البدعة

البدعة0%

البدعة مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 610

البدعة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 610
المشاهدات: 148898
تحميل: 8470

توضيحات:

البدعة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 610 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 148898 / تحميل: 8470
الحجم الحجم الحجم
البدعة

البدعة

مؤلف:
العربية

يقول: «البدعة في اللغة مأخوذة من البدع وهو الاختراع على غير مثال سابق، ومنه قوله،( بَدِيعُ السَمواتِ والأَرض ) (١) ، أي مخترعها على غير مثال سابق، وقوله - تعالى -( قُل ما كُنتُ بِدعاً مِنَ الرُّسلِ ) (٢) ، أي ما كنتَ أول مَن جاءَ بالرسالة من اللّه إلى العباد، بل تقدمني كثير من الرسل، ويُقال ابتدعَ فلان بدعةً، يعني ابتدأ طريقةً لم يُسبق اليها»(٣) .

فمن الواضح انَّ المعنى اللغوي ل(البدعة) يأبى التفسير الذي ذكره (الفوزان) لها على نحو التحميل، وذلك حسب إقراره هو، وتصريحه بذلك، إذ (البدعة) لغةً هي: (ما لم يكن له مثال سابق) حسب قول أئمة اللغة وعلمائها بالاتفاق، فكيف يمكن أن تطبَّق على ما كان له أصل سابق في الشريعة؟ وهل أنَّ بامكان أحد أن يوسِّع أو يضيِّق المداليل اللغوية للالفاظ متى شاء وأنّى أراد؟

إن هذا إلا عبث سافر بالألفاظ، وخلط واضح التهاتر والبطلان.

السبيل الثاني: انَّه ادعى انّ صلاة (التراويح) كانت قائمة في عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد صلاها بأصحابه مدّة، ثم انقطع عنها، حيث يقول: «والتراويح قد صلاها النبي بأصحابه ليالي، وتخلّف عنهم في الأخير، خشيةَ أن تُفرض عليهم، واستمر الصحابة – رضي ‌الله‌ عنهم - يصلّونها أوزاعاً متفرّقين في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعد وفاته، إلى أن جمعهم عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه خلف امامٍ واحدٍ كما كانوا خلف النبي، وليس هذا بدعةً في الدين»(٤) .

فهل حقاً انَّ النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد صلّى التراويح جماعة، وتخلَّف عنها خشيةَ أن

____________________

(١) البقرة: ١١٧.

(٢) الأحقاف: ٩.

(٣) صالح الفوزان، البدعة، ص: ٥.

(٤) صالح الفوزان، البدعة، ص: ٩ - ١٠.

١٨١

تُفرض على أصحابه، فيكون لهذه الصلاة جذور شرعية تربطها بالدين، أو انَّ الأمر على خلاف ذلك؟!

هذا ما سنتعرض له بتفضيل عندما نتناول خلفيات هذهِ الصلاة في موضعها الخاص بإذن اللّه تعالى.

١٨٢

١٨٣

الفصل الثالث : مفهوم البدعة في النصوص الاسلامية

البدعة: تقابل السنة.

البدعة: تعني الغش والضلال واتباع الأهواء.

البدعة: ادنى مراتب الكفر والشرك.

البدعة: موارد وتطبيقات.

١٨٤

١٨٥

مفهوم (البدعة) في النصوص الاسلامية

إنَّ النص الاسلامي الصريح هو الذي يمتلك الكلمة الفاصلة في تحديد هوية أية مفردة من مفردات الثقافة الاسلامية، وهو الذي يوضح ما يمكن أن تكتنف به بعض المفاهيم الاسلامية من غموض وابهام.

وبما انَّ هناك اضطراباً واضحاً عند بعض المصنفين في تحديد هوية الابتداع في الاصطلاح الشرعي، وتفاوتاً كبيراً في طريقة تطبيقه على مفرداته المختلفة فنرى أنَّ من المستحسن بنا، وقبل الاسترسال في بيان معالم وخصوصيات هذا المفهوم، وذكر قيوده وشروط تطبيقه، أن نستعين بالنصوص الاسلامية التي تعرضت لتحديد هذا المفهوم وإبراز هويته.

