البدعة

البدعة0%

البدعة مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 610

البدعة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 610
المشاهدات: 148825
تحميل: 8454

توضيحات:

البدعة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 610 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 148825 / تحميل: 8454
الحجم الحجم الحجم
البدعة

البدعة

مؤلف:
العربية

فواتها، أو انَّ النهي يتوجه الى خصوص هذهِ المفردة من العبادة التي فوَّتت على الانسان ذلك الفرض الواجب. كما هو معلوم في الشرع من النهي عن النوافل إذا أدت ممارستها الى ترك شيء من الواجبات؟؟

وماذا يقول (الشاطبي) بشأن التهجد في لية القدر، وإحيائها بالعبادة والدعاء إذا حصلت في بعض مواردها مثل هذهِ الحالات النادرة الوقوع، بل حتى لو حصلت فيها حالات كثيرة من هذا القبيل، فهل يصفها بالابتداع، ويطلق القول بذلك كما صنع هنا؟؟

وما هو دخل أصل تشريع صلاة الليل أو إحيائه بما لو أدّى ذلك الى فوات الفريضة، بعد أن قامت الادلة على النهي عن النوافل التي تخل بالواجبات، وما دام بالامكان التفكيك بين أصل مشروعية العبادة، وبين اتصافها بوصفٍ يخرجها عن طابع الندب أو الجواز، ولا يؤثر على أصل مشروعيتها ويمتد الى قلع جذورها من الدين، ويدرجها ضمن قائمة (الابتداع)؟؟

انَّ مما يؤسف له انَّ هذا النمط من التمويه قد مارسه الكثير من الباحثين الذين تعرَّضوا لتطبيقات (البدعة) على موارد إدّعائية تحكماً، وأضفوا عليها عناوين جانبية، لا تمس أصل تشريع العمل. ولولا أن يطول بنا المقام لاستعرضنا ما يشير الى هذهِ الحقيقة من أقوال الكثيرين، على انَّه تكفينا هذهِ الاشارة التي سجّلناها على كلام (الشاطبي) المتقدم، ونستغني عن الخوض في هذا المطلب بما ستتم الاشارة اليه أيضاً بين طيّات الحديث.

وعلى أية حال فانَّ من الطريف أن نجد انَّ قيام ليلة النصف من شعبان، وصيام نهارها الذي رماها هؤلاء بالابتداع، من الموارد التي تندرج تحت كلٍّ من الدليل العام والدليل الخاص معاً، وتتصل بالشريعة المقدسة عن هذين الطريقين معاً، ومن خلال ذلك نرى أنَّ المسلمين الموحدين من اتباع مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام قد واظبوا على الاتيان بهذا الأمر، واهتموا به اهتماماً بالغاً، لأنّه نابع من صميم الدين.

٢٤١

وسوف نتناول كلاً من الدليل الخاص والدليل العام على قيام ليلة النصف من شعبان، وصيام نهارها.

فأمّا بالنسبة الى قيام ليلة النصف من شعبان، فهو مشمول بالأدلة العامة التي حرَّضت المسلمين على إحياء الليل بالعبادة، واكتساب أكثر ما يمكن اكتسابه واستثماره من ساعات الليل في هذا المجال، كرصيد روحي وأخلاقي لتربية النفس وتهذيبها، والفوز بالنعيم الاخروي المقيم.

فمن ذلك قوله تعالى:( وَمِنَ اللّيلِ فَتَهجَّد بِهِ نافِلةً لَّكَ عَسَى أَن يَبعثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَّحموداً ) (١) .

وقوله تعالى:( إِنَّ المُتَّقِينَ في جَنّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ ما ءَاتاهُم رَبُّهُم إِنَّهُم كَانُوا قَبلَ ذلِكَ مُحسِنينَ* كَانُوا قَليلاً مِنَ اللَّيلِ ما يَهجَعُونَ* وَبِالأَسْحارِ هُم يَستَغَفِرُونَ ) (٢) .

وقوله تعالى:( تَتَجافى جُنُوبُهُم عَنِ المَضاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقناهُم يُنفِقونَ* فَلا تَعلَمُ نَفس ما أُخفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أَعيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعمَلون ) (٣) .

وعن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال:

«يُحشر الناس على صعيد واحدٍ يوم القيامة، فينادي منادٍ فيقول: أينَ الذين كانوا تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ فيقومون وهم قليل، فيدخلونَ الجنةَ بغير حساب، ثمَّ يؤمر بسائر الناس الى الحساب»(٤) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

____________________

(١) الاسراء: ٧٩.

(٢) الذاريات: (١٥ - ١٨).

(٣) السجدة: (١٦ - ١٧ ).

(٤) المنذري، الترغيب والترهيب، تعليق: مصطفى محمد عمارة، ج: ١، ص: ٤٢٥، ح: ٩.

٢٤٢

«عليكم بقيام الليل، فانَّه دأبُ الصالحين قبلكم، ومقربة لكم الى ربِّكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الاثم، ومطردة للداء عن الجسد»(١) .

وعن عليعليه‌السلام أنَّه قال:

«قيام الليل مصحة للبدن، ورضاء الرب، وتمسك باخلاق النبيين، وتعرّض للرحمة»(٢) .

وقد ورد علاوة على هذهِ الأدلة العامة الدليل الخاص على الندب لاحياء هذهِ الليلة المباركة على نحو الخصوص بالدعاء، والعبادة، والاستغفار أيضاً، وذلكَ من خلال طائفة معتد بها من الأحاديث الواردة في المصادر المعتبرة لدى أبناء العامة، وهذا فضلاً - بطبيعة الحال - عن مصادرنا وطرقنا الخاصة.

فمن ذلك ما ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنَّه قال:

«إذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها، وصوموا نهارها، فانَّ اللّهَ ينزل(٣) فيها لغروب الشمس الى سماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فاُعافيه، ألا كذا، ألا كذا. حتى يطلع الفجر»(٤) .

وروي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انَّه قال:

____________________

(١) المنذري، الترغيب والترهيب، ج: ١، ص: ٤٢٦، ح: ١٠.

