البدعة

البدعة3%

البدعة مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 610

البدعة
  • البداية
  • السابق
  • 610 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 155801 / تحميل: 9189
الحجم الحجم الحجم
البدعة

البدعة

مؤلف:
العربية

البدعة

الدكتور الشيخ جعفر السبحاني

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

٣

٤

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

تهدف الدراسة التي أضعها بين يدي القارئ الكريم باختصار إلى رسم صورة واقعية لمفهوم (البدعة)، من خلال دراسة مستفيضة للقيود الدخيلة في صياغة الحدّ النهائي لهذا المفهوم، ووضع الضابطة العامة التي يتم بموجبها تطبيقه على هذا المورد دون ذاك.

وتأتي الأهمية التي يحظى بها هذا البحث من خلال النظر في أمرين:

أولاً: إنَّا نجد أنَّ البحث في مفهوم (البدعة) يكاد أن يكون غائباً في الدراسات التخصصية المستقلة، والبحوث الموضوعيّة الشاملة، ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى قوة الوضوح التي يحملها هذا المفهوم، وسعة حضوره في صفوف مفردات الثقافة الاسلامية البارزة.

وثانياً: إنِّه على الرغم من الوضوح الذي يحمله هذا المفهوم من الوجهة النظريّة، إلا أنّا نجد خللاً واضحاً في تطبيق هذا المفهوم على مصاديقه، وارتباكاً ملحوظاً في تحديد موارده، الأمر الذي جعل هذهِ النقطة بالذات تمثل مشكلة حقيقية باتت ترافق المفهوم باطّراد من خلال تلك التطبيقات العملية الخاطئة، وأصبحت بمثابة التيار الموجّه لتفتيت وحدة المسلمين، وتمزيق شملهم، وشق عصا تآلفهم وتضامنهم على مبادئ

٥

الاسلام المثلى.

ومما يؤسف له حقاً أن يقع هذا المفهوم الاسلامي الحساس ضحيةً لالوان شتى من الايهام والتمويه، ويُستغل بطريقة غير مشروعة لتحقيق منافع ذاتية ومآرب خاصة لا تعود على المسلمين إلا بالتفرق والتشتيت.

فبالنظر لأهمية دراسة هذا الموضوع من مختلف جوانبه وأبعاده، وإعطاء نظرة تفصيلية حول حدوده وشرائط تطبيقه، فقد عمدت إلى وضع هذهِ الدراسة المتواضعة بين يدي القارئ الكريم.

وانطلاقاً من كون التشريع الاسلامي تشريعاً شاملاً لمختلف جوانب الحياة وأبعادها، فإنّا نرى أنَّه قد اختزن ذاتياً الرصيد الاكبر من مقومات الحصانة والبقاء أولاً، وعناصر الديمومة والاستمرار ثانياً.

ولعلَّ من أبرز مظاهر هذهِ الحصانة هو إعلان المواجهة الشاملة مَعَ البدع والمحدثات، والسعي الحثيث نحو قلعها واجتثاثها من الجذور، والتثقيف المركّز باتجاه خلق وعي التعبّد والانقياد في نفوس المسلمين، وقطع الطريق على كلّ بادرة تحاول أن تخترق غطاء الحصانة الشرعي الذي وفّره الاسلام لمختلف مفردات الشريعة وأحكامها ومبادئها.

هذا الامر يدعونا إلى أن نتعرف إجمالاً على الخطوط الرئيسية لحصانة التشريع، والانتهاء من خلال ذلك إلى بيان خطورة ظاهرة الابتداع في الدين، ومن ثم بيان أهم الأسباب التي أدَّت إلى نشوء هذه الظاهرة في حياة المسلمين.

وهذا ما ستطالعه أيها القارئ الكريم في الباب الاول من أبواب هذه الدراسة.

وبما انَّ إعطاء الصورة النهائية لأي مفهوم لا يمكن أن تتم بمعزلٍ عن النظر إلى

٦

طبيعة الصياغات التطبيقية له، ووضع الضابطة التي تجعله شاملاً لجميع أفراده، وغير منطبق على شيء من غير أفراده، فقد خضع مفهوم (البدعة) في دراستنا الماثلة إلى نفس هذهِ المنهجية، وحاولنا أن نسير مَعَ المفهوم في معناه اللغوي، ثم الاصطلاحي، ثم نتبيَّن ما يمكن أن يفي به من مداليل، وما يُدّعى له من تقسيم، ثمَّ نترك الحكم للنصوص الاسلامية للافصاح عن المعنى الواقعي لهذا المفهوم، ونستنطقها فيما يتعلق بموارده وتطبيقاته، ونتخذ من هذهِ النصوص أساساً لوضع القيود الدخيلة في إجلاء حقيقة هذا المفهوم، وتأسيس منهجية ثابتة يتم على ضوئها تطبيق (البدعة) على مواردها الواقعية، ورفعها عمّا لا يصح إطلاقها عليه.

