من لا يحضره الفقيه الجزء ٤

من لا يحضره الفقيه10%

من لا يحضره الفقيه مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 558

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 558 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169944 / تحميل: 11080
الحجم الحجم الحجم
من لا يحضره الفقيه

من لا يحضره الفقيه الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وعبيد الله بن العباس ، ولمّا مثلا عندها ذكّراها بما أمرها الله أنْ تقرّ في بيتها ، وأنْ لا تسفك دماء المسلمين ، وبالغا في نصيحتها ، ولو أنّها وعت نصيحتهما لعادت على الناس بالخير العميم ، وجنّبتهم كثيراً مِن المشاكل والفتن ، إلاّ أنّها جعلت كلامهما دبر أذنيها ، وراحت تقول لهم : إنّي لا أردّ على ابن أبي طالب بالكلام ؛ لأنّي لا أبلغه في الحِجاح(1) .

وبذل الإمام (عليه السّلام) قصارى جهوده في الدعوة إلى السّلم وعدم إراقة الدماء ، إلاّ أنّ هناك بعض العناصر لمْ ترق لها هذه الدعوى ، وراحت تسعى لإشعال نار الحرب وتقويض دعائم السّلم.

الدعوة إلى القرآن :

ولمّا باءت بالفشل جميع الجهود التي بذلها الإمام (عليه السّلام) مِن أجل حقن الدماء ، ندب الإمام (عليه السّلام) أصحابه لرفع كتاب الله العظيم ودعوة القوم إلى العمل بما فيه ، وأخبرهم أنّ مَنْ يقوم بهذه المهمة فهو مقتول ، فلمْ يستجب له أحد سوى فتى نبيل مِن أهل الكوفة ، فانبرى إلى الإمام (عليه السّلام) وقال : أنا له يا أمير المؤمنين.

فأشاح الإمام (عليه السّلام) بوجهه عنه ، وطاف في أصحابه ينتدبهم لهذه المهمة فلمْ يستجب له أحد سوى ذلك الفتى ، فناوله الإمام (عليه السّلام) المصحف ، فانطلق الفتى مزهوّاً لمْ يختلج في قلبه خوف ولا رعب ، وهو يلوح بالكتاب أمام عسكر عائشة قد رفع صوته بالدعوة إلى العمل بما فيه ، ولكنّ القوم قد دفعتهم الأنانية إلى الفتك به فقطعوا يمينه ، فأخذ المصحف بيساره وهو يناديهم بالدعوة إلى العمل بما فيه ، فاعتدوا عليه وقطعوا يساره ، فأخذ المصحف

__________________

(1) الفتوح 2 / 306.

٤١

بأسنانه وقد نزف دمه ، وراح يدعوهم إلى السّلم وحقن الدماء قائلاً : الله في دمائنا ودمائكم.

وانثالوا عليه يرشقونه بنبالهم فوقع على الأرض جثة هامدة ، فانطلقت إليه اُمّه تبكيه وترثيه بذوب روحها قائلة :

يا ربِّ إنّ مسلماً أتاهُمْ

يتلو كتاب الله لا يخشاهُمْ

فخضّبوا مِن دمه لحاهُمْ

واُمّهم قائمةٌ تراهُمْ

ورأى الإمام (عليه السّلام) بعد هذا الإعذار أنْ لا وسيلة له سوى الحرب ، فقال لأصحابه : «الآن حلّ قتالهم ، وطاب لكم الضراب»(1) . ودعا الإمام (عليه السّلام) حضين بن المنذر وكان شاباً ، فقال له : «يا حضين ، دونك هذه الراية ، فو الله ما خفقت قط فيما مضى ، ولا تخفق فيما بقي راية أهدى منها إلاّ راية خفقت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)».

وفي ذلك يقول الشاعر :

لمَنْ رايةٌ سوداء يخفُقُ ظلُّها

إذا قيل قدِّمها حُضينٌ تقدّما

يُقدّمها للموت حتّى يزيرها

حِياض المنايا تَقطرُ الموتَ والدما(2)

الحربُ العامة :

ولمّا استيأس الإمام (عليه السّلام) مِن السّلم عبّأ جيشه تعبئة عامّة ، وكذلك فعل أصحاب عائشة وقد حملوها على جملها (عسكر) ، واُدخلت هودجها المصفّح بالدروع ، والتحم الجيشان التحاماً رهيباً. يقول بعض المؤرّخين : إنّ

__________________

(1) مروج الذهب 2 / 246.

(2) أنساب الأشراف 1 ق 1 / 180.

٤٢

الإمام الحُسين (عليه السّلام) قد تولّى قيادة فرقة مِنْ فرق الجيش ، وإنّه كان على الميسرة ، وخاض المعركة ببسالة وصمود(1) . وكان جمل عائشة فيما يقول بعض مَنْ شهد المعركة هو راية أهل البصرة ، يلوذون به كما يلوذ المقاتلون براياتهم ، وقد حمل الإمام (عليه السّلام) عليهم وقد رفع العلم بيسراه ، وشهر في يمينه ذا الفقار الذي طالما ذبّ به عن دين الله ، وحارب به المشركين على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله). واقتتل الفريقان كأشدّ ما يكون القتال ضراوة ، يريد أصحاب عائشة أنْ يحرزوا النصر ويحموا أُمّهم ، ويريد أصحاب علي (عليه السّلام) أنْ يحموا إمامهم ويموتوا دونه.

مصرعُ الزبير :

وكان الزبير رقيق القلب ، شديد الحرص على مكانته مِن النّبي (صلّى الله عليه وآله) ، إلاّ أنّ حبّ المُلْك هو الذي أغراه ودفعه إلى الخروج على الإمام (عليه السّلام) ؛ يضاف إلى ذلك ولده عبد الله فهو الذي زجّ به في هذه المهالك ، وباعد ما بينه وبين دينه ، وقد عرف الإمام (عليه السّلام) رقّة طبع الزبير ، فخرج إلى ميدان القتال ورفع صوته :

«أين الزبير؟».

فخرج الزبير وهو شاك في سلاحه ، فلمّا رآه الإمام (عليه السّلام) بادر إليه واعتنقه ، وقال له بناعم القول : «يا أبا عبد الله ، ما جاء بك ها هنا؟».

ـ جئت أطلب دم عثمّان.

فرمقه الإمام (عليه السّلام) بطرفه وقال له :

__________________

(1) سير أعلام النبلاء 3 / 193.

٤٣

«تطلب دم عثمّان!».

ـ نعم.

ـ «قتل الله مَنْ قتل عثمّان».

وأقبل عليه يحدّثه برفق ، قائلاً : «أنشدك الله يا زبير ، هل تعلم أنّك مررت بي وأنت مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو متكئ على يدك ، فسلّم عليّ رسول الله وضحك إليّ ، ثمّ التفت إليك فقال لك : يا زبير ، إنّك تقاتل عليّاً وأنت له ظالم».

وتذكّر الزبير ذلك ، وقد ذهبت نفسه أسىً وحسرات ، وندم أشدّ ما يكون النّدم على موقفه هذا ، والتفت إلى الإمام (عليه السّلام) وهو يصدّق مقالته : اللّهم نعم.

ـ «فعلامَ تقاتلني؟».

ـ نسيتها والله ، ولو ذكرتها ما خرجت إليك ولا قاتلتك(1) .

ـ «ارجع».

ـ كيف ارجع وقد التقت حلقتا البطان؟! هذا والله العار الذي لا يُغسل.

ـ «ارجع قبل أنْ تجمع العار والنار».

وألوى عنان فرسه ، وقد ملكت الحيرة والقلق أهابه ، وراح يقول :

فاخترتُ عاراً على نارٍ مؤجّجةٍ

ما إنْ يقوم لها خلقٌ من الطينِ

نادى عليٌّ بأمرٍ لستُ أجهلُهُ

عارٍ لَعمرُك في الدنيا وفي الدينِ

فقلتُ حسبُك مِن عذلٍ أبا حسنٍ

فبعض هذا الذي قد قلت يكفيني(2)

وقفل الإمام (عليه السّلام) راجعاً إلى أصحابه ، فقالوا له : تبرز إلى زبير حاسراً

__________________

(1) الإمامة والسياسة 1 / 73.

(2) مروج الذهب 2 / 247. على أنّ الأبيات وردت على غير هذا النسق ، وما أثبتناه فهو من بعض المصادر الاُخرى. (موقع معهد الإمامين الحَسنَين)

٤٤

وهو شاك السّلاح ، وأنت تعرف شجاعته! فقال (عليه السّلام) :

«إنّه ليس بقاتلي ، إنّما يقتلني رجل خامل الذكر ، ضئيل النسب ، غيلة في غير ماقط(1) حرب ولا معركة رجال. ويل أُمّه أشقى البشر! ليودّ أنّ أُمّه هبلت به. أما أنّه وأحمر ثمّود لمقرونان في قرن ...»(2) .

واستجاب الزبير لنداء الإمام (عليه السّلام) فاتّجه صوب عائشة ، فقال لها : يا أُمّ المؤمنين ، إنّي والله ما وقفت موقفاً قط إلاّ عرفت أين أضع قدمي فيه إلاّ هذا الموقف ؛ فإنّي لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر؟!

وعرفت عائشة تغيير فكرته وعزمه على الانسحاب مِنْ حومة الحرب ، فقالت له باستهزاء وسخرية مثيرة عواطفه : يا أبا عبد الله ، خفت سيوف بني عبد المطلب؟! وعاثت هذه السخرية في نفسه ، فالتفت إليه ولده عبد الله فعيّره بالجبن قائلاً : إنّك خرجت على بصيرة ، ولكنّك رأيت رايات ابن أبي طالب وعرفت أنّ تحتها الموت فجبنت.

إنّه لمْ يخرج على بصيرة ولا بيّنة مِنْ أمره ، وإنّما خرج مِنْ أجل المُلْك والسلطان.

والتاع الزبير مِنْ حديث ولده ، فقال له : ويحك! إنّي قد حلفت له أنْ لا اُقاتله. [فقال له ابنه :] كفّر عن يمينك بعتق غلامك سرجس. فأعتق غلامه وراح يجول في ميدان الحرب ليُري ولده شجاعته ، ويوضّح له أنّه إنّما فرّ بدينه لا جبناً ولا خوراً ، ومضى منصرفاً على وجهه حتّى أتى وادي السّباع. وكان الأحنف بن قيس مع قومه مقيمين هناك ،

__________________

(1) الماقط : ساحة القتال.

(2) شرح نهج البلاغة 1 / 135.

٤٥

فتبعه ابن جرموز فأجهز عليه وقتله غيلة ، وحمل مقتله إلى الإمام (عليه السّلام) فحزن عليه كأشدّ ما يكون الحزن ، ويقول الرواة : إنّه أخذ سيفه وهو يقول : «سيف طالما جلا الكروب عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)». وعلى أي حالٍ ، لقد كانت النهاية الأخيرة للزبير تدعو إلى الأسف والأسى ؛ فقد تمرّد على الحقّ ، وأعلن الحرب على وصي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وباب مدينة علمه.

مصرعُ طلحة :

وخاض طلحة المعركة وهو يحرّض جيشه على الحرب ، فبصر به مروان بن الحكم فرماه بسهم ؛ طلباً بثار عثمّان ، فوقع على الأرض يتخبّط بدمه. وكان مروان يقول لبعض ولد عثمّان : لقد كفيتك ثأر أبيك من طلحة. وأمر طلحة مولاه أنْ يأوي به إلى مكان ينزل فيه ، فأوى به بعد مشقّة إلى دار خربة مِنْ دور البصرة فهلك فيها بعد ساعة.

قيادةُ عائشة للجيش :

وتولّت عائشة قيادة الجيش بعد هلاك الزبير وطلحة ، وقد تفانت بنو ضبّة والأزد وبنو ناجية في حمايتها. ويقول المؤرّخون : إنّهم هاموا بحبّها ، فكانوا يأخذون بعر جملها ويشمّونه ، ويقولون : بعر جمل أُمّنا ريحه ريح المسك. وكانوا محدقين به لا يريدون فوزاً ولا انتصاراً سوى حمايتها ، وإنّ راجزهم يرتجز :

يا معشرَ الأزد عليكُمْ أُمّكمْ

فإنّها صلاتُكُم وصومكُمْ

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير 3 / 97.