(٢) أبو جعفر البرقي، المحاسن، ج: ١، ص: ١٢٥، ح: ٨٩.

(٣) ليلتفت القارئ الكريم الى انّا نستشكل على ظاهر هذهِ الرواية بفرض صحة ثبوتها، وذلك لتضمنها ما لا يمكن قبوله، وهو نزول اللّه تعالى شأنه الى السماء الدنيا، الأمر الذي يقتضي نسبة المكان والتحيّز اليه، ووصفه بما لا يليق بشأنه من عوارض الأجسام، فتعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً، وانما أوردناها من باب إلزام الغير بما ألزم به نفسه، لكونها مروية في المصادر الموثوقة والمعتبرة لدى أبناء العامة، فمضمون هذهِ الرواية إذن غير مقبول على ظاهره، إلا إذا تأول عن هذا الظاهر، وحملت الراوية على ما يصح نسبته اليه تعالى، كما فعل (مصطفى محمد عمارة) عندما علّق عليها بالقول: «بمعنى أن تصب رحماته، وتغذق بركاته، وينزل نعيمه، ويعم خيره، وتفتح أبواب السماء، فيستجاب الدعاء، وينظر اللّه نظر رأفة واحسان طيلة النصف منه ويومه من غروب الشمس». (الترغيب والترهيب للمنذري، تعليق مصطفى محمد عمارة، ج: ٢، ص: ١١٩)

(٤) - ابن ماجة، سنن ابن ماجة، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، ج: ١، ح: ١٣٨٨، ص: ٤٤٤، والترغيب والترهيب للمنذري، ج: ٢، ص: ١١٩، ح: ١٤. والتاج الجامع للاصول في أحاديث الرسول لمنصور علي ناصيف، ج: ٢، ص: ٩٣.

٢٤٣

«إنَّ اللّهَ ليطلع في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشركٍ، أو مشاحن»(١) .

وروي عن عائشة انّها قالت:

«فقدتُ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات ليلة، فخرجتُ أطلبه فاذا هو بالبقيع، رافع رأسه الى السماء، فقال: يا عائشة أكنتِ تخافينَ أن يحيف اللّه عليكِ ورسوله، قلتُ: ظننتُ أنكَ أتيت بعض نسائك، فقال: إنَّ اللّه تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان الى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب»(٢) .

وفي كنز العمّال عن عليعليه‌السلام انّه قال:

«رأيتُ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ليلة النصف من شعبان قامَ فصلّى أربع عشرة ركعة، ثم جلس بعد الفراغ فقرأ بأُم القرآن أربع عشرة مرّة، و( قُل هُوَ اللّهُ أحَد ) (٣) أربع عشرة مرّة: و( قُل أعُوذ بِرَبِّ الفَلَقِ ) (٤) أربع عشرة مرّة، و( قُل أَعوُذُ بِربُّ النّاسِ ) (٥) أربعَ عشرة مرّة، وآية الكرسي مرّة، و( لَقَد جاءَكُم رَسُول مّن أَنفُسِكُم. الآية ) (٦) فلمّا فرغ من صلاته، سألته عمّا رأيت من صنيعه، قال: مَن صنَع مثل الذي رأيت كان له كعشرين حجةً مبرورة، وصيام عشرين سنة مقبولة، فان أصبح في ذلكَ اليوم صائماً، كان له كصيام سنتين: سنةٍ ماضيةٍ، وسنة مستقبلة»(٧) .

وقال الدكتور الزحيلي في كتابه (الفقه الاسلامي وأدلته):

«ويُندب إحياء ليالي العيدين (الفطر) و(الأضحى)، وليالي العشر الأخير من

____________________

(١) ابن ماجة، سنن ابن ماجة، ج: ١، ح: ١٣٩٠، ص: ٤٤٥، والترغيب والترهيب، ج: ٢، ص: ١١٨، ح: ١٠. وانظر كذلك مسند أحمد بن حنبل، ج: ٢، ح: ٦٦٠٤، ص: ٣٦٨.

(٢) ابن ماجة، سنن ابن ماجة، ج: ١، ح: ١٣٨٩، ص: ٤٤٤.

(٣) الاخلاص: ١.

(٤) الفلق، ١.

(٥) الناس: ١.

(٦) التوبة: ١٢٨.

(٧) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١٤، ح: ٣٨٢٩٣، ص: ١٧٧ - ١٧٨.

٢٤٤

رمضان لاحياء ليلة القدر، وليالي عشر ذي الحجة، وليلة النصف من شعبان، ويكون بكلِّ عبادة تعمُّ الليل أو أكثره، للأحاديث الصحيحة الثابتة في ذلك»(١) .

هذا بالنسبة الى قيام ليلة النصف من شعبان، وأمّا صيام يوم النصف من هذا الشهر، فهو مشمول بالنحوين من الأدلة أيضاً، إذ هو مندرج تحت أدلة الندب العامة، كقوله تعالى:

( فَمَن تَطوَّعَ خَيراً فَهُوَ خَير لَّهُ ) (٢) .

وقوله تعالى:( وما تُقدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِن خَيرٍ تَجدُوهُ عِندَ اللّه هُوَ خَيراً وأَعظَمَ أَجراً ) (٣) .

وورد عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال:

«لو أنَّ رجلاً صامَ يوماً تطوعاً، ثم اُعطي ملء الأرض ذهباً، لم يستوفِ ثوابه دونَ يوم الحساب»(٤) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن صامَ يوماً في سبيل اللّه، جعل اللّه بينه وبين النار خندقاً، كما بين السماء والأرض»(٥) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن صامَ يوماً تطوّعاً ابتغاء ثواب اللّه، وجبت له المغفرة»(٦) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن صامَ يوماً في سبيل اللّه في غير رمضان بَعُد من النار مائة عام، تسير المضمر

____________________

(١) د. وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته، ج: ٢، ص: ٤٧.

(٢) البقرة: ١٨٤.

(٣) المزمل: ٢٠.

(٤) المنذري، الترغيب والترهيب، ج: ٢، ح: ١٧، ص: ٨٤.