وهذا يتطلب في الواقع اماطة اللثام عن هوية الابتداع، وبيان قيوده وخصوصياته، وهو ما خصصنا له جوهر هذهِ الدراسة ضمن الباب الثاني الذي يشتمل على موضوعين رئيسيين وهما: (تقسيم البدعة)، و(مفهوم البدعة بين الاطّراد والانعكاس).

ولا يخفى ما للمثال من دور كبير في تجسيد الفكرة واقعياً، وتوضيح معالمها بكل ما تحمله من خصوصيات وتفاصيل، ولا سيما إذا كان لاختيار المثال مدخلية في القاء نظرة أعمق على المفهوم، ومساهمة ثانوية في تكريس ما يشتمل عليه من عناصر وقيود.

فكانت ضرورة البحث العلمي تدعو لأن ننتقي للقارئ الكريم نموذجين بارزين للابتداع في الباب الثالث من هذهِ الدراسة، ثم نعطف بعد ذلك الكلام حول حديث (سنة الخلفاء الراشدين)، ونبحثه من ناحيتي السند والمضمون، ونناقش الآراء التي أخرجت بواسطته الكثير من البدع من حيِّز الذم والانتقاد.

ثم ننتقل إلى الباب الرابع والاخير من هذهِ الدراسة فنستهل الحديث فيه

٧

باستعراض موجز لمعنى التشيع، وإبطال الرأي القائل بأنَّه بدعة حدثت في فترة متأخرة عن حياة الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من خلال دراسة مختصرة لنشأة التشيع، ومناقشة الآراء المختلفة في هذا المجال.

ثم نستعرض روائياً مجمل الدور الرسالي الذي تحمّل أعباءَه أهلُ البيتعليهم‌السلام في مواجهة البدع والمحدثات الدخيلة على الدين، وقد اقتصرنا خلال ذلك على بيان الخطوط العامة للمواجهة مَعَ البدع المتعلقة بالجوانب الاعتقادية في حياة المسلمين، لعدم إمكانية استقصاء مراحل المواجهة وحجمها ضمن هذهِ الدراسة، وتعذُّر استيفاء ذلك.

ولا يفوتني في الختام أن أتقدم بوافر الشكر وجميل الثناء إلى أخي المفضال الشيخ مصطفى قصير العاملي الذي تجشم عناء المطالعة النهائية لفصول هذهِ الدراسة، وساهم من خلال ملاحظاته السديدة ووجهات نظره البنّاءة في تنضيج مضمونها، وترشيد محتواها، فجازاه اللّه عن الاسلام وعنّا خير الجزاء.

وأعترف مسبقاً انَّ الكتابة في مثل هذا الموضوع الحساس لا تخلو من عثرة في القول أو زلة في القلم، على الرغم من أنّي قد بذلت غاية الوسع في تغطية جوانب هذا الموضوع، واستقصاء شوارده بالدراسة والتحليل، فلا ادّعي لنفسي العصمة والكمال، إذ لا عصمة إلا لمن عصم اللّه، ولا كمال إلا لِلّه وحده.

( سُبحانَكَ لا عِلمَ لَنا إلا ما عَلَّمتَنا إنَّكَ أنتَ العَليمُ الحَكيمُ )

قم المقدسة

جعفر محمد علي الباقري

٨

٩

الباب الأول: حصانة التشريع وخطورة الابتداع

الفصل الأول: عناصر ديمومة التشريع.

الفصل الثاني: مواجهة البدع.

الفصل الثالث: اسباب نشوء البدع (البدايات).

١٠

الفصل الاول : عناصر ديمومة التشريع

الخط الاول: شمولية التشريع.

الخط الثاني: سعة دائرة الحلال.

الخط الثالث: ضرورة عرض المعضلات على الكتاب والسنة.

الخط الرابع: التوقف عن الشبهات.

الخط الخامس: الرجوع في تفاصيل التشريع إلى العلماء.