كما نتعرض أيضاً لبعض التطبيقات الواردة على ألسنة هذه الاحاديث، لنرى الضابط والمدار الذي تدور حوله هذه التطبيقات.

وسوف نقوم بتقسيم هذهِ الأحاديث إلى أربع طوائف، ونمنح كلَّ طائفة منها عنواناً خاصاض، يمثل القاسم المشترك لمجموع الاحاديث الواردة في الطائفة الواحدة.

ومن خلال النظرة في هذهِ العناوين يستطيع القارئ أن يكوّن نظرة إجمالية أولية عن طبيعة القيود التي ينبغي أن تؤخذ في حد مفهوم (البدعة)، وطبيعة الضابطة التي يتم على أساسها تطبيق هذا المفهوم على موردٍ دون آخر.

(البدعة): تقابل السُّنة

ورد عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«لا يذهب من السنة شيء، حتى يظهر من البدعة مثله، حتى تذهب السنة، وتظهر البدعة، حتى يستوفي البدعة مَن لا يعرف السنة فمن أحيى ميتاً من سنتي قد

١٨٦

اُميتت، كان له أجرُها، وأجر مَن عمل بها، من غير أن ينقص من اُجورهم شيئاً، ومَن أبدَعَ بدعةً، كان عليه وزرها، ووزر مَن عمل، بها لا ينقص من أوزارهم شيئاً»(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«لا ترجعنَّ بعدي كفّاراً، مرتدين، متأولين للكتاب على غير معرفة، وتبتدعون السنة بالهوى، لأنَّ كل سنة وحدث وكلام خالف القرآن فهو ردّ وباطل»(٢) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«يأتي على الناس زمان وجوههم وجوه الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين. السنة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سنّة»(٣) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن أدّى إلى اُمتي حديثاً يُقام به سنّة، أو يثلم به بدعة، فله الجنة»(٤) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«إيّاكَ أن تسنَّ بدعة، فان العبد إذا سنَّ سنةً سيئة، لحقه وزرها، ووزر مَن عمل بها.»(٥) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن أحدثَ حدثاً: أو آوى محدثاً، فعليه لعنة اللّه والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف يوم القيامة.

فقيل: يا رسول اللّه: ما الحدث؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : منَ قَتَل نفساً بغير نفسٍ، أو مثَّل بغير قودٍ، أو ابتدعَ بدعةً بغير

____________________

(١) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١١٩، ص: ٢٢٢.

(٢) الشريف الرضي، خصائص الأئمة، تحقيق: محمد هادي الاميني، ص: ٧٥.

(٣) تاج الدين الشعيري، جامع الأخبار، ص: ١٢٥.

(٤) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ١٩، ح: ٤٣، ص: ١٥٢.

(٥) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٧٤، باب: ٥، ح: ١، ص: ١٠٤.

١٨٧

سنة»(١) .

وعن أبي بصير عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام قال:

«لما حضر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوفاة، نَزَلَ حبرائيل، فقال له جبرئيل: يا رسول اللّه، هل لكَ في الرجوع؟ قال: لا، قد بلَّغتُ رسالات ربّي، ثم قال له: يا رسول اللّه أتريد الرجوع إلي الدنيا؟، قال: لا، بل الرفيق الأعلى، ثم قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمسلمين، وهم مجتمعون حوله:

أيها الناس أنّه لا نبيَّ بعدي، ولا سنَّة بعدَ سنتي، فمن ادّعى ذلك فدعواه وبدعته في النار.»(٢) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« ما من اُمةٍ ابتدعت بَعدَ نبيها في دينها بدعةً، إلا أضاعت مثلها من السنة»(٣) .

وعن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أنه قال:

«وأما أهل السنة، فالمتمسكون بما سنَّه اللّهُ لهم ورسوله، وإن قلّوا، وأما أهل البدعة، فالمخالفون لأمر اللّه تعالى وكتابه ولرسوله، والعاملون برأيهم وأهوائهم، وإن كثروا، وقد مضى منهم الفوج الأول، وبقيت أفواج، وعلى اللّهِ فضُّها واستيصالها عن جدبة الأرض»(٤) .