(٥) المنذري، الترغيب والترهيب، ج: ٢، ح: ٢٤، ص: ٨٦.

(٦) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج: ٤، ح: ٢١، ص: ٢٩٣.

٢٤٥

الجواد»(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن صامَ يوماً في سبيل اللّه، باعَدَ اللّه وجهه عن النار سبعين خريفاً»(٢) .

وأما الدليل الخاص الوارد في الندب لصيام اليوم الخامس عشر من شهر شعبان فقد اتخذ ثلاثة أنحاء:

النحو الاول : الحث على صيام أيام شهر شعبان على الخصوص، فمن ذلكَ ما روي عن عائشة انها قالت:

«ما رأيت رسول اللّه استكمل صيام شهرٍ إلا رمضان، وما رأيته اكثر صياماً منه في شعبان، كان يصومه إلا قليلاً، بل كان يصومه كلَّه»(٣) .

وروي عن اُم سلمة انّها قالت:

«ما رأيتُ النبي يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان»(٤) .

وعن الامام الباقرعليه‌السلام انَّه قال:

«إنَّ صوم شعبان صوم النبيين، وصوم أتباع النبيين، فمن صامَ شعبان فقد أدركته دعوة رسول اللّه، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رحم اللّه مَن أعانني على شهري»(٥) .

وعن الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّهعليه‌السلام : هل صامَ أحد من آبائكَ شعبان قط؟ قالعليه‌السلام : صامه خير آبائي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٦)

النحو الثاني : الحث على صيام الأيام البيض من كلِّ شهر، وهي عبارة عن اليوم

____________________

(١) المنذري، الترغيب والترهيب، ج: ٢، ح: ٢٥، ص: ٨٦.

(٢) ابن ماجة، سنن ابن ماجة، ج: ١، ح: ١٧١٧، ص: ٥٤٨.

(٣) منصور علي ناصيف، التاج الجامع للاصول في أحاديث الرسول، ج: ٢، ص: ٩٣.

(٤) منصور علي ناصيف، التاج الجامع للاصول، ص: ٩٣. وانظر كنز العمال، ج: ٨، ص (٦٥٤ - ٦٥٥) باب: صوم شعبان، الأحاديث ( ٢٤٥٨٣ - ٢٤٥٨٧).

(٥) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج: ٤، ح: ٢٢، ص: ٣٦٦.

(٦) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج: ٤، ح: ١، ص: ٣٦٠.

٢٤٦

الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، ومن الواضح انَّها تنطبق على اليوم الخامس عشر من شهر شعبان، باعتباره واحداً منها:

فقد ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انَّه قال:

«صيام ثلاثة أيام من كلِّ شهر، صيام الدهر أيام البيض، صبيحة ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة»(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«إن كنتَ صائماً فعليكَ بالغُرِّ البيض ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة»(٢) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«صوموا أيام البيض ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة، هنَّ كنز الدهر»(٣) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن كان منكم صائماً من الشهر، فليصم الثلاثَ البيض»(٤) .

وعن ابن عمر قال:

«انَّ رجلاً سأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الصيام، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليكَ بالبيض: ثلاثة أيام من كلِّ شهرٍ»(٥) .

وروي عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام انَّه كان ينعت صيام رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقول:

«صامَ رسول اللّه الدهر كلَّه ما شاءَ اللّه، ثم تركَ ذلك وصامَ صيام داود يوماً للّه

____________________

(١) المنذري، الترغيب والترهيب، ج: ٢، ح: ١٨، ص: ١٢٤.

(٢) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ٨، ح: ٢٤١٨٠، ص: ٥٦٢.

(٣) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ٨، ح: ٢٤١٨٦، ص: ٥٦٣.

(٤) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ٨، ح: ٢٤١٩٨، ص: ٥٦٦.

(٥) المنذري، الترغيب والترهيب، ج: ٢، ح: ١٩، ص: ١٢٤.

٢٤٧

ويوماً له ما شاء اللّه، ثم تركَ ذلك فصام الاثنين والخميس ما شاء اللّه، ثم ترك ذلك وصامَ البيض ثلاثة أيام من كلِّ شهر، فلم يزل ذلك صيامه، حتى قبضه اللّهُ اليه»(١) .

وعنهعليه‌السلام قال:

«سُئل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن صوم أيام البيض، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صيام مقبول غير مردود»(٢) .

النحو الثالث : الحث على صيام يوم الخامس عشر من شعبان بخصوصه، وتعيينه باسمه، كما ورد في الحديث المروي في (سنن ابن ماجة) من انَّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:

«إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها.»(٣) .

وقال أيضاً:

«فان أصبحَ في ذلكَ اليوم صائماً، كان له كصيام سنتين: سنه ماضية، وسنة مستقبلة»(٤) .

وقد مرَّ ذكر الحديثين.

فكيف يمكن لمتشرع بعد أن يطّلع على هذه النصوص الصريحة والواضحة من أن يحكم بالابتداع على قيام ليلة النصف من شعبان وصيام نهارها؟

وهل يمكن لنا أن نفسِّر هذهَ المخالفة للنصوص الشرعية المتظافرة إلا على أساس التعصب، وحبِّ اثارة الفتن، والتفرقة بين المسلمين؟

وأي ضير في أن تلتقي ذكرى ولادة مهدي أهل البيتعليهم‌السلام مَعَ هذا اليوم، فتتعانق

____________________

(١) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج: ٤، ح: ٢، ص: ٣٢١.

(٢) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج: ٤، ح: ٤، ص: ٣٢١. وانظر لمزيد من الاطلاع كنز العمال، ج: ٨، ص: ٥٦٢ - ٥٦٩، الأحاديث: (٢٤١٧٩ - ٢٤٢١١)، وص: (٦٥٩ - ٦٦٩)، الأحاديث: (٢٤٦١١ - ٢٤٦٣٧).

(٣) ابن ماجة، سنن ابن ماجة، ج: ١، ح: ١٣٨٨، ص: ٤٤٤.

(٤) علاء الهندي، كنز العمال، ج: ١٤، ح: ٣٨٢٩٣، ص: ١٧٨.