الخط السادس: عدم جواز الاجتهاد في مقابل التشريع.

١١

١٢

تمهيد

يعتبر عنصر العمومية والشمول الذي تتميَّز به تعاليم الشريعة الاسلامية الخاتمة من أبرز العناصر والمقومات التي تمنح هذهِ الشريعة المقدّسة قابلية الديمومة والبقاء ومواكبة السلوك الانساني المتحّرك والمتغيِّر باستمرار.

فقد اُرد لهذه الشريعة أن تمتد في اُفق الحياة إلى حيث اللحظات الاخيرة، وتلبّي جميع احتياجاتها، وتستوعب مختلف أبعادها، بالرؤية الواضحة، والتكليف المشخص، والموقف العملي المحدّد، من خلال المفاهيم والاحكام المتنوعة التي عالجت جميع جوانب الوجود، ودخلت في كل تفاصيله، انطلاقاً من كون الشريعة الاسلامية هي الشريعة الخاتمة، وهي الشريعة الشاملة، قال تعالى:

( اليَومَ أكملت لَكم دِينَكُم وَأتممتُ عَليكُم نِعمتي وَرضيتُ لَكُم الإسلام دَيناً ) (١) .

وقال أيضاً:( وَأنزلنَا إِلَيكَ الكتابَ بِالحقِّ مُصدّقاً لِما بينَ يَديهِ مِن الكتابِ وَمُهيمناً عَليهِ ) (٢) .

فيترشح على أساس ذلك جوهر الأهداف التي تكمن وراء بعثة النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برسالته الخاتمة، والتي تتمثل بتنظيم حياة الانسان، وتقنين حركته، وبرمجة تصرفاته

____________________

(١) المائدة: ٣.

(٢) المائدة: ٤٨.

١٣

وتعاملاته المختلفة، مع نفسه ومع اسرته، ومع مجتمعه، ومع خالقه. بما يضمن سيره في طريق الكمال، واتجاهه نحو السعادة الأبدية، والخلود الدائم، والنعيم المقيم، الذي خُلق الانسان من أجل بلوغه وادراكه، فهو الكائن الاجتماعي الذي يأتلف مع باقي البشر من أبناء جنسه، وينصهر معهم في مختلف الرؤى والاهداف، فيشكل بذلك جزءاً فاعلاً في المجتمع الذي ينتمي إليه، ويحقق من خلال السلوك المتزن، والهدي الاسلامي الرفيع أمل الرسالة المعقود عليه، وهو الطاعة والعبادة للّه وحده، قال تعالى:

( وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلا لِيعبُدونِ ) (١) .

ولنا أن نقطع بانَّ هذا الشمول والاستيعاب يكمن في انبثاق هذه التعاليم والقوانين التشريعية من عالم الغيب والكمال المطلق، واتصالها بالقدرة الالهية المهيمنة على هذا الكون، والمدركة لجميع مصالحه ومفاسده بكل تفصيل.

كما انَّ اليد الالهية هي التي تقف وراء حفظ هذهِ التعاليم والذب عنها إلى آخر لحظة في الوجود، يقول اللّه عزَّ شأنه:

( إنّا نحنُ نُزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنّا لهُ لَحافظُونَ ) (٢) .

إذن فهناك عنصران رئيسيان يقفان وراء ديمومة وبقاء الشريعة الاسلامية المقدسة في حياة الانسان، وهما: استيعاب مساحة التطبيق، وغيبية النشوء، وهذا الأمر نجده مفقوداً في كل القوانين والانظمة والنظريات الوضعية التي حاولت معالجة مشكلة الكون والانسان، وسعت إلى رسم المسار الصحيح للبشرية، وتشخيص الوضع الأمثل لها، لأنَّها تفتقد لكلا العنصرين المتقدمين، فهي محدودة ضمن إطار المكان الذي تتحرك عليه، والزمان الذي تُطبق فيه من جانب، ومن جانب آخر نرى انَّها ناشئة من معطيات

____________________

(١) الذاريات: ٥٦.

(٢) الحجر: ٩.

١٤

العقل البشري القاصر الذي ينحصر عطاؤه في حدود ظرف الامكان، ولا يتعدى ذلك إلى حيث التمامية والكمال.