٤٦

والحرمةُ العظمى التي تعمّكُمْ

فأحضروها جدكُمْ وحزمكُمْ

لا يغلبنْ سمّ العدو سمّكُمْ

إنّ العدوَّ إنْ علاكُمْ زمّكُمْ

وخصّكُم بجورهِ وعمّكُمْ

لا تفضحوا اليوم فداكُم قومكُمْ(1)

وكانت تحرّض على الحرب كلّ مَنْ كان على يمينها ، ومَنْ كان على شمالها ، ومَنْ كان أمامها قائلة : إنّما يصبر الأحرار. وكان أصحاب الإمام (عليه السّلام) يلحّون على أصحاب عائشة بالتخلّي عنها ، وراجزهم يرتجز :

يا أُمَّنا أعقّ اُمٍّ نعلمُ

والأُمُّ تغذو وُلدها وترحمُ

أما ترينَ كم شُجاعٍ يُكلمُ

وتختلي منه يدٌ ومِعصمُ

وكان أصحاب عائشة يردّون عليهم ويقولون :

نحن بني ضبّة أصحابَ الجملْ

ننازلُ القرن إذا القرن نزلْ

والقتلُ أشهى عندنا مِن العسلْ

نبغي ابن عفّان بأطراف الأسلْ

ردّوا علينا شيخَنا ثمّ بجلْ

واشتدّ القتال كأشد وأعنف ما يكون القتال ، وكثرت الجرحى ، وملئت أشلاء القتلى وجه الأرض.

عقرُ الجمل :

ورأى الإمام (عليه السّلام) أنّ الحرب لا تنتهي ما دام الجمل موجوداً ، فصاح (عليه السّلام) بأصحابه : «اعقروا الجمل ؛ فإنّ في بقائه فناء العرب». وانعطف عليه الحسن (عليه السّلام) فقطع يده اليمنى ، وشدّ عليه الحُسين (عليه السّلام) فقطع يده اليسرى(2) ، فهوى إلى جنبه وله عجيج منكر لمْ يسمع مثله ، وفرّ حماة الجمل في البيداء ؛ فقد تحطّم صنمهم

__________________

(1) شرح نهج البلاغة 2 / 81.

(2) وقعة الجمل ـ مُحمّد بن زكريا / 44.

٤٧

الذي قدّموا له هذه القرابين ، وأمر الإمام (عليه السّلام) بحرقه وتذرية رماده في الهواء ؛ لئلاّ تبقى منه بقية يُفتتن بها السذّج والبسطاء.

وبعد الفراغ مِنْ ذلك ، قال : «لعنه الله مِنْ دابة فما أشبهه بعجل بني إسرائيل!». ومدّ بصره نحو الرماد الذي تناهبه الهواء ، فتلا قوله تعالى :( وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ) . وبذلك فقد وضعت الحرب أوزارها ، وكتب النصر للإمام (عليه السّلام) وأصحابه ، وباءت القوى الغادرة بالخزي والخسران.

وأوفد الإمام (عليه السّلام) للقيا عائشة الحسن والحُسين (عليهما السّلام) ومُحمّد بن أبي بكر(1) ، فانطلقوا إليها ، فمدّ مُحمّد يده في هودجها فجفلت منه ، وصاحت به : مَنْ أنت؟

ـ أبغض أهلك إليك.

ـ ابن الخثعميّة؟

ـ نعم أخوك البرّ.

ـ عقوق.

ـ هل أصابك مكروه؟

ـ سهم لمْ يضرّني.

فانتزعه منها ، وأخذ بخطام هودجها وأدخلها في الهزيع الأخير مِن الليل إلى دار عبد الله بن خلف الخزاعي على صفية بنت الحارث ، فأقامت فيه أياماً.

العفو العام :

وسار علي (عليه السّلام) في أهل البصرة سيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أهل مكة

__________________

(1) وقعة الجمل / 45.

٤٨

كما قال (عليه السّلام) ، فأمِنَ الأسود والأحمر ـ على حدّ تعبير اليعقوبي(1) ـ ولمْ ينكّل بأيّ أحد مِنْ خصومه ، وجلس للناس فبايعه الصحيح منهم والجريح ، ثمّ عمد إلى بيت المال فقسّم ما وجد فيه على الناس بالسواء.

وسار (عليه السّلام) إلى عائشة فبلغ دار عبد الله بن خلف الخزاعي الذي أقامت فيه عائشة ، فاستقبلته صفية بنت الحارث شرّ لقاء ، فقالت له : يا علي ، يا قاتل الأحبّة ، أيتم الله بنيك كما أيتمت بني عبد الله! وكانوا قد قتلوا في المعركة مع عائشة ، فلمْ يجبها الإمام (عليه السّلام) ومضى حتّى دخل على عائشة ، فأمرها أنْ تغادر البصرة وتمضي إلى يثرب لتقرّ في بيتها كما أمرها الله.

ولمّا انصرف أعادت عليه صفية القول الذي استقبلته به ، فقال لها : «لو كنت قاتل الأحبّة لقتلت مَنْ في هذا البيت». وهو يشير إلى أبواب الحجرات المقفلة ، وكان فيها كثير مِن الجرحى وغيرهم مِنْ أعضاء المؤامرة [الذين] آوتهم عائشة ، فسكتت صفية ، وأراد مَنْ كان مع الإمام (عليه السّلام) أنْ يبطشوا بهم ، فزجرهم زجراً عنيفاً ؛ وبذلك فقد منح العفو لأعدائه وخصومه.

وسرّح الإمام (عليه السّلام) عائشة تسريحاً جميلاً ، وأرسل معها جماعة مِنْ النساء بزي الرجال لتقرّ في بيتها حسب ما أمرها الله ، وقد رحلت عائشة مِن البصرة ، وأشاعت في بيوتها الثكل والحزن والحداد.

يقول عمير بن الأهلب الضبي ، وهو مِن أنصارها :

لقد أورثتنا حومةَ الموت اُمُّنا

فلمْ تنصرف إلاّ ونحن رواءُ

أطعنا بني تيمٍ لشقوةِ جدِّنا

وما تيمُ إلاّ أعبدٌ وإماءُ(2)

لقد أوردت أُمّ المؤمنين أبناءها حومة الموت ، فقد كان عدد الضحايا مِن المسلمين فيما يقول بعض المؤرخين عشرة آلاف ، نصفهم مِن أصحابها ،

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 159.

(2) مروج الذهب 2 / 256.

٤٩

والنصف الآخر مِنْ أصحاب الإمام (عليه السّلام)(1) . وكان مِنْ أعظم الناس حسرة الإمام (عليه السّلام) ؛ لعلمه بما تجرّ هذه الحرب مِنْ المصاعب والمشاكل.

متاركُ الحرب :

وأعقبت حرب الجمل أفدح الخسائر وأعظم الكوارث التي اُبتلي بها المسلمون ، ومِن بينها ما يلي :

1 ـ إنّها مهّدت السبيل لمعاوية لمناجزة الإمام (عليه السّلام) ، والتصميم على قتاله ، فقد تبنى شعار معركة الجمل وهو المطالبة بدم عثمان ، ولولا حرب الجمل لما استطاع معاوية أنْ يعلن العصيان والتمرّد على حكم الإمام (عليه السّلام).

2 ـ إنّها أشاعت الفرقة والاختلاف بين المسلمين ، فقد كانت روح المودّة والأُلفة سائدة فيهم قبل حرب الجمل ، وبعدها انتشرت البغضاء بين أفراد الأُسر العربية ؛ فقبائل ربيعة واليمن في البصرة أصبحت تكن أعمق البغض والكراهية لإخوانهم من ربيعة وقبائل اليمن في الكوفة ، وتطالبها بما أُريق من دماء أبنائها ، بل أصبحت الفرقة ظاهرة شائعة حتّى في البيت الواحد ؛ فبعض أبنائه كانوا شيعة لعلي والبعض الآخر كانوا شيعة لعائشة.

ويقول المؤرّخون : إنّ البصرة بقيت محتفظة بولائها لعثمان حفنة من السنين ، وإنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) إنّما لمْ ينزح إليها لما عُرِفت به من الولاء لعثمان.

3 ـ إنّها أسقطت هيبة الحكم وجرّأت على الخروج عليه ؛ فقد تشكّلت الأحزاب النفعية التي لا همّ لها إلاّ الاستيلاء على السلطة والظفر بخيرات البلاد ، حتّى كان التطاحن على الحكم من أبرز سمات ذلك العصر.

__________________

(1) تاريخ الطبري 5 / 224 ، وفي رواية أبي العلاء في أنساب الأشراف 1 ق 1 / 180 أنّ عدد الضحايا عشرون ألفاً.

٥٠

4 ـ إنّها فتحت باب الحرب بين المسلمين ، وقبلها كان المسلمون يتحرجون أشدّ ما يكون التحرّج في سفك دماء بعضهم بعضاً.

5 ـ إنّها عملت على تأخير الإسلام وشلّ حركته وإيقاف نموّه ، فقد انصرف الإمام (عليه السّلام) بعد حرب الجمل إلى مقاومة التمرّد والعصيان الذي أعلنه معاوية وغيره من الطامعين في الحكم ، ممّا أدّى إلى أفدح الخسائر التي مُنِيَ بها الإسلام.

يقول الفيلسوف (ولز) : إنّ الإسلام كاد أنْ يفتح العالم أجمع لو بقي سائراً سيرته الاُولى لو لمْ تنشب في وسطه مِنْ أوّل الأمر الحرب الداخلية ؛ فقد كان همّ عائشة أنْ تقهر علياً قبل كلّ شيء(1) .

6 ـ واستباحت هذه الحرب حرمة العترة الطاهرة التي قرنها النّبي (صلّى الله عليه وآله) بمحكم التنزيل ، وجعلها سفن النجاة وأمن العباد ، فمنذ ذلك اليوم شُهِرَت السيوف في وجه عترة النّبي (صلّى الله عليه وآله) ، واستحلّ الأوغاد إراقة دمائهم وسبي ذراريهم ، فلمْ يرعَ بنو اُميّة في وقعة كربلاء أي حرمة للنّبي (صلّى الله عليه وآله) في أبنائه ، وانتهكوا معهم جميع الحرمات.

هذه بعض متارك حرب الجمل التي جرّت للمسلمين أفدح الخسائر في جميع فترات التاريخ.

القاسطون :

ولمْ يكد يفرغ الإمام (عليه السّلام) من حرب الناكثين ـ كما اسماهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ حتّى جعل يتأهّب لحرب القاسطين الذين أسماهم النّبي (صلّى الله عليه وآله) بذلك ، ورأى الإمام (عليه السّلام) أنْ يغادر البصرة إلى الكوفة ؛ ليستعدّ لحرب عدوّ عنيف هو معاوية بن أبي سفيان الذي حارب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأبلى في حربه أشدّ

__________________

(1) شيخ المضيرة / 173.

٥١

البلاء وأقواه ، ولمْ يكن معاوية بأقلّ تنكّراً للإسلام وبغضاً لأهله مِنْ أبيه ، وكان المسلمون الأوّلون ينظرون إليهما نظرة ريبة وشك في إسلامهما ، وقد استطاع بمكره ودهائه أنْ يغزو قلب الخليفة الثاني ، ويحتل المكانة المرموقة في نفسه فجعله والياً على الشام ، وظلّ يبالغ في تسديده وتأييده ، وبعد وفاته أقرّه عثمان وزاد في رقعة سلطانه.

وظلّ معاوية في الشام يعمل عمل مَنْ يريد المُلْك والسلطان ، فأحاط نفسه بالقوّة واشترى الضمائر ، وسخّر اقتصاد بلاده في تدعيم سلطانه ، وبعد الأحداث التي ارتكبها عثمان علم معاوية أنّه مقتول لا محالة ، فاستغاث به عثمان حينما حوصر فأبطأ في نصره ، وظلّ متربصاً حتّى قُتِلَ ليتّخذ مِنْ قميصه ودمه وسيلة للتشبث بالمُلْك ، وقد دفعه إلى ذلك حرب الجمل التي كان شعارها المطالبة بدم عثمان ، فاتّخذه خير وسيلة للتذرّع لنيل المُلْك.