٢٤٨

الذكريات الاسلامية، وتتوافق في الأهداف والمعطيات؟!

إننا على يقين من انَّ هذا اليوم لو لم يقترن بهذهِ الذكرى المقدسة في حياة أتباع مدرسة أهل البيت عليهم، لما قال (الفوزان) ومَن سبقه ما قالوا، ولما نعتوا هذا العمل بالابتداع، ولكنَّهم عمدوا الى تشويه معالم الشريعة الاسلامية المقدسة، وقلب حقائقها من أجل النيل من مبادئ مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام المعطاء:

( وَيأبى اللّهُ إِلا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَو كَرِهَ الكافِرونَ ) (١) .

ج - الاحتفال بالمولد النبوي الشريف والذكريات الاسلامية

تظافرت الأدلة الشرعية على ضرورة احترام شخصية الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتبجيله، وتوقيره، حيّاً وميّتاً، من خلال مجاميع كبيرة من الآيات والروايات، وكذلك ورد نفس هذا المعنى في حق أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد دأب المسلمون من أتباع مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام على إقامة الاحتفالات البهيجة في يوم مولدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومواليد أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، إعتزازاً منهم بهؤلاء الأبرار، وتخليداً لذكراهم، وتجسيداً لتوصيات القرآن الكريم بحقِّهم.

ولكن على الرغم من وضوح انتساب هذا الأمر الى الشريعة، وارتباطه بالدين، إلا انَّ البعض أصرَّ على إقحام هذا العمل المشروع ضمن دائرة (الابتداع)، والصاق هذا الأمر به.

فيقول (ابن تيمية): «وكذلك ما يحدثه بعض الناس، إمّا مضاهاةً للنصارى في ميلاد عيسىعليه‌السلام ، وإمّا محبة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واللّه قد يثيبهم على هذهِ المحبة والاجتهاد، لا على البدع، من اتخاذ مولد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عيداً، مَعَ اختلاف الناس في مولده، فانَّ هذا لم

____________________

(١) التوبة: ٣٢.

٢٤٩

يفعله السلف، مَعَ عدم قيام المقتضي له، وعدم المانع منه، ولو كانَ هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف (رض) أحقُّ به منّا، فانَّهم كانوا أشد محبةً لرسول اللّه وتعظيماً له منّا.»(١) .

ويضيف القول:

«كما انَّ ابن الحاج رغم اعترافه بما ليوم مولد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفضل، لا يوافق على الاحتفال بالمولد لما فيه من المنكرات، ولأنَّ النبي أراد التخفيف عن امته، ولم يرد في ذلكَ شيء بخصوصه، فيكون بدعة»(٢) .

ويقول (الفاكهاني):

«لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتابٍ ولا سنة، ولا يُنقل عمله عن أحدٍ من علماء الامة الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطّالون»(٣) .

ويقول محمد بن عبد السلام خضر الشقيري عن الاحتفال بالمولد النبوي:

«بدعة منكرة ضلالة، لم يرد بها شرع ولا عقل، ولو كانَ في هذا اليوم خير كيف يغفل عنه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وسائر الصحابة، والتابعون، وتابعوهم، والأئمة، وأتباعهم»(٤) .

وقال (الحفّار):

«ليلة المولد لم يكن السلف الصالح وهم أصحاب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتابعون لهم

____________________

(١) ابن تيمية، إقتضاء الصراط المستقيم، ص: ٢٩٤.

(٢) جعفر مرتضى العاملي، المواسم والمراسم، عن المدخل لابن الحاج / ج: ٢ / ص ٣ فما بعدها الى عدة صفحات.

(٣) جعفر مرتضى العاملي، المواسم والمراسم، ص: ٥١ - ٥٢، عن القول الفصل، ص: ٥٠ و ٥٣، والحاوي للفتاوي للسيوطي، ص: ١٩٠ - ١٩٢.

(٤) جعفر مرتضى العاملي، المواسم والمراسم، ص: ٥٣، عن منهاج الفرقة الناجية، عن كتاب السنن والمبتدعات، ص: ١٣٨ / ١٣٩.

٢٥٠

يجتمعون فيها للعبادة، ولا يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي السنة»(١) .

وقد اعتبر الشيخ (عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب) الموالد من البدع المنهي عنها، حيث لم يأمر بها الرسول، ولا فعلها الخلفاء الراشدون، ولا الصحابة، ولا التابعون(٢) .

ويقول (ابن الحاج):

«ومن جملة ما أحدثوه من البدع مَعَ اعتقادهم أنَّ ذلكَ من أكبر العبادات، وإظهار الشعائر، ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد، وقد احتوى على بدع، ومحرَّمات جملة»(٣) .

ويقول (محمد جميل زينو):

«إنَّ الذي يجري في أكثر الموالد لا يخلو من منكرٍ وبدع ومخالفات، والاحتفال لم يفعله الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا الصحابة والتابعون، ولا الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل القرون المفضلة»(٤) .

ويقول (الفوزان):

«ولكن لا يخصص لمدحهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقت ولا كيفية معينة، إلا بدليل صحيح من الكتاب والسنة، فما يفعله أصحاب الموالد من تخصيص اليوم الذي يزعمون انَّه يوم مولده لمدحه بدعة منكرة».

ويقول في موضع آخر:

«فانَّ غالب الناس من المسلمين قلّدوا الكفّار في عمل البدع والشركيات،

____________________

(١) جعفر مرتضى العاملي، المواسم والمراسم، ص: ٥٢، عن القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد سيد الرسل ص٥٣. عن كتابل الاعيار المعرب ص ٩٩ - ١٠١.

(٢) جعفر مرتضى العاملي، المواسم والمراسم، ص: ٥٣، عن منهاج الفرقة الناجية، ص: ٥٥٥ عن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، قسم: ٢، ص: ٣٥٧ - ٣٥٨، والدرر السنية، ج: ٤، ص: ٣٨٩.

(٣) ابن الحاج، المدخل، ج: ٢، ص: ٢.