وسأل رجل الامام علياًعليه‌السلام عن السنة، والبدعة، والفرقة، والجماعة، فقالعليه‌السلام :

«أمّا السنة: فسنة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأما البدعة: فما خالفها، وأمّا الفرقة، فأهل الباطل وإن كثروا، وأمّا الجماعة، فأهل الحق وإن قلّوا»(٥) .

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، معاني الأخبار، تحقيق علي أكبر الغفّاري، ص: ٢٦٥.

(٢) محمد بن النعمان المفيد، أمالي الشيخ المفيد، ص: ٥٣.

(٣) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١٠٠، ص: ٣١٩.

(٤) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١٦، ح: ٤٤٢١٦، ص: ١٨٤.

(٥) الحرّاني، تحف العقول، تحقيق: علي أكبر الغفّاري، ص: ٢١١.

١٨٨

وعنهعليه‌السلام :

«واعلموا أنَّ خير ما لزم القلب اليقين، وأحسن اليقين التقى، وأفضل اُمور الحق عزائمها، وشرّها محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وبالبدع هدم السنن»(١) .

وعنهعليه‌السلام :

«ما اُحدثت بدعة إلا تُرك بها سنة، فاتقوا البدع، والزموا المهيع، إنَّ عوازم الامور أفضلها، وانَّ محدثاتها شرارها»(٢) .

وعنهعليه‌السلام :

«واعلم أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه، ولن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه، ولن تتلوا الكتاب حقَّ تلاوته حتى تعرفوا الذي حرَّفه، ولن تعرفوا الضلالة، حتى تعرفوا الهدى، ولن تعرفوا التقوى، حتى تعرفوا الذي تعدّى، فإذا عرفتم ذلك، عرفتم البدع والتكلّف، ورأيتم الفريةَ على اللّه ورسوله، والتحريف لكتابه»(٣) .

وعنهعليه‌السلام :

«فاستقيموا على كتابه، وعلى منهاج أمره، وعلى الطريقة الصالحة من عبادته، ثم لا تمرقوا منها، ولا تبتدعوا فيها، ولا تخالفوا عنها، فانَّ أهل المروق منقطع بهم عند اللّه يوم القيامة. واعلموا عبادَ اللّه أنَّ المؤمن يستحل العام ما استحلَّ عاماً أول، ويحرّم العام ما حرَّمَ عاماً أول، وانَّ ما أحدث الناس لا يحل لكم شيئاً مما حُرِّم عليكم. وانّما الناس رجلان: متبع شرعة، ومبتدع بدعة، ليس له من اللّه سبحانه برهان وسنة، ولا

____________________

(١) الحرّاني، تحف العقول، ص: ١٥١.

(٢) نهج البلاغة: الخطبة / ١٤٥، والمهيَع: هو الطريق الواسع البيِّن.

(٣) محمد بن يعقوب الكليني، الروضة من الكافي، ح: ٥٨٦، ص: ٣٩٠.

١٨٩

ضياء وحجّة»(١) .

وعنهعليه‌السلام من كتابٍ له إلى عثمان:

« فاعلم انَّ أفضل عباد اللّه عند اللّه إمام هُدِيَ وهَدى، فأقامَ سنة معلومة، وأماتَ بدعةً مجهولة، وانَّ السنن لنيِّرة لها أعلام، وانَّ البدع لظاهرة لها أعلام، وانَّ شرَّ الناس عند اللّه إمام جائر ضلَّ وضُلَّ به، فأماتَ سنةً مأخوذةً، وأحيى بدعةً متروكة»(٢) .

وعنهعليه‌السلام في حق بني اُمية:

«قد خاضوا بحار الفتن، وأخذوا بالبدع دونَ السنن»(٣) .

وعنهعليه‌السلام :

«أيها الناس انّما بدء وقوع الفتن أهواء تُتبع، وأحكام تبتدع، يُخالف فيها كتاب اللّه، يقلِّد فيها رجال رجالاً.»(٤) .

وعنهعليه‌السلام :

«ما أحد ابتدع بدعةً إلا ترك بها سنة»(٥) .

وعنهعليه‌السلام :

«طوبى لمن ذلَّ في نفسه. وَعَزل عن الناس شرَّه، ووسعته السنة، ولم يُنسب إلى البدعة»(٦) .

