف بين الناس ، والاتصال بزعماء الكوفة لصرفهم عن الثورة.

وعلى أيّ حالٍ ، فقد أخذ ابن زياد يجذّ في السير لا يلوي على شيء قد واصل السير إلى الكوفة مخافة أنْ يسبقه الحُسين إليها ، وقد جهد أصحابه وأعياهم المسير ، فسقط منهم جماعة منهم عبد الله بن الحارث فلمْ يعبأ.

ولمّا ورد القادسية سقط مولاه (مهران) ، فقال له ابن زياد : إنْ أمسكت على هذا الحال فتنظر إلى القصر فلك مئة ألف. فقال له مهران : لا والله لا أستطيع. ونزل الطاغية فلبس ثياباً

__________________

(1) الطبري 6 / 200.

(2) الطبري 6 / 199.

٣٥٦

يمانية وعمامة سوداء وتلثّم ؛ ليوهم مَنْ رآه أنّه الحُسين ، وسار وحده فدخل الكوفة ممّا يلي النجف(1) ، وكان قلبه كجناح طائر مِنْ شدّة الخوف ، ولو كانت عنده مسكة مِن البسالة والشجاعة لما تنكّر وغيّر بزّته وأوهم على الناس أنّه الحُسين.

وقد تذرّع الجبان بهذه الوسائل لحماية نفسه ، وتنصّ بعض المصادر أنّه حبس نفسه عن الكلام خوفاً مِنْ أنْ يعرفه الناس فتأخذه سيوفهم.

في قصر الإمارة :

وأسرع الخبيث نحو قصر الإمارة(2) وقد علاه الفزع وساءه كأشدّ ما يكون الاستياء ؛ مِنْ تباشير الناس وفرحهم بقدوم الإمام الحُسين ،

__________________

(1) مقتل الحُسين ـ المقرم / 165.

(2) قصر الإمارة : هو أقدم بناية حكومية شُيّدت في الإسلام ، بناها سعد بن أبي وقاص ، وقد اندثرت معالمه كما اندثرت جميع معالم الكوفة ما عدا الجامع. وقد اهتمت مديرية الآثار العامّة في العراق بالتعرّف عليه ؛ فكشفت في مواسم مختلفة اُسسه ، وقد أظهرت نتائج الحفائر التي اُجريت عليه أنّه يتألّف مِنْ سور خارجي يضمّ أربعة جدران ، تقريباً طولها 170 متراًً ، ومعدل سمكها 4 أمتار ، وتدعم كلّ ضلع مِنْ الخارج ستة أبراج نصف دائرية باستثناء الضلع الشمالي ، حيث يدعمها برجان فقط. والمسافة ما بين كلّ برج وآخر 24 و 60 سنتمتر ، وارتفاع هذا السور بأبراجه يصل إلى ما يقرب مِنْ عشرين متراً. وقد بُني القصر بناء محكماً ، وصُمّمت هندسته على غاية حربية ؛ ليكون في حماية آمنة مِنْ كلّ غزو خارجي ، جاء ذلك في تخطيط مدينة الكوفة للدكتور كاظم الجنابي / 135 ـ 155 =

٣٥٧

ولمّا انتهى إلى باب القصر وجده مغلقاً والنعمان بن بشير مشرف مِنْ أعلا القصر ، وكان قد توهّم أنّ القادم هو الحُسين ؛ لأنّ أصوات الناس قد تعالت بالترحيب به والهتاف بحياته ، فانبرى يخاطبه : ما أنا بمؤدٍ إليك أمانتي يا بن رسول الله ، ومالي في قتالك مِنْ إرب.

ولمس ابن مرجانة في كلام النعمان الضعف والانهيار فصاح به بنبرات تقطر غيظاً : افتحْ لا فتحت ، فقد طال ليلك. ولمّا تكلم عرفه بعض مَنْ كان خلفه فصاح بالناس : إنّه ابن مرجانة وربّ الكعبة!

ومِن الغريب أنّ ذلك المجتمع لمْ يُميّز بين الإمام الحُسين وبين ابن مرجانة ، مع أنّ كلاً منهما قد عاش فترة في ديارهم ؛ ولعلّ الذي أوقعهم في ذلك تغيير ابن زياد لبزّته ولبسه للعمامة السوداء.