ويقول المؤرّخون : إنّه استعظم قتل عثمان وهول أمره ، وراح يبني مُلْكه على المطالبة بدمه.

وكان الإمام (عليه السّلام) محتاطاً في دينه كأشدّ ما يكون الاحتياط فلمْ يصانع ولمْ يحاب ، وإنّما سار على الطريق الواضح ، فامتنع أنْ يستعمل معاوية على الشام لحظة واحدة ؛ لأنّ في إقراره على منصبه تدعيماً للظلم وتركيزاً للجور.

وعلى أيّ حالٍ ، فإنّ الإمام (عليه السّلام) بعد حرب الجمل قد غادر البصرة مع قواته المسلحة ، واتّجه إلى الكوفة ليتّخذها عاصمة ومقرّاً له. واتّجه فور قدومه إليها يعمل على تهيئة وسائل الحرب لمناهضة عدوّه العنيف الذي يتمتّع بقوى عسكرية هائلة أجمعت على حبّه ونصرته ، وكان الشنّي يحرّض الإمام (عليه السّلام) ويحفزّه على حرب أهل الشام بعد ما أحرزه مِن النصر في وقعة الجمل ، وقد قال له :

قل لهذا الإمام قد خبت الحر

بُ وتمّت بذلك النعماءُ

وفرغنا من حرب مَنْ نكث العهْـ

ـد وبالشام حيّةٌ صمّاءُ

٥٢

تنفث السمّ ما لمَنْ نهشته

فارمِها قبل أنْ تعض شفاءُ(1)

إيفادُ جرير :

وقبل أنْ يعلن الإمام (عليه السّلام) الحرب على غول الشام أوفد للقياه جرير بن عبد الله البجلي يدعوه إلى الطاعة والدخول فيما دخل فيه المسلمون من مبايعته ، وقد زوّده برسالة(2) دعاه فيها إلى الحقّ مِنْ أقصر سبيله ، وبأوضح أساليبه ، وفيها الحكمة الهادية لمَنْ أراد الهداية ، وشرح الله صدره ، وفجّر في فؤاده ينبوع النور. وانتهى جرير إلى معاوية فسلّمه رسالة الإمام (عليه السّلام) ، وألحّ عليه في الوعظ والنصيحة ، وكان معاوية يسمع منه ولا يقول له شيئاً ، وإنّما أخذ يطاوله ويسرف في مطاولته ، لا يجد لنفسه مهرباً سوى الإمهال والتسويف.

معاوية مع ابن العاص :

ورأى معاوية أنّه لن يستطيع التغلّب على الأحداث إلاّ إذا انضمّ إليه داهية العرب عمرو بن العاص فيستعين به على تدبير الحيل ، ووضع المخططات التي تؤدي إلى نجاحه في سياسته ، فراسله طالباً منه الحضور إلى دمشق. وكان ابن العاص فيما يقول المؤرّخون : قد وجد على عثمان حينما عزله عن مصر ، فكان يؤلّب الناس عليه ويحرّضهم على الوقيعة به ، وهو ممّن مهّد للفتنة والثورة عليه ، ولمّا أيقن بحدوث الانقلاب عليه خرج إلى أرض

__________________

(1) الأخبار الطوال / 145.

(2) الرسالة في وقعة صفّين / 34.

٥٣

كان يملكها بفلسطين فأقام فيها ، وجعل يتطلّع الأخبار عن قتله.

ولمّا انتهت رسالة معاوية إلى ابن العاص تحيّر في أمره ، فاستشار ولديه عبد الله ومُحمّداً ؛ أمّا عبد الله فكان رجل صدق وصلاح فأشار عليه أنْ يعتزل الناس ، ولا يجيب معاوية إلى شيء حتّى تجتمع الكلمة ويدخل فيما دخل فيه المسلمون ؛ وأمّا ابنه مُحمّد فقد طمع فيما يطمع فيه فتيان قريش مِن السعة والتقدّم وذيوع الاسم ، فقد أشار عليه بأنْ يلحق بمعاوية لينال من دنياه.

فقال عمرو لولده عبد الله : أمّا أنت فأمرتني بما هو خير لي في ديني. وقال لولده مُحمّد : أمّا أنت فأمرتني بما هو خير لي في دنياي. وأنفق ليله ساهراً يفكّر في الأمر هل يلتحق بعلي فيكون رجلاً كسائر المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم مِنْ دون أنْ ينال شيئاً مِنْ دنياه ، ولكنّه يضمن أمر آخرته ، أو يكون مع معاوية فيظفر بتحقيق ما يصبو إليه في الدنيا مِن الثراء العريض ، وهو لمْ ينسَ ولاية مصر فكان يحنّ إليها حنيناً متّصلاً ، وقد اُثر عنه تلك الليلة مِن الشعر ما يدلّ على الصراع النفسي الذي خامره تلك الليلة.

ولمْ يسفر الصبح حتّى آثر الدنيا على الآخرة ، فاستقرّ رأيه على الالتحاق بمعاوية ، فارتحل إلى دمشق ومعه ابناه ، فلمّا بلغها جعل يبكي أمام أهل الشام كما تبكي المرأة ، وهو يقول : وا عثماناه! أنعى الحياء والدين(1) .

قاتلك الله يابن العاص! أنت تبكي على عثمان وأنت الذي أوغرت عليه الصدور ، وأثرت عليه الأحقاد ، وكنت تلفي الراعي فتحرّضه عليه حتّى سُفك دمه! لقد بلغ التهالك على السلطة في ذلك العصر مبلغاً أنسى الناس دينهم ، فاقترفوا في سبيل ذلك كلّ ما حرّمه الله.

ولمّا التقى ابن العاص بمعاوية فتح معه الحديث في حربه مع الإمام (عليه السّلام) ، فقال ابن العاص :

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير 3 / 129.

٥٤

ـ أمّا علي فوالله لا تساوي العرب بينك وبينه في شيء مِن الأشياء ، وإنّ له في الحرب لحظاً ما هو لأحد مِنْ قريش إلاّ أنْ تظلمه.

واندفع معاوية يبيّن دوافعه في حربه للإمام قائلاً : صدقت ، ولكنّا نقاتله على ما في أيدينا ، ونلزمه قتلة عثمان.

واندفع ابن العاص ساخراً منه قائلاً : وا سوأتاه! إنّ أحق الناس أنْ لا يذكر عثمان أنت!

ـ ولِمَ ويحك؟!

ـ أمّا أنت فخذلته ومعك أهل الشام حتّى استغاث بيزيد بن أسد البجلي فسار إليه ، وأمّا أنا فتركته عياناً وهربت إلى فلسطين(1) .

واستيقن معاوية أنّ ابن العاص لا يخلص له ، ورأى أنّ مِن الحكمة أنْ يستخلصه ويعطيه جزاءه مِن الدنيا ، فصارحه قائلاً : أتحبّني يا عمرو؟

ـ لماذا؟ للآخرة فوالله ما معك آخرة ، أم للدنيا؟ فوالله لا كان حتّى أكون شريكك فيها.

ـ أنت شريكي فيها؟

ـ اكتب لي مصر وكورها.

ـ لك ما تريد.

فسجّل له ولاية مصر ، وجعلها ثمناً لانضمامه إليه(2) في مناهضته لوصي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وقد ظفر بداهية مِنْ دواهي العرب ، وبشيخ مِنْ شيوخ قريش قد درس أحوال الناس ، وعرف كيف يتغلّب على الأحداث.

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 162.

(2) العقد الفريد 3 / 113.

٥٥

ردُّ جرير :

ولمّا اجتمع لمعاوية أمره وأحكم وضعه ردّ جرير ، وأرسل معه إلى الإمام (عليه السّلام) رسالة حمّله فيها المسؤولية في إراقة دم عثمان ، وعرّفه بإجماع أهل الشام على حربه إنْ لمْ يدفع له قتلة عثمان ، ويجعل الأمر شورى بين المسلمين.

وارتحل جرير إلى الكوفة فأنبأ علياً (عليه السّلام) بامتناع معاوية عليه ، وعظم له أمر أهل الشام ، ورأى الإمام أنْ يقيم عليه الحجّة مرّة أخرى ، فبعث له سفراء آخرين يدعونه إلى الطاعة والدخول فيما دخل فيه المسلمون ، إلاّ أنّ ذلك لمْ يجدِ شيئاً ، فقد أصرّ معاوية على غيّه وعناده حينما أيقن أنّ له القدرة على مناجزة الإمام (عليه السّلام) ومناهضته.

قميصُ عثمان :

وألهب معاوية بمكره وخداعه قلوب السذّج والبسطاء مِنْ أهل الشام حزناً وأسىً على عثمان ، فكان ينشر قيمصه الملطخ بدمائه على المنبر فيضجون بالبكاء والعويل ، واستخدم الوعّاظ فجعلوا يهوّلون أمره ، ويدعون الناس إلى الأخذ بثأره ، وكان كلّما فتر حزنهم عليه يقول له ابن العاص بسخرية واستهزاء : حرّك لها حوارها تحنّ.

فيخرج إليهم قميص عثمان فيعود لهم حزنهم ، وقد أقسموا أنْ لا يمسّهم الماء إلاّ مِن الاحتلام ، ولا يأتون النساء ، ولا ينامون على الفراش

٥٦

حتى يقتلوا قتلة عثمان(1) ، وكانت قلوبهم تتحرّق شوقاً إلى الحرب للأخذ بثأره. وقد شحن معاوية أذهانهم بأنّ علياً هو المسؤول عن إراقة دمه ، وأنّه قد آوى قتلته ، وكانوا يستنهضون معاوية للحرب ويستعجلونه أكثر منه.

زحفُ معاوية لصفّين :

وعلم معاوية أنّه لا بدّ من الحرب ؛ لأنّ الإمام (عليه السّلام) لا يحاب ولا يداهن في دينه ، فلا يقرّه على ولاية الشام ، ولا يسند له أي منصب من مناصب الدولة ، وإنّما يقصيه عن جميع أجهزة الحكم ؛ لما يعرفه عنه من الالتواء في دينه.

وسار معاوية في جموع أهل الشام ، وقدّم بين يديه الطلائع ، وقد أنزل أصحابه أحسن منزل وأقربه إلى شريعة الفرات ، وقد احتل الفرات ، وعُدّ هذا أوّل الفتح ؛ لأنّه حبس الماء على عدوّه ، وبقيت جيوشه رابضة هناك تصلح أمرها وتنضّم قواها استعداداً للحرب.

زحفُ الإمام (عليه السّلام) للحرب :

وتهيّأ الإمام (عليه السّلام) للحرب ، وقام الخطباء في الكوفة يحفّزون الناس للجهاد ، ويحثونهم على مناجزة معاوية بعدما أحرزوه من النصر الكبير في معركة الجمل ، وقد خطب فيهم الإمام الحسين (عليه السّلام) خطاباً رائعاً ومثيراً ، قال فيه بعد حمد الله والثناء عليه : «يا أهل الكوفة ، أنتم الأحبّة الكرماء ، والشعار دون الدثار ، جدّوا في

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير 3 / 141.

٥٧

إطفاء ما دثر بينكم ، وتسهيل ما توعّر عليكم ؛ ألا إنّ الحرب شرّها ذريع ، وطعمها فظيع ، فمَنْ أخذ لها أهبتها ، واستعدّ لها عدّتها ، ولم يألم كلومها قبل حلولها فذاك صاحبها ، ومَنْ عاجلها قبل أوان فرصتها واستبصار سعيه فيها فذاك قمن ألاّ ينفع قومه ، وأن يهلك نفسه. نسأل الله بقوته أن يدعمكم بالفيئة»(1) .

وحفل هذا الخطاب بالدعوة إلى استعجال الحرب ، واستعداد الشام لها ، والإمعان في وسائلها ؛ فإنّ ذلك من موجبات النصر ، ومن وسائل التغلب على الأعداء ، وإنّ إهمال ذلك ، وعدم الاعتناء به ممّا يوجب الهزيمة والاندحار. ودلّ هذا الخطاب على خبرة الإمام (عليه السّلام) الواسعة في الشؤون العسكرية والحربية.