(٤) محمد جميل زينو، منهاج الفرقة الناجية، ص: ١٠٧.

٢٥١

كأعياد الموالد، وإقامة الأيام والأسابيع لأعمال مخصصة، والاحتفال بالمناسبات الدينية والذكريات.»(١) .

ويقول الوهابي (محمد حامد الفقي) رئيس جماعة (أنصار السنّة المحمديّة) في حواشيه على كتاب الفتح المجيد:

«الذكريات التي ملأت البلاد باسم الاولياء هي نوع من العبادة لهم وتعظيمهم»(٢) .

فالذي نلاحظه من خلال كل هذهِ المقولات المتقدمة انَّ الذين حظروا على الناس الاحتفال بيوم المولد، والمناسبات الاسلامية الاُخرى، وعدّوا هذا الأمر عملاً محرَّماً، قد بنوا استدلالهم هذا على فهم مغلوط لمعنى (الابتداع)، فقد تصوّروا أن معنى عدم الارتباط بالدين هو عدم وجود الأمر في الصدر الأول للتشريع، أو عدم ورود الدليل الخاص الذي يذكره بشخصه وعنوانه، ومعنى الارتباط بالدين هو وجود ذلك الأمر في عصر التشريع الأول، أو ورود أمرٍ فيه بخصوصه.

وقد بيَّنا سابقاً انَّ المدار في الابتداع ليس هو ورود الدليل الخاص أو عدم وروده فحسب، وانَّما يجب النظر في عموميات التشريع والأدلة الكلية التي تخرج العمل عن حيِّز (الابتداع)، كما انَّ عدم وجود العمل في العصر الاول للتشريع لا يساوق عدم مطلوبية الشريعة له، ووجودُه لا يساوق مطلوبيته، لأنَّ المدار في (الابتداع) ليس هو وجود العمل أو عدم وجوده في عصر التشريع، كما مرّ معنا سابقاً.

وأما التذرع بعدم فعل السلف للمولد والذي لمسناه في أغلب الأقوال المتقدمة، فقد مرَّ الحديث عنه آنفاً، فليراجع.

وقد حاول البعض أن يضيف دليلاً آخر لتحريم الاحتفال بالمولد النبوي، وهو

____________________

(١) صالح الفوزان، البدعة: تعريفها - أنواعها - أحكامها، ص: ١٧.

(٢) جعفر السبحاني، الوهابية في الميزان، ص: ١٩٥، عن الفتح المجيد، ص: ١٥٤.

٢٥٢

اشتمال هذهِ الاحتفالات على الامور المحرَّمة غالباً كالموسيقى، والغناء، واختلاط النساء بالرجال. وغير ذلك.

ونحن في الوقت الذي نرفض فيه وجود هذا النمط المدّعى من السلوك المحرَّم في احتفالات المولد التي يقيمها أتباع مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام رفضاً قاطعاً، ونعتبر ذلكَ تهمة لا أساس لها. نؤكد على أنَّ الاقتران بحدِّ ذاته لا يشكل الغاءاً لأصل العمل، ولا يؤدي الى القول بتحريمه، إذا انَّ القول بذلك يستلزم القول ببطلان اُصول العبادات المسلَّمة فيما لو اقترنت بأي عنوان تحريمي، وهذا ما لايتفوه به أحد، فلو اقترنت الصلاة الواجبة بالنظر الى المرأة الأجنبية مثلاً الذي عمل هو محرَّم قطعاً، فهل يُقال هنا بأنَّ الصلاة الواجبة أصبحت (بدعة) يحرم الاتيان بها (والعياذ باللّه)، وهل يسري التحريم بطريقة تصاعدية الى أصل تشريعها وإيجابها بمجرد هذا الاقتران؟!

وعلى أية حال فانَّ مناقشة هذهِ الآراء، والخوض في تفاصيلها، خارج عن طبيعة الطرح الذي تخضع له هذهِ الدراسة، على أنَّها قد أخذت موقعها الخاص، واُشبعت بحثاً وتحليلاً في دراسات الكثير من علمائنا السابقين واللاحقين جزاهم اللّه عن ذبّهم ودفاعهم عن رسالة الاسلام أوفر الجزاء(١) ، كما وتوجد مصنفات معتبرة لدى بعض أبناء العامة في الرد على القول بتحريم الاحتفال بيوم المولد النبوي الشريف، قد نتعرض الى ذكر أقوال البعض منها في ذيل هذا الحديث.

والذي يهمنا ذكره هنا هو أنَّ النصوص الشرعية العامة الواردة في مقام التأكيد على ضرورة احترام شخصية الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتبجيله، وتوقيره، حياً وميتاً، وكذلك الواردة في شأن أهل البيتعليهم‌السلام ، مما لا يسع أحداً إنكارها، أو التشكيك فيها لكثرتها وتواترها، وهي كافية لأن تصحح عمل المولد، وتضفي عليه طابع الشرعية،

____________________

(١) انظر لمزيد من الاطلاع حول هذا الموضوع البحثَ القيِّم الموسوم ب(المواسم والمراسم) للعلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي (حفظه اللّه تعالي).

٢٥٣

وتجعله من مظاهرها البارزة، ومصاديقها الواضحة والجلية.

فمما ورد بشأن الحث على احترام شخصية الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الكتاب العزيز قوله تعالى:

( فَالَّذينَ آمَنُوا بِهِ وَعزَّرُوه وَنَصَرُوهُ واتَّبَعوا النُّورَ الَّذي أُنزِلَ مَعَه أُولئِكَ هُم المُفلُحون ) (١) .

وقد ذكر المفسرون انَّ المراد من (التعزير) في الآية ليس مطلق النصرة، إذ إِنَّه اُفرد عن قوله: (نصروه)، ولو كان بمعنى مطلق النصرة لما كان هناكَ داعٍ للتكرار، فالمراد من (التعزير) هو التبجيل والتوقير والتعظيم، أو النصرة مَعَ التعظيم(٢) .