والتجربة الانسانية غنيّة بمثل هذهِ الطروحات الوضعية التي ما انفكت تتهاوى الواحدة تلو الاخرى أمام تيار الزمن المتجدد، والتطلعات الانسانية الصاعدة، فهي ما برحت تعاني من الانكفاء والتخلّف ومواكبة الواقع المتغير، وتتعرض إلى الاصلاح والترقيع والترميم على مدى الأزمنة المتعاقبة، ولكن دون جدوى، قال تعالى:

( أَفلا يَتدَبَّرونَ القُرآنَ وَلو كانَ مِن عندِ غَيرِ اللّه لَوجَدُوا فِيهِ اختلافاً كَثيراً ) (١) .

فالقوة الغيبية المطلقة إذن هي صاحبة الدور الوحيد في صياغة الرؤية الاسلامية المحددة إلى مختلف الوقائع والاحداث التي تكتنف بها الحياة، وهي التي تحدد للسوك الانساني طبيعةَ سيره وحركته ضمن مفردات هذا الكون الواسع.

وقد كان القرآن الكريم هو المجسد الأول لهذه الغاية، والملبي الامثل لذلك الغرض المرتجى والهدف المرسوم، نظراً لما اشتمل عليه من أنظمة وقوانين وأحكام تملأ جميع مساحات الواقع، وتستجيب لمختلف متطلباته واحتياجاته، فلا تبقى واقعة في الحياة تخلو من حكم، ولا يمكن أن تعترضَ الانسانَ مشكلةٌ في طريق سعادته وكماله إلا وتجد لها الحل بين طيّات الكتاب الكريم، قال تعالى:

( وَنَزَّلْنا عَليكَ الكتابَ تِبياناً لكلِّ شَيءٍ وَهدى وَرحمَةً وبُشرى لِلمُسلِمينَ ) (٢) .

وقال تعالى:( ما فَرَّطنا فِي الكِتابِ مِن شيءٍ ) (٣) .

____________________

(١) النساء: ٨٢.

(٢) النحل: ٨٩.

(٣) الانعام: ٣٨.

١٥

وجاءت الآيات الكثيرة تأمر المسلمين باتباع القرآن الكريم، واسترشاده، والاستلهام منه، كما قال تعالى:

( وَهذا كِتاب أَنزَلناهُ مُبارك فَاتَّبعوهُ وَاتَّقُوا لَعَلّكُم تُرحمُونَ ) (١) .

وقال تعالى:( اتَّبِعُوا مَا انُزِل إِليكُم مِن رَبِّكُم وَلا تَتَّبعُوا مِن دُونِهِ أَوليَاءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكّرونَ ) (٢) .

هذا هو الخط التشريعي الأول المتصل بالسماء، وأما الخط الثاني الذي يكمّل شوط هذه المهمة، ويتناول تفاصيلها باستيعاب، فهو عبارة عن سنة النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطاهرينعليهم‌السلام ، قولاً وفعلاً وتقريراً، حيث التجسيد العملي الأمثل لتلك التعاليم القرآنية، والتوضيح المتمم للخصوصيات والتفاصيل الجزئية التي انطوت عليها عموميات الكتاب الكريم، إذ انَّ من المفترض أن يتناول الكتاب الكريم اصول التشريع الاسلامي، وخطوطه العامة، دون الجزئيات والتفاصيل، فقد قال تعالى:

( وَأَنزلنَا إِليكَ الِذّكرَ لتُبيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزّل إِليهِم وَلعَلَّهُم يَتفَكَّرُونَ ) (٣) .

وقد قرن اللّه تعالى في كتابه الكريم طاعة الرسول بطاعته، مقرراً أنَّ كلَّ واحدٍ من هذين المصدرين يكمّل الآخر، ويوضح معالمه، كما قال تعالى:

( قُل أَطيعُوا اللّهَ وَالرَّسُولَ فإن تَوَلّوا فَإنَّ اللّهَ لا يُحبُّ الكافِرينَ ) (٤) .

وقال تعالى:( وَأَطيعُوا اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلكُم تُرحَمُونَ ) (٥) .

وقال تعالى:( يا أيها الذينَ آمنُوا أطيعُوا اللّهَ ورسولَه ولا تَولّوا عنه وأنتُم

____________________

(١) الانعام: ١٥٥.

(٢) الاعراف: ٣.

(٣) النحل: ٤٤.

(٤) آل عمران: ٣٢.

(٥) آل عمران: ١٣٢.

١٦

تَسمعُونَ ) (١) .

وقال تعالى:( ومَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخشَ اللّهَ وَيَتَّقهِ فَأُولئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ ) (٢) .