وتهيّأ الناس بعد خطاب سبط النّبي (صلّى الله عليه وآله) إلى الحرب ، وأخذوا يجدّون في تنظيم قواهم ، ولمّا تمّت عدّتهم زحف بهم الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) لحرب ابن أبي سفيان ، وقد قدم طلائعه ، وأمرهم أنْ لا يبدؤوا أهل الشام بقتال حتّى يدركهم.

وزحفت كتائب الجيش العراقي كأنّها السيل ، وهي على يقين أنّها إنّما تحارب القوى الباغية على الإسلام ، والمعادية لأهدافه. وقد جرت في أثناء مسيرة الإمام (عليه السّلام) أحداث كثيرة لا حاجة إلى إطالة الكلام بذكرها ، فإنّا لا نقصد بهذه البحوث أن نلمّ بها ، وإنّما نشير إليها بإيجاز.

احتلالُ الفرات :

ولمْ يجد أصحاب الإمام (عليه السّلام) شريعة على الفرات يستقون منها الماء إلاّ وهي

__________________

(1) شرح نهج البلاغة 3 / 186.

٥٨

محاطة بالقوى المكثفة من جيش معاوية ؛ يمنعونهم أشدّ المنع من الاستسقاء من الماء ، ولمّا رأى الإمام (عليه السّلام) ذلك أوفد رسله إلى معاوية يطلبون منه أنْ يخلّي بينهم وبين الماء ليشربوا منه ، فلمْ تسفر مباحثهم معه أي شيء ، وإنّما وجدوا منه إصراراً على المنع يريد أنْ يحرمهم منه ، كما حرموا عثمان مِن الماء.

وأضرّ الظمأ بأصحاب الإمام (عليه السّلام) ، وانبرى الأشعث بن قيس يطلب الإذن من الإمام (عليه السّلام) أنْ يفتح باب الحرب ليقهر القوى المعادية على التخلّي عن الفرات ، فلمْ يجد الإمام (عليه السّلام) بداً من ذلك فأذن له ، فاقتتل الفريقان كأشدّ ما يكون القتال ، وكُتِبَ النصر لقوات الإمام (عليه السّلام) فاحتلّت الفرات ، وأراد أصحاب الإمام (عليه السّلام) أنْ يقابلوهم بالمثل فيحرمونهم منه ، كما صنعوا ذلك معهم ، ولكنّ الإمام (عليه السّلام) لمْ يسمح لهم بذلك ، وعمل معهم عمل المحسن الكريم فخلّى بينهم وبين الماء.

لقد كان اللؤم والخبث من عناصر الاُمويِّين وذاتياتهم ، فقد أعادوا على صعيد كربلاء ما اقترفوه من الجريمة في صفّين ، فحالوا بين الإمام الحسين (عليه السّلام) وبين الماء ، وتركوا عقائل الوحي ومخدرات الرسالة ، وصبية أهل البيت (عليهم السّلام) قد صرعهم العطش ، ومزّق الظمأ قلوبهم ، فلمْ يستجيبوا لأيّة نزعة إنسانية ، ولمْ ترقّ قلوبهم فيعطفوا عليهم بقليل من الماء.

رسلُ السلام :

وكان الإمام (عليه السّلام) متحرّجاً كأشدّ ما يكون التحرّج في سفك دماء المسلمين ، فقد جهد على نشر السلام والوئام ، فأوفد إلى معاوية عدي بن حائم ، وشبث بن ربعي ، ويزيد بن قيس ، وزياد بن حفصة يدعونه إلى حقن دماء المسلمين ، ويذكّرونه الدار الآخرة ، ويحذّرونه أنْ ينزل به ما نزل بأصحاب الجمل ، ولكنّ ابن هند لمْ يستجب لذلك ، وأصرّ على الغي والتمرد ، وقد

٥٩

حمّل الإمام (عليه السّلام) المسؤولية في قتل عثمان بن عفان ، وقد دفعه إلى العصيان ما يتمتّع به من القوى العسكرية واتفاق كلمتها ، وإصرارها على الطلب بدم عثمان.

ورجعت رسل السّلام وقد أخفقت في سفارتها ، واستبان لها أنّ معاوية مصمّم على الحرب ، ولا رغبة له في الصلح ، وأحاطوا الإمام (عليه السّلام) علماً بذلك ، فجعل يتهيّأ للحرب ، ويدعو الناس إلى القتال.

الحربُ :

وعبّأ الإمام (عليه السّلام) أصحابه على راياتهم واستعد للقتال ، وقد أمر أصحابه أنْ لا يبدؤوهم بقتال ، كما عهد لهم في حرب الجمل ، وأنْ لا يقتلوا مدبراً ، ولا يجهزوا على جريح ، ولا يمثّلوا بقتيل ، ولا يهيجوا امرأة إلى غير ذلك من الوصايا التي تمثّل شرف القيادة العسكرية في الإسلام.

وجعلت فرق من جيش الإمام (عليه السّلام) تخرج إلى فرق من جيش معاوية فيقتتل الفريقان نهاراً كاملاً أو طرفاً منه ، ثمّ يتحاجزان من دون أنْ تقع حرب عامة بينهما ، وقد رجا الإمام (عليه السّلام) بذلك أنْ يثوب معاوية إلى الصلح وحقن الدماء. ودام الأمر على هذا حفنة من الأيام من شهر ذي الحجّة ، فلمّا أطلّ شهر الحرام ، وهو من الأشهر التي يحرم فيها القتال في الجاهلية والإسلام توادعوا شهرهم كلّه ، واُتيح للفريقين أنْ يقتلوا آمنين ، وقد آمن بعضهم بعضاً ولمْ تقع بينهم أي حرب ، وقد سعت بينهم سفراء السلم إلاّ أنّها أخفقت في سعيها.

وقد احتدم الجدال بين الفريقين ؛ فأهل العراق يدعون أهل الشام إلى جمع الكلمة وحقن الدماء ، ومبايعة وصي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، والدخول فيما دخل فيه المسلمون ، وأهل الشام يدعون العراقيّين إلى الطلب بدم عثمان ورفض بيعة الإمام (عليه السّلام) ، وإعادة الأمر شورى بين المسلمين.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

فكتب الي عليه السلام: اعلم فلانا انى آمره ببيع حصتى(١) من الضيعة وايصال ثمن ذلك الي وان ذلك رأيى ان شاء الله او يقومها على نفسه ان كان ذلك ارفق به.

قال: وكتبت اليه ان الرجل ذكر ان بين من وقف هذه الضيعة عليهم اختلافا شديداو انه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم(٢) فان كان ترى ان يبيع هذا الوقف ويدفع إلى كل انسان منهم ما كان وقف له من ذلك أمرته، فكتب عليه السلام بخطه إلى: اعلمه ان رأيى ان كان قد علم اختلاف ما بين اصحاب الوقف وان بيع الوقف امثل(٣) فليبع فانه ربما جاء في الاختلاف تلف الاموال والنفوس).

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: هذا وقف كان عليهم دوم من بعدهم ولو كان عليهم وعلى اولادهم ما تناسلوا ومن بعد على فقراء المسلمين إلى ان يرث الله

___________________________________

(١) في الكافي " أني آمره ببيع حقي ".

وقال العلامة المجلسي: يحتمل أن يكون هذا الخمس حقه عليه السلام وقد كان أوفقه السائل فضولا فلما لم ينفذه عليه السلام بطل، و أيضا لا يصح وقف مال الانسان على نفسه فلذاأمره عليه السلام ببيعه، ويحتمل أن يكون من مال السائل ولما لم يحصل القبض بعد لم يقبله عليه السلام وقفا حتى يحصل القبض بل رده ثم بعد ابطال الوقف أمره ببيع حصته هدية وفي الاخير كلام - انتهى، وقال الفاضل التفرشي: ظاهره أنه ملك الامام عليه السلام خمس الضيعة الموقوفة فلذا جوز بيعها.

(٢) تقاقم الامر إذا عظم. (الصحاح)

(٣) قال العلامة المجلسي: يخطر بالبال أنه يمكن حمل الخبر على ماإذا لم يقبض الضيعة الموقوفة ولم يدفعها اليهم، وحاصل السؤال أنه يعلم أنه إذا دفعها اليهم يحصل بينهم الاختلاف وتشتد لحصول الاختلاف قبل الدفع بينهم بسبب الضيعة أو لامر آخر أيدعها موقوفة ويدفعها اليهم أو يرجع من الوقف لعدم لزومه بعد ويدفع اليهم ثمنها أيهما أفضل؟ فكتب عليه السلام البيع أفضل لمكان الاختلاف المؤدى إلى تلف النفوس والاموال، فظهر أنه ليس بصريح في جواز بيع الوقف كما فهمه القوم واضطروا إلى العمل به مع مخالفته لاصولهم والقرينة عليه أن أول الخبر أيضا محمول على ذلك كما عرفت.

٢٤١

الارض ومن عليها لم يجزبيعه ابدا(١) .

٥٥٧٦ - وروى محمد بن عيسى، عن ابى على بن راشدقال: (سألت اباالحسن عليه السلام فقلت: جعلت فداك اشتريت ارضا إلى جنبى بالف درهم، فلما وفرت المال خبرت ان الارض وقف، فقال: لايجوز شراء الوقف ولا تدخل الغلة في مالك ادفعها إلى من وقفت عليه، قلت: لا اعرف لها ربا، قال: تصدق بغلتها)(٢) .

٥٥٧٧ - وروى الحسن بن محبوب، عن على بن رئاب، عن جعفر بن حنان(٣) قال (سألت ابا عبدالله عليه السلام عن رجل وقف غلة له على قرابة له من أبيه وقرابة من امه

___________________________________

(١) قال استاذنا الشعراني - رضوان الله تعالى عليه - (*) ويحتمل أن الوقف لم يكن تماما بالقبض فتردد الواقف بين أن يعطيهم عين الضيعة وقفا أو ينقضه ويبيعه ثمنها واستصلح الامام عليه السلام فرأى له الثاني، وهذا من افادات فخر المحققين في الايضاح وهو قريب جدا فيسقط الاستدلال به على بيع شئ من الوقف، وما ذكروه في دفع الاحتمال غير خال عن التكلف، وبالجملة فبيع الوقف على خلاف القاعدة ولا يذهب اليه الابدليل لا يحتمل في الظاهرغير جواز البيع بعد تمام الوقف وهو غير موجود.

(٢) سند الخبر صحيح ويدل على عدم جواز بيع الوقف ووجوب دفعه إلى الموقوف عليه ومع عدم المعرفة يتصدق بحاصلها إلى أن يتحقق عنده المصرف (م ت) وقال العلامة المجلسي: لعل الاوفق باصول الاصحاب التعريف ثم التخيير بين التصدق والضمان أو الضمان والوصية به الا أن يخص الوقف بهذا الحكم، والفرق بينه وبين غيره ظاهر فالعدول عن النص الصحيح غير موجه.

(٣) في بعض النسخ " جعفر بن حيان " كما في الكافي وهو واقفي ولم يوثق بل هو مجهول الحال.

(*) فجعنا بمفاجأة الاجل لاستاذنا الفقيد السعيد، بطل العلم والعمل والتقى، جامع المعقول والمنقول الميرزا أبوالحسن الشعراني - رحمه الله - الذي كاد أن لايسمح الدهر بمثله، فقد لبى دعوة ربه ليلة الاحد لسبع خلون من شهر شوال المكرم سنة ١٣٩٣ ودفن في مقبرة في بستان بجوار روضة سيدنا عبدالعظيم بن عبدالله الحسنى عليه السلام بالرى، راجع ترجمته بقلمه (ره) في مقدمة المجلد الاول من كتاب الوافي للفيض القاشاني طبع المكتبة الاسلامية بطهران.