كما ذكر القرآن الكريم الأدب الخاص الذي ينبغي أن يتعامل به المسلمون مَعَ رسول الانسانيةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمكانة التي يتحتم عليهم حفظها له، ورعايتها بشأنه، فقد ورد النهي عن أن يرفعوا أصواتهم فوق صوته، أو يجهروا له بالقول، لان ذلك سيكون مدعاة الى أن تحبط أعمالهم، بخلاف اُولئك الذين يظهرون أمامه الأدب الرفيع، ويغضّونَ أصواتهم عنده، كما يقول اللّه تعالى:

( يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرفَعُوا أَصواتَكُم فَوقَ صَوتِ النَّبي وَلا تَجهَرُوا لَهُ بالقَولِ كَجَهرِ بَعضِكُم لِبَعضٍ أَن تَحبَط أَعمالُكُم وَأَنتُم لا تَشعُرُونَ* إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصواتَهُم عِندَ رَسُولِ اللّهِ أُولئكَ الَّذِينَ امتَحَنَ اللّهُ قُلوبَهُم لِلتَّقوى لَهُم مَّغفِرةٌ وأَجرٌ عَظيمٌ ) (٣) .

كما ورد النهي في القرآن الكريم عن أن يُدعى النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسمه كما يُدعى

____________________

(١) الاعراف: ١٥٧.

(٢) قال (الطباطبائي) في تفسير الميزان، ج: ٨، ص: ٢٩٦: «التعزير: النصرة مَعَ التعظيم»، وقال (الطبرسي) في مجمع البيان، ج: ٤، ص: ٦٠٤: «وعزروه: أي عظموه ووقروه ومنعوا عنه أعداءه»، وقال (ابو حيان الاندلسي) في البحر المحيط، ج: ٥، ص: ١٩٦: «وعزروه أثنوا عليه ومدحوه»، وقال (ابن كثير) في تفسير القرآن العظيم، ج: ٩، ص: ٢٦٥: «ونصروه: أي عظموه ووقروه».

(٣) الحجرات: ٢ - ٣.

٢٥٤

سائر الناس، وذلكَ في قوله تعالى:

( لا تَجعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَينكُم كَدُعاءِ بَعضِكُم بَعضاً ) (١) .

وكذلكَ ورد النهي عن التسرع في إبداء الرأي والنظر بين يديه، كما قال تعالى:

( يا أَيُّها الَّذِينَ آمنُوا لا تُقدِّموا بَينَ يَديِ اللّهِ ورسُولهِ واتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ سميعٌ عليمٌ ) (٢) .

وجاءَ صريح القرآن يأمر المسلمين أن يذكروا رسولهم بالدعاء، والصلاة والتسليم، لما له من منزلة عظيمة عند اللّه جلَّ شأنه، ومن مقام محمودٍ لديه، كما قال تعالى:

( إِنَّ اللّهَ وَملائِكتَهُ يُصَلُّون عَلى النَّبيِّ يا أَيُّها الَّذينَ آمنُوا صلُّوا عَلَيهِ وَسلِّمُوا تسليِماً ) (٣) .

وقد ورد في الأثر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انَّه قال:

«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ اليه من ماله وأهله والناس أجمعين»(٤) .

وروي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال:

«ثلاث مَن كنَّ فيه وجَدَ حلاوة الايمان: أن يكون اللّه ورسوله أحبَّ اليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرءَ لا يحبه إلا لِلّه، وأن يكره أن يعود في الكفر، كما يكره أن يقذف في النار»(٥) .

____________________

(١) النور: ٦٣.

(٢) الحجرات: ١.

(٣) الاحزاب: ٥٦.

(٤) مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، ج: ٣، ص: ٢٧٥، وج: ٤، ص: ١٨٣، وفي مسند أحمد: ج: ٤، ح: ١٣٩٩، ص: ١٨٣، وفي النسائي بشرح السيوطي: ج: ٨، ح: ٥٠٢٩، ص: ٤٨٨، وفيه أيضاً عن أبي هريرة عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ اليه من ولدِهِ ووالده»، النسائي، ج: ٨، ح: ٥٠٣٠، ص: ٤٨٩، وفي البخاري، ج: ١، ص: ٩، باب: حب الرسول من الايمان، ح: ١ و ٢.

(٥) البخاري، صحيح البخاري، ج: ١، باب: حلاوة الايمان، ح: ١، ص: ٩، وفي مسند أحمد، ج: ٣، ح: ١١٥٩١، ص: ٥٣٩، وج: ٤، ح: ١٢٣٥٤، ص: ٩، وج: ٤، ح: ١٣٥٠٠، ص: ١٨٤، بتفاوت يسير.

٢٥٥

وروي أيضاً انَّ عمر بن الخطّاب قال:

«يا رسول اللّه لأنتَ أحب إليَّ من كلِّ شيءٍ إلا من نفسي!؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي نفسي بيده حتى أكون أحبَّ اليك من نفسك. فقال له عمر: فانتَ الآنَ أحبُّ اليَّ من نفسي، فقال: الآنَ ياعمر»(١) .

وأما ما ورد بشأن أهل البيتعليهم‌السلام ، فيكفينا ما ألمحنا اليه في صدر البحث من الآيات والروايات الدالة على وجوب طاعتهم، والتمسك بهم، وحفظ مودتهم، وقد قال تعالى:

( قُل لا أَسئَلُكُم علَيهِ أَجراً إِلا المَودَّةَ في القربى ) (٢) فنرى أن هذهِ الآية تفرض مودة أهل البيتعليهم‌السلام على كلِّ مسلم ومسلمة، وتجعل هذهِ المودة أجراً للرسالة الاسلامية.

وقد ورد عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انَّه قال:

«اُذكركم اللّهَ في أهل بيتي» وكرَّرها ثلاثَ مرات(٣) .

وعن (ابن عباس) عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انَّه قال:

«.وأحبّوني بحبِّ اللّه، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي»(٤) .

____________________

(١) سعيد حوّى، كي لا نمضي بعيداً عن احتياجات العصر، السيرة بلغة الحب والشعر، ص: ١٥.