وقال تعالى:( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقد فَازَ فَوزاً عَظِيماً ) (٣) .

وقال تعالى:( يَا أيُّها الُّذينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم فَإن تَنازَعتُم فِي شَيءٍ فَردُّوهُ إِلى اللّهِ وَالرَّسُولِ إن كنتُم تُؤمنُونَ بِاللّهِ وَاليومِ الآخرَ ذَلكَ خير وَأَحسنُ تَأويلاً ) (٤) .

وقال تعالى:( قُل أَطِيعُوا اللّهَ وأَطيعُوا الرَّسولَ فإن تَولوا فَإنَّما عَليهِ مَا حُمِّلَ وَعليكُم مّا حُمِّلتُم وإن تُطيعُوهُ تهتدُوا وَما عَلى الرَّسُولِ إلا البَلاغُ المُبينُ ) (٥) .

كما تظافرت الآيات على ضرورة احترام شخصية الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتبجيله، وتوقيره، ونصرته، واتباع سيرته وسلوكه، كما في قوله تعالى:

( لقد كانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللّهِ أُسوة حَسَنة ) (٦) .

وقوله تعالى:( الَّذِين يَتَّبعُونَ الرسُول النبِي الأُمّي الَّذي يَجدُونَهُ مَكتُوباً عِندهُم فِي التَّوراةِ والانجِيلِ يَأمُرهُم بَالمعروفِ وَينهاهُم عَن المنكِرِ ويُحلُّ لَهمُ الطيباتِ ويحرِّم عَليهِم الخبائثَ وَيَضعُ عَنهُم إصرهُم وَالاغلالَ التي كانت عَليهم فَالَّذينَ آمَنُوا بهِ وَعزَّروهُ وَنَصروهُ وَاتَّبعُوا النورَ الذي اُنزِلَ مَعُه أولئكَ هُم المُفلحونَ*قُل يَا أيُّها النَّاسُ إنّي رَسولُ اللّهِ اليكُم جَميعاً الذي لَه مُلكُ السِّمواتِ

_______________________

(١) الانفال: ٢٠.

(٢) النور: ٥٢.

(٣) الاحزاب: ٧١.

(٤) النساء: ٥٩.

(٥) النور: ٥٤.

(٦) الاحزاب: ٢١.

١٧

وَالأرض لا الهَ إلا هوَ يُحيي ويمِيتُ فآمِنوا بِاللّهِ وَرسولهِ النَّبي الأمي الِّذين يُؤمِنُ بِاللّهِ وكَلِماتِه وَاتَّبِعُوه لَعلَّكُم تَهتدُون ) (١) .

وقال تعالى مخاطباً نبيَّه الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( قُل إن كُنتم تُحِبّون اللّهَ فَاتَّبعُوني يُحبِبكُمُ اللّهُ وَيَغفر لَكُم ذُنوبَكُم وَاللّهُ غَفُور رَحيم ) (٢) .

كما وَرَدَ التحذير في الكتاب الكريم عن مخالفة أوامر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والخروج عن جادة السعادة التي اختطها للبشرية بعنائه، وجهاده، وصبره على أداء الرسالة السماوية المقدسة، كما في قوله تعالى:

( لا تَجعلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَينَكم كَدُعاءِ بَعضِكم بَعضاً قَد يَعلمُ اللّهُ الَّذينَ يَتَسللُون مِنكم لِوَاذاً فَليحذَرِ الُّذينَ يُخالِفونَ أن أمرِهِ أن تُصيبَهُم فِتنَة أو يُصيبَهم عَذاب أليم ) (٣) .

وجاءت الاحاديث عن النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتؤكد على نفس هذا المعنى، وتحث المسلمين على اتباع سنته وتحذِّر من مخالفته، فقد ورد عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«مَن تمسكَ بسنتي في اختلاف امتي كان له أجر مائة شهيد»(٤) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«كل امتي يدخلون الجنةَ إلا مَن أبى!، قالوا: يا رسولَ اللّه! ومَن يأبى؟ قال: مَن أطاعني دخل الجنة، ومَن عصاني فقد أبى»(٥) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

____________________

(١) الاعراف، ١٥٧ - ١٥٨.

(٢) آل عمران: ٣١.

(٣) النور: ٦٣.

(٤) أبو جعفر البرقي، المحاسن، تحقيق: مهدي الرجائي، ج: ١، باب: ثواب الأخذ بالسنّة، ح: ٧، ص: ٩٥.