٢٤٢

وأوصى لرجل ولعقبه من تلك الغلة ليس بينه وبينه قرابة بثلاثمائة درهم كل سنة ويقسم الباقى على قرابته من ابيه وامه، قال جائز للذى اوصى له بذلك، قلت: ارايت ان لم يخرج من غلة الارض التى وقفها الا خمسمائة درهم، فقال: أو ليس في وصيته ان يعطى الذى اوصى له من الغلة بثلاثمائة درهم ويقسم الباقى على قرابته من ابيه وامه قلت: نعم، قال: ليس لقرابته أن يأخذوا من الغلة شيئا حتى يوفوا الموصى له ثلاثمائة درهم، ثم لهم ما بقى بعد ذلك، قلت: ارأيت ان مات الذى اوصى له، قال: ان مات كانت الثلاثمائة درهم لورثته يتوارثونها ما بقى احد منهم(١) فإذا انقطع ورثته ولم يبق منهم احد كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميت(٢) ترد إلى ما يخرج من الوقف ثم يقسم بينهم يتوارثون ذلك ما بقى [منهم احد] وبقيت الغلة، قلت: فللورثة من قرابة الميت ان يبيعوا الارض إذا احتاجوا اليها ولم يكفهم ما يخرج من الغلة؟ قال: نعم اذار رضوا كلهم وكان البيع خيرا لهم باعوا).(٣)

___________________________________

(١) قوله " لورثته " يدل على أن المراد بالعقب الوارث أعم من أن يكون ولدا أو غيره. (م ت)

(٢) أي يرجع إلى قرابة الميت وقفا بشرائطه لان الميت وقفها واخرج منها شيئا وجعل الباقي بين الورثة، فاذا انقطع القريب كان لهم ولا يخرج عن الوقف، ويحتمل عوده إلى الملك. (م ت)

(٣) يحمل جواز البيع على بيع تلك الحصة لكنها غير معينة المقدار لاختلافها باختلاف السنين في القيمة، ويمكن حمل ما ورد في جواز البيع على الوقف الذي لم يكن لله تعالى وما ورد بعدم الجواز على ما نوى القربة فيه وبه يجمع بين الاخبار ويشهد عليه شواهد منها (م ت) وقال استاذنا الشعراني - رحمه الله -: الحديث يدل على جواز بيع الوقف عند الحاجة وكون البيع أنفع، وافتى به جماعة من العلماء كالسيد في الانتصار وابن زهرة في الغنية وادعى الاجماع عليه، ولا بأس به في الوقف على بطن واحد دون من بعدهم وقد توهم دلالة الحديث على جواز البيع مع كونه انفع مطلقا وان لم يكن لاصحاب الوقف حاجة وهذا توهم فاسد اذ لا يدل الحديث على الجواز مع الحاجة، وتمام الكلام في الفقه - انتهى وقال في المسالك: القول بجواز البيع في الجملة للاكثر ومستنده صحيحة ابن مهزيار، ومن فهم هذه الرواية اختلفت أقوال المجوزين فمنهم من شرط في جواز بيعه حصول الامرين وهما الاختلاف وخوف الخراب، ومنهم من اكتفى بأحدهما، والاقوى العمل بما دلت عليه ظاهرا من جواز بيعه إذا حصل بين أربابه خلف شديد، وأن خوف الخراب مع ذلك أو منفردا ليس بشرط لعدم دلالة الرواية عليه، وأما مجوز بيعه مع كون بيعه أنفع للموقوف عليهم وان لم يكن خلف فاستند فيه إلى رواية جعفر بن حنان ومال إلى العمل بمضمونها من المتأخرين الشهيد في شرح الارشاد والشيخ على، مع أن في طريقهما ابن حنان وهو مجهول، فالعمل بخبره فيما خالف الاصل والاجماع في غاية الضعف.

٢٤٣

٥٥٧٨ - وروى العباس بن معروف، عن عثمان بن عيسى، عن مهران بن محمد قال: (سمعت ابا عبدالله عليه السلام اوصى ان يناح عليه سبعة مواسم(١) فأوقف لكل موسم مالا ينفق فيه).

٥٥٧٩ - وروى عاصم بن حميد عن ابى بصير قال قال: ابوجعفر عليه السلام (ألا احدثك بوصية فاطمة عليها السلام؟ قلت: بلى، فأخرج حقا أوسفطا فأخرج منه كتابا فقرأه (بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد صلى الله عليه واله اوصت بحوائطها السبعة: العواف، والدلال، والبرقة، والميثب، والحسنى، والصافية، ومال ام ابراهيم(٢) إلى على بن ابى طالب عليه السلام، فان مضى علي فالى الحسن، فان مضى الحسن فالى الحسين فإن مضى الحسين فإلى الاكبر من ولدى، شهد الله على ذلك والمقداد بن الاسود الكندى والزبير بن العوام، وكتب على بن ابى طالب عليه السلام).

وروى ان هذه الحوائط كانت وقفا وكان رسول الله صلى الله عليه واله يأخذ منها ما ينفق على اضيافه ومن يمر به، فلما قبض جاء العباس يخاصم فاطمة عليها السلام فيها، فشهد على عليه السلام وغيره انها وقف عليها.

___________________________________________

(١) أي يقام له مجلس تذكار في المواسم.

(٢) في الكافي في غيرموضع " ما لام ابراهيم " والمراد مشربة أم ابراهيم - أعني مارية القبطية - وهي بعوالي المدينة بين النخيل، وهذه الحوائط السبعة من أموال مخيريق اليهودي الذي أوصى بأمواله إلى النبي صلى الله عليه وآله على قول وعلى آخر هي من أموال بني النضير مما أفاء الله على رسول الله صلى الله عليه وآله وقيل غير ذلك راجع وفاء الوفاء للمسهودي.

٢٤٤

المسموع من ذكر أحد الحوائط الميثب ولكنى سمعت السيد ابا عبدالله محمد ابن الحسن الموسوى أدام الله توفيقه(١) يذكر انها تعرف عندهم بالميثم.

٥٥٨٠ - وروى محمد بن على بن محبوب، عن محمد بن الفرج، عن على بن معبد قال: (كتب اليه(٢) محمد بن احمد بن ابراهيم في سنة ثلاث وثلاثين ومائتين يسأله عن رجل مات وخلف امرأة وبنين وبنات وخلف لهم غلاما أوقفه عليهم عشر سنين ثم هو حر بعد العشر سنين هل يجوز لهؤلاء الورثة بيع هذا الغلام وهم مضطرون إذا كان على ما وصفته لك جعلنى الله فداك؟ فكتب عليه السلام: لا يبيعونه إلى ميقات شرطه الا ان يكونوا مضطرين إلى ذلك، فهو جائزلهم))(٣) .

٥٥٨١ - وروى محمد بن ابى عمير، عن عمر بن اذينة قال: (كنت شاهدا لابن ابى ليلى وقضى في رجل جعل لبعض قرابته غلة داره(٤) ولم يوقت وقتا فمات الرجل وحضرت ورثته ابن ابى ليلى وحضر قرابته الذى جعل له غلة الدار، فقال ابى ليلى: ارى ان ادعها على ما تركها صاحبها، فقال محمد بن مسلم الثقفى: اما ان على بن ابى طالب عليه السلام قد قضى في هذا المسجد بخلاف ما قضيت، فقال: وما علمك؟ قال: سمعت ابا جعفر محمد بن على عليهما السلام يقول: قضى على عليه السلام برد الحبيس وانفاذ المواريث(٥)

___________________________________

(١) هو الشريف أبوعبدالله محمد بن الحسن بن اسحاق بن الحسن بن الحسين بن اسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وهو المعروف بنعمة الذي صنف المصنف هذا الكتاب اجابة لملتمسه.

(٢) يعني إلى علي بن محمد أبي الحسن الهادي عليهما السلام فان محمد بن أحمد بن ابراهيم كان من أصحابه.

(٣) حمل على بيع خدمته فيكون المراد بالبيع الصلح أو الاجارة مجازا، وهو بعيد جدا.

(٤) في الكافي والتهذيب " كنت شاهد ابن أبي ليلى - الخ " وقوله: " لم يوقت وقتا " أي لم يجعله وقفا مؤبدا ولا سكنى مدة عمره أو عمر الساكن.

(٥) أي حكم عليه السلام بأن ماكان حبسا كذلك يرد إلى الورثة بعد موت الحابس ويجعل ميراثا لورثته. (م ت)

٢٤٥

فقال ابن ابى ليلى: هذا عندك في كتاب؟ قال نعم قال فأتنى به، فقال له محمد بن مسلم: على ان لا تنظر من الكتاب الا في ذلك الحديث، قال: لك ذلك، قال: فأحضر الكتاب وأراه الحديث عن ابى جعفر عليه السلام في الكتاب فرد قضيته)(١) .

والحبيس كل وقف إلى غير وقت معلوم هو مردود على الورثة.

٥٥٨٢ - وروى عبدالله بن المغيرة، عن عبدالرحمن الجعفى(٢) قال: (كنت أختلف إلى ابن ابى ليلى في مواريث لنا ليقسمها وكان فيه حبيس فكان يدافعنى، فلما طال ذلك شكوته إلى ابى عبدالله عليه السلام فقال: أو ماعلم ان رسول الله صلى الله عليه واله أمر برد الحبيس وانفاذ المواريث؟ قال: فأتيته ففعل كما كان يفعل، فقلت له: انى شكوتك إلى جعفر بن محمد عليهما السلام فقال لى: كيت وكيت، قال: فحلفنى ابن ابى ليلى انه قد قال ذلك فحلفت له، فقضى لى بذلك).

٥٥٨٣ - وروى يعقوب بن يزيد، عن محمد بن شعيب، عن ابى كهمس عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (ستة تلحق المؤمن بعد وفاته: ولد يستغفر له، ومصحف يخلفه(٣) ، وغرس يغرسه، وبئر يحفرها، وصدقة يجريها، وسنة يؤخذ بها من بعده).

٥٥٨٤ - وروى على بن اسباط، عن محمد بن حمران(٤) ، عن زرارة عن ابى جعفر عليه السلام (في الرجل يتصدق بالصدقة المشتركة، قال: جائز)(٥) .

___________________________________

(١) يدل على أنه إذا لم يوقت وقتا ومات الحابس يرد ميراثا على ورثته ويبطل الحبس كما هو مقطوع به في كلام الاصحاب. (المرآة)

(٢) في الكافي " عبدالرحمن الخثعمي " وبكلا العنوانين مجهول ولا يضر لصحته عن عبدالله بن المغيرة وهو ثقة ثقة جليل ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم.

(٣) أي مكتوب من العلوم الدينية أو القرآن والاول أظهر. (م ت)

(٤) هو النهدي الثقة بقرينة علي بن اسباط راوى كتابه.

(٥) يدل على جواز الوقف والصدقة في الحصة المشاعة. (المرآة)

٢٤٦

٥٥٨٥ - وروى الحسين بن سعيد، عن النضر، عن القاسم بن سليمان، عن عبيد بن زرارة عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال (في رجل تصدق على ولد له قدأدركوا فقال: إذا لم يقبضوا حتى يموت فهى ميراث، فان تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز لان الوالد هو الذى يلى أمرهم(١) وقال عليه السلام: لا يرجع في الصدقة إذا تصدق بها ابتغاء وجه الله عزوجل)(٢) .

٥٥٨٦ - وفي رواية ابن ابى عمير، عن جميل بن دراج قال: (سألت ابا عبدالله عليه السلام عن رجل تصدق على ابنه بالمال أوالدار، اله ان يرجع فيه؟ فقال: نعم الا ان يكون صغيرا)(٣) .

٥٥٨٧ - وروى موسى بن بكر(٤) ، عن الحكم قال: (قلت لابى عبدالله عليه السلام (ان والدى تصدق علي بدار ثم بداله ان يرجع فيها وان قضاتنا يقضون لى بها، فقال: نعم ما قضت به قضاتكم ولبئس ما ضع والدك انما الصدقة لله عزوجل فما جعل لله فلا رجعة فيه له(٥) ، فان انت خاصمته فلا ترفع عليه صوتك وان رفع صوته

___________________________________

(١) يدل على اشتراط الوقف والصدقة بالقبض، وعلى أن قبض والد الصغير بمنزلة قبضة (م ت) وقال العلامة المجلسي: ظاهره عدم اشتراط نية القبض كما ذهب اليه جماعة، وقيل يشترط.