وعنهعليه‌السلام أنَّه ضربَ بيده على لحيته الشريفة الكريمة، فأطال البكاء ثم قال:

«أوِّه على إخواني الذينَ تلوا القرآن فأحكموه، وتدبّروا الفرضَ فأقاموه، وأحيوا

____________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة / ١٧٦.

(٢) نهج البلاغة: الكلام / ١٦٤.

(٣) نهج البلاغة: الخطبة / ١٥٤.

(٤) أبو جعفر البرقي المحاسن ج: ١، ص: ٣٣٠.

(٥) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: البدع والرأي والمقائيس، ح: ١٩، ص: ٥٨.

(٦) نهج البلاغة: الخطبة / ١٢٣.

١٩٠

السنّة، وأماتوا البدعة»(١) .

ومن دعاء الامام الرضاعليه‌السلام لصاحب الأمر:

«واقصم به رؤوس الضلالة، وشارعة البدع، ومميتة السنة، ومقوِّية الباطل»(٢) .

(البدعة): تعني الغش والضلال واتباع الأهواء

ورد عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«مَن غشَّ من اُمتي، فعليه لعنةُ اللّهِ والملائكة والناس أجمعين، قالوا: يا رسول اللّه، وما الغش؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

أن يبتدعَ لهم بدعة فيعملوا بها»(٣) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«إنَّ أحسنَ الحديث كتاب اللّه، وخير الهدي هدي محمد، وشر الامور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»(٤) .

وعن أي جعفر الباقرعليه‌السلام في قوله تعالى:( قُل هَل نُنَبِّئُكُم بالأَخسَرينَ أَعمالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعيُهُم في الحَياةِ الدُّنيا وَهُم يَحسَبُون أَنَّهُم يُحسِنُونَ صُنعاً ) (٥) قالعليه‌السلام :

«هم النصارى، والقسيسون، والرهبان، وأهل الشبهات والأهواء من أهل القبلة، والحرورية، وأهل البدع»(٦) .

____________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة / ١٨٢.

(٢) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٩٢، باب: ١٥، ح: ٤، ص: ٣٣١.

(٣) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١١٨، ص: ٢٢٢.

(٤) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ٣٤، ص: ٣٠١.

(٥) الكهف: ١٠٣ - ١٠٤.

(٦) علي بن ابراهيم القمي، تفسير القمي، ج: ٢، ص: ٤٦.

١٩١

وعنهعليه‌السلام في قوله تعالى:( وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثلِها وَتَرهَقُهُم ذِلَّة ما لَهُم مِنَ اللّهِ مِن عاصِمٍ ) (١) ، قالعليه‌السلام :

«هؤلاء أهل البدع والشبهات والشهوات، يسوَّد اللّه وجوههم، ثم يلقونه»(٢) .

(البدعة): أدنى مراتب الكفر والشرك

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال:

«. وأدنى ما يكون به العبدُ كافراً، مَن زعَمَ أنَّ شيئاً نهى اللّهُ عنه أنَّ اللّهَ أمَرَ به، ونصبه ديناً يتولّى عليه، ويزعم انَّه يعبد الذي أمره به، وانما يعبد الشيان.»(٣) .

وعن الحلبي قال: قلتُ لأبي عبد اللّهعليه‌السلام :

«ما أدنى ما يكون به العبد كافراً؟ فقالعليه‌السلام : أن يبتدعَ شيئاً فيتولّى عليه، ويبرأ ممَّن خالفه»(٤) .

وقال أبو جعفر الباقرعليه‌السلام :

«أدنى الشرك أن يبتدع الرجل رأياً، فيحبُّ عليه ويبغض»(٥) .

البدعة: موارد وتطبيقات...

وردت في النصوص الاسلامية عدة تطبيقات على موارد معينة كانت تجسِّد

____________________

(١) يونس: ٢٧.

(٢) علي بن ابراهيم القمي، تفسير القمي، ج: ١، ص: ٣١١.

(٣) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ٢، باب: ادنى ما يكون به العبد مؤمناً أو كافراً أو ضالاً، ح: ١، ص: ٤١٤.

(٤) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ٣٤، ح: ٣٣، ص: ٣٠١.

(٥) أبو جعفر الصدوق، ثواب الأعمال وعقابها، تحقيق: علي أكبر الغفاري، ص: ٥٨٧، ح: ٣.