(٢) الشورى: ٢٣، انظر للاطلاع على مورد نزول الآية الكريمة: حسين الشاكري، علي في الكتاب والسنة، ج: ١، ص: ٤٣٥ - ٤٤١، فمن المصادر التي ذكرت نزول الآية في حق أهل البيتعليهم‌السلام : (النور المشتعل) لابي نعيم الاصبهاني، ص: ٢٠٧، ح: ٥٧، و(حلية الأولياء)، ط بيروت، ج: ٣، ص: ٢٠١، و(شرف المصطفى) للخركوشي، ط طهران، ص ٢٥٢ و ٢٦١، و(إحياء الميت) للسيوطي، ط مصر، ص: ١١٠، و(الدر المنثور)، ط مصر، ج: ٦، ص: ٧، و(الاكليل)، ط مصر، ص: ١٩٠، و(مقتل الحسين) للخوارزمي ط النجف، ج: ١، ص: ٥٧، و(الفضائل) لأحمد بن حنبل، ص: ١٨٧، ح: ٢٦٣، و(الكشاف) للزمخشري، ط القاهرة، ج: ٣، ص: ٤٠٢، و(بحار الانوار)، ج: ٢٣، ص: ٢٢٨ - ٢٥٣. و(تفسير البرهان)، ج: ٤، ص: ١٢١ - ١٢٦، و(إحقاق الحق)، ج: ٣، ص: ٢ - ٢٣ و ٥٣٣، وج: ٩، ص: ٩٢ - ١٠١، وج: ١٤، ص: ١٠٦ - ١١٥، وج: ١٨، ص: ٣٣٦ - ٣٣٨ و ٥٣٨.

(٣) مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، ج: ١٥، ص: ١٨٠، من كتاب (فضائل الصحابة) باب: (فضائل علي بن أبي طالب)، ٤ / ١٨٧٣، وفي مسند أحمد بن حنبل، ج: ٥، ح: ١٨٧٨٠، ص: ٤٩٢. وفي الفضائل: ١١٦٧.

(٤) الترمذي، سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ج: ٣٧٨٩، ص: ٦٢٢.

٢٥٦

وقد تركت الشريعة الاسلامية تقدير هذا التبجيل والاعتزاز الى نفس المسلمين، ليعبّروا عنه على وفق عاداتهم وتقاليدهم الحياتية المتنوعة، وبما تفيض به مشاعرهم الجيّاشة تجاه هذهِ الشخصيات العملاقة، على شريطة أن لا يُرتكب عمل محرَّم، أو منافٍ للآداب الاسلامية خلال تلك الممارسات، إرتكازاً على الحقيقة القائلة بانَّ اللّه تعالى لا يُطاع من حيث يُعصى.

وقد ربطت الشريعة الاسلامية بين ماضي الانسان وحاضره، من خلال مفردات متعددة، أبرزها وأهمها هو إحياء المناسبات والذكريات الدينية، وأكّدت على انَّ الماضي يشكّل الوجه الأهم في صنع قرارات الحاضر، وديمومة حركته، ووفرت الأجواء الملائمة التي تجعل الانسان لمسلم مرتبطاً بتراثه بصورةٍ دائمة، من خلال الشعائر والمناسك، وإحياء المناسبات الدينية المختلفة، والمحافظة عليها، والاعتزاز بها، والاستلهام منها، فتربط هذهِ الذكريات الاسلامّية الخالدة حاضر الانسان المسلم بعجلة الماضي، وتسير به في طريق الانفتاح على كل ما من شأنه أن يرقى بسلوكه الى مستوى تحقيق الغايات، فيشكل الماضي حينئذٍ وقود حركة الحاضر، ويحدد المعالم الفاعلة لرؤية المستقبل.

يقول العلامة (الاميني) بشأن إحياء الذكريات الاسلامية:

«لعلّ تجديد الذكرى بالمواليد والوفيّات، والجري على مواسم النهضات الدينية، أو الشعبية العامّة، والحوادث العالمية الاجتماعية، وما يقع من الطوارق المهمة في الطوائف والأحياء، بعد سنيِّها، واتخاذ رأس كل سنة بتلكم المناسبات أعياداً وأفراحاً، أو مآتم وأحزاناً، وإقامة الحفل السار، أو التأبين، من الشعائر المطّردة، والعادات الجارية منذ القدم، ودعمتها الطبيعة البشرية، وأسستها الفكرة الصالحة لدى الاُمم الغابرة، عند كلِّ اُمة ونحلة، قبل الجاهلية وبعدها، وهلمَّ جرا حتى اليوم.

هذهِ مواسم اليهود، والنصارى، والعرب، في أمسها ويومها، وفي الاسلام وقبله، سجَّلها التاريخ في صفحاته.

٢٥٧

وكأن هذهِ السنة نزعة إنسانية، تنبعث من عوامل الحب والعاطفة، وتُسقى من منابع الحياة، وتتفرع على اُصول التبجيل والتجليل، والتقدير والاعجاب، لرجال الدين والدنيا، وأفذاذ الملأ، وعظماء الاُمة، إحياءاً لذكرهم، وتخليداً لاسمهم، وفيها فوائد تأريخية اجتماعية، ودروس أخلاقية ضافية راقية، لمستقبل الأجيال، وعظات وعبر، ودستور عملي ناجع للناشئة الجديدة، وتجارب واختبارات، تولِّد حنكة الشعب، ولا تختص بجيل دون جيل، ولا بفئة دون اُخرى.

وانَّما الأيام تقتبس نوراً وازدهاراً، وتتوسم بالكرامة والعظمة، وتكتسب سعداً ونحساً، وتتخذ صيغة مما وقع فيها من الحوادث المهمة، وقوارع الدهر ونوازله.»(١) .

من هنا فقد أدرك بعض علماء العامة عمق انتساب هذ ا الأمر الى الشريعة عن طريق الادلة الكلية المتسالمة، فعبَّر البعض عنه ب(البدعة الحسنة)، فيقول (ابن حجر) بهذا الشأن: «عمل المولد بدعة، لم تُنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنّها مَعَ ذلكَ قد اشتملت على محاسن وضدّها، فمن تحرّى في عملها المحاسن، وتجنَّبَ ضدها كانَ بدعةً حسنةً، والا فلا»(٢) .