وعلى أيّ حالٍ ، فإنّ الناس حينما علموا إنّه ابن زياد جفلوا وخفّوا مسرعين إلى دورهم وهم يتحدّثون عمّا عانوه مِن الظلم والجور أيّام أبيه ، وقد أوجسوا مِنْ عبيد الله الشرّ.

وبادر ابن زياد في ليلته فاستولى على المال والسّلاح ، وأنفق ليله ساهراً قد جمع حوله عملاء الحكم الاُموي ، فأخذوا يحدّثونه عن الثورة ويعرّفونه بأعضائها البارزين ، ويضعون معه المخططات للقضاء عليها.

__________________

= وقد وقفت عليه غير مرّة ، وتطلّعت إلى كثير مِنْ معالمه ، ففي بعض أبوابه الرئيسة مظلاّت لحرّاس القصر قد ردمت ولمْ يبقَ منها إلاّ بعض معالمها ، وفي جانب منه بعض الغرف التي اُعدّت للسجن ، وقد صُمّمت بشكل غريب ، وفي جانب منه مطابخ القصر ـ ولم يشر الاُستاذ الجنابي إليها ـ وقد اُحكم بناء القصر حتّى كان مِن المتعذّر اقتحامه والاستيلاء عليه.

٣٥٨

خطابه في الكوفة :

وعندما انبثق نور الصبح أمر ابن مرجانة بجمع الناس في المسجد الأعظم ، فاجتمعت الجماهير وقد خيّم عليها الذعر والخوف ، وخرح ابن زياد متقلداً سيفه ومعتمّاً بعمامة ، فاعتلى أعواد المنبر وخطب الناس ، فقال : أمّا بعد ، فإنّ أمير المؤمنين أصلحه الله ولاّني مصركم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم ، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم وبالشدّة على مريبكم ، فأنا لمطيعكم كالوالد البرّ الشفيق ، وسيفي وسوطي على مَنْ ترك أمري وخالف عهدي ، فليبق امرؤ على نفسه الصدق ينبئ عنك لا الوعيد(1) .

وحفل هذا الخطاب بما يلي :

1 ـ إعلام أهل الكوفة بولايته على مصرهم وعزل النعمان بن بشير عنه.

2 ـ تعريفهم أنّ حكومة دمشق قد عهدت له بالإحسان على مَنْ يتبع السلطة ولمْ يتمرّد عليها ، واستعمال الشدّة والقسوة على الخارجين عليها.

ولمْ يعرض ابن مرجانة في خطابه للإمام الحُسين وسفيره مسلم ؛ خوفاً مِن انتفاضة الجماهير عليه وهو بعدُ لمْ يحكم أمره.

__________________

(1) مقاتل الطالبيِّين / 97.

٣٥٩

نشر الإرهاب :

وعمد ابن زياد إلى نشر الإرهاب وإذاعة الخوف ، ويقول بعض المؤرّخين : إنّه لمّا أصبح ابن زياد بعد قدومه إلى الكوفة صالَ وجالَ وأرعدَ وأبرقَ ، وأمسكَ جماعةً مِنْ أهل الكوفة فقتلهم في الساعة(1) ، وقد عمد إلى ذلك لإماتة الأعصاب وصرف الناس عن الثورة.

وفي اليوم الثاني أمر بجمع الناس في المسجد وخرج إليهم بزي غير ما كان يخرج به ، فخطب فيهم خطاباً عنيفاً تهدّد فيه وتوعّد ، فقد قال بعد حمد الله والثناء عليه : أمّا بعد ، فإنّه لا يصلح هذا الأمر إلاّ في شدّة مِنْ غير عنف ولين مِنْ غير ضعف ، وأنْ أخذ البريء بالسقيم ، والشاهد بالغائب ، والولي بالولي.

فانبرى إليه رجل مِنْ أهل الكوفة يُقال له : أسد بن عبد الله المرّي فردّ عليه : أيّها الأمير ، إنّ الله تبارك وتعالى يقول :( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) ‏ ، إنّما المرء بجدّه ، والسيف بحدّه ، والفرس بشدّه ، وعليك أنْ تقول وعلينا أنْ نسمع ، فلا تقدّم فينا السيئة قبل الحسنة.

وأُفحم ابن زياد فنزل عن المنبر ودخل قصر الإمارة(2) .

__________________

(1) الفصول المهمة / 197 ، وسيلة المال / 186.

(2) الفتوح 5 / 67.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558