١٩٢

بوضوح ظاهرة الابتداع، كما ورد أيضاً نفي الابتداع عن موارد اُخرى، وسوف نستعرض أمثلة تاريخية لكلا القسمين، لكي نتمكن من خلال ذلك أخذ صورة واقعية عن طبيعة هذهِ التطبيقات، والحدود التي تمت فيها.

فأمّا الموارد التي ورد فيها تطبيق معنى الابتداع فهي كثيرة، سوف ننتخب للقارئ الكريم بعض النماذج البارزة لها.

١ - طبَّق رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (البدعة) على عملية اكراه الناس للدخول في الاسلام، حيث إنَّ اللّه تعالى لم يأمر بذلك، فيكون تطبيقاً لما ليس له أصل في الدين، فقد وردَ عن عليعليه‌السلام أنه قال:

«إنَّ المسلمين قالوا لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أكرهتَ يا رسولَ اللّه مَن قدرتَ عليه من الناس على الاسلام، لكثر عددنا، وقوينا على عدوِّنا، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كنتُ لألقى اللّه عزَّ وجلَّ ببدعةٍ لم يحدث إليَّ فيها شيئاً، وما أنا من المتكلفين.

فأنزل اللّه عزَّ وجلَّ عليه: يا محمَّد:( وَلَو شاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرضِ كُلُّهمُ جَميعاً ) (٢) على سبيل الالجاء والاضطرار في الدنيا، كما يؤمنونَ عند المعاينة ورؤية البأس في الآخرة، ولو فعلت ذلك بهم لم يستحقّوا مني ثواباً ولا مدحاً، لكنّي اُريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين، ليستحقوا مني الزلفى والكرامة ودوام الخلود في جنة الخلد:( أَفَأَنتَ تُكرِه النّاسَ حَتى يَكُونُوا مُؤمِنيِنَ ) (٢) (٣) .

٢ - طبَّق رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (البدعة) على قيام نافلة شهر رمضان جماعة في لياليه، وهي المسماة بصلاة (التراويح)، وطبقها كذلك على صلاة (الضحى)، باعتبار أنَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يشرع ذلك للمسلمين، بل وقد ورد عنه النهي عن ذلك، فقد ورد عن أبي عبد اللّه

____________________

(١) يونس: ٩٩.

(٢) يونس: ٩٩.

(٣) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٥٥، ح: ١١، ص: ٣٤٢.

١٩٣

الصادقعليه‌السلام أنه قال:

«صوم شهر رمضان فريضة، والقيام في جماعة في ليلته بدعة، وما صلاها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في لياليه بجماعة، ولو كانَ خيراً ما تركه، وقد صلّى في بعض ليالي شهر رمضان وحده، فقام قوم خلفه، فلما أحسَّ بهم دَخَلَ بيتَه، فَعَلَ ذلكَ ثلاثَ ليالٍ، فلما أصبح بعد ثلاث صعد المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال:

(أيها الناس لا تصلّوا النافلة ليلاً في شهر رمضان، ولا في غيره، فانّها بدعة، ولا تصلّوا الضحى، فانَّها بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى النار).

ثم نزل وهو يقول: (قليل في سنة خير من كثير في بدعة).»(١) .

٣ - طبقت (البدعة) في كلام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام على فعل أهل النهروان الذينَ حاربوه، وخرجوا عليه بغير حقٍّ، ففي حديث طويل يحاور فيه (ابنُ الكواء) أميرَ المؤمنينعليه‌السلام أنه قال:

«. يا أمير المؤمنين أخبرني عن قول اللّه عزَّ وجلَّ:( قُل هَل نُنَبّئُكُم بالأَخَسرينَ أعمالاً* الَّذينَ ضَلَّ سَعيُهُم في الحَياةِ الدُّنيا وَهُم يَحسَبونَ أَنّهم يُحسِنونَ صُنعاً ) (٢) ، فقالعليه‌السلام : كَفَرةُ أهل الكتاب: اليهود والنصارى، وقد كانوا على الحق، فابتدعوا في أديانهم، وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً.

ثم نزلعليه‌السلام عن المنبر، وضربَ بيده على منكب (ابن الكواء)، ثم قال: يا ابن الكواء وما أهل النهروان منهم ببعيد! فقال: يا أمير المؤمنين ما اُريد غيرك، ولا أسأل سواك.