ويقول الامام (أبو شامة):

«ومن أحسن ما ابتُدع في زماننا ما يُفعل كلّ عامٍ في اليوم الموافق ليوم مولدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة، والسرور، فانَّ ذلكَ مَعَ ما فيه من الاحسان للفقراء مشعر بمحبتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتعظيمه في قلب فاعل ذلك، وشكر اللّه على ما منَّ به من إيجاد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أرسله رحمةً للعالمين»(٣) .

ويقول السيوطي في رسالته (حسن المقصد في عمل المولد):

____________________

(١) جعفر مرتضى العاملي، المواسم والمراسم، ص: ٩٣ - ٩٤، عن سيرتنا وسنتنا للعلامة الاميني، ص: ٤٥ - ٤٦.

(٢) جعفر مرتضى العاملي، المواسم والمراسم، ص: ٦٢، عن رسالة المقصد المطبوعة مَعَ النعمة الكبرى على العالم، والتوسل بالنبي وجهلة الوهابيين، ص: ١١٤.

(٣) جعفر مرتضى العاملي، المواسم والمراسم، ص: ٦٣، عن السيرة الحلبية، ج: ١، ص: ٨٣ - ٨٤.

٢٥٨

«عندي انَّ أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس، وقراءة ما تيسَّر من القرآن، ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما وقَعَ في مولده من الآيات، ثم يمدّ لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك، هو من البدع الحسنة التي يُثاب عليها صاحبها، لما فيه من تعظيم قدر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف»(١) .

وينقل (ابن تيمية) أقوالاً عديدة تدل على مشروعية الاجتماع والاحتفال بيوم المولد النبوي الشريف على الرغم من أنَّه من المتشددين على مَن يتخذه عيداً كما يزعم(٢) ، بل كان متناقضاً في نفس كلامه الذي نقلناه عنه آنفاً.

وعلى أية حال فهو يقول في (إقتضاء الصراط المستقيم):

«قال المروزي: سألتُ أبا عبد اللّه عن القوم يبيتون، فيقرأ قارئ، ويدعون حتى يصبحوا؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس. وقال أبو السري الحربي: قال أبو عبد اللّه: وأي شيء أحسن من أن يجتمع الناس يصلّون ويذكرون ما أنعم اللّه عليهم كما قالت الأنصار».

وأضاف:

«وهذا إشارة الى ما رواه أحمد، حدَّثنا اسماعيل، أنبأنا أيوب عن محمد بن سيرين قال: نبئت أنَّ الأنصار قبل قدوم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة قالوا: لو نظرنا يوماً فاجتمعنا فيه، فذكرنا هذا الأمر الذي أنعم اللّه به علينا، فقالوا: يوم السبت، ثم قالوا: لا نجامع اليهود في يومهم، قالوا: فيوم الأحد، قالوا: لا نجامع النصارى في يومهم، قالوا: فيوم العروبة، وكانوا يسمّون يوم الجمعة يوم العروبة، فاجتمعوا في بيت أبي اُمامة أسعد بن

____________________

(١) سعيد حوّى، كي لا نمضي بعيداً عن احتياجات العصر، (٦) السيرة بلغة الحب والشعر، ص: ٤٢.

(٢) انظر للاطلاع على مشروعية اتخاذ هذا اليوم عيداً والمباني الشرعية والتاريخية لذلك (المواسم والمراسم)، ص: (٩٥ - ١٠٧).

٢٥٩

زرارة، فذُبحت لهم شاة فكفتهم»(١) .

إذن فمشروعية الاجتماع للاحتفال والابتهاج بالذكريات الدينية المهمة نزعة إنسانية، تسير جنباً الى جنب مَعَ الفطرة البشرية، وتنبعث طبيعياً ما دام الانسان يحيا في جوِّ الجماعة الانسانية، ولذا نرى انَّ المسلمين لم يتخلفوا عن مجاراة هذا السلوك الانساني في مناسباتهم الدينية المختلفة، وهذا الذي ينقله لنا (ابن تيمية) واحد من عشرات المظاهر التي كانت تعبِّر عن هذا الواقع، وتعكسه في حياة المسلمين، بما يتناسب وينسجم مَعَ طبيعة الأعراف والتقاليد والاهتمامات التي كانت تحكم المجتمع آنذاك، الأمر الذي يدلل على أنَّ جذور إقامة الاحتفال، والاجتماع لاحياء الذكريات الاسلامية كانت ممتدة الى بدايات عصر ظهور الدعوة الاسلامية المباركة.

ولقد كان رأي الاستاذ (سعيد حوّى) أكثر تحرراً واعتدالاً من آراء الآخرين في هذهِ المسألة، حين دعم القول بجواز إحياء الذكريات الاسلامية عموماً وذكرى مولد النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على نحو الخصوص، بالأدلة المقنعة، وحَمَل على المتشددين الذين لم يحسنوا فهم معنى (الابتداع)، على الرغم من انّه لم يبرح عاكفاً على الايمان بأنَّ (البدعة) تنقسم الى مذمومة وممدوحة، فيقول:

«والذي نقوله: أن يعتمد شهر المولد كمناسبة يُذكّر بها المسلمون بسيرة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشمائله، فذلكَ لا حرج، وأن يعتمد شهر المولد كشهر تهيج فيه عواطف المحبة نحو رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذلكَ لا حرجَ فيه، وأن يُعتمد شهر المولد كشهر يكثر فيه الحديث عن شريعة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذلكَ لا حرج فيه، وانّ مما اُلف في بعض الجهات أن يكون الاجتماع على محاضرة وشعر، أو انشادٍ في مسجد، أو في بيتٍ بمناسبة شهر المولد، فذلكَ مما أرى حرجاً فيه، على شرط أن يكون المعنى الذي يُقال صحيحاً.

إنَّ أصل الاجتماع على صفحةٍ من السيرة، أو على قصيدة في مدح رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

(١) ابن تيمية، إقتضاء الصراط المستقيم، ص: ٣٠٤.

٢٦٠