(٢) يمكن أن يكون المراد بالصدقة في هذا الخبر وأمثاله الوقف فيدل على أن الوقف الذي لايصح الرجوع فيه ولا بيعه هو ما اريد به وجه الله ويدل بعض الاخبار ظاهرا على اشتراط القربة في الوقف كما ذهب اليه بعض الاصحاب، ويحتمل أن يكون المراد بالصدقة فيها أوفى بعضها المعنى المعروف ولا خلاف ظاهرا في اشتراطها بالقربة. (المرآة)

(٣) يدل على أن الصدقة على الصغار لايجوز الرجوع فيها لانها مقبوضة بيده ومعوضة أيضا لما جعلت لله تعالى، وماكان له فهو معوض لا رجعة فيه.

(٤) كذا في النسخ والظاهر تصحيفه لما جعل في بعضها " عن ابن بكر " وكأن صححها بعض بموسى بن بكر، والصواب " عن ابن بكير " كما في الكافي والتهذيب وفيهما " عن الحكم بن ابى عقيلة " وهو غير مذكور والمذكور الحكم أخو أبي عقيلة وحاله مجهول.

(٥) لعل فيه دلالة على جواز أخذ الحق بقول القاضي الفاسق، وأنه يجوز أن يفعل مع الاب مايقتضيه من الدعوى مع ملاحظة أدبه.

٢٤٧

فاخفض انت صوتك، قال: قلت له: انه قدتوفى قال: فاطب بها)(١) .

٥٥٨٨ - وروى ربعى بن عبدالله عن ابى عبدالله عليه السلام قال، (تصدق أمير المؤمنين على بن ابى طالب عليه السلام بداره التى في المدينة في بنى زريق(٢) فكتب (بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به على بن ابى طالب وهو حى سوى، تصدق بداره التى في بنى زريق صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث حتى يرثها الله الذى يرث السماوات والارض(٣) واسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن وعاش عقيبهن فاذا انقرضوا فهى لذوى الحاجة من المسلمين، شهد [الله] )(٤) .

٥٥٨٩ - وروى حماد بن عثمان، عن ابى الصباح [الكنانى](٥) قال: قلت لابى الحسن عليه السلام: (ان امى تصدقت على بنصيب لها في دار، فقلت لها: ان القضاة لا يجيزون هذا ولكن اكتبيه شرى، فقالت: اصنع من ذلك ما بدالك وكلما ترى انه يسوغ لك، فتوثقت(٦) فأراد بعض الورثة ان يستحلفنى انى قد نقدت هذا الثمن ولم انقدها شيئا فما ترى؟ قال: احلف له).

٥٥٩٠ - وروى محمد بن سليمان الديلمى عن ابيه عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يتصدق على الرجل الغريب ببعض داره، ثم يموت، قال: يقوم

___________________________________

(١) أي تصرف فيها هنيئا لك، أمر من طاب يطيب.

(٢) بنو زريق بطن من الانصار. (المغرب)

(٣) في بعض النسخ " حتى يرثها الله رب السموات والارض " وفي التهذيبين مثل ما في المتن.

(٤) أي شهد الله وفلان وفلان فالمعنى شهد الخ.

(٥) تقدمت هذه الرواية بعينها في باب الايمان والنذور تحت رقم ٤٢٧٦ " عن حماد بن عثمان عن محمد بن أبي الصباح قال: قلت - الخ " وفي التهذيب " عن حماد، عن محمد بن فضيل عن أبي الصباح " وروى الكليني ج ٧ ص ٣٣ نحوه عن محمد بن مسلم، عن محمد بن مسعود الطائي.

(٦) أي جعلت له وثيقة وحجة.

٢٤٨

ذلك قيمة فيدفع اليه ثمنه)(١) .

٥٥٩١ - وروى محمد بن ابى عمير، عن ابان، عن اسماعيل الجعفى قال: قال ابوجعفر عليه السلام: (من تصدق بصدقة فردها عليه الميراث فهى له)(٢) .

٥٥٩٢ - وفى رواية السكونى (ان عليا عليه السلام كان يرد النحلة في الوصية، [و] ما اقر عند موته بلاثبت ولا بينة رده)(٣) .

٥٥٩٣ - وروى محمد بن على بن محبوب، عن على بن السندى، عن صفوان بن يحيى، عن عبدالرحمن بن الحجاج قال: ((اوصى ابوالحسن عليه السلام بهذه الصدقة: هذا ما تصدق به موسى بن جعفر عليه السلام تصدق بأرضه في مكان كذا وكذا كلها، وحد الارض

___________________________________

(١) الديلمي ضعيف، والظاهر أن التصدق بمعنى التمليك بقصد القربة، ولعل التقويم ودفع الثمن على وجه الاستحباب والتراضي والاصلح بحالهما. (مراد)

(٢) الاسناد مجازي أي ثم انتقلت اليه بالميراث. (مراد)

(٣) لعل المراد أنه عليه السلام يجعل العطية الواقعة في مرض الموت في الوصية ويجبسها من الثلث وما يقر به عند الموت من غير ثبت من عقله وتزلزله وتكلمه بالهذيان من دون أن يقام بينة على ما أقر به يرده مطلقا لا يجعل في أصل المال ولا في ثلثه، وحينئذ فاما أن تكون الواو قبل " ما أقر " سقطت عن قلم بعض النساخ أو تكون زائدة ويكون ذكر ما أقر على سبيل التعداد، ويمكن أن يكون ما أقر عند موته بيانا للنحلة (مراد) وقال المولى المجلسي: واعلم أن الفرق بين الصدقة والنحلة والعطية لا يكون الا بنية القربة، فلو قصدها فهي صدقة، ولو لم يقصدها فيجوز الرجوع مع بقاء العين الا أن يعوض عنها بأن يعطى بشرط العوض في العقد أو بارادة العوض كما هو الظاهر من الاخبار، والمشهور الاول الا في ذوي الارحام فان المشهور أنه لا يشترط القربة في عدم جواز الرجوع ويظهر من بعض الاخبار أنهم كغيرهم وقصر المصنف واكتفى بهذا الخبر، وروى الشيخ الكليني في الحسن كالصحيح عن هشام وحماد وابن أذينة وابن بكير وغيرهم كلهم قالوا: " قال أبوعبدالله عليه السلام: لا صدقة ولا عتق الا ما أريد به وجه الله عزوجل " وأيضا في الصحيح عن زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " انما الصدقة محدثة، انما كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ينحلون ويهبون ولا ينبغي لمن أعطى الله عزوجل شيئا أن يرجع فيه، وقال: وما لم يعط الله وفي الله فانه يرجع فيه نحلة كانت أو هبة، حيزت أو لم تحز - الخ ".

٢٤٩

كذا وكذا تصدق بها كلها وبنخلها وأرضها وقناتها ومائها وارحائها وحقوقها وشربها من الماء وكل حق هو لها في مرتفع او مظهر أو عرض أو طول او مرفق او ساحة أو أسقية او متشعب او مسيل أو عامر أو غامر(١) تصدق بجميع حقوقه من ذلك على ولد صلبه من الرجال والنساء، يقسم واليها ما أخرج الله عزوجل من غلتها الذى يكفيها في عمارتها ومرافقها بعد ثلاثين عذقا يقسم في مساكين القريه بين ولد فلان للذكر مثل حظ الانثيين، فان تزوجت امرأة من بنات فلان فلا حق لها من هذه الصدقة حتى ترجع اليها بغير زوج، فان رجعت فان لها مثل حظ التى لم تتزوج من بنات فلان، وان من توفى من ولد فلان وله ولد فلولده على سهم ابيه للذكر مثل حظ الانثيين مثل ما شرط فلان بين ولده من صلبه، وان من توفى من ولد فلان ولم يترك ولدا رد حقه إلى اهل الصدقة، وانه ليس لولد بناتى في صدقتى هذا حق الا ان يكون آباؤهم من ولدى، وانه ليس لاحد في صدقتى حق مع ولدى وولد ولدى وأعقابهم ما بقى منهم احد، فان انقرضوا فلم يبق منهم احد قسم ذلك على ولد ابى من امى ما بقى منهم احد على مثل ما شرطت بين ولدى وعقبى، فاذا انقرض ولد ابى من امى ولم يبق منهم احد فصدقتى على ولد ابى واعقابهم ما بقى منهم احد على مثل ما شرطت بين ولدى وعقبى، فاذا انقرض ولد ابى فلم يبق منهم احد فصدقتى على الاولى فالاولى حتى يرثها الله الذى ورثها وهو خير الوارثين، تصدق فلان بصدقته هذه وهو صحيح صدقة بتا بتلا(٢) لا مشوبة فيها ولا رد ابدا، ابتغاء وجه الله والدار الاخرة، ولا يحل؟ لمؤمن يؤمن بالله واليوم الاخر أن يبيعها ولا يبتاعها ولا يهبها ولا ينحلها ولا يغير شيئا منها حتى يرث الله الارض ومن عليها، وجعل صدقته هذه إلى علي وابراهيم فاذا انقرض احدهما دخل القاسم مع الباقى، فان انقرض احدهما دخل اسماعيل مع الباقى منهما، فان انقرض احدهما دخل العباس مع

___________________________________

(١) أي كل معمور وخراب، ومرافق الدار مصاب الماء ونحوها.

(٢) البت: القطع وكذلك البتل يقال بتلت الشئ أبتله - بالكسر - بتلا إذا ابنته من غيره، ومنه قولهم طلقها بتة بتلة، وفي بعض النسخ " لا مثنوية فيها " أي الاستثناء بالمشيئة.

٢٥٠

الباقى منهما، فان انقرض احدهما، دخل الاكبر من ولدى مع الباقى منهما، وان لم يبق من ولدى معه الا واحد فهو الذى ليه).

٥٥٩٤ - وروى العباس بن عامر، عن ابى الصحارى عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قلت له: (رجل اشترى دارا فبقيت عرصة فبناها بيت غلة أيوقفه على المسجد؟ قال: ان المجوس أوقفوا على بيت النار).(١)

باب السكنى والعمرى والرقبى(٢)

٥٥٩٥ - روى محمد بن ابى عمير، عن الحسين بن نعيم(٣) ، عن ابى الحسن موسى ابن جعفر عليهما السلام قال: (سألته عن رجل جعل سكنى داره لرجل ايام حياته أو جعلها له ولعقبه من بعده، قال: هى له ولعقبه كما شرط، قلت: فان احتاج إلى بيعها يبيعها قال: نعم، قلت: فينقض بيعه الدار السكنى؟ قال: لا ينقض البيع السكنى كذلك سمعت ابى عليه السلام يقول قال ابوجعفر عليه السلام: لا ينقض البيع الاجارة ولا السكنى ولكنه يبيعه على أن الذي يشتريه لا يملك ما اشترى حتى ينقضي السكنى على ما شرط والاجارة(٤) ، قلت: فان رد على المستأجر ماله وجميع مالزمه في النفقة والعمارة

___________________________________

(١) تقدم الكلام فيه في المجلد الاول ص ٢٣٨.

(٢) السكنى هوالاسكان في الدار مدة عمر الساكن أو المسكن، والعمرى أعم من السكنى من وجه وأخص من وجه، قال ابن الاثير في النهاية: قد تكرر في الحديث ذكر العمرى والرقبى يقال: أعمرته الدار عمرى أي جعلتها له يسكنها مدة عمره فاذا مات عادت الي، والرقبى هو أن يقول الرجل: للرجل: لك هذه الدار فان مت قبلي رجعت الي، فان مت قبلك فهي لك، وهي فعلى من المراقبة لان كل واحد يراقب موت صاحبه، والفقهاء فيها مختلفون، منهم من يجعلها تمليكا، ومنهم من يجعلها كالعارية - انتهى.

(٣) السند صحيح وفي الكافي والتهذيب حسن كالصحيح، والمراد ظاهرا الحسين بن نعيم الصحاف لكن لم ينقل روايته عن أبي الحسن موسى عليه السلام

(٤) أي لا ينتزع من يد الساكن والمستأجر. (مراد)

٢٥١

فيما استأجر؟ قال: على طيبة النفس ورضا المستأجر بذلك لابأس)(١) .