قال الراوي: فرأينا (ابن الكواء) يومَ النهروان، فقيل له: ثكلتكَ امُّك بالأمس كنتَ تسأل أمير المؤمنينعليه‌السلام عما سألته وأنت اليوم تقاتله؟! فرأينا رجلاً حمل عليه،

____________________

(١) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٩٤، باب: ٣، ح: ٤، ص: ٣٨١، عن كتاب دعائم الاسلام، ج: ١، ص: ٢١٣.

(٢) الكهف: ١٠٣ - ١٠٤.

١٩٤

فطعنه فقتله»(١) .

٤ - طبَّق أمير المؤمنينعليه‌السلام (البدعة) على الخوض في أمر القَدَر، والجدال في الامور الاعتقادية التي تكون منشأً للاختلاف، وسبباً لفرقة المسلمين، وتمزيق وحدتهم، وذلك عندما مرَّ على قومٍ من أخلاط المسلمين، ليسَ فيهم مهاجري ولا أنصاري، وهم قعود في بعض المساجد في أول يومٍ من شعبان، وإذا هم يخوضونَ في أمرِ القَدَر مما اختلف الناسُ فيه، قد ارتفعت أصواتهم، واشتدَّ فيه جدالهم، فوقف عليهم وسلَّم، فردّوا عليه، ووسعوا له، وقاموا إليه يسألونه القعود اليهم، فلم يحفل بهم، ثم قال لهم - وناداهم -:

« يا معشر المتكلمين، ألم تعلموا أنَّ للّه عباداً قد أسكتتهم خشيته من غير عيٍّ ولا بكم. فأين أنتم منهم يا معشر المبتدعين، ألم تعلموا انَّ أعلمَ الناس بالضرر أسكتهم عنه، وانَّ أجهل الناس بالضرر أنطقهم فيه؟»(٢) .

٥ - طبقت (البدعة) على قول المؤذن (الصلاة خير من النوم)، وعدِّهِ جزءاً من الاذان الشرعي، وذلك باعتبار انَّ هذا القول ليس له أصل في الدين، فقد وَردَ عن أبي الحسنعليه‌السلام أنه قال:

«الصلاة خير من النوم بدعة بني اُمية، وليسَ ذلكَ من أصل الأذان، ولا بأس إذا أراد الرجل أن ينبّه الناس للصلاة أن ينادي بذلك، ولا يجعله من أصل الأذان، فانّا لا نراه أذاناً»(٣) .

٦ - طبقت (البدعة) على الأذان الثالث يوم الجمعة الذي أحدثه عثمان بن عفان، ولم يكن له أية صلة بالتشريع، فقد وردَ عن أبي جعفرٍعليه‌السلام أنه قال:

____________________

(١) أحمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج، ج: ١، ص: ٦١٧، وقال في هامش الاحتجاج: ونحوه في التبيان ٩ / ٣٧٨، والعياشي ٢ / ٢٨٣، والمجلسي ١٠ / ١٢١.

(٢) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٣، باب: ٩، ح: ٣٠، ص: ٢٦٦.

(٣) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار ج: ٨١، باب: ١٣، ح: ٧٦، ص: ١٧٢.

١٩٥

«الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة»(١) .

٧ - طبقت (البدعة) على الجدال في القرآن بغير علم، فعن اليقطيني قال:

«كتبَ أبو الحسن الثالثعليه‌السلام إلى بعض شيعته ببغداد: بسم اللّه الرحمن الرحيم، عصمنا اللّه واياكَ من الفتنة، فان يفعل فاعظم بها نعمة، والاّ يفعل فهي الهلكة، نحن نرى أنَّ الجدال في القرآن بدعة، اشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطى السائل ما ليسَ له، وتكلَّف المجيب ما ليس عليه، وليس الخالق إلا اللّه، وما سواه مخلوق.»(٢) .