(٥) البخاري، صحيح البخاري، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، ج: ٨، ص: ١٣٩.

١٨

«ستة لعنتُهم لعَنَهُم اللّه وكل نبي مجاب: المكذّب بقدر اللّه، والزائد في كتاب اللّه، والمتسلط بالجبروت يُذِلُّ مَن أعزَّ اللّه ويُعزّ مَن أذلَّ اللّه، والمستحل لحرم اللّه، والمستحل من عترتي ما حرَّم اللّه، والتارك لسنتي».

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«ما أمرتكمبه فخذوه وما نهيتكم عنه فانتهوا».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا قول إلا بعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا باصابة السنة».

وعن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنَّه قال:

«إنَّ الفقيه حق الفقيه، الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، المتمسك بسنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

وجاءَ في (نهج البلاغة) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال:

«اقتدوا بهدي نبيكم فانَّه أفضل الهدي، واستنّوا بسنته فانها أهدى السنن».

وفي الحقيقة ان قضية اتباع سنة الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تُعد من القضايا البديهية التي يقوم عليها عود الاسلام، وترتكز على أساسها مجمل تعاليمه وأحكامه، حتى أصبح أصل اتباع سنة الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مورداً لاجماع المسلمين على الاطلاق، وان كان هناك اختلاف بينهم في طريقة الاخذ بالسنة وشروط ذلك.

ومن المقطوع به ان انكار هذا المعنى الشرعي بخصوص السنة النبوية يساوق

____________________

(١) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين وبذيله التلخيص للحافظ الذهبي، ج: ١، ص: ٣٦.

(٢) ابن ماجة، سنن ابن ماجة، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ج: ١، باب: اتباع سنة رسول اللّه، ح: ١، ص: ٣.

(٣) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب، ح: ٩، ص: ٧٠.

(٤) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب، ح: ٨، ص: ٧٠.

(٥) نهج البلاغة: خ / ١١٠.

١٩

انكار الاسلام من الأساس، وعدم الايمان بأهم أولياته ومرتكزاته، لأنَّ هذا المصدر يعتبر عصب الحياة بالنسبة إلى الشريعة الاسلامية، ويشكّل القاعدة الثانية للتشريع بعد القرآن، ولولا السنة النبوية لما أمكننا أن نفهم أحكام الشريعة، ونعيَ مقاصدها الحقيقية بشكل مطلق.

وقد ورد في الاحاديث ان المخالف لسنة النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمتحدّي لها يُعد خارجاً عن دائرة الايمان باللّه، فضلاً عن المنكر لها من الأساس، فقد ورد عن أبي عبد اللّه الصادقعليه‌السلام في أمر التشديد على مخالفة السنة النبوية أنه قال:

«مَن خالف كتابَ اللّه وسنّةَ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد كفر»(١) .

وورد عنهعليه‌السلام أيضاً أنه قال:

«لو أنَّ قوماً عبدوا اللّهَ وحده لا شريك له، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجّوا البيت، وصاموا شهر رمضان، ثم قالوا لشيء صنعه اللّه تعالى: ألا صنع خلاف الذي صنع، أو وجدوا ذلكَ في قلوبهم، لكانوا بذلك مشركين، ثم تلا قوله تعالى:( فَلا وربِّكَ لا يؤمنونَ حتى يُحكّموكَ فِيمَا شَجرَ بينهم ثُم لا يَجِدوا فِي أنفُسِهم حَرَجاً مِما قَضيتَ ويُسلِّموا تَسلِيماً ) (٢) ، ثم قال أبو عبد اللّهعليه‌السلام وعليكم بالتسليم»(٣) .

وهكذا الأمر بالنسبة إلى سنة أهل البيتعليهم‌السلام الذين أذهبَ اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فهي الامتداد الشرعي لسنة النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والسبيل المتمم للشوط الذي بدأ بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد دلَّ عليها الكتاب الكريم، ودلَّت عليها السنة النبوية الشريفة.

وفي الحقيقة ان منصب الامامة الذي يتقلده أهل البيتعليهم‌السلام منصب يتأهل له

____________________

(١) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: الاخذ بالسنة.، ح: ٦، ص: ٧٠.

(٢) النساء: ٦٥.

(٣) أبو جعفر البرقي، المحاسن، ج: ١، باب: تصديق رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ح: ٣٧١، ص: ٤٢٣.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610