٥٥٩٦ - وروى الحسن بن محبوب، عن خالد بن نافع البجلي(٢) عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (سألته عن رجل جعل لرجل سكنى دارله مدة حياته يعنى صاحب الدار(٣) فمات الذى جعل السكنى وبقى الذى جعل له السكنى أرأيت ان أراد الورثة ان يخرجوه من الدار الهم ذلك؟ فقال: ارى ان تقوم الدار بقيمة عادلة وينظر إلى ثلث الميت فان كان في ثلثه ما يحيط بثمن الدار فليس للورثة ان يخرجوه وان كان الثلث لا يحيط بثمن الدار فلهم ان يخرجوه، قيل له: أرأيت ان مات الرجل الذى جعل له السكنى بعد موت صاحب الدار يكون السكنى لعقب الذى جعل له السكنى؟ قال: لا)(٤) .

__________________________________

(١) يدل على أن عقد السكنى لازم ويجوز بيع المسكن المسلوب المنفعة مدة حياة الساكن أو المسكن، وكذا يجوز بيع العين المستأجرة كذلك وعليه عمل الاصحاب (م ت) و قال العلامة المجلسي - رحمه الله -: المشهور بين الاصحاب أنه لا يبطل العمرى والسكنى والرقبى بالبيع بل يجب يوفي المعمر ما شرط لهذه الحسنة، واختلف كلام العلامة ففي الارشاد قطع بجواز البيع، وفي التحرير استقرب عدمه لجهالة وقت انتفاع المشترى، وفي القواعد المختلف والتذكرة استشكل الحكم، والاوجه أنه بعد ورود الرواية المعتبرة لا اشكال.

(٢) مروي في الكافي ج ٧ ص ٣٨ أيضا عن خالد بن نافع البجلي " وهو مجهول.

(٣) كذا في جميع الكتب الاربعة للمشايخ الثلاثة - رضوان الله عليهم - فلعل المراد بالصاحب الساكن في الدار كما يأتي.

(٤) قال العلامة المجلسي: قوله " مدة حياته " أي فعل ذلك في حياته أي صحته، أو المراد بصاحب الدار: الساكن في الدار، والظاهر أن الراوي أخطأ في التفسير، قال الشيخ - رحمه الله - في التهذيب: ما تضمن هذا الخبر من قوله " يعني صاحب الدار " حين ذكر أن رجلا جعل لرجل سكنى دار له غلط من الراوي ووهم منه في التأويل لان الاحكام التي ذكرها بعد ذلك انما يصح إذا كان قد جعل السكنى في حياة من جعلت له السكنى فحينئذ يقوم وينظر باعتبار الثلث وزيادته ونقصانه ولو كان الامر على ما ذكره المتأول للحديث من أنه كان جعله مدة حياته لكان حين مات بطلت السكنى ولم يحتج معه إلى تقويمه واعتباره بالثلث - انتهى.

وبهذا التفصيل قال ابن الجنيد، ولم يعمل به الاكثر لجهالة الخبر، وقال الشهيد الثاني - رحمه الله -: " نعم لو وقع في مرض موت المالك اعتبرت المنفعة الخارجة من الثلث لا جميع الدار " أقول يمكن حمل الخبر على وذلك بتكلف بأن يكون المراد بتقويم الدار تقويم منفعتها تلك المدة، وقوله " فلهم أن يخرجوه " أي بعد استيفاء قدر الثلث من منفعة الدار.

٢٥٢

٥٥٩٧ - وروى الحسن بن على بن فضال، عن احمد بن عمر الحلبى، عن ابيه عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (سألته عن رجل اسكن داره رجلا مدة حياته، فقال: يجوز له وليس له ان يخرجه، قلت: فله ولعقبه؟ قال: يجوز له، وسألته عن رجل اسكن رجلا ولم يوقت له شيئا، قال: يخرجه صاحب الدار إذا شاء)(١) .

٥٥٩٨ - وروى محمد بن ابى عمير، عن ابان بن عثمان، عن عبدالرحمن بن ابى عبدالله، عن حمران قال: (سألته عن السكنى والعمرى فقال: الناس فيه عند شروطهم ان كان شرط حياته فهو حياته، وان كان لعقبه فهو لعقبه كما شرط حتى يفنوا ثم ترد إلى صاحب الدار)(٢) .

٥٥٩٩ - وروى محمد بن الفضيل، عن ابى الصباح الكنانى عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (سئل عن السكنى والعمرى، فقال: ان كان جعل السكنى في حياته فهو كما شرط، وان كان جعلها له ولعقبه من بعده حتى يفنى عقبه فليس لهم(٣) ان يبيعوا ولا يورثوا الدار، ثم ترجع الدار إلى صاحبها الاول).

___________________________________

(١) يدل على أنه إذا وقته فيلزم الوفاء وإذا لم يوقت فله الاخراج متى شاء. (م ت)

(٢) قال في المسالك: كما يجوز تعليق العمرى على عمر المعمر يجوز اضافة عقبه اليه بحيث يجعل حق المنفعة بعده لهم مدة عمرهم أيضا، والنصوص دالة عليه وأولى منه لو جعله لبعض معين من العقب، ومثله ما لو جعله له مدة عمره ولعقبه مدة مخصوصة، والعقد حينئذ مركب من العمرى والرقبى، ثم قال: الاصل في عقد السكنى اللزوم، فان كان مدة معينة لزم فيها، وان كان عمر أحدهما لزم كذلك، ولا يبطل العقد بموت غير من علقت على موته، فان كانت مقرونة بعمر المالك استحقها المعمر كذلك، فان مات المعمر قبل المالك انتقل الحق إلى ورثته مدة حياة المالك كغيره من الحقوق والاملاك، وهذا مما لا خلاف فيه، أما لو انعكس بأن قرنت بعمر المعمر فمات المالك قبله فالاصح أن الحكم كذلك وليس لورثة المالك ازعاجه قبل وفاته مطلقا، وفصل ابن الجنيد هنا فقال: ان كانت قيمة الدار تحيط بثلث الميت لم يكن لهم اخراجه، وان كان ينقص عنها كان كذلك لهم استنادا إلى رواية خالد بن نافع.

(٣) أي للساكنين إو المسكين وعلى الثاني محمول على ما إذا أخرجوا الساكنين أو على ما إذا باعوا ولم يذكر السكنى للمشتري. (المرآة)

٢٥٣

كتاب الفرائض والمواريث

باب ابطال العول في المواريث

٥٦٠٠ - روى سماعة عن ابى بصير عن ابى جعفر عليه السلام قال: ((ان أميرالمؤمنين عليه السلام كان يقول: ان الذى احصى رمل عالج(١) يعلم ان السهام لا تعول على ستة(٢) لو يبصرون وجوهها لم تجز ستة)(٣) .

___________________________________

(١) في النهاية في حديث الدعاء " وما تحويه عوالج الرمال " هي جمع عالج - بكسر اللام - وهو ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض.

(٢) " تعول " أي لا تزيد ولا ترتفع، والعول في الفرائض هو زيادة الفريضة لقصورها عن سهام الورثة على وجه يحصل به النقص على الجمع بالنسبة، وهو باطل عند الامامية كما إذا كانت ستة مثلا فعالت إلى سبعة في مثل زوج واختين لاب فان للزوج النصف ثلاثة وللاختين الثلثين أربعة فزادت الفريضة واحدا، والقائلون بالعول يجمعون السهام كلها ويقسمون الفريضة عليها فيدخل النقص على كل واحد بقدر فرضه كأرباب الديون إذا ضاق المال عن حقهم، وأول مسألة وقع فيها العول في الاسلام في زمن عمر على ما رواه عنه العامة وهو أنه ماتت امرأة في زمانه عن زوج واختين فجمع الصحابة وقال لهم: فرض الله تعالى للزوج النصف وللاختين الثلثين، فان بدأت للزوج لم تبق للاختين حقهما وان بدأت للاختين لم يبق للزوج حقه، فأشيروا علي، فاتبع رأي أكثرهم على العول، فقضى بتوزيع النقص على الجميع بنسبة سهامهم، وسنذكر قول الامامية فيه عن قريب ان شاء الله تعالى.

(٣) الستة هي التي ذكره الله سبحانه في كتابه وهي الثلثان والنصف والثلث والربع والسدس والثمن.

فالثلثان هو فرض البنتين فصاعدا، والاختين فصاعدا لاب وأم أو لاب مع فقد الاخوة.

والنصف هو فرض الزوج مع عدم الولد وان نزل، والبنت الواحدة والاخت الواحدة لاب وأم أو لاب مع فقد الاخوة.

والثلث هو فرض الام مع عدم من يحجبهامن الولد وان نزل، والزائد على الواحد من ولد الام.

والربع هو فرض الزوج مع الولد وان نزل، والزوجة فأزيد مع عدم الولد.

والسدس هوفرض كل واحد من الابوين مع الولد وان نزل والام المحجوبة، والواحد من كلالة الام ذكرا كان أو الانثى والثمن هوفرض الزوجة فأزيد مع الولد وان نزل.

٢٥٤

٥٦٠١ - وروى سيف بن عميرة، عن ابى بكر الحضرمى عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (كان ابن عباس يقول: ان الذى احصى رمل عالج ليعلم ان السهام لا تعول من ستة)(١) .

٥٦٠٢ - وروى الفضل بن شاذان، عن محمد بن يحيى، عن على بن عبدالله، عن يعقوب بن ابراهيم بن سعد، عن ابيه(٢) قال: حدثنى ابى عن محمد بن اسحاق قال:

___________________________________________

(١) لاخلاف عند العامة أن ابن عباس لم يقل بالعول كمارواه الحاكم في مستدركه ج ٤ ص ٣٤٠ وقال: صحيح على شرط مسلم، وسنن البيهقي ج ٦ ص ٢٥٣، وكنز العمال ج ٦ ص ٧، وأحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ١٠٩.

(٢) طريق الصدوق إلى الفضل بن شادان النيشابورى متكلم فقيه جليل، له كتب ومصنفات يبلغ عددها مائة وثمانين كتابا، وهو يروى هذا الحديث عن محمد بن يحيى بن عبدالله الذهلى العامى النيشابورى، نقل ابن حجر عن أبي محمد بن أبي الجارود عن محمد بن أحمد بن الجراح الجوزجاني يقول: دخلت على أحمد فقال لي: تريد البصرة قلت: نعم، قال: فاذا أتيتها فالزم محمد بن يحيى فليكن سماعك منه فانى مارايت خراسانيا - أو قال: مارأيت أحدا - أعلم بحديث الزهرى منه ولا أصح كتابا منه، وأما على ابن عبدالله فهو أبوالحسن على بن عبدالله بن جعفر بن نجيح السعدى مولاهم يكنى ابن المدينى بصرى قال أبوحاتم الرازى: كان على بن عبدالله علما في الناس في معرفة الحديث والعلل وكان أحمد لايسميه انما يكنيه اجلالا له.

وأما يعقوب بن ابراهيم بن سعد فهو من أحفاد الزهري المعروف، وثقة ابن معين والعجلى وابن حبان، وأبوه ابراهيم بن سعد ثقة أيضا قال أحمد: أحاديثه مستقيمة، وجده سعد بن ابراهيم قاضى واسط من قبل هارون ووثقه ابن معين.

٢٥٥

حدثنى الزهرى عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة(١) قال: جلست إلى ابن عباس فعرض على ذكر فرائض المواريث فقال ابن عباس: سبحان الله العظيم أترون ان الذى احصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا(٢) فهذان النصفان قد ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟ فقال له زفربن أوس البصرى: يا ابن عباس فمن اول من اعال الفرائض قال: (رمع) لما التفت عنده الفرائض ودافع بعضها بعضا قال: والله ما ادرى ايكم قدم الله وايكم اخر الله وما اجد شيئا هو أوسع من ان اقسم عليكم هذا المال بالحصص فأدخل على كل ذى حق ما دخل عليه من عول الفريضه، و ايم الله ان لو قدم من قدم الله واخرمن اخر الله ما عالت فريضة، فقال له زفربن اوس: وايهما قدم وايهما اخر؟ فقال: كل فريضة لم يهبطها الله عزوجل عن فريضة الا إلى فريضة(٣) فهذا ما قدم الله، واما ما اخر الله فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها الا ما بقى فتلك التى اخر الله، فاما التى قدم الله فالزوج له النصف فاذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع إلى الربع لا يزيله عنه شئ، والزوجة لها الربع فان زالت عنه صارت إلى الثمن لا يزيلها عنه شئ، والام لها الثلث فان زالت عنه صارت إلى السدس لايزيلها عنه شئ، فهذه الفرائض ا لتى قدم الله عزوجل، واما التى اخر الله ففريضة البنات والاخوات لها النصف ان كانت واحدة، وان كانت اثنتين أو أكثر فالثلثان فاذا

___________________________________

(١) محمد بن اسحاق أبوبكر المطلبي مولاهم نزيل العراق وثقه ابن معين وقال: كان حسن الحديث وهو صاحب المغازي.

ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهرى حاله مشهور والعامة رفعوه فوق مقامه راجع تهذيب التهذيب ج ٩ ص ٤٤٥ إلى ٤٥١، وأما عبيد الله بن عبدالله ابن عتبة الهذلى فوثقه أبوزرعة وابن حبان والواقدى وغيرهم، وانما بينا رجال السند لعدم كونهم في كتب رجال الخاصة وليكون القارئ على بصيرة في مسألة بطلان العول.

(٢) قال العلامة المجلسي: مثال ذلك أنه ان ماتت امرأة وتركت زوجا واخوتها لامها وأختها لابيها فان للزوج النصف ثلاثة أسهم وللاخوة من الام الثلث سهمين وللاخت من الاب أيضا عندهم النصف ثلاثة أسهم يصير من ستة تعول إلى الثمانية، ويحتجون بذلك بقوله تعالى " وله اخت فلها نصف ماترك " وعندنا للاخت من الاب السدس.

(٣) هذا لايجرى في كلالة الام كما لا يخفى. (المرآة)

٢٥٦

أزالتهن الفرائض لم يكن لهن الامايبقى فتلك التى اخر الله، فإذا اجتمع ما قدم الله وما اخر بدئ بما قد الله فاعطى حقه كملا، فان بقى شئ كان لمن اخر، وان لم يبق شئ فلا شئ له(١) ، فقال له زفربن اوس: فما منعك ان تشير بهذا الرأى على (رمع)؟ قال: هبته(٢) فقال الزهرى: والله لو لا انه تقدمه امام عدل كان امره على الورع فأمضى أمرا فمضى ما اختلف على ابن عباس من اهل العلم اثنان)(٣) .

٥٦٠٣ - قال الفضل: وروى عبدالله بن الوليد العدنى(٤) صاحب سفيان قال: حدثنى ابوالقاسم الكوفى صاحب ابى يوسف عن ابى يوسف قال: حدثنا ليث بن ابى سليم(٥) عن ابى عمرو العبدى عن ابن سليمان(٦) عن على بن ابى طالب عليه السلام انه كان يقول:

___________________________________

(١) قوله " ان لم يبق - الخ " لايخفى الاشكال فيه لانه مع كونه المؤخر في المرتبة التي فيها المقدم كيف يكون محروما من الارث بالقرابة؟ واجيب عن الاشكال بأنه مبالغة في تقديم من قدمهم الله تعالى وهذا بطريق الاحتمال العقلى والا فهذا لا يقع أبدا

(٢) أى خفته وفي نسخة " هيبة " أى خوفا منه، وقوله " فقال الزهر ى " من كلام محمد ابن اسحاق.

(٣) يعنى لولا أن العول تقدم من عمر وهو امام عدل على زعم الناس لما اختلف من أهل العلم على قول ابن عباس اثنان.

وقال المولى المجلسي: هذاالمعنى أو هذا الرأى أخذه ابن عباس عن أمير المؤمنين عليه السلام.

أقول: روى نحوه الحاكم والبيهقي عن ابن عباس ونقله السيوطي في الدر المنثو ر ج ٢ ص ١٢٧ وأورده المصنف هنا محتجا به على المخالفين وقد عرفت أن رواته كلهم من ثقات العامة كالخبر الاتى.

(٤) في بعض النسخ " عبدالله بن الوليد العبدى " وهو تصحيف وهو عبدالله بن الوليد بن ميمون المكى المعروف بالعدني روى عن سفيان وغيره قال أحمد: سمع من سفيان وجعل يصحح سماعه ولكن لم يكن صاحب حديث وحديثه حديث صحيح، وقا ل أبوزرعة: صدوق وذكره ابن حبان في الثقات راجع تهذيب التهذيب ج ٦ ص ٧٠.

(٥) في بعض النسخ والعلل والتهذيب " ليث بن أبي سليمان " وهو تصحيف والظاهر أنه ليث بن أبي سليم بن زنيم القرشي.

(٦) في التهذيب والعلل " عن ليث، عن أبي عمر العبدى عن على بن أبي طالب عليه السلام " ويحتمل أن يكون الصواب " عن أبي عمرو عبيدة السلماني " فصحف بيد النساخ والرجل هو من أصحاب على عليه السلام ثقة ثبت وقالوا كان شريح القاضى إذا أشكل عليه أمر كتب إلى عبيدة هذا وسأل عنه، أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله، وتوفى بعد السبعين.

وبهذا الوجه يرفع الخلاف بين العلل والتهذيب وبين الفقيه.

٢٥٧

الفرائض من ستة اسهم، الثلثان اربعة اسهم، والنصف ثلاثة اسهم، والثلث سهمان والربع سهم ونصف، والثمن ثلاثة ارباع سهم،(١) ولا يرث مع الولد الا الابوان والزوج والمرأة، ولا يحجب الام عن الثلث الا الولد والاخوة، ولا يزاد الزوج على النصف ولا ينقص من الربع، ولا تزاد المرأة على الربع ولا تنقص من الثمن وان كن اربعا او دون ذلك فهن فيه سواء، ولا يزاد الاخوة من الام على الثلث ولا ينقصون من السدس، وهم فيه سواء، الذكر والانثى، ولا يحجبهم عن الثلث الا الولد والوالد(٢) والدية تقسم على من احرز الميراث)(٣) .

___________________________________________

(١) لم يذكر السدس للظهور أو سقط من النساخ، والغرض أن السهام التى ذكر ها الله تعالى في الكتاب ليست الاستة وليس فيها السبع والتسع والعشر وما فوقه كما يلزم على العول. (م ت).

(٢) كأن الصواب " ولايحجبهم عن الارث الا الولد والوالدان ".

(٣) روى الكليني ج ٧ ص ١ ١٠ في الحسن كالصحيح عن بكير بن أعين قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " امرأة تركت زوجها واخوتها لامها واخوتها وأخواتها لابيها، قال: للزوج النصف ثلاثة أسهم، وللاخوة من الام الثلث الذكر والانثى فيه سواء، وبقى سهم فهو للاخوة والاخوات من الاب للذكر مثل حظ الانثيين لان السهام لا تعول ولا ينقص الزوج من النصف ولا الاخوة و من الام من ثلثهم - الخبر " ومحصل الكلام أن الوارث من جهة النسب ان كان واحدا ورث المال كله ان كان ذا فرض بعضه بالفرض وبعضه بالقرابة، وان لم يكن ذا فرض فبالقرابة، وان كان أكثر من واحد ولم يحجب بعضهم بعضا فأما أن يكون ميراث الجميع بالقرابة أو بالفرض أو بالاختلاف، فعلى الاول يقسم على مايأتي من تفصيل في ميراثهم ان شاء الله تعالى، وعلى الثالث يقدم صاحب الفرض فيعطى فرضه والباقى للباقين، وعلى الثانى فاما أن تنطبق السهام على الفريضة أو تنقص عنها أو تزيد عليها، فعلى الاول لا اشكال وعلى الثاني فالزائد عندنا للانساب يرد عليهم زيادة على سهامهم اذ الاقرب يحرم الابعد، وعلى الثالث يدخل النقص عندنا على البنت والاخوات للابوين أو للاب خاصة، والنقص يدخل على من له فرض واحد في الكتاب العزيز دون من له الفرضان، فانه متى نزل عن الفرض الاعلى كان له الفرض الادنى خلافا للعامة في المقامين (جامع المدارك ج ٥ ص ٣٠٨).

٢٥٨

قال: الفضل بن شاذان: هذا حديث صحيح(١) على موافقة الكتاب، وفيه دليل على انه لايرث الاخوة والاخوات مع الولد شيئا، ولا يرث الجد مع الولد شيئا وفيه دليل على ان الام تحجب الاخوة من الام عن الميراث.

فان قال قائل(٢) : انما قال: والد ولم يقل والدين ولا قال والدة، قيل له: هذا جائز كما يقال: ولد، يدخل فيه الذكر والانثى، وقد تسمى الام والدا إذا جمعتها مع الاب كما تسمى ابا إذا اجتمعت مع الاب لقول الله عزوجل ((ولابويه لكل واحد منهما السدس) فأحد الابوين هى الام وقد سماها الله عزوجل ابا حين جمعها مع الاب، وكذلك قال: (الوصية للوالدين والاقربين) فأحد الوالدين هى الام وقد سماها الله عزوجل والدا كما سماها ابا، وهذا واضح بين والحمدلله.

٥٦٠٤ - وقال الصادق عليه السلام: (انما صارت سهام الموارث من ستة اسهم لا يزيد عليها لان الانسان خلق من ستة اشياء وهو قول الله عزوجل: ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين الاية)(٣) .

وعلة اخرى(٤) وهى ان اهل المواريث الذين يرثون ابدا ولا يسقطون ستة: الابوان والابن والبنت والزوج والزوجة.

___________________________________

(١) أى موافق للحق

(٢) من كلام المصنف - رحمه الله - أو الفضل - رضى الله عنه - لكن الاول أظهر

(٣) رواه المصنف في علل الشرايع في الصحيح عن ابن أبي عمير، عن غير واحد عنه عليه السلام.

وفي الكافي في مجهول موقوف عن يونس قا ل: " انما جعلت المواريث من ستة أسهم على خلقة الانسان لان الله عزوجل بحكمته خلق الانسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين " ففي النطفة دية " فخلقنا المضغة عظاما " وفيها دية " فكسونا العظام لحما " وفيه دية اخرى " ثم أنشانا خلقااخر " وفيه دية أخر ى، فلهذا ذكر آخر المخلوق ".

(٤) مأخوذ من كلام يونس بن عبدالرحمن مولى على بن يقطين وهو ثقة له كتب كثيرة، ونقل كلامه الكلينى بتمامه في الكافي ج ٧ ص ٨٣.

٢٥٩

باب ميراث ولد الصلب

اذاترك الرجل ابنا ولم يترك زوجة ولا ابوين فالمال كله للابن، وكذلك ان كانا اثنين او اكثر من ذلك فالمال بينهم بالسوية، وكذلك ان ترك ابنة ولم يترك زوجا ولا ابوين فالمال كله للابنة لان الله عزوجل جعل المال للولد(١) ولم يسم للابنة النصف الا مع الابوين(٢) ، وكذلك ان كانت اثنتين أو اكثر فالمال كله لهن بالسوية وان ترك ابنة وابنة ابن وابن ابن ولم يكن زوج ولا ابوان فالمال كله للابنة وليس لولد الولد مع ولد الصلب شئ لان من تقرب بنفسه كان اولى واحق بالمال ممن تقرب بغيره، وكان اقرب إلى الميت(٣) ببطن كان احق بالمال ممن كان ابعد ببطن.

فان ترك ابنا ترك ابنا وابنة أو بنين وبنات فالمال كله لهم للذكر مثل حظ الانثيين إذا لم يكن معهم زوج ولا والدان(٤) ، فان ترك ابنة واخا واختا وجدا فالمال كله للابنة، ولا يرث مع الابنة احد الا الابن والزوج والولدان، وكذالك لا يرث مع

___________________________________

(١) ان كان المراد قوله تعالى " للذكر مثل حظ الانثيين " فلا يدل على حكم البنت المنفرد، وان كان المراد أية ذوى الارحام فلا يحتاج إلى هذا التكليف بل لها النصف تسمية والنصف ردا. (م ت)

(٢) هذا غير ظاهر بل الظاهر خلافه، نعم ما قاله محتمل ولا يمكن الاستدلال به على العامة. (م ت)

(٣) أى في مرتبة واحدة والا فابن ابن ابن الابن أولى من الجد مع أن الجد أقرب ببطنين. (م ت)

(٤) قوله " إذا لم يكن " شرط لارث الكل لا للارث مطلقا، فانه مع اجتماع الزوج والابوين فللذكر مثل حظ الانثيين أيضا. (م ت)

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558