هذا بالنسبة إلى تطبيق (البدعة) على بعض الموارد البارزة لها في لسان الروايات، كما جاءَ أيضاً نفي الابتداع عن موارد اُخرى لعدم انطباق حدود المفهوم عليها، ولما تمتلكه من اُصول دينية مشروعة، فمن تلكَ الموارد:

١ - انّه نُفي الابتداع عن سجدة الشكر بعد الفريضة باعتبار ارتباط هذا العمل بالدين، ووجود أصل له فيه، فقد سأل محمد بن عبد اللّه الحميري من صاحب الزمانعليه‌السلام عن سجدة الشكر بعد الفريضة، هل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة، فان بعضَ أصحابنا ذكر أنّها (بدعة)، فأجابعليه‌السلام :

«سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها، ولم يقل انَّ هذهِ السجدة بدعة إلا مَن أراد أن يحدث في دين اللّه بدعة.»(٣) .

٢ - انّه نُفي الابتداع عن إظهار البسملة، باعتبار وجود أصل لها في التشريع فعن خالد بن المختار قال: سمعت جعفر بن محمدعليه‌السلام يقول:

«ما لهم قاتلهم اللّه عمدوا إلى أعظمِ آيةٍ في كتاب اللّه فزعموا انّها بدعة إذا أظهروها، وهي بسم اللّه الرحمن الرحيم»(٤) .

____________________

(١) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٨٠، باب: ١٠، ح: ٢٦، ص: ١١٤، عن الكافي ٣ / ٤٢١ والتهذيب ١/٢٥٠.

(٢) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج: ٨٩، باب: ١٤، ح: ٤، ص: ١١٨، عن أمالي الصدوق ص: ٣٢٦.

(٣) أحمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج، ج: ٢، ص: ٥٧٦.

(٤) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٨٢، كتاب الصلاة، باب: ٢٣، ح: ١٠، ص: ٢١، عن تفسير العياشي ١/٢١.

١٩٦

١٩٧

الفصل الرابع : مفهوم (البدعة) بين الاطّراد والانعكاس

١ - الاختصاص بالامور الشرعية.

فعل السلف.

حرص مقلوب.

٢ - عدم وجود دليل شرعي على الأمر الحادث من الدين.

استثناء ما ورد فيه دليل خاص.

استثناء ما ورد فيه دليل عام.

أ - الاهتمام بالقرآن الكريم.

ب - صيام يوم الخامس عشر من شعبان وقيام ليلته.

ج - الاحتفال بالمولد النبوي الشريف والذكريات الاسلامية

د - زيارة قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومراقد الأئمةعليهم‌السلام .

ه‍ - إقامة المآتم ومجالس العزاء.

قصد التشريع.

١٩٨

مفهوم (البدعة) بينَ الاطّرادِ والانعكاس

(البدعة) بكلمة واحة هي: (ادخال ما ليس من الدين فيه)، فيكون المفهوم متقوماً بأمرين:

أولاً: الاختصاص بالامور الشرعية.

ثانياً: عدم وجود دليل شرعي على الأمر الحادث من الدين.

١٩٩

١ - الاختصاص بالامور الشرعية

يختص مفهوم (البدعة) بالامور الشرعية التوقيفية، ولا يتعدى ذلك الى حيث العادات المتغيرة، والمباحات السائدة، والأعراف المختلفة لدى الناس، فمثلاً كان الانسان يستعمل الدواة في الكتابة، وهو الآن يستعمل آلات الطبع الالكترونية، وكان يركب الدواب في الأسفار، والآن يركب السيارة والطائرة، وكان يستعمل الزيت في الاضاءة والتدفئة، والآن يستعمل الغاز والكهرباء والطاقة الشمسيّة. وهكذا.

وقد اختلفت بناءاً على هذا التطور الحاصل في جميع مرافق الحياة طريقة الانسان في التعامل مَعَ كثير من الامور الشرعية. كتدوين الحديث، وتصنيفه، وتبويبه، والاستماع الى القرآن، وتشييد الاماكن المقدسة، وإقامة التجمعات الدينية، وإنشاء المدارس والمؤسسات الاسلامية، وإحداث المنتديات العامة، وترويج الاسلام عن طريق الاذاعة، والتلفزيون، والمطبوعات، بالاساليب المختلفة، ووضع أساليب جديدة للتربية والتعليم. وغير ذلك من الامور التي تختلف باختلاف عادات الناس، وطبائعهم، وأعرافهم الخاصة.

٢